ماذا يعني “تعويم الجنيه المصري”

في اجتماع استثنائي للبنك المركزي المصري.. قرار “تاريخي” بتحرير سعر الجنيه المصري أمام الدولار.. العملة المصرية تهبط لأدنى مستوياتها عبر التاريخ.. ترقبٌ للتداعيات الخطيرة

أصدر البنك المركزي المصري، بيانًا، صباح اليوم الخميس، أعلن فيه إجراءات جديدة سعيا للإصلاح الاقتصادي،و لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل، بعد عقد لجنة السياسات النقدية اجتماعًا استثنائيًا.
وجاء في بيان البنك المركزي المصري أن الاقتصاد العالمي واجه العديد من الصدمات والتحديات التي لم يشهد مثلها منذ سنوات، حيث تعرضت الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة لانتشار جائحة كورونا وسياسات الإغلاق، ثم استتبعها الصراع الروسي الأوكراني، والذي كان له تداعيات اقتصادية وخيمة، وتسبب ذلك في الضغط على الاقتصاد المصري، حيث واجه تخارجًا لرؤوس أموال المستثمرين الأجانب فضلا عن ارتفاع في أسعار السلع. وفي ضوء ما سبق، تم اتخاذ إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.
وجاء في البيان: “تحقيقًا لذلك سيعكس سعر الصرف قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب في إطار نظام سعر صرف مرن، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار، وبالتالي، سيمكن ذلك البنك المركزي المصري من العمل على تكوين والحفاظ على مستويات كافية من الاحتياطيات الدولية”.
ad
وقال البنك المركزي المصري إنه سيقوم بإلغاء تدريجي للتعليمات الصادرة بتاريخ 13فبراير 2022 والخاصة باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات تمويل الاستيراد حتى اتمام الالغاء الكامل لها في ديسمبر 2022. ويعد ذلك بمثابة حافز لدعم النشاط الاقتصادي على المدى المتوسط، كما سيعمل البنك المركزي على بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية.
وتابع البيان: «من أجل دعم هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، قررت لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الاستثنائي رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع ۲۰۰ نقطة أساس ليصل إلى 13.25% و14.25% و13.75%، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 13.75%».
وأضاف البيان: أنه من المتوقع أن تؤدي الزيادة في الأسعار العالمية والمحلية إلى ارتفاع معدل التضخم العام عن نظيره المستهدف من قبل البنك المركزي والبالغ 7% (+ 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022.
وأكدت اللجنة على أن الهدف من رفع أسعار العائد هو احتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن جانب الطلب وارتفاع معدل نمو السيولة المحلية والتوقعات التضخمية والآثار الثانوية لصدمات العرض».
وقال البنك المركزي إن لجنة السياسة النقدية ستواصل الإعلان عن المعدلات المستهدفة للتضخم والتي بدأت منذ عام 2017 بما يتسق مع المسار النزولي المستهدف لمعدلات التضخم، مشيرا إلى أن سياسة استهداف التضخم نجحت في خفض معدلات التضخم حتى ظهور الصدمات العالمية الأخيرة.
ولفت إلى أنه يجب التنويه على تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط يدعم الدخل الحقيقي للمواطن ويحافظ على مكاسب التنافسية للاقتصاد المصري.
واختتم البيان مؤكدا أن البنك المركزي سيتابع عن كثب كل التطورات الاقتصادية، ولن يتردد في استخدام كافة أدواته النقدية لتحقيق هدف استقرار الأسعار.
أدنى مستوى للجنيه
بعد دقائق من الإعلان عن تحرير صرف الجنيه أمام الدولار، لامس الجنيه المصري أدنى مستوياته على الإطلاق عند 22.5 جنيه للدولار، وذلك بعد قرار البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة 200 نقطة أساس.
من لديه حل فليتقدم
كان الرئيس السيسي قد قالها صراحة ودون مواربة: من لديه حل فليتقدم، معترفا بأزمة اقتصادية كبيرة تعانيها مصر.
جدل
بعد بيان البنك المركزى “المثير” وغير المسبوق، أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن القرار كان متوقعا، مشيرين إلى أن تحرير صرف الجنيه أمام العملات كان شرطا رئيسيا لصندوق النقد الدولي.
كارثة
في ذات السياق حذر آخرون من تبعات وبيلة، ونتائج خطيرة للقرار، مؤكدين أن الاقتصاد المصري بات في مهب الريح.

ماذا يعني “تعويم الجنيه المصري” وما رأي خبراء الاقتصاد في الحلول “الناجعة”؟ الأسئلة الثلاثة التي يجب على الدولة أن تجيب عنها! وهل أخطأ النظام بقبول طلب صندوق النقد الدولي الذي رفضه مبارك؟
 
توابع ساخنة لقرار مصر بتعويم “الجنيه” وتركه للعرض والطلب، وامتلأ الفضاء بأسئلة لا نهاية لها، منها: ماذا يعني “تعويم الجنيه المصري”؟ وما رأي خبراء الاقتصاد عن الحلول “الناجعة”؟ وهل أخطأ النظام بقبول طلب صندوق النقد الدولي الذي رفضه مبارك ؟
د. علياء المهدي العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية قالت إن تحرير سعر الصرف سيرفع معدل التضخم لفترة قد تكون عدة اسابيع او اشهر و سيتراجع، وبعدها ستهدأ الأمور.

ودعت المهدي  رجال الصناعة و الزراعة للاستفادة من هذا السعر و وزيادة إنتاجهم و صادراتهم.
وتمنت على قطاع السياحة زيادة نشاطه الترويجي لجذب السياح.
وخلصت إلى أن انخفاض سعر الصرف يمكن أن يكون فرصة جيدة لكل ما سبق، داعية إلى الاستفادة منها لزيادة حصيلة مصر من العملات الأجنبية ويعود سعر صرف الدولار يتوازن عند مستوي منخفض.
تغيير السياسات
 

من جهته يرى الخبير الاقتصادى أحمد السيد النجار الرئيس الأسبق لمؤسسة الأهرام أنه عندما تدخل أي دولة في أزمة مالية واقتصادية كبرى بسبب سياسات اقتصادية رأسمالية متوحشة تقوم على الجباية وقهر الطبقة الوسطى والفقراء والغرق في مستنقع الديون لبناء مشروعات غير إنتاجية والاستمرار في عجز الموازين الخارجية والداخلية، كتلك السياسات التي يسوقها صندوق النقد الدولي وأزلامه، فالأمر المؤكد أن إعادة إنتاج تلك السياسات لن تكون هي التي تخرجها منها، وإنما سياسات مغايرة تقوم على الكفاءة والعدالة.
  

نصيحة لمتخذ القرار
برأي الاقتصادي هشام عيسى فإن رفع سعر الفائدة سوف يزيد المعروض النقدي و لن ينقصه في الحالة المصرية .
وتابع قائلا: “رفع سعر الفائدة سوف يزيد من عجز الموازنة و يضيف أعباء فوق اعباء انخفاض قيمة الجنيه. رفع سعر الفائدة سوف يزيد من معدل تآكل النقود ولن يمنعه”.
وأضاف عيسى أنه يجب ان نعترف بان أموال ومداخرات الأفراد تتناقص وسوف تتناقص قيمتها، لافتا إلى أن المراهنة على الاموال الساخنة و ان قدمت ستضيف اعباء و ليس حلولا.
وأشار إلى أن الإبحار الى المياه العميقة بسفينة نقدية يصيبها كل هذا العطب أمر معلوم النتائج.
وتابع قائلا: “نقطة و من اول السطر.. إن اردت الطفو عليك بالتسليم ان السياسات ادت الي اختلالات هيكلية تتطلب عودتنا الي المزارع و المصانع للعمل. و الدولة ذات السابع تلاف عام عليها ان تبدأ من جديد و تجيب علي الأسئلة الثلاثة:
ماذا ننتج؟ وكيف ننتج؟ وكيف نوزع عوائد الانتاج بعدالة علي المجتمع؟
وقال إن طموحات بناء جمهورية جديدة و قوة دولية علي قواعد من الجهل و الفقر و البقاء الابدي في السلطة هي جمهورية من الاوهام يرددها و ينادي بها اشخاص هم خارج السفينة .
واختتم قائلا: “بالرغم من كل هذه التحديات مصر لديها فرصة للعودة بأعمال دولة المؤسسات و احترام الحقوق و الحريات و التداول السلمي الطبيعي للسلطة و البدء في عمل حقيقي لا يدعي تمكين القدرة بل يخلق قدرة من خلال طاقات علمية ووفرات مالية مصدرها انتاج حقيقي يشترك في تحقيقة جميع فئات المجتمع و ليس فردا و يشترك في الاستفادة من عوائدة جميع فئات المجتمع و ليس مجموعة”.

حكومة كفاءات وطنية
في ذات السياق يرى السفير فوزي العشماوي أن الحل السلمي الآمن الوحيد هو حكومة كفاءات وطنية يرأسها احد خبراء الاقتصاد السياسي المرموقين، و يكون له مطلق الحرية في تشكيل حكومته وفريقه الاقتصادي، ويُمنح صلاحيات كاملة لاتخاذ القرارات التي تسري على كافة المؤسسات (وهو للعلم مانص عليه الدستور)، مع تحين أقرب وأنسب فرصة لإعادة انتخاب برلمان حقيقي يمثل الشعب، برلمان يراقب ويحاسب ويستجوب.
وتابع العشماوي: “ويتزامن ذلك مع بدء خطوات حقيقية لإصلاح منظومة العدالة باعتبارها رمانة ميزان الاصلاح الوطني الحقيقي، وبالطبع لن يستقيم كل هذا الا مع قيام كل مؤسسة بأداء وظيفتها فقط، بما في ذلك وفي مقدمته مؤسستنا العسكرية الوطنية الحبيبة التي نحرص عليها كل الحرص “.
وقال العشماوي إنه بخلاف ذلك فإن الاحتمالات خطيرة مهما بدا السطح ساكنا وهادئا.

فيديو مبارك القديم
نشطاء أعادوا بث فيديو قديم للرئيس الراحل حسني مبارك أكد فيه رفضه المطلق لتعويم الجنيه، مؤكدا أن صندوق النقد يريد إغراق الدول حتى يستفيد منها.
مبارك قال في الفيديو القديم إن معنى تخفيض العملة المصرية 30 في المائة زيادة الأسعار بمقدار 70 في المائة، وفرض ضرائب، وطبع ورق نقدي، وزيادة التضخم.
قرار جسور
على الجانب الآخر وصف أنصار الرئيس السيسي قرار تعويم الجنيه بأنه قرار جسور، لا يقدر عليه إلا السيسي حسب قولهم.