المقاطعة الاقتصادية.. حرب بلا سلاح
رفض منهجي وامتناع طوعي عن استهلاك منتجات شركة أو دولة ما، أو إقامة أي علاقة اقتصادية معها، للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها اتجاه بعض القضايا، كحقوق الإنسان، أو إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما.
سلاح للضغط والردع
تعد المقاطعة الاقتصادية سلاح ردع فعّال في مواجهة الآخر وتطويع إرادته، لما تستطيع إلحاقه به من أضرار اقتصادية، كتراجع حجم المبيعات والصادرات، وما يترتب على ذلك من آثار سياسية واجتماعية.
و لسلاحي المال والاقتصاد بالغ الأثر في العالم المعاصر، وللعامل الاقتصادي أهمية منقطعة النظير في العلاقات الدولية. غير أن المقاطعة لا تؤتي أكلها -بالضرورة- في كل الحالات، ويظل حجم تأثيرها مرتبطا بالقدرة على التعبئة الجماهيرية الواسعة وعلى طول النفس، كما يرتبط تأثيرها بقوة الطرف الآخر وقابليته للرضوخ.
ومع ذلك، فإنها تبقى -بالرغم من كل التحديات والعقبات التي يمكن أن تحول دون تحقيق أهدافها- تعبيرا مدنيا عن موقف وقناعة، وشكلا من أشكال الاحتجاج والنضال السلمي، واستثمارا لحق تكفله جميع القوانين في اختيار ما نستهلكه وما نمتنع عن استهلاكه في سبيل قضية نؤمن بها.
صور من التاريخ
يحفل التاريخ الإنساني المعاصر بصور من ممارسة المقاطعة الاقتصادية في وجه الخصوم كسلاح للردع أو كوسيلة للضغط، ونسرد فيما يلي بعض الأمثلة التي تشهد على ذلك:
– امتنع الفلاحون في إيرلندا -إبان حركة تحريرها من الاحتلال البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر- عن التعامل مع أصحاب الإقطاعات الزراعية الإنجليز ووكلائهم المحليين.
– أصدر حزب الوفد المصري بعد اعتقال رئيسه سعد زغلول عام 1921 قرارا بالمقاطعة الشاملة لبريطانيا، وحث المصريين على مقاطعة البضائع البريطانية وسحب ودائعهم من المصارف الإنجليزية.
– انتهج الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي سياسة المقاطعة الاقتصادية سلاحا في وجه الاحتلال البريطاني للهند، ودعا إلى إحراق البضائع القادمة من بريطانيا في مومباي ضمن سلسلة من أعمال الاحتجاج على سلطات الاحتلال.
كما حث مواطنيه على صنع ملابسهم بأيديهم، والاستعانة في ذلك بمغازل يدوية للاستعاضة عن الملابس المستوردة من مصانع بريطانيا، وأعطى المثال بنفسه وكان قدوة لهم في ذلك.
– قام السكان السود في مدينة مونتغمري بولاية ألباما الأميركية بمقاطعة شركة النقل المحلية استجابة لدعوة مارتن لوثر كينغ، واحتجاجا على سياسة الميز العنصري بين السود والبيض داخل الحافلات، وكان ذلك في ستينيات القرن العشرين.
– امتنع العديد من المستهلكين في العالم عن استهلاك البضائع القادمة من جنوب أفريقيا احتجاجا على سياسة الفصل العنصري، وامتدت مقاطعتهم من الستينيات (في القرن الماضي) حتى أوائل التسعينيات.
– دعت المنظمات الفلسطينية على مدار عقود من الزمن إلى حملات دولية لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، ومنتجات المستوطنات والشركات العالمية الداعمة لإسرائيل. وتعتبر الحركة المعروفة اختصارا بـ "بي دي إس" (والتي تعني: مقاطعة، سحب استثمار، وعقوبات) من أهم التنظيمات الشعبية التي تعمل في هذا المجال.
– قاطع عدد من المستهلكين الفرنسيين منتجات شركة دانون بدعوة من شبكة فولتير، احتجاجا على خطط تسريح للعمال أعلنتها الشركة في 2001.
وعندما تتم المقاطعة الاقتصادية لدولة ما من طرف دولة أخرى أو من طرف منظمة دولية (لأسباب سياسية عادة)، فإن الأمر يتعلق بحصار اقتصادي، وهذا هو المصطلح الأمثل الذي يجدر استعماله في هذه الحالة كما هو متداول في القانون الدولي.