ترامب الذي ارسله الله لتفكيك امريكا
د. نزيه خطاطبه
تتسارع الاحداث ويتصاعد التوتر بعد مقتل جورج فلويد المواطن الامريكي الاسود خنفا من قبل ضابط في الشرطة الامريكية والتي كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل المظاهرات الحاشدة و المواجهات العنيفة في كل المدن الامريكية وحملة التضامن العالمية في مواجهة العنصرية والفاشية المتاصلة في المجتمع الامريكي , ومواجهة الاجراءات و التبعيات الاقتصادية المزرية التي ترزخ على اكتاف اكثر من 30 مليون امريكي من العمال والموظفين وصغار التجار وغالبيتهم من الاعراق المختلفة الذين فقدوا اعمالهم واموالهم بفعل الاجراءات المتخذه لمواجهة كورونا وفشل ادارة الرئيس الامريكي التي كان جل اهتمامه دعم الشركات الكبرى واهمال القطاعات الواسعة من ذوي الدخل المحدود . فالاعانات الحكومية المحدودة التي قدمتها الحكومة لم تفلح في تجنيب الاثار السلبية واصبح الملايين في مواجهة مصيرهم البائس من الافلاس والفقر بعد فقدانهم وظائفهم ولا امل في عودتهم اليها قريبا .
المجتمع الامريكي الذي تسيطر على اقتصاده وثرواته اقلية بيضاء لا تتجاوز 1 في المئة من السكان وازدادت ملياراتها بفعل ازمة كورونا , يشهد حالة استقطاب حادة على كل الاصعدة الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والعرقية ساهمت في تسعيرها ممارسات وسياسة الرئيس ترامب العنصرية , والصراع الحاد بين الحزبين على السلطة لم تشهده الولايات المتحدة منذ عشرات السنين . هذه الاضطرابات وهذا الحراك لا يشبه ما سبقه من اضطرابات فقد اختلط العنصري بالطبقي بالعرقي والعقائدي ليرسم مشهدية من نار. ترامب يعتبر المتظاهرين في هونغ كونغ وفي البلدان المناوئة للانظمة المعادية لامريكا ابطال حرية ويهدد بالتدخل الامريكي المباشر لحمايتهم , وصف ملايين المتظاهرين في الولايات المتحدة المحتجين على التمييز العنصري وعلى سياسته بانهم بلطجية وهددهم بمحاكمات جنائية وتوريط الجيش لقمع المحتجين واستخدم الدين في مواجهه المتظاهرين وشحذ عواطف اتباعه من العنصريين والانجيليقيين والمسيحيين الجدد . ترامب يتهم الجميع من الديمقراطيين, وحكام الولايات واليساريين خاصة منظمة انتيفا والاقليات والسود وايادي خارجية ولا يتهم نفسه.
القليلون فقط يتذكرون ما حدثَ في الماضي القريب، عندما انهار الاتحاد السوفيتي ودور كل من غورباتشوف والسكير يلتسن الفاسد والمثير للسخرية في ذلك . انذاك كان الغالبية من المواطنين السوفييت والعالم كله يسخر منهَ ومن بلاده، ومثل عملاق بقدمين من طين، انهار الاتحاد السوفياتي العظيم فجأة في لحظة ماجنة، حينَ وقعَ انقلاب عسكري انتهى بتفكّكه. ترنح العملاق وسقط فجأة وسط ذهول العالم. قد تختلف الظروف والعوامل ولكن اليوم، تبدو الولايات المتحدة وكانها دخلت اللحظة السوفيتية او اقتربت منها، فثمة زعيم يترنح لن يتوالي عن اشعال حرب اهلية اذا ما فاز بالانتخابات الرئاسية القادمة رغم ان استطالات الراي تشير الى تفوق بايدن , وبالتالي فليس مستغربا ان يطلب ترامب من انصاره المخلصين النزول للشوارع وبالسلاح لحماية امريكا التي تترنح بحجة ان الانتخابات جرى تزويرها.
اللجوء إلى قوة الشرطة وحتى الجيش واعلان حالة الطوارئ ومنع التجول لن تنهي المشكلة ولن تحمي امريكا من التفتت والحروب الاهلية , وانما في إزالة الأسباب الاساسية التي اودت اليها .
في عام 1987 نشر الفين توفلر Alvin Toffler كاتب ومفكر أمريكي وعالم في مجال المستقبليات بمجموعة من الكتب تنبأ فيها بانهيارِ الاتحاد السوفياتي في غضونِ بضعِ سنوات، وهذا ما تحقق بعد بضعِ سنوات , ولم يكتفي بذلك بل اضاف توفلر: انتبهوا، بعدَ خمسة وثلاثين أو أربعين عاماً سوفَ تختفي الولايات المتحدة الأمريكية وتشكل اوروبا اخرى وايدولوجيات سوف تحل محل ايدولوجيات العصر الصناعي.