فرانكو فونتانا.. إيطالي باع أملاكه والتحق بالثورة الفلسطينية
كانت فلسطين في عقله حكاية تشبه مدينة بولونيا شمال إيطاليا التي ولد فيها، مدينة المثقفين والشوارع الأنيقة، والحدائق الساحرة والأبراج المائلة.
كانت حلما راوده ورسمها في عقله أيقونة جميلة تحاكي أزهار الأقحوان والزنبق الذي ينمو في حديقة "باركو ديلا مونتاغنولا" التي تتوسط مدينته منذ 500 عام.
وصل فرانكو فونتانا، أو المعروف باسمه العربي "جوزيف إبراهيم" لبنان في عام 1969، قادما من بولونيا لمرافقة العمليات التي كان ينفذها الفلسطينيون.
وبعد وفاة والده باع كل أملاكه في باليرمو، وكل ما ورثه عنه، وقدمها إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان عام 1977 .
جاء من مدينة عرف سكانها بجرأتهم وانغماسهم في الحياة الثقافية، وكانت القضية الفلسطينية آنذاك قضية أممية عند كثير من الثوريين والتنظيمات الثورية فضمت الثورة الفلسطينية مقاتلين أجانب من جنسيات متعددة مثل "الجيش الأحمر" من ألمانيا، و "الجيش الأحمر الياباني" وغيرها.
عرف فونتانا بمهارته في استخدامه "الكاتيوشا"، ويقال إنه نفذ عمليات قصف استهدفت مواقع إسرائيلية من جنوب لبنان، وشارك في العديد من العمليات الفدائية في الجنوب اللبناني خلال التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وتصف حركة فتح فونتانا بأنه "مقاتل في فتح إيطالي الجنسية"، وتشير إلى أنه "اعتنق الإسلام، وأصبح اسمه جوزيف إبراهيم" خلال قتاله في صفوفها.
كما تظهر بطاقة هويته العسكرية أنه كان يقاتل في صفوف "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" قبل أن يعود إلى ايطاليا بعد خروج منظمه التحرير الفلسطينية من لبنان عام 1982.
وبعد سنوات على توقف القتال، سعى إلى الالتقاء برفاق السلاح، وبحث عنهم في المخيمات الفلسطينية.
عاد ليبحث عن الذكريات والوجوه التي عرفها مقاتلًا، تعرف على بعضها وحزن لغياب آخرين، وقف أمام أحدهم وقال له بعربية ركيكة: "يلا رفاق يلا رفاق".
يتذكر رفاقه كيف كان بسيطا ومتواضعا، كانت مائدته المفضلة صحن الحمص والزيتون وكأسًا من الشاي.
حين زار بيروت بعد نحو ثلاثين عاما قال بحزن: "ليست هذه بيروت! لقد تغيرت كثيرا"، ويضيف: "لكن مخيماتها لم تتغير، زادت ظلمه النهار فيها فقط!".
زار مخيم شاتيلا، وحين رأي الأطفال رمى بنفسه بينهم، واخذ يلاعبهم بمتعة طفل لا يريد أن يكبر، قصد المقبرة حيث دفن شهداء المجزرة، ووقف بإجلال وصمت أمام أضرحة الشهداء، وكأنه يودع نفسه أيضًا!
وقف حيث ترك قلبه كما قال، ويبدو أن لم يخطئ؛ فقد أصابته جلطة دماغية تُوفي على أثرها في رحلة البحث في لبنان عام 2015.
كانت أخر كلماته قبل وفاته بقليل: "قد أموت ولا أرى تحرير فلسطين، ولكن أبنائي أو أحفادي حتمًا سيرون تحريرها، وعندها سيعرفون قيمة ما قدمته لهذه الأرض الطيبة، ولهذا الشعب الصلب."
حاولت السفارة الإيطالية في بيروت نقل جثمانه إلى بلاده، إلا أن وصية فرانكو منعتهم من ذلك؛ فقد طلب أن يدفن في فلسطين، وإذا تعذر ذلك، ففي مخيم اليرموك أو عين الحلوة .
شيع بجنازة مهيبة تقدمتها ابنته لاورا فونتانا، وابنه ماسيمو فونتانا. واصطفت حشود الجماهير عند مدخل مخيم شاتيلا لاستقبال الجثمان الذي لف بعلمي فلسطين وإيطاليا، وحمل على أكتاف رفاق الشهيد، ودفن في مقبرة شهداء مخيم شاتيلا إلى جوار الشهداء الذين وقف على قبورهم بكل احترام ووقار.
قال ابنه ماسيمو في تشييعه: "سألت والدي يوما عن الشعب الفلسطيني، وعن قضيته، وعن سر هذا التأييد الواسع للشعب الفلسطيني في كل دول العالم، فأجاب: الظلم والعدالة والحرية".
وأضاف ابنه: "نحن اليوم لم نخسر مناضلًا ضد الظلم ومن أجل الحرية، بل أيضاً خسرنا مفسرًا دقيقًا للقضية الفلسطينية وعدالتها".
دفن جوزيف هناك قريبا من المكان الذي كان قلبه معلقا فيه.