| أزمة المياه في الأردن | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:23 am | |
| أزمة المياه في الأردن
في عالم اليوم، لا يتوقف الحديث عن ندرة المياه كأزمة مستقبلية وشيكة تهدد مجتمعاتنا ومصادر بقائها وتنميتها؛ أزمة نحن في الأردن نعيش في قلبها. يعد الأردنيون من أكثر شعوب الأرض حرمانًا من المياه، إذ انخفض نصيب الفرد منها مؤخرًا إلى أقل من 100 متر مكعب بالسنة، في حين أن ندرة المياه القصوى تحدد باستهلاك الفرد 500 متر مكعب أو أقل سنويًا. ورغم أن أزمة المياه أزمة عالمية مرتبطة بأنظمة العالم القائم وطبيعة اقتصاده وكيفية إدارة موارده من قبل المتحكمين فيه، إلا أن البلدان والمناطق والشعوب المختلفة لا تعاني منها بالقدر نفسه.
يضرب الاحتباس الحراري منطقتنا التي يغلب عليها الطابع الصحراوي بشدة، إذ تتراجع معدلات هطول الأمطار سنة بعد سنة بشكل يصعب الاستفادة منه. ترتفع درجات الحرارة ويتسارع التبخر وتتوسع الأراضي والمساحات القاحلة وتزداد الصراعات على الموارد المائية. في الأردن، تحصل 90% من مساحة البلاد سنويًا على معدل هطول أمطار يقدر بأقل من 100 مم سنويًا، يضيع غالبيتها نتيجة التصحر. في المستقبل، ستزداد الصورة قتامة، حيث من المرجح أن يتراجع هطول المياه في المملكة بنسبة 30% ويتضاعف الجفاف ثلاث مرات بحلول عام 2100. ثمانية بلدان فقط في العالم تحصل على هطول سنوي أقل مما نحصل عليه اليوم.
لا شك أن البلاد تواجه أزمة مائية متنامية ومتشابكة تتداخل فيها عوامل عدة، بعضها تاريخي وسياسي، وبعضها اقتصادي وإداري. تتعرض إمدادات البلاد من المياه للخطر المستمر ويتراجع أمننا المائي ليصل العجز السنوي إلى ما بين %30 و40% من الحاجة المائية لمختلف الاستخدامات حسب الموسم المائي. يطال هذا العجز المياه المخصصة للشرب خصوصًا في فصل الصيف، كما هو الحال في هذه الأيام التي وصلت بنا إلى أن نطلب ممّن نهب مياهنا أن يقطر علينا بالقليل منها، وأن ندفع له مقابل ذلك.
تركز العديد من التقارير الدولية والأوراق المتخصصة التي تدرس الشأن المائي في الأردن على قضايا مثل اللجوء والنمو السكاني كمسببات رئيسية لأزمة المياه. ورغم أن سيولة المياه تعيق أي عملية ضبط مكتبية لها ويصعب معاينتها اجتماعيًا وسياسيًا وبيئيًا معاينات مخبرية، إلا أن العديد من نشطاء وخبراء البيئة والمناخ لا يكفون عن فعل ذلك: تُعزل قضايا المياه وتجزّأ، تنزع عنها السياسة أو تهمش، وتُحمّل العوامل الطبيعية -أو ما يعتقد أنها طبيعية- أكثر مما تحتمل. لا الجفاف، ولا التغيير المناخي، مشاكل بيئية طبيعية بحتة، ولا اللجوء والنمو السكاني على أهمية تأثيرهما، أسباب كافية لاضمحلال المياه في بلادنا.
نسعى في حبر من خلال هذا الملف لمقاربة المشهد المائي من زوايا متعددة، في محاولة لرسم صورة أوسع لأزمة المياه في الأردن. لا يقدم الملف إجابات نهائية مكتملة عن الأزمة بقدر ما يضيء على تمظهراتها ومسببات نشوئها وانعكاسها على مجمل شؤون حياتنا.
تتشكل إمدادات المياه في الأردن وتتأثر بجغرافيته السياسية. فرغم أن المياه لا تخضع لمنطق الحدود، إلا أن هذه الحدود ترمي بثقلها بشكل كبير على واقعنا المائي. كان لوجود «إسرائيل» الوقع الأكبر على الخارطة المائية في الإقليم عمومًا والأردن بشكل خاص. بعد نشوئها، استولت دولة الاحتلال على حصة الأردن من أعلى حوض نهر الأردن وأقامت بوابات حديدية لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر الذي انخفض إلى 2% من تدفقه التاريخي، بعد أن نقلت مياه النهر من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب عبر مشروع «الناقل الوطني الإسرائيلي» في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فضلا عن ذلك، عرقلت «إسرائيل» عددًا كبيرًا من المشاريع المائية المشتركة بين الأردن ودول الإقليم وخاصة سوريا، وداخل الأردن نفسه، وحرمته من حصص كبيرة من المياه السطحية التي تشكل حوالي ثلث إمدادات المياه في البلاد اليوم.
عند الحدود الأردنية السعودية وعلى امتداد آلاف الأمتار، يتشارك البلدان حوضًا مائيًا جوفيًا غير متجدد. في سبعينيات القرن الماضي، بدأت السعودية باستخدام كميات كبيرة من مياه الحوض العذبة الصالحة للشرب لزراعة الصحراء. بعد عقد من الزمن، سحب الأردن أيضّا كميات أقل، ومنحَ امتيازات لشركات خاصة لاستخدام المياه العذبة لزراعة القمح والحبوب للاستهلاك المحلي. وبعد أن اشتدت الأزمة المائية في الأردن نتيجة شح المتوفر وازدياد الطلب، جرّت الحكومة الأردنية عام 2013 المياه من حوض الديسي إلى عمان والعقبة لغايات الشرب، على أمل أن تسقي الأردنيين من مياهه لخمسين سنة، قبل أن يجف بالكامل. لكن، ونتيجة للسحب الكبير منه لغايات الزراعة تحديدًا من قبل السعودية، بات البعض يشكك بمقدرة الحوض على الاستمرار للمدة التي يتوقعها الأردن، الأمر الذي يهدد مصدرًا رئيسيًا من مصادر مياه الشرب في المملكة ويطرح أسئلة عديدة حول مدى استدامته.
داخليًا، يتدهور وضع المياه الجوفية بسرعة تتجاوز قدرة الطبيعة على تغذية المتجددة منها، حيث يستنزف الأردنيون الـ12 حوضًا جوفيًا موزعة في أرجاء المملكة متجاوزين بذلك كل حدود السحب الآمنة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستويات غالبيتها وتردي نوعية مياهها بشكل خطير، الأمر الذي انعكس في جفاف آلاف الآبار خلال العقود الماضية. تأتي الحصة الأكبر من مياه الشرب والزراعة من المياه الجوفية، ويذهب أكثر من ثلث المستخرجة منها داخليًا للزراعة. ورغم حاجتنا لكل قطرة ماء، إلا أننا نصدّر جزءًا كبيرًا منها للخارج، على شكل خضروات وفواكه. كما تفقد شبكات المياه ما يقارب نصف مياهها في طريقها إلى منازل الأردنيين. يعزو البعض ذلك لأسباب فنية مرتبطة بنظام التقنين المتقطع الذي يمد السكان بالمياه ليوم أو يومين بالأسبوع، الذي يؤدي إلى إتلاف الشبكات وبالتالي التسرب، وأمور أخرى كالاعتداءات المستمرة على خطوط إمداد المياه.
أنه لأمر مقلق حقًا أن تستنفد الدولة مياهها الجوفية التي تعد أثمن مصدر من مصادر البلاد المائية وأكثرها أهمية، فنحن نحصل على قرابة ثلثي مياهنا من طبقات المياه الجوفية، الداخلية والمشتركة، وجميعها مهددة بالنفاد في المستقبل القريب، كما هو حال المياه السطحية النابعة من «إسرائيل» ودول الجوار.
يناقش هذا الملف هذه المواضيع بالتفصيل ويقاربها من زوايا مختلفة. تستعرض دلال سلامة أزمة المياه الجوفية ومستقبلها في ظل السحب الجائر الذي تعاني منه الآبار المتجددة وغير المتجددة. وتتناول دانة جبريل مسألة حوض الديسي المشترك بيننا وبين السعودية، وتقاربها من بوابة استدامة الخط وتكاليفه الباهظة، وذلك بعد كل الكميات التي سحبتها السعودية منه لغايات زراعة الصحراء على مدار العقود الخمسة الماضية. يحتوي الملف أيضًا على ورقة مترجمة للباحث يوسف عبد الرحيم من الجامعة العربية الأمريكية في رام الله حول التهديد الذي تمثله الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني. ويناقش عمار الشقيري بتقريره موضوع الفاقد المائي وأسبابه وعدم إحراز تقدم ملموس في حل مشاكله، رغم كل الخطط الرسمية والأموال التي دفعت لوقف نزف المياه من الشبكات ومنع الاعتداءات على الخطوط. فيما تستعرض ليلى العاجيب أزمة الزراعة في ظل شح المياه، وطرق تكيّف مزارعي بعض مناطق شمال المملكة باستخدام عدّة طرق للري بينها الري بالتنقيط وسقاية المزروعات بالمياه المعالجة، شارحة الصعوبات التي تواجه المزارعين في كل من الطريقتين اللتين يرى خبراء أنها مجرد حلول مؤقتة. وفي ظلّ الشحّ الذي شهده الموسم المطري الفائت، يستعرض حارث الطوس أبرز ملامح النقاش حول السدود في الأردن ومدى نجاعة هذه الوسيلة في تحقيق حصاد مائي جيد والاستفادة من مياه الأمطار. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:32 am | |
| نزف المياه الجوفية يسبق تجددها: هل تجف أحواضنا؟ تسع عشرة سنة فقط، هي فرق السن بين ابن مدينة الأزرق، فيصل البلعوس (58 عامًا) وأكبر أبنائه، لكنها كانت كافية لأن تتحول المدينة التي ولدوا وعاشوا فيها جميعهم إلى نقيضها، بحيث يكون لكلا الطرفين صورة ذهنية مختلفة تمامًا عنها. الأزرق الخاصة بفيصل هي تلك التي في الصورة التي التقطت له أواخر السبعينيات أمام بركة عين الِمسْتَدْهِمِةْ، واحدة من العيون الأربعة الرئيسية التي صنع تدفق مياهها ما كان آنذاك واحة، تحفها أشجار النخيل ونباتات الحلفا والقُصّيب، وتسرح فيها الجواميس والخيول والثعالب، وتستقبل سنويًا آلاف الأنواع من أسراب الطيور المهاجرة، ويسبح على مسطحاتها المائية البط والإوز ودجاج الماء.
بالنسبة لأبنائه، يبدو ما سبق مشهدًا من وثائقيات ناشونال جيوغرافيك، ومكانه التلفزيون فقط. فمكان الِمسْتَدْهِمِةْ التي يروي والدهم ذكرياته عنها، هي الآن الصحراء القاحلة أمام قلعة الأزرق. وما بقي من الغابات، التي نمت على حواف المسطحات المائية، مُجرّد شجيرات شوكية متفرقة، وأشجار شاحبة تكافح الجفاف. هذا في منطقة كانت، كما يقول فيصل، «على بحر مي»، حتى أن الأطفال كانوا أثناء لعبهم، يحفرون بأيديهم في التراب، فيخرج الماء من على عمق 30 سنتيمترًا. وهو يتذكر جيدًا الصعوبة الشديدة التي واجهت العمال الذين كانوا يشتغلون في السبعينيات على رصف الطريق المار بالأزرق إلى بغداد، بسبب المياه التي كانت تتفجر من كل مكان أثناء رصف الشارع
لقد اكتمل جفاف الواحة أوائل التسعينيات، بسبب الانخفاض الخطير في مستوى المياه الجوفية في حوض الأزرق المائي، الذي كان يغذي ينابيعها ومسطحاتها المائية، بشكل أساسي بسبب الضخ الجائر الذي بدأ أوائل الثمانينيات، من الحوض باتجاه عمان والزرقاء، لتلبية الحاجات السكانية. والآن، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعطي لمحة عن الماضي، لمن ولدوا في التسعينيات وما بعدها، هو المحمية المائية الاصطناعية، التي أقيمت بتمويل دولي على مساحة 74 كم. لكنها، وعلى النقيض من الواحة الأصلية التي كانت حية طوال السنة، فإن المحمية معتمدة بالكامل على ضخ مياه سلطة المياه. والوضع سيء، يقول مديرها حازم الحريشة، حد أنه إذا انقطع هذا الضخ، ولو لبضع أيام، فإنها ستموت.
لكن تدهور وضع المياه الجوفية إلى مستويات خطيرة، في حوض الأزرق، وهو واحد من 12 حوضًا جوفيًا موزعة على أنحاء المملكة، ليس خاصًا به. إنه قصة كل هذه الأحواض، والتي تشكل المصدر الرئيسي لتزويد السكان بالمياه. هذه الأحواض التي استغرقت عشرات آلاف السنين لتتكون، وكان من المفترض، بحسب خبراء، أن تكون مخزونًا استراتيجيًا احتياطيًا لأوقات الأزمات، وصلت جميعها، بحسبهم، إلى وضع حرج جدًا.
وفي وقت تتشابك فيه عوامل قاهرة قادت إلى هذا الوضع، من نمو سكاني، وتغيّر مناخي، وصراعات بين دول المنطقة على مصادر المياه، يشير هؤلاء إلى اختلالات في إدارة الاستجابة لهذه التحديات. فخلال العقود الماضية، أُقرّت تشريعات، وصيغت سياسات واستراتيجيات، بهدف حوكمة إدارة المياه الجوفية. لكن، الافتقاد، بحسبهم، إلى إرادة سياسية حقيقية لإنفاذ ما سبق، جعلها في جوهرها حبيسة المكاتب، في حين ظل الاستنزاف الجائر لهذا المورد المائي الثمين قائمًا. حد أن دراسات دولية توقعت أنه من دون اتخاذ التدابير المناسبة فإن البلاد ذاهبة إلى العطش. ووفق هذه الدراسات، فإن الفقراء سيكونون، كالعادة، هم أول الضحايا.
لماذا التركيز على المياه الجوفية؟ يحصل الأردن على مياهه من ثلاثة مصادر؛ المياه الجوفية، والمياه السطحية (محلية وإقليمية) وتأتي من تدفق الأنهار والمياه المجمّعة في السدود، وأخيرًا المياه غير التقليدية، وتأتي من المياه المحلاة والمياه العادمة المعالجة. وتُستخدم جميع هذه الأنواع لتلبية الطلب من الحاجة السكانية والزراعة والصناعة والثروة الحيوانية.
في العام 2019، بلغ حجم المياه التي دخلت المملكة من مصادرها المختلفة، مليارًا و216 مليون متر مكعب تقريبًا. منها 612 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه السطحية المحلية والإقليمية، و185 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه غير التقليدية (عادمة معالجة ومحلاة)، و419 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه الجوفية.
ومن بين المصادر السابقة، هناك أهمية خاصة للمياه الجوفية، فهي تشكل مصدرًا رئيسيًا لجميع الاستعمالات، وبشكل خاص مياه الشرب. في العام 2019 كانت مصدر 55% تقريبًا من كافة الاستعمالات، و57% من تزويد مياه الشرب.
لقد كان حجم المياه المستعملة للعام 2019 أقل بقليل من حجم المياه الداخلة للمملكة، فقد بلغ التزويد المائي للقطاعات المختلفة من سكان وزراعة وصناعة وثروة حيوانية، مليارًا و105 مليون متر مكعب. أي أقل بـ100 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه الداخلة. لكن هذا لم ينطبق على المياه الجوفية، التي كانت حصتها من المياه الداخلة 419 مليون متر مكعب تقريبًا، في حين بلغت الكمية المستعملة 601 مليون متر مكعب.[2]
وهنا تكمن المشكلة، بحسب خبير المياه، والأستاذ في كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، عماد كرابلية؛ إذ تكون أحواض المياه الجوفية بخير، طالما لم تتجاوز حد «السحب الآمن»، والذي يعني عدم تجاوز الكمية المسحوبة من الحوض كمية التجدد، والتي تأتي بشكل أساسي من مياه الأمطار وتدفق المياه السطحية إلى باطن الأرض. وتختلف حدود «السحب الآمن»، بحسب كرابلية، من حوض إلى آخر، بحسب طاقة تجدد كل حوض. ومع الأخذ في الاعتبار هذا التفاوت من حوض إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، بحسب منسوب التغذية التي تتحقق في الأحواض تبعًا لمواسم الأمطار، وتدفق المياه السطحية، فإن الثابت علميًا، أن معدل السحب الآمن من المياه الجوفية في المملكة، على المدى البعيد، لا يجوز أن يتجاوز في المتوسط 275 مليون متر مكعب سنويًا.
في المملكة، كل الأحواض المائية، باستثناء الديسي، وجزء من حوض الجفر، متجددة.[3] لكن المشكلة، كما يقول مدير دائرة الأحواض المائية، ثائر المومني، هو أن حدود السحب الآمن تم تجاوزها في غالبيتها الساحقة، وبشكل جائر. ما أدى إلى انخفاض مستوياتها بشكل خطير. بل وأدى إلى أن بعض الآبار الحكومية المخصصة للشرب، جفت تمامًا. منها مثلا آبار في الحلابات والموقر.
وتظهر خريطة الأحواض المائية[4] لسنة 2017 السحب الجائر في عشرة من 12 حوضًا. ومن ذلك حوض الأزرق، الذي يبلغ معدل تجدده 24 مليون متر مكعب سنويًا، في حين يضخ منه حوالي 70 مليون متر مكعب سنويًا تقريبًا. وحوض الزرقاء عمان، الذي يتجدد سنويًا بمعدل 88 مليون متر مكعب تقريبًا، ويسحب منه 165 مليون متر مكعب سنويًا
تراكم هذه الفوارق بين ما يخرج ويدخل إلى الأحواض الجوفية، أدى إلى تناقص مطّرد في كمية المياه في الأحواض الجوفية في مختلف مناطق المملكة، وانخفاضها بالتالي إلى مستويات خطرة، بحسب مصدر مختص في وزارة المياه طلب عدم ذكر اسمه. ويقول المصدر إن هذا هو ما أوصل الأحواض الجوفية في المملكة إلى وضع «حرج جدًا»، ليس فقط على صعيد تناقص كمية المياه فيها، بل على صعيد تردّي نوعيتها أيضًا. فانخفاض مستوى المياه يعني الذهاب إلى أعماق أكبر. ومن المعروف أن المياه تزداد ملوحة مع تزايد العمق.
وحتى الحوضان الوحيدان اللذان لم يتجاوز السحب منهما حدوده الآمنة، وهما الحماد والسرحان في صحراء البادية الشمالية، يقول إن إنتاجيتهما ضعيفة جدًا؛ إذ لا يتجاوز معدل تجدد الحماد ثمانية مليون متر مكعب، وخمسة ملايين متر مكعب للسرحان. وعلاوة على قلة الكمية، فإن مياه هذين الحوضين، شديدة الملوحة، وفيها نسبة عالية من الكبريت. وهذا، بحسبه، لا يجعل لهما قيمة فيما يتعلق بتلبية الحاجة لمياه الشرب. وإن كان هناك احتمال لإمكانية الاستفادة منهما للزراعة «هذا إذا قدروا يتعاملوا مع نوعية المياه».
في موازاة هذا التدهور المستمرّ منذ عقود في كمية المياه الجوفية وفي نوعيتها، ظلت وزارة المياه تستغل كل إمكانية لحفر آبار جديدة ضمن هذه الأحواض لتواصل الضخ منها. والآن يبدو أن الأمور وصلت إلى الحافة. فقد بدأت الوزارة، بحسب المصدر السابق مؤخرًا في الحفر في الموقع الأخير في المملكة، الذي من المؤمل أن يعطي كميات جيدة، وهو مشروع آبار خان الزبيب والشيدية والحسا. بعده، ستكون الفرص المتاحة هي مجرد «بير هون وبير هناك». وهذا المشروع الأخير الذي يتم فيه الحفر على عمق 1200 متر، يقول المصدر إنه جيد فقط فيما يتعلق بالكميات. أمّا من ناحية النوعية، فالمياه مالحة، وفيها نسبة عالية من الإشعاعات، وهي حارة جدًا. وكل هذه خصائص مألوفة لمياه تستخرج على هذا العمق. إذ من المعروف أن نوعية المياه تتردى كلما زاد عمق استخراجها. ومن هنا، يقول إن المشكلة التي تواجه المملكة، ليست فقط في تدهور كمية المياه الجوفية، بل أيضًا في تدهور نوعيتها. والذي يرفع بشكل كبير كلفة التزويد، إذ تضاف كلفة المعالجة. وبالنسبة لهذا المشروع الأخير، هناك أيضًا كلفة إضافية للكهرباء التي تزيد مع ازدياد عمق الضخ. وكلفة تمديدات المياه، بسبب بعد الموقع عن التجمعات الحضرية. ذلك أنه في الوقت الحالي، صار من الصعب جدًا العثور على آبار قريبة من شبكة المياه. وهذا يرفع كثيرًا كلفة التمديد.
كيف وصلنا إلى هنا؟ حتى العام 1980، كان وضع طبقات المياه الجوفية متوازنًا، بضخ لم يكن يتجاوز وقتها 138 مليون متر مكعب سنويًا. لكن السحب الجائر بدأ بعدها، ووصل إلى 200 مليون متر مكعب أوائل التسعينيات، ثم إلى 250 مليون متر مكعب العام 2000.[5] ويتذكر الحريشة، مدير المحمية المائية في الأزرق، أن أوائل الثمانينيات، كانت الفترة التي بدأ فيها ضخ مياه حوض الأزرق باتجاه عمان والزرقاء. ويقول إن المسوحات وقتها بدأت تكشف مباشرة التناقص التدريجي لحجم تدفق مياه الينابيع، ومن بينها الينابيع الرئيسية التي صنع تدفقها واحة الأزرق، وهي المستدهمة والعورة في الجزء الشمالي من المدينة، والقيسية والسودة في الجنوبي. وهو تناقص أفضى بعدها، وخلال عشر سنوات فقط، إلى جفاف العيون ومعها الواحة أوائل التسعينيات. تدفق الينابيع، الذي هو نتاج اندفاع المياه الجوفية إلى السطح، هو أول مؤشر على وضع أي حوض مائي، بحسبه. وكان تدهورها بالتالي نذير خطر، لم يفعل أحد شيئًا إزاءه
يؤكد كلام الحريشة تقرير[6] أصدره، المعهد الفيدرالي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR) في عام 2017، وهو مؤسسة ألمانية تعمل في الأردن منذ أكثر من 60 عامًا. فقد كان حجم تدفق مياه الينابيع في مختلف مناطق المملكة، أوائل السبعينيات، 249 مليون متر مكعب سنويًا. وبحسب تقرير[7] لوزارة المياه، كشف مسح للفترة بين 2013 و2018، أن المعدل السنوي للتدفق صار 125 مليون متر مكعب سنويًا.
وفق تقرير (BGR)، تزايد عدد الينابيع الجافة سنويًا، كان قد بدأ يصبح نمطًا في الأردن، ابتداءً من العام 1987. وهذا أثر كثيرًا على تزويد مياه الشرب. وخلال العام 2017 فإن 20 مليون متر مكعب فقط من مياه الينابيع أمكن استخدامها لمياه الشرب. وانخفاض كمية التزويد من مياه الينابيع للشرب، لا يعود فقط إلى ظاهرة جفافها، بل أيضًا بسبب أن معظمها، كما يقول التقرير، ملوث بكتيريًا. ومن الينابيع المسجلة في الأردن وعددها 861 نبعًا، استخدمت مياه 23 نبعًا للشرب.
إذن، فإن الخطر المحدق بالمياه الجوفية يكمن أساسًا في تأثيره على التزويد المائي لمياه الشرب للسكان، التي سُجل تراجع حصة الفرد منها، من 3600 متر مكعب سنويًا في العام 1964[8] إلى 500 مترًا مكعبًا العام 1975، ثم إلى 140 مترًا مكعبًا العام 2010.[9] وخلال العام 2019، يقول كرابلية، انخفضت الحصة إلى 95 مترًا مكعبًا.
يذكر أن الحد العالمي للندرة المائية، أو الفقر المائي، كما حددته منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة (FAO) هو 500 متر مكعب سنويًا للفرد. أي أن الفرد في الأردن يحصل على خمس الحصة المصنفة أصلًا حدًّا للفقر المائي. علمًا بأن التزويد المائي الفعلي للفرد للعام 2019 يقول كرابلية، بلغ 123 مترًا مكعبًا لكن الفرق نتيجة الفاقد الفيزيائي للمياه.
والأمور ذاهبة إلى الأسوأ. وفق دراسة نشرتها في نيسان الماضي مجلّة Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، فإنه ما لم تتخذ إجراءات حقيقية، فإن حصة الفرد ستنخفض مع نهاية المئوية بما مقداره 50% من الحصة الحالية. وستكون أكثر المناطق تضررًا، أكثرها ازدحامًا بالسكان، في عمان والزرقاء وإربد، إذ «وحتى ضمن سيناريو متفائل»، كما تقول الدراسة، سينخفض مستوى المياه الجوفية في هذه المحافظات بما نسبته 60% تقريبًا. والأمر نفسه في بعض المناطق في الجنوب. وسيكون محدودو الدخل الفئة الأكثر تضررًا، إذ من المتوقع أن تنخفض حصصهم السنوية إلى 15 مترًا مكعبًا تقريبًا.[10]
إذن، لماذا وصلنا إلى هنا؟ لقد كتب الكثير عن النمو السكاني وتغير المناخ والصراع على موارد المياه في المنطقة، بوصفها أبرز العوامل المؤثرة في أزمة المياه في الأردن.
فقد ارتفع عدد سكان المملكة، سواء بسبب النمو الطبيعي، أو تدفق الهجرات بأنواعها إلى المملكة، من مليون نسمة تقريبًا، وفق تعداد العام 1961، إلى 11 مليون نسمة تقريبًا في الوقت الحالي.
وهناك التغير المناخي، في بلد أكثر من 92% من أراضيه عبارة عن صحراء. ولا يزيد معدل هطول الأمطار عن 200 ملم سنويًا.[11] وفي معظم المناطق، يقل المعدل عن 50 ملم سنويًا.[12] وقد شهدت العقود الماضية تراجعًا وتذبذبًا في كمية الهطول المطري، يقول مدير الأحواض المائية في وزارة المياه، ثائر المومني، والسنة الماضية، هطلت الأمطار بنسبة 60% فقط من المعدل طويل الأمد. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالكمية، بل أيضًا بتوزيع هذه المياه زمنيًا وعلى المناطق، والذي اختلف خلال السنوات الماضية. إذ، حتى في السنوات التي تكون فيها كمية الهطول المطري ممتازة، صارت هذه الأمطار تأتي، يقول المومني، شديدة ومتركزة في فترات قصيرة، فتتسبب بالفيضانات، ولا تفيد التغذية الجوفية التي تحتاج إلى مطر أخف
علاوة على ذلك، صارت الأمطار تهطل على مناطق، لا يمكن لاعتبارات فنية إقامة سدود عليها، وهذا يعني ضياعها. وفي ظل الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، فإن معظم ما يهطل من أمطار يضيع، إذ تبلغ نسبة الأمطار التي تضيع نتيجة التبخر سنويًا في المملكة، 94% تقريبًا، بحسب المومني. وهذا يعني أن 6% منها فقط تذهب لتغذية السدود ومصادر المياه الجوفية.
أمّا العامل الثالث فهو الصراع على المياه بين دول المنطقة. فأهم الأحواض المائية، السطحية والجوفية مشتركة مع «دول الجوار». وبالنسبة للمياه السطحية، والتي تغذي المياه الجوفية، فالجزء الواقع منها في أراضي المملكة غالبًا ما يكون هو المصب.[13] وهذا يعني أن المنابع متحكم بها من «دول الجوار». مثال على ذلك، يقول المومني، نهر الأردن الذي تتحكم به «إسرائيل»، ونهر اليرموك الذي تتحكم به سوريا. وفي السياق نفسه، يقول المومني، هناك الأحواض الجوفية المشتركة، وهي الديسي والسرحان والأزرق، وعمان الزرقاء [واليرموك والحماد]. وهذه أيضًا، تسحب منها كميات كبيرة من المياه، بالتحديد في حوضي الديسي المشترك مع السعودية، والمقام عليه في الجانب السعودي عدد كبير جدًا من الآبار، وحوض اليرموك المشترك مع سوريا، والتي أقامت عليه أيضًا عددًا كبيرًا جدًا من الآبار.
كيف كان شكل الاستجابة؟ لقد التفتت استراتيجيات المياه المتعاقبة لأهمية المياه الجوفية، وضرورة ضبط نزيفها. وكان هذا محور العديد من السياسات الخاصة بالمياه الجوفية. كما صدرت ابتداءً من الستينيات تشريعات تنظم استعمال هذا المورد المائي. ولكن، دائمًا كان هناك نقد مفاده وجود تناقض بين ما تبشر به السياسات، وما يحدث فعليًا على الأرض. بحسب تقرير أصدره المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) في عام 2016، فإن أسلوب إدارة قطاع المياه في الأردن يتسم بـ«الرخاوة». ويتمثل هذا في «التراخي في إنفاذ القوانين والتشريعات، والافتقار إلى العدالة والشفافية»، ما أدى إلى استمرار استنزاف موارد المياه الجوفية.[14]
في موازاة هذا التدهور المستمرّ منذ عقود في كمية المياه الجوفية وفي نوعيتها، ظلت وزارة المياه تستغل كل إمكانية لحفر آبار جديدة ضمن هذه الأحواض لتواصل الضخ منها.
إدارة ملف المياه الجوفية قضية متشعبة تبعًا لتشعب استعمالاتها. إذ سبق القول إنها تستنزف لتغطية كل أنواع الاستعمالات، من شرب وزراعة وصناعة وسياحة وثروة حيوانية. يركز هذا التقرير على إدارة أحد المفاصل المهمة في هذه القضية، وهي الآبار الجوفية الزراعية الخاصة، بوصفها نموذجًا لهذه الإدارة. فهذه الآبار، والتي تتركز بشكل أساسي في المناطق المرتفعة شمال وشرق ووسط المملكة، تشكل ما نسبته 67% مجموع الآبار الجوفية في المملكة لكل الاستعمالات. وهي تستهلك، حسب أرقام وزارة المياه، من خلال ما هو مرخص وغير مرخص، ثلث موازنة المياه الجوفية. في حين أن الاستهلاك الفعلي، كما سيوضح هذا التقرير، يتجاوز هذا بكثير. حسام حسين، الباحث في جامعة أوكسفورد البريطانية، والذي اشترك العام الماضي في إعداد ورقة علمية عن المياه الجوفية في الأردن،[15] يقول إن زراعة المناطق المرتفعة كانت بالفعل عاملًا أساسيًا في استنزاف موارد المياه الجوفية. وسببًا لانخفاض مستواها، وتردي نوعيتها. وبحسب الأمين العام السابق لوزارة المياه، علي صبح، فإن المشكلة هي أن معظم هذه المياه، تذهب إلى أنماط محاصيل تزرع في غير بيئتها الملائمة، وتستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية العذبة. ثم تباع بأثمان لا تعكس القيمة الحقيقية للمياه التي استهلكتها، ولكنها مع ذلك تحقق ربحًا للمزارع، لأنه لم يدفع الثمن الحقيقي لهذه المياه. ومن الأمثلة على ذلك الزيتون المروي المزروع على مساحات شاسعة في المناطق المرتفعة، ويستهلك كميات هائلة من المياه الجوفية سنويًا.
لم يكن المزارعون في الماضي يدفعون ثمنًا للمياه الجوفية. لكن ابتداءً من العام 1966 بدأت محاولات تحديد سقف للكمية السنوية المسموح بسحبها من كل بئر، إلّا أن هذا لم يطبق إلا جزئيًا. ثم، مع إنشاء سلطة المياه، منتصف الثمانينيات، حُدّد سقف ضخ المياه بـ75 مليون متر مكعب سنويًا، رفعت خلال التسعينيات، في بعض الحالات، إلى 100 مليون متر مكعب. وكان قبلها قد صدر قرار بأن يدفع أصحاب الآبار الجوفية، ثمنًا للمياه التي يسحبونها فوق السقف المحدد. لكن من دون تطبيق حقيقي لهذا.[16] إلى أن صدر في عام 2002 نظام[17] نص على تقاضي أثمان المياه بغض النظر عن السقف. لكنه منح لكل مالك بئر كمية مجانية هي 150 ألف متر مكعب سنويًا.[18] على أن تباع الـ200 ألف متر مكعب التالية بخمس فلسات لكل متر مكعب. وما يزيد عن ذلك يباع بستة قروش للمتر المكعب. في حين وضعت تعرفة خاصة أكثر تشددًا لآبار الأزرق، بسبب حراجة وضعها؛ فالكمية المجانية أقل، كما أنها ليست موحدة، بل تحدد لكل بئر وفق معايير. وتكون التعرفة قرشين لما تجاوز كمية المياه المجانية إلى 100 ألف متر مكعب. وما زاد على ذلك، يباع بستة قروش للمتر.
والمشكلة هي أن قسمًا كبيرًا من هذه المحاصيل، مثل البطيخ والشمام والبندورة والفواكه، يذهب للتصدير، يقول كرابلية. وهذا يعني أن الأردن في الحقيقة يصدّر مياهه العذبة الشحيحة إلى الخارج بأسعار بخسة. ثم يكون على السلطات مسؤولية تأمين مياه الشرب للسكان بأسعار تصل إلى دينار ونصف للمتر المكعب الواحد.
ويمثل ما يعرف بشركات الجنوب الزراعية مثالًا على ما سبق. فمنتصف الثمانينيات منحت الحكومة أربع شركات زراعية تراخيص لتأسيس مشاريع زراعية تستخدم مياه الديسي. ونصت التراخيص على أن تزرع نصف الأراضي بالقمح والشعير. لأن فكرة المشروع كانت أصلًا أن يحقق جزءًا من الأمن الغذائي للمملكة.[19] لكن هذه المزارع تحوّلت بعدها لزراعة محاصيل مثل البطيخ والبطاطا.[20] ولم تكن عقودها تتضمن أي سقف لكمية المياه المستخرجة، ولا كان هناك أي نظام لمراقبة كميات الضخ. بحلول العام 2013، كان الحوض قد انخفض 25 مترًا. وهذا مستوى خطير من الانخفاض، يقول المومني، خصوصًا في حوض غير متجدد كالديسي. ورغم أن ثلاثًا من هذه الشركات الأربع أغلقت، عندما بدأ العمل على سحب مياه الديسي لعمان، لكن الشركة الأضخم بينها، وهي شركة رم، مازالت قائمة.[21]
إذن، في الوقت الذي يتم فيه التخطيط لترشيد المياه الجوفية، فإن التطبيق على الأرض يسير باتجاه معاكس. ومن ذلك يقول المصدر المختص في وزارة المياه، إن قرارات حكومية شجعت على حفر الآبار الجوفية، من خلال تشجيع زراعات تعتمد عليها في مناطق لا تتحمل ذلك، مثل الأزرق والمفرق والحلابات والظليل، والتي يمكن القول إنها الآن جافة.
ويمثل باسم،* وهو مزارع في الأزرق، مثالًا نموذجيًا على تناقض السياسات مع تطبيقاتها. يمتلك باسم وعائلته مزرعتين، ويتضمن اثنتين أخرتين، بمساحة إجمالية 2200 دونم. بدأت عائلته مشروع الزراعة في الأزرق في عام 1998، قادمين من الحلابات، التي كانت عائلته قد أنشأت فيها مزرعة، ثم تحولوا إلى الأزرق، بعد أن شحّت مياه الحلابات. في الأزرق أقاموا مزرعة زيتون على أرض مساحتها 200 دونم من أراضي الخزينة، امتلكوها فيما بعد، مستفيدين من سياسة حكومية تسمح لمن قام بـ«إحياء» أراضي الدولة بأن يمتلكها.
بحسب المدير السابق لدائرة الأراضي والمساحة، المهندس نضال السقرات، يتيح قانون[22] إدارة أملاك الدولة لشخص استأجر أرض خزينة بغرض الزراعة، أن يحصل على تفويض بها مدته عشر سنوات. ويعني التفويض أن الأرض تصبح ملكه، لكن من دون أن يكون له حق التصرف بها بالبيع أو التأجير. بعدها تسجل الأرض له ملكية خالصة. يقول السقرات إنه بهذه الطريقة استُملِكت مساحات شاسعة من أراضي الخزينة، بشكل أساسي في المناطق الصحراوية. حيث حفر أصحابها فيها آبارًا وأنشأوا مزارع.
امتلكت عائلة باسم 200 دونمًا في عام 2008 مقابل 25 دينار للدونم. وكانت قد زرعتها بالزيتون. وهو صنف لا يشكل الأزرق بيئته الطبيعية، حيث لا يمكن أن ينمو بعلًا. بل يعتمد، كما يقول باسم، على الري المستمر، الأمر الذي يقول إنه لم يكن آنذاك مشكلة. صحيح أن المسطحات المائية في المدينة كانت وقتها قد جفت، لكن المياه الجوفية لم تكن قد وصلت إلى وضع التدهور الحالي. وكان بالإمكان، الحصول على المياه على عمق 50 أو 60 مترًا. وهو أمر لم يعد متاحا حاليًا. إذ يحتاج مالكو الآبار الآن، بشكل متواصل إلى تعميق آبارهم للوصول إلى المياه، بحسبه. وهذا يرفع كلفة الكهرباء اللازمة للضخ. والأهم، أن المياه تصبح، كما تقدم أكثر ملوحة. وقتها كانوا يعتمدون وغيرهم من المزارعين طريقة الري بالقنوات أو كما تسمي «الغمر»، والتي تستهلك تقريبًا عشرة أضعاف كمية الري بالتنقيط، التي تحول إليها قسم من المزارعين بعد أن شحّت المياه. وإلى جانب الزيتون، أنتجت مزارعه البطيخ والشمام والبندورة والبرسيم
يبلغ عدد الآبار الجوفية، لمختلف الاستعمالات، بحسب أرقام وزارة المياه 3183 بئرًا.[24] وهذا الرقم، يقول كرابلية، يمثل الآبار العاملة فقط. فمجموع الآبار المحفورة في المملكة هو تسعة آلاف بئر تقريبًا. أي أن هناك ما يقارب ستة آلاف بئر، إما جفت تمامًا، أو لم تعد كميات المياه الناتجة فيها مجدية اقتصاديًا مقارنة بكلفة الكهرباء المستخدمة في سحبها، أو قد يكون البئر قد وصل إلى عمق كبير، وتملحت مياهه، ولم تعد صالحة للزراعة.
عدد الآبار الزراعية الخاصة، وفق الأرقام الرسمية، 2125 بئرًا، تمثّل ما نسبته 67% من مجمل الآبار الجوفية في المملكة. ويقول كرابلية، إن الرقم الرسمي يشمل فقط الآبار المعروفة للسلطات، سواء كانت آبار مرخصة، أو تلك المحفورة بشكل غير قانوني، وعددها 600 بئر تقريبًا، والتي رغم حفرها بشكل غير قانوني، سمح لها بالعمل، ضمن تنظيم معين (سيوضحه التقرير لاحقًا). ويضاف إلى جميع ما سبق عدد غير معروف من الآبار المحفورة أيضًا بشكل غير قانوني، لكن السلطات لا تعرف عنها.
وفق الأرقام الرسمية، استهلكت الآبار الزراعية الخاصة عام 2019 ما مجموعه 209 ملايين متر مكعب، تشكل ما نسبته 34% من مجمل استعمالات المياه الجوفية.[25] لكن حسين، يلفت إلى أن قياس كميات المياه المسحوبة من الآبار الزراعية، كان التحدي الأساسي الذي حاولت وزارة المياه التعامل معه، من خلال السياسات والتشريعات المختلفة، التي نظمت منح تراخيص الآبار، وتركيب عدادات عليها. وفي هذا السياق، تلفت ورقة العمل إلى أن الأرقام الرسمية الخاصة بحجم استهلاك المياه الجوفية، والتي تشير إلى تراجع معدلات استهلاك المياه الجوفية، تتعارض مع دراسات مستقلة أثبتت أن الواقع هو العكس. وهذه التشريعات والسياسات كان لها «أثر محدود» فيما يتعلق بضبط استنزاف الزراعات للمياه الجوفية.
مثال على ذلك أنه في عام 2009، وفي وقت كان الرقم الرسمي المسجل لاستهلاك المياه الجوفية لكافة الاستعمالات 537 مليون متر مكعب، فإن التقديرات المستندة إلى حسابات حاجة المحاصيل من المياه أظهرت أن الاستخدام الفعلي كان 960 مليون متر مكعبًا.[26] وتقول وزارة المياه إن الفرق يذهب للزراعة في الأراضي المرتفعة. بحسب وثيقة استدامة المياه الجوفية التي أصدرتها الوزارة عام 2016، أثبتت مسوحات تمت بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد أن هناك 225 مليون متر مكعب تقريبًا زيادة عن الأرقام المسجلة، تستعمل سنويًا للأغراض الزراعية، في المناطق المرتفعة وحدها.[27]
لقد أوقفت وزارة المياه منح تراخيص آبار زراعية خاصة جديدة ابتداءً من العام 1992، كإجراء هدفه ضبط استنزاف المياه الجوفية، يقول المومني. لكنها تأذن لأصحاب الآبار التي طرأت أي مشاكل فنية على آبارهم فيما يعيق سحب المياه، بحفر آبار بديلة عنها. في حين يسمح لمن شحت المياه في آبارهم بتعميقها. ويظل الحفر المخالف، يقول المومني، هو «أكبر تحدٍ» في ما يتعلق بإدارة قطاع المياه الجوفية. والوزارة، بحسبه، تحاول ضبط الأمور، لكنها في النهاية، لا تستطيع وضع «حارس على كل نقطة».
لقد نص نظام العام 2002 على وجوب توقف أصحاب الآبار المخالفة عن استخراج المياه، وردم هذه الآبار خلال فترة لا تزيد عن سنة من تاريخ نفاذ النظام. لكنه نفسه، وضع استثناء، هو وجود «أسباب اقتصادية أو اجتماعية تبرر استمرار استخراج المياه من هذه الآبار». وقرر أن استمرارها يكون فقط «لمدة معينة»، تحددها أسس يقررها مجلس الوزراء.
ويقول الأمين العام السابق لوزارة المياه، المهندس علي صبح، إن وزارة المياه اقترحت بالفعل أسسًا أرسلتها إلى مجلس الوزراء. وكانت الصعوبة آنذاك تكمن في وجود استثمارات مقامة على هذه الآبار، وكثير منها كان مصدر معيشة عائلات. والذي حدث وقتها هو أن مجلس الوزراء شكل لجانًا لدراسة هذه الأسس، ولكن لم يتمخض الأمر عن شيء.
الآن، الآبار المخالفة، موجودة كواقع تسلم به الحكومات المتعاقبة، تنظمه وتحميه التشريعات. فوفق نظام العام 2002، لا يجوز أن تقل المسافة بين أي بئرين عن كيلومتر. وهذا، كما يشرح صبح، لاعتبارات فنية، تتعلق بحماية الطبقات الجوفية من الهبوط. النظام يستثني من ذلك الآبار المخالفة، لأنها هنا، يقول صبح، أمرًا واقعًا.
وقد حدد النظام السابق الذكر تعرفة خاصة للآبار المخالفة، أعلى من الآبار المرخصة. ويذكر أن الآبار المخالفة هنا، هي فقط المسجلة لدى وزارة المياه، والتي لم تردمها الوزارة، كما هو مفترض، للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي نص عليها نظام العام 2002، كما هو مذكور سابقًا. التعرفة بحسب النظام 15 قرشًا لأول 10 آلاف متر مكعب، و25 قرشًا لحد 30 ألف متر مكعب. وما زاد عن ذلك، تعرفته نصف دينار عن المتر المكعب. لكن، وفي استمرار لنهج السير عكس السياسات، فإن هذه التعرفة مرشحة للتخفيض بشكل جذري؛ إذ نشر ديوان الرأي والتشريع، في كانون الأول 2017، مسودة نظام معدل لنظام مراقبة المياه الجوفية، تتضمن تخفيضًا لشرائح الاستهلاك المختلفة، فتبدأ التعرفة بقرشين ونصف للمتر المكعب في الشريحة الأولى، وتصل في أقصاها إلى 25 قرشًا لمن يتجاوز استهلاكه 150 ألف متر مكعب. ويقول صبح إن هذا التوجه يمثّل «واقعية» في التعامل مع ظاهرة الآبار المخالفة. فالتعرفة بقيمتها الحالية رتّبت على أصحاب هذه الآبار ذممًا بالملايين، هي في الحقيقة «ملايين على ورق»، لأن هؤلاء يمتنعون عن دفعها بحجة عجزهم عن دفع مبالغ بهذا الحجم. ومن هنا، فإن الهدف من خفض التعرفة هو حفزهم لأن يدفعوا ثمن استهلاكهم للمياه. لكن المومني يقول إن وراء هذا التوجه «ضغوطات من متنفذين»، ومن نواب في المجلس. وهو توجه، يتناقض مع سياسة الحد من استنزاف المياه الجوفية التي كانت أصلًا الدافع وراء رفع تعرفة الآبار المخالفة.
في الأثناء، هناك مشكلة الآبار المخالفة غير المسجلة. وهذه أطلقت وزارة المياه حملة لإغلاقها في عام 2013. بين العامين 2013 و2017، تقول[28] الوزارة إنها ردمت 1221 بئرًا مخالفًا. لكن تقرير الـ(IWMI) السابق الذكر، يقول إن ما حدث فعلًا لم يكن كما صوّرته الحكومة. فخلال الحملة التي «روجتها الحكومة في الإعلام بوصفها قصة نجاح»، الكثير من الآبار التي قيل إنها أغلقت، كانت أصلًا «مهجورة»، أو بمستوى إنتاجية متدنٍ. أي أنها «لم تعد مفيدة لمالكيها». ويؤكد ذلك ما نقلته ورقة حسين عن أحد كوادر وزارة المياه، ردّا على سؤال إن كانت الآبار المخالفة تغلق فعلًا، فكانت إجابة هذا الموظف إنه لم يسمع أبدًا أن هناك بئرًا محفورًا بالكامل، ويعمل بالفعل قد أغلق. يستثنى من ذلك منطقة الديسي.
هناك خلل عميق في التطبيق، يقول المصدر المختص، بسبب عدم وجود «إرادة للتغيير». وينعكس هذا الخلل في التطبيق على شكل شبه غياب للتنسيق بين الجهات المختلفة الشريكة. لأن وزارة المياه هي في النهاية طرف واحد من عدة أطراف في القضية. وهناك قرارات مفصلية في ترشيد المياه الجوفية ليست من اختصاصها. ومنها مثلًا التدخل في تحديد أنماط الزراعة، وتوجيهها بما يتناسب مع سياسة الترشيد. ويشير إلى الأمر نفسه وزير المياه محمد النجار، الذي قال في مقابلة تلفزيونية، قبل عامين، إن جزءًا من العجز عن التعامل مع قضية الآبار المخالفة مثلا، هو أن الأجهزة الأمنية ليست متعاونة مع الوزارة في تنفيذ قرارات الإغلاق. وأيضًا في السياق نفسه، يشير صبح إلى غياب التنسيق، ويقول إن قطاع المياه في المملكة لا يدار بوصفه منظومة متكاملة، تشمل كل المؤسسات الأطراف فيه.
لقد أكد تقرير الـ(IWMI) ما قاله المصدر المختص، وأشار إلى «نقص الإرادة السياسية فيما يتعلق بإنفاذ القوانين والأنظمة، ما تسبب بفقدان الثقة بسيادة القانون، وخلق تبعًا لذلك، إحساسًا بالحصانة لدى منتهكيه».
لكن الأمر لا يتعلق فقط بإنفاذ القوانين القائمة، بل يتعلق أيضًا بتنفيذ أهداف الاستراتيجيات الوطنية التي تجمع على أن مياه الشرب هي رأس الأولويات. وفق حسين، ليس هناك مفرٌ من تحويل جزء من حصص المياه المخصصة للزراعة لتغطية الاحتياجات البلدية. لكنه ينبه هنا إلى ضرورة التفرقة بين الأنواع المختلفة للأنشطة الزراعية. وتوجيه أسئلة مثل: ما نوع المحصول الذي نرويه؟ من يأكله؟ ومن يربح منه؟. فهناك مشاريع زراعية صغيرة توفر العيش لأصحابها من عائلات المجتمعات المحلية، وهذه ضرورة، وهناك في المقابل، شركات زراعية كبرى، تستهلك المياه الجوفية لإنتاج محاصيل تكون بطبيعتها كثيفة استهلاك المياه، ثم تصدرها. وهذا لا يجوز أن يستمر. وبهذا المعنى، فإن أي تخطيط للمستقبل يجب أن يحقق التوازن بين الأمن المائي، واعتبارات التنمية الريفية.
تمّ إنتاج هذا التقرير بدعم ماليّ من مؤسّسة هينرش بُل – فلسطين والأردن. الآراء المقتبسة في التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي مؤسّسة هينرش بُل |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:35 am | |
| حوض الديسي: مياه مكلفة تنضُب، وسحبٌ سعودي جائر
على بعد 320 كم جنوب عمّان، وبالتوغل في الصحراء المحيطة بجبال رم، وصولًا إلى قرىً صغيرة تشكل مجتمعة بلدية «قرى حوض الديسة»، سيكون تحت الأقدام بمئات الأمتار خزّان مياه جوفية صالحة للشرب، يتراوح عمرها بين 10 آلاف و30 ألف سنة، وتمتدّ في حوضٍ جوفي مشتركٍ بين الأردن والسعودية، وهي مياه غير متجددة، إذ لا ينفذ الماء إلى الحوض، وهو ما يمنع تعويض المياه المسحوبة منه.
اكتشف البَلدان الحوض أواخر ستينيات القرن الماضي، ويسمّى في الأردن بـ«الديسي» فيما يُعرف في السعودية باسم «السّاق»، وتقع معظم مياهه داخل حدود السعودية، التي راحت في السبعينيات تستخدمها في مشروعٍ استهلكَ كميات كبيرة من مياه الحوض لزراعة أراضٍ صحراوية. بالمقابل، مَنح الأردن في الثمانينيات شركات زراعية خاصة بامتيازاتٍ للاستثمار في منطقة رم، من أجل زراعة القمح والحبوب للسوق الأردني باستخدام مياه الحوض، بحسب الاتفاق حينها. ثم بدأت الحكومة في 2013 بجرّ مياه الديسي إلى عمّان والعقبة لأغراض الشرب، وأعلنت حينها أن الخزان سيظل يُزوّد بالمياه حتى 50 عامًا مقبلًا.
لكن دراساتٍ ومختصين يشككون في هذا العمر المتوقع للخزان، ما يثير أسئلة عن مدى استدامة خط مياه الديسي وجدواه، في حين تشغّله شركة تركية لقاء كلفٍ مرتفعة على الحكومة، وأسئلة أخرى عن شكل العلاقة بين الأردن والسعودية في التعامل مع خزان مياه مشترك بينهما.
سحب سعودي كبير: مياه الشرب تذهب للزراعة في عام 1969، وصلت[1] بعثة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإجراء دراسات في المناطق الجنوبية في الأردن، واكتشفت حوض مياه جوفية تبلغ مساحته حوالي 69 ألف كم2، منها ثلاثة آلاف في الأردن، فيما تمتد البقية داخل السعودية.
مطلع السبعينيات دعمت السعودية زراعة القمح في المناطق التي تعلو حوض الساق، وأدخلت لاحقًا زراعة الشعير والبرسيم[2] ضمن مشاريعها لزراعة الصحراء[3] وتصدير الحبوب إلى العالم. وفي الفترة بين 1980 و2005 تضاعف سحب السعودية من حوض الساق نحو عشر مرات، فارتفع من حوالي 900 مليون متر مكعب سنويًا في عام 1980، إلى ثمانية مليارات و900 مليون متر مكعب عام 2005، منها 1.5 مليار متر مكعب سُحبت من منطقة تبوك القريبة من الحدود الأردنية وحوض الديسي، بحسب تقرير أصدرته عام 2013 لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بالشراكة مع منظمات دولية أخرى. ويضيف التقرير أن السحب للأغراض الزراعية في تبوك أدى إلى تشكل مخروط «كبير وعميق» في تلك المنطقة؛ أي تشكلت حفرة رأسية تحت منطقة الضخ العالي غيّرت من اتجاه تدفق المياه الذي كان يتجه سابقًا من السعودية إلى الأردن
يرى جواد البكري، الأستاذ في قسم الأرض والمياه والبيئة في الجامعة الأردنية، والمتخصص في تطبيقات الاستشعار عن بعد ونظام المعلومات الجغرافية، أن سحب السعودية لهذه الكميات قد أثّر سلبًا على منسوب المياه في حوض الديسي.
أما مروان الرقاد، رئيس الشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه، فيقلّل من أثر السحب السعودي في تلك الفترة على مياه الحوض بالنظر إلى سحب المياه من جانب الأردن، «أستبعد تكون [الممارسات السعودية] أثرّت بشكل كبير (..)، لإنه بنفس الوقت أنا ما بدي أنسى إنه كان عندي ممارسات أردنية وبنفس التوقيت بنعتبرها ممارسات خاطئة جدًا، تمّت في الثمانينات والتسعينات، من استثمارات زراعية ضخمة حصلت عنا بالديسي، وهو أثّر كثير على كمية المياه الموجودة»، يقول الرقاد.
«من المعروف أن حوض الديسي غير المتجدد له فترة حياة تمتد في أحسن حالاتها إلى 100 عام، (..) تستطيع مياه الديسي سد جزء كبير من مشاكل المياه، لكنها ليست حلًا كاملًا للمشكلة».
في عام 1985 تعاقدت الحكومة الأردنية مع أربع شركات زراعية خاصة لمدة 25 عامًا للعمل في منطقة حوض الديسي وزراعة القمح والحبوب للسوق الأردني، مقابل توفير الأراضي والمياه للشركات بأسعار وامتيازات تشجيعية. استخرجت تلك الشركات كمياتٍ متزايدة من المياه حتى وصلت إلى نحو 70 إلى 80 مليون متر مكعب سنويًا، بين الأعوام 2001 و2008، بحسب تقرير الإسكوا. وبعد عامين من انتهاء التعاقد، أعلنت الحكومة عام 2013 أن الشركات الأربعة لم تلتزم بشروط زراعة الحبوب والأعلاف، وقررت عدم تجديد التعاقد معها، كما منعتها من «الاستمرار في عملها واستنزاف المياه الجوفية»، بحسب ما جاء في كتابٍ لوزير الداخلية حينها.
«هاي الميّ مش للزراعة» تقول الشريفة هند جاسم، الباحثة في مركز الأرض والمياه والبيئة في الجامعة الأردنية، عن استخدام الجانبين الأردني والسعودي مياهًا ذات جودة عالية وصالحة للشرب لأغراض ريّ المزروعات، فضلًا عن أنها مياه أحفورية لا تتجدد، ما كان يستدعي التعامل معها كمخزون استراتيجي، أي أن تظلّ محفوظة لحين انعدام البدائل.
لكن البكري يعتبر تأثير سحب هذه الشركات على منسوب مياه الديسي أقل من تأثير السحب السعودي، نظرًا للفارق الكبير في الكميّات المسحوبة بين الجانبين. ويعتقد أن ضبط السحب من الديسي والحفاظ عليه كمخزون استراتيجي يتطلّب اتفاقًا بين البلدين على حصر استخدام مياه الحوض لأغراض الشرب فقط.
وبحسب ورقة بحثية أعدّها معهد دراسات البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا عام 2008، فإن الأردن والسعودية خاضتا «سباق ضخ صامت» جعل الأردن يرفع من كميات السحب خلال سنوات كي يحافظ على حقوقه المائية أمام السحب الكبير من السعودية، وأن الأردن حاول «خلق حالة واقعية لتجنب مخاطر فقدان الديسي مستقبَلًا»، في الوقت الذي لم تبدِ فيه السعودية أيّ رد فعل على الاتهامات باستغلال الديسي «كي لا تجعل من القضية موضوعًا للنقاش العام».
وقد أصدر الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي عام 2017 ورقة بحثية حول تعامل الأردن والسعودية مع المياه المشتركة بينهما، جاء فيها أن الأردن كان يعلن «بشكل جيد» عن حجم استخراجه للمياه الجوفية، فيما كان «استغلال خزان الديسي من قِبل السعودية أبعد ما يكون عن الشفافية، والتوسع المحتمل في الاستغلال الزراعي السعودي يعتبر خطرًا رئيسيًا على الموثوقية طويلة المدى لخزان الديسي في الجانب الأردني».
وكان الأردن والسعودية قد وقّعا عام 2015 اتفاقية لإدارة وحماية المياه الجوفية في الديسي، ونصّت الاتفاقية على تحديد منطقة محميّة لمسافة 10 كم على جانبي الحدود لا تُسحب المياه منها، دون تحديد الحصص المائية للجانبين. وتُشكّل لجنة فنية مشتركة تجتمع كل ستة أشهر للإشراف على تنفيذ الاتفاقية، وهو ما لم يحدث منذ العام 2015 بحسب علي صبح، الأمين العام السابق في وزارة المياه والري وعضو اللجنة سابقًا.
يتّفق البكري والرقاد على أن السعودية خفّضت في السنوات الأخيرة من كميات المياه المسحوبة، وذلك ضمن سياساتها لترشيد استخدام الموارد المائية. وقد وضعت السعودية عام 2018 «الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030» التي تناولت الحاجة إلى ترشيد الطلب على المياه، خصوصًا في القطاع الزراعي، مشيرةً إلى «تفاقم الإفراط في استخراج المياه الجوفية غير المتجددة لأغراض الزراعة (..) إلى جانب عدم كفاءة العمليات الزراعية». وأكدت الاستراتيجية على أن زراعة الأعلاف الخضراء هيمنت على الاحتياجات المائية لقطاع الزراعة في السعودية رغم كونها من المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه، فيما توقّعت التوقف عن زراعة معظم الأعلاف الخضراء مع نهاية 2018.
جرّ «الديسي»: كلفة باهظة على خطّ «مؤقت» أوائل التسعينيات، ازدادت مشكلة نقص المياه في الأردن مع ازدياد الطلب نتيجة النمو السكاني، وبعدما استُغلّت مصادر المياه الجوفية بأكثر من ضعف طاقتها الإنتاجية.[4] وقد درست وزارة المياه والريّ حينها خيارات عدة، بحسب قصي قطيشات، أمين عام الوزارة مطلع التسعينيات، منها شراء مياهٍ من نهر الفرات في العراق، وشراء مياه من تركيا عبر مشروع أنابيب السلام، وتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، وهو ما يحتاج مصادر طاقة مرتفعة وبالتالي تكلفة عالية لم يقدر عليها الأردن
يضاف إلى الخيارات السابقة، مشروع جرّ 100 مليون متر مكعب من مياه حوض الديسي لمسافة 230 كم وصولًا إلى عمّان ومحافظات الشمال. وقد ظل المشروع قيد الدراسة والبحث خلال التسعينيات رغم تلقي الحكومة عروضًا من ليبيا وإيران وغيرهما لإنجاز المشروع، لكن ارتفاع التكلفة تسبب برفض العديد من العروض، فيما امتنع البنك الدولي عن المساهمة في التمويل مشترطًا موافقة السعودية باعتبارها مشتركة في الحوض،[5] قائلًا: «يتم تقاسم موارد المياه الجوفية بين السعودية والأردن، ويتطلّب استثمار البنك الدولي عدم ممانعة السعودية بموجب سياسة البنك الوقائية».
في عام 2007، توصلت[6] الحكومة إلى اتفاق لتمويل المشروع مع شركة جاما التركية بتكلفة تبلغ مليار دولار، تدفع الشركة منها حوالي 700 مليون دولار، فيما تدفع وزارة المياه والري 300 مليون دولار؛ اقترضتها لاحقًا من بنوك خارجية. وقد تم الاتفاق بموجب عقد (B.O.T)، بحيث تقوم الشركة ببناء وتشغيل المشروع 25 عامًا ثم تنتقل ملكيته للحكومة، وخلال هذه المدة ستشتري الحكومة مياه الديسي من الشركة بقيمة تتراوح بين 89 و100 مليون دينار سنويًا.[7] وبهذا ستدفع الحكومة حوالي 2.7 مليار دينار على الأقل قبل أن ينتقل المشروع إليها، وهي تكلفة «كبيرة» تنعكس على المواطنين بشكل غير مباشر، كما يقول المحلل الاقتصادي فهمي الكتوت، ذلك أن الحكومة ممثلة بسلطة المياه تبيع المواطنين المياه بأسعار مدعومة، فيما تستدين لتغطية هذه التكاليف، وبالتالي ينعكس هذا لاحقًا في رفع الدعم وزيادة الضرائب والأسعار.
تُدفَع هذه التكاليف على خط الديسي الذي يغطي ما نسبته 24% من مياه الشرب المنتجة لعمّان، والتي ستظل -إلى جانب محافظات الشمال- بحاجة إلى مصادر مائية إضافية لتغطية احتياجاتها المتزايدة مع ارتفاع عدد السكان. لكن، لم يكن بالإمكان تجاوز هذه التكاليف المرتفعة للمشروع نظرًا للخوف من أن «يعطش الناس» وفقًا لقطيشات، مضيفًا: «إحنا هون بنحكي عن أمن مائي، أمن مجتمعي».
ويقول منذر حدادين، وزير المياه والري السابق، إن الحكومة عرفت منذ بدأت في المشروع أن جرّ المياه من الديسي ليس مستدامًا، إنما هو حل «مؤقت» نظرًا لعدم تجدد مياه الخزان، مضيفًا أن الحكومة كانت تفكر حينها في خيارات ما بعد الديسي. وهو ما تؤكده دراسة صادرة عن الوزارة عام 2004، جاء فيها أنه «من المعروف أن حوض الديسي غير المتجدد له فترة حياة تمتد في أحسن حالاتها إلى 100 عام، (..) تستطيع مياه الديسي سد جزء كبير من مشاكل المياه، لكنها ليست حلًا كاملًا للمشكلة، (..) وبحلول عام 2015 لن يكون لدى وزارة المياه والري خيار سوى إيجاد مصدر آخر غير تقليدي، وذلك بالتحلية، أي من خليج العقبة».
من جانب آخر، كانت إحدى أهداف مشروع الديسي إعطاء الأحواض الجوفية وسط وشمال الأردن فرصةً لتخزين المياه، بعدما أصبح السحب منها أضعاف قدرتها على التجدد. لكن ثائر المومني، مدير الأحواض في وزارة المياه والري، يقول إن إعادة تغذية الأحواض لم تحصل، عازيًا ذلك إلى تزايد أعداد اللاجئين والنمو السكاني المستمر والكبير
ويرِدُ في أطلس الأردن، الصادر عام 2008، أن الحكومة لجأت للديسي كمرحلة انتقالية إلى حين تنفيذ مشروع تحلية ونقل المياه من العقبة إلى عمّان (الناقل الوطني للمياه)، أو مشروع ناقل البحرين مع الاحتلال الإسرائيلي، وكان وزير المياه والري قد أعلن يوم تدشين مشروع الديسي عام 2013 أن الوزارة بصدد دراسة مشروعٍ لجرّ المياه الجوفية العميقة في منطقة الشيدية والحسا، في حال تأخرت خطط مشروع ناقل البحرين.
لم يُنفّذ ناقل البحرين، أما آبار الشيدية والحسا فقد بدأ حفر آبار عميقة فيها العام الماضي، لكن المشروع أحيل مطلع العام الحالي إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد للاشتباه بإحالة وزارة المياه والري عطاء حفر الآبار، خلافًا للدراسات وتوصيات الخبراء التي نصحت بعدم تنفيذ الحفر لأن مياه هذه الآبار حارة جدًا وشديدة الملوحة، وتحتوي على أشعة بنسبٍ تصل إلى عشرات أضعاف تلك المسموح بها في مواصفة مياه الشرب الأردنية.
بالمحصلة، ستدفع الحكومة مبالغ باهظة على خط الديسي على مدار 25 عامًا، من أجل تغطية ما يقرب من ربع احتياجات عمّان من مياه الشرب، ورغم أن الخط سينتقل إليها بعد ذلك، إلا أن مختصين يعتقدون أن الأردن سيستلم الخطّ بعد أن يكون خزان الديسي قد نضب من المياه، أو أوْشك على ذلك، بسبب السحب الجائر لمياهٍ عذبةٍ استخدمتها السعودية في زراعة الصحراء. وبالمقابل، يقول آخرون إن خط الديسي كان خيارًا استراتيجيًا حين بدء العمل به، حتى وإن كان غير مستدامٍ، نظرًا لأنه يسدّ حاجة ملحّة لمياه الشرب في عمّان. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:39 am | |
| تبعات الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني
للصراع السياسي بين «إسرائيل» والعرب اتجاهات ومسارات مختلفة. بيد أن المياه تقع في صلبه، وهي المنطلق الأساسي لإدارة الصراع في منطقة حوض نهر الأردن. فجذور الأزمة المائية في الأردن تعود إلى بدايات المخططات الصهيونية لتوطين ستة ملايين يهودي في أرض فلسطين، وفرض الضغوط على موارد المياه فيها، في منطقة تعاني مسبقًا من شح قاسٍ في هذه الموارد. وقد عمّق تشريد اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن بموارده المائية الشحيحة أزمة المياه، إلى جانب خطة «إسرائيل» الواضحة لسرقة المياه العربية، وحصص الدول المتشاركة في حوض نهر الأردن على وجه الخصوص.
يصف بعض الساسة الماء بالابن البكر للصراع العربي الإسرائيلي. وبقراءة تاريخ هذا الصراع، يمكن القول بأن البحث عن المياه والاستيلاء على الأرض كانا دومًا مرتبطين ارتباطًا عميقًا. تكمن أهمية الماء في تاريخ الصراع في عنصرين، الأول مادي؛ إذ يقع نهر الأردن في منطقة جافة بموارد مائية مستنفدة بشكل خطير. وبما أن حيوات الناس تعتمد على قدرة الدول على توفير الأمن والحماية لأمنها الغذائي واستقلاليتها ومصادر طاقتها، فإن السيطرة على نهر الأردن وغيره من مصادر المياه يعتبر بالتالي أمرًا حيويًا وحاسمًا. أما العنصر الثاني، التاريخي والأيديولوجي المتمثل بالأرض وزراعتها، فقد كان دومًا العمود الأول والأهم في العقيدة الصهيونية.[1]
احتل الموقف من أمن «إسرائيل» المائي موقعًا رئيسًا في التفكير الاستراتيجي الممهد للفكر الصهيوني، الذي اعتمد على ادّعاءات دينية وتاريخية زائفة، نبعت من الإيمان بما جاء ذكره في التوراة: «كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ». كما اعتمد على أقوال المؤسسين الأوائل من أمثال بن غوريون: «سينخرط اليهود في حرب على الماء مع العرب وسوف تحدد نتائج هذه الحرب مصير «إسرائيل»». أي أنه ما لم تربح «إسرائيل» هذه الحرب، فلن تبقى في فلسطين. بكلمات أخرى، فإن المياه بالنسبة لها مسألة وجودية.[2]
لم تكتفِ «إسرائيل» بالاستيلاء على المياه المتشاركة مع الدول العربية فحسب، بل وسّعت تطلعاتها نحو مياه نهر الليطاني في لبنان، ومياه نهر النيل ونهر الفرات. ويبدو هذا جليًا من خلال التنسيق وبناء العلاقات مع تركيا في الشمال، وإثيوبيا في الجنوب، سعيًا للتضييق مائيًا على الدول العربية. وفي ذات السياق، انطلقت كافة المشاريع الإسرائيلية من مشاريع معمارية وما شابهها لمشاركة دول المنطقة بالموارد المائية. في كتابه «المياه والسلام: وجهة نظر إسرائيلية»، يقترح إليشع كالي، الذي كان مدير التخطيط الاقتصادي للمياه الإقليمية الإسرائيلية، مجموعة من الحلول المبنية على التشارك في المياه الواقعة خارج «الحدود الإسرائيلية». إلا أنه يضيف أن هذه الحلول قد لا تجني أكلها ما لم تجرِ ضمن إطار إقامة السلام ما بين الدول العربية و«إسرائيل».[3]
تعالج الدراسة قضية الهيمنة الإسرائيلية على المياه العربية ضمن محورين. يتمثل المحور الأول في الآليات والجهود الإسرائيلية الجارية للسيطرة على المياه الأردنية. أما المحور الثاني فيتمثل في تداعيات السيطرة الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني.
السعي الإسرائيلي للسيطرة على المياه العربية كما سبق ذكره، تحتل المياه مكانًا أوليًا في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، وغالبًا ما تحركه. فكلما شحت المياه في المنطقة العربية، توسع البحث لإيجاد مدخل إليها. لقد أدركت الحركة الصهيونية أهمية المياه منذ البداية. لذلك، كانت كافة المخططات التي أعدتها تؤهلها للاستيلاء على موارد المياه في فلسطين والبلدان العربية المجاورة.
ويمكن القول إن هذه المساعي أخذت ثلاثة أشكال: المقاربات السياسية، ومشاريع تحويل المياه تحديدًا من نهر الأردن، وعرقلة المشاريع المائية العربية المشتركة.
المقاربات السياسية تعود بدايات مطامح الحركة الصهيونية في المياه العربية، وحوض نهر الأردن على وجه التحديد، إلى عام 1876. حين أرسلت الجمعية الملكية البريطانية بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية وفدًا من الخبراء والمهندسين إلى فلسطين، للبحث عن الموارد الطبيعية الفلسطينية، وأعلنوا أن فلسطين لديها القدرة على توطين ملايين البشر، ويمكن لصحراء النقب أن تستوعب عددًا كبيرًا من اليهود إذا ما حولت المياه من الشمال حيث تتوفر بغزارة.[4]
حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن. وكان هدفها السيطرة التامة على موارد المياه وجلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين. كما كانت تسعى إلى ممارسة الضغوط على البلدان العربية وابتزازها.
بدا هذا جليًا في الاتفاقيات المبرمة بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية واللجنة الاستشارية لترسيم حدود فلسطين. فقد سعت الحركة لإقناعهم بضم هذه المناطق داخل فلسطين التاريخية، فضلًا عن أنها تمكنت من إقناع اللجنة في السادس من تشرين الثاني 1918 بتحديد هذه الحدود. بيد أن الجانب الفرنسي قد عارض الاتفاقية لكونه كان يتحكم بسوريا ولبنان. ولذلك، جاءت الحدود بحسب معاهدة سايكس-بيكو كالتالي: سوريا ولبنان من الشمال، من الشرق الصحراء الشرقية، ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط.[5]
وأثناء مؤتمر باريس للسلام عام 1919، طلب حاييم وايزمان من وزراء خارجية بريطانيا وإيطاليا، ألا يحرموا الشعب اليهودي من عناصر حياتهم الاقتصادية، وأكد أنه لن يكون هناك إمكانية لترتيب اتفاقية تقرر فيها قضية المياه. وقد أرسل القادة الصهاينة رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج في 20 كانون الأول 1919، في لحظة حاسمة من المفاوضات النهائية حول مصير فلسطين، جاء فيها:
ترغب المنظمة الصهيونية بمخاطبتكم حول قضية الحدود الشمالية لفلسطين. لقد أرست الحركة الصهيونية منذ المستهل الحد الأدنى للمتطلبات الأساسية لخلق وطن يهودي. ومن نافل القول إن الصهيونية لن تقبل على الإطلاق خطة سايكس-بيكو كأساس للمفاوضات، لكونها تضع منابع تزويد مياه نهري الأردن والليطاني خارج حدودها، مجردةً اليهود من أفضل حقول المستوطنات في الجليل ومرتفعات الجولان.[6]
لقد أخرجت الاتفاقية الفرنسية البريطانية المبرمة حول حدود الانتداب عام 1920 مياه جبل حرمون والليطاني والجزء السفلي من نهر اليرموك خارج الحدود المطالب بها من قبل الحركة الصهيونية. بيد أن الأخيرة أفلحت في تعديل الحدود الشمالية وتمكنت من ضم أجزاء واسعة غنية بالمياه بالقرب من نهر الليطاني. حيث سعت إلى إرساء حق اليهود بالحصول على مياه المنطقة من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجتمع الدولي لاحقًا، واعترف بها كأساس لأي اتفاق في الصراع العربي الإسرائيلي، واعتمدتها «إسرائيل» في المفاوضات مع الفلسطينيين وباقي الدول العربية.[7]
خلال فترة الانتداب البريطاني، سعى اليهود إلى الحصول على أذونات بالمياه لصالح المشاريع التي كانوا يخططون لتنفيذها مستقبليًا، وعرقلة أي استثمار لأي من الأطراف العربية، في الأردن وفلسطين، للاستفادة من موارد المياه المتعلقة بهذه المشاريع. حصلت شركة روتنبرغ اليهودية عام 1929 على إذن من سلطات الانتداب بالاستثمار في النهرين الداخليين المهمين في فلسطين، أي نهر العوجا ومشروع اليركون شمال يافا، ونهر المقطع ومشروع كيشون شمال حيفا. وقد حصلت على إذن بالاستثمار في مياه نهري الأردن واليرموك في نقطة التقائهما من أجل توليد الكهرباء لمدة 70 عامًا. وقد نوى اليهود خلال فترة الانتداب الاستثمار في النهرين للحصول على مياه للشرب، غير أنه وبعد إقامة دولة «إسرائيل»، استخدمت مياه النهرين في الري.[8] وفي نهاية فترة الانتداب البريطاني لم يُستثمر سوى 350 مليون متر مكعب من المياه الفلسطينية: 260 مليونًا في الزراعة و75 مليونًا للاستخدام المحلي و15 مليونًا في الصناعة.[9]
حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن.
عوّل الأردن الرسمي على مفاوضات السلام التي جرت بينه وبين «إسرائيل»، لاستعادة حقوقه في المياه التي استولت عليها الأخيرة. حينها قال الملك الراحل الحسين بن طلال «سوف يستعيد الأردن خلال هذا المؤتمر حقوقه كاملة في نهري الأردن واليرموك».[10] وقد أكد منذر حدادين، رئيس الوفد الأردني المفاوض، على ذلك عندما صرح بأن: «للمياه دور يشابه طبيعتها. إنها المادة التي يستخدمها الإنسان لإطفاء الحرائق، لا لإشعالها. ودور المياه في السلام تحرير ما أخذته «إسرائيل» من الأردن وسوريا ولبنان من مياه نهري الأردن واليرموك. فضلًا عن تحرير الحقوق الطبيعية للفلسطينيين لاستغلال موارد المياه في بلدهم دون سيطرة، ولكن بحسب ما تمليه الحاجة للحفاظ على هذه الموارد».[11]
إلا أن «إسرائيل» قد تمكنت من إقناع العرب بأنها تعاني أيضًا من مشاكل في المياه كباقي المنطقة، وأن حل هذه المشاكل يكمن في تطوير موارد المياه باستخدام الوسائل العلمية الحديثة. كان ذلك أحد التكتيكات التي وظفتها «إسرائيل» في محاولة لمبادلة المياه العربية بالتقنية الإسرائيلية، وقد تبنت الإدارة الأمريكية وجهة النظر هذه في تحليلها لأز مة المياه وأبعادها المستقبلية.
لم يقصد من هذه القضية مساعدة المنطقة بالأساس، وإنما حماية مصالح الولايات المتحدة و«إسرائيل» الحيوية فيها. وبالتالي، شجع الاهتمام بالتقنيات المائية المتطورة الحكومات في الشرق الأوسط على إنتاج وسائل جديدة وأكثر فاعلية لإدارة موارد المياه، إلى جانب استراتيجيات تخزين المياه. فلو استعاد الأردن كافة حقوقه المائية، لتمكن من تغطية جزء كبير من مشكلة المياه الحرجة لديه. إلا أن المسألة بدت وكأنها ناجمة عن عدم استخدام التقنيات الحديثة، وبدأ السعي بالتالي خلف مشاريع مشتركة بين الطرفين. كذلك، جعلت الولايات المتحدة، التي تشرف على قضية المياه كإحدى الدول المانحة، التفريق بين الحقوق المائية والتخطيط أمرًا جوهريًا. وقد تمكنت من إقناع الأطراف في البحث عن حلول تسهم في حل المشكلة. كما نجحت الإدارة الأمريكية بإقناع الأطراف على الموافقة على المواضيع الأربعة التالية: تعزيز المعلومات حول المياه، وإدارة المياه، وتحسين طرق إمداد المياه، والبحث عن أفكار لتحسين التعاون وإدارة المياه.[12]
تمكنت «إسرائيل» ببراعة من إخراج روافد نهر الأردن الشمالية وبحيرة طبريا من عملية المفاوضات مع الجانب الأردني، وهو مالك حق أصيل فيها، والتي تشكل بدورها أكثر من نصف تدفق مياه النهر. ولم تتضمن اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية في القسم المائي من المادة 6 والملحق 2 أي بند يتعلق بمياه شمال نهر الأردن، بما في ذلك بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» لاحقًا مياه الروافد الشمالية إلى صحراء النقب عبر مشروع ناقل المياه الوطني، بينما خزنت الباقي في بحيرة طبريا. وقد تمكنت عبر المفاوضات السياسية مع الجانب الأردني من الاحتفاظ بمنطقتي الباقورة والغمر في وادي عربة لمدة 25 عامًا، وهي مناطق غنية بالمياه، كانت «إسرائيل» تستنزفها منذ احتلالها.
حاولت «إسرائيل» مرارًا وتكرارًا التنصل من الاتفاقية وعدم الالتزام بها. كما ادّعت بأنها غير قادرة على تنفيذ الاتفاقية وتحويل الكميات المتفق عليها من المياه إلى الأردن سنويًا. فضلًا عن أنها أعلمت الأردن ما بين عامي 1997 و1998 بنيتها تخفيض الكمية من 50 مليون إلى 25 مليون متر مكعب، مبررة هذا التخفيض بنقص هطول الأمطار وانخفاض منسوب بحيرة طبريا. لم يوافق الأردن بدوره، وأصر على التزام «إسرائيل» بضخ الكميات المتفق عليها. ودخل الطرفان عملية تفاوض حول هذه المسألة، حيث استخدمت «إسرائيل» سياستها المعتادة في المماطلة والتسويف، لتطالب عام 1999 بتخفيض يصل إلى 33 مليون متر مكعب بتقديم الذرائع ذاتها.[13]
تحويل مجرى نهر الأردن رغم أن مساعي الحركة الصهيونية للاستيلاء على المياه العربية قديمة جدًا، كما سبق ذكره. إلا أن البداية الحقيقية للصراع المتفجر حول المياه كانت عند تنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن للنقب، عبر ما أسمته «إسرائيل» مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي أسست له خطة السنوات السبع (1953 إلى 1960).
الناقل الوطني للمياه هو أهم مشروع مياه إسرائيلي. وقد تطورت فكرة هذا المشروع منذ بداية مساعي إقامة دولة يهودية في فلسطين، بهدف تحويل مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا إلى صحراء النقب للزراعة والاستيطان فيها. لذلك، كان اليهود متحمسين أثناء هدنة 1949 للسيطرة على منابع مياه نهر الأردن، ليسارعوا في تطوير المشروع، ويبدأ تحويل المياه إلى النقب عام 1956، ويستمر حتى منتصف أيار 1964.
كان هذا المشروع نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي-الإسرائيلي، نظرًا لتأثيره وتداعياته الخطيرة على الأمن المائي والقومي العربي، ومستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية. ولهذا المشروع بالتالي، أهمية استراتيجية فائقة لـ«إسرائيل»، وقد كان السبب خلف انعقاد أول قمة عربية تتخذ قرارات محددة، تلك القمة التي كانت عاملًا مباشرًا في حرب عام 1967 والحروب المتتالية التي أنهكت البلدان العربية. فقد شكل هذا المشروع تهديدًا لمستقبل البلدان العربية والأردن على وجه التحديد، الذي يعتمد على النهر بأكثر من نصف احتياجاته من المياه.
تمثل الرد العربي في مقترح من الخبراء العرب بتخزين مياه نهر الأردن بعيدًا عن «إسرائيل»، من خلال بناء سدود على أنهار الحاصباني وبانياس واليرموك. وقد قدم هذا المقترح في المؤتمر العربي المنعقد في القاهرة في 17 كانون الثاني 1964. بيد أن «إسرائيل» قد رفضت بشدة هذه المقترحات، وهاجمت سدّ خالد بن الوليد عام 1966،[14] كمقدمة لعدوان أوسع في صيف 1967. وقد أتاح هذا العدوان لـ«إسرائيل» أن تستولي بالكامل على المنابع الشمالية لنهر الأردن.
إن السيطرة الإسرائيلية على المنابع الشمالية كدولة تتربع على قمة النهر لا يمنحها حقًا شرعيًا، لكونها حازت هذه السيطرة بالقوة العسكرية بعد حرب عام 1967. إذ تعتبر هذه السيطرة بمقتضى القانون مقيدة بالظروف التاريخية للنهر. فحتى بمعايير إعلان مدريد الذي تبنته مؤسسة القانون الدولي، «لا يجوز لأي من هذه الدول على [ضفاف الأنهار] أن تقوم أو تسمح لأي فرد أو هيئة إلخ، دون موافقة الدول الأخرى ودون حجة قانونية صحيحة، بتحويلات تتعلق بالأمر وتضر بضفة الدولة الأخرى. ومن ناحية أخرى، لا يجوز لأي من الدولتين أن تستخدم على أراضيها، أو تسمح باستخدام المياه بطريقة تؤثر بجدية على استخدام الدولة الأخرى أو الأفراد أو الهيئات إلخ، لما ذكر».[15]
عرقلة المشاريع العربية للاستفادة من مياه نهري الأردن واليرموك سعت «إسرائيل» لإعاقة المشاريع العربية لاستغلال مياه نهري الأردن واليرموك، بذريعة أن هذه المشاريع ستؤثر على تدفق مياه النهر، وتحرم «إسرائيل» بالتالي من حصة الأسد من هذه الموارد. وقد نجحت، كما ذكر سابقًا، في عرقلة عدد كبير من المشاريع، تاليًا أبرزها.
مشروع ماكدونالد 1950: أوكلت الحكومة الأردنية دراسة هذا المشروع إلى المستشار البريطاني السير ميردوخ ماكدونالد، الذي اقترح خطة لتحويل مياه اليرموك إلى بحيرة طبريا وإقامة قنوات ري في وادي الأردن. وقد طالب بعدم تحويل أو استخدام نهر الأردن ما وراء حدود الحوض، ورفض المخططات الإسرائيلية بتحويل مياه النهر إلى صحراء النقب. وقد أعلن أن «المياه في منطقة الرفد لا يجب أن تحول خارج هذه المنطقة، إلا إذا لبت متطلبات كافة من يستخدم أو من ينوي صادقًا أن يستخدم المياه ضمن المنطقة».
بيد أن هذا الالتزام الأخلاقي بحقوق الآخرين لم يستمر طويلًا، إذ سرعان ما تراجع عن مبادئه وغير رأيه لاحقًا نتيجة الضغوطات التي مارستها عليه الحركة الصهيونية. ليس هذا فقط، بل ووافق على تغيير رأيه فيما يتعلق بحصة «إسرائيل»، بما يتماشى مع مطامع الحركة الصهيونية.[16]
مشروع بونجر 1953: كلفت الحكومة الأردنية خبير المياه بونجر، والذي كان يعمل في برنامج النقطة الرابعة في الأردن، لتطوير مشروع يتيح للأردن سدّ الاحتياجات المتزايدة على المياه نظرًا للجوء عدد كبير من الفلسطينيين إلى الأردن عام 1948. كما هدف المشروع إلى تحقيق تطور في قطاع الزراعة، الذي اعتمدت عليه غالبية سكان المملكة، وذلك من خلال ري الأراضي الصالحة للزراعة في الضفتين الغربية والشرقية، وتوليد الطاقة الكهربائية. فاقترح بونجر بدوره بناء سد المقارن على نهر اليرموك بسعة تخزين تصل إلى 500 مليون متر مكعب. وقد حاز المشروع على دعم من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي عبرت عن استعدادها للإسهام بتمويل المشروع مقدمة 40 مليون دولارًا أمريكيًا.[17]
عارضت «إسرائيل» مشروع بونجر لكونه يتجاهل مطالبها في مياه النهر وتخزينها في سد المقارن بدلًا من بحيرة طبريا كما كانت «إسرائيل» ترغب. إذ إنها أرادت أن تبقي المياه تحت سيطرتها المباشرة، وتستخدمها كأداة للضغط على الأطراف العربية المشاركة. لذلك، مارست «إسرائيل» ضغوطات مكثفة على إدارة الولايات المتحدة وحثتها على عدم الإسهام في تمويل المشروع، إلى جانب المزيد من الضغوطات على الأونروا، لكونها الممول الأكبر للمشروع، كي تسحب موافقتها على التمويل.
استجابت الولايات المتحدة للطلب الإسرائيلي من أجل إنجاح مهمة إيريك جونستون، مبعوث الرئيس آيزنهاور إلى المنطقة، التي كانت غاية الولايات المتحدة منها تحقيق النصر السياسي والدبلوماسي من خلال قضية المياه، لتقوية قاعدتها في المنطقة العربية ردًا على تنامي الشيوعية آنذاك.
الاتفاق الأردني-السوري: أعاقت «إسرائيل» الاتفاق الأردني-السوري الذي وُقع عام 1953 من أجل استثمار وتوزيع مياه نهر اليرموك بين البلدين. حاربت «إسرائيل» المشروع لأنه تجاهل رغبتها بالحصول على 70 مليون متر مكعب من المياه. وقد استخدمت «إسرائيل» تأثيرها بالضغط على الإدارة الأمريكية لعرقلة المشروع وعدم المساهمة في تمويله. تبنى الرئيس الأمريكي وجهة النظر الإسرائيلية، ووجدها فرصة سانحة لفتح المجال أمام مبعوثه إيريك جونستون إلى المنطقة كي يجري اتصالاته، ويجد حلًا لقضية المياه ويحقق نصرًا للسياسة الأمريكية.
لم تعد اتفاقية وادي عربة إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل.
بقي الأردن عاجزًا عن تنفيذ هذا المشروع، نظرًا لضعف الموقف العربي في مواجهة الإدارة الأمريكية، ومحدودية القدرات الأردنية، ولارتفاع تكلفة المشروع. وقرر مؤتمر الجامعة العربية في القاهرة عام 1964 تبني وتنفيذ المشروع، غير أن «إسرائيل» أعاقت التنفيذ مرةً أخرى وتمكنت من احتلال منابع نهر الأردن الشمالية وروافده، وروافد نهر اليرموك التي تلتقي مع نهر الأردن، عام 1967.[18]
طور الأردن وسوريا خطة لإحياء مشروع سد المقارن في منتصف السبعينيات. ركز الأردن على بناء السد وأنهى كافة التصاميم والدراسات، كما جذب بعض التمويل الأجنبي للمشروع. لكن وجهة النظر الأمريكية أفادت أن المشروع لا يقدم للأردن ما يصبو إليه من الري الرشيد، وإنما يتيح لسوريا و«إسرائيل» فقط كسب المزيد من المياه طوال العام. تم تأجيل المشروع نظرًا للخلافات الأردنية السورية. لكن أعيد إحياؤه ووقعت اتفاقية بين البلدين ليعاد إنشائه تحت مسمى سد الوحدة عام 2004. وقد أقرت الاتفاقية أن يتحمل الأردن مصاريف كامل مراحل الدراسة، في مقابل أن يتسلم أغلب المياه التي يوفرها المشروع، بينما يضمن لسوريا الحصول على أغلب الكهرباء المنتجة من المشروع.[19]
بيد أن «إسرائيل» حاولت الوقوف في وجه إنشاء السد وتمويله من جانب البنك الدولي، وطالبت الأردن بحصة قدرها 25 مليون متر مكعب من مياه اليرموك لري أراضي مثلث اليرموك. طالب الأردن في المقابل بالاعتراف بحقه في فائض المياه التي كانت «إسرائيل» تسحبها لعدد من السنوات من نهر اليرموك إلى بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» هذه المياه عبر قناة ومحطات ضخ أقيمت بالقوة ومن جانب واحد على نهر اليرموك قبل التقائه بمياه نهر الأردن. أصر الأردن أن الحصة السنوية من مثلث اليرموك هي 17 مليون متر مكعب كما هي مسجلة في المشروع العربي المقدم إلى مفاوضات جونستون، كما رفض الموافقة على منح «إسرائيل» أي حصة من فائض مياه نهر اليرموك في فصل الشتاء.[20]
تبعات الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني تتشارك «إسرائيل» والأردن بمياه نهر الأردن بشكل رئيسي، رغم مشاركة فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان فيها أيضًا. لقد صادرت «إسرائيل» المياه من الأردن بعد عدوان 1967 وسحبت مياهها الجوفية من منطقة وادي عربة. ولم تكتف بالاستيلاء على المياه من نهر الأردن ونقلها إلى صحراء النقب لتحرم الأردن من أي نقطة ماء من مواردها الرئيسة فحسب، بل أطلقت المياه المالحة فيه، نتيجة للعديد من المشاريع الإسرائيلية على النهر. وقد قيد هذا الأمر اعتماد الزراعة الأردنية على مياه النهر منذ الستينيات، إلا في حال خلطها مع المياه الجوفية أو بمياه سد قريب.[21] هنا يمكننا تقسيم تداعيات الهيمنة الإسرائيلية إلى قسمين، سياسي، واقتصادي وبيئي.
التبعات السياسية يفترض بعض المحللين السياسيين أن الحروب القادمة ستكون حروب مياه، ولهذا العامل بالتالي أهمية قصوى على حياة واستدامة المجتمعات. وبالتالي، فإن التوزيع غير العادل للمياه هو أحد العوامل المضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي. لم يسترد الأردن حقوقه المائية التي استولت عليها «إسرائيل» بالقوة العسكرية، ولم يتمكن من استرداد هذه الحقوق بعد توقيع معاهدة السلام بين الطرفين. ونظرًا لذلك كان هناك مجموعة من التبعات السياسية الخطيرة.
في الجانب الداخلي، أدّت ندرة المياه، خصوصًا في غور الأردن، بعد أن استولت «إسرائيل» على ينابيع النهر، إلى هجرة داخلية من هذه المناطق إلى المدن، وإلى عمان على وجه التحديد. وقد فاقمت هذه المسألة البطالة وخفّضت الإنتاج الزراعي، الذي اعتمد في ريّه على مياه نهر الأردن. تبعًا لذلك، تحول الأردن من بلد يصدر المنتجات الزراعية إلى بلد يستوردها. وقد استنزفت هذه المسألة الحكومات الأردنية المتعاقبة وخلقت توترات داخلية، نظرًا لعجز الحكومات عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وبأسعار معقولة. فالأمن المائي يرتبط بالأمن الغذائي، وبالأمن القومي ككل.
على الجانب الخارجي، فإن احتمالية اندلاع حرب على المياه مع «إسرائيل» أمر مستبعد. ولا يعود ذلك لانعدام التوزيع العادل، أو للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والتي تعتبر غير عادلة للطرف الأردني، بل يعود إلى انعدام توازن القوى بين الطرفين، الذي يميل لصالح الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي يرى الأردن الرسمي فيه سببًا للإقبال على المشاريع الإسرائيلية لتلبية احتياجاته المائية.
وهذا الوضع بدوره يجعل الأردن دولة تابعة تبتزها «إسرائيل» في سبيل الحصول على قطرة ماء. وقد ظهر هذا الأمر جليًا في مشروع قناة ناقل البحرين (البحر الأحمر – البحر الميت)، والذي يعتبره الأردن خيارًا استراتيجيًا للتخفيف من شح المياه. إلا أن «إسرائيل» تحاول المماطلة والتسويف في تنفيذ هذا المشروع، لتفرض تهديدًا سياسيًا على الأردن. أضف إلى ذلك أن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن ربط مشروع قناة البحرين بالقرار الأردني بتجاهل الملاحق ذات الصلة بالباقورة والغمر، رابطًا تخلي الأردن عن المطالبة بالمنطقتين بتسريع بدء المشروع، وهو الأمر الذي رفضه الأردن.[23]
يؤكد كل ذلك حالة الهيمنة المائية الإسرائيلية على موارد المياه الأردنية، ومحاولات «إسرائيل» لإعاقة أي مشروع مائي أردني يستدعي تعاونًا بين العرب أو أية أطراف إقليمية أخرى، طالما أن «إسرائيل» ليست طرفًا فيه. كما أن «إسرائيل» تمتلك التقنيات المائية المتطورة، والأردن بلد فقير وعاجز عن تنفيذ أي مشروع بمفرده. ولهذا، فإذا ما اختار الأردن تنفيذ مثل تلك المشاريع الثنائية، فسيكون تحت السيطرة الإسرائيلية.
التبعات الاقتصادية والبيئية كانت إحدى أبرز نتائج حرب عام 1967 تعليق العمل في بناء سد المقارن، الذي أصبح سد الوحدة، لعقود. وقد تحولت الأراضي الأردنية في الأغوار الشرقية خلال السنوات الأربع التي تلت الحرب إلى ساحة قتال. حيث قصفت قناة الغور الشرقية (قناة الملك عبد الله) عدة مرات وفي أكثر من موقع. وقد تسببت هذه الأحداث المتتالية في تناقص عدد سكان المنطقة من 60 ألفًا إلى خمسة آلاف.[24] وقد أدى هذا إلى تعميق أزمة المياه في الأردن، حيث إن تنحية ما يزيد عن 55 ألف شخص داخل الأردن قد فاقم البطالة وزاد من حجم الأراضي غير المزروعة، مما أثر بدوره على الأمن الغذائي والأمن القومي بشكل عام.
قد يفترض البعض أن «إسرائيل» استولت على جزء كبير من حصة الأردن في أعلى حوض نهر الأردن. إلا أن «إسرائيل» في الواقع قد استولت على كامل حصة الأردن من أعلى حوض النهر. فضلًا عن ذلك، نفذت «إسرائيل» عددًا من المشاريع على النهر، وعلى وجه التحديد، مشروع ناقل المياه الوطني، وحرمت الأردن كليًا من مياه نهر الأردن، التي نقلتها إلى صحراء النقب. وكما ذكر سابقًا، يتدفق ما تبقى من مياه النهر إلى بحيرة طبريا، التي حولتها «إسرائيل» بدورها إلى خزان مياه طبيعي. والأدهى من ذلك أن «إسرائيل» ركبت بوابات حديدية في الجزء الجنوبي من البحيرة لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر، وذلك لحرمان الأردن من حصته كاملة. كما تفاقمت المشكلة بالنسبة للأردن عندما حولت «إسرائيل» المياه شبه المالحة من الينابيع المحيطة ببحيرة طبريا إلى نهر الأردن، بهدف تخفيض ملوحة المصب الجنوبي، مما لوّث المجرى بالقمامة والنفايات الزراعية، مثل المبيدات الزراعية والأدوية وغيرها.
إن هذا الصراع، ونهب «إسرائيل» للمياه، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى. حيث قاد شح موارد المياه إلى عدم القدرة على استغلال آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة واستصلاح آلاف أخرى. علمًا بأن قطاع الزراعة يوفر أكثر من 125 ألف وظيفة، ويسهم بحوالي 18% من الصادرات. إلا أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 3.5% من مساحة الأردن، و17% فقط من الأراضي المزروعة هي أراضٍ مروية.[25]
إن هذا الصراع، ونهب المياه من جانب «إسرائيل»، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى.
هكذا، فاقمت محدودية موارد المياه تراجع الزراعة وإنتاج المواشي في الربع الأخير من القرن الماضي. مما أفضى إلى ارتفاع في مؤشر التبعية الغذائية من 43% عام 1970 إلى 87% عام 1990، وارتفاع في ميزان السلع من أقل من 100 مليون دينار في الستينيات إلى 342 مليون دينار عام 1990، و543 مليون دينار عام 1996. ومعظم السلع المستوردة هي من الحبوب والعلف واللحوم الحمراء، التي تحتاج إلى مياه غزيرة لإنتاجها بكميات وفيرة. أضف إلى ذلك أن حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت إلى أقل من 10%.[26]
عمل الأردن لتغطية العجز في ميزان المياه على تطوير المياه الجوفية. حيث قام عام 2000 باستخراج 400 مليون متر مكعب، استخدمت 120 مليونًا منها لغايات منزلية. وقد تزداد الكميات المسحوبة من المياه الجوفية في السنوات القادمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمياه الشرب، وللاستخدامات المنزلية.[27]
لكن المشكلة التي تواجه الأردن تتمثل في الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، والذي يهدد مخزونه الاحتياطي الاستراتيجي، خصوصًا مع تناقص هطول الأمطار وسنوات الجفاف التي اجتاحت المنطقة في الآونة الأخيرة. أضف إلى ذلك أن حوض الديسي يعتبر حاسمًا بالنسبة للأردن -في الوقت الحالي على الأقل- لقدرته الكبيرة نسبيًا، ولكونه حوضًا حدوديًا مع المملكة العربية السعودية. ولكن لوجود الحوض في أقصى الجنوب الأردني، مع وقوع التجمعات السكانية الكبيرة في شمال المملكة، فإن الأردن لا يستطيع منفردًا استغلال طاقته الكهرومائية بالكامل. لذلك، تواجه الحكومة الأردنية عوائق في تزويد المدن الرئيسة بالمياه نظرًا للكلفة المرتفعة لذلك.
رغم الوضع الخطر لأزمة المياه في الأردن، فإن النظام الأردني لم يتعامل مع الأمر بشكل جدي حتى العقدين الماضيين. فقد وضعت أول خطة مياه استراتيجية عام 1998، وحدثت عام 2002، لتغطي السنوات من 2002 وحتى 2010. وقد جرى تنفيذ كافة مشاريع الخطة، باستثناء مشروع ناقل البحرين، نظرًا للتأجيل الإسرائيلي. ثم وضعت خطة مياه استراتيجية (المياه من أجل الحياة) حتى عام 2022. ولكن الظروف الجديدة في المملكة، والتي أثرت بدورها على القطاع المائي، أدت إلى الإخلال بالخطط المائية.[28] إذ تمثلت إحدى التحديات الرئيسة في القضايا الجديدة التي استدعت العناية، وخصوصًا التغيرات المناخية، ومطلب التركيز على اقتصاديات الماء، والتمويل، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة وازدياد عدد السكان الناجم عن النزوح السوري إلى جانب الازدياد الطبيعي، فقد زاد هذا النزوح من الحاجة إلى الماء بنسبة 12%.
كان أهم جزء في الخطة الاستراتيجية هو الأهداف التنموية المستدامة في القطاع المائي، الساعية لتحقيق أهداف الأمن المائي، وتحسين وتأهيل مرافق المياه والبنى التحتية، وتحسين نوعية الخدمات وتوسيع التغطية في خدمات الصرف الصحي، وتجسير الهوة بين الطلب والمصادر المتوفرة من خلال التطوير والحماية والاستدامة للموارد الموجودة، فضلًا عن الحاجة لتطوير الموارد المائية غير التقليدية، كمعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر. وبحسب الخطة الاستراتيجية، يفترض بالمشاريع المقترحة أن توفر مياهًا إضافية تصل إلى 188 مليون متر مكعب من الموارد المحلية، بالإضافة إلى 235 مليونًا من ناقل البحرين، بمجموع كلي يصل إلى 5,422 مليونًا.
أخذ الأردن خطوات واسعة لتحسين موارده الداخلية، وخصوصًا في بناء السدود وتطوير المشيد منها، كما طور إلى حد كبير نظام معالجة الصرف الصحي وبناء شبكات المياه. بيد أن تلك المنجزات المحققة قد بقيت قليلة بالمقارنة بحجم أزمة المياه، وظل الأردن يراهن بثقله على مشروع ناقل البحرين الذي يصل البحر الأحمر بالبحر الميت، الذي يأمل أن يمنحه كميات هائلة ومستدامة من المياه. إلا أن هذا المشروع يخضع للموافقة الإسرائيلية، والتي بدأت بدورها بالمماطلة في تنفيذ المشروع، خاصة بعد وصول الأحزاب اليمينيّة إلى السلطة في «إسرائيل».[29]
خلفت كل تلك التداعيات وقعًا سلبيًا على الاقتصاد الأردني وعلى المشروعات التنموية عمومًا، إلى جانب تزايد البطالة وانتشار الفقر وتراجع المناطق المزروعة. كل ذلك يدفع باتجاه تراجع النمو، مما يفاقم نقاط الضعف السائدة في الاقتصاد ككل، ويجبر الحكومة على زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية.
خاتمة من الواضح أن السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالسيطرة على موارد المياه الأردنية لم تعالج كنقطة جوهرية في تكريس أزمة المياه، كما لم تعالج هذه السياسات بشكل جدي. وبالتالي، لم يقم الأردن باتخاذ قراره النهائي بخصوص هذا الموضوع. وفي المقابل، اعتبر النظام السياسي الإسرائيلي قضية المياه وأهميتها عاملًا حاسمًا في بقاء الدولة، وهو ما انعكس في الأولوية التي حظيت بها السياسات المائية.
إن التحديات التي يواجهها الأردن في القطاع المائي تفرض ضغوطًا إضافية على النظام السياسي، إذا لم يتمكن من تلبية احتياجات السكان. كما أن تحدي المياه في الأردن يخلق هبوطًا في الاقتصاد في النواحي الزراعية والصناعية، ويؤثر عمومًا على الأداء الاقتصادي الأردني.
من الواضح أن اتفاقية وادي عربة لم تعد إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل، في حين أنها على العكس تمامًا.
ومن الواضح أيضًا أن شره «إسرائيل» للمياه لا يتوقف، عندما نأخذ بالاعتبار أنها لم تقبل حتى اقتسام المياه مع البلدان العربية الأخرى. بل إن طمعها يذهب أبعد من ذلك ليصل إلى أنهار الليطاني والفرات والنيل في البلدان العربية المجاورة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:42 am | |
| الفاقد المائي: أين تختفي ملايين الأمتار المكعبة من المياه؟ ملايينٌ من أمتار المياه الصالحة للشرب يفقدها الأردن سنويًا بسبب مشاكل في شبكات التوصيل، حتى بلغت هذه الكمّيات المفقودة عام 2019 أكثر من ثلث المياه الجوفيّة المستخرجة.[1] ولعقود، استهدفت أكثر من خطّة واستراتيجية تقليل الفاقد المائي في الأردن، وصُرفت عشرات ملايين الدنانير على مشاريع لهذه الغاية، غير أنَّ النسب ما زالت مرتفعة، وتتراوح منذ عشرين سنة حول نصف المياه المخصصة للمنازل، فيما تقول مصادر حكوميّة لحبر إنَّ نسب الفاقد على أرض الواقع أكبر من النسب المعلنة.
يعرّف الفاقد المائي بأنَّه الفرق بين كميّات المياه التي تُنتج وقيمة الفواتير التي تُحصّل ثمنًا لهذه الكميات.[2] ويحدث بسبب عاملين رئيسيين: عامل فني تتسرّب المياه فيه من شبكة التوصيل إلى الأرض بسبب سوء التشغيل أو اهتراء جزء من الشبكة والتأخر في إصلاحها. وآخر إداري يحدث بسبب عدم دقّة حساب كميات المياه المنتجة من مصادر المياه أو الكميات الواصلة إلى المنازل، بالإضافة إلى كميات المياه المسروقة التي لا يُدفع ثمنها.[3]
عادة ما يحصل الفاقد في واحدة من مرحلتين؛ المرحلة الأولى التي تمتد بين ضخّ المياه من الآبار والمسطحات المائيّة ونقلها بواسطة خطوط نقل رئيسيّة إلى خزانات التوزيع الكبيرة، حيث تتعرّض كميات كبيرة من المياه في هذه المرحلة للسرقة، أو لا يجري حساب الكميات الخارجة من الآبار بدقّة بهدف مقارنتها مع الكميات الواصلة للمنازل وحساب حجم الفاقد. والمرحلة الثانية التي تنتقل فيها المياه من خزانات التوزيع الكبيرة عبر شبكة توصيل إلى المنازل يحدث الجزء الأكبر من الفاقد المائي.
وتتسبب في جزء كبير من هذا الفاقد عواملُ فنية، مثل الكسور التي تتعرّض لها أنابيب شبكة التوصيل، وكذلك اهتراء الشبكة بسبب التزويد المتقطّع بالمياه، حيث يتم تزويد المنازل بالمياه مرّة واحدة بالأسبوع، أو مرّتين، وهو ما يضرّ بشبكة التوصيل.[4]
ويقّل الفاقد الفني في مرحلة توصيل المياه من عدادات المنازل إلى صنابير المياه، ويرتفع الفاقد الإداري. ويحصل هذا الفاقد إمّا بسبب السرقات أو بسبب أخطاء في حساب الكميات من قبل عدادات المنازل الميكانيكية التي لا تحسب الكميات بدقة.
عمّان مثالًا على الفاقد فوّضت سلطة المياه شركة مياه الأردن «مياهنا» بإدارة وتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي في عمّان في عام 2007. وكانت نسبة الفاقد قد وصلت قبلها قرابة 42% من حجم الكميّات المخصصة للتزويد المنزلي؛ أي أنه من أصل 119 مليون متر مكعب مخصصة لمنازل عمّان تلك السنة فُقد 50 مليون متر مكعب.
وَضعت الشركة خطّة لتخفيض الفاقد «بنسبة كبيرة».[5] وإن كان قد صُرِف على توسعة وتحديث الشبكات التي تتسبب بالنسبة الأكبر من الفاقد 250 مليون دولار في الأعوام من 2000 حتى 2007، بحسب تصريح لوزير المياه السابق محمّد النجار، فإنه قد صرف عليها بعد العام 2007 مبالغ تتراوح بين 70 و80 مليون دولار سنويًا. وفي النهاية أعيدت هيكلة 95% من شبكة عمّان كما يقول لحبر الرئيس التنفيذي السابق للشركة، غازي خليل، وكانت عمّان تحظى بصرف شمل معظم مناطقها.[6] وبالفعل بدأ الفاقد المائي بالانخفاض، ووصل في العام 2012 إلى 32%.[7]
ومع البدء بضخّ مياه الديسي عام 2013، أمِلت «مياهنا» في أن يتم تزويد المنازل بالمياه بشكل مستمر، بفعل كميات المياه الإضافية التي سيوفرها، وهو ما سيعني تقليل كميات الفاقد بشكل كبير، إذ إن التزويد المتقطّع بالمياه يرفع من مقدار الفاقد، لأنه يؤدي إلى إتلاف الشبكات وبالتالي التسرب.[8] لكن الضخ بشكل مستمرّ لم يحصل، ورغم إعادة هيكلة الشبكة إلّا أن الفاقد عاد للارتفاع من جديد. وظل يرتفع ليصل في عام 2019 إلى 38%.
يقول خليل،* وهو مهندسٌ عمل لسنوات في مشاريع تهدف إلى تقليل الفاقد المائي في عمّان، إن ارتفاع نسبة الفاقد من جديد سببه طريقة هيكلة الشبكة، حيث صُمّمت الشبكة على أساس استقبال كميات مياه إضافيّة من مشروع الديسي ومصادر أخرى، وبالتالي يتم تزويد المنازل بالمياه بشكل مستمر بضغط منخفض. لكن ما حصل، يضيف خليل، أن كميات المياه الإضافية التي ضُخّت، ضخّت بضغط مرتفع، والكميات التي كان من المفترض أن تصل المنازل على مدى أسبوع ضخّت خلال يومين فقط، «لو كان الضغط أعلى بيصير حجم التسرب أكبر، كل ما قلّلت الضغط التشغيلي للشبكات تحصيل حاصل الفاقد بيقل؛ لأنه فش ضغط اللي يسبب الانفجارات على الخطوط». كما أن الضخّ المتقطّع يقّلل العمر الافتراضي للشبكة، بما يُحدثهُ تفريغ الشبكة من المياه ودخول الهواء من تفاعلات كيميائيّة على جدران الأنابيب، يقول خليل.
سبب عدم الانتقال إلى التزويد المستمرّ، يقول مصدر في إدارة «مياهنا»، رفض الكشف عن اسمه، هو الزيادة الكبيرة في عدد السكّان في عمّان، خاصة بعد اللجوء السوري. وكان بحسبه من المفترض قبل هذه الزيادة أن يرتفع عدد أيّام تزويد المنازل بالمياه، بحيث تُزوّد بها بين ثلاثة وخمسة أيّام أسبوعيًا.
سببٌ آخر لارتفاع الفاقد في عمّان، هو عدم استكمال استبدال عدادات المشتركين الميكانيكية، والتي لا تحتسب بدقّة كميات المياه الواصلة للبيوت، إذ استبدلت عدادات 26% فقط من مجموع عدادات المشتركين البالغ عددهم أكثر من 700 ألف مشترك، خلال الأعوام بين 2015 و2019. وكانت الشركة تهدف لاستبدال العدادات الميكانيكية بأخرى إلكترونيّة لجميع المشتركين.
لا تتوافر معلومات دقيقة عن توزيع نسب الفاقد التي تتسبب بها السرقات أو العدادات والكسور، كما يقول المهندس خليل. كما تتنوّع الأرقام حول معدل الفاقد في عمّان بين الرسميّة المعلنة 38% وتقديراتٍ أخرى وصلت 44%.
ملامح الفشل في التعامل مع المشكلة وصلت نسبة الفاقد المائي على مستوى المملكة عام 2000 إلى 52% من المياه المخصصة للاستخدامات المنزلية، أي من بين 239 مليون متر مكعب فُقِد نحو 124 مليونًا، بين فاقدٍ فني وآخر إداري. ولتقليل هذه النسبة، أوصت الاستراتيجية الوطنية للمياه 2008- 2020 باتخاذ عدّة إجراءات، بينها إدخال تحسينات على أنظمة توزيع المياه لحل مشاكل التشغيل والعدادات وانقطاع المياه، وتحسين آلية توصيل المياه والضغط، وإيجاد مناطق ضغط محددة.[9]
تتحدث وزارة المياه عن واقع مائي حرج جدًا على المملكة هذا الصيف، وتتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة المائية 15 مليون متر مكعب.
وكان الهدف بحسب الاستراتيجية تخفيض الفاقد على مستوى المملكة في خمس مراحل، ليصل إلى: 45% في العام 2010، و37% في العام 2015، و28% في العام 2020، والوصول إلى نسبة فاقد 25% في العام 2022. لكنّ هذه الأهداف لم تتحقّق، إذ تُظهر الأرقام الرسمية انخفاضَ نسبة الفاقد إلى 42% في العام 2011، لكنها عادت وارتفعت من جديد لتصل في العام 2014 إلى 52%.
وُضِعت استراتيجية أخرى للمياه 2016-2025، وضمّت إجراءات أخرى لتقليل الفاقد المائي في المملكة، مثل حصر الاستخدام غير القانوني للمياه وتغليظ العقوبات ورصد كميات المياه وإصدار الفواتير بناء على الاستهلاك، وفحص العدادات بشكل دوري للتأكد من صلاحيتها، وإعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات المياه، بما في ذلك الأنابيب الرئيسية وخطوط التوزيع. وإن كانت الاستراتيجية الأولى للمياه 2008-2020 قد فشلت في تحقيق النسب التي سعت لها، فلا يبدو أن الاستراتيجية الثانية 2016- 2025 تسير باتجاه تحقيق النسب التي تسعى لها كذلك من تخفيض الفاقد من 3-6% سنويًا، مع استهداف تخفيض الفاقد 25% على المستوى الوطني بحلول العام 2025. إذ وبعد نحو خمس سنوات على بدْء تنفيذ الاستراتيجية، انخفض الفاقد 4.5% على مستوى المملكة، لكن هذا الانخفاض ليس خطيًا، إذ تتذبذب نسب الفاقد كل عدة سنوات انخفاضًا وارتفاعًا.[10]
رغم اعتماد مدينة العقبة، التي تعدّ أقل محافظة في المملكة في نسبة الفاقد المائي، التزويد المستمرّ للمياه، إلّا أن نسبة الفاقد فيها ارتفعت خلال السنوات العشرة الماضية من 20.7% في العام 2010 إلى 26.4% في العام 2019.
لم تعتمد الخطط التي وُضِعت لتقليل الفاقد على الأرقام الحقيقيّة على أرض الواقع، إذ لم يتم تحديد كميات المياه المنتجة من المصادر والكميات المستهلكة بدقة، لذا جاءت أهداف تخفيض الفاقد المائي غير واقعية كذلك، كما يقول مصدر مسؤول في وزارة المياه والريّ فضل عدم الكشف عن اسمه.
هذه المشكلة أشار لها المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخرًا من خلال تأكيده على ضرورة حساب حجم الفاقد بدقّة، إذ نصّ تقرير حالة البلاد للعام 2019 على أنّ إدارة الفاقد تحتاج إلى تحديد إنتاجية المصادر الجوفية والسطحية بدقة، وتحديد كميات الاستهلاك.[11] ويقول التقرير إنه لا يجري حساب كميات المياه المستخرجة من الآبار بدقّة، فالأرقام تعتمد على إنتاجية الآبار وقت حفر البئر وتجربتها، ولا يجري تحديث الكميات المستخرجة بعد أن ترفع الآبار إنتاجيتها بعد فترة التجريب، الأمر الذي يجعل حساب الكميات المنتجة وبالتالي حساب حجم الفاقد خاضعًا للتقديرات.[12]
وعلى خلاف ما تقول وزارة المياه من أن الفاقد الذي يتسبب به العامل الفني يتراوح بين 30% إلى 35%، والإداري يتراوح بين 65% إلى 70% ويتوزّع بين الاعتداءات والاستخدام غير المشروع، يقدّر المهندس خليل أن نسب الفاقد الحقيقية تتوزّع بين الفني والإداري مناصفة.
بالإضافة إلى ذلك، ما زالت سرقات المياه من قبل متنفذين تشكّل نسبة كبيرة من الفاقد الإداري، حيث يقوم المتنفذون إمّا بتعمد كسر الخطوط الرئيسيّة أو الضخ الجائر للمياه، وهو ما يسبب كلفًا كبيرةً على القطاع، وفقًا للمصدر المسؤول في وزارة المياه. ويحدث ذلك رغم تنفيذ أكثر من حملة من قبل الوزارة لإعادة السيطرة على مصادر المياه، إذ بلغ عدد الاعتداءات على الخطوط الرئيسيّة الناقلة 45 ألف اعتداء للأعوام بين 2013 و2020، قدرت فيها وزارة المياه المياه المفقودة بعشرات ملايين الأمتار، وفقًا للناطق باسم الوزارة عمر سلامة.
يظلّ العامل الرئيسي في السيطرة على الفاقد المائي وجود نظام تزويد مستمر للمياه، الأمر الذي يتطلّب كميات مياه إضافية. رغم ارتفاع نسبة الفاقد في العقبة من جديد، إلّا أن التزويد المستمرّ بالمياه فيها والعمل على تخفيض زمن الاستجابة والإصلاح لكسور أنابيب الشبكات، كلها عوامل ساهمت في خفض الفاقد.
فيما تشكل عوامل مثل إدارة ضغط المياه في الشبكات وأتمتة قطاع المياه وإدخال التكنولوجيا، وإدارة البيانات، عوامل مهمة كذلك في تخفيض الفاقد، يقول المهندس خليل.
أخيرًا، تتحدث وزارة المياه عن واقع مائي حرج جدًا على المملكة هذا الصيف، وتتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة المائية 15 مليون متر مكعب، فيما يمكن سدّ هذا العجز وتوفير كميات إضافية كذلك من خلال السيطرة على نسب الفاقد المائي المرتفعة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:47 am | |
| هل يستفيد الأردن من سدوده المائية؟
في معادلة المياه في الأردن اليوم، تشكّل المياه السطحية رافدًا أساسيًا، إذ إنها، وإضافة إلى المياه الجوفية، توفر قرابة مليار متر مكعب من أصل مليار و400 مليون متر مكعب تحتاجها البلاد سنويًا، بحسب رئيس اللجنة الوطنية لسلامة السدود التابعة لوزارة المياه، الدكتور رضوان وشاح. وتعتبر السدود الطريقة المثلى لتخزين المياه السطحية من الفيضانات والجريان الأساسي للأودية، بحسب الموازنة المائية الصادرة عن وزارة المياه والري.[1]
لكن النقاش يدور بين الحين والآخر حول أهمية السدود في عملية الحصاد المائي، وإن كانت السدود هي الوسيلة الأمثل حقًا، أم أن هناك طرقًا أخرى للحصاد المائي يمكن أن تكون أجدى وأقل تكلفة، في ظل واقع السدود المائية في الأردن اليوم.
بين العامين 1958 و1966 أنشئت قناة الملك عبدالله، وهي قناة مائية تمتد 110 كم شرقيّ نهر الأردن، من الأغوار الشمالية وحتى الشونة الجنوبية قرب البحر الميت، وجاء إنشاؤها للاستفادة من مياه نهر اليرموك وروافد الأودية الجانبية للقناة. لحق إنشاء القناة مباشرةً بناء سدّيْ وادي زقلاب والكفرين عام 1967 كأوّل سدود المملكة. وقد وصل عدد السدود اليوم 14 سدًا، تقع جميعها في الأودية التي تصب في حوض وادي الأردن وحوض البحر الميت.[2] وفيما تستخدم معظم السدود للري، إلّا أن ثلاثة منها تستخدم لمياه الشرب. ورغم أن السعة التصميمية لهذه السدود تؤهّلها لاستيعاب حوالي 338 مليون متر مكعب، إلّا أنها هذا العام لم تخزّن إلّا 30.66% من سعتها.
جاء بناء السدود بحسب وشاح للاستفادة من تدفق مياه الأمطار في الأودية، في بلد يحتل المرتبة 172 من أصل 180 دولة في معدل هطول الأمطار، بحسب بيانات البنك الدولي، يضيع غالبيتها في التبخر. فإضافة إلى الشح المطري، تعاني البلاد معضلة معدلات التبخر العالية، والذي قد تصل كميته لما يقارب 93% من الهطول السنوي.[3]
كميات قليلة، وجودة متفاوتة نظريًا، يبلغ مجموع سعة السدود الرئيسية والصغيرة أكثر 350 مليون متر مكعب، لكن على أرض الواقع، فإن ما يُخزّن ويجمّع في هذه السدود أقل من ذلك بكثير، مثلما حدث عام 2019،[4] حين كان مجموع المخزّن نهاية العام في السدود جميعها هو 103.6 مليون متر مكعب من أصل 336.4 مليونًا من سعة السدود في حينها، أي أقل من ثلث السعة.
ويعزو وزير المياه والري السابق موسى الجمعاني عدم امتلاء السدود إلى أسباب تخص كل سد على حدة؛ فسدّ الوحدة يعتمد على مياه نهر اليرموك القليلة، وسد الوالة نوعية الرسوبيات المتراكمة فيه تقارب 10% من سعة السد التخزينية.
وقد شهدت مشاريع إنشاء بعض هذه السدود جدلًا حول جدواها والأهداف البيئية والتنموية منها، من ذلك إنشاء سد الكرامة في وادي المالحة شديد الملوحة عام 1997. وصلت النقاشات ذروتها مع إعادة تقييم الجدوى منه بعد تسعة أعوام على إنشائه، والفشل حتى حينها في جمع المياه لملء السد، بالإضافة إلى رصد نسب ملوحة عالية، وهو ما أدى إلى أن تتآكل بعض معدّات الضخ، والأهم فقدان كميات كبيرة من المياه في باطن الأرض. يتضح ذلك اليوم في التقرير السنوي لسلطة وادي الأردن، عام 2020، الذي يقول إن مجموع ما دخل للسد هو أربعة ملايين متر مكعب فقط، وتم الاستفادة من مليون وربع منها، من أصل 55 مليونًا هي القدرة التخزينية للسد. ومع نسب الملوحة العالية، تعتبر هذه المياه، في كثير من الأحيان، غير صالحة دون معالجة، حتى للزراعة بحسب أستاذة المياه والبيئة في جامعة آل البيت سرى الحراحشة. أمّا سد الملك طلال فيشير وشاح إلى وجود خلل إداري في عمليات تنظيفه وفتحه وإغلاقه، «وطبعًا أي خلل هون بأدي لتشكيل رواسب وتأثير على نوعية المياه لقدام» يقول وشاح.
جاء بناء السدود للاستفادة من تدفق مياه الأمطار في الأودية، في بلد يحتل المرتبة 172 من أصل 180 دولة في معدل هطول الأمطار، يضيع غالبيتها في التبخر.
تأكيدًا لذلك، تقول الحراحشة، التي تشرف على رسالة بحثية عن جودة مياه سد الملك طلال، إن النتائج الأولية تشير إلى أنه لا يمكن الاستفادة إلّا من 30% من مياه السد، بسبب تراكم الرسوبيات وتشبّعها بالعناصر والأملاح، «المجرى الواصل لسد الملك طلال كان ينضخّ فيه مياه عادمة ومياه الخربة السمرا»، وهو ما أثر بنظر الحراحشة على قدرة السلطات على استعمال مياه سد الملك طلال لأغراض الشرب دون تدخّل لمعالجتها أو تحليتها.
لكن وزير المياه الأسبق موسى الجمعاني يعتقد أن هناك مبالغة بالتقديرات، حيث أنه وحتى عام 2010 كانت كمية الرواسب لا تتجاوز 3.5 مليون متر مكعب من مجمل سعة السد البالغة 75 مليونًا، مع ذلك، فإنه يرى أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن بوابات السد هي في أسفله «فالمي بتكون مشبعة ومحتاجة معالجة».
من مجمل السدود في الأردن، هناك ثلاثة منها تعتبر مياهها صالحة للشرب بشكل مباشر، وهي سدود الوحدة والوالة والموجب، يعود ذلك بحسب الحراحشة إلى طبيعة المياه المجمّعة ونسب الملوحة وأرضية مجرى المياه أيضًا. ويوضح الجمعاني أن الهدف من إنشاء سدّي الكرك (2014) وبن حمّاد (2015) كان الرغبة بتخصيصهما لاحتياجات شركة البوتاس، بدلًا من الحصص التي كانت الشركة تأخذها من سد الموجب، وبالتالي «سد الموجب بصير استخدامه بالكامل للشرب»، يقول الجمعاني.
تعتقد الحراحشة أن منظومة التخطيط للسدود في الأردن قد شابها خلل في التخطيط منذ البداية، فترى أن مناطق في إربد وعمّان، مثل بيادر وادي السير، كانت تاريخيًا مجاري للمياه وذات نسب هطول جيّدة، بالتالي كانت لتشكّل فرصة مناسبة لوضع سدود صغيرة أو حفائر وبرك على أقل تقدير، لجمع المياه، إلّا أن البناء على أراضيها جعل مجاري المياه تتحوّل عن مجراها الطبيعي «وما تم استغلالها»، تقول الحراحشة.
حلول في الأفق؟ تقدّم خطة العمل الوطنية للنمو الأخضر (2021 – 2025) الصادرة عن وزارة البيئة، تصوّرًا لإنشاء ثلاثة سدودٍ جديدة[5] بكلفة 69 مليون دولار، واحد في الكرك، واثنان في الطفيلة، بسعة تقديرية تبلغ 5.84 مليون متر مكعب.
وفي الاستراتيجية الوطنية للمياه (2016 – 2025)، وُضعت تصوّرات لزيادة السعة الاستيعابية للسدود من 325 مليون متر مكعب عام 2014، إلى أكثر من 400 مليون عام 2025،[6] وذلك عبر توسعات للسدود كسد الوالة الذي تمّ الانتهاء من توسعته من 8.2 مليون متر مكعب إلى 25 مليونًا، بالإضافة إلى مخططات لإنشاء وتأهيل عدد من السدود المتوسطة والصغيرة، في محافظات الجنوب؛ العقبة والطفيلة والكرك.
بلغت كميات المياه المعالجة لعام 2019 حوالي 178.2 مليون متر مكعب. ومعالجة المياه، بحسب الحراحشة، أحد الحلول التي تعطي للوزارة هامشًا للموازنة بين الكميّات المخصصة للري والزراعة، وتلك المخصصة للشرب والاستخدام المنزلي. وتأخذ الحراحشة ما يحصل في المفرق مثالًا، فتقول إن الزراعة في المفرق في جزء منها قائمة على السحب من المياه الجوفية الصالحة للشرب، فيما يمكن، لو تم التوسع بمعالجة المياه، أن تقدّم الدولة للمزارعين مياه سدود معالجة، كي يستعملوها للري.
لتحسين الحصاد المائي، تلجأ وزارة المياه إلى ما يعرف بالسدود الصحراوية والحفائر والبرك المائية. وحتى العام 2017 وُجِد في الأردن حوالي 63 سدًا صحراويًا بطاقة تخزينية تصل إلى 96.5 مليون متر مكعب، و65 بركة تستطيع تجميع 300 ألفًا، وأكثر من 245 حفيرة بسعة تخزينية تتجاوز 22 مليونًا.[7] تشرح الحراحشة أن الغرض من هذه الحفائر والبرك هو استغلال الأمطار والدفقات المفاجئة، تحديدًا في الأماكن المفتوحة والصحارى.
رغم ضآلة ما تخزّنه الحفائر والسدود الصحراوية، إلّا أنها حل مهم، خاصة وأن نسبة التبخر في الحفائر منخفضة، يقول الجمعاني. وترى الحراحشة ضرورة التوسّع في خيارات السدود الصغيرة والحفائر والبرك في مختلف مناطق المملكة، وتحديدًا في مناطق الجنوب والشرق التي لا تشهد كميّات هطول كبيرة يمكن تخزينها بكميّات يستوعبها سد كبير أو أساسي، وترى أن هذا مفيد للتقليل من كميات المياه الضائعة، كما أنه يتيح استغلال التدفقات الفجائية.
بالإضافة إلى بناء سدود وحفائر ومحطات معالجة في كل جغرافيا مناسبة، يقترح رضوان وشاح اللجوء لمسار «السدود الفردي» أيضًا، بتشجيع الأفراد على إنشاء آبار تجميع لمياه الأمطار في مناطق سكنهم، «ممكن بيوت عمان تجمع مي بما يعادل سد صغير»، وهو ما يرد ذكره كمشروع على الصعيد الوطني للحصاد المائي المنزلي، ويتوقّع أن يوفّر سبعة ملايين متر مكعب.[8]
يوضح الجمعاني أنه ومنذ عام 1991 رُسمت مخططات لإنشاء 1500 سد وحفيرة صحراوية على امتداد أراضي المملكة، لكن المشروعَ توقّف بسبب نقص التمويل. ورغم اعتقاده أن السدود بأشكالها حلٌ ناجعٌ للوضع المائي في الأردن، إلّا أن الجمعاني لا يرى بديلًا عن المضي قدمًا بتحلية مياه البحر من جهة، وإصلاح البنية التحتية للتخلص من مشكلة الفاقد.
فيما يقول وشاح مختتمًا: «نحن اليوم لا نملك ترف الاختيار، وعلينا أن نباشر في كل مشروع ممكن» |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الثلاثاء 26 أكتوبر 2021, 11:50 am | |
| الري بالتنقيط والمياه المعالجة: هل تنقذ التقنية الزراعة؟
في منطقة أم الجمال في المفرق، يعرض المهندس الزراعي أيمن أبو كشك أرضًا زراعية مساحتها 400 دونمٍ للبيع منذ سنوات، لكن، بحسبه، لا أحد يريد شراء أرض محكوم عليها بالموت.
تعتمد الأراضي الزراعية في مدن المفرق والأزرق والرمثا على آبار المياه الجوفية بشكل أساسي. ويسمح القانون والأنظمة المعمول بها بحفر بئر واحد للأرض الزراعية الواحدة، ويحفر البئر إلى الحدّ الذي تظهر عنده المياه، ولا يجوز للمزارع أن يحفر أعمق من الحد المسموح به. وفي حال جفّ البئر لا يسمح بحفر بئر جديد إلّا وفق اشتراطات حددتها الأنظمة.
تعتبر هذه الآبار مصادر مائية غير متجددة، كونها لا تعوِّض ما تفقده من مصادر مياه سطحية مثل الأنهار الدائمة أو من الجريان السطحي بفعل الأمطار. وفي ظلّ ضعف الموسم المطري هذا العام، وعدم وجود مصادر بديلة للريّ في العديد من مناطق شمال المملكة، فإن العديد من الأراضي الزراعية مهدّد بالبَوار، بحسب مزارعين من هذه المناطق. وللتعامل مع مشكلة النقص المزمن في المياه، يتم اللجوء إلى خيارات في الري، مثل الري بالتنقيط والري باستخدام المياه المعالجة، لكن هذه الحلول، كما يرى مختصون، ليست مثالية، فبعضها مكلف، وبعضها الآخر يعتمد في جدواه على عدد كبير من العوامل التي تجعل اللجوء إليها مسألة تستلزم تفكيرًا وبحثًا.
الري بالتنقيط لري أرضه، يستخدم أبو كشك، إضافة إلى البئر المسموح له بحفره، بركة سعتها 20 ألف متر مكعب، يجمّع فيها مياه الأمطار، فتقلل من استخدامه للبئر، إلّا أن البركة هذا العام، وعلى خلاف المواسم السابقة، ظلّت شبه فارغة.
يزرع أبو كشك في أرضه محاصيل مختلفة، ففي جزء منها يزرع اللوزيّات (دراق ومشمش)، وهي محاصيل تقطف في وقتٍ مبكرٍ من الموسم فلا تحتاج كميات كبيرة من المياه، حيث يستهلك الدونم 450 م³ سنويًا، وجزء آخر يزرعه عنبًا، ويعتبر متوسطًا لناحية استهلاكه المياه، إذ يستهلك الدونم الواحد 600 متر مكعب سنويًا، والجزء المتبقي يزرعه بأشجار زيتون يستهلك دونمها الواحد ما بين 400 إلى 500 م³ سنويًا. كما يقوم للحفاظ على المياه، بموازنةٍ بين الأصناف حسب موعد قطافها، فالأصناف المبكرة تقطف بداية الموسم، خلال شهري أيار وحزيران، والمتوسطة يبدأ قطافها في تموز وينتهي في أيلول، والمتأخرة يمتد قطافها من تشرين الثاني حتى نهاية العام. وبعد قطاف كل نوع حسب موعده، تقل كمية المياه التي تتطلبها النبتة بشكل كبير، «بنصير كل 15 يوم بنمرقله سقيّة، مْحَايَاة بنسميها».
ويستخدم أبو كشك نظام الري بالتنقيط، وهو نظام قائم على شبكة من الأنابيب المتفرّعة بين النباتات، يركّز الريّ على النبتة ومناطق امتداد جذورها، ما يعني كفاءةً في سقاية النباتات. يقول: «استهلاك اللوزيات والعنب من 400 إلى 700 متر مكعب سنويًا، هيك لأنه بنستخدم تقنيات ريّ حديثة، اللي ما بيستخدم وسائل ريّ حديثة بكون [الاستهلاك] عنده أعلى، بيصل 1000 أو 1100 متر مكعب سنويًا».
يحق للمزارع في حال استنزاف مياه البئر أو جفافه في مزرعته المطالبة برخصة بئر بديل، لكن بحسب أبو كشك، فإن حفر بئر جديد يكلّف مبالغ طائلة، تصل أحيانًا إلى 50 ألف دينار، عدا عن تكلفة الطاقة المستخدمة في ضخ المياه من الآبار، والتي يقول أبو كشك إنها تبلغ ستة آلاف دينار شهريًا. ولذا، عندما يتعطل بئر أحد المزارعين لسبب أو لآخر، فإن المزارعين في الأراضي المجاورة لأرضه يمدّونه بمياه تكفي لإدامة حياة الشجر. وفي حال جفاف البئر، يلجأ المزارع لتيبيس أجزاء من أرضه، فيقطع عنها المياه ليوفرها لأجزاء أخرى، مثلما فعل أبو كشك عام 2008 حينما عجز البئر عن تأمين الريّ لكامل مزرعته، فقام بقطع الريّ عن 200 دونم منها، ثم عاد لزراعتها بعد أعوام، بعد أن تمكّن من حفر بئر جديد، وبدأ في استخدام تقنيات الريّ بالتنقيط.
الري بالتنقيط في مزارع أبو كشك.
يرى المهندس الزراعي جعفر عبابنة، الذي عمل في عدة مشاريع في المفرق والأزرق، أن الحل لمشكلة شح المياه يكون بإدارة عملية الريّ بشكل جيد، واستخدام شبكات ريّ حديثة مصممة خصيصًا لكل مزرعة بما يناسبها، بحيث يتمّ الحفاظ على المورد المائي لأطول وقت ممكن. ويضيف أنه قد عمل مع 98 مزارعًا في منطقتي الأزرق والمفرق، على مساحة 11 ألف دونم مروي، ضمن مشاريع بالاشتراك مع منظمات دولية لتقليل استهلاك المياه. وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة، استطاعوا عبر تقنية الري بالتنقيط، تقليل استهلاك المياه في هذه المزارع بنسبة وصلت إلى 40%، ما مكّن المزارعين من الحفاظ على مساحة الأرض المزروعة عندهم. لكن أبو كشك يرى أنه ورغم أهمية الاعتماد على التقنيات الحديثة في الري إلّا أن هذا الحل مؤقت، ولا يعني الاستدامة، في ظل عدم توفّر مصادر مياه بديلة.
يستهلك الري حوالي 34% من المياه الجوفية المستخرجة في المملكة،[1] ويبلغ عدد الآبار الجوفية حوالي ثلاثة آلاف بئر. والطلب على حفر الآبار متزايد بسبب زيادة الطلب على المياه ونفاد الآبار القديمة والحاجة لحفر آبار بديلة، حيث سُجّل حفر 106 آبار، بين بئر جديد وبئر بديل، في عام 2019. وكذلك تضاعف عدد الآبار المخالفة التي رصدتها وزارة المياه والري وقامت بردمها حوالي ستة أضعاف، حيث زاد عدد الآبار المردومة من 26 بئرًا عام 2007، إلى 177 بئرًا عام 2017.[2]
يقول نعيم المزاهرة، مساعد المدير العام لشؤون البحث العلمي في المركز الوطني للبحوث الزراعية، إن من أهداف المركز البحث في سبل استدامة مياه الريّ، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة، بالتوجه لزراعة محاصيل استهلاكها للماء قليل. وبحسبه، فإن تحديد كمية المياه الممنوحة للمزارع تجعله يتقيد بأصناف قليلة الاستهلاك دون الحاجة إلى تحديد أصناف وفرضها بالقانون. كما يدرس المركز حاجة المحاصيل الفعلية من المياه، وبحسبه يختلف استهلاك نفس المحصول للمياه بين منطقة وأخرى، كأن يستهلك دونم محصول البندورة في الأغوار شتاءً 500 متر مكعب، بينما يستهلك دونمها من 700 إلى 800 متر مكعب صيفًا في المناطق المرتفعة. وبناءً على تقدير الحاجة الفعلية للمحاصيل يقوم المركز بتوجيه المزارعين للأصناف تبعًا لمعدلات استهلاكها للمياه موسميًا ومناطقيًا.
يعمل المركز، كذلك، على طرح حلول لرفع كفاءة استهلاك المياه، بإرشاد المزارعين لطرق الريّ الحديثة مثل الريّ بالتنقيط، بالإضافة لإرشادهم لأنماط زراعية أخرى، مثل الزراعة في البيوت البلاستيكية التي تقلل من عملية التبخر، والزراعة المائية، وهي طريقة زراعية حديثة. لكن هذا النمط مكلف جدا بالنسبة للمزارعين لأنه يتطلب إقامة نظام تقني كامل مكوّن من قوالب خاصة توضع فيها المزروعات، وترتبط بنظام تبريد يعمل داخل بيوت معدة لهذه الغاية، بالإضافة إلى أنه يحتاج إلى عمالة خبيرة ومدربة على متابعة الزراعة في البيوت. وبحسب المزاهرة فإن المزارع يمكن أن يستعيد ما أنفقه لإنشاء هذه البيوت وتجهيزها بعد سنوات قليلة في حال تمت زراعتها بمحاصيل نوعية ذات سعر مرتفع في السوق، مثل البندورة الكرزية وخيار البوبو.
المياه المعالجة مصدرًا بديلًا من بين مصادر المياه البديلة التي يبحثها المركز الري بوساطة المياه المعالجة، وهي مياه ناتجة عن الاستخدامات المنزلية، يتم تكريرها لاستخدامها مجددًا في الصناعة والزراعة. في العام 2017 تم استخدام 144.2 مليون متر مكعب من المياه المعالجة، من أصل 544 مليون متر مكعب استخدمت لأغراض زراعية. لكن في الوقت الحالي لا توجد خطة عمل لاستخدام هذه المياه في مناطق الشمال إلا في نطاق ضيقٍ حول محطات التنقية، بزراعة أصناف محددة غير مخصصة للاستهلاك البشري مثل الأعلاف، خاصة البرسيم المصنف كمستهلك عالٍ للمياه، أو نباتات الزينة، على عكس مناطق وادي الأردن في الأغوار الوسطى.
يعمل إبراهيم الشريف في مزرعته في منطقة في وادي الأردن. يعتمد المزارعون هناك في ريّ مزروعاتهم على مياه معالجة من مياه صرف صحي، آتية من محطة تنقية الخربة السمرا، لتصب في سد الملك طلال وتختلط بمياه الأمطار فيه. لذا، فإن الزراعة في هذه المنطقة لا تشكّل ضغطًا على المياه الجوفية بحسب المزاهرة. لكن بحسب الشريف فإنهم بدأوا يشعرون بشحّ الموسم المطري الماضي من خلال ما قالوا إنه انخفاض في معدل تدفق المياه الواصلة لمزارعهم من سلطة مياه وادي الأردن خلال الأشهر الماضية.
مزارع أبو كشك.
بحسب المزاهرة فإن 90% من المياه المعالجة يتم استغلالها في الزراعة، في وادي الأردن، بعد خلطها بمياه المطر، وحول محطات التنقية في مناطق أخرى. ويقول إنه في ظل ارتفاع كلفة الزراعة المائية التي توفر إلى حد 60% من معدل المياه المستهلكة، واستنزاف المياه الجوفية التي وصلت وضعًا حرجًا، تُشكّل المياه المعالجة لأغراض الريّ حلًا ممكنًا للحد من استنزاف المياه الجوفية واستدامة الزراعة.
لكن في الوقت نفسه، مع استخدام المياه المعالجة، ظهرت مشكلات أخرى كما يقول المزاهرة، خاصة في المناطق التي لا يتم فيها خلط المياه المعالجة بمياه الأمطار. من هذه المشاكل أن هذه المياه لا تناسبها أنظمة الري بالتنقيط، نظرًا لأنها تترك ترسبات أكثر من المياه الجوفية أو السطحية داخل الشبكات وتغلق النقّاطات، مما يعرض شبكات الري للتلف بسرعة أكبر. لتفادي هذه المشكلة، لجأ المزارعون للري السطحي الذي يستهلك كمية مياه كبيرة، وبالتالي اضطروا إلى التوقف عن زراعة بعض المساحات. وتبعًا للزواهرة فإن المركز يعمل حاليًا على تجريب أنظمة سقاية تحت سطحية، أي تمتد تحت عمق معين في التربة، وتفيد بالحد من مخاطر المياه المعالجة على البيئة المحيطة وتقليل التبخر، والاستفادة من كمية المياه المعالجة المتوفرة بالشكل الأمثل.
يحصل الشريف كغيره من المزارعين في وادي الأردن على حصة مياه مرتين في الأسبوع، بمعدل تسعة مليمترات في الثانية، ولمدة ست ساعات. هذا العام، يقول المزارعون إنه ورغم بقاء عدد ساعات التزويد كما كانت عليه الأعوام السابقة، إلّا أنهم شعروا أن معدل تدفق المياه انخفض عن السابق. ويضيف الشريف أنهم تأكدوا من تقليل الكمية من موظفين في وزارة المياه. وقد توجهنا بسؤال حول تغيير كمية تدفق المياه للمزارعين في وادي الأردن للناطق الإعلامي لوزارة المياه إلّا اننا لم نتمكّن من الحصول على ردّ.
لشحّ المياه هذا العام، سيروي الشريف أرضه بشكل اعتيادي حتى انتهاء موسم المزروعات الشتوية في شهر تموز، وبعدها سيقلل استخدام المياه للحد الأدنى أثناء عملية إعادة إعداد الأرض بغسلها وإراحتها. ويقول مزارعون آخرون اعتادوا الزراعة في شهر تموز إنه لا إجابة عندهم على سؤال: هل نزرع صيف هذه السنة أم أننا لن نجد مياهًا كافية للري؟
يقول إلياس سلامة، الخبير المائي، إن الحلول التي يجري تطبيقها حاليًا مؤقتة، وتعتمد على طريقة تفكيرٍ تُركّز على تقليل حجم الاستهلاك بدل زيادة كمية المياه، وهو أمر يراه غير منطقي، خاصة في ظل زيادة السكان والتغير المناخي وغيرها من العوامل، معتبرًا أن التحلية قد تكون الحل الوحيد في هذه الحالة لمشكلة المياه في الأردن. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الأربعاء 16 مارس 2022, 9:59 am | |
| الأمن المائي الأردني والخمسة ملايين متر مكعب
د. أحمد عبد المجيد القيسي زغردت وسائل إعلامنا بأنّ كمية المياه التي تدفقت إلى السدود خلال المنخفض الجوي الماضي بلغت حوالي ٥ مليون متر مكعب، نشكر الحكومة على هذا الخبر المفجع، ونذكرها بأنّ استراتيجية الأمن للعدو الصهيوني ترتكز على الأمن المائي؛ يقول رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق ابن غوريون: “إنّ اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه، وعلى نتيجة هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل، فإنْ لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نبقى في فلسطين”، ثم يقول: ” علينا أنْ نذكر أنّه من أجل مقدرة الدولة اليهودية على البقاء لا بد أنْ تكون مياه الأردن والليطاني داخل حدودنا”، وكتب حاييم وايزمان رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق إلى رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لويد جورج يقول:” إنّ مستقبل إسرائيل (فلسطين) الاقتصادي كله يعتمد على موارد المياه للري والقوى الكهربائية، ويشمل موارد المياه بصورة رئيسية من منحدرات جبل حرمون ومنابع نهر الأردن ونهر الليطاني” انظر: أثر مشروع ناقل البحرين على الأمن الوطني الأردني، بحث زمالة أكاديمة نميري ل أحمد القيسي ص: ٦٢. تُعَدُّ هذه الاستراتيجية العدائية تهديدا مباشرا للأمن الوطني الأردني؛ نجح العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه المرحلية فيها بغية الوصول إلى الأهداف النهائية ومنها استعمار الأردن مائيا؛ وليس أدل على ذلك من سرقة مليار ونصف مليار متر مكعب من نهر الأردن وتسريب معظمها عبر ناقل قطري للتبريد على المفاعلات النووية في النقب، ثم حاول العرب التذاكي وبناء مشاريع مائية على روافد نهر الأردن تقلل نسبة سيل المياه إلى العدو الصهيوني، فكانت النتيجة؛ اجتياح بيروت عام ٨٢ وصولا إلى روافد نهر الأردن، ثم منحنا العدو براءة من السرقة التاريخية لمياهنا وعدوانه على أهم عناصر أمننا الوطني (الماء) من خلال صكوك العار في وادي عربة التي تنازلنا فيها عن حقوقنا التاريخية ليس في أم الرشراش فقط بل بمليار ونصف مليار متر مكعب من الماء العذب، حتى صرنا نستجدي عدونا قطرات ماء لا تتجاوز ٥٠ مليون متر مكعب يضخها إلينا صيفا من طبريا، ويجود علينا بمثلها فضلات برك مزارع الأسماك على ضفة النهر المحتلة؛ تنساب سموما إلى عذائنا المستنبت على ضفة النهر الشرقية. لم تنته اللعبة هنا، بل وقّعنا اتفاقيات سريّة ترهن ما تبقى من كرامتنا إلى عدونا التاريخي كاتفاقية ناقل البحرين، والاتفاقية السوداء الأخيرة الموقعة برعاية الإمارات، ثم تصرح حكومتنا بأنّ كمية المياه التي دخلت السدود خلال المنخفض تجاوزت ٥ مليون متر مكعب!!! ما هذا التضليل؟! ما هذا الهراء؟! أي ٥ مليون؟! أي سدود تتحدثون عنها؟! أتراكم تخدعوننا بسدود لا تتجاوز سعتها التخزينية مجتمعة ربع كمية المياه التي فرّطتم فيها بوادي عربة! أي حصاد مائي تتحدثون عنه وأنتم تعلمون أنّ الثمانية مليارات متر مكعب هي مجموع كل ما ينزل من السماء على كامل مساحة الأردن سنويا لو جمعناها كاملة (في حفيرة ترابية بمساحة الأردن) سيتبخر منها ٩٢% ويتسرب منها إلى باطن الأرض ٤% ويتبقى ٤% فقط، والسؤال: كم نجمع منها الآن؟! مائة مليون في أحسن حال! أتدرون أن نسبة ٤% منها هي ٤ مليون متر مكعب!!! صلاة النبي. الحل: أنْ نكف عن الانبطاح وخداع أنفسنا، ولننزع الشرعية عن عدونا الصهيوني الذي سرق ماءنا ولنطالب بحقوقنا التاريخية الكاملة في مياه نهر الأردن، أو حتى حقوقنا المنقوصة (٧٥٠) مليون متر مكعب وفقا لمشروع جونستون الأمريكي الاستعماري، فلنحاول بكافة الوسائل القانونية والدبلوماسية وصولا إلى استخدام الاستراتيجية المباشرة الحتمية كما ورد في القرآن. كاتب اردني |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الأحد 19 يونيو 2022, 10:37 pm | |
| [rtl] عطش في الأفق: أزمة المياه في الأردن[/rtl] في عالم اليوم، لا يتوقف الحديث عن ندرة المياه كأزمة مستقبلية وشيكة تهدد مجتمعاتنا ومصادر بقائها وتنميتها؛ أزمة نحن في الأردن نعيش في قلبها. يعد الأردنيون من أكثر شعوب الأرض حرمانًا من المياه، إذ انخفض نصيب الفرد منها مؤخرًا إلى أقل من 100 متر مكعب بالسنة، في حين أن ندرة المياه القصوى تحدد باستهلاك الفرد 500 متر مكعب أو أقل سنويًا. ورغم أن أزمة المياه أزمة عالمية مرتبطة بأنظمة العالم القائم وطبيعة اقتصاده وكيفية إدارة موارده من قبل المتحكمين فيه، إلا أن البلدان والمناطق والشعوب المختلفة لا تعاني منها بالقدر نفسه.يضرب الاحتباس الحراري منطقتنا التي يغلب عليها الطابع الصحراوي بشدة، إذ تتراجع معدلات هطول الأمطار سنة بعد سنة بشكل يصعب الاستفادة منه. ترتفع درجات الحرارة ويتسارع التبخر وتتوسع الأراضي والمساحات القاحلة وتزداد الصراعات على الموارد المائية. في الأردن، تحصل 90% من مساحة البلاد سنويًا على معدل هطول أمطار يقدر بأقل من 100 مم سنويًا، يضيع غالبيتها نتيجة التصحر. في المستقبل، ستزداد الصورة قتامة، حيث من المرجح أن يتراجع هطول المياه في المملكة بنسبة 30% ويتضاعف الجفاف ثلاث مرات بحلول عام 2100. ثمانية بلدان فقط في العالم تحصل على هطول سنوي أقل مما نحصل عليه اليوم.لا شك أن البلاد تواجه أزمة مائية متنامية ومتشابكة تتداخل فيها عوامل عدة، بعضها تاريخي وسياسي، وبعضها اقتصادي وإداري. تتعرض إمدادات البلاد من المياه للخطر المستمر ويتراجع أمننا المائي ليصل العجز السنوي إلى ما بين %30 و40% من الحاجة المائية لمختلف الاستخدامات حسب الموسم المائي. يطال هذا العجز المياه المخصصة للشرب خصوصًا في فصل الصيف، كما هو الحال في هذه الأيام التي وصلت بنا إلى أن نطلب ممّن نهب مياهنا أن يقطر علينا بالقليل منها، وأن ندفع له مقابل ذلك.تركز العديد من التقارير الدولية والأوراق المتخصصة التي تدرس الشأن المائي في الأردن على قضايا مثل اللجوء والنمو السكاني كمسببات رئيسية لأزمة المياه. ورغم أن سيولة المياه تعيق أي عملية ضبط مكتبية لها ويصعب معاينتها اجتماعيًا وسياسيًا وبيئيًا معاينات مخبرية، إلا أن العديد من نشطاء وخبراء البيئة والمناخ لا يكفون عن فعل ذلك: تُعزل قضايا المياه وتجزّأ، تنزع عنها السياسة أو تهمش، وتُحمّل العوامل الطبيعية -أو ما يعتقد أنها طبيعية- أكثر مما تحتمل. لا الجفاف، ولا التغيير المناخي، مشاكل بيئية طبيعية بحتة، ولا اللجوء والنمو السكاني على أهمية تأثيرهما، أسباب كافية لاضمحلال المياه في بلادنا. نسعى في حبر من خلال هذا الملف لمقاربة المشهد المائي من زوايا متعددة، في محاولة لرسم صورة أوسع لأزمة المياه في الأردن. لا يقدم الملف إجابات نهائية مكتملة عن الأزمة بقدر ما يضيء على تمظهراتها ومسببات نشوئها وانعكاسها على مجمل شؤون حياتنا. تتشكل إمدادات المياه في الأردن وتتأثر بجغرافيته السياسية. فرغم أن المياه لا تخضع لمنطق الحدود، إلا أن هذه الحدود ترمي بثقلها بشكل كبير على واقعنا المائي. كان لوجود «إسرائيل» الوقع الأكبر على الخارطة المائية في الإقليم عمومًا والأردن بشكل خاص. بعد نشوئها، استولت دولة الاحتلال على حصة الأردن من أعلى حوض نهر الأردن وأقامت بوابات حديدية لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر الذي انخفض إلى 2% من تدفقه التاريخي، بعد أن نقلت مياه النهر من بحيرة طبريا إلى صحراء النقب عبر مشروع «الناقل الوطني الإسرائيلي» في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فضلا عن ذلك، عرقلت «إسرائيل» عددًا كبيرًا من المشاريع المائية المشتركة بين الأردن ودول الإقليم وخاصة سوريا، وداخل الأردن نفسه، وحرمته من حصص كبيرة من المياه السطحية التي تشكل حوالي ثلث إمدادات المياه في البلاد اليوم.عند الحدود الأردنية السعودية وعلى امتداد آلاف الأمتار، يتشارك البلدان حوضًا مائيًا جوفيًا غير متجدد. في سبعينيات القرن الماضي، بدأت السعودية باستخدام كميات كبيرة من مياه الحوض العذبة الصالحة للشرب لزراعة الصحراء. بعد عقد من الزمن، سحب الأردن أيضّا كميات أقل، ومنحَ امتيازات لشركات خاصة لاستخدام المياه العذبة لزراعة القمح والحبوب للاستهلاك المحلي. وبعد أن اشتدت الأزمة المائية في الأردن نتيجة شح المتوفر وازدياد الطلب، جرّت الحكومة الأردنية عام 2013 المياه من حوض الديسي إلى عمان والعقبة لغايات الشرب، على أمل أن تسقي الأردنيين من مياهه لخمسين سنة، قبل أن يجف بالكامل. لكن، ونتيجة للسحب الكبير منه لغايات الزراعة تحديدًا من قبل السعودية، بات البعض يشكك بمقدرة الحوض على الاستمرار للمدة التي يتوقعها الأردن، الأمر الذي يهدد مصدرًا رئيسيًا من مصادر مياه الشرب في المملكة ويطرح أسئلة عديدة حول مدى استدامته.داخليًا، يتدهور وضع المياه الجوفية بسرعة تتجاوز قدرة الطبيعة على تغذية المتجددة منها، حيث يستنزف الأردنيون الـ12 حوضًا جوفيًا موزعة في أرجاء المملكة متجاوزين بذلك كل حدود السحب الآمنة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستويات غالبيتها وتردي نوعية مياهها بشكل خطير، الأمر الذي انعكس في جفاف آلاف الآبار خلال العقود الماضية. تأتي الحصة الأكبر من مياه الشرب والزراعة من المياه الجوفية، ويذهب أكثر من ثلث المستخرجة منها داخليًا للزراعة. ورغم حاجتنا لكل قطرة ماء، إلا أننا نصدّر جزءًا كبيرًا منها للخارج، على شكل خضروات وفواكه. كما تفقد شبكات المياه ما يقارب نصف مياهها في طريقها إلى منازل الأردنيين. يعزو البعض ذلك لأسباب فنية مرتبطة بنظام التقنين المتقطع الذي يمد السكان بالمياه ليوم أو يومين بالأسبوع، الذي يؤدي إلى إتلاف الشبكات وبالتالي التسرب، وأمور أخرى كالاعتداءات المستمرة على خطوط إمداد المياه.أنه لأمر مقلق حقًا أن تستنفد الدولة مياهها الجوفية التي تعد أثمن مصدر من مصادر البلاد المائية وأكثرها أهمية، فنحن نحصل على قرابة ثلثي مياهنا من طبقات المياه الجوفية، الداخلية والمشتركة، وجميعها مهددة بالنفاد في المستقبل القريب، كما هو حال المياه السطحية النابعة من «إسرائيل» ودول الجوار.يناقش هذا الملف هذه المواضيع بالتفصيل ويقاربها من زوايا مختلفة. تستعرض دلال سلامة أزمة المياه الجوفية ومستقبلها في ظل السحب الجائر الذي تعاني منه الآبار المتجددة وغير المتجددة. وتتناول دانة جبريل مسألة حوض الديسي المشترك بيننا وبين السعودية، وتقاربها من بوابة استدامة الخط وتكاليفه الباهظة، وذلك بعد كل الكميات التي سحبتها السعودية منه لغايات زراعة الصحراء على مدار العقود الخمسة الماضية. يحتوي الملف أيضًا على ورقة مترجمة للباحث يوسف عبد الرحيم من الجامعة العربية الأمريكية في رام الله حول التهديد الذي تمثله الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني. ويناقش عمار الشقيري بتقريره موضوع الفاقد المائي وأسبابه وعدم إحراز تقدم ملموس في حل مشاكله، رغم كل الخطط الرسمية والأموال التي دفعت لوقف نزف المياه من الشبكات ومنع الاعتداءات على الخطوط. فيما تستعرض ليلى العاجيب أزمة الزراعة في ظل شح المياه، وطرق تكيّف مزارعي بعض مناطق شمال المملكة باستخدام عدّة طرق للري بينها الري بالتنقيط وسقاية المزروعات بالمياه المعالجة، شارحة الصعوبات التي تواجه المزارعين في كل من الطريقتين اللتين يرى خبراء أنها مجرد حلول مؤقتة. وفي ظلّ الشحّ الذي شهده الموسم المطري الفائت، يستعرض حارث الطوس أبرز ملامح النقاش حول السدود في الأردن ومدى نجاعة هذه الوسيلة في تحقيق حصاد مائي جيد والاستفادة من مياه الأمطار. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الأحد 19 يونيو 2022, 10:45 pm | |
| [rtl] حوض الديسي: مياه مكلفة تنضُب، وسحبٌ سعودي جائر[/rtl] على بعد 320 كم جنوب عمّان، وبالتوغل في الصحراء المحيطة بجبال رم، وصولًا إلى قرىً صغيرة تشكل مجتمعة بلدية «قرى حوض الديسة»، سيكون تحت الأقدام بمئات الأمتار خزّان مياه جوفية صالحة للشرب، يتراوح عمرها بين 10 آلاف و30 ألف سنة، وتمتدّ في حوضٍ جوفي مشتركٍ بين الأردن والسعودية، وهي مياه غير متجددة، إذ لا ينفذ الماء إلى الحوض، وهو ما يمنع تعويض المياه المسحوبة منه.اكتشف البَلدان الحوض أواخر ستينيات القرن الماضي، ويسمّى في الأردن بـ«الديسي» فيما يُعرف في السعودية باسم «السّاق»، وتقع معظم مياهه داخل حدود السعودية، التي راحت في السبعينيات تستخدمها في مشروعٍ استهلكَ كميات كبيرة من مياه الحوض لزراعة أراضٍ صحراوية. بالمقابل، مَنح الأردن في الثمانينيات شركات زراعية خاصة بامتيازاتٍ للاستثمار في منطقة رم، من أجل زراعة القمح والحبوب للسوق الأردني باستخدام مياه الحوض، بحسب الاتفاق حينها. ثم بدأت الحكومة في 2013 بجرّ مياه الديسي إلى عمّان والعقبة لأغراض الشرب، وأعلنت حينها أن الخزان سيظل يُزوّد بالمياه حتى 50 عامًا مقبلًا.لكن دراساتٍ ومختصين يشككون في هذا العمر المتوقع للخزان، ما يثير أسئلة عن مدى استدامة خط مياه الديسي وجدواه، في حين تشغّله شركة تركية لقاء كلفٍ مرتفعة على الحكومة، وأسئلة أخرى عن شكل العلاقة بين الأردن والسعودية في التعامل مع خزان مياه مشترك بينهما.سحب سعودي كبير: مياه الشرب تذهب للزراعةفي عام 1969، وصلت[1] بعثة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإجراء دراسات في المناطق الجنوبية في الأردن، واكتشفت حوض مياه جوفية تبلغ مساحته حوالي 69 ألف كم2، منها ثلاثة آلاف في الأردن، فيما تمتد البقية داخل السعودية.مطلع السبعينيات دعمت السعودية زراعة القمح في المناطق التي تعلو حوض الساق، وأدخلت لاحقًا زراعة الشعير والبرسيم[2] ضمن مشاريعها لزراعة الصحراء[3] وتصدير الحبوب إلى العالم. وفي الفترة بين 1980 و2005 تضاعف سحب السعودية من حوض الساق نحو عشر مرات، فارتفع من حوالي 900 مليون متر مكعب سنويًا في عام 1980، إلى ثمانية مليارات و900 مليون متر مكعب عام 2005، منها 1.5 مليار متر مكعب سُحبت من منطقة تبوك القريبة من الحدود الأردنية وحوض الديسي، بحسب تقرير أصدرته عام 2013 لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) بالشراكة مع منظمات دولية أخرى. ويضيف التقرير أن السحب للأغراض الزراعية في تبوك أدى إلى تشكل مخروط «كبير وعميق» في تلك المنطقة؛ أي تشكلت حفرة رأسية تحت منطقة الضخ العالي غيّرت من اتجاه تدفق المياه الذي كان يتجه سابقًا من السعودية إلى الأردن. الفاقد المائي: أين تختفي ملايين الأمتار المكعبة من المياه؟
ملايينٌ من أمتار المياه الصالحة للشرب يفقدها الأردن سنويًا بسبب مشاكل في شبكات التوصيل، حتى بلغت هذه الكمّيات المفقودة عام 2019 أكثر من ثلث المياه الجوفيّة المستخرجة.[1] ولعقود، استهدفت أكثر من خطّة واستراتيجية تقليل الفاقد المائي في الأردن، وصُرفت عشرات ملايين الدنانير على مشاريع لهذه الغاية، غير أنَّ النسب ما زالت مرتفعة، وتتراوح منذ عشرين سنة حول نصف المياه المخصصة للمنازل، فيما تقول مصادر حكوميّة لحبر إنَّ نسب الفاقد على أرض الواقع أكبر من النسب المعلنة.
يعرّف الفاقد المائي بأنَّه الفرق بين كميّات المياه التي تُنتج وقيمة الفواتير التي تُحصّل ثمنًا لهذه الكميات.[2] ويحدث بسبب عاملين رئيسيين: عامل فني تتسرّب المياه فيه من شبكة التوصيل إلى الأرض بسبب سوء التشغيل أو اهتراء جزء من الشبكة والتأخر في إصلاحها. وآخر إداري يحدث بسبب عدم دقّة حساب كميات المياه المنتجة من مصادر المياه أو الكميات الواصلة إلى المنازل، بالإضافة إلى كميات المياه المسروقة التي لا يُدفع ثمنها.[3]
عادة ما يحصل الفاقد في واحدة من مرحلتين؛ المرحلة الأولى التي تمتد بين ضخّ المياه من الآبار والمسطحات المائيّة ونقلها بواسطة خطوط نقل رئيسيّة إلى خزانات التوزيع الكبيرة، حيث تتعرّض كميات كبيرة من المياه في هذه المرحلة للسرقة، أو لا يجري حساب الكميات الخارجة من الآبار بدقّة بهدف مقارنتها مع الكميات الواصلة للمنازل وحساب حجم الفاقد. والمرحلة الثانية التي تنتقل فيها المياه من خزانات التوزيع الكبيرة عبر شبكة توصيل إلى المنازل يحدث الجزء الأكبر من الفاقد المائي.
وتتسبب في جزء كبير من هذا الفاقد عواملُ فنية، مثل الكسور التي تتعرّض لها أنابيب شبكة التوصيل، وكذلك اهتراء الشبكة بسبب التزويد المتقطّع بالمياه، حيث يتم تزويد المنازل بالمياه مرّة واحدة بالأسبوع، أو مرّتين، وهو ما يضرّ بشبكة التوصيل.[4]
ويقّل الفاقد الفني في مرحلة توصيل المياه من عدادات المنازل إلى صنابير المياه، ويرتفع الفاقد الإداري. ويحصل هذا الفاقد إمّا بسبب السرقات أو بسبب أخطاء في حساب الكميات من قبل عدادات المنازل الميكانيكية التي لا تحسب الكميات بدقة.
عمّان مثالًا على الفاقد فوّضت سلطة المياه شركة مياه الأردن «مياهنا» بإدارة وتشغيل مرافق المياه والصرف الصحي في عمّان في عام 2007. وكانت نسبة الفاقد قد وصلت قبلها قرابة 42% من حجم الكميّات المخصصة للتزويد المنزلي؛ أي أنه من أصل 119 مليون متر مكعب مخصصة لمنازل عمّان تلك السنة فُقد 50 مليون متر مكعب.
وَضعت الشركة خطّة لتخفيض الفاقد «بنسبة كبيرة».[5] وإن كان قد صُرِف على توسعة وتحديث الشبكات التي تتسبب بالنسبة الأكبر من الفاقد 250 مليون دولار في الأعوام من 2000 حتى 2007، بحسب تصريح لوزير المياه السابق محمّد النجار، فإنه قد صرف عليها بعد العام 2007 مبالغ تتراوح بين 70 و80 مليون دولار سنويًا. وفي النهاية أعيدت هيكلة 95% من شبكة عمّان كما يقول لحبر الرئيس التنفيذي السابق للشركة، غازي خليل، وكانت عمّان تحظى بصرف شمل معظم مناطقها.[6] وبالفعل بدأ الفاقد المائي بالانخفاض، ووصل في العام 2012 إلى 32%.[7]
ومع البدء بضخّ مياه الديسي عام 2013، أمِلت «مياهنا» في أن يتم تزويد المنازل بالمياه بشكل مستمر، بفعل كميات المياه الإضافية التي سيوفرها، وهو ما سيعني تقليل كميات الفاقد بشكل كبير، إذ إن التزويد المتقطّع بالمياه يرفع من مقدار الفاقد، لأنه يؤدي إلى إتلاف الشبكات وبالتالي التسرب.[8] لكن الضخ بشكل مستمرّ لم يحصل، ورغم إعادة هيكلة الشبكة إلّا أن الفاقد عاد للارتفاع من جديد. وظل يرتفع ليصل في عام 2019 إلى 38%.
يقول خليل،* وهو مهندسٌ عمل لسنوات في مشاريع تهدف إلى تقليل الفاقد المائي في عمّان، إن ارتفاع نسبة الفاقد من جديد سببه طريقة هيكلة الشبكة، حيث صُمّمت الشبكة على أساس استقبال كميات مياه إضافيّة من مشروع الديسي ومصادر أخرى، وبالتالي يتم تزويد المنازل بالمياه بشكل مستمر بضغط منخفض. لكن ما حصل، يضيف خليل، أن كميات المياه الإضافية التي ضُخّت، ضخّت بضغط مرتفع، والكميات التي كان من المفترض أن تصل المنازل على مدى أسبوع ضخّت خلال يومين فقط، «لو كان الضغط أعلى بيصير حجم التسرب أكبر، كل ما قلّلت الضغط التشغيلي للشبكات تحصيل حاصل الفاقد بيقل؛ لأنه فش ضغط اللي يسبب الانفجارات على الخطوط». كما أن الضخّ المتقطّع يقّلل العمر الافتراضي للشبكة، بما يُحدثهُ تفريغ الشبكة من المياه ودخول الهواء من تفاعلات كيميائيّة على جدران الأنابيب، يقول خليل.
سبب عدم الانتقال إلى التزويد المستمرّ، يقول مصدر في إدارة «مياهنا»، رفض الكشف عن اسمه، هو الزيادة الكبيرة في عدد السكّان في عمّان، خاصة بعد اللجوء السوري. وكان بحسبه من المفترض قبل هذه الزيادة أن يرتفع عدد أيّام تزويد المنازل بالمياه، بحيث تُزوّد بها بين ثلاثة وخمسة أيّام أسبوعيًا.
سببٌ آخر لارتفاع الفاقد في عمّان، هو عدم استكمال استبدال عدادات المشتركين الميكانيكية، والتي لا تحتسب بدقّة كميات المياه الواصلة للبيوت، إذ استبدلت عدادات 26% فقط من مجموع عدادات المشتركين البالغ عددهم أكثر من 700 ألف مشترك، خلال الأعوام بين 2015 و2019. وكانت الشركة تهدف لاستبدال العدادات الميكانيكية بأخرى إلكترونيّة لجميع المشتركين.
لا تتوافر معلومات دقيقة عن توزيع نسب الفاقد التي تتسبب بها السرقات أو العدادات والكسور، كما يقول المهندس خليل. كما تتنوّع الأرقام حول معدل الفاقد في عمّان بين الرسميّة المعلنة 38% وتقديراتٍ أخرى وصلت 44%.
ملامح الفشل في التعامل مع المشكلة وصلت نسبة الفاقد المائي على مستوى المملكة عام 2000 إلى 52% من المياه المخصصة للاستخدامات المنزلية، أي من بين 239 مليون متر مكعب فُقِد نحو 124 مليونًا، بين فاقدٍ فني وآخر إداري. ولتقليل هذه النسبة، أوصت الاستراتيجية الوطنية للمياه 2008- 2020 باتخاذ عدّة إجراءات، بينها إدخال تحسينات على أنظمة توزيع المياه لحل مشاكل التشغيل والعدادات وانقطاع المياه، وتحسين آلية توصيل المياه والضغط، وإيجاد مناطق ضغط محددة.[9]
تتحدث وزارة المياه عن واقع مائي حرج جدًا على المملكة هذا الصيف، وتتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة المائية 15 مليون متر مكعب.
وكان الهدف بحسب الاستراتيجية تخفيض الفاقد على مستوى المملكة في خمس مراحل، ليصل إلى: 45% في العام 2010، و37% في العام 2015، و28% في العام 2020، والوصول إلى نسبة فاقد 25% في العام 2022. لكنّ هذه الأهداف لم تتحقّق، إذ تُظهر الأرقام الرسمية انخفاضَ نسبة الفاقد إلى 42% في العام 2011، لكنها عادت وارتفعت من جديد لتصل في العام 2014 إلى 52%.
وُضِعت استراتيجية أخرى للمياه 2016-2025، وضمّت إجراءات أخرى لتقليل الفاقد المائي في المملكة، مثل حصر الاستخدام غير القانوني للمياه وتغليظ العقوبات ورصد كميات المياه وإصدار الفواتير بناء على الاستهلاك، وفحص العدادات بشكل دوري للتأكد من صلاحيتها، وإعادة تأهيل البنية التحتية لشبكات المياه، بما في ذلك الأنابيب الرئيسية وخطوط التوزيع. وإن كانت الاستراتيجية الأولى للمياه 2008-2020 قد فشلت في تحقيق النسب التي سعت لها، فلا يبدو أن الاستراتيجية الثانية 2016- 2025 تسير باتجاه تحقيق النسب التي تسعى لها كذلك من تخفيض الفاقد من 3-6% سنويًا، مع استهداف تخفيض الفاقد 25% على المستوى الوطني بحلول العام 2025. إذ وبعد نحو خمس سنوات على بدْء تنفيذ الاستراتيجية، انخفض الفاقد 4.5% على مستوى المملكة، لكن هذا الانخفاض ليس خطيًا، إذ تتذبذب نسب الفاقد كل عدة سنوات انخفاضًا وارتفاعًا.[10]
رغم اعتماد مدينة العقبة، التي تعدّ أقل محافظة في المملكة في نسبة الفاقد المائي، التزويد المستمرّ للمياه، إلّا أن نسبة الفاقد فيها ارتفعت خلال السنوات العشرة الماضية من 20.7% في العام 2010 إلى 26.4% في العام 2019.
لم تعتمد الخطط التي وُضِعت لتقليل الفاقد على الأرقام الحقيقيّة على أرض الواقع، إذ لم يتم تحديد كميات المياه المنتجة من المصادر والكميات المستهلكة بدقة، لذا جاءت أهداف تخفيض الفاقد المائي غير واقعية كذلك، كما يقول مصدر مسؤول في وزارة المياه والريّ فضل عدم الكشف عن اسمه.
هذه المشكلة أشار لها المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخرًا من خلال تأكيده على ضرورة حساب حجم الفاقد بدقّة، إذ نصّ تقرير حالة البلاد للعام 2019 على أنّ إدارة الفاقد تحتاج إلى تحديد إنتاجية المصادر الجوفية والسطحية بدقة، وتحديد كميات الاستهلاك.[11] ويقول التقرير إنه لا يجري حساب كميات المياه المستخرجة من الآبار بدقّة، فالأرقام تعتمد على إنتاجية الآبار وقت حفر البئر وتجربتها، ولا يجري تحديث الكميات المستخرجة بعد أن ترفع الآبار إنتاجيتها بعد فترة التجريب، الأمر الذي يجعل حساب الكميات المنتجة وبالتالي حساب حجم الفاقد خاضعًا للتقديرات.[12]
وعلى خلاف ما تقول وزارة المياه من أن الفاقد الذي يتسبب به العامل الفني يتراوح بين 30% إلى 35%، والإداري يتراوح بين 65% إلى 70% ويتوزّع بين الاعتداءات والاستخدام غير المشروع، يقدّر المهندس خليل أن نسب الفاقد الحقيقية تتوزّع بين الفني والإداري مناصفة.
بالإضافة إلى ذلك، ما زالت سرقات المياه من قبل متنفذين تشكّل نسبة كبيرة من الفاقد الإداري، حيث يقوم المتنفذون إمّا بتعمد كسر الخطوط الرئيسيّة أو الضخ الجائر للمياه، وهو ما يسبب كلفًا كبيرةً على القطاع، وفقًا للمصدر المسؤول في وزارة المياه. ويحدث ذلك رغم تنفيذ أكثر من حملة من قبل الوزارة لإعادة السيطرة على مصادر المياه، إذ بلغ عدد الاعتداءات على الخطوط الرئيسيّة الناقلة 45 ألف اعتداء للأعوام بين 2013 و2020، قدرت فيها وزارة المياه المياه المفقودة بعشرات ملايين الأمتار، وفقًا للناطق باسم الوزارة عمر سلامة.
يظلّ العامل الرئيسي في السيطرة على الفاقد المائي وجود نظام تزويد مستمر للمياه، الأمر الذي يتطلّب كميات مياه إضافية. رغم ارتفاع نسبة الفاقد في العقبة من جديد، إلّا أن التزويد المستمرّ بالمياه فيها والعمل على تخفيض زمن الاستجابة والإصلاح لكسور أنابيب الشبكات، كلها عوامل ساهمت في خفض الفاقد.
فيما تشكل عوامل مثل إدارة ضغط المياه في الشبكات وأتمتة قطاع المياه وإدخال التكنولوجيا، وإدارة البيانات، عوامل مهمة كذلك في تخفيض الفاقد، يقول المهندس خليل.
أخيرًا، تتحدث وزارة المياه عن واقع مائي حرج جدًا على المملكة هذا الصيف، وتتوقع أن يبلغ العجز في الموازنة المائية 15 مليون متر مكعب، فيما يمكن سدّ هذا العجز وتوفير كميات إضافية كذلك من خلال السيطرة على نسب الفاقد المائي المرتفعة.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الأحد 19 يونيو 2022, 10:49 pm | |
| تبعات الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني
للصراع السياسي بين «إسرائيل» والعرب اتجاهات ومسارات مختلفة. بيد أن المياه تقع في صلبه، وهي المنطلق الأساسي لإدارة الصراع في منطقة حوض نهر الأردن. فجذور الأزمة المائية في الأردن تعود إلى بدايات المخططات الصهيونية لتوطين ستة ملايين يهودي في أرض فلسطين، وفرض الضغوط على موارد المياه فيها، في منطقة تعاني مسبقًا من شح قاسٍ في هذه الموارد. وقد عمّق تشريد اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن بموارده المائية الشحيحة أزمة المياه، إلى جانب خطة «إسرائيل» الواضحة لسرقة المياه العربية، وحصص الدول المتشاركة في حوض نهر الأردن على وجه الخصوص.
يصف بعض الساسة الماء بالابن البكر للصراع العربي الإسرائيلي. وبقراءة تاريخ هذا الصراع، يمكن القول بأن البحث عن المياه والاستيلاء على الأرض كانا دومًا مرتبطين ارتباطًا عميقًا. تكمن أهمية الماء في تاريخ الصراع في عنصرين، الأول مادي؛ إذ يقع نهر الأردن في منطقة جافة بموارد مائية مستنفدة بشكل خطير. وبما أن حيوات الناس تعتمد على قدرة الدول على توفير الأمن والحماية لأمنها الغذائي واستقلاليتها ومصادر طاقتها، فإن السيطرة على نهر الأردن وغيره من مصادر المياه يعتبر بالتالي أمرًا حيويًا وحاسمًا. أما العنصر الثاني، التاريخي والأيديولوجي المتمثل بالأرض وزراعتها، فقد كان دومًا العمود الأول والأهم في العقيدة الصهيونية.[1]
احتل الموقف من أمن «إسرائيل» المائي موقعًا رئيسًا في التفكير الاستراتيجي الممهد للفكر الصهيوني، الذي اعتمد على ادّعاءات دينية وتاريخية زائفة، نبعت من الإيمان بما جاء ذكره في التوراة: «كُلُّ مَكَانٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ يَكُونُ لَكُمْ». كما اعتمد على أقوال المؤسسين الأوائل من أمثال بن غوريون: «سينخرط اليهود في حرب على الماء مع العرب وسوف تحدد نتائج هذه الحرب مصير «إسرائيل»». أي أنه ما لم تربح «إسرائيل» هذه الحرب، فلن تبقى في فلسطين. بكلمات أخرى، فإن المياه بالنسبة لها مسألة وجودية.[2]
لم تكتفِ «إسرائيل» بالاستيلاء على المياه المتشاركة مع الدول العربية فحسب، بل وسّعت تطلعاتها نحو مياه نهر الليطاني في لبنان، ومياه نهر النيل ونهر الفرات. ويبدو هذا جليًا من خلال التنسيق وبناء العلاقات مع تركيا في الشمال، وإثيوبيا في الجنوب، سعيًا للتضييق مائيًا على الدول العربية. وفي ذات السياق، انطلقت كافة المشاريع الإسرائيلية من مشاريع معمارية وما شابهها لمشاركة دول المنطقة بالموارد المائية. في كتابه «المياه والسلام: وجهة نظر إسرائيلية»، يقترح إليشع كالي، الذي كان مدير التخطيط الاقتصادي للمياه الإقليمية الإسرائيلية، مجموعة من الحلول المبنية على التشارك في المياه الواقعة خارج «الحدود الإسرائيلية». إلا أنه يضيف أن هذه الحلول قد لا تجني أكلها ما لم تجرِ ضمن إطار إقامة السلام ما بين الدول العربية و«إسرائيل».[3]
تعالج الدراسة قضية الهيمنة الإسرائيلية على المياه العربية ضمن محورين. يتمثل المحور الأول في الآليات والجهود الإسرائيلية الجارية للسيطرة على المياه الأردنية. أما المحور الثاني فيتمثل في تداعيات السيطرة الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني.
السعي الإسرائيلي للسيطرة على المياه العربية كما سبق ذكره، تحتل المياه مكانًا أوليًا في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، وغالبًا ما تحركه. فكلما شحت المياه في المنطقة العربية، توسع البحث لإيجاد مدخل إليها. لقد أدركت الحركة الصهيونية أهمية المياه منذ البداية. لذلك، كانت كافة المخططات التي أعدتها تؤهلها للاستيلاء على موارد المياه في فلسطين والبلدان العربية المجاورة.
ويمكن القول إن هذه المساعي أخذت ثلاثة أشكال: المقاربات السياسية، ومشاريع تحويل المياه تحديدًا من نهر الأردن، وعرقلة المشاريع المائية العربية المشتركة.
المقاربات السياسية تعود بدايات مطامح الحركة الصهيونية في المياه العربية، وحوض نهر الأردن على وجه التحديد، إلى عام 1876. حين أرسلت الجمعية الملكية البريطانية بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية وفدًا من الخبراء والمهندسين إلى فلسطين، للبحث عن الموارد الطبيعية الفلسطينية، وأعلنوا أن فلسطين لديها القدرة على توطين ملايين البشر، ويمكن لصحراء النقب أن تستوعب عددًا كبيرًا من اليهود إذا ما حولت المياه من الشمال حيث تتوفر بغزارة.[4]
حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن. وكان هدفها السيطرة التامة على موارد المياه وجلب أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين. كما كانت تسعى إلى ممارسة الضغوط على البلدان العربية وابتزازها.
بدا هذا جليًا في الاتفاقيات المبرمة بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية واللجنة الاستشارية لترسيم حدود فلسطين. فقد سعت الحركة لإقناعهم بضم هذه المناطق داخل فلسطين التاريخية، فضلًا عن أنها تمكنت من إقناع اللجنة في السادس من تشرين الثاني 1918 بتحديد هذه الحدود. بيد أن الجانب الفرنسي قد عارض الاتفاقية لكونه كان يتحكم بسوريا ولبنان. ولذلك، جاءت الحدود بحسب معاهدة سايكس-بيكو كالتالي: سوريا ولبنان من الشمال، من الشرق الصحراء الشرقية، ومن الجنوب شبه جزيرة سيناء، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط.[5]
وأثناء مؤتمر باريس للسلام عام 1919، طلب حاييم وايزمان من وزراء خارجية بريطانيا وإيطاليا، ألا يحرموا الشعب اليهودي من عناصر حياتهم الاقتصادية، وأكد أنه لن يكون هناك إمكانية لترتيب اتفاقية تقرر فيها قضية المياه. وقد أرسل القادة الصهاينة رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج في 20 كانون الأول 1919، في لحظة حاسمة من المفاوضات النهائية حول مصير فلسطين، جاء فيها:
ترغب المنظمة الصهيونية بمخاطبتكم حول قضية الحدود الشمالية لفلسطين. لقد أرست الحركة الصهيونية منذ المستهل الحد الأدنى للمتطلبات الأساسية لخلق وطن يهودي. ومن نافل القول إن الصهيونية لن تقبل على الإطلاق خطة سايكس-بيكو كأساس للمفاوضات، لكونها تضع منابع تزويد مياه نهري الأردن والليطاني خارج حدودها، مجردةً اليهود من أفضل حقول المستوطنات في الجليل ومرتفعات الجولان.[6]
لقد أخرجت الاتفاقية الفرنسية البريطانية المبرمة حول حدود الانتداب عام 1920 مياه جبل حرمون والليطاني والجزء السفلي من نهر اليرموك خارج الحدود المطالب بها من قبل الحركة الصهيونية. بيد أن الأخيرة أفلحت في تعديل الحدود الشمالية وتمكنت من ضم أجزاء واسعة غنية بالمياه بالقرب من نهر الليطاني. حيث سعت إلى إرساء حق اليهود بالحصول على مياه المنطقة من خلال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وافق عليها المجتمع الدولي لاحقًا، واعترف بها كأساس لأي اتفاق في الصراع العربي الإسرائيلي، واعتمدتها «إسرائيل» في المفاوضات مع الفلسطينيين وباقي الدول العربية.[7]
خلال فترة الانتداب البريطاني، سعى اليهود إلى الحصول على أذونات بالمياه لصالح المشاريع التي كانوا يخططون لتنفيذها مستقبليًا، وعرقلة أي استثمار لأي من الأطراف العربية، في الأردن وفلسطين، للاستفادة من موارد المياه المتعلقة بهذه المشاريع. حصلت شركة روتنبرغ اليهودية عام 1929 على إذن من سلطات الانتداب بالاستثمار في النهرين الداخليين المهمين في فلسطين، أي نهر العوجا ومشروع اليركون شمال يافا، ونهر المقطع ومشروع كيشون شمال حيفا. وقد حصلت على إذن بالاستثمار في مياه نهري الأردن واليرموك في نقطة التقائهما من أجل توليد الكهرباء لمدة 70 عامًا. وقد نوى اليهود خلال فترة الانتداب الاستثمار في النهرين للحصول على مياه للشرب، غير أنه وبعد إقامة دولة «إسرائيل»، استخدمت مياه النهرين في الري.[8] وفي نهاية فترة الانتداب البريطاني لم يُستثمر سوى 350 مليون متر مكعب من المياه الفلسطينية: 260 مليونًا في الزراعة و75 مليونًا للاستخدام المحلي و15 مليونًا في الصناعة.[9]
حاولت الحركة الصهيونية أن تضع حدود دولتها بناء على الوقائع المائية، وطالبت منذ البداية بضم هضبة الجولان وجبل سيناء ونهر الليطاني ومرتفعات الأردن.
عوّل الأردن الرسمي على مفاوضات السلام التي جرت بينه وبين «إسرائيل»، لاستعادة حقوقه في المياه التي استولت عليها الأخيرة. حينها قال الملك الراحل الحسين بن طلال «سوف يستعيد الأردن خلال هذا المؤتمر حقوقه كاملة في نهري الأردن واليرموك».[10] وقد أكد منذر حدادين، رئيس الوفد الأردني المفاوض، على ذلك عندما صرح بأن: «للمياه دور يشابه طبيعتها. إنها المادة التي يستخدمها الإنسان لإطفاء الحرائق، لا لإشعالها. ودور المياه في السلام تحرير ما أخذته «إسرائيل» من الأردن وسوريا ولبنان من مياه نهري الأردن واليرموك. فضلًا عن تحرير الحقوق الطبيعية للفلسطينيين لاستغلال موارد المياه في بلدهم دون سيطرة، ولكن بحسب ما تمليه الحاجة للحفاظ على هذه الموارد».[11]
إلا أن «إسرائيل» قد تمكنت من إقناع العرب بأنها تعاني أيضًا من مشاكل في المياه كباقي المنطقة، وأن حل هذه المشاكل يكمن في تطوير موارد المياه باستخدام الوسائل العلمية الحديثة. كان ذلك أحد التكتيكات التي وظفتها «إسرائيل» في محاولة لمبادلة المياه العربية بالتقنية الإسرائيلية، وقد تبنت الإدارة الأمريكية وجهة النظر هذه في تحليلها لأز مة المياه وأبعادها المستقبلية.
لم يقصد من هذه القضية مساعدة المنطقة بالأساس، وإنما حماية مصالح الولايات المتحدة و«إسرائيل» الحيوية فيها. وبالتالي، شجع الاهتمام بالتقنيات المائية المتطورة الحكومات في الشرق الأوسط على إنتاج وسائل جديدة وأكثر فاعلية لإدارة موارد المياه، إلى جانب استراتيجيات تخزين المياه. فلو استعاد الأردن كافة حقوقه المائية، لتمكن من تغطية جزء كبير من مشكلة المياه الحرجة لديه. إلا أن المسألة بدت وكأنها ناجمة عن عدم استخدام التقنيات الحديثة، وبدأ السعي بالتالي خلف مشاريع مشتركة بين الطرفين. كذلك، جعلت الولايات المتحدة، التي تشرف على قضية المياه كإحدى الدول المانحة، التفريق بين الحقوق المائية والتخطيط أمرًا جوهريًا. وقد تمكنت من إقناع الأطراف في البحث عن حلول تسهم في حل المشكلة. كما نجحت الإدارة الأمريكية بإقناع الأطراف على الموافقة على المواضيع الأربعة التالية: تعزيز المعلومات حول المياه، وإدارة المياه، وتحسين طرق إمداد المياه، والبحث عن أفكار لتحسين التعاون وإدارة المياه.[12]
تمكنت «إسرائيل» ببراعة من إخراج روافد نهر الأردن الشمالية وبحيرة طبريا من عملية المفاوضات مع الجانب الأردني، وهو مالك حق أصيل فيها، والتي تشكل بدورها أكثر من نصف تدفق مياه النهر. ولم تتضمن اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية في القسم المائي من البند 6 والملحق 10 أي بند يتعلق بمياه شمال نهر الأردن، بما في ذلك بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» لاحقًا مياه الروافد الشمالية إلى صحراء النقب عبر مشروع ناقل المياه الوطني، بينما خزنت الباقي في بحيرة طبريا. وقد تمكنت عبر المفاوضات السياسية مع الجانب الأردني من الاحتفاظ بمنطقتي الباقورة والغمر في وادي عربة لمدة 25 عامًا، وهي مناطق غنية بالمياه، كانت «إسرائيل» تستنزفها منذ احتلالها.
حاولت «إسرائيل» مرارًا وتكرارًا التنصل من الاتفاقية وعدم الالتزام بها. كما ادّعت بأنها غير قادرة على تنفيذ الاتفاقية وتحويل الكميات المتفق عليها من المياه إلى الأردن سنويًا. فضلًا عن أنها أعلمت الأردن ما بين عامي 1997 و1998 بنيتها تخفيض الكمية من 50 مليون إلى 25 مليون متر مكعب، مبررة هذا التخفيض بنقص هطول الأمطار وانخفاض منسوب بحيرة طبريا. لم يوافق الأردن بدوره، وأصر على التزام «إسرائيل» بضخ الكميات المتفق عليها. ودخل الطرفان عملية تفاوض حول هذه المسألة، حيث استخدمت «إسرائيل» سياستها المعتادة في المماطلة والتسويف، لتطالب عام 1999 بتخفيض يصل إلى 33 مليون متر مكعب بتقديم الذرائع ذاتها.[13]
تحويل مجرى نهر الأردن رغم أن مساعي الحركة الصهيونية للاستيلاء على المياه العربية قديمة جدًا، كما سبق ذكره. إلا أن البداية الحقيقية للصراع المتفجر حول المياه كانت عند تنفيذ مشروع تحويل مياه نهر الأردن للنقب، عبر ما أسمته «إسرائيل» مشروع الناقل الوطني للمياه، الذي أسست له خطة السنوات السبع (1953 إلى 1960).
الناقل الوطني للمياه هو أهم مشروع مياه إسرائيلي. وقد تطورت فكرة هذا المشروع منذ بداية مساعي إقامة دولة يهودية في فلسطين، بهدف تحويل مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا إلى صحراء النقب للزراعة والاستيطان فيها. لذلك، كان اليهود متحمسين أثناء هدنة 1949 للسيطرة على منابع مياه نهر الأردن، ليسارعوا في تطوير المشروع، ويبدأ تحويل المياه إلى النقب عام 1956، ويستمر حتى منتصف أيار 1964.
كان هذا المشروع نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي-الإسرائيلي، نظرًا لتأثيره وتداعياته الخطيرة على الأمن المائي والقومي العربي، ومستقبل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلدان العربية. ولهذا المشروع بالتالي، أهمية استراتيجية فائقة لـ«إسرائيل»، وقد كان السبب خلف انعقاد أول قمة عربية تتخذ قرارات محددة، تلك القمة التي كانت عاملًا مباشرًا في حرب عام 1967 والحروب المتتالية التي أنهكت البلدان العربية. فقد شكل هذا المشروع تهديدًا لمستقبل البلدان العربية والأردن على وجه التحديد، الذي يعتمد على النهر بأكثر من نصف احتياجاته من المياه.
تمثل الرد العربي في مقترح من الخبراء العرب بتخزين مياه نهر الأردن بعيدًا عن «إسرائيل»، من خلال بناء سدود على أنهار الحاصباني وبانياس واليرموك. وقد قدم هذا المقترح في المؤتمر العربي المنعقد في القاهرة في 17 كانون الثاني 1964. بيد أن «إسرائيل» قد رفضت بشدة هذه المقترحات، وهاجمت سدّ خالد بن الوليد عام 1966،[14] كمقدمة لعدوان أوسع في صيف 1967. وقد أتاح هذا العدوان لـ«إسرائيل» أن تستولي بالكامل على المنابع الشمالية لنهر الأردن.
إن السيطرة الإسرائيلية على المنابع الشمالية كدولة تتربع على قمة النهر لا يمنحها حقًا شرعيًا، لكونها حازت هذه السيطرة بالقوة العسكرية بعد حرب عام 1967. إذ تعتبر هذه السيطرة بمقتضى القانون مقيدة بالظروف التاريخية للنهر. فحتى بمعايير إعلان مدريد الذي تبنته مؤسسة القانون الدولي، «لا يجوز لأي من هذه الدول على [ضفاف الأنهار] أن تقوم أو تسمح لأي فرد أو هيئة إلخ، دون موافقة الدول الأخرى ودون حجة قانونية صحيحة، بتحويلات تتعلق بالأمر وتضر بضفة الدولة الأخرى. ومن ناحية أخرى، لا يجوز لأي من الدولتين أن تستخدم على أراضيها، أو تسمح باستخدام المياه بطريقة تؤثر بجدية على استخدام الدولة الأخرى أو الأفراد أو الهيئات إلخ، لما ذكر».[15]
عرقلة المشاريع العربية للاستفادة من مياه نهري الأردن واليرموك سعت «إسرائيل» لإعاقة المشاريع العربية لاستغلال مياه نهري الأردن واليرموك، بذريعة أن هذه المشاريع ستؤثر على تدفق مياه النهر، وتحرم «إسرائيل» بالتالي من حصة الأسد من هذه الموارد. وقد نجحت، كما ذكر سابقًا، في عرقلة عدد كبير من المشاريع، تاليًا أبرزها.
مشروع ماكدونالد 1950: أوكلت الحكومة الأردنية دراسة هذا المشروع إلى المستشار البريطاني السير ميردوخ ماكدونالد، الذي اقترح خطة لتحويل مياه اليرموك إلى بحيرة طبريا وإقامة قنوات ري في وادي الأردن. وقد طالب بعدم تحويل أو استخدام نهر الأردن ما وراء حدود الحوض، ورفض المخططات الإسرائيلية بتحويل مياه النهر إلى صحراء النقب. وقد أعلن أن «المياه في منطقة الرفد لا يجب أن تحول خارج هذه المنطقة، إلا إذا لبت متطلبات كافة من يستخدم أو من ينوي صادقًا أن يستخدم المياه ضمن المنطقة».
بيد أن هذا الالتزام الأخلاقي بحقوق الآخرين لم يستمر طويلًا، إذ سرعان ما تراجع عن مبادئه وغير رأيه لاحقًا نتيجة الضغوطات التي مارستها عليه الحركة الصهيونية. ليس هذا فقط، بل ووافق على تغيير رأيه فيما يتعلق بحصة «إسرائيل»، بما يتماشى مع مطامع الحركة الصهيونية.[16]
مشروع بونجر 1953: كلفت الحكومة الأردنية خبير المياه بونجر، والذي كان يعمل في برنامج النقطة الرابعة في الأردن، لتطوير مشروع يتيح للأردن سدّ الاحتياجات المتزايدة على المياه نظرًا للجوء عدد كبير من الفلسطينيين إلى الأردن عام 1948. كما هدف المشروع إلى تحقيق تطور في قطاع الزراعة، الذي اعتمدت عليه غالبية سكان المملكة، وذلك من خلال ري الأراضي الصالحة للزراعة في الضفتين الغربية والشرقية، وتوليد الطاقة الكهربائية. فاقترح بونجر بدوره بناء سد المقارن على نهر اليرموك بسعة تخزين تصل إلى 500 مليون متر مكعب. وقد حاز المشروع على دعم من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي عبرت عن استعدادها للإسهام بتمويل المشروع مقدمة 40 مليون دولارًا أمريكيًا.[17]
عارضت «إسرائيل» مشروع بونجر لكونه يتجاهل مطالبها في مياه النهر وتخزينها في سد المقارن بدلًا من بحيرة طبريا كما كانت «إسرائيل» ترغب. إذ إنها أرادت أن تبقي المياه تحت سيطرتها المباشرة، وتستخدمها كأداة للضغط على الأطراف العربية المشاركة. لذلك، مارست «إسرائيل» ضغوطات مكثفة على إدارة الولايات المتحدة وحثتها على عدم الإسهام في تمويل المشروع، إلى جانب المزيد من الضغوطات على الأونروا، لكونها الممول الأكبر للمشروع، كي تسحب موافقتها على التمويل.
استجابت الولايات المتحدة للطلب الإسرائيلي من أجل إنجاح مهمة إيريك جونستون، مبعوث الرئيس آيزنهاور إلى المنطقة، التي كانت غاية الولايات المتحدة منها تحقيق النصر السياسي والدبلوماسي من خلال قضية المياه، لتقوية قاعدتها في المنطقة العربية ردًا على تنامي الشيوعية آنذاك.
الاتفاق الأردني-السوري: أعاقت «إسرائيل» الاتفاق الأردني-السوري الذي وُقع عام 1953 من أجل استثمار وتوزيع مياه نهر اليرموك بين البلدين. حاربت «إسرائيل» المشروع لأنه تجاهل رغبتها بالحصول على 70 مليون متر مكعب من المياه. وقد استخدمت «إسرائيل» تأثيرها بالضغط على الإدارة الأمريكية لعرقلة المشروع وعدم المساهمة في تمويله. تبنى الرئيس الأمريكي وجهة النظر الإسرائيلية، ووجدها فرصة سانحة لفتح المجال أمام مبعوثه إيريك جونستون إلى المنطقة كي يجري اتصالاته، ويجد حلًا لقضية المياه ويحقق نصرًا للسياسة الأمريكية.
لم تعد اتفاقية وادي عربة إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل.
بقي الأردن عاجزًا عن تنفيذ هذا المشروع، نظرًا لضعف الموقف العربي في مواجهة الإدارة الأمريكية، ومحدودية القدرات الأردنية، ولارتفاع تكلفة المشروع. وقرر مؤتمر الجامعة العربية في القاهرة عام 1964 تبني وتنفيذ المشروع، غير أن «إسرائيل» أعاقت التنفيذ مرةً أخرى وتمكنت من احتلال منابع نهر الأردن الشمالية وروافده، وروافد نهر اليرموك التي تلتقي مع نهر الأردن، عام 1967.[18]
طور الأردن وسوريا خطة لإحياء مشروع سد المقارن في منتصف السبعينيات. ركز الأردن على بناء السد وأنهى كافة التصاميم والدراسات، كما جذب بعض التمويل الأجنبي للمشروع. لكن وجهة النظر الأمريكية أفادت أن المشروع لا يقدم للأردن ما يصبو إليه من الري الرشيد، وإنما يتيح لسوريا و«إسرائيل» فقط كسب المزيد من المياه طوال العام. تم تأجيل المشروع نظرًا للخلافات الأردنية السورية. لكن أعيد إحياؤه ووقعت اتفاقية بين البلدين ليعاد إنشائه تحت مسمى سد الوحدة عام 2004. وقد أقرت الاتفاقية أن يتحمل الأردن مصاريف كامل مراحل الدراسة، في مقابل أن يتسلم أغلب المياه التي يوفرها المشروع، بينما يضمن لسوريا الحصول على أغلب الكهرباء المنتجة من المشروع.[19]
بيد أن «إسرائيل» حاولت الوقوف في وجه إنشاء السد وتمويله من جانب البنك الدولي، وطالبت الأردن بحصة قدرها 25 مليون متر مكعب من مياه اليرموك لري أراضي مثلث اليرموك. طالب الأردن في المقابل بالاعتراف بحقه في فائض المياه التي كانت «إسرائيل» تسحبها لعدد من السنوات من نهر اليرموك إلى بحيرة طبريا. وقد حولت «إسرائيل» هذه المياه عبر قناة ومحطات ضخ أقيمت بالقوة ومن جانب واحد على نهر اليرموك قبل التقائه بمياه نهر الأردن. أصر الأردن أن الحصة السنوية من مثلث اليرموك هي 17 مليون متر مكعب كما هي مسجلة في المشروع العربي المقدم إلى مفاوضات جونستون، كما رفض الموافقة على منح «إسرائيل» أي حصة من فائض مياه نهر اليرموك في فصل الشتاء.[20]
تبعات الهيمنة المائية الإسرائيلية على الأمن المائي الأردني تتشارك «إسرائيل» والأردن بمياه نهر الأردن بشكل رئيسي، رغم مشاركة فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان فيها أيضًا. لقد صادرت «إسرائيل» المياه من الأردن بعد عدوان 1967 وسحبت مياهها الجوفية من منطقة وادي عربة. ولم تكتف بالاستيلاء على المياه من نهر الأردن ونقلها إلى صحراء النقب لتحرم الأردن من أي نقطة ماء من مواردها الرئيسة فحسب، بل أطلقت المياه المالحة فيه، نتيجة للعديد من المشاريع الإسرائيلية على النهر. وقد قيد هذا الأمر اعتماد الزراعة الأردنية على مياه النهر منذ الستينيات، إلا في حال خلطها مع المياه الجوفية أو بمياه سد قريب.[21] هنا يمكننا تقسيم تداعيات الهيمنة الإسرائيلية إلى قسمين، سياسي، واقتصادي وبيئي.
التبعات السياسية يفترض بعض المحللين السياسيين أن الحروب القادمة ستكون حروب مياه، ولهذا العامل بالتالي أهمية قصوى على حياة واستدامة المجتمعات. وبالتالي، فإن التوزيع غير العادل للمياه هو أحد العوامل المضافة إلى انعدام الاستقرار السياسي. لم يسترد الأردن حقوقه المائية التي استولت عليها «إسرائيل» بالقوة العسكرية، ولم يتمكن من استرداد هذه الحقوق بعد توقيع معاهدة السلام بين الطرفين. ونظرًا لذلك كان هناك مجموعة من التبعات السياسية الخطيرة.
في الجانب الداخلي، أدّت ندرة المياه، خصوصًا في غور الأردن، بعد أن استولت «إسرائيل» على ينابيع النهر، إلى هجرة داخلية من هذه المناطق إلى المدن، وإلى عمان على وجه التحديد. وقد فاقمت هذه المسألة البطالة وخفّضت الإنتاج الزراعي، الذي اعتمد في ريّه على مياه نهر الأردن. تبعًا لذلك، تحول الأردن من بلد يصدر المنتجات الزراعية إلى بلد يستوردها. وقد استنزفت هذه المسألة الحكومات الأردنية المتعاقبة وخلقت توترات داخلية، نظرًا لعجز الحكومات عن تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وبأسعار معقولة. فالأمن المائي يرتبط بالأمن الغذائي، وبالأمن القومي ككل.
على الجانب الخارجي، فإن احتمالية اندلاع حرب على المياه مع «إسرائيل» أمر مستبعد. ولا يعود ذلك لانعدام التوزيع العادل، أو للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والتي تعتبر غير عادلة للطرف الأردني، بل يعود إلى انعدام توازن القوى بين الطرفين، الذي يميل لصالح الجانب الإسرائيلي، الأمر الذي يرى الأردن الرسمي فيه سببًا للإقبال على المشاريع الإسرائيلية لتلبية احتياجاته المائية.
وهذا الوضع بدوره يجعل الأردن دولة تابعة تبتزها «إسرائيل» في سبيل الحصول على قطرة ماء. وقد ظهر هذا الأمر جليًا في مشروع قناة ناقل البحرين (البحر الأحمر – البحر الميت)، والذي يعتبره الأردن خيارًا استراتيجيًا للتخفيف من شح المياه. إلا أن «إسرائيل» تحاول المماطلة والتسويف في تنفيذ هذا المشروع، لتفرض تهديدًا سياسيًا على الأردن. أضف إلى ذلك أن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن ربط مشروع قناة البحرين بالقرار الأردني بتجاهل الملاحق ذات الصلة بالباقورة والغمر، رابطًا تخلي الأردن عن المطالبة بالمنطقتين بتسريع بدء المشروع، وهو الأمر الذي رفضه الأردن.[23]
يؤكد كل ذلك حالة الهيمنة المائية الإسرائيلية على موارد المياه الأردنية، ومحاولات «إسرائيل» لإعاقة أي مشروع مائي أردني يستدعي تعاونًا بين العرب أو أية أطراف إقليمية أخرى، طالما أن «إسرائيل» ليست طرفًا فيه. كما أن «إسرائيل» تمتلك التقنيات المائية المتطورة، والأردن بلد فقير وعاجز عن تنفيذ أي مشروع بمفرده. ولهذا، فإذا ما اختار الأردن تنفيذ مثل تلك المشاريع الثنائية، فسيكون تحت السيطرة الإسرائيلية.
التبعات الاقتصادية والبيئية كانت إحدى أبرز نتائج حرب عام 1967 تعليق العمل في بناء سد المقارن، الذي أصبح سد الوحدة، لعقود. وقد تحولت الأراضي الأردنية في الأغوار الشرقية خلال السنوات الأربع التي تلت الحرب إلى ساحة قتال. حيث قصفت قناة الغور الشرقية (قناة الملك عبد الله) عدة مرات وفي أكثر من موقع. وقد تسببت هذه الأحداث المتتالية في تناقص عدد سكان المنطقة من 60 ألفًا إلى خمسة آلاف.[24] وقد أدى هذا إلى تعميق أزمة المياه في الأردن، حيث إن تنحية ما يزيد عن 55 ألف شخص داخل الأردن قد فاقم البطالة وزاد من حجم الأراضي غير المزروعة، مما أثر بدوره على الأمن الغذائي والأمن القومي بشكل عام.
قد يفترض البعض أن «إسرائيل» استولت على جزء كبير من حصة الأردن في أعلى حوض نهر الأردن. إلا أن «إسرائيل» في الواقع قد استولت على كامل حصة الأردن من أعلى حوض النهر. فضلًا عن ذلك، نفذت «إسرائيل» عددًا من المشاريع على النهر، وعلى وجه التحديد، مشروع ناقل المياه الوطني، وحرمت الأردن كليًا من مياه نهر الأردن، التي نقلتها إلى صحراء النقب. وكما ذكر سابقًا، يتدفق ما تبقى من مياه النهر إلى بحيرة طبريا، التي حولتها «إسرائيل» بدورها إلى خزان مياه طبيعي. والأدهى من ذلك أن «إسرائيل» ركبت بوابات حديدية في الجزء الجنوبي من البحيرة لمنع المياه من التدفق إلى الجزء السفلي من النهر، وذلك لحرمان الأردن من حصته كاملة. كما تفاقمت المشكلة بالنسبة للأردن عندما حولت «إسرائيل» المياه شبه المالحة من الينابيع المحيطة ببحيرة طبريا إلى نهر الأردن، بهدف تخفيض ملوحة المصب الجنوبي، مما لوّث المجرى بالقمامة والنفايات الزراعية، مثل المبيدات الزراعية والأدوية وغيرها.
إن هذا الصراع، ونهب «إسرائيل» للمياه، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى. حيث قاد شح موارد المياه إلى عدم القدرة على استغلال آلاف الهكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة واستصلاح آلاف أخرى. علمًا بأن قطاع الزراعة يوفر أكثر من 125 ألف وظيفة، ويسهم بحوالي 18% من الصادرات. إلا أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 3.5% من مساحة الأردن، و17% فقط من الأراضي المزروعة هي أراضٍ مروية.[25]
إن هذا الصراع، ونهب المياه من جانب «إسرائيل»، يؤثر بكل تأكيد على حصة الفرد من المياه في المملكة، ويؤثر بالتالي على كافة قطاعات التنمية الأخرى.
هكذا، فاقمت محدودية موارد المياه تراجع الزراعة وإنتاج المواشي في الربع الأخير من القرن الماضي. مما أفضى إلى ارتفاع في مؤشر التبعية الغذائية من 43% عام 1970 إلى 87% عام 1990، وارتفاع في ميزان السلع من أقل من 100 مليون دينار في الستينيات إلى 342 مليون دينار عام 1990، و543 مليون دينار عام 1996. ومعظم السلع المستوردة هي من الحبوب والعلف واللحوم الحمراء، التي تحتاج إلى مياه غزيرة لإنتاجها بكميات وفيرة. أضف إلى ذلك أن حصة الزراعة من الناتج المحلي الإجمالي قد تراجعت إلى أقل من 10%.[26]
عمل الأردن لتغطية العجز في ميزان المياه على تطوير المياه الجوفية. حيث قام عام 2000 باستخراج 400 مليون متر مكعب، استخدمت 120 مليونًا منها لغايات منزلية. وقد تزداد الكميات المسحوبة من المياه الجوفية في السنوات القادمة لتلبية الاحتياجات المتزايدة لمياه الشرب، وللاستخدامات المنزلية.[27]
لكن المشكلة التي تواجه الأردن تتمثل في الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية، والذي يهدد مخزونه الاحتياطي الاستراتيجي، خصوصًا مع تناقص هطول الأمطار وسنوات الجفاف التي اجتاحت المنطقة في الآونة الأخيرة. أضف إلى ذلك أن حوض الديسي يعتبر حاسمًا بالنسبة للأردن -في الوقت الحالي على الأقل- لقدرته الكبيرة نسبيًا، ولكونه حوضًا حدوديًا مع المملكة العربية السعودية. ولكن لوجود الحوض في أقصى الجنوب الأردني، مع وقوع التجمعات السكانية الكبيرة في شمال المملكة، فإن الأردن لا يستطيع منفردًا استغلال طاقته الكهرومائية بالكامل. لذلك، تواجه الحكومة الأردنية عوائق في تزويد المدن الرئيسة بالمياه نظرًا للكلفة المرتفعة لذلك.
رغم الوضع الخطر لأزمة المياه في الأردن، فإن النظام الأردني لم يتعامل مع الأمر بشكل جدي حتى العقدين الماضيين. فقد وضعت أول خطة مياه استراتيجية عام 1998، وحدثت عام 2002، لتغطي السنوات من 2002 وحتى 2010. وقد جرى تنفيذ كافة مشاريع الخطة، باستثناء مشروع ناقل البحرين، نظرًا للتأجيل الإسرائيلي. ثم وضعت خطة مياه استراتيجية (المياه من أجل الحياة) حتى عام 2022. ولكن الظروف الجديدة في المملكة، والتي أثرت بدورها على القطاع المائي، أدت إلى الإخلال بالخطط المائية.[28] إذ تمثلت إحدى التحديات الرئيسة في القضايا الجديدة التي استدعت العناية، وخصوصًا التغيرات المناخية، ومطلب التركيز على اقتصاديات الماء، والتمويل، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة وازدياد عدد السكان الناجم عن النزوح السوري إلى جانب الازدياد الطبيعي، فقد زاد هذا النزوح من الحاجة إلى الماء بنسبة 12%.
كان أهم جزء في الخطة الاستراتيجية هو الأهداف التنموية المستدامة في القطاع المائي، الساعية لتحقيق أهداف الأمن المائي، وتحسين وتأهيل مرافق المياه والبنى التحتية، وتحسين نوعية الخدمات وتوسيع التغطية في خدمات الصرف الصحي، وتجسير الهوة بين الطلب والمصادر المتوفرة من خلال التطوير والحماية والاستدامة للموارد الموجودة، فضلًا عن الحاجة لتطوير الموارد المائية غير التقليدية، كمعالجة مياه الصرف الصحي وتحلية مياه البحر. وبحسب الخطة الاستراتيجية، يفترض بالمشاريع المقترحة أن توفر مياهًا إضافية تصل إلى 188 مليون متر مكعب من الموارد المحلية، بالإضافة إلى 235 مليونًا من ناقل البحرين، بمجموع كلي يصل إلى 5,422 مليونًا.
أخذ الأردن خطوات واسعة لتحسين موارده الداخلية، وخصوصًا في بناء السدود وتطوير المشيد منها، كما طور إلى حد كبير نظام معالجة الصرف الصحي وبناء شبكات المياه. بيد أن تلك المنجزات المحققة قد بقيت قليلة بالمقارنة بحجم أزمة المياه، وظل الأردن يراهن بثقله على مشروع ناقل البحرين الذي يصل البحر الأحمر بالبحر الميت، الذي يأمل أن يمنحه كميات هائلة ومستدامة من المياه. إلا أن هذا المشروع يخضع للموافقة الإسرائيلية، والتي بدأت بدورها بالمماطلة في تنفيذ المشروع، خاصة بعد وصول الأحزاب اليمينيّة إلى السلطة في «إسرائيل».[29]
خلفت كل تلك التداعيات وقعًا سلبيًا على الاقتصاد الأردني وعلى المشروعات التنموية عمومًا، إلى جانب تزايد البطالة وانتشار الفقر وتراجع المناطق المزروعة. كل ذلك يدفع باتجاه تراجع النمو، مما يفاقم نقاط الضعف السائدة في الاقتصاد ككل، ويجبر الحكومة على زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية.
خاتمة من الواضح أن السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالسيطرة على موارد المياه الأردنية لم تعالج كنقطة جوهرية في تكريس أزمة المياه، كما لم تعالج هذه السياسات بشكل جدي. وبالتالي، لم يقم الأردن باتخاذ قراره النهائي بخصوص هذا الموضوع. وفي المقابل، اعتبر النظام السياسي الإسرائيلي قضية المياه وأهميتها عاملًا حاسمًا في بقاء الدولة، وهو ما انعكس في الأولوية التي حظيت بها السياسات المائية.
إن التحديات التي يواجهها الأردن في القطاع المائي تفرض ضغوطًا إضافية على النظام السياسي، إذا لم يتمكن من تلبية احتياجات السكان. كما أن تحدي المياه في الأردن يخلق هبوطًا في الاقتصاد في النواحي الزراعية والصناعية، ويؤثر عمومًا على الأداء الاقتصادي الأردني.
من الواضح أن اتفاقية وادي عربة لم تعد إلى الأردن حقوقه المائية. فقد تمكنت «إسرائيل» عبر المفاوضات من منع تحويل المياه من أعلى نهر الأردن وبحيرة طبريا، وتعاملت معها وكأنها مياه إسرائيلية بالكامل، في حين أنها على العكس تمامًا.
ومن الواضح أيضًا أن شره «إسرائيل» للمياه لا يتوقف، عندما نأخذ بالاعتبار أنها لم تقبل حتى اقتسام المياه مع البلدان العربية الأخرى. بل إن طمعها يذهب أبعد من ذلك ليصل إلى أنهار الليطاني والفرات والنيل في البلدان العربية المجاورة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن السبت 22 أكتوبر 2022, 11:20 am | |
| البنك الدولي: الأردن مهدد بخطر ندرة المياه حذر تقرير المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والصادر عن البنك الدولي، من “خطر ندرة المياه الكبير على الأردن، الذي تهدده بشدة الظروف المناخية، وانخفاض معدل هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن الأسعار المدعومة التي تشجع على الاستهلاك المفرط”. وأشار التقرير الصادر اليوم، الى “عدة تحديات تواجه التعافي الاقتصادي في الأردن ومن ضمنها ضغوط خسائر الكهرباء والمياه”. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أزمة المياه في الأردن الإثنين 07 أكتوبر 2024, 8:44 am | |
| ماذا تعرف عن الوضع المائي في الأردن؟ يعد ملف المياه من الملفات الشائكة في الأردن، حيث بلغت حصة الفرد من المياه ٦١ مترا مكعبا سنويا وهو ما يشكل ٣ بالمئة فقط من حصة الفرد حول العالم. ويعد القطاع المنزلي أبرز مستهلكي المياه في الأردن حيث يصل إلى ما يزيد عن النصف، يليه القطاع الزراعي بنسبة ٤٥ بالمئة، ثم الصناعي بنسبة ٣ بالمئة فقط. ووفقا للأرقام الحكومية تعد المياه الجوفي المصدر الأبرز للمياه حيث تزود الأردنيين بنسبة تصل إلى ٥٧ بالمئة من المياه في المملكة. ويبلغ عدد الآبار الجوفية في البلاد ١٢ بئرا يعتبر ١٠ منها مستنزفة بشكل كبير. كما يعتمد الأردن على المياه السطحية والتي تتشكل من نهر الأردن ونهر اليرموك وسيل الزرقاء. “البوصلة” رصدت أبرز الإحصائيات والمعلومات المتعلقة بملف المياه في الأردن في الفيديو التالي: https://twitter.com/i/status/1842970203979940101 |
|
| |
| أزمة المياه في الأردن | |
|