المقال الذي تسبّب بالإطاحة بوزيرة الداخلية البريطانية (الترجمة الكاملة)أقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، اليوم الإثنين، وزيرة الداخلية المثيرة للجدل سويلا بريفرمان، ضمن تعديلات يُجريها سوناك على فريقه قبل الانتخابات العامة المتوقعة العام المقبل.
وكان سونالك قد تعرّض لضغوطات متزايدة لإقالة بريفرمان، بعدما اتهمت بتأجيج التوتر الأهلي والتحريض على المتظاهرين السلميين الداعمين لفلسطين والداعين لوقف الحرب على قطاع غزّة خلال الأسابيع الماضية، وهو ما وثقه مقال رأي بقلم الوزيرة نفسها نشر في صحيفة "التايمز"، اتهمت فيه الشرطة بازدواجية المعايير في كيفية تعاملها مع الاحتجاجات والتحيز للمسيرات المؤيدة للفلسطينيين، والتي شبّهتها بريفرمان بالمَسيرات البروتستانتية في آيرلندا الشمالية، ووصفت المشاركين بها بأنهم "دعاة كراهية".
Play video, "من هي وزيرة الداخلية البريطانية المقالة؟", المدة 1,24
01:24
التعليق على الفيديو،حرب غزة: إقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بعد انتقادها الشرطة في التعامل مع الاحتجاجاتنعرض هنا الترجمة الكاملة لهذا المقال الذي نشر في صحيفة التايمز في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر.
"نحن في هذا البلد نفخر بتقاليدنا الراسخة في مجال الحريات، وهي حريات غير مقتصرة على حرية التعبير وحسب، بل تشمل أيضًا حرية التجمع. فالحق في الاحتجاج والتظاهر هو بمثابة حجر زاوية في النظم الديمقراطية، ولهذا لا يتم حظر المسيرات السلمية أبدًا، وإنما يتم الاكتفاء بمراقبة المسيرات المثيرة للجدل والمخربة بدلاً من منعها.
ولا تتدخل السلطات بما يتجاوز ذلك إلا في الظروف الأكثر استثنائية، وعبر طريقة واضحة يعمل بها القانون. ففي حال وجد قائد الشرطة أن هناك خطراً جدياً من الفوضى وسوف يصعب على قوات الأمن احتواؤه، فيمكنه أن يطلب من وزير الداخلية أن يتدخل لمنعها. وحتى في تلك الحالة، فإنه من الممكن السماح بإقامة تظاهرة لا مسير فيها.
رغم ذلك، فإنه لا يزال هناك جدل حول ما إذا كان ينبغي لاعتبارات أخرى أن تلعب دوراً في مثل هذه القرارات. هل يمكن أن تكون بعض المسيرات تنطوي على درجة من العدوانية ينبغي معها أن تكون مستحقّة للحظر؟ هل هناك مستوى خطير من الإخلال في نسق حياة المدينة لا يمكن عنده تبرير إقامة مسيرة ما. رغم ذلك، فإن القانون بصيغته الحالية ينص على أن المسيرات الاحتجاجية يجب أن تكون مسموحة دومًا.
وقد برزت هذه التوترات بقوة بسبب ما حدث عقب 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووقوع أسوأ مذبحة لليهود منذ الحقبة النازية. إن تداعيات هذا الحدث الرهيب وكل ما أعقبه كان محسوسًا في شوارع المملكة المتحدة. لقد نظمت الجالية اليهودية في بريطانيا وقفات احتجاجية كريمة في لندن، لكن لم يكن هذا هو ما يختبر قدرتنا على الحفاظ على النظام العام.
لقد برز التحدي عندما حشدت الحركة المؤيدة للفلسطينيين عشرات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين ونظمت مسيرة عبر لندن في نهاية كل أسبوع. منذ البداية، كانت هذه الأحداث إشكالية، ليس فقط بسبب العنف الذي ظهر على هوامشها، ولكن بسبب الرسائل المسيئة للغاية في الهتافات واللافتات والملصقات. ليس هذا وقت التغافل، فقد رأينا بأم أعيننا كيف يتم تقدير الإرهابيين [في هذه المسيرات]، وشيطنة إسرائيل ووصفها بالنازية، وتهديد اليهود بالمزيد من المذابح.
لقد كانت كل نهاية أسبوع أسوأ مما يسبقها. ففي يوم السبت الماضي، في وسط لندن، تعرضت الشرطة لهجوم بالألعاب النارية، وعطّل المتظاهرون حركة القطارات، وتعرض بائعو زهور الخشخاش الحمراء للاعتداء ومنعوا من جمع التبرعات لصالح جميعات المحاربين القدامى في الجيش.
والآن ونحن نقترب من عطلة نهاية أسبوع ذات أهمية خاصة في حياة أمتنا، في أيام تستدعي الهيبة والاحترام، يعتزم متظاهرو الكراهية - وهي عبارة لا أتراجع عنها - استخدام مناسبة "يوم الهدنة" لتنظيم مسيرة أخرى جديدة في لندن، في استعراض آخر للعنجهية والقوة.
وهنا نصل إلى جوهر المسألة. فأنا لا أعتقد أن هذه المسيرات هي مجرد صرخة استغاثة من أجل غزّة. بل هي محاولة للتأكيد على التفوّق من جانب مجموعات معينة - وخاصة الإسلاميين - من قبيل ما اعتدنا على رؤيته في أيرلندا الشمالية. ومن الأمور التي تذكرنا بذلك على نحو مثير للقلق هي التقارير التي تفيد بأن بعض منظمي مسيرة يوم السبت لديهم صلات بجماعات إرهابية، بما في ذلك حماس.
لا بد من أت تأتي اللحظة المناسبة للنقاش حول كيفية وصولنا إلى هذه النقطة. لكن في الوقت الحالي، تكمن القضية في كيفية قيامنا نحن كمجتمع في توفير الحماية الشرطية لمجموعات تصر على أن تضع أجندتها فوق أي اعتبار للصالح العام، الذي يحدده هذا المجتمع لا ما يفرضه عليهم هؤلاء الناشطون.
الجواب يكمن في عدم الكيل بمكيالين. لكن ولسوء الحظ، هناك تصور بأن كبار ضباط الشرطة يتحيزون لصالح طرف دون آخر عندما يتعلق الأمر بالمسيرات وتنظيمها. ولنتذكر مثلًا أزمة كوفيد، لماذا لم يحظ المعترضون على قرارات الإغلاق والحجر العام من أي تساهل من قبل الشرطة، بينما تم التساهل مع متظاهرين آخرين من حركة "حياة السود مهمة"، وسمح لهم بخرق القانون بل وتم التعاطف معهم أثناء ذلك.
من جهة أخرى، فإن المتظاهرين اليمينيين والقوميين الذين ينخرطون في أعمال عدائية يُقابلون برد صارم من قبل الشرطة، وهذا مطلوب، لكن في المقابل يجرى تجاهل الغوغاء المؤيدين للفلسطينيين والذين يظهرون سلوكًا متطابقًا تقريبًا، ويستمر ذلك حتى عندما يخالفون القانون بشكل واضح. لقد تحدثت إلى ضباط شرطة حاليين وسابقين وهم أيضًا قد لاحظوا هذه الازدواجية في المعايير.
بل إننا نسمع ما يقوله بصوت أعلى وأكثر صراحة مشجعو كرة القدم، بشأن التعامل شديد الصرامة معهم من قبل أفراد الشرطة مقارنة بالمعاملة التي تلقاها مجموعات من الأقليات المنخرطة بالسياسة والمحبذة لدى اليسار. ربما يكون كبار الضباط مهتمين بمدى الانتقادات التي من المحتمل أن يتعرضوا لها أكثر من اهتمامهم بما إذا كان هذا الظلم المتصور ينفر الأغلبية ويولد لديها هذا الاغتراب. إزاء ذلك كلّه، فإنه من واجب الحكومة أن تتعاطى مع القضية من منظور أرحب.
لو حصل وجرى تنظيم المسيرة في نهاية هذا الأسبوع، فإن عامة البريطانيين يتوقعون رؤية نهج استباقي أشد حزمًا تجاه أي مظهر من مظاهر الكراهية وأي خرق للسلم والنظام العام
شهدت المسيرة وقوع صداماتٍ بين الشرطة وعناصر من اليمين المتطرف الرافض لخروج المسيرة
صدر الصورة،TAYFUN SALCI/ZUMA PRESS/REX/SHUTTERSTOCKالتعليق على الصورة،مفوّض شرطة العاصمة لندن مارك راولي تحدّى كلاً من رئيس الوزراء ووزيرة الداخلية