التقلبات والمصالح السياسية الدولية في سوريا
تتميز الثورة السورية عن كل ثورات الربيع العربي باستمراريتها منذ انطلاقتها إلى الآن، ويتمها بعد أن تخلى عنها الكثير ممن كانوا يدعمونها، وتقلب مواقفهم منها.
ويأتي موقف المملكة العربية السعودية على لسان سفيرها في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي إلى عدم التصديق أن الحرب في سوريا انتهت، محددًا شرط عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وقال المعلمي في كلمته في الجلسة العامة الـ53 للجمعية العامة للأمم المتحدة: «لا تصدقوهم إن قالوا إن الحرب قد انتهت في سوريا».. «لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، لا تصدقوهم إن قالوا إنهم يحاربون الإرهاب في المنطقة، وهم أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب، عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله الإرهابي، زعيم الإرهاب في المنطقة، والمنظمات الطائفية الآتية من الشرق وشرق الشرق» حسب كلامه.
الحل السياسي
وأكد المعلمي على أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لحل الأزمة السورية، من خلال عملية سياسية شاملة تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، وتتماشى مع قرار مجلس الأمن 2245، ومسار جنيف واحد، وربط بطريقة غير مباشرة عودة سوريا إلى الجامعة العربية ” إذا تخلصت من سيطرة الجهات الأجنبية” دون أن يذكرها والمقصود القوات الإيرانية وميليشياتها.
المعارضة السورية التي أصابها اليأس من تقلبات المواقف الدولية والعربية تجاهها، تلقت هذا التصريح بغبطة وامتنان، إذ قام رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط بالاتصال بالسفير المعلمي أعرب فيه عن شكره وامتنانه على الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة، وأشاد بموقف السعودية الثابت من الأوضاع في سوريا، وعدم إقدام الحكومة السعودية على تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
في المقابل لم تصدر أي ردة فعل من النظام سوى أن عضو ما يسمى بـ “هيئة المصالحة الوطنية في سوريا” عمر رحمون صرح ردا على المعلمي قائلا: “باع الفصائل في الغوطة وحمص ودرعا وإدلب والدير وباع المعارضة وأغلق مقرها عنده وأرسل كبير أمنييه إلينا، وأعطى إحداثيات أخطر قيادات المعارضة للروس، وتم قتلهم بناء على إشارته، لا تصدقوه، لا تتغطى الشمس بغربال بتصريح موظف صغير.. انتهت موجة الربيع العربي الأولى بالفشل وتكسرت نصالها على صخرة سوريا الأسد.. بقيت أيام قليلة ونطوي في سوريا صفحة سنوات المحل ونفتح صفحة عام الخير والفرج.. وسوريا ستكون حاضرة في قمة الجزائر”.
المواقف العربية
انقسمت مواقف الدول العربية من الثورة السورية ومن النظام السوري من معاد إلى مؤيد أو مهادن أو مطبع، وقد تأثرت الثورة السورية بطريقة مباشرة وطعنت من أكثر من جانب بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من إسقاط النظام.
كان نظام عمر البشير أول من فتح باب التطبيع مع نظام دمشق بزيارة لسوريا ولقائه الأسد قبل أن يسقطه الربيع السوداني، وتوالت مواقف التطبيع من عدة دول خليجية وفتح سفاراتها في دمشق (باستثناء قطر التي بقيت ثابتة على موقفها)، وجاء قرار الأردن الأخير بالتطبيع وفتح المعابر بين البلدين، بينما مازال موقف المملكة المغربية التي طردت السفير السوري من الرباط ودعت في صيف 2012، المجتمع الدولي”إلى تحمل مسؤولياته كاملة للوقف الفوري لكافة أعمال العنف والقتل وحماية المدنيين السوريين متطلعة إلى وضع ديمقراطي يضمن وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية” غير معلن بعد موجة التطبيع بانتظار موقف الجامعة العربية.
