منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 من النكبة إلى الإنبعاث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالأربعاء 20 مايو 2020 - 3:23

من النكبة إلى الإنبعاث
الكاتب: د. مصطفى البرغوثي



لم تتخيل الحركة الصهيونية أن النكبة الكبرى التي سببتها للشعب الفلسطيني ستقود إلى انبعاث هذا الشعب في ثورات وانتفاضات متتالية، لم تتوقف، ولن تتوقف، قبل أن ينال الفلسطينيون حريتهم.
وخابت أحلام الحركة الصهيونية مرتين، مرة لأنها اعتنقت وروجت لمقولة " أن كبار اللاجئين الفلسطينيين سيموتون، وصغارهم سينسون"، وإذا بها تفاجىء بأن صغار الفلسطينيين أكثر تمسكا بفلسطين وبحقهم في العودة إليها.
أما خيبتها الثانية فتمثلت في فشلها في طرد من صمد من الفلسطينيين من أرض وطنهم.
ورغم موجات الهجرة اليهودية المتتالية، ورغم تهجير أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني عام ،1948 ومئات آلاف آخرين أثناء عدوان 1967، ورغم إستحضار ما لا يقل عن ثلاثة أرباع مليون مهاجر غير يهودي من روسيا، تكون على أرض فلسطين كابوس الصهيونية الأكبر، وهو أن عدد الفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية يساوي إن لم يفوق قليلا عدد اليهود الإسرائيليين.
اليوم تحاول إسرائيل تنفيذ جريمة نكبة جديدة ضد الشعب الفلسطيني من خلال صفقة القرن، وقرارات الضم والتهويد لمعظم أراضي الضفة الغربية.
ولا تجد الحركة الصهيونية وسيلة لمواجهة الوجود البشري الفلسطيني المقاوم، إلا تكريس نظام أبرتهايد وتمييز عنصري أسوأ مما كان في جنوب إفريقيا.
وهي حائرة بين رغبتها في طرد الفلسطينيين وممارسة التطهير العرقي مرة أخرى ضدهم، وبين طمعها في مواصلة استغلال قوتهم العاملة التي كانت المصدر الرئيس للتراكم الرأسمالي في إسرائيل منذ عام 1967 واحتلال الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة.
بعد كل نكبة، وكل عدوان، وكل إجتياح، كان الفلسطينيون يجترحون المعجزات وينهضون كطائر العنقاء من رماد الدمار الذي تصنعه عصابات الحركة الصهيونية،وجيش إسرائيل، في الأردن، وفي لبنان، وفي أراضي 1948، وفي القدس وقطاع غزة، وباقي مدن وقرى فلسطين.
أما الفلسطينيون في الداخل فقد اخترقوا جدار القمع الذي عاشوه تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، وتجاوزوا الإستغلال الذي عاشوه بعد مصادرة معظم أراضيهم، واستعبادهم كقوة عاملة رخيصة، علموا أولادهم وقاوموا الإضطهاد العنصري، وصنعوا يوم الأرض وتوحدو فأصبحوا قوة يحسب لها ألف حساب.
الحركة الصهيونية لم تقبل حتى ذلك الحل الوسط الظالم الذي سماه العالم " حل الدولتين" حتى عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة على 22% فقط من فلسطين التاريخية، واليوم تمزق الحركة الصهيونية ذلك الحل، كما تدمر الوهم الذي خدع بعض الفلسطينيين بأن هناك فرصة لحل وسط معها.
ما لا تفهمه، ولن تفهمه، الحركة الصهيونية، ما دامت تتعامل مع الشعب الفلسطيني بقومية عنصرية بغيضة، أن جيشها المدجج بالسلاح ، وضباط مخابراتها الأسطورية، وضباطها المستشرقين لن يستطيعوا أبدا تفكيك لغز صلابة وقوة الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود والانبعاث بعد كل ضربة يتلقاها.
وما لا يفهموه اليوم أن قضاءهم على حل"الدولة الفلسطينية المستقلة" يُعيد الشعب الفلسطيني إلى مشروعه الأول، دولة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع على كامل أرض فلسطين التاريخية، دون تمييز عنصري، ودون قانون قومية جائر، ودون هيمنة أو تسلط أو إستعباد من أحد لآخر.
والأيام بيننا.
* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالأربعاء 20 مايو 2020 - 3:24

الشتات




حسن عبادي



 رصد بسام الكعبي في كتابه "جمر المحطات" مجموعة عناوين فلسطينيّة تناولت تجربة الاعتقال، ومنها رواية "الشتات" للأسير المحرّر رأفت خليل حمدونة (وُلد في معسكر جباليا للاجئين، أُعتقل عام 1990 وأمضى في سجون الاحتلال خمسة عشر عاماً؛ ومن مؤلّفاته: الجوانب الإبداعيّة للأسرى الفلسطينيّين، نجوم فوق الجبين، عاشق من جنين، ما بين السجن والمنفى حتى الشهادة، قلبي والمخيّم، لن يموت الحلم، صرخة من أعماق الذاكرة وغيرها)، (تحوي الرواية 91 صفحة، صادرة عن مؤسسة مهجة القدس؛ مؤسسة أهليّة مستقلّة غير ربحيّة تأسّست عام  2007، تعمل على التواصل مع الأسرى في السجون وترعى أُسَر الشهداء والأسرى والجرحى).
يُهدي الكاتب روايته "إلى الأسرى والأسيرات خلف القضبان" وهذا يدلّ على شخصيّته، فرغم السنين التي مضت ما زال للأسرى مكانًا في قلبه، قولًا وفعلًا، يكرّس جلّ وقته لقضاياهم، بعكس البعض ممّن تناسوا الأسر والأسرى، وحين يُثار أمر يتعلّق بأسرانا الأحرار، كأنّي بلسان حالهم يقول: "أوف، كمان مرّة الأسرى؟ بكفّينا عادْ"!!!
 تدورُ أحداثُ الرواية في القدس والأردن، وفي الخلفيّة تبقى المجدل المهجّرة حاضرة تحلّق في فضاء الرواية، فنصر ذاق طعم الاغتراب عن قدسِه حالمًا بعودة إلى بلدة أجداده، وهناك في أردن الشتات تزوّج لطيفة، ولكن قلبه لم يرحل معه وبقي في القدس علّه يصل عبرها إلى المجدل وعسقلان، يترك زوجته هناك لتخّلف ابنتهما انتصار ويتزوّج نِعمة ليرزقا برفيق، يصير مناضلًا صلبًا مشرّدًا ومطاردًا من قوّات الاحتلال، خبَر مرض ابنه فغامر وعاد لينقله إلى مستشفى المقاصد وفي طريقهم باغتهم العدو ليستشهد وزوجته ورفيقه ابراهيم ويكون رفيق الناجي الوحيد، ليعيش يتيمًا، ويتربّى في حضن محبوبة، أرملة ابراهيم، برفقة ابنها محمد.
ترك رفيق مقاعد الدراسة في سنّ مبكّرة ليعيل "والدته" ويؤمِّن تعليم "أخيه" في الثانويّة ودراسة الطبّ في الأردن ويتنقّل من عمل لآخر، عمل في الزراعة، اشتغل في كشك للصحف والمجلات والتبغ، بائع متجوّل في السوق لكن بلديّة القدس والشرطة تضيّق على المقدسيّين بكتابة المخالفات وفرض غرامات ماليّة على الباعة المتجوّلين، وتسجِن كلّ مخالف، وسُجِن، صاحب عربة متنقّلة لبيع احتياجات الطلبة من القرطاسيّة والأطعمة والمشروبات والحلوى، اشترى تحف كالجِمال والعقود والسلاسل  ليبيعها للسياح وزوّار بيت المقدس. عايش مذبحة الأقصى في أكتوبر 1990 والمواجهات في القدس حين خفّت السياحة فترك بيع التحف، اشتغل عتّالًا في سوق المدينة، صدمته سيّارة وانكسرت ساقه، ليتعرّف على سائقها، تاجر الجملة أبو يوسف ، اشتغل معه وتعلم التجارة على أصولها.
سار على درب والده الشهيد؛ دعم المناضلين بالمال وتوفير السلاح وتأمين المطاردين في الانتفاضة ودعم المقاومة فطورِد من قبل الاحتلال، أصيب إصابة بالغة وأعتقل.
يصوّر الكاتب التعذيب الجسدي والنفسيّ في المسكوبيّة أثناء التحقيق "كانوا يضغطون على الجرح ويلمسونه بأداة حادة...إن لم تعترف سوف نعتقل أمّك وأخاك وخطيبتك وسنهدم الليلة بيتكم". "مر سبعون يومًا على رفيق والتهب الجرح من الإهمال الطبّي والضغط النفسي، وشعر بالتعب الجسدي من قلّة النوم والجلوس على كرسي صغير مقيّد اليدين من الخلف وصبّ الماء البارد والساخن على رأسه وجسده ونقله للحجز الانفرادي ومواصلة تهديده وضربه وهزّ رأسه فشعر بألم شديد في رقبته وباقي جسمه"(ص. 55)، غرفة العار والعصافير الأنذال الذي يصوّرهم المحقّق المحتلّ: "إنّهم ليسوا منّا فمن خان شعبه ولا خير منه لشعبه لن يكون فيه خير لنا، وكما خانوكم فسيخونوننا يومًا ما، فنحن فقط نعصرهم ثم نرميهم؛ لأنّهم لا يساوون شيئًا"(ص. 59)، وكما وصفهم لي صديقي الأسير المحرّر: "مثل نكّاشات الذنين المستعملة".
يصوّر الكاتب سجن عسقلان المركزي وظروفه الصعبة، في مرحلة ما بعد التوقيف، الأسرى مزيج من النسيج الفلسطيني؛ المثقّف والأميّ، ابن المدينة والقروي، ابن غزة والضفّة و"فلسطين المحتلّة" (الله يسامحك، حتّى أنت يا رأفت!!!)، المتديّن والعلماني...ولكلّ أسير قصّة وموقف وأمل. الألفة بين الأسرى والتكاتف الاجتماعي بينهم قبل الانقسام المقيت، وهناك الحالات المرَضِيّة المزمنة؛ من يشعر بالاختناق من الأزمة الصدريّة المزمنة، الكفيف وغيرهم.
يصوّر حيوات انسانيّة  تقشعرّ لها الأبدان؛ هناك من ترك ابنه وعمره عامان وأصبح جدًا لثلاثة أطفال لم يحظَ برؤيتهم واحتضانهم، الأم تموت وهو سجين دون عناق، لا يزفّ أولاده ويُحرَم من مشاركة ابنته طُلبتها وطلعتها، الابن الوحيد صدمته سيارة وتوفي قبل أن يصل المستشفى وهو خلف القضبان!
الأسير إنسان يحلم بالحياة العاديّة؛ يشتاق لمنظر الفلّاح الذي روى أرضه بعرقه، يتوق إلى حنان الأم التي ذرفت الدمع شوقًا لمحبّيها، يحنّ للهب الموقد في ليلة ممطرة اجتمع حولها المحبّون، إلى ثمرة التين وشجرة الزيتون، لدالية العنب وزهرة اللوز...وعزاؤه أنّه يتنسّم هواء المجدل في سجن عسقلان!
حلمه أن يدمّروا السجن ويحوّلوه لحدائق وسنابل وأشجار برتقال وزهور جميلة!
يتحرّق رفيق في السجن، مُنعت الحاجة محبوبة من زيارته بحجّة أنّها ليست أمه وبعد عامين من التوقيف حُكم بالسجن ست سنوات ليتمّم تعليمه ويحصل على البكالوريوس، لينتقم من الحرمان والسجّان.
يتناول مهزلة أوسلو وسرابه والنقاش بين الأخوة داخل السجن، هناك من يراه كالخمر أو الميسر، ولكن من "محاسِنها" أنها سمحت لانتصار، التي تفوّقت في الجامعة وكانت نشيطة في الحركة الطلّابيّة وتعرّفت على محمد، بالعودة وصارت طبيبة يُشار إليها بالبنان، تعالج رفيق لتَتَعرّفُ عليهِ...أخيها.
قضى رفيق محكوميّته وحرّر ليلًا، قبل يوم إفراجه بأيّام، بشكل مفاجئ ليحرموه مذاق الاستقبال (جاءني  ما حدّثني به صديقي باسل؛ سهيلة وسوسن تنتظران تحريره باب سجن مجيدو وسلطة السجون "تًهرّبه" من بوابّة خلفيّة إلى العفولة!).
محور الرواية هو المجدل والقدس؛ وأهاليها المهجّرين في الشتات يحلمون بعودة قادمة لا محالة، اللجوء والعودة والنضال هو في سبيل استرداد حقّ مسلوب، أرض الآباء والأجداد في المجدل ومقدّساتنا في القدس، والاعتقال هو ضريبة إلزاميّة دفعها غالبيّة أبناء شعبنا الأحرار من أجل الحريّة والوطن السليب، والأسير هو أصدق من يحكي الحكاية...فلنسمع لما يقوله! وليس صدفة أنّ العنوان "الفرعي" للرواية – الحب، المقاومة، السجن والحريّة.
جاء الكاتب موفّقًا باختيارِه لأسماءِ شخوصِهِ؛ رفيق، نصر، خالد، لطيفة، انتصار، نعمة، ابراهيم، محبوبة، محمد، منال، الشيخ حسن، أبو يوسف وغيرها، فلكلّ اسم دلالاته ودوره في الرواية ويحكي حكاية صاحبه، بلغة سلسة وبسيطة بعيدة عن التعقيد ومحاولة شدّ العضلات المقيت.
 أثناء لقائي بأسرى يكتبون وجدتهم يشعرون بالحرية رغم الاعتقال وظلمة الزنازين، يحلّقون نحو الحريّة ليعانقوا شمسها بنقاوة وصفاء، فأوسلو وموبقاتها لم تلوّثهم، يشعرون بالفخر والاعتزاز حاملين تفاؤلهم على أكتافهم...فغدًا ستهتزّ أبواب زنازينهم لتبتلّ أرجلهم في مياه بحر حيفا.
 
يحملون الهمّ الفلسطيني، لكلٍّ حكايته وقصّته، والكتابة متنفّسهم، فما كتبه رأفت جاء صافيًا صادقًا دون رتوش، وهنا تكمن أهميّته، يحلم بغدٍ جميل وأفضل لأنّه لا يريد لتضحيته أن تذهب سدىً، كتابة الأسير ونشرها تحدّي للمحتل ومقاومة للسجّان وقيوده.
  
ملاحظة لا بدّ منها؛ أسرف الكاتب بالاستعانة بآيات قرآنيّة أثقلت على سيرورة النص الروائي لأنّنا لسنا بصدد موعظة دينيّة.
وأخيرًا، فوجئت أنّ الكثيرون من الأسرى الذين التقيتهم في الأشهر الأخيرة يقول لسان حالهم ما قيل لرفيق على يد من سبقوه في الأسر: "أليس من الغريب يا رفيق أن يكون شخص منّا بطلًا عند تنظيمه خارج السجن يطلب فيُطاع وإذا دخل السجن تنتهي صلاحيّته؛  لأن الاستفادة من إمكانيّاته وقدراته وتضحياته قد توقّفت!"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالأربعاء 20 مايو 2020 - 3:25

” قراءة في كتاب “جمر المحطات”، لمؤلفه بسام الكعبي، بقلم عادل سمارة

إصدار 2019

هذه قراءة عرض للكتاب وليست تقريضا من جهة، ومن جهة ثانية، هي قراءة تورطك في عديد الاستدعاءات التي تفرض نفسها لتجد نفسك في الجمر نفسه.

  كتاب الصديق الصحفي والإعلامي بسام الكعبي. لن اقول الأسير المحرر حيث أصبح الأسْر أداة لأسرى يستغلونها ويعرضونها لطواغيت السياسة كي تستغلها، رغم أن الكتاب بجِماعه عن الأسرى والأسر. وبكل مكاشفة، فبعد الوطن ضحايانا بايدينا إلى حد كبير هم الشهداء والأسرى لأننا لم ننصفهم/ن.

فالمشتبك مع العدو هو الشهيد، واليوم هم الأسرى، حيث الصراع بينهم وبين العدو في ضيق مكانهم وعُلو مكانتهم، مقابل اتساع فضاء العدو ووضاعة وجوده وإيديولوجيته بما هو كيان عميل للإمبريالية من عامل النظافة حتى رئيس الوزراء، وأعضاء الكنيست وخاصة العرب منهم، ولو هذا لما كان.

أما نحن ففي صراع على دولة أو دولتين أو دول، وأما الكارثة فكل ذلك بفخر. هذا عن السياسة أما عن الحياة اليومية فقد قادتنا أوسلو إلى حالة من البحثين:


  • باحثون عن لقمة اليوم

  • وباحثون عن صفقة القرن.


هل أحسن الكاتب  اختيار التوقيت ليتحدث عن الأسرى في زمن استدخال الهزيمة وتحول المرحلة إلى مرحلة الأوغاد، ربما نعم وربما لا، ولكن بالتأكيد ليس “لَعّم”.

من الذي اصطلى أكثر بالجمر، هل هن الأمهات في العدو بين محطة واخرى، ومن شاحنة لأخرى، ومن صيف لآخر، وخلفهن جندي أو آخر، أم الذي اصطلى بأشد هم الذين وراء القضبان والأسيجه حيث دخلوا إلى هناك بانتظار تحرير وتحرًّر، فإذا بهم علامة للنسيان!

صبر وتحدٍ وتضحيات وقوة مثال ومواجهات وثقافة وإضرابات، كل هذا وراء القضبان والأسيجة، وهناك كذلك من أُلحقوا بالركب صدفة وبلا قصد منهم، وهناك من خرج وتخارج. نعم كل هؤلاء اسرى ذات يوم وذات زمن. وهناك من ناضل بشدة وقسوة، سواء كووطني او قومي أو ماركسي، ثم كوَّع داعيا لدولة معهم أو دولتين، فمسح ماضيه ومسحنا ماضيه.

كل هذا يُجيز ليَ السؤال: كيف يمكن لمن اصطلى بالجمر أن ينسى كل ذلك ويتحول إلى مسخٍ وأداة ضد قضيته؟ فالعبرة ليست في الاكتواء بل العبرة في أيلولة الحروق النفسية والقلبية والذهنية، وهل تحولت إلى الشق الديالكتيكي بان المادة لا تفنى بل تتحول بارتقاء أم ما كان للبعض أن يتحول/تتحول إلى معدن خسيس!

هذا الوصف اللئيم من جانبي قد لا يُعجب الكثيرين، لكن النقد هو ما يشفي الجراح ويُحيل الحروق المتأتية من الجمر إلى عبرة تضع على مدماك التاريخ لَبِنة من ذهب.

فما قيمة تضحيتك في وسط الجمر إذا ما انتهى وطنك فيك لتصبح أنت نفسك مثابة مُروِّج للاستدوال بدل التحرير؟ إذا ما شاركت في الفساد، وفي القمع والاعتقال والتنسيق الأمني والارتشاء؟ تباً للمرحلة، فلو مارست القعود في البيت لكنت اثقل من حجر الرحى.

ما قيمة نضالك حين تتحول إلى داعية ماركسية للتعايش مع العدو في وطن هو يقول بأن الأرض له حصراً، وأنت عليك الرحيل أو الاندساس تحت فرجه السياسي والاقتصادي والثقافي ايضاً؟

في المتن:

يورد الكاتب وقائع إنسانية عديدة كشواهد على وحشية الإنسان في قمع الإنسان. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، بين الأمثلة الواردة كان أنطونيو غرامشي الذي انبرى جسده قبل أن يُخرَج من السجن إلى القبر سريعاً. تهالك جسديا ولم يتهالك فكريا. تتفق في الكثير معه وتختلف في القليل فلا اكتمال للبشر.

جميل، كان الحارس يحول بين غرامشي والنوم، وكان حراس معتقل بل زنازين العبدلي في عمان 1965 يحولون بيننا وبين النوم طوال الليل، لكن ليس بفتح وإغلاق الباب بل بالقيام بتعداد المعتقلين ووجوب تنبيه من كان نائماً. هي مدرسة واحدة، فعلم التعذيب معولم، ونضال السجناء معولم كذلك.

من تفاصيل الكتاب عذابات بشير حاج علي : “العسف او التعذيب في الجزائر”. اذكر انني قرأته قبل خمسة عقود ونيِّف. ولست اليوم بصدد دقة الوصف والعرض بقدر ما أستحضر أطروحة فرانز فانون عن مآل ثورات بلدان المحيط وسيطرة الكمبرادور، وقيامها باستعادة الاستعمار حيث وجدَت أنها حصلت على كنز لا يمكنها إدارته إلا بالردة.

كتب فانون ذلك ورحل عام 1961 اي قبل النصر بعام، وها هي الجزائر تعيد المخاض بقسوة ومعاناة ولا احد يدري بعد اين المفر.

في الأدب التسجيلي لتجارب السجون يورد الكاتب العمل المبكر لخليل بيدس في حقبة الاستعمار، وليس الانتداب البريطاني، وصولا إلى “دفاتر فلسطينية” للراحل معين بسيسو عن السجون في الحقبة الناصرية ، وصولا إلى حقبة السجون في فترة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الإشكنازي بعد 1967 وكتاب أسعد بعد الرحمن، “أوراق سجين” .

كتاب اسعد عبد الرحمن كان الأول الذي تحدث عن أول إضراب في سجون العدو بعد 1967 وهو الذي قمت به لوحدي في تموز 1968حين لم تكن ثقافة الإضراب عن الطعام قد بدأت في المعتقلات. وبعد سبعة ايام اضطر قائد سجن بيت ليد لإدخال اول كتاب إلى السجون وهو The Political Parties تأليف موريس دوفرجيه الفرنسي وكان جزء من دراستي في الجامعة اللبنانية عام 1965. لا أنسى شعوري حين سلمتني الكتاب إدارة مشفى سجن الرملة وأعادتني في البوسطة إلى سجن بيت ليد.

يُعرِّج الكتاب على كتاب وليد دقة النوعي “صهر الوعي ، أو إعادة تعريف التعذيب”. وهذا أعاد لي حدث عام 1968 في سجن بيت ليد حيث عوقبت من قبل ضابد السجن وهو يهودي عراقي اسمه : مار:حبّة” يقرأ العربية جديا كعراقي، كان قد قرأ رسالة إلى اسرتي كتبت فيها: “إنهم يحاولون تحويلنا إلى اصفار”. طبعاً عوقبت بعدة ايام زنزانة.

مثل مختلف الكتب يحوي الكتاب مفارقات ومواقف متناقضة للبعض. أحدهم قضى عقدين من الزمن في السجن، لينتهي في تصالح عميق مع الكيان داعيا لدولة واحدة مع اليهود “الحضاريين” وبأن الكيان ليس هو وجهه العسكري الحربي بل “الثقافة والحضارة والديمقراطية…الخ”  وربما نسي تغنيج المرأة في “اليويرةو فيجن” تبا للجوع إلى العبودية. عليك السلام يا مالك بن نبي. فليس وحده الإسلام الذي يجبُّ ما قبله بل كذلك التطبيع.

لعل الأهم مفارقة أخرى تناولها الكاتب بدرجة من التعاطف وهي الحالة التي قلما عرفها الناس هي المتعلقة ب نلسون مانديلا. مناضل قضى ردحا من الزمن في سجون الإمبريالية الرثة “جنوب إفريقيا، وخرج من السجن إلى الرئاسة. لكنه بدل أن يهدي تضحياته لشعبه أهداها في التحليل الأخير إلى الثورة المضادة فكان الفساد وكان الانتماء للسوق الراسمالية وعدم التنمية لتبقى جنوب افريقيا كما وصفتها في مقالة لي عام 1995 حين زرتها بأنها: ” سلطة بيضاء بوشاح اسود”. هنا لا يمكنك سوى ان تعقد مناظرة بين مانديلا وبين فرانز فانون. هذا هو الضد والضد في ديالكتيك ماركس، بل وديالكتيك دوقلة المنبجي في قصيدته “دعد”:

“ضِدَّان لمَّا أُستُجْمِعا حسُنا… والضد يُظهر حسنه الضدُّ”

تناول الكتاب ألوانا  من المقاومة في السجون ومنها تشغيلهم في بناء سجونهم. وكما اذكر كان من أشد الصدامات مع العدو هي محاولات تشغيل السجناء في نسيج شبك تغطية دبابات العدو.

كثيرة هي القضايا التي مر عليها الكاتب، بعيدا عن تجربة الأسرى وأهاليهم/ن، مما يُغري بالذهاب إلى  التداعيات التي تتوالد عنها، من ضمنها ما ورد عن عراق الرئيس صدام حسين، الرجل الذي اثار مواقف متناقضة منه متناقضة تناحريا. نَصفه بالشهيد لأنه الوحيد الذي قصف الكيان وهذا لم يفعله اي نظام عربي بعد، ويصفه البعض ب “المقبور” في سلوك بعضنا الذي هوى ليكون عميلا/ة للحليفة إيران!

ربما صار علينا الخروج من دائرة القول القبائلي في السياسة بأنه ما من حاكم علينا اعتباره قدوة. وهنا يكون الحد الأدنى من محبتنا لمن يقرؤوننا ومن نجلبهم للحياة أن يكونوا ذوي تفكير نقدي، وهذا لا يتاتى دون وعي وقوة ذاتية تسمح حين الضرورة بالاشتباك. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فهذا نفسه يخلق قدرة اشد قوة من الأولى وهي مراجعة المثقف لمواقفه ونقدها حين يرى تهالكها. لا قداسة أبداً ، ولكن يبقى للوطني فردا او قائدا مكانته مهما اعترته من ذاتية وحتى قمعاً، لأن الوطن كل شيء.

سئمت الحديث عن نفسي في علاقتها بموضوعات في الكتاب، لكن الكاتب عرَّج على ذكر هذا العروبي من “الإمارات البريطانية المتحدة غانم غباش وهو رجل يستحق ما يستحقه حيث عرفته في بريطانيا وتحديداً إبان التطورات التي قادت لاغتيال ناجي العلي ووصول خبر لي بأنني ضمن قائمة 14 إلى الجنة. كان بيت غانم غباش كل صيف مكان لقاء طلبة عرب عروبيين في كل اسبوع لنقاش الوضع في كل قُطر وقطر. ودعته يوم هربت من لندن وعلمت برحيله فيما بعد.

سيكون تآمراً على متن الكتاب إذا ما تابعت الحديث عن جوهره بما هو توصيف لمعاناة أهالي الأسرى ذلك لأن التدخل يصبح فظَّاً من جهة، ومن جهة ثانية، فأسلوب الكاتب هو الأفضل بلا مواربة.

بقي أن أختم بما قدم الكاتب عن تجربة جنوب إفريقيا، بأن محاولات نسخ هذه التجربة ألقت بنا في مهاوي أوسلو الأمر الذي جعل البلد تعج بالصرخات للاستسلام للكيان في دولة واحدة يقول مقابلها الكيان كل الكيان: هنا كرسي واحد لنا نحن! والكرسي قصير الأرجل حيث لا مجال لكم لتكونوا تحته.

ملاحظة: صدف تاريخ أهداء بسام كتابه إليْ 25-3-2019 ، هو يوم 25-3-1965 حيث اعتقلت من قبل الجيش الأردني  على الأسلاك الشائكة لقرية بيت صفافا المحتل نصفها حينذاك حيث كنت مع رفاق من ابطال العودة نحاول الدخول إلى الوطن المحتل.

من النكبة إلى الإنبعاث IMG_20190511_081634smartcaptureمن النكبة إلى الإنبعاث IMG_20190511_092623smartcapture
من النكبة إلى الإنبعاث MANDELA-BRIBED
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالأحد 24 يناير 2021 - 17:34

ما الذي نحتاج اليه كشعب فلسطيني؟ انتخابات ام تغيير جذري؟ 

لا اعرف ان كنا امام فرصة مهمة باحتمال حصول انتخابات تشريعية ورئاسية طال انتظارها، ام نحن امام اقتسام لانقسام بين طرفي النظام الحاكم الفلسطيني لتكريس نفوذهما واستحواذهما على طرفي الوطن المنقسم والمتشرذم والمنفصل المحاط من جميع الاتجاهات بما يؤكد ويذكر ويكرس حقيقة الاحتلال.
من جهة، يبدو الامر واضحا عند النظر الى الاتفاقية بين حماس وفتح لاقتسام الانتخابات وتوزيع الحصص فيما بينهما، وكأن الكيان الذي يتم الحديث عنه مجرد ارقام تتبلور بنهاية الامر لمحاصصة بين الفصيلين. نحن لا نعدو كوننا أرقاما لأهدافهم بامتصاص ما تبقى من كياننا ليشكلوا فيما بينهم افرادا متمكنين مستحوذين طغاة ظالمين. فإذا ما حصلت انتخابات على حسب مخططهم فنحن في مصيبة لا نعرف متى ستنتهي والى اين. فهذا يعني انهم سيستمدون شرعيتهم الغائبة من خلال صناديق الاقتراع ليستمروا في اختلاسهم لحياتنا.
ولكن، من جهة أخرى، إذا ما حصل وخسروا، إذا ما جرى بالفعل انتخابات نزيهة، وهو امر من المستحيل حدوثه في ظل مراسيم رئاسية لرئيس يبدو انه سيعيد ترشيح نفسه يتم رسمها وفق احتياجاته وقراراته ومزاجه ومصالحه وفصيله، او بالأحرى وافراد بعينهم مقربين منه. فتبدو الانتخابات وكأنها مصيدة تم حشرنا فيها. فمن يسمع حديث رئيس الوزراء بلقاء تلفزيوني بالأمس، يشعر وكأن الانتخابات والمجلس التشريعي هي الوصفة السحرية لكل مشكلة. قوانين لا تعجبنا اليوم، نغيرها عندما ننتخب المجلس التشريعي. لدينا أي ملاحظات عن أي اعوجاج او لا قدر الله انتهاك او إذا ما كان هناك حالة استثنائية بها فساد، فالمجلس التشريعي المنتظر سيحلها كلها ويحل مشاكلنا ويحقق لنا الديمقراطية المبتغاة!
من يسمع رئيس الوزراء ووثوقه بالانتخابات القادمة يقلق، فالطبيعي والبديهي أن يخاف، لأنه لن تستمر حكومة عناقيده الواعدة التي لم يقطف أي من ثمارها بعد، فتراه يتكلم عن الانتخابات المحتملة المرتقبة القادمة وكأنها انجاز حكومته. يتكلم عن غد مرتقب محتمل مشرق لمجلس تشريعي قادم بثقة الواثق، اما بالنجاح المطلق والمؤكد او عدم الحدوث، وكأن لسان سره يقول ” ابقوا شوفوني إذا صار اشي” ولسانه العلني يفرش لنا الورود والآمال والوعود وكأننا سنتحرر… اسفة… التحرر ليس من ضمن تفكيرنا أصلا. فجل ما نسعى له حكومة وشعبا هو إدارة بعض امورنا بينما يديرنا ويدور بنا الاحتلال. علّ وعسى بعد هذه الانتخابات المرتقبة تعيد السلطة الشرعية لنفسها امام العالم الذي تتوسله من اجل دفع فواتيرها.
ما توحي به جلسة رئيس الوزراء الواثقة انه متأكد من النتائج، فهو جالس في مكانه لا يتراوح عنه، مما يوحي بمعنى ان النتائج محسومة بجميع الاحوال، إذا ما جرى انتخابات وتم اقتسامها، وإذا لم يجر انتخابات وهو الأرجح. وكذلك ان جرى انتخابات وخسروا فيها، فهؤلاء لا يبدو انهم سيستسلمون لنتائج. ولن تكون محصلة ردة فعلهم كما فعل ترامب بالنهاية. هؤلاء سيُدخلون البلاد في حرب أهلية استنزافية حتى التأكد من بقاء كل واحد فيهم على كرسيه الى الابد. فما نشهده من عنف واقتتال هنا وهناك باستخدام أسلحة يبدأ ثمن القطعة فيها بعشرات الالاف الشواكل، يؤكد ان العدة التي يتم اعدادها ليست من اجل مواجهة الاحتلال ولا من اجل ان يستخدمها شاب ارعن يقتل فيها من يعترض طريقه. قد تكون نهاية مشهد خسارتهم بالانتخابات دموية أكثر بكثير مما نعرفه وشهدناه من الدموية. وما نشهده منذ اعلان حالة الطوارئ من استبداد علني وسري، وتغيير قوانين وكبت حريات وقمع واعتقالات وحرق ممتلكات ليس الا تمهيدا لما هو أسوأ قادم.
نعم يبدو المشهد مرعبا، فبانتخابات وبلا انتخابات وضعنا في مهب ريح على ارض مشتعلة. فهل من مخرج؟
لا بد من مخرج طالما نحن ننبض بالحياة. فكم من الممكن ان نتأقلم مع هذا الواقع الذي يستمر بالدوس علينا من الجهتين، يدوسنا الاحتلال من جهة وتدوسنا السلطة من الجهة الأخرى. بالنهاية نحن الشعب المصدر الحقيقي والوحيد لقوتهم   ولشرعيتهم ولوجودهم. ونحن من اعطيناهم الحق في التواجد وإقامة السلطة ورحبنا بعودتهم وانتظرنا بأمل دولة فلسطينية تمثل امالنا كشعب.
اليوم، علينا ان نقف بكل جدية امام أنفسنا ونسأل، كيف نعرّف أنفسنا كفلسطينيين؟ هل نحن هذا الشعب المنقسم المتشرذم بين الضفة وغزة والقدس ويعيش من اجل ان يكون له سلطة بها رئيس ورئيس وزراء ونواب مجلس تشريعي وتنظيمات امنية وعلم؟ ام نحن الشعب الذي تشتت وتشرذم وتهجر وصمد وواجه من اجل ان يبقي هويته ويعيش من اجل الحرية؟
للإجابة على أي من السؤالين علينا ان نعترف كذلك ان المشكلة التي تركناها تتفاقم هي مشكلة نظام سياسي فشل بتمثيل طموحنا كشعب وحولنا الى افراد تلهث وراء بقائها.
نحن بحاجة الى تغيير حقيقي وجذري بالنظام السياسي الفلسطيني. نحن بحاجة لأن ننهض من سباتنا ونستنهض طاقاتنا ونوحد صفوفنا كشعب فلسطيني في كل مكان ونعيد تشكيل هويتنا الفلسطينية. نحن بحاجة لأن نعيد تشكيل هويتنا التي تشتت ولم نعد نستطيع ان نعرفها. نحن بحاجة الى لملمة شتاتنا وننتج ما يجمعنا لا ما يفرقنا. قد يتوجب علينا الاعتراف ان منظمة التحرير ماتت، وحان وقت دفنها، اكراما لما قدمته في حياتها. فما يحدث من استغلالها او محاولة تحريكها كمن يعبث بأعضاء ميت. الا نستطيع استنهاض جسم جديد يظلل علينا جميعا كفلسطينيين وننظم أنفسنا من خلاله؟
ما جرى منذ قيام السلطة وتؤكده عبثية محاولة الانتخابات هو تفتيت للهوية الفلسطينية الجامعة، فلقد صار من يمثل فلسطين هو من يستطيع ان يكون اسمه في السجل الانتخابي. هل فلسطين هي بمن يحق له الاقتراع؟ – طبعا- بلا الحاجة الى التطرق الى إشكالية القوائم والتسجيل بها- نحن بحاجة لما يجمعنا كفلسطينيين بهوية تحدد ملامحنا كشعب واحد تشكل الضفة وغزة والقدس فيه جزء من الكل الفلسطيني. اين وكيف يمثل فلسطينيي الداخل أنفسهم ويعرفونها؟ اين فلسطينيي المخيمات خارج حدود الضفة وغزة؟ أين فلسطينيي المهجر والشتات من تمثيل أنفسهم؟
انغمسنا وغرقنا بمشاكلنا اليومية المتفاقمة ونسينا هويتنا الجامعة. لم نعد ذلك الشعب الذي ضرب المثل بصموده وتحديه لجبروت الاحتلال على مدار العقود. صرنا شعب غزة وشعب الضفة واهل القدس وجماعة المخيمات وعرب الداخل وفلسطينيي المهجر. ولا يزال العالم والاحتلال ينظر لنا كشعب واحد فاسد بفساد قيادته!
صرنا أبناء عشيرة ودين وحزب ومدينة وقرية، تتفرد في مصالحها وتعلو بتكتلها امام من يقترب منها وتسمو مع نفسها ظالمة او مظلومة. ونسينا ان الانسان يعلو ويسمو بأخلاقه وفضيلته.
ما نحتاج اليه هو جسم جامع لنا بكل اطيافنا واشكالنا وانتماءاتنا وعقائدنا وافكارنا.
نحن اليوم نقف فارغي الايدي من كل شيء الا ما تبقى من هويتنا الفلسطينية الجامعة. تلك الهوية التي تصارع في ظل تفاقم الاحداث حولنا وانهيار واضح للنظام السياسي الحالي من اجل أنفاسها الأخيرة.
هذه الهوية التي تبقي بداخلنا إصرارا على الوجود. هذه الهوية التي تجعلنا هذا الشعب الذي تحمل العيش تحت احتلال ولا يزال يجاهد من اجل تحرره.
نحن بحاجة لأن ننتج حركة نعيد من خلالها تشكيل نظام سياسي جامع، يمثل الفلسطينيين في كل مكان ويطمح الى تحررهم.
التحرير الذي نحتاجه ونصبو اليه اليوم يجب ان يكون خاليا من الشعارات الفارغة التي تسْتَمْهن حاجة الانسان بدلا من عكس احتياجاته وطموحه وتوقعاته. نحتاج اليوم أكثر من أي شيء الى العمل على بناء الانسان الفلسطيني بهويته التي تحترم إنسانيته أولا واخرا.
نحتاج ان نتحرر من قيود التبعية والعبودية والقدسية لشخص نصّبناه مُخلِّصاً او محرّراً او زعيماً، والعمل بإخلاص نحو إعادة بناء منظومة اجتماعية ترتقي بها الاخلاق وتُحترم فيها المعتقدات وتسمو لأجلها الحريات.
علينا ان نشكل حركة جديدة يساهم الأفراد فيها من اجل بناء شعب تمنح فيه الفرص للجميع، وتقدم فيه الكفاءات، وتنمو فيه القيم الأخلاقية، ويُعزّز فيه التّعاضد الاجتماعي، وتُشكّل وحْدته قوّة.
نحن امام امتحان وجودي، يوقفنا أمام قدرتنا على إحداث تغيير وإصلاح النظام السياسي الفلسطينيّ نحو بناء هوية فلسطينية وحدويّة شموليّة جامعة بقاعدة بناء دعائمها ترتكز على العدالة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص وتبني الأفكار البنّاءة والابداعية التي تنظر نحو مستقبل يكون فيه الإنسان الفلسطينيّ حرّاً.
عندما يتحرك الإنسان الفلسطيني ويتحرر من المراوحة نحو حراكات تقضي مصالح آنية…. نستطيع ان نحرر الوطن.
وإذا ما كان قد تشكل من حركات على مدار ستة عقود لم يأتينا بحرية ولا تحرر، فمن الواجب ان نبدأ الآن وفورا لتشكيل حركة تسعى لتحرير الانسان ليستطيع ان يحرر وطنه… ولا اعرف كم عقد نحتاج لنخرج التعقيدات التي توحلنا بها حتى يومنا هذا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالأحد 24 يناير 2021 - 17:35

فرص ومخاطر أمام القضية الفلسطينية

أشاع رحيل دونالد ترامب غير المأسوف عليه شعوراً عالمياً بالارتياح. وترافق ذلك مع سلسلة من القرارات الرئاسية التي اتخذها بايدن، لإلغاء جزء من الدمار الذي سبّبه ترامب، بما في ذلك عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية المناخ العالمي، وإلى منظمة الصحة العالمية، وإلغاء بناء الجدار على حدود المكسيك، وإلغاء التمييز والقيود على دخول مواطني دول ذات غالبية إسلامية. وكما كان متوقعاً، لم تشمل القرارات الجديدة تغييراً جوهرياً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بل أكد وزير الخارجية الجديد، أنتوني بلينكن، تمسّك الولايات المتحدة بإبقاء سفارتها في القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، من دون أي ذكر لها عاصمة لفلسطين، مع حديث عام عن تمسّك بايدن بحل الدولتين، ودونما إشارة إلى التوسع الاستيطاني الذي استقبل به نتنياهو إدارة بايدن الجديدة في يومها الأول، ومع ترحيبٍ مبالغ فيه في عمليات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل.

ما هو المتوقع بعد ذلك؟ حتى لو ألغت الإدارة الجديدة بعض القرارات المجحفة تجاه الفلسطينيين، كإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وأعادت المساعدات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والسلطة الوطنية الفلسطينية، فإن الإدارة الأميركية لن تتجاوز الصيغة العامة والمائعة في الحديث عن “مفاوضات” و”حل الدولتين”.

وقد نشهد اجتماعاتٍ جديدة للرباعية الدولية، وحديثا عن بدء مفاوضات جديدة، ولكن الخطر سيبقى متجسّداً في استمرار حكم اليمين الإسرائيلي الذي سيواصل، في ظل “الحديث عن المفاوضات”، تطبيق صفقة القرن والضم من خلال التوسع الاستيطاني، وعمليات التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، خاصة في مناطق ج من الضفة الغربية. وأسوأ ما يمكن أن يحدث أن نعود إلى سنوات أوباما – بايدن من مفاوضاتٍ عقيمةٍ بلا نتيجة، تستعملها إسرائيل غطاء للتوسع الاستيطاني، لتغيير الأمر الواقع على الأرض، ولتصفية إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتكريس نظام الأبرتهايد العنصري الإسرائيلي على الأرض. وبذلك، يتكرّر ما جرى حوالي ثلاثين عاماً منذ وقّع اتفاق أوسلو باستخدام “عملية السلام” بديلا للسلام، و”المفاوضات” بديلا للحل. .. هذا هو التحدّي الذي يواجه الشعب الفلسطيني في ظل اختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل.

خلاصة القول، لن يحقق الفلسطينيون شيئاً بالعودة إلى المراهنة على ما فشل سابقاً، أو على حسن نيات إدارة بايدن، والاستمرار في التمسّك بأهداب المفاوضات. وفي مقابل استمرار انغلاق الأبواب القديمة، هناك، دونما شك، فرص كبرى تنفتح أمام الشعب الفلسطيني. أولها افتضاح منظومة الأبرتهايد العنصرية الإسرائيلية، خصوصا بعد انكشاف ما صار معروفاً “طب الأبرتهايد” في واحد من أسوأ أشكال التمييز العنصري الذي تمارسه إسرائيل في موضوع توفير اللقاحات ضد وباء كورونا. وتترافق هذه الفضيحة مع عودة التركيز الشعبي في الولايات المتحدة، ودول كثيرة، على مكافحة العنصرية و”تفوّق العرق الأبيض” وعلى مناصرة حقوق الإنسان، ومع التغييرات البنيوية التي يشهدها جيل الشباب في الحزب الديمقراطي، ونشوء مجموعةٍ لا تقل عن عشرين عضو كونغرس مناصرين لحقوق الشعب الفلسطيني.

الفرصة المتاحة فلسطينياً اليوم تكمن في التركيز على ما قلناه عشرين عاماً، وما تجرّأت أخيراً بعض منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، كـ”بيتسيليم” على الاعتراف به، وهو أننا نواجه ليس فقط احتلالا بغيضاً، بل نظام أبرتهايد إسرائيلياً كاملاً، يشمل كل مكونات المنظومة الإسرائيلية، ويمارس اضطهاداً عنصرياً ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والداخل (أراضي 1948)، وضد اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين بالقوة والمحرومين من حقهم في العودة إلى وطنهم.

لن تستطيع إسرائيل مقاومة الهجوم على منظومة الأبرتهايد برمّتها، كما استطاعت أن تفعل سابقاً تجاه نقد الاحتلال بحجة الأمن والاحتياجات الأمنية. ويتطلب ذلك كله حواراً فلسطينياً جادّا، لتحقيق إجماع وطني على هدف الحركة الوطنية الفلسطينية الذي يجب أن يكون أوسع من مجرّد إنهاء الاحتلال الأطول في التاريخ البشري، ليشمل إسقاط كل منظومة الأبرتهايد الإسرائيلية، ما يمكن أن يفتح للنضال الوطني الفلسطيني وحركات التضامن العالمية معه آفاقاً بلا حدود. ولكن هذه الفرصة ترتبط كلياً بضرورة معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني، وتحقيق الوحدة المنشودة سياسياً وتنظيمياً وكفاحياً. ومع التأكيد مجدّداً على أن أحداً لن يعبأ بقضية فلسطين إن لم يضعها الفلسطينيون بأيديهم وبنضالهم على الساحة العالمية والمحلية، من منطلق أنه “ما حكّ جلدك مثل ظفرك”.

لتحقيق ذلك، لا بد من معالجة فورية لحالة الانقسام، بما يضمن إنجاز الانتخابات الديمقراطية التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني، في إطار إنهاء الانقسام، وليس في معزل عنه، فإجراء انتخابات مع استمرار الانقسام سيهدّدها بالفشل، وإن تمت فستكون نتيجتها تكريس الانقسام بدل إنهائه. ولا يجوز النظر إلى الانتخابات التي طال انتظار الشعب الفلسطيني لها بعد أن حرم منها 14 عاماً، باعتبارها مجرد فعل لتجديد للشرعيات، بل يجب أن تكون أداة لتقوية البنيان الفلسطيني في مواجهة إسرائيل والاحتلال ونظام الأبرتهايد والمؤامرات على القضية الفلسطينية.

هناك فرص كبيرة، وهناك مخاطر، وبإمكان الشعب الفلسطيني أن يغلّب الفرص على المخاطر، إن توفرت النية والإرادة الصادقة لمن يحملون لواء المسؤولية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75810
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

من النكبة إلى الإنبعاث Empty
مُساهمةموضوع: رد: من النكبة إلى الإنبعاث   من النكبة إلى الإنبعاث Emptyالجمعة 14 يونيو 2024 - 9:07

النكبة 

بين النكبتين: صفحاتٌ من الذكريات والمواقف
ولدت في النكبة الأولى داخل خيمة حصلت عليها العائلة من منظمة "الكويكرز" الأمريكية، وبعد ذلك بسنين انتقلنا إلى بيت متواضع من الطين تغطي سقفه ألواحٌ من الزينكو، وكانت العائلة تقيم فيه بكامل أفرادها العشرة.

وفي العام 1956م، تمَّ نقلنا مرة أخرى إلى مساكن جديدة أقامتها وكالة الأونروا، وهو ما كنَّا نطلق عليه في ثقافتنا الشعبية مساكن الكرميد، والتي استوطناها قبل العدوان الثلاثي بشهرين أو ثلاثة.

في هذا المسكن الجديد والمعروف بـ"مخيم الشابورة"، عشت طفولتي وسنوات شبابي، ولم أتذكر أنني غادرت هذا الكيلو متر المربع من محيطه المكتظ بالسكان، والبالغ عددهم حوالي 60 ألف لاجئ، لأكثر من ثمانية عشر عاماً، بسبب مشاكل ثأرٍ عائليةـ وحالة من الفقر المُدقِع وضيق ذات اليد، التي كانت تعشعش في معظم بيوت المخيم، وهو ما جعل من الصعوبة إمكانية السفر لزيارة الأقارب خارج مدينة رفح في المناسبات والأعياد.

في هذا المخيم، كان الوطن الحاضن للذكريات ومجموعة الأصدقاء، وكذلك لمشاهد المعاناة وصورها، وفيه صُقلت الكثير من مواهبنا وملامح رجولتنا ووطنيتنا وشعورنا بالهوية الفلسطينية.

قبل نكسة 1967م، كنت في توجُهي ومشاعري ناصريَّ الهوى، ومع الهزيمة التي أصابتنا بالصدمة والذهول، تحولت مسيرتي باتجاه الانتماء للحركة الإسلامية، فكنت من بين الرعيل الأول للكوادر الشبابية التي التحقت بها، مع عددٍ من أصدقاء المخيم أو زملاء مدرسة (بثر السبع- الثانوية للبنين)، أمثال: د. موسى أبو مرزوق، والأستاذ جمال أبو هاشم، والدكتور فتحي الشقاقي، وغيرهم الكثير من شباب قطاع غزة ممن تبوأوا مكانةً مجتمعية وقيادية بعد تخرجهم من الجامعات المصرية، ثم لحق بهؤلاء الكثير من شباب الصحوة الإسلامية، الذين تصدَّروا الساحات التعليمية والصحية والأكاديمية والدعوية والإعلامية والجهادية، وولج آخرون بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عالم الحكم والسياسة.

اليوم، وفي مشهدية النكبة الثانية، وجدت أنَّ هناك الكثير من المشابهات على مستوى معاناة اللاجئ ووجع النازح، من حيث جُرح الكرامة وكشف الحسب ومشاعر الأنا (نفسي نفسي).

 إنَّ واقعنا اليوم في مشهد الكارثة، هو حالة من التناقض والانقطاع مع المشاعر والأحاسيس التي تربينا عليها في الحركة الإسلامية، إذ كان الإيثار والوفاء وصلابة المواقف والتضحيات دَيْدَن السلوك الذي تنشَّأنا عليه، فيما خسرنا في سنوات ما قبل الكارثة الكثير منها، وخاصة بعدما فتحت علينا الدنيا أبوابها، وصارت هناك حالة من التكالب على لعُاعاتها بين الكثير ممن وصلوا إلى مشهد الحكم والسياسة، إذ سرعان ما تغيرت النفوس، وساد الشقاق والغلو والتطرف مشهد علاقاتنا السياسية والحزبية، حتى أخذت سيوفُ كلّ فريق تحطُّ بقسوةٍ على رقاب الفريق الآخر!

نعم؛ كانت هناك مقاومة مسلحة تتنامى قدراتها، وكان يتمُّ ذلك في إطار رؤيةٍ آمن بها البعض بأن معركة "وعد الأخرة" قد آن أوانها، مع تجاهلٍ لما ارتبط بهذه الرؤية من مرتكزات قيام "دولة التمكين"، التي تُمثّل عمقنا العربي والإسلامي، والحاضنة لكلِّ مقدرات الأمة، والصورة الوضيئة لطلائعها الفلسطينية، باعتبارها "رأس النفيضة"، التي ستحرر مع جحافل الأمة المسلمة أرض فلسطين وقبلة المسلمين الأولى، التي تُشدُّ لها رحالهم كثالثِ الحرمين الشريفين، ويتحقق بهذا النصر للأممية الإسلامية الجهادية الفتح المبين، والإعلان عن انتهاء حالة العلو والاستكبار العالمي، وسقوط المشروع الصهيوني بهويته الدينية الاستعمارية ذات الطابع الاستيطاني.

للأسف، هذه الرؤية غابت أو تلاشت بعد جيل الرواحل، الذي قاده الشيخ أحمد ياسين (رحمه الله)، لتظهر بدائل عميت عليهم جذور الفكرة، وتلَّبس بعضَهم الوهمُ، لِما عليه من سطحية في الثقافة، ومبالغة في الإمكانيات والقدرات، وإفراط في الظنِّ بأنَّ الانتصار في معركة خاطفة سينهي الحرب ويأتي بالوعد المفعول! وكأنهم لم يقرأوا التاريخ يوماً، ويفهموا عقلية بني صهيون، والقوى الاستعمارية العظمى التي مهدَّت لهم الطريق لاحتلال بلادنا منذ أكثر من سبعة عقود، والمكوث فيها كشوكة مغروسة في خاصرتنا كافة، لحساب الاستعمارية الغربية والقوى المتواطئة معها في عالمنا العربي والإسلامي.

إن المعادلة التي لم نفهمها كإسلاميين؛ أن أمريكا ومثلها دول أوروبية استعمارية أخرى ترى في إسرائيل أنها "دولة وظيفية" ربيبة لها، وأنَّ هناك داخل دولها كيانية صهيونية يهودية تشكل منظومة عميقة تحركها لحماية إسرائيل، وتمدها بكل مقومات القوة والغلبة على كيانات سياسية بالمنطقة، صارت مصالحها مرتبطة هي الأخرى بهذه الكيانات الاستعمارية، وأنَّ إسرائيل -في منظور هذه الدول- قد غدت طريقاً للوصول والمكانة، وعلى الجميع أن يخطب ودَّها، ويتقرب بتطبيع العلاقة معها، كي يرضى عنهم "العم سام" وشقيقه الأوروبي.

بين النكبتين، وفي رحلة العمر التي تجاوزت السبعين عاماً، تختزن ذاكرتي أحداثاً ووقائع لسنواتٍ طويلة من النضال والكفاح المسلح ضد المحتل الغاصب، كان فيها ياسر عرفات خلال الستينيات والسبعينيات -بجدارة واقتدار- هو القائد المُلهّم وصانع الهوية الوطنية.

ومع ظهور الشيخ أحمد ياسين في تلك الفترة من الصحوة الإسلامية في ثوب الداعية المجاهد، الذي أخذ على عاتقه تربية جيلٍ من الشباب، وإعداده ليوم الفصل الموعود بمنازلة المحتل ومغالبته، قد عزَّز هو الآخر زخم العملية النضالية، وأضاف للثورة الفلسطينية بعداً وعمقاً إسلامياً، مع ما كانت تحظى به من إسناد ودعم عربي على المستويين الرسمي والشعبي.

لقد ربَّى الشيخ أحمد ياسين جيلاً فريداً من الشباب، أسهم في منح تلك "الهوية الوطنية" مسحةً إسلامية، فكان هذا التكامل في شخصية الفدائي المقاتل، الذي كانت "فلسطينيته" عنوان انتماءٍ لأمةٍ كانت لها هيبتها والتماع سيفها تحت شمس الأمم، وشكلَّت "علامة فارقة" كانت بمثابة تاج الفخار في الاستحقاقات الوطنية؛ النضالية والجهادية.

 كان للزعيمين ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين (رحمهما الله) في تلك المرحلة المفتوحة من المدافعة النضالية أكثر من بصمة وأثر، ولطالما سمعنا الشيخ أحمد ياسين يفاخر بالقول "أنا من بلدٍ زعيمه ياسر عرفات".

 ومع استشهاد كلٍّ منهما، انفرط عِقد تلك الهوية الوطنية لحساب الفصائلية الحزبية، التي طرحت قيادات لا ترقى -بصراحة- لشِسعِ نعلِ أحد هذين الثقلين، من حيث الرؤية وبُعد النظر والإدراك لأهمية الوحدة الوطنية وقداستها، وضرورة العمل والتمكين لفرص اجتماع شمل العرب والمسلمين خلفها.

للأسف؛ لقد جاء من بعد هذه القيادة التاريخية خَلَفٌ من الشخصيات التي أضاعت هذا الإرث، ممن نخرت الأنا الحزبية عظامهم، وتمكنت من تخريب عقولهم وإفساد سلوكياتهم، وتفريغ أرصدتهم من المشاعر والحسابات الوطنية.

وبناءً عليه، غدا تكريس الانقسام والأنا الفصائلية سياسة تلبست نهج البعض، وحالة من المعتقد الأيديولوجي المنفرج الزوايا والأبعاد، والذي انحرفت مع تداعياته سلوكيات البوصلة النضالية، وتاهت ضوابط الأهداف الوطنية، وصار الوطن لدى هؤلاء البعض مجردَ شعارٍ لحناجر ونعرات من أضلُّونا السبيلا، وغدا بذلك -للأسف- كلُّ حزبٍ بما تجود به حناجر قادته (المؤدلجين) فرحون!

وكما سبق في النكبة الأولى من تهالك الزعامات وتدافعها خلف مصالحها الخاصة، تكرر المشهد -للأسف- مرة ثانية، وذلك في النضالات التي سبقت وقائع هذه الكارثة بعدة سنوات، إذ كان العجز والاخفاق والتدافع السلبي بين (الكلّ الفلسطيني) سيد الموقف.

حاولت العديد من الشخصيات الوطنية والإسلامية التحذير من مغبة الانزلاق في متاهة وطنية لا تُبقى ولا تَذَر، إلَّا أنَّ صيغة الاتهام لهؤلاء وأولئك من أصحاب الوطنية العالية كانت حاضرة: "التغريد خارج السرب"!! مما دفع الكثيرين منهم إيثارَ السلامة والتزام الصمت، خشيةَ الفتنة أو التصفية والتصنيف.

لا شكَّ أنَّ أموالاً طائلة أنفقتها المقاومة ليوم الغد الموعود، ولكنَّ المشكلة في ظل حالة الوهَن والترهل السياسي، وصعود قيادات لم تكن يوماً أهْلاً لهذه الصدارة، هو ما جرَّ المشهد السياسي لحالة من المناكفات والعدمية النضالية، حيث توسعت الخلافات والمقاتل الجانبية والاتهامات؛ فالسلطة في وادٍ وغزة في وادٍ آخر!! وليس هناك من أحدٍ يحمل قِنديلاً أو تحركه بوصلة الرجل الرشيد.

لقد غابت الحكمة والوعي بالأبجديات والبديهيات، التي كانت تفرض علينا أن نراكم قوتنا ونعزّز الثقة برؤيتنا الوطنية في سياق إجماع أمة، وليس التجاهل والتخريب لما نخطط له من مدافعة العدو، بهدف الضغط عليه لتحقيق مكاسب سياسية وأخرى تخص أسرارنا، والانتصار لما نحن عليه من مظلوميَّة، بلغ فيها حزام القهر والتهميش للقضية الفلسطينية الطُبْيَيْن وبلغ السيلُ زباهُ، وغدت مكانتُها في الحسابات الدولية لا ذِكر لها ولا حضور.

وعليه؛ استقر مشهد التشظّي والانقسام الفلسطيني في نظر إسرائيل بيئةً مناسبة للتحرك، والتعامل مع الحالة الفلسطينية كحالة إنسانية بعيداً عن جغرافيا الوجود وقداسة التاريخ، وهو ما وصل له الحال قبل أن تداهمنا وقائع هذه النكبة الثانية التي بدأت مع عملية (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر الماضي.

في النكبة الأولى عام 1948م، وُجّهت اتهامات الخيانة والتفريط لأكثر من طرف عربي، وطالت أصابعُ الاتهام زعاماتٍ فلسطينيةً عديدة، ولكننا اليوم؛ وفي ظلّ ما واجهناه من ظلم وعدوان، وما انتابنا من شعورٍ بالقهر والخيبة والإحباط خلال النكبة الثانية، إذ شاهدنا خذلاناً عربياً وإسلامياً غير مسبوق، تمظهر في تواطؤ العديد من الرسميات العربية، واصطفافها الفاضح إلى جانب السياسة الأمريكية، التي عبَّرت عن موقفها بشكل صارخ منذ بدايات الأحداث، وأعلنت عن دعمها ووقوفها الى جانب إسرائيل (الدولة المارقة)، وأنها جاهزة بأساطيلها وطائراتها وفرقها المقاتلة من المارينز لتوفير الحماية إلى جانب دولٍ غربية أخرى.

في مشهديَّة النكبتين، هناك الكثير من الاتهامات لأنفسنا بالتعجيل في استقدام المواجهة، قبل أن تكتمل مقومات الحشد والرباط خلف نهجنا السياسي، والمصاحب لرؤيةٍ كان بالإمكان معها أيضاً كسب مواقف وجهود وسياسات الأمة المسلمة، وتحريك المظلوميِّة الفلسطينية بشكل يتفاعل معه العالم الحر إلى جانب نُصرتنا بالمواقف والسياسات.

لست أدري ماذا سيكتب التاريخ في صفحاته بعد جيلٍ أو جيلين، حينما يتم تقييم وقائع هذه الحرب بموضوعية، ويشير بأصابعه التي لا تُحابي أحداً: مَن كان يقف خلفَ نكبتنا الثانية الكبرى؟!

 نعم؛ ما زالت الحرب على قطاع غزة تدور رحاها، وقد أخذت في طريقها -حتى الآن- أرواحاً تتجاوز الأربعين ألف شهيد، أغلبهم من النساء والأطفال، وضعف هذا العدد أو أكثر من الجرحى والمصابين.

 إنَّ قناعتي في سياق مِلَّتي واعتقادي، أنَّ هناك أكثر من خطأ كبير في الحسابات وتقديرات العواقب، تخص القرار الذي تمَّ اتخاذه في السابع من أكتوبر2023م؛ وهذا ما عاظم من حجم الكارثة، وأعطى المبرر للصهيونية الدينية واليمين المتطرف في إسرائيل لإطلاق العنان لماكِنة الموت التي تملكها، للمضي قدماً في إهلاك الحرث والنسل، وتدمير كلّ مقومات الحياة ومقدرات الوجود في قطاع غزة، عَبْر سياسة الإبادة الجماعية الممنهجة وسط صمت قاتل، لم تشهد له أمة العرب والمسلمين مثيلاً منذ سقوط الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي.

إنَّ حالة التَجْخِيَة والخنوع والتبعية على مستوى الرسميات والشعوب هي اليوم عارٌ ما بعده مذلة ولا عار.

إنَّ صفحات ما بين النكبتين تحتضن صوراً مليئة بالكوارث والمجازر والصراع من ناحية، وتغييب حالة الوعي لحساب "حالة الأنا" في سياقها الديني والوطني، والتي استحوذت -وأسفاه- على مشروعنا النضالي، مما استدعى إنحراف الرؤية والمسار بإخراج رماحنا من كنانتها وتسديدها بعيداً عن وجهتها، ليتم تكسيرها آحادا!

 إنَّ من باب الإنصاف القول: إنه برغم مشاهد الكارثة التي صنعت نكبتنا الثانية الكبرى، فإنَّ هناك للبطولة مساحةً من المشاهد والصور التي ستختزنها الذاكرة؛ سواءً في قطاع غزة أو الضفة الغربية، ولكن أيضاً هناك الكثير مما يتوجب علينا أن نضع فيه النقاط غير بعيدةٍ عن حروفها، وإن كانت دلالاتها ومعانيها قاسية، وإن كان مستوى الصراحة فيها لا يتجاوز حالة "في فمي ماءٌ".

لسنا اليوم بصدد التقييم والمحاسبة فيما الحرب لم تضع أوزارها بعد، ولكن هذا لا يعني – وقد طال زمن الحرب- أن لا نُسجّل ملاحظاتٍ عابرة نلوم فيها أنفسنا؛ سواء في السلطة أو حركة حماس أو الفصائل، إذ لا أحدٌ يُنكر بأنَّ غياب أهليَّة الرئيس عباس للقيادة، وتعطيله المتعمَّد لإجراء الانتخابات بأشكالها الثلاثة تحت ذرائع شتى، قد كانت سبباً وراء تهميش الديمقراطية الفلسطينية، وتعطيل فرص التغيير والإصلاح لأكثر من عقد ونصف العقد.. إنَّ هذا التعطيل للعملية الديمقراطية، هو كذلك ما منح حركة حماس من إقامة مُلكٍ عضوض، غابت عنه مثاليات الحكم الرشيد، وتجلَّت ضبابياته كسلوكٍ ونهج في مشهدية الحكم والسياسة. 

كانت بعض قيادات حماس وفصائل فلسطينية أخرى ليست بعيدة عما جرى من حالة الوهن والسقوط الوطني، فلا أحدٌ يمكن تبرئته أو استثنائه، فالكلُّ شريك وإن بدرجات متفاوتة في صناعة الكارثة أو النكبة الثانية.

 إنَّ الطريق الذي انتهت له الأحداث والاجتهادات الفردية بتغييب "وحدة الهدف والرأي الجامع"، هي جماعُ سياساتٍ ومواقف وربما علاقات وارتباطات إقليمية خاطئة، راكمتها حالة من سنوات الانقسام والملاعنة وتنابز الألقاب، استفاد منها -بالطبع- عدونا لبناء استراتيجية متدرجة لشطب القضية الفلسطينية كمعضلة تَحُدُّ من تمدد الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. 

اليوم، وفي سياق استقراء فقه المآلات، نقول: إنَّ دولة الاحتلال قد نجحت في جرِّ المقاومة للمواجهة في المربع الذي يمكن فيه لإسرائيل تحقيق الغلبة العسكرية، وإفراغ مشهدنا الإنساني من أيّة حالات تعاطف دولي، تراكمت في سنوات خلت، وفرضتها "المظلوميِّة الفلسطينية" بأبعادها السياسية والحقوقية والأخلاقية، وذلك بإلباس حركة حماس ومقاومتها المشروعة ثوب الشيطان، ونعتها باتهامات التطرف والإرهاب!

باختصار.. ما بين النكبتين؛ هي حالة من تراكم الأخطاء القاتلة بتوسيد أمر الحكم إلى غير أهله، وتعطيل العملية الديمقراطية وتأبيد الأشخاص في مشهد الحكم والسياسة مع غياب لنهج المسائلة والمحاسبة، والصمت عن الكولسات والتسحيج والفرعنة السياسية، وكذلك بتقديم أصحاب الحناجر والمنابر هو -للأسف- أحد كوارثنا الوطنية، وما انتهينا إليه من مشاهد النزوح، التي ستعيش معنا صورها لأجيالٍ وأجيالٍ قادمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
من النكبة إلى الإنبعاث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ادب النكبة
» 73 عاما على النكبة
» فلسطين قبل النكبة
» النكبة الفلسطينية:
» من نقد النكبة إلى نقد أسباب استمرارها

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة-
انتقل الى: