احتدمت المعارك البرية، الأربعاء 1-11-2023، على 4 محاور في قطاع غزة مع محاولة الجيش
الإسرائيلي التقدم، على عدة محاور (راجع الخريطة المرفقة):
المحور الاول : جنوب مدينة غزة: حيث تقدمت الاليات الاسرائيلية على شارع (10) جنوب منطقة
الزيتون وتقدمت باتجاه مفترق شارع الدحدوح، المؤدي الى منطقة تل الهوا جنوب مدينة غزة.
تحاول آليات الاحتلال الوصول إلى شارع الرشيد (شارع البحر)، ما سيؤدي الى فصل شمال قطاع
غزة عن جنوبه.
المحور الثاني: شمال غرب مدينة غزة: حيث تقدمت قوات الاحتلال من الشمال الى عمق المنطقة
الواقعة غرب مدينة غزة في المنطقة الممتدة من منطقة التوام الى منطقة الكرامة.
المحور الثالث: في مدينة بيت حانون اقصى شمال قطاع غزة، حيث تقدمت اليات الاحتلال في اطراف
المدينة في محاولة لتطويقها وفي نفس الوقت عزلها على المناطق الزراعية المحيطة.
المحور الرابع: تقدمت اليات الاحتلال في المناطق الواقعة شرق محافظة خانيونس وتحديدا في
منطقة خزاعة وعبسان حيث شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة.
كشفت تلك التحركات عن تكتيك قوات الاحتلال للضغط الميداني على عناصر المقاومة، ومحاولة
تشتيت الانتباه عن الهدف الحقيق الذي تسعى لتحقيقه، من خلال تقدمها على عدة محاور. حيث
تسعى وفق تقديراتنا الى استنزاف عناصر المقاومة عسكريا، والضغط على معنوياتهم القتالية، من
خلال الاعلان عن الوصول الى نقاط متقدمة في عمق قطاع غزة، وتحديدا مدينة غزة، وهو تكتيك
برعت فيه قوات الاحتلال في كافة الحروب التي خاضتها سابقا. ومن جهة اخرى، تسعى قوات
الاحتلال الى الكشف عن الأنفاق الهجومية لحركة حماس، حيث يتم التعامل معها بالقصف الجوي
والمدفعي المكثف، وهو ما يفسر قيام قوات الاحتلال بالتوغل ثم الانسحاب اول امس، للسماح لسلاح
الجو بالتعامل مع الانفاق التي تم الكشف عنها، ثم عادت قوات الاحتلال للتوغل في المنطقة مجددا،
ووصلت الى نقاط اكثر عمقاً.
وفي المقابل نجحت عناصر المقاومة في مهاجمة القوات المتوغلة في كافة المحاور، وابدت مهارة
قتالية فائقة من خلال الاعتماد على الانفاق الهجومية التي تم اعدادها وتجهيزها مسبقا، وقاموا
بالاشتباك من “النقطة صفر” حسب بيانات المقاومة، التي كان لها اثرا واضحا في رفع معنويات
المواطنين، خصوصا مع الاعلان عن تفجير اليات جيش الاحتلال وايقاع خسائر بشرية تم الاعلان
عنها بصورة رسمية.
واعترف قادة الجيش بضراوة المواجهات، وقال رئيس وزراء الاحتلال إن المعارك التي يخوضها
الجيش في غزة صعبة وطويلة، ووصف وزير الدفاع يوآف غالانت خسائر جيشه بأنها قاسية
ومؤلمة، وأكد الجيش أن الجنود الـ16 قُتلوا في غزة في هجمات متفرقة لـ«حماس»، وغالبيتهم من
جنود النخبة في لواء «غفعاتي»، وقتلوا في استهداف آلياتهم. ومع احتدام القتال، قطعت إسرائيل
جزئياً الاتصالات عن غزة، بينما واصلت طائرات الاحتلال قصف معظم مناطق القطاع، مع التركيز
على المنطقة الشمالية، واستهدفت مخيم جباليا للاجئين، وارتكب فيه مجزرة ثانية، ومسحت
إسرائيل مربعاً سكنياً ثانياً في منطقة الفالوجا، بعد مجزرة الثلاثاء التي خلّفت نحو 400 شهيدا
وجريحا. وارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى نتيجة العدوان، إلى 8850 من الشهداء، وأكثر من 24
ألف جريح»، ولا تشمل هذه الأرقام نحو 1950 مفقوداً، تحت الأنقاض.
ووفق التقديرات فان الاحتكاك العسكري لازال منخفض نسبيا، ويبدو ان هذا مرتبط بقرار حماس عدم
الدخول في مواجهة في أماكن مكشوفة، ومواصلة الارتكاز على المجموعات المتقدمة، التي تقوم
بمهام “خط الدفاع الاول”، والتي تعتمد في تسليحها على الالغام والقذائف المضادة للدروع ومدافع
الهاون المضادة للحشود والافراد، والتي تهدف للضغط على القوات لعدم اقامة مناطق ارتكاز آمنة
في المناطق التي تم التوغل اليها.
وتتوقع التقديرات الاستخبارية ان المرحلة التالية من العملية العسكرية في أحياء مدينة غزة ستكون
أكثر تعقيدا، مع تزايد قوة حماس العسكرية وتحسن منظوماتها الدفاعية، وخاصة شبكة الأنفاق،
وهو ما يعزز التوقعات أن يتمكن مقاتلو حركة حماس من تحقيق “نجاحات تكتيكية”. خصوصا في
ضوء الاخطاء المصاحبة للتقدم السريع لقوات الاحتلال على الارض، والذي يترك العديد الثغرات
التي من الممكن ان يستفيد منها مقاتلو المقاومة. اضافة الى ان ما اعتبرته قوات الاحتلال “انجازا”
جراء تقدمها في اراضي مكشوفة و”محروقة”، لا يمكن ان يقارن بالمرحلة القادمة المتمثلة في
القتال في عمق المناطق السكنية في مدينة غزة او جباليا او حتى في داخل بيت حانون. وكلما عمّق
جيش الاحتلال توغله إلى المناطق الحضرية المعقدة، سيجري كل شيء بشكل أبطأ واكثر تعقيدا.
وظهرت انتقادات في اسرائيل لاهداف الحرب التي حددتها الحكومة الاسرائيلية وهي: القضاء على
سلطات وقدرات حماس العسكرية وإعادة المخطوفين، حيث ان الاجتياح البري لا يضمن تحقيق كلا
الهدفين، وقد يعرقل هدف واحد الهدف الآخر، وكلاهما يتطلب وقتا طويلا، وثمة شك ان يكون لدى
إسرائيل الوقت الكافي لذلك، فالدعم الغربي لإسرائيل المشروط بالامتناع عن خرق القيود التي
فرضها بايدن: احترام القانون الدولي، الحفاظ على ممرات إنسانية لحماية المدنيين الفلسطينيين
والامتناع عن احتلال القطاع. وعلى إثر التقارير حول معاناة السكان الفلسطينيين في غزة بدأ هذا
الدعم الدولي يتراجع، وهو ما يضع علامات استفهام حول إذا ما كانت الفترة الزمنية للعملية
العسكرية ستمتد لأشهر أم لأسابيع فقط.
وظهرت تطورات لافتة على صعيد الموقف الامريكي، فقد اكد وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في
جلسة استماع امام الكونغرس: إن الولايات المتحدة ودولاً أخرى تدرس «مجموعة متنوعة من
البدائل المحتملة» لمستقبل قطاع غزة إذا جرى عزل حركة «حماس» عن حكمه. واضاف أن الوضع
الراهن الذي تتولى فيه «حماس» المسؤولية في القطاع المكتظّ بالسكان، لا يمكن أن يستمر، لكن
إسرائيل لا تريد إدارة غزة أيضاً. وبين هذين الوضعين توجد «مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة
التي ندرسها بعناية الآن، كما تفعل دول أخرى». وأردف قائلاً إن الأمر الذي سيكون الأكثر منطقية
في مرحلةٍ ما هو وجود «سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة» تتولى حكم غزة، لكن السؤال المطروح
هو ما إذا كان تحقيق ذلك ممكناً. واضاف إذا لم نتمكن من ذلك، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك قد
تشمل عدداً من الدول الأخرى في المنطقة، وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم،
من بين الخيارات التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل نشر قوة متعددة الجنسيات قد تضم قوات
أميركية، أو وضع غزة تحت إشراف «الأمم المتحدة» بشكل مؤقت.
ويشعر بعض مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من أنه على الرغم من أن إسرائيل قد تضع
خطة فعالة لإلحاق ضرر دائم بـ«حماس»، فإنها لم تضع بعدُ استراتيجية للخروج من القطاع (اليوم
التالي للمعركة)، وتعززت المخاوف من أن موقف إدارة الرئيس جو بايدن المساند بقوة لإسرائيل قد
يكون أطلق عملية تصعيد كبيرة قد تخرج عن قدرة الإدارة الأميركية على السيطرة، ويمكن أن تؤدي
إلى فتح مزيد من الجبهات واتساع رقعة الحرب، وهو ما ادى الى الدفع بالمزيد من القوات الأميركية
الى المنطقة والدفع بأنظمة دفاعية وهجومية إضافية. ووفق التقديرات فان التحركات العسكرية
الامريكية تهدف الى محاولة منع اتساع الصراع، إلا أن الهجمات التي تعرضت لها المواقع الأميركية
في سوريا والعراق، تسلّط الضوء على التهديدات التي يمكن أن تشتعل إذا استمرت إسرائيل في
التصعيد. حيث ستواجه الولايات المتحدة صعوبات كبيرة إذا اندلع صراع إقليمي واسع النطاق
خصوصاً مع الاحتجاجات المتزايدة عند السفارات الأميركية في دول الإقليم والهجمات المتزايدة التي
تستهدف القوات الأميركية في العراق وسوريا.