أرقام وإحصاءات ذات دلالة في فهم طالبان والأفغان
دراسة تحليلية للمشهد الأفغاني القائم
أرقام واحصاءات ذات دلالة في فهم طالبان والأفغان
بمعزل عن الموقف من حركة طالبان، وبغض النظر عن الموافقات لها والمخالفات عليها، فان طالبان حالة أشغلت العالم قبل سيطرتها الاولى على كابل واثناء ذلك وبعد انسحابها منها الى الجبال، وعودتها لاستلام الحكم في كامل البقاع الافغانية، لقد استطاعت الهيمنة الاعلامية الموجهة صرف أنظار الناس عن طالبان والافغان لعقدين كاملين، ليتفاجأ العالم بهم يزحفون بقوة لاستلام كابل قبل الانسحاب الفوضوي المهين لدول الناتو، وهنا استعراض لمئات الارقام التي ترسم صورة تقريبية لما يجري في أفغانستان.
بعد 20 عاما من الكفاح المرير وسقوط 51 الف شهيد وأكثر من 175 الف جريحا، وفقدان 50% من الصف القيادي، استطاعت طالبان استرداد 34 ولاية وطوقت العاصمة ودخلتها في اربعة ايام بهدوء ودون دماء في سياق لم يتوقعه احد وتفاجأت به طالبان نفسها، وسيطرت بصورة حضارية تخالف ما فعلته امريكا في غزوها للعراق حيث دمرت كل شيء سوى وزارة المالية!!!
وبذلك تصبح افغانستان الدولة الوحيدة التي حصلت على الاستقلال 3 مرات خلال قرن واحد عبر التضحية بأكثر من 2 مليون شهيد وجريح، وتوفقت الجولة الأخيرة من حروب استمرت 43 عاما.
أفغانستان ذات موقع جيوسياسي حساس للغاية، فهي سرة اسيا واليها تنتهي الاعراق، وطرق التجارة والترانزيت، وغزوات الفاتحين الجدد منذ الاسكندر المكدوني والى اليوم، مساحتها نحو 652,230 كيلو متر مربع ذات طبيعة جبلية وعرة، يصل ارتفاعها الى 7492 مترا عن سطح البحر واحيانا ينخفض الى 258 فوق سطح البحر، وطول حدودها 5529 كم منها 2675 كم مع باكستان، و1357 كم مع طاجيكستان، و921 كم مع ايران، و804 كم مع تركمانستان، و147 كم مع اوزبكستان، و76 كم مع الصين،وينحدر أهلها من 14 قومية نصفهم من البشتون، وربعهم من الطاجيك، و8% من الأوزبك، و7% من الشيعة الهزارة، والباقي من التركمان،والبلوش، والقيرغيز، والنورستان، وابناء الفتح العربي الاول الذي وصلت معهم اشعاعات الاسلام عقب معركة نهاوند 21هجري، وفيها 34 ولاية و398 مديرية، ورغم طول الحدود وتعدد الطامعين والمتربصين من الجيران، الا أن طالبان تعلمت الدرس جيدا وتعلمت من الاخطاء السابقة، حيث دشنت هجومها من الحدود وسيطرت عل المنافذ والمعابر الحدودية بسرعه، لتحد من اختراقات الجوار الايراني والروسي الوصي علي دول وسط اسيا المسلمة والمحكومة بفلول الشيوعيين السابقين، واكتسحت محافظات الشمال الست اولا، والتي يقل فيها العرق البشتوني لتحول دون الفلتان الموجه، ولقطع التواصل البري للحكومة مع دول الجوار وبخاصة ايران التي لها حضور قوي في الداخل الافغاني، وكذلك لتفادي شبهة تلقي الدعم من باكستان المجاورة جنوبا، مع انها كانت اعترفت بحكومة الاحتلال الغربي، وسلمت بعض قادة طالبان لامريكا، وضغطت على طالبان مرارا، لقد سيطرت طالبان أولا على تخار الطاجيكية الشمالية، ثم ولاية جوزجان الأوزبكية، وبادرت لاستهداف الطيارين لتفادي الهجمات الجوية فقتل وهرب منهم 27 طيارا.
غلطة أمريكا انها مهيمنة، ومتفردة، ولا تقيم وزنا لشركائها الذين تعاملهم كعبيد، فعمدت الى انشاء دولة معتسفة من شخصيات مبتورة ليحكموا مجتمع قبلي عريق ولدية ارث طويل في السلطة، وفوق ذلك شكلت لهم جيشا هلاميا من العدم، قوامه جنود بسطاء باحثين عن عمل، يقودهم ضباط جاهلون أميون لايجيدون التعاطي مع ترسانة أسلحة حديثة قوامها 85 مليار دولار، والانكى من ذلك انها نصبت ابناء الاقليات زعماء لجيش وظيفي، في مواجهة طالبان التي معظم رجالاتها من البشتون المتمرسين وجنودها من طلبة العلم وحفظة القران، صحيح ان بنادقهم خفيفة لكن عقيدتهم القتالية تهاوت امامها عشرات الفرق الرسمية التي يتجاوز تعدادها العسكري والامني 325 الفا من الجنود والضباط، الذين سلموا بدون قتال، وعندما تجاوز قادتهم من ابناء الاقليات تركهم حتى الرئيس البشتوني المنصب شكلا وهرب خارج البلاد،ان البشتوني يبقى بشتونيا في نهاية المطاف، وامريكا ليس لديها خبرة بريطانيا التي صرح أحد جنرالاتها بعد هزيمتة أمام الافغان عام 1882 م بقوله : “كل شيء في أفغانستان يعود الى وضعه الطبيعي بعد انسحابك “.
بغض النظر عن التصريحات الأولى للرئيس الامريكي عن قوة الجيش الافغاني المزعوم، وقوة التكنولوجيا التي يتمتع بها، الا أن التقديرات الأمنية الرصينة قدرت الصمود الحكومي ب 180 يوما، ثم تنازلت الى 90 يوما، ثم خفضتها الى 30 يوما، ثم كان الانهيار السريع للعصر الامريكي، وستكون تفاعلات فرار الغرب المتغطرس من كابل مدوية لاحقا، لانهم بددوا 7 الاف مليون دولار في حرب المسلمين في العراق وافغانستان وغيرها بلا جدوى فهذه أكبر كلف وأطول حروب في التاريخ.
هو انسحاب تحول الى هزيمة مرة، وخسارة كبيرة للمليارات والترسانات،وخدش بالغ للهيبة، وجرح عميق في الوجه الذي تمرغ كثيرا على يد شعب محاصر ومعزول، وحركة تمرست في الجهاد بلا توقف طيلة 20 عاما بلا كلل، فمنذ عام 2008 م وامريكا تبحث عن مخرج وتلتمس الوسطاء للجلوس مع طالبان للخلاص من المأزق الذي فرحت له روسيا والصين، فهما أعرف منها في الطبيعة الافغانية، ولكن المفاجأة ان طالبان تباطأت في التجاوب، لأنها قدرت ان دورة الحرب لن تكتمل مع أمريكا بجبروتها الا بعد مرور 15 عاما، ورفضت طالبان الجلوس مع الوكلاء وأصرت على الجلوس المباشرمع المحتلين، وهذا ما حصل بداية في المانيا ديسمبر عام 2011 م، وأخيرا أضطر الرئيس ترامب الى اعلان استراتيجيتة الخاصة بافغانستان في اغسطس اب عام 2017 م، والتي تدعو لانتشار مفتوح في افغانستان لاجبار طالبان على التفاوض مع الحكومة المفرضة على كابل، لكنه رضخ لاحقا للتفاوض في قطر الى أن وقع اتفاقا ثنائيا في 29/2/2020 م، وبدأ الانسحاب التدريجي في اذار من نفس العام، وتم الاتفاق لاحقا على المغادرة النهائية في1/5/2021م، ولكن امريكا نكصت وتراجعت وحددت موعدا اصرت طالبان على عدم تمديدة ساعة واحدة، فغادر اخر امريكي قبل 12 ساعة من نهاية يوم 31/8/2021م، غادرالبنتاغون بعد الاعتراف بخسارة اكثر من 2413 عسكريا وجرح 21000 جنديا، وخسرت بريطانيا 455 جنديا وخسر الاخرون في التحالف نحو700 جنديا سوى الجرحى، وكانت كلفة الحرب 300 مليون دولار في اليوم، واسوأ السنوات كانت 2018م لان طالبان نظمت صفوفها في عهد قائدها الجديد وهو من قضاة الشرع الشريف، لقد عاين العالم خيبة المنسحبين الذين فشلوا في مجرد ضبط مطار كابل، وتركوا طالبان وحدها لضبط ما عجزت عن ضبطه دول الايساف كلها وكان بائسا تحميل 640 هاربا في طائرة سعتها 160 راكبا، ولكنه قدر طالبان التي أجمع العالم بعسكره، وترسانته الاعلامية، والسياسية على حربها لانها جاهرت بتطبيق الشريعة، ويبدو ان هذا ينسحب على كل من لدية أشواق شرعية .
وفقا لمكتب الحسابات، فان الولايات المتحدة سلمت للحكومة الوظيفية في افغانستان في الفترة مابين 2005م الى 2016م المعدات التالية:-
430000 شاحنة، 22000 عربة هامفي، 900 مدرعة، 600000 قطعة سلاح خفيف، 200 طائرة مختلفة، ومع ذلك خسرت القوات الافغانية الاصطناعية أكثر من 66000 قتيل وربع مليون جريح، وبسبب بطشهم نزح نحو 3 مليون أ فغاني داخل البلاد كلاجئين في وطنهم ما شكل حساسيات في بلد عرقي وكلها مهدت الطريق أمام طالبان لكنس الاحتلال ومصنوعاتة، ودعاياتة، ومنظومات عمله المستخدمة في فرض النمط الغربي التغريبي على الافغان المسلمين المسالمين في بلدهم، ان 20 عاما من الأمركة تبخرت في الهواء.
هو انتصار كبير لطالبان دفعت ثمنه عبر عشرين عاما من المعاناة الشديدة، وهوانكسار كبير لامريكا وتوابعها لانها فشلت في استمرار فرض نموذجها الديمقراطي المشوه في افغانستان، فعندما تفشل قوة عظمى في سحق عصابة من المسلحين الاسلاميين، فلا شك انها مهزومة مع انها خاضت اكثر من 120 حربا خارج حدودها ضد الاخرين وفرضت ماتريد، وحدها الحالة الافغانية استعصت عليها بعد فيتنام، انها هزيمة نكراء لان امريكا لاتستهدف أفغانستان كدولة وأرض، بل تستهدف طالبان كحركة جهادية،ان غاية امريكا هو استهداف الجهاد كفريضة اسلامية، ولذلك انتقمت من طالبان بقسوة لانها انتهجت الجهاد سبيلا بلا قيود ولا حدود، امريكا حشدت حولها تحالفا كبيرا لشيطنة ثقافة الجهاد، واستثمرت في ذلك كامل قدراتها وامكاناتها ونفوذها، وقد نجحت مرحليا ولكنها ما لبثت ان أدركت حجم الورطة مع شعب يتوق للجهاد حد العشق، ويحب الاسلام حد الاستشهاد.
وتبقى المعادلة في أفغانستان معقدة جدا، فامريكا أسهمت في اسقاط جمهوريات الاتحاد السوفياتي عبركابل وليس بواسطة الرؤوس النووية رغم انهم قتلوا 920 أفغاني، ولن تقر أمريكا لطالبان بالهزيمة بل ستوفر كل موجبات القلاقل وعدم الاستقرار و معيقات الاستمرار، وهي تركت أفغانستان كرة لهب لتشوي بها أصابع المنافسين في اسيا سواء روسيا، او الصين، اوايران، او حتى باكستان التي كان يزعجها تمدد الهند وبخاصة سلسلة القنصليات الهندية على الحدود الباكستانية، فكل طرف من هذه الاطراف منفردا لن يحقق طموحه الساعي اليه، حتى طالبان نفسها مهما ضحت، ومهما تغيرت وتكيفت، ومهما تبدلت في اساليبها المرجوحة سابقا، فلن تستقر لها الامور في بلد يطمع فيه كل الجيران الاقربين، وجميع الاعداء الأبعدين.
ان الانسحاب من أفغانستان وان كان احتياجا أمريكيا له أسبابه، لكنه ليس بريئا وربما يشكل فخا منصوبا للصين الصاعدة، وروسيا اللدودة، وايران المنافسة، لتوريط الجميع مع الاسلام الاصولي المجاهد، الذي نجحت امريكا في الذروة ذات يوم في حشد 450000 مقاتل من 38 دولة غربية وعربية لمواجهة عصابة معها أسلحة خفيفة وداخلها عقيدة جهادية مفعمة وملهمة لافرادها فكانت النتيجة عبثية، وما بقي امام أمريكا الا تغيير الاليات واستبدال الادوات، لقد دفع الروس أمريكا لتغرق في وديان الافغان السحيقة ولتخسر هي ورهطها نحو 3 تريلون دولار، اضافة الى هزيمة مؤلمة في مواجهة حركة معزولة وبدون امداد، فالصراع سيتمحور الان حول الا قطاب والمحاور الجديدة في الاقليم الادنى، حيث الصين والباكستان ستواجه الهند وروسيا وايران من الخارج، اما من الداخل فان حركة احمد شاه مسعود في وادي بنجشير لن تكون حاسمة ضد طالبان، حتى لوحشدوا لها نحو 10000 من بقايا الجيش السابق، فطالبان تجيد القتال وكل اناس عند اقبال دولتهم شجعان، والطاجيك تجار ويحسبون الامور بروية، ولن ينجروا الى مغامرات تحاك خلف الحدود، فالكل تغير في تعامله حتى طالبان ذاتها تغيرت، اما تنظيم الدولة الاسلامية والذي ربما لدية نحو3000 مقاتل، فليس الامر سهلا عليه وليس امامه أفق في أفغانستان البلد الصوفي العريق والمتمتع دون غيرة بمرجعيات دينية واضحة ومؤثرة، حنفية المذهب، ديوبندية المنهج، ولاتقبل السلفية الجديدة، والامة عبر مسيرتها الطويلة لم تتساوق مع الغلو الذي لايستمر تأثيره، اما جماعة الاخوان المسلمين الافغانية، فهي غير مسلحة ولها تنظيم اسمه الجمعية الافغانية للاصلاح والتتنمية المجتمعية، التي لها نحو40 فرعا في العاصمة والولايات، ولديها حوالي 50 لافتة تعليمية وثقافية وصحية وخيرية واكاديمية وتربوية وهم عابرون لجميع القوميات، وينشطون في اوساط المتعلمين والمثقفين، ولهم هياكل تنظيمية مؤطرة، ويجتهدون في اعلاء الجدر الثقافية للبلاد، ويركزون عل ترقية العمل النسوي والشبابي، ولقد أصدروا بيانا واضحا رحبوا فيه بدخول طالبان للعاصمه، ونصحوا بالتسامح والتصافح، والاستيعاب لكل الوان الطيف الافغاني، تهيئة لبناء الوطن الافغاني على اسس اسلامية متينة، وتطلعات تنموية ملحة، والاخوان المسلمون في غالبهم من التكنوقراط من الطبقة الوسطى، ونهجهم سلمي مدني لاعنفي، وأهم مايميزهم التصاقهم بالوطن ومصالحه العليا ولذلك لم يغادر البلاد منهم أحد، والجميع اليوم أخذ يدرك وسطية نهج الاخوان، والوسطية جعلت المسلم ينظر الى الحياة نظرة عدل وفضل، فالوسطية سمة من سمات الامة المسلمة التي ضمنت الاستمرار والاستقرار والازدهار، نعم هناك مشتركات بين كل الاسلاميين ولكن طالبان لها لونها الافغاني طبقا للاحتياج المحلي.
طالبان ذاتها ليست نبتا شيطانيا، بل هي افراز طبيعي لحالة أفغانية لها خصوصياتها، فالاسلام موطنة اسيا وامتداده فيها عميق، وهو أعمق مايكون تجذرا في جبال الهندوكوش منذ القرن الهجري الاول، وقبائل البشتون تعدادهم 60 مليونا وهم حملة دعوة ولكنهم استهدفوا من اعداء الاسلام كافة، وأمكرهم الانجليز الذين قسموا البشتون الى ثلثين في الباكستان، وثلث في افغانستان قوامه 20 مليونا من مجموع الافغان مع انهم شعب واحد لهم مشتركات واحدة، واما السوفيات فقد ارتكبوا الاهوال قبل ان يخرجوا مدحورين بتاريخ 15/2/1989م ثم تفككوا ملومين، حينها للأسف بادرت الباكستان لدعم قوات قلب الدين حكمتيار، وسارعت ايران لدعم قوات حزب الوحدة الشيعي بقيادة عبد العلي مزاري، ودعم الخليجيون فصيل عبد الرسول سياف، ودعمت أمريكا فصيل نبي، و توثقت علاقات فرنسا مع احمد شاه مسعود أسد بنجشير، فأستعرت حرب أهلية طاحنة أوجبت تدخل البشتوني الملا محمد عمر لتلخيص البلاد من الفوضى وتحقيق الأمن وهو ماتحقق له بسرعة في معظم المناطق رغم انه بدأ مشوارة الانقاذي برفقة 50 من طلبة العلم في مدرسة سنغيسا في مايواند شمال قندهارعام 1994م، وكان ممتعضا جدا من عدم تحكيم الشريعة التي رفع لوائها وخلال شهور انضم الية نحو 15000 طالبا جلهم من ابناء المخيمات.
في 14/ 5/1995م استكملت طالبان سيطرتها على 12 ولاية أفغانية بدون قتال، معتمدة على سمعتها في سرعة القضاء على الفساد والفوضى وفتح الطرق وادامة المواصلات وتعظيم الشرع الشريف، ودخلت كابل عام27/9/ 1996م، وبحلول عام 1998م كان 90% من أفغانستان تحت سلطتها، حينئذ سعت طالبان لاقامة حكومة اسلامية وصولا لتطبيق حرفي للشريعة الاسلامية وفق المذهب الحنفي السمح مع قساوة بشتونية ظاهرة، وكان جليا تأثر طالبان بعادات وأعراف قبائل البشتون قبل الاسلام في تقرير بعض الامور الاجتماعية، فحركة طالبان لديها التزام شديد، ولكن لديها فهم للشريعة يجمع أحيانا بين التفسيرات الديوبندية وبعض بقايا الرموز التقليدية للقومية البشتونية المسلمة، والمعروف ان البشتون لديهم صلابة ولا يتكيفون بسرعة، وهذا له وجهان سلبي وايجابي، ومن الجوانب الايجابية لذلك ان طالبان اصرت في الاتفاق مع الامريكان على ذكر واقرار “امارة أفغانستان الاسلامية” نحو 15 مرة رغم عدم اعتراف الامريكان بذلك.
لقد حاولت طالبان منع البارات والمراقص والسينما والملاهي وطالبت المسلمين بالصلاة وطالبت النساء بالالتزام الكامل، ويأخذ عليها البعض سرعة الفرمانات دون تدرج في التعريف، والترقية، والتهيئة، والتربية قبل التكليف،ولكنها لم تضطهد غير المسلمين مطلقا، فالسيخ وسعت لهم في المجال المالي، ولم تقتل واحدا من الملة اليهودية الافغانية، وتسامحت مع عموم الشيعة وكان احد حكام الولايات من الأقلية الشيعية ولكنها عاقبت التجاوز بقسوة، و طالبان ناهضت الحالة السلفية الجديدة فهي في الاساس احدى التعبيرات الصوفية المجاهدة والراسخة في الثغور الاسلامية، وتوددت طالبان للبوذيين والهندوس وكان نسف تمثال بوذا ردة فعل مرفوضة من بعض المتسرعين من المنضوين الجدد للحركة، فطالبان ليست تنظيما عضويا مؤطرا مثل الاخوان مثلا، ولكنها تكتلات طلابية تسابقت للانضمام للحركة التي غرقت في تفاصيل الادارة اليومية قبل أن تنضج الاطر الاستيعابية لافواج القادمين، و بعد عشرين عاما من ابتلاء الجهاد والمكابدة ظهرت كوادر الحركة بصورة أكثر نضجا وأشد التزاما من قبل، عموما اخطاء طالبان لاتقاس ابدا بحجم الخطايا التي ارتكبتها دول تصنف نفسها متقدمة!!!! كان حكم طالبان قاسيا ولكنه ضبط الامور وبسط الامن في بلد مترامية الاطراف، مهزوز البنيان، مختل الاركان، ومن قتلتهم طالبان لايشكلون 1% من سفك دمهم الاخرون، ولكنه التذاكي والتوظيف الاعلامي المشيطن.
ويحسب لطالبان أنها حظرت العرف الأفغاني للباشا بازي وهو من أشكال العبودية الجنسية للاطفال وهو ما تساهل معه الاحتلال الامريكي لاحقا، ويسجل للملا عمر أنه أمر بحظر المخدرات وتحريم زراعتها عام 2000م، لابل وجه بحماية تماثيل بوذاعام 1999م، فلئن أخطأ بعض متسرعي طالبان الجدد في حركة وليدة في موقف مرجوح، فان الدول الغربية العريقة تعاني من اسلاموفوبيا مرعبة ضد المساجد والرموز الاسلامية، والخطأ خطأ بمعزل عن فاعله، و في الاساس طالبان ليست الا حركة بشتونية اسلامية سنية سياسية مسلحة جل منتسبيها من العلماء وطلبة العلم، ومعهم مجاميع طلابية تنتمي الى مدرسة اسلامية وسطية تعرف (بالديوبندية) نسبة الى جامعة ديوباند في الهند، وهي مدرسة مشهورة ومعروفة جدا وتتبنى مذهبا وسطيا في العقيدة، هو مذهب (الماتريدية)القريب من الاشاعرة المعتمد على العقل والنقل، وفي الفقة يعتمدون المذهب الحنفي المبني على النص والرأي، وفي التربية هي الطريقة الصوفية الروحية السمحة والمجاهدة( وهم لايتفقون مع الخزعبلات التي عليها بعض المتصوفة المخترقين على المدى)، وفكرة طالبان بسيطة مبسطة لذلك التف حولها البشتون بسرعة، وضحوا معها بشجاعة، والحقيقة الغائبة ان معظم البشتون في العالم يساندون طالبان، لانها تعبر عن طموحهم القومي، وتراثهم الوطني، وتحقق أشواقهم الدينية، وهذا هو سر قوتها في مواجهة شلل من الحكام الفاسدين وابناء الأقليات المفروضين نصبهم القادمون من خلف البحار للتحكم في شعب سيادي عريق، وقبائل صلبة المراس.
كما بساطة فكرتها،كانت بساطة هيكلها المكون من مشايخ وعلماء، ومكتب للأمير ونوابه، ومجلس الشورى من الولايات، واللجان المحلية على مستوى الولايات والمديريات، ثم القادة المحليون، اما اللجان العليا فعددها(12) لجنة وهي بمثابة وزارات تنفيذية منها :-
اللجنة العسكرية، والسياسية، والصحية، ولجنة القضاء والمحاكم، واللجنة الثقافية والاعلامية، ولجنة التعليم والتربية والتعليم العالي، ولجنة الدعوة والارشاد والتجنيد، ولجنة تفادي وقوع ضحايا بين المدنيين، ولجنة شؤون الأسرى والمعتقلين، ولجنة شؤون الشهداء والايتام والمعاقين، ولجنة التعامل مع المؤسسات الفاعلة في أفغانستان، واللجنة الاقتصادية والمالية.
ان قوة طالبان هي في اعتمادها على الداخل الافغاني وبالذات العمق البشتوني، رغم أنها تضم شرائح من الطاجيك، والتركمان، والأزبك، والنورستان وغيرهم من الاعراق الافغانية، ومع بدايات تشكيل طالبان حاولت جهات باكستانية السيطرة عليها، وبخاصة جمعية علماء باكستان الديوبندية لغرض التخلص النهائي من النفوذ الفكري للاخوان المسلمين في أفغانستان والحضور الجديد للنمط السلفي الوهابي، ونشط الجنرال الباكستاني نصير الله بابر في محاولة الهيمنة عليهم انطلاقا من منظور سياسي لفتح طرق التجارة عبر أفغانستان نحو دول اسيا الوسطى حديثة الاستقلال، ولكن طالبان قاومت السيطرة الباكستانية بشقيها الرسمي والعلماني ودفعت لذلك ثمنا، ولم تنزلق لمعاداة باكستان فبلدهم حبيس وليس له شواطىء بحرية، ولايستغنى عن باكستان التي يشكل شعبها لهم عمقا وبالذات البشون الباكستان وتعداهم نحو40 مليونا، وعانت الحركة من الاغراءات الغربية بالمال والمناصب، ومن كثافة الاختراقات الامنية من دول الجوار كالهند، والصين، وروسيا، والباكستان، والخليج وغيرها، ووقعت الحركة ضحية لسسلة من الانشقاقات والتصدعات الداخلية على المستوى القيادي وما دون، بسبب اختلاف الافهام في مستجدات القضايا، وتباعد المناطق، وصعوبة التواصل، وضراوة الاستهداف، ولكن البطش الامريكي بعد الاحتلال دفع الحركة لتصليب التماسك بشكل منهجي، فاستطاعت الثبات وادامة المقاومة وتصعيدها، وتحرير الارياف خطوة خطوة، وتقليص نفوذ الحكومة الهشه ذات الاطراف المتصارعة في العاصمة، واسهم الفشل الامريكي في التنمية في دفع الافغان للالتفاف حول طالبان، والانفضاض عن مجموع الواجهات السابقة التي غرقت في وحل التعامل مع الواقع الذي فرضه الاحتلال، فامريكا ليست الا قوة احتلال ذات أجندة تغريبية خارج اهتمام المواطن الافغاني، فلم يفلحوا في تنمية اقتصادية أو اجتماعية، ولا يعرف اين ذهبت المليارات؟ و تكرشت بطون الفاسدين، وترعرعت في العصر الامريكي تجارة المخدرات التي وصلت مردوداتها الى 2 مليار دولار، ونجحت امريكا في ادامة بؤس الريف الافغاني المنسي، وكان 55% من الافغان يرزحون تحت خط الفقر، ونحو 35% يعانون من انعدام الامن، ما اضطر 5 مليون أفغاني للهجرة منهم نصف مليون سهلت ايران عبورهم الى تركيا لاسباب مفهومة، ونزح كثيرون الى كابل حتى ازداد سكانها الى 6 مليون، ولاذ أهل الريف المهمش بالمدن الست الاكبر مثل: قندهار وهيرات ومزارشريف وجلال اباد وقندوز، واللاجئون قوة ديمغرافية كبيرة يولد لها في باكستان وتركيا وحدهما نحو160000طفل سنويا، واستفادت طالبان من طبيعة الافغان في التزهد والتقشف والاعتماد على الذات بعيدا عن الانماط الاستهلاكية، وكانت الحركة تستوفي ما يعزز مواردها في مناطق سيطرتها، ولم يبخل البشتون من الداخل والخارج في اعانتها لاستعادة مجد فرقة الامريكان على المتفلتين من ابناء الاقليات كعادة المحتل في كل مكان، فلقد اجلت أمريكا نحو 124000 في اسبوعين غالبيتهم افغان كانوا في خدمة الاجندة الامريكية.
لقد استطاع نظام التعليم الافغاني الاسلامي الاصيل والبسيط هزيمة التوجهات الغربية في مسخ الهوية الاسلامية المتجذرة في وجدان شعوب الجبال، وجرعت طالبان الاحتلال هزيمة مدوية بعد مغامرات فاشلة وغير مدروسة، راح ضحيتها شعب كامل وأمة عريقة ولكن الظلم لايدوم، واليوم تحررت أفغانستان ومن حق شعوبها أن ترتاح بعد حروب طاحنة فرضت عليها، والله استودع فيها من الخيرات والمصادر ما يمكنها من العيش الرغيد، فالطاقة البشرية تزيد عن 40 مليونا، ونسبة الشباب فيهم تزيد عن 75%، والمرأة الافغانية ذات انجاب يزيد عن خمسة أطفال وهذا يعوض الفاقد من الحروب المتوالية، والبلد زاخر بالمعادن وهي من أوائل الدول في مخزون الليثيوم، والنحاس، والحديد، والزنك والتلك،والباريت، والرصاص، وتمتلك ثروة من العناصر الارضية النادرة، ولديهم 5 مناجم للذهب، و400 نوعا من الرخام والاحجار الكريمة، واحتياطيات من البريليوم تقدر ب88 مليار دولار، اضافة الى الغاز والبترول، وكل مايحتاجه البلد هو الاستقرار الذي لن يناله بسهوله، وربما تعاني طالبان كثيرا من الداخل والخارج معا، فكل دول المحيط لها امتداد عرقي في افغانستان وعوامل التفجر موجودة، فالصين رغم مصالحها الظاهرة تخشى من الظاهرة الاسلامية على حدودها، التي كانت قبل 70 عاما دولة مسلمة لشعب الايغور المسلم العريق في تركستان الشرقية التي تشكل سدس الصين وفيها نصف معادنها، و دول الطاجيك، والاوزبك، والتركمان يرعبهم أي نموذج اسلامي محاذي لشعوبهم المسلمة مسلوبة الارادة تحت المتابعة الروسية الغليظة، وان كانت روسيا لها مصلحة مرحلية قريبة في صعود طالبان لملء الفراغ بعد جلاء الاحتلال، وللحيلولة دون تمدد المتشددين، ولكي تبعد النفوذ الامريكي عن وسط اسيا، وباكستان لديها عداوة مع الهند التي كان لها النفوذ المتشابك في أفغانستان ولديها مشاريع استراتيجية مصلحية بقيمة 18 مليار دولار، اضافة الى ان باكستان تخشى من تواصل البشتون على طرفي الحدود، لذلك أقامت جدارا عازلا بين البلدين اكتمل 95% منه، وجارتها ايران ليست مرتاحة لعودة طالبان السنية بعدما اسهمت بفعالية في تقويض حكمها السابق، وتسهيل سيطرة أمريكا على العراق و افغانستان، التي سلمت الشيعة طرف زمامها بصورة لافتة وبطريقة لم يحلموا بها تاريخيا، ولذلك طرح جواد ظريف منذ شهور ضم ميليشيات ” فاطميون ” للجيش الافغاني الذي كان يقودة ابناء الاقليات، فايران هيأت نفسها لملء الفراغ بعد الانسحاب الامريكي، فلديها 3 مليون شيعي أفغاني في باميان والشمال، ولديها 10 مليون من الطاجيك السنة ولكنهم يتكلمون لهجة من الفارسية، ولهم أغلبية ديمغرافية في ولاية هيرات المجاورة لايران، وكذلك أهلت ايرا ن مليشيات شيعية مدربة لهذا اليوم، وكان ميدان تدريبها العملي في سوريا، فلقد نقلت وكالة انباء ” ايكنا ” عن السيد صمد رضائي : ” انه تم ارسال 80000 أفغاني للقتال في سوريا عبر لواء فاطميون ” وهناك فاطميون عادوا من سوريا للقتال ضد طالبان في بداية الهجوم وسقط منهم شهداء بحسب مصادرهم، وكان لواء” فاطميون” قد فقد نحوا 900 مقاتل في حروبه ضد سنة ريف دمشق لحماية قبر زينب رضي الله عنها! وتملك الجمهورية الايرانية حشدا شعبيا تحت الطلب لكنها دولة تتصرف بذكاء، وتراقب بحذر، وتنفذ بدقة، وحاولوا العمل لادخال قوات ” زينبيون” الى افغانستان عبر الباكستان، ان الخشية من اندلاع صراع طائفي في الشرق الاسلامي هو احد التهديدات المحدقة بالملة المحمدية، وكان لافتا تخلي ايران عن لغتها المعسولة التي استخدمتها مؤخرا لاستيعاب طالبان الصاعدة، وتغيرت عقب الدخول السريع لطالبان الى وادي بانجشير، الذي تحول الى اسفنجة امتلأت بالمناوئين من كل لون، وحظي برضى ايراني، ودعم ومراهنة فرنسية ومعية للخبير اليهودي المتمرس “ليفي”، لقد أعد بانجشير ليكون فخا منصوبا في وجه طالبان، ولكنها فاوضت بروية، وأنقضت بسرعة، مخالفة كل النصائح بالارجاء، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، و الحركة أصبحت مستودع تجارب كتبتها بدماء ابنائها، وبانجشير من دخله فهو امن فهو عميق وسحيق ومأهول، وفيه مصادر الماء والغذاء وطوله 75 كم شديدة التعاريج الوعرة، لم تستطع الامبراطورية البريطانية اختراقها، وفشل الروس 9 مرات في اجتيازة، فموقعة استراتيجي وقربه من العاصمة مهدد لها، غير ان الامور تبدلت، والتعبئة الجهادية لدى الطاجيك تبخرت، والعلماء انفضوا بعدما عاينوا الالاعيب الغربية، واحمد شاة مسعود الولد التابع لايملك شيئا من ملكات ابيه العملاق اسد بانجشير، والمخابراتي أمر الله صالح نائب الرئيس تخلص دمويا من كل الزعامات الطاجيكية والعلمائية في الوادي ثم كان أول الهاربين، و في الوادي 150000 من الطاجيك بنسبة 98% من السكان، ودخلت طالبان الوادي لاول مرة لكن الامور لن تكون سهلة امامها، فالامريكان واعوانهم اتلفوا كل مفيد في مجموع البلد، وافسدوا الذمم، وفككوا النسيج المجتمعي، ودمروا البنية التحتية، حتى أثاث المطار لم يسلم منهم، لقد ورثت طالبان عن الاحتلال ملايين الجنود السابقين، والامنيين، والمخبرين، والموظفين، والمتعاونين ممن تنعموا بالحياة المترفة، ويلزمهم توفير الرواتب المنتظمة لهم، وبعكسه ستكون التداعيات مؤلمة، وامريكا صادرت 9 مليارات من الودائع في البنوك الامريكية وتم نهب الموجودات، وليس امام طالبان الا مهمات صعبة لن تقوى عليها الا بتوفيق من الله، وثم استفزاز الذات الاسلامية لعموم الافغان لاستنهاض هممهم لبناء بلدهم، الذين عليهم ان يغادروا الوهم، وان يلجوا دائرة الفهم وان يستعيدوا الهمة المعهودة عنهم، لأنه تنتظرهم مهمة الاحياء لشعبهم وبلدهم، بالحرية للجميع وبالعقيدة للراغبين تستطيع طالبان خوض معركة البناء، فبعد خوض معركة هدم الباطل، هناك معركة بناء الحق، وهناك متغيرجديد هو أن الافغان تغيروا حيث بات لديهم 25 مليون مستخدم لوسائل الاتصال المجتمعي، واكثر الافغان جدد اعمارهم دون 25 عاما، وبالتالي هم يتعاملون كأفغان جدد مع طالبان جدد، لقد أسهمت الوسائط الاليكترونية في تفتيت الحكومةالهشة، وتشتتيت جيشها غير المتجانس وفاقد العقيدة القتالية، وتبهيت صورة نموذج الدولة الاصطناعية التي بناه الاحتلال، في المقابل طالبان عناصرها كانوا في الكهوف المعزولة والان هي على المحك المجهري المحلي، والاقليمي، والعالمي، فكل سوالب الاحتلال كانت ايجابيات لطالبان والان ستتبدل الصورة، فسبب الهيمنة القاصرة حرم العالم من التعرف على طالبان طيلة 20 عاما وغاب الافغان وراء الشمس .
إن افغانستان اليوم في شدة، وطالبان في محنة، وكلاهما على مفترق طرق،وليس أمام طالبان الا ممر واحد اجباري، هو الارتقاء الى ماهو فوق مستوى المسؤولية، لاستيعاب الجميع والانطلاق ببلدها المستهدف،او التوابطؤ والانزلاق للاستحواذ، وبالتالي الولوج الى نفق قد تطول عتمتة لاسمح الله، فطالبان حقيقة من حقائق أفغانستان اليوم ولامجال للقفزعنها والكل يترقب ويتطلع الى حسن صنيعها، والمسلمون في العالم ان رأوا منها عدلا، وفضلا، واحسانا،وتحسينا، فانها ستتملك قلوبهم وتظفر بدعائهم، والا فانها ستكون نكسة اخرى في سجل النكسات الي تقرحت مؤخرا لها أكباد أمة محمد صل الله عليه وسلم.