في حين أن دولا كالعراق، ولبنان، ومصر، والجزائر حافظت على موقفها منذ البداية بدعم نظام الأسد ومعارضتها للمعارضة السورية.
أما دول الربيع العربي ( ليبيا، اليمن، تونس) لم تحسم أمرها بعد رغم مطالبات معارضاتها باللحاق بركب التطبيع.
مواقف إقليمية متضاربة
أبرز المواقف الإقليمية تتمثل بموقفي إيران وتركيا اللذين يقفا على طرفي نقيض. ففي الوقت الذي تدعم فيه تركيا المعارضة وتتواجد عسكريا على الأراضي التي تسيطر عليها، تقوم إيران، ومنذ انطلاقة الثورة، بدعم النظام ماليا وعسكريا بتواجد ميليشياتها (حزب الله، الحرس الثوري، فاطميون، زينبيون، أبو فضل العباس..) على الأراضي السورية إلى جانب قوات النظام ويقومون بعمليات مساندة له في عملياته العسكرية ضد المعارضة المسلحة وخاصة في منطقة إدلب. فمصالح الطرفين تختلف اختلافا جذريا، ففي الوقت الذي تنظر فيه تركيا إلى وضعها الأمني على طول حدودها التي تتواجد فيها ” قوات سوريا الديمقراطية” الكردية المعادية لها، والحليفة لحزب العمال الكردستاني التركي المناهض لأنقرة، وتقوم بتعزيز قواتها في مناطق المواجهة معها، تعمل إيران على تعزيز تواجدها العسكري في سوريا لضمان سلامة واستمرارية ” القوس الشيعي” (طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت) من جهة، وترويج عملية التشيع بالترغيب، وشراء العقارات والأراضي وتحسين المزارات الشيعية ( السيدة زينب، ورقية)، تأمين تزويد حزب الله بالأسلحة، وتعزيز قواتها في مواجهة محتملة مع إسرائيل بسبب برنامجها النووي الذي تسعى الدول الغربية مع إسرائيل منعها من امتلاك سلاح نووي.
تتواجد على الأراضي السورية قواعد عسكرية وبحرية لكل من الولايات المتحدة وروسيا، ولكل منهما مصالحه الخاصة في سوريا فأمريكا وبعد أن كانت تدعم المعارضة السورية في بداية الثورة انقلبت عليها لتتحالف مع قوات “قسد” الكردية فبنت أكثر من قاعدة عسكرية في شمال وشرق سوريا، هذه القواعد استخدمتها مع التحالف الدولي للقضاء على “تنظيم الدولة” الذي كان قد احتل جزءا كبيرا من الأراضي العراقية والسورية ووصلت عملياته الإرهابية إلى أوروبا.
وهذه القواعد تساعده في عملياته في العراق دون أن يخشى عمليات مضادة من قبل الميليشيات العراقية، وعلى مراقبة إيران، ومواجهته إذا لزم الأمر، وبالطبع يستفيد من النفط السوري الذي تسيطر على منابعه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بينما مصالح روسيا في سوريا تختلف تماما فهي تبني قواعد عسكرية في كل مكان، وأضخمها قاعدة حميميم، وقاعدة طرطوس البحرية وهذه القواعد هي قواعد استراتيجية وظيفتها الأساسية التواجد في المياه الدافئة، والوقوف في وجه قوات الناتو تحسبا لأي مواجهة، وتظهر أهمية هذه القواعد كلما احتد الخصام بين روسيا والدول الغربية كالأزمة الأوكرانية مؤخرا. علاوة بالطبع على حماية نظام الأسد الحليف القديم الذي استنجد بها خوفا من السقوط، وتتطلع لوضع يدها على إعادة الإعمار للمدن المدمرة والبنى التحتية.
تواجد هذه القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية لا يخدم سوريا، ولا الشعب السوري الذي يعاني من أزمات كبيرة مختلفة، فجميع هذه القوى تعمل لمصالحها الخاصة، وتعمل على تنفيذ مخططاتها على حساب سوريا والسوريين