.
الطوائف والمذاهب والديانات في فلسطين
- الأسينيون:
هي فرقة المغتسلين أو الأطهار، وهي فرقة يهودية ظهرت في فلسطين في القرن الثاني ق.م. كان لهذه الجماعة قوانين صارمة تحرم الملكية الفردية ونظام الرق (الذي كان سائداً حينها). كان أفرادها يعيشون خارج المدن عزابا زاهدين. يقيمون في الكهوف قرب البحر الميت ويفرضون على أنفسهم الاغتسال كل صباح في مياه الينابيع. كانوا يفلحون الأرض ويرعون الماشية، ويتشاركون الطعام بطقوس خاصة، وكانوا يرفضون تأدية القسم وتقديم الذبائح وحضور المراسم في الهيكل.
من الواضح أن آراءهم كان لها تأثير كبير في المسيحية، وقد آمنوا بالمسيح على أنه أحد أنبياء إسرائيل المصلحين، لكنهم رفضوا دعوة بولس الرسول وظلوا متمسكين بالعقيدة اليهودية.
عرفوا بعد دمار الهيكل باسم "المسيحيين اليهود أو الأبيونيين".
- المسيحية:
عرفت هذه الديانة بالمسيحية نسبة إلى المسيح عيسى بن مريم الذي بشر بها، ورغم أن هذه الديانة نشأت بكامل تفاصيلها في فلسطين إلا أن تطورها وانتشارها تأثرا بالحضارة الهلينية والحكم الروماني.
الكتاب الذي جاء به المسيح يعرف بالإنجيل أو العهد الجديد لتمييزه عن التوراة أو العهد القديم، والإنجيل في اليونانية تعني البشارة أو الخبر السار، وقد كان هناك عدد كبير من الأناجيل في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، لكن لم يتم الاعتراف من قبل الكنيسة إلا بأربعة أناجيل هي متى ومرقص ولوقا يوحنا.
وقد كتبت هذه الأناجيل بين أعوام 50-90م باللغة اليونانية ماعدا أنجيل متى الذي كتب بالآرامية لكن نسخته الأصلية فقدت، ويستخلص من الأناجيل أن يسوع ولد حوالي سنة 4ق.م في بيت لحم، وانتقلت أسرته إلى الناصرة حيث عاش مع والدته وإخوته في بيت يوسف النجار لذا فقد عرف باسم يسوع الناصري واشتغل بالتجارة وكان يتردد على المجمع الديني ويختلط بفئات الشعب، وتتحدث المصادر التاريخية عن علاقته بيوحنا المعمدان الذي كان قريبا له من ناحية الأم وقد قام يوحنا بتعميد المسيح في نهر الأردن عندما بلغ الثلاثين، ويوحنا المعمدان هو يحيى بن زكريا المذكور في القرآن وقد كان يعمّد الناس ويدعوهم إلى التمسك بالأخلاق ويبشر بظهور المسيح.
مر الملك هيرودوس أنتيباس بسجن يوحنا ثم قتله، وعند ذلك أخذ يسوع يجوب الجليل والسامرة معلنا إنجيل التوبة، وبرزت في تلك الحقبة عدة فرق يهودية منها الصدوقيون والفريسرن والأسينيون وفرقة الزيلوت وكانت جميع هذه الفرق ضد سيطرة الرومان، وقاموا بعدة ثورات فاشلة، ولما لم يتمكنوا من الخلاص بالسلاح قاموا باللجؤ للتنبؤات في انتظار المسيح الذي تحدثت عنه الكتب المقدسة لديهم.
أنكر المسيح أنه من نسل داوود أو أنه جاء ليعيد الملك إلى بني إسرائيل، ولم يؤيد الثورة على حكم الرومان وقال مقولته الشهيرة" أعطوا مالله لله وما لقيصر لقيصر، ولم يتمسك بالشكل بل سعي إلى الجوهر فكان يقول مثلا عن العمل يوم السبت: إنما جعل السبت من أجل الإنسان ولم يجعل الإنسان من أجل السبت.
كان يعطف على المساكين والفقراء خصوصا واعتبرت تعاليمه ثورة عميقة في المبادئ الأخلاقية، وكثر أتباعه لكنهم أنفضوا عنه حين رفض أن يتوج ملكا أرضيا، وأخذت الفرق اليهودية بمحاربته، فقبض عليه مجلس السنهدرين اليهودي وحكم عليه بالإعدام في الحال، وصادق بيلاطس البنطي على الإعدام وهو متردد، فصلب المسيح وقتل، وآمن أتباعه بقيامه بعد الموت وعرفوا باسم الناصرين أو النصارى.
تحت ضغط السنهدرين، هرب اليهود الذين آمنوا بعيسى من أورشليم إلى السامرة وقيسارية وأنطاكية وعملوا فيها على إنشاء جماعات مسيحية عرفت كل منها باسم "اكليزا" تقابله كلمة كنيسة وتعني المجمع معربة عن الآرامية.
حكم على بطرس وبولس بالإعدام، وبعد مئة عام على موت بولس، ظهرت تأثيراته على المسيحية وتطورها، وقيل أنه فصل المسيحية عن اليهودية، فخرجت المسيحية عن حدود فلسطين وانتشرت في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، وعندما أقدم الإمبراطور قسطنطين على اعتناق المسيحية عام 320م تقريبا، عقد المجمع المسكوني عام 325م ، وجعل المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية.
- الحواريون:
هم رسل المسيح "الاثنا عشر"، أولهم بطرس وآخرهم يهوذا الإسخريوطي الذي سلم المسيح لأعدائه، والحواريون هم "سمعان (بطرس)، أندراوس، يعقوب بن زبدي، يوحنا فيلبس، برتلماس، توما، متي العشار، يعقوب بن حلفى، تداوس، سمعان الغيور، يهوذا الاسخريوطي.
كانوا جميعهم من بيئة فقيرة، صحبوا المسيح فأنشأهم ليبشروا ويتكلموا باسمه، وقصر عليهم تأسيس الكنيسة وإقامة الأساقفة عليها، وأمرهم بدعوة الأمم إلى التوبة وغفران الخطايا، وأن يواصلوا عمله على الأرض.
بعد حادثة الصلب، غادر الرسل القدس وانتشروا في العالم كممثلين للمسيح، وتذكر المصادر أن جميعهم سفكوا دماءهم في سبيل الشهادة.
- السامريون:
جماعة من اليهود اشتق أسمهم من السامرة عاصمة إسرائيل القديمة "
شمال شكيم" نابلس. وهم ما تبقى من المملكة القديمة والذين لم يرحلهم الآشوريون عام 721ق.م، وحين عاد اليهود من السبي البابلي رفضوا اشراك السامريين في إعادة بناء الهيكل لأنهم تزاوجوا مع المستوطنين الذين جاء بهم الآشوريون، فقام السامريون بإنشاء هيكلهم الخاص على قاعدة جبل جرزيم "الطور".
هناك هوّة عميقة تفصل السامريين عن اليهود، فهم لا يؤمنون إلا بأسفار موسى الخمسة ولا يعترفون بالأنبياء اليهود ولا بالكتب السماوية الأخرى ويعتبرونها من صنع البشر. وقد سنّ اليهود قوانين تحرم الاختلاط بالسامريين أو الزواج منهم. وتعد طائفتهم الآن من أصغر الطوائف في العالم يسكن أكثرهم في نابلس ومستعمرة حولون، يستعملون العبرية في صلواتهم، لكن لغة الحديث فيما بينهم هي العربية، وفي حوزتهم ترجمة عربية للتوراة تعود إلى القرن 11 ميلادي.
وبحكم تكوينهم الديني فهم ليسوا صهاينة، فلا يعترفون بقدسية جبل صهيون فجبلهم المقدس هو جبل الطور (جرزيم). كما لا يؤمنون بداوود وسليمان، ويؤمنون بعودة المسيح المخلص، ولكن إلى جبل جرزيم لا إلى جبل صهيون.
- الفريسيون:
الفريسيون بالأرامية تعني "المنعزلون" وقد أطلقت على فئة من اليهود اشتركت في ثورة المكابيين وانتسب إليها العلماء والكتبة وجمهرة الشعب، وامتلكت أغلب مقاعد مجلس "السنهدرين، وكان الفريسيون يخالفون الصدوقيين، فهم يقبلون التقاليد المتوارثة عن السلف إضافة إلى تعاليم وأسفار موسى، وكانوا يؤمنون بالملائكة والروح والقيامة خلافاً للصدوقيين لكنهم كانوا يتمسكون بالمظهر دون الجوهر، وقد وقفوا بشدة ضد دعوة المسيح الذي وصفهم بأنهم "مرشدون عميان".
- الصدوقيون:
فرقة يهودية تنسب إلى صادوق الكاهن الأعظم زمن الملك سليمان، وقد ظهرت في عهد المكابيين وكانت تضم كبار الكهنة في القدس وبعض الكتبة اليهود الذين مالوا إلى مسالمة الرومان، ورغم ضعف تأثيرهم في جماهير الشعب، إلا أنهم ألفوا كتلة قوية في مجلس "السنهدريم" أعلى سلطة دينية وسياسية عند اليهود (20 عضواً من أصل 70).
دينياً، كان الصدوقيون محافظين، يرفضون السنن الشفوية وكل ما أضيف إلى أسفار موسى الخمسة، وينكرون الأنبياء ولا يؤمنون بالبعث، وكانوا حريصين على امتيازاتهم الأرستقراطية. خشي الصدوقيون تجمع الشعب حول المسيح، فكانوا في طليعة المسؤولين عن محاكمته.
- الناموسيون:
يطلق على شريعة موسى الطقسية والأدبية "الناموس" ويطلق لقب الناموسيين على مفسري الناموس، وهم كتبة نظموا أنفسهم وتوارثوا المهنة. وفي عهد المسيح كان لهم مقاماً كبيراً، والمعلم منهم هو "الحبر" أو "الرب".
اعتاد الناموسيون خلق مناقشات سفسطائية لا طائل منها، لكنهم كانوا أصحاب القول الفصل في مسائل الزواج والطلاق والصيام والصلاة وحرمة السبت وما إلى ذلك، وقد تعددت مدارسهم بين مدرسة هليل المتسامحة إلى مدرسة شماي المتشددة، توعدهم المسيح بالويلات لتمسكهم بحرفية الشريعة لا بروحها.
- الأبيونيون:
ظهرت معظم ملامح التشريع الأبيوني في مخطوطات البحر الميت، وقد تأسست الطائفة الأبيونية عام 70م بعد خراب الهيكل، وهي طائفة من دراويش اليهود اعتنقت المسيحية وبالغت في التفسير اليهودي لها، واعتبروا بولس رسولاً زائفاً حين جعل المسيحية رسالة عالمية، وهي في رأيهم يجب أن تكون لليهود فقط.
مؤسس هذه الطائفة هو أبيون، وعثر على أول ذكر لهم عام 185م، وقد وصفوا يسوع في القرنين الثالث والرابع الميلاديين بأنه ابن الإنسان وأنه نبي حقيقي، ورفضوا الأضحيات والمعبد اليهودي.
ذكر العالم الإنجليزي تيتشر في دراسته عن مخطوطات البحر الميت أنها كانت لطائفة معروفة باسم الأبونيين، وحدث فعلاً أن طائفة مسيحية يهودية هجرت بيت المقدس إلى جرش وهجرت معابد اليهود، ثم انتهى أمرها دون تأثير لا في تاريخ اليهودية ولا المسيحية.
- اليعقوبية:
ترجع إلى نشأة المسيحية في القرن الأول الميلادي، ورعاياها منتشرون في سوريا وفلسطين ولبنان ومصر والعراق والهند، أما التسمية فجاءت في القرن الخامس الميلادي نسبة إلى الأسقف يعقوب البرادعي الذي أرسلته تيودورا زوجة الإمبراطور إلى الحارث بن جبلة ليعلم قومه الدين، ويعتقد العيقوبيون أن في المسيح طبيعة واحدة إلهية.
يرجع وجود هذه الكنيسة في فلسطين إلى ما قبل القرن الخامس، فالفلسطينيون هم أول شعب تنصر، وكان للكنيسة أبرشية في غزة وأخرى في طبريا، وفي عكا وكان لهما عدة أديرة وكنائس في القدس وأريحا وغزة ووادي الأردن.
مقر هذه الكنيسة في القدس ولها كنائس في بيت لحم ووادي الأردن ودير في القدس، ويقيم النائب البطريركي في دير القديس مرقس الشهير بمكتبته التي أنشئت عام 1718م وتحوي مخططات وإيقونات ناد.
- الجليليون:
هم سكان الجليل شمال فلسطين، تحولوا إلى الديانة اليهودية في القرن الثاني الميلادي، وأصبحوا من أشد اليهود تعصباً وعنفاً، وقعوا تحت تأثير يهودا الجليلي الذي تلخصت دعوته في أن ليس لليهود ملك غير الإله يهوه، ونجحت دعوته بينهم فأباحوا كل تضحية في سبيل نشر الدعوة، فكانوا يحتملون التعذيب والموت بسبب مناوأتهم للحكم، والتف الناس حولهم لسوء أحوال البلاد الاقتصادية والضرائب التي فرضها الرومان.
المؤرخ اليهودي يوسيفوس انتقد يهودا لأن حركته أوقعت اليهود في حرب مع الدولة الرومانية أصيبوا فيها بخسائر فادحة. ورغم نجاح الرومان في حروبهم مع الجليليين، فإن حركتهم كان لها تأثير واضح في التاريخ اليهودي.
- الأريوسية:
مذهب ديني مسيحي، أنشأه الكاهن المصري أريوس (256-336م)، وقد تلخص في أن البحث في المسيحية يجب أن يتأسس على فكرة الثالوث المقدس الأب والابن والروح القدس، وهو بذلك قد خالف تعاليم الكنيسة فيما يختص بشخصية المسيح.
حرم من كينسته فآواه يوسيبيوس رئيس أساقفة قيسارية وساعده فأصبح له مؤيدون في فلسطين وخارجها، فغدت فلسطين قلعة للأريوسية، وقد تركز بسببها الخلاف بين الغرب والشرق حتى أن الإمبراطور تدخل شخصياً في الأمر، فقد تبنى كونستانسيوس الأريوسية وفرضها على الأساقفة ونفي كل من رفضها، لكن موته عام 356م جعل الأمر يتم لخصوم الأريوسية، لذا فإن الأريوسية انتشرت فقط لمدة بين 325م و381م ثم تراجعت لتنتشر بين أقوام البرابرة وهي الشعوب التي بقيت خارج الحضارة اليونانية.
- النسطورية:
نشأت في القرن 5م على يد نسطورس، وتقول بوجود شخصيتين في المسيح إلهية وإنسانية وقد أتاح هذا المبدأ لأسقف القدس يوفنالس تحقيق استقلال كنيسته عن أنطاكية فنقل الرئاسة من قيسارية إلى القدس.
- المونوفوزية:
تعني الطبيعة الواحدة، أحدث هذا المبدأ رئيس رهبان كنيسة في القسطنطينية هو أوطيخا في القرن 5م وذهب فيه إلى أن المسيح فيه طبيعة واحدة هي الإلهية، وانتشر المبدأ في فلسطين وصار أتباعه يعتلون الكرسي البطريركي في القدس.
- المونولوتية:
باليونانية تعني الإرادة الواحدة، وقد أطلقت على من قالوا بوجود إرادة واحدة في المسيح هي الإرادة الإلهية، وقد نشأت المونولوتية في القرن السابع الميلادي 615م على يد البطرك سرجيوس، وقد قال بأن في المسيح طبيعتين إلهية وإنسانية ناشئين عن إرادة واحدة هي الإرادة الإلهية وقد أعجب هرقل بهذا المبدأ فأمر بنشره.
- الإسلام:
حين جاء الإسلام كانت فلسطين تحت حكم الإمبراطورية البيزنطية، وتطلع المسلمون إليها لعدة أسباب منها قربها من الجزيرة وكذلك قداسة أراضيها باعتبارها مسرى نبيهم وكذلك ما حوته من مقدسات أخرى للديانات المختلفة، وكونها أولى القبلتين.
قبل وفاة الرسول عليه السلام جهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ الخيل البلقاء والداروم في فلسطين، فأكمل أبو بكر النهج، فاختار عمرو بن العاص لفتح فلسطين وتحريرها، فالتقى المسلمون بقيادة يزيد بن أبي سفيان بالروم في وادي عربة وذلك عام 634م، والروم يومئذ بقيادة سرجيوس بطريق فلسطين، ونجح المسلمون في دحر الروم لكنهم اضطروا للتراجع إلى غزة بعد موت الكثير منهم، واستطاع عمرو بن العاص هزيمة الروم في أجنادين بين الرملة وبيت جبرين، فاضطر الروم بقيادة الأرطبون للتراجع نحو بيت المقدس، أضف إلى ذلك ما حققه المسلمون من نصر في اليرموك مما أخضع الشام لهم.
ثبتت الجيوش الإسلامية في فلسطين وفتحت المدن تباعاً من بيسان إلى طبريا إلى بيت جبرين ونابلس واللد وغزة ورفح وعسقلان ويافا وعكا وعمواس.
أثناء ذلك كان الخليفة أبو بكر قد توفي وتولي الخلافة بعده عمر بن الخطاب، وقام المسلمون بحصار بيت المقدس لمدة أربعة أشهر اشترط بعدها البطريق صفرونيوس أن يسلم المدينة لعمر بن الخطاب شخصياً، فقبل عمر وتسلم المدينة وكتب لأهلها ما عرف بعد ذلك في التاريخ الإسلامي باسم "العهدة العمرية"، لينتشر الإسلام في فلسطين ويستقر العرب فيها، وخصوصاً بعد اتخاذ مراكز للجند في طبريا واللد مما زاد من موجات الهجرة إلى فلسطين، كما وضعت حاميات في قيسارية وعسقلان ومنحت الأراضي لتوطينها في عهد عمر وعثمان.
استمر الاهتمام بفلسطين في العصور اللاحقة فبنيت مدينة الرملة وأعيد أعمار المسجد الأقصى في عهد الأمويين، وشجع الخلفاء الهجرة إلى فلسطين وفق متطلبات الجهاد، فهاجرت القبائل على أسس عسكرية واقتصادية، ومنحت الأراضي وأقطعت القطائع، وكان عثمان بن عفان قد سن سنة تقضي بأحقية المهاجرين إلى فلسطين بامتلاك المناطق النائية غير المأهولة والتي لاحق لأحد فيها.
وكان دخول الأقوام غير العربية في الإسلام سبباً في أن مسلمي فلسطين يرجعون إلى جنسيات مختلفة، وأكثرهم سنيون، ماعدا تلك الفترة التي وقعت فلسطين فيها تحت الحكم الفاطمي، فقد غلب عليها الطابع الشيعي الذي اختفى بعد قدوم صلاح الدين الأيوبي.
- الراشدون:
أخذ الإسلام يهتم بجدية بفلسطين وإن كانت علاقات الجزيرة العربية لم تنقطع معها على مر التاريخ، وذلك لارتباطها بمسرى الرسول (ص)، وكونها أول قبلة للمسلمين قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، إضافة إلى الآيات القرآنية وأحاديث الرسول عنها ومجموعة الغزوات التي جرت على أرضها.
بدأ العصر الراشدي بخلافة أبي بكر الذي كان أول عمل له إرسال جيش أسامة بن زيد الذي جهزه الرسول لفتح فلسطين قبل وفاته، لكن أبي بكر توفي وفلسطين لم تفتح بعد. واصل عمر بن الخطاب أداء مهمة أبي بكر، وانتقل بنفسه عدة مرات إلى ميدان القتال حتى أن التاريخ يذكر له أربع زيارات وهو ما لم يحدث مع بلد آخر أثناء فتحها.
كانت فلسطين قسماً من الأقسام الأربعة التي قسم عمر البلاد على أساسها، واحتفظ جند فلسطين بوضعه الذي أرساه عليه عمر بن الخطاب لزمن طويل.
كان عمرو بن العاص أميراً على فلسطين في عهد عمر، فلما سار لفتح مصر استخلف أبا عبيدة بن الجراح الذي جعل يزيد بن أبي سفيان أميراً على فلسطين، ومات أبو عبيدة في طاعون عمواس فاستخلف معاذ بن جبل على إمارة الشام، ومات معاذ فاستخلف يزيد بن أبي سفيان الذي وضع أخاه معاوية أميراً على فلسطين فأقره عمر، ولما توفي يزيد تولي معاوية إمارة الشام فأصبح علقمة بن مجزر أميراً على فلسطين. واستمر معاوية في إمارة الشام يولي الأمراء ويعزلهم حتى ما بعد العصر الراشدي.
ظلت الأرض ملكاً عاماً للمسلمين في فلسطين، يزرعها الناس مقابل خراج معين، وحافظ أصحاب الديانات الأخرى على دياناتهم مقابل الجزية.
تدفقت القبائل العربية إلى فلسطين بعد الفتح، غسان في اليرموك والجولان، الأشعريين في طبريا ومدين في ما بين تبوك والعريش وبيت جبرين وسكن أريحا جماعة من قيس وقريش، كما نزلت قبائل من لخم بين مصر والشام وسكن بنو بكر منطقة جنين وآخرون من مضر في نابلس.
أعطى موقع فلسطين لسكانها بعد الفتح دوراً كبيراً في حركة الجهاد سواء في رد المحاولات البيزنطية لاستعادة فلسطين أو في حركة الفتح الإسلامي، حتى أن معاوية أقام مصنعاً للأسلحة البحرية في عكا. مما وضع أساساً لأول أسطول إسلامي في عهد عثمان.
في الفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان وقف أهل فلسطين مع معاوية في المطالبة بدم عثمان وخرجوا معه للقتال في صفين، وعندما انتهت المعركة إلى قرار التحكيم، جرى التحكيم في منطقة أذرح بأطراف فلسطين الشرقية، وظل أهل فلسطين موالين لمعاوية ومن جاء بعده إلى أن توفي يزيد بن معاوية، فوقف نائل بن قيس الجذامي إلى جانب عبد الله بن الزبير وأعلن له البيعة.
خلق التنوع السكاني في فلسطين بعد الفتح تنوعاً حضارياً وتنوعاً لغوياً، فقام المسلمون بإنشاء دور العبادة ودور العلم في طول البلاد وعرضها، ولما كثر توافد الناس إلى دور العلم بعث لهم عمر بن الخطاب معاذ بن جبل الذي ظل يدرس فيهم حتى وفاته، فتولى التدريس بعدة عبادة بن الصامت حتى مات عام 34هـ.
كان من جراء هذا الدور الحضاري أن استعربت غالبية السكان في الشام وفلسطين، فغلبت الصبغة العربية على البلاد مما أدى إلى تعريب الدواوين بعد ذلك كضرورة تاريخية في عهد عبد الملك بن مروان.
- المذاهب الأربعة في فلسطين:
أ. الحنبلي: المنسوب إلى الأمام أحمد بن حنبل (780-855م)، وقد تأخر ظهور هذا المذهب في فلسطين إلى القرن الخامس الهجري وذلك بسبب الدولة الفاطمية التي قضت على المذاهب، وكان على فلسطين انتظار قدوم الأيوبيين ليعيدوا المذاهب إلى التعاملات الإسلامية، ومن أسباب تأخر المذهب الحنبلي في فلسطين أيضاً عدم وجود قضاة حنبليين، إضافة إلى تشدد الحنابلة وتعصبهم واختلافهم مع العامة واستخدام الشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انتشر المذهب الحنبلي في أواسط القرن الخامس الهجري بدءاً من القدس على يد أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي الحنبلي (توفي عام 1092م)، وقد كان فقيها واعظاً زاهداً، وقد عمل بعده زين الدين بن نخبة الحنبلي المعروف بابن نجا الحنبلي على نشر الحنبلية في القدس وما حولها وقد كان صلاح الدين يسميه عمرو بن العاص، ويعمل برأيه ويحضر مجلسه.
اشتهر عدد كبير من فقهاء الحنابلة بالوعظ وعملوا في الفقه والتدريس والتفسير، منهم أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب السعدي وعز الدين أبو بركات عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز البغدادي المقدسي الحنبلي. عين صلاح الدين أربعة أئمة بعد الفتح للصلاة في المسجد الأقصى فكان إمام الحنابلة يصلي بالمسجد الواقع تحت المدرسة السلطانية خلف منارة باب السلسلة، لكن هذه الوظيفة تركت لعدم وجود حنابلة في القدس، ومن فقهائهم المشهورين في فلسطين قاضي القضاة شمس الدين العمري العليمي الحنبلي المولود في الرملة، ولكن معظم الحنابلة كانوا من القادمين إلى القدس وليسوا مقيمين فيها.
ب. المذهب الحنفي: نسبة إلى أبي حنيفة النعمان الكوفي 699-767م، وهو من أقدم المذاهب المعمول عند مسلمي اليوم، وقد غلب على سواه من مذاهب السنة.
كان أمام الحنفية في فلسطين في عهد صلاح الدين يصلي بقبة الصخرة المشرفة، أما عن كيفية انتشار المذهب الحنفي فقد قامت الدولة العباسية بنشره في الأقاليم التابعة لها، فكانت الحنفية سائدة في الشام بين الشعب ونظام الحكم أيضