أخي العربي: ما انتهينا بعدهذا ليس نداء استغاثة، ولن أُخبرك عن قضيتي، أنت تعرفها جيدًا، والعالم صار يعرفها أكثر، أمّا أحوالي، فأنت والآخرين تُشاهدونها مباشرة، كم نحن محظوظون! التكنولوجيا أنصفتنا أخيرًا أكثر من أيّ أمر آخر، هي تقفُ معنا، التكنولوجيا لم تعُد تكذب، مُنذ تفوّقنا في استخدامها.
جئتُ كي تُحرّر نفسك. ألق عن كتفيك حملَهُما وغادر شعُور العجز، تنحَّ جانبًا، تنحَّ أكثرَ، هكذا ستخرجُ مِنكَ لتقف في أوسع بقعة للضوء... نحن أسرى الحكايات القادمة من أسلافنا، هي الحكايات التي تصنعُ عجزنا والمكوث في غُرفة الانتظار، انتظار الآخر كي يقطف لنا الريح بسيفه، دع عنك هذا الأمر، فالحقيقة أنّ العربيّ كأي إنسان يهبُّ بما يُمليه الضمير، لكنّه يعتنقُ خَصال الفخر والنخوة بأكثر مما يحتمل فجعلها سوطًا يجلد روحه المكبّلة، والحقيقة أنّ أسلافنا العرب في كلّ أحوال الضعف عاشوا كما نعيشُ اليومَ، وحين امتلكوا القوّة والإرادة والتماسُك كانوا ينتصرون لشعوبهم وإخوتهم، ويحققون أهدافهم في حفظ الموارد والسيادة والعُمق والهيبة... نحنُ لا نعتبُ ضعفنا العربيّ، لا تعتذر فقد أُنهِكنا حُروبًا وتداولتنا أيادي المُستعمرين مدىً طويلا، وتأخرنا في مضامير القوة، كل أنواع القوّة سوى المعارف، لكنّ الُحلم العربيّ سيبقى رُغم الواقع المرير مظلّتنا.
لا تهتف افتحوا الحدود. أنت لم تختبر بعدُ معنى البندقيّة في يد الوحوش، قيل لك إنّنا أمّة مئات الملايين وهم بضعة ملايين! دعكَ من هذا الهُراء، المدنيّون أهدافُ القتل والموت، طبيعتهم الفزعُ والضعف، والمدنيّون لم يخرجوا في أيّ يوم من الأيام إلى الحرب بل تأتيهم، أنت لم تختبر صوت المدفع في أُذنيك، كلّ ما تعرف عن القوّة هراوة الشرطيّ، لم تختبر حجارة بلادك سوى على الأرصفة، لم يُرشدك الجبل، أو يُخبّئك الكهف، ولم يبُح لك الوادي بأسراره، لم تتفحّص حذاءَك كيف سيُناضلُ معك! ولو فُتحت الحدود لن تكون سوى عبء إضافي لا أكثر، وبيننا من هم مثلُك، عاديّون جدًّا لكنّهم صامدون... هنا يا أخي أبجديّة أُخرى نشأت منذ نكبتنا... دع عنك حُزنك والنّدبَ والعجز، كما تشعُرُ شعرنا حين أُصبت بأيّ محنة أو حرب... نحن عربٌ نفرحُ سويًّا، نفتخرُ سويًّا، نبكي سويًّا... نشعر بالعجز والعتاب والغضب إزاء القضايا نفسها، لأنّ دمنا واحدٌ.
لا تفتحوا الحدود، أغلقوها فنحن لا نبحث عن الفرار، لا نبحث سوى عن أرضنا وحُريّتنا تحت سمائها لا سماء الآخرين ولكن، إليك أمرًا...
الآن وبعد أن فُتحت سوق الإعلام على صور أبنائنا، تُريد فتحَ المزاد عليهم! أأعجبَتك طفلةُ الشهيد وتبحثُ عن تبنّيها؟ أتُريدها جائزةً من فلسطينَ التي تبكي أُمَّها الشهيدة لتكفلها؟
عارٌ أن تنتنظر احتضاري لتأخُذ أبنائي من فخر البلاد وتُراب وصيّتي، فأنا عمّ هذا الفتى وشقيق تلك الطفلة، وأبُ الرضيعة، وابن الثكلى، وأخُ ابنة البلاد وهي تندب أهلها تحت الأنقاض... ما فنينا بعدُ، ما انتهينا... ولا رحلَ مِنَّا الكبرياءُ.
وأنتَ تُعدُّ العُدّة لتلك المُظاهرة، وذلك المنشور، كُن عربيًّا فخورًا لا يخشى اللّوم، وبينما نقفزُ إليك فلسطينيًّا تلو آخر من الصورة والخبر، قُل: هذا عربيٌّ مثلي فخورٌ وسينتصر.