منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 التنوير العربي:

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التنوير العربي:  Empty
مُساهمةموضوع: التنوير العربي:    التنوير العربي:  Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 4:01 am

التنوير العربي: من الأنوار الفردية إلى الوعي الجمعي (1)

معاذ بني عامر

التنوير سيرورة تاريخية لم تتوقّف في يوم من الأيام على طول التاريخ البشري، ولن تتوقّف في أيّ يوم من الأيام. ففي أحلك الظروف المأساوية والمذابح المروّعة، سنجد من يمسك قيثارته ويعزف عليها لحناً يُمجّد الحياة، ويتغنّى بتويجات الزهور التي تبرعمت للتو على شقوق البيوت العتيقة. وفي أشدّ لحظات المخاض عند الأمّ، سيُشقشق طفل صغير رأسه مثل يراعة جميلة، ويطير إلى هذا العالَم، فتنهمر دموع الفرح من عيني الأمّ العظيمة؛ فهي تتعاظم -لحظتذاك- على آلامها، فثمة أمل جديد يبزغ إلى هذه الحياة، ويملأ عليها أيامها.
رُبّ قائل: هذه دفقة رومانسية. ليكن!
إنها لكذلك، وإلا فما جدوى الحياة، إن لم يكن ثمة بتلة أمل وسط حقل الآلام؟!
بدايات القرن التاسع عشر، كان الألم الحضاري قد بلغ ذروته بالنسبة للكتلة البشرية في العالم العربي. فتلك البقايا البديعة التي اجترحت في الحضارة العربية الإسلامية على المستوى الذهني إبَّان عصورها الذهبية، كانت في طريقها إلى الفناء والموت على يد العثمانيين، إلى أن بلغت ذروتها القصوى مع الغزو النابليوني للديار المصرية، إذ اكتشفَ يومها -رغم مساوئ ذلك الغزو ووجهه القبيح- أيّ هوان حلّ بالعالم العربي على يدّ الدولة العثمانية، لاسيما في المجال المعرفي، فلا فيلسوف ولا عالَم ولا باحث يكاد يذكر في جميع البلاد العربية، فالكلّ غارق في ظلام معرفي دامس.
إذن، مع بداية القرن التاسع عشر كانت يد الظلام قد أطبقت قبضتها الحديدية على عنق العالم العربي، إلى درجة حجب الرؤية شبه الكاملة. لكن نَفَسَاً أخيراً في الجسد المُنهَك، قاومَ عمليات الخنق الحضاري، لذا بدأت الأمّ العربية بإنجاب بعض الذوات الفردية التي سَتُساهم في بثّ الأمل وسط حقل الآلام الكبير.
مع نهايات القرن التاسع عشر، كانت فكرة النور الجديد بإزاء الظلام القائم، قد بدأت تترسّخ في أذهان بعض الذوات الفردية، أمثال: رفاعة الطهطاوي/ إبراهيم اليازجي/ قاسم أمين/ جمال الدين الأفغاني/ محمد عبده/ عبدالرحمن الكواكبي/ محمد رشيد رضا... إلخ، التي شغلتها أسئلة التحديث والتجديد، وجعلت من مهامها الرئيسة العمل على غرس إبر الوعي المعرفي في مواضع الألم الحضاري، لغاية إحداث خلخلة في البنية الذهنية للعقل الجمعي، ونقلها من طور الثبات والظلام، إلى طور الحركة والنور.
السؤال: هل تقدّم الوعي ناحية الأمام، أم بقي على حالته الفردية؟ وهل بقيت دعوات الإصلاح والتجديد، دعوات في جماجم بعينها، أم بدأت الجمجمة الجمعية تُحرّك عِظامها يمنة ويسرة، دلالةً على ماء جديد بدأ يسري في نسغها اليابس؟
بدايات القرن العشرين، كانت حركة الوعي قد انتقلت نقلة لا بأس بها. لذا أصبحنا نرى تجمّعات ثقافية تعنى بالشأن المعرفي وتحرّك ما ركد وثبت. وما بين الفترة التي أصدر فيها "سليمان البستاني" ترجمته الفخمة لإلياذة هوميروس في العام 1904، والاحتفاء الذي حظيت به، والفترة التي أصدر فيها "طه حسين" كتابه "في الشعر الجاهلي"، والنقد الذي تعرّض له؛ كانت عدّة بؤر ثقافية قد تشكلت وبدأت تضغط على الوعي الجمعي، أمثال جماعة أبولو، وجماعة شعراء المهجر، وبؤر الأدباء الجدد الذين أخذوا بإصدار الروايات والقصص والمسرحيات والأشعار، أمثال عقيل أبو الشعر، محمد حسين هيكل، جبران خليل جبران، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، معروف الرصافي، ابن باديس، ابن عاشور، أبو القاسم الشابي... إلخ.
بالتقادم، بدأت حركة الوعي العربي تتقدّم ناحية الأمام، وتتوسّع دائرتها. وبدأ العبء التنويري الذي حمله الآباء على ظهور عقولهم في القرن التاسع عشر، لناحية الإعلاء من قيم التجديد والإصلاح، ينتقل إلى الأجيال الجديدة، ويبسط سيطرته لحظة تشكّل الوعي الكتابي؛ إذ بدأت الكتابات الجديدة تنخلع عن أطرها القديمة وتلبس لبوساً حداثوياً ينسجم مع روح العصر. فالرواية التي ابتدأت تقليداً لنماذج غربية، بدأت تشقّ لها طريقاً خاصاً بها، على أيدي نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وغيرهما. والشعر الذي بقي وفياً لعمود الشعر العربي لحوالي ألفين من الأعوام، بدأ هو الآخر يتقهقر أمام حركة المد الشعري الحديث، على أيدي بعض الشعراء مثل: مصطفى وهبي التل (عرار) ونازك الملائكة وعمر أبو ريشة وبدر شاكر السياب. وعلى المستوى الفكري بدأ يبرز جيل من المفكرين العرب، يجرّب مناهج جديدة -قدر المستطاع- في مقاربة الواقع العربي، مثل زكي نجيب محمود وعبدالرحمن بدوي وأمين محمود العالم ومالك بن نبي وغيرهم. وفي الحركة النقدية بدأت تظهر أسماء ستساهم هي الأخرى في توسيع دائرة الوعي المعرفي الجمعي، أمثال ناصر الدين الأسد وإحسان عباس.
وإذا كان لنكبة 1948 أن تُحطّم القلب العربي، وتجعله نهباً لمشاعر انسحاقية أمام الحدث الفجائعي، فإنها فتحت ثغرة في بنية الوعي العربي، وجعلته يتنبّه إلى ما هو عليه حضارياً، ومقارنته بما هو عليه الآخر. لذا تعاظمت ضرورة الحركة التجديدية وأهميتها القصوى، لغاية الانتقال من طور المفعول به سياسياً ومعرفياً وعسكرياً... إلخ، إلى طور الفاعل الحضاري. وستنفتح ثغرة أخرى في عام النكسة 1967، وسيُطرح السؤال الذي طُرح في القرن التاسع عشر: لماذا تقدّم الغرب وتأخر المسلمون؟ بقوةٍ هذه المرة. 
ما بين النكبة والنكسة، كان ثمة ماء يتحرّك في جذع الوعي العربي الجمعي، لكن دونما ضجّة أو جلبة؛ مثل زيادة أعداد المتعلمين، وأعداد المدارس والجامعات، والنشاط المتزايد لحركة الترجمة من اللغات المختلفة إلى اللغة العربية، وزيادة معدلات القراءة مع الانتشار المتنامي لحركة التأليف في مختلف المجالات المعرفية. وإلقاء نظرة على أفضل مائة رواية عربية في القرن العشرين بحسب تصنيفات اتحاد الكتاب العربي في كل من القاهرة ودمشق، سيكشف حقيقة جدّ مهمة حول مسألة زيادة الوعي القرائي عند الإنسان العربي، وتنامي المنتج الروائي -لا شكّ أنه تنامى جنباً إلى جنب مع حقول أخرى- وتزايده بالتقادم.
مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، سيصطدم الوعي العربي صدمتين كبيرتين على المستوى الديني: الأولى، كانت إثر تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والثانية، إثر حادثة جهيمان التي أدّعى فيها شخص سعودي بأنه المهدي المنتظر واحتلّ الحرم المكي كبدايةٍ لأحداث كبرى ستعصف العالَم أجمع.
وإذا كان للسؤال الديني وعلاقته بالتنوير العربي، أن ينغرس في بنية الوعي الفردي والجمعي على فترات متقطّعة، مع أحداث مثل فكرة الجامعة الإسلامية التي نادى بها جمال الدين الأفغاني، أو بعض التفاسير الجديدة التي نادى بها محمد عبده للنص القرآني، وعلاقتها بالتحديث المنشود، أو النقد اللاذع الذي وجّه لكتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وتطاوله على ما قرَّ في العقل الجمعي، أو لحظة النكبة واستدعاء بعض الآيات القرآنية التي تتحدّث عن عودةٍ ثانية لبني إسرائيل، وبداية النهاية بالنسبة إليهم. أو لحظة صدور رواية "أولاد حارتنا" والنقد الذي وجّه إليها بصفتها مساساً بالمشاعر الدينية لدى المسلمين، إلى حدّ سيصل في فترة لاحقة إلى طعن نجيب محفوظ بالسكين من قبل شخص لم يقرأ له حرفاً واحداً، لكنه أقدم على فعلته مدفوعاً بحماس ديني مفرط في عاطفته الجيّاشة.
إذا كان للسؤال الديني أن يُطرح بتقطّع على مدار ما يقارب القرن ونصف القرن، ففي نهاية سبعينيات القرن الماضي، طُرح هذا السؤال بقوةٍ كبيرة، إلى درجة إحداث صدمة خلخلت سياقات الوعي العربي الجمعي؛ وهذا ما سأعمل على تفكيكه تباعاً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التنوير العربي:  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التنوير العربي:    التنوير العربي:  Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 4:02 am

التنوير العربي: الجينات الدينية وتأثيرها على الوعي العربي (2)

نهاية سبعينيات القرن الماضي، صُدم الوعي العربي صدمة مزدوجة على المستوى الديني: الأولى، داخلية؛ متعلقة بحادثة جهيمان التي تمّ بموجبها احتلال الحرم المكّي من قبل جهيمان العتيبي وأتباعه، وإعلان ظهور المهدي المنتظر، المتمثّل بشخصية "محمد بن عبدالله القحطاني"، في استعادةٍ ملحمية لبشارةٍ نبوية قديمة، وجلب بَرَكَات تلك البشارة القُدسية إلى جاهليتنا المعاصرة من أجل تطهيرها من أرجاسها وموبقاتها. 
والثانية، خارجية؛ متعلقة بإعلان قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحت وصاية "الخميني"، بصفته نائباً عن الإمام الغائب (المعادل اللاهوتي الموضوعي للمهدي المنتظر عند أهل السنّة والجماعة)، سعياً وراء استعادة زمنه المُتنوّر، وإخضاع الزمن الحالي لإحداثيات ذلك الزمن، لكي يتطهّر وتنتفي عنه الدناسات الكبيرة. 
عندما انهارت دولة الخلافة العثمانية في العام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، لم يأخذ هذا الانهيار بُعداً فجائعياً في ضمير العالم العربي يومذاك، بسبب الظلم الذي كانت قد تعرّضت له البلاد العربية، والمهانة التي لحقت بأجيال عربية كثيرة، على يد العثمانيين.
وعندما قامت دولة باكستان في العام 1947 بصفتها دولة إسلامية، لم تأخذ بعداً فرائحياً في الضمير العربي، بسبب البعد المكاني عن الرقعة الجغرافية لباكستان عن العالم العربي. 
مع حادثتي جهيمان وقيام الدولة الإسلامية الإيرانية، سينقلب الوضع رأساً على عقب، فيما تعلّق بالبُعدين: 1- الفجائعي؛ و2- الفرائحي. 
فالحادثة التي أقدم فيها جهيمان العتيبي وأتباعه، لغاية استعادة الزمن النبوي واستجلاب شخص طوباوي -شبيه تماماً بشخص النبي الكريم- إلى عالمنا المُدنّس من أجل ختنه ختنةً دينية، وتطهيره من الرجاسات التي أصابته بسبب الابتعاد عن كتاب الله وسُنّة نبيه، وما رافق ذلك من إسالة للدماء على المستوى الظاهري، ستُستعاد هذه الحادثة كحدثٍ فرائحي في الضمير العربي، بصفتها فاتحة لنهايات الزمان الإنساني الذي بشّر به الدين الإسلامي، وبداية الزمن الإلهي إذ يتجلّى تجلّيه الأكبر في أشخاص يُجسّدون ملحمة المملكة الإلهية على الأرض قبل إفناء هذا العالم والانتقال بالتالي إلى العالم اللامتناهي.
أما حادثة قيام دولة إسلامية في إيران، واتخاذها صبغة شيعية، ويتزعمها رئيس يأخذ شرعيته من متنٍ شيعي قديم بصفته الامتداد القدسي للإمام المُغيّب، ستُستعاد كحادثة فجائعية بصفتها استهدافاً لأهل السُنّة والجماعة في العالَم العربي. 
مرحلة ما بعد الحادثتين، سيتم طمر حادثة جهيمان على مستوى الوعي واعتبارها حدثاً كارثياً في السياق العربي الحديث، إلا أن استعادةً لا واعية لها -عبر حركات إسلامية- ستبرز إلى العيان، إلى درجة الوصول إلى حركات جهادية عنيفة ستُعلن عن دول إسلامية جديدة، ميزتها الأساسية تطبيق ما ورد في الكتاب والسنة كما فهمه السلف الصالح، على شرطنا الزمكاني الحالي.
وسيتم إبراز حادثة قيام الدولة الإسلامية الإيرانية إلى المستوى العلني  والواعي، والعمل على مكافحة المدّ الشيعي، لاسيما بعد امتداداتها في المنطقة العربية، عن طريق بعض الأحزاب والمؤسسات الدينية. 
بين هذا وذاك، سيبرز السؤال الديني إلى الواجهتين: العقلية والواقعية، في العالم العربي، وستنخرط أجيال كاملة في الحِراك المعرفي، ما كان منه شفهياً كما حدث للأغلبية الساحقة، عبر مناقشات وحوارات وجلسات وندوات، أو ما كان منه كتابياً كما حدث مع النُخب المثقفة، والمؤلفات التي صدرت تباعاً في العالم العربي، وقاربت السؤال الديني ومدى تأثيره على إجابات الإنسان العربي في علاقته بمنظومته الوجودية: صغرياتها وكبرياتها.
بالتقادم، ستتمّ إماطة اللثام عن الثِقَل الحقيقي للسؤال الديني وحمولته الكبيرة التي يضغط بها على الاجتماع الإنساني، بصفته المُكوّن ليس فقط الروحي للإنسان العربي، بل والمكوّن العقلي لهذا الإنسان، وهذا ما سأفصّله في حلقة مقبلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التنوير العربي:  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التنوير العربي:    التنوير العربي:  Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 4:04 am

التنوير العربي.. الحِراك الثقافي الديني (3)

سينطبع النشاط الثقافي الديني العربي -من بدايات عصر النهضة الحديثة وإلى هذه اللحظة- بحِراكين مختلفين، وإن اتفقا في المنطلقات.
الأول: تثبتي، سيسعى جاهداً إلى إحداث خرق في جدار المدونة الإسلامية، لغاية استحضار زمنها المُبارك إلى حاضرنا المُلوّث وإجراء تعديل تطهيري عليه، لكي لا تنشغل الأمة بعد ذلك بسؤال: "لماذا تخلّفنا وتقدّم الآخرون؟". وقد برزت هذه الدعوة في كثير من الأطروحات والكتب، لكنها ستتجلّى في كتابين سيكون لهما حضور بارز في الحِراك الديني التثبيتي، الأول، كتاب "جاهلية القرن العشرين" لـ"محمد قطب"؛ والثاني، "معالم في الطريق" لـ"سيد قطب".
سأتجاوز عن مناقشة الحِراك الأول في هذه الورقة، لأنه بحاجةٍ إلى مساحة خاصة لتفكيك بناه وإظهار ما هو عليه، وما طمح إليه، وما وصل إليه. وأنتقل مباشرة إلى الحِراك:
الثاني: تجديدي، والذي سيتفّق مع الحِراك الأول في سؤال: لماذا تأخرنا وتقدّم الآخرون؟ بصفته سؤالاً تأسيسياً، لكنه سيختلف معه في الإجابة عن هذا السؤال. وإذا كان لبعض تأويلات الشيخ محمد عبده لبعض النصوص القرآنية أن تعيد الاعتبار لجزء من العقل الإسلامي المُستلَب، فقد كان لكتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لعبدالرحمن الكواكبي أن يؤشّر بقوة عبر مؤلَّف كامل على ما نحن عليه، والأثر السلبي للاستبداد الديني، وما يمكن أن ينتج من طغيان كبير.
بالتقادم، ستتوالى المحاولات التجديدية في بنية الخطاب الديني، وسيكون لكتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرازق، الذي نشر العام 1925، أثر الصدمة الكهربائية على إنسان نامَ لفترة طويلة ثم أخذ بالاستيقاظ على وقع ضربات كهربائية طالت بنيتيه الجسدية والعقلية؛ إذ شقشقت لأول مرة بذور الدولة العلمانية على يد رجل دين. وفي الوقت نفسه تقريباً (1926)، سيظهر كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي"، في دلالةٍ واضحة على رسوخ فكرة النهضة واتخاذها طابعاً علمياً جاداً، من شأنه التأسيس لحركة معرفية قوية ستترسّخ وتتقوّى بمرور الزمن. 
بعد ذلك سيظهر كاتب مغمور وشبه منسي في العالم العربي، أعني "إسماعيل أدهم" الذي اتسمت حياته بالقلق الوجودي، إلى درجة أنه انتحر في العام 1940، بعد أن ترك كُتيباً صغيراً سماه "لماذا أنا ملحد؟". ولربما طواه النسيان نظراً لموته المبكّر فلم يتجاوز عمره يوم مات الـ30 عاماً.
بعد ذلك بوقت قصير، كان "معروف الرصافي" في طريقه إلى إنجاز أطروحته حول "الشخصية المحمدية". إلا أنها ستبقى مخطوطة ومتداولة من عدد قليل من المثقفين، إلى أن صدرت في طبعة تجارية عن دار الجمل مطلع الألفية الجديدة.
وهكذا، سيتوالى الحِراك الثقافي العربي في تناوله للظاهرة الدينية إلى حدّ القطيعة معها، كما حدث مع "صادق جلال العظم" في كتابه "نقد الفكر الديني". فالموقف الديني القديم -بحسب صادق العظم- الممتلئ بالطمأنينة والتفاؤل، في طريقه إلى انهيار تام. وفي فترة لاحقة، سيتعرض هذا الكتاب للنقد الشديد من قبل المفكّر السوداني "محمد أبو القاسم حاج حمد" في كتابه "العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة"، والذي حاول فيه تقديم أطروحة فكرية تعالج مسألتين في غاية الأهمية من وجهة نظره: الأولى، إخراج البشرية من كبوتها الحضارية، بالرجوع إلى النص القرآني بصفته معادلاً موضوعياً للنصّ الكوني؛ فأي تقدّم باتجاه قراءة الكون ينبغي عليه أن يتزامن مع قراءة للنص القرآني، كنوعٍ من المواءمة بين ما هو مسطور في القرآن وما هو منثور في الكون. وهذا يتطلّب ضمناً التحقّق في المسألة الثانية، ألا وهي إعادة الاعتبار لضلع الغيب الذي اقتلعه العقل الغربي من الجسد الإنساني، فتركه نهباً لعلاقة غير سليمة مع الطبيعة.
وسيحاول "حاج حمد" أيضاً إظهار مكامن الاختلاف بين كتابه "العالمية الإسلامية الثانية" وكتاب "الرسالة الثانية في الإسلام" لابن بلده "محمود محمد طه" الذي انتهى به المطاف إلى الإعدام بعد أن أثارت آراؤه الفكرية حول الدين غضب كثير من المسلمين، إلى حدّ أن الرئيس "جعفر النميري" سيساند حكم الإعدام على "محمود محمد طه" رغم تقدّمه في السنّ، كما حدث من قبل مع مساندة "جمال عبدالناصر" لقرار إعدام "سيد قطب"، مع الاختلاف في المنطلق الإعدامي.
ضمن خطّ موازٍ، ستشتغل الرواية العربية جنباً إلى جنب مع الكتب الفكرية في تناولها للظاهرة الدينية، ومحاولة البحث عن آفاق جديدة؛ فإن كانت الكتب الفكرية تقارب تلك الظاهرة من زاوية معرفية، فإن الرواية تقاربها من زاوية جمالية، بما يمنحها حقّها في التفكيك شبه الغائب عن الدراسات الدينية في العالم العربي. وكنت أشرت إلى هذه النقطة في مقال سابق في "الغد" تحت عنوان "تفكيك الظاهرة الدينية في العالم العربي: الأعمال الروائية أنموذجاً". وستكون الفاتحة الخجولة مع الرواية الصغيرة "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، التي سيحافظ بها على توازن ما بين الشعور الديني ومتطلبات العصر الحديث. ثم ستكون الصدمة مع رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، والتي بقي الجدل حولها محتدماً حتى لحظتنا الراهنة، لاسيما حول شخصية "الجبلاوي"؛ الشخصية الرئيسة في الرواية.
ثم ستنشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" لحيدر حيدر بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنها ستُنسى قرابة العشرين عاماً إلا أن يكتب عنها بصفتها نصاً يستهدف الحالة الدينية في العالم العربي، ويسعى إلى المسّ بمشاعر المسلمين؛ ساعتها ستنتشر الرواية انتشاراً كبيراً، وستأخذ حيزاً لا بأس به من نقاشات المثقفين.
وفي بداية الثمانينيات أيضاً، سيصدر الجزء الأول من مشروع المفكر محمد عابد الجابري الموسوم بنقد العقل العربي، والذي سيصدر منه أربعة أجزاء تباعاً: 1- تكوين العقل العربي؛ 2- بنية العقل العربي؛ 3- العقل السياسي العربي؛ 4- العقل الأخلاقي العربي. وسيشغل هذا المشروع جزءاً كبيرا من الحِراك الثقافي العربي على المستوى الديني، إلى درجة أن مفكّراً آخر هو جورج طرابيشي سيخصّص ردحاً طويلاً من حياته للرد على مشروع الجابري (نقد العقل العربي) بمشروع مضاد وسمه بـ"نقد نقد العقل العربي"، وسيشتمل على: 1- نظرية العقل العربي؛ 2- إشكاليات العقل العربي؛ 3- وحدة العقل العربي؛ 4- العقل المستقيل في الإسلام. ودائماً ما يضاف كتاب "المعجزة أو سبات العقل في الإسلام" إلى مشروع الطرابيشي في نقده لمشروع الجابري.
وسيكون لهذين المفكرين دور بارز في إذكاء شُعلة النقد في العالم العربي، وتفكيك لُحمة الخطاب الديني، سواء في صيغته التراثية كما فكّكها الجابري أو في صيغته الطرابيشية بعد أن كشف النقاب عن زيف كثير من الرواية الجابرية حول التراث وبيّن تهافتها وعدم مصداقية كثير مما جاءت به. 
ومعهما سيتمكن الإنسان العربي من تجاوز ما أمكنني تسميته بـ"فوبيا التراث"، نظراً للمادة المعرفية التراثية الضخمة التي جمعاها وفكّكاها. فتلك الهالة المقدسة في التعامل مع التراث ستخبو لدى هذا الإنسان، وسيتمكن من التعامل تعاملاً نقدياً معرفياً مع هذا التراث، لا تعاملاً سيكولوجياً يقوم على منظومتي: الخوف الداخلي والتخويف الخارجي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

التنوير العربي:  Empty
مُساهمةموضوع: رد: التنوير العربي:    التنوير العربي:  Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 4:05 am

التنوير العربي: استحقاقات الدمّ المسفوح (4)

مع انتهاء العقد الأول من الألفية الجديدة، ودّع العالم العربي نخبة من أبرز مفكريه الذين كان لهم دور بارز في إشعال جذوة النقاشات الثقافية، لاسيما تلك المتعلقة بالجانب الديني وأثره البالغ على الاجتماع الإنساني. فقد توفي كل من محمد أركون ونصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري.
وبالعودة خطوة إلى الخلف، فقد كان ثمة حِراك معرفي يتنامى تباعاً على أيدي مفكرين ومبدعين مات بعضهم، أمثال طه حسين، علي عبدالرازق، محمد عبده، مالك بن نبي، الصادق النيهوم، محمد أبو القاسم حاج حمد، نجيب محفوظ، محمد عابد الجابري. والبعض الآخر ما يزال على قيد الحياة، أمثال فتحي بن سلامة، هشام جعيط، حسن حنفي، جورج طرابيشي، طه عبدالرحمن، عبدالمجيد الشرفي، علي بدر، سميحة خريس، أشرف الخمايسي، خليل صويلح، تركي الحمد، صبا الحرز، فوزية رشيد، سعود السنعوسي... إلخ.
ما بين موت البعض وبقاء البعض، حافظت السيرورة العربية التنويرية على دفقيتها الحديثة التي ابتدأت مطلع القرن التاسع عشر، مؤكدة المرة تلو الأخرى، على الإمكان التقدّمي الذي تحمله بين جنبيها، رغم الظروف القاهرة التي يمكن أن تمرّ بها، إلى حدّ توريث هذه السيرورة للأجيال اللاحقة توريثاً نقدياً، لا توريثاً تسليمياً غير قابل لأي زحزحة معرفية. 
وقد كان لهذه السيرورة أن تنعطف انعطافة هائلة بموت شخص مغمور كان سبباً في إشعال جذوة ما اصطلح عليه بـ"الربيع العربي". فقد تحوّل جسد "محمد البوعزيزي" إلى بشارةٍ حملت بين طياتها الكثير من الآلام والآمال.
وإذا كان لي أن أؤشِّر على تلك التضحيات الفردية التي طالت بعض رموز الثقافة العربية، فإنّ الوسم الأكبر الذي وَسَمَ المنطقة العربية مرحلة ما بعد البوعزيزي، هو التضحيات الجماعية التي طالت الجميع في العالم العربي. وفي خضمّ هذا الطوفان، كان لا بد من التأشير على لحظتين فاصلتين في التاريخ العربي الحديث، كان جسد محمد البوعزيزي قد فصلهما وشطرهما مرة واحدة وإلى الأبد (مع قابلية هذا الطرح للجدل المتنامي، لأن إطلاق أي حكم نهائي بشأن ما يجري الآن في العالم العربي، هو بمثابة انتحار معرفي لا يليق بأي أطروحة فكرية):
اللحظة الأولى: لحظة اليقين الجمعي، بكل حمولاتها الدينية والسياسية والأيديولوجية والاجتماعية والنفسية... إلخ. فمرحلة ما قبل التضحيات الجماعية، وتحوّل الإنسان العربي بصيغته الكلية إلى أضحية قُربانية، يمكن أن يراق دمها لغاية تحقيق الأماني الكبيرة لصانعي اليقينيات والأوهام اللذيذة! كان هذا الإنسان يعيش في مرحلة الطمأنينيات الكبرى، ليس فيما يتعلق بحياته الدنيوية فحسب، بل في حياته الأخروية أيضاً.
وإذا كان لفكر النهضة أن ينغرس كأُبر صينية في مواضع الألم الحضاري لهذا الإنسان على المستوى المعنوي، وعلى فترات متباعدة، فقد تطامن هذا الإنسان -في العموم- إلى يقينياته، تحت وطأة تدنيس طهارته ودخوله في منظومة مرعبة، من شأنها إقلاقه والإطاحة بكلّ مُدخلاته المتوارثة. ولفترة طويلة سيتطامن هذا الإنسان إلى ما هو عليه، إلى درجة ثباته وتحوّل زمنه من زمن تقدمّي إلى زمن دائري لا يفتأ يأكل حيواته ويجترّها المرة تلو الأخرى.
فجأة، عَمِل "محمد البوعزيزي" على تحويل جسده إلى قنطرة، سيعبر الإنسان العربي بموجبها من مرحلة يقينياته التي خسرت في مواجهة دفقية الحياة العنيفة، ولم تقدّم له الحماية اللازمة ساعة احتاجها، إلى مرحلة جديدة؛ اللحظة الثانية: 
لحظة الشكّ الفردي. ويمكنني أن أقول هُنا إن الجسد للإنسان العربي العادي، قد تقدّم على العقل للنُخب الثقافية العربية، لناحية التعبير عن امتلاء ذلك الجسد باليقينيات، وعدم استيعابه لأي قشّة أخرى، لأن ظهره كان قد قُصم فعلاً.
ثمة مقولة هائلة وردت على لسان "يوسف" أحد أبطال رواية "الشطّار" لمحمد شكري، يقول فيها: "في عقول الناس أثقال، وأجسادهم حميرها"!
إذا كانت النُخب الثقافية مُتحلّلة من كثير من يقينياتها، مرحلة ما قبل "الربيع العربي"، لناحية تصريف جزء منها على المستوى العقلي؛ فإن الإنهاك الطويل للإنسان العادي، نتيجة الأحمال الثقيلة التي وضعت عليه على مدى قرون طويلة، قادته إلى الانفجار الدموي، بما نقله دفعة واحدة من مرحلة اليقينيات، إلى مرحلة الشكوكيات. فالإنسان الذي بدأ وجوده المادي يتعرّض إلى انتهاكات مُتتالية، وضع وجوده المعنوي على محكّ التساؤلات وبدأ يوجّه إليه الضربات المتوالية، إلى درجة استشعر معها أنه في العراء بعد أن رفل في هناء الطمأنينة الزائفة لمدة طويلة. وقد كان لأجيال عربية كاملة أن تنخرط في الحِراك الثقافي التنويري، وتطرح أسئلة عجز كثير من المفكرين العرب عن طرحها، بل إن أطروحات كثيرين منهم أصبحت خجولة أمام ما يناقشه الشباب العربي -وبشكل علني، سواء على شبكة الإنترنت أو على أرض الواقع- ويهجسون به من دون خجل أو مواربة، من شأنهما الإضرار أكثر من النفع، إذ تحلّل الإنسان العربي من لباسه الجماعي، وأصبحت ملابس أجوبته منسجمة -إلى حد كبير- مع قماشة أسئلته الذاتية، وأصبحت مُخرجاته تعيش حالة من التمرّد على يقينيات الجماعة، بعد أن خضعت لها واستسلمت لفترات طويلة. مما جعل الحِراك التنويري ينعطف واحدة من انعطافاته الكبرى، ويتخذ مساراً جمعياً، رغم تجلّي الأفراد فيه هذه المرة، ومشاركتهم الفاعلة في تفعيل الحراك الثقافي، ونقله من طور إلى طور بوتيرةٍ مُتنامية، فهم لم يعودوا بحاجةٍ إلى صدور كتابٍ لمحمد شحرور أو عبدالمجيد الشرفي، لكي ينخرطوا في نقاش حول مآلات الوضع الثقافي العربي، بل أصبحت لديهم القابلية الكبيرة على المستويين السيكولوجي والمعرفي، لكي يخوضوا غمار التجربة الفكرية ويطرحوا أفكارهم على طاولة البحث، فعلى المستوى السيكولوجي انهار جدار الخوف الداخلي لدى هذا الإنسان، ولم يعد هيّاباً من مناقشة أعقد القضايا الفكرية أو الدينية، التي آمن في مرحلة اليقينيات أنها من اختصاص أناس بعينهم، ولا ينبغي الاعتداء على حقّهم المقدس في مناقشتها من قبلهم وحدهم، لكنه الآن في مرحلة الشكوكيات في وسط المعركة، لأن وجوده على نحو مخصوص مهدّد، لذا عليه أن يقول كلمته بحقّ هذا العالَم، كما من حقّ الآخرين أن يقولوا كلمتهم بالمثل. 
وعلى المستوى المعرفي، انخرط الإنسان العربي أكثر في السياقات الثقافية، واصطنع لنفسه حِراكاً ثقافياً قريباً من القاعدة الشعبية، لزجّها أكثر وأكثر في خلخلة يقينياتها ودمجها في سياق شكّي لمنظوماتها المتوارثة. في الوقت الذي ما تزال تحافظ فيه النُخب الثقافية العربية على طهارتها المعرفية وتجري مؤتمراتها وندواتها في أماكن مخملية ومغلقة، خشية أن تُخدش عذريتها وينسفح دمها المُبارك.
إذن، ثمة استحقاق آخر في سياق السيرورة التنويرية العربية، استحقاق صنعه الإنسان العادي، في خطوة جريئة تقدّمت على الحِراك الفكري العربي. فذاك الإنسان الذي تعرّض لمهانات طويلة وكبيرة على مدار عقود طويلة، شعر أن عليه أن يضع حداً لخوفه وعدم تجاسره على منظومات الرُعب التي استباحت وجوده، فتقدّم ناحية الأمام، وخاض غمار الحِراك الثقافي من أسفل، وها هو يرتقي تباعاً لغاية الوصول إلى الذرى.
وإذا كان لي أن أغامر -كخاتمةٍ لما أنا بصدده- رغم ما يمكن أن تحتمله هذه المغامرة من حماقة ما، فإني أقول: إنَّ ما شهدناه على مدار السنوات الخمس الأخيرة في العالَم العربي، وما نشهده بشكل يومي، وانخراط أجيال عربية كاملة في نقاشات معرفية جريئة وصادمة أحياناً -افتراضياً وواقعياً- لما اعتدنا عليه سابقاً، هو الحِراك الثقافي الأكثر جدوى في التاريخ 
العربي الحديث!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
التنوير العربي:
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» زليخة أبو ريشة ومعركة التنوير
» الفاتح العربي
» أخي العربي: ما انتهينا بعد
» الخراب العربي
» الحصان العربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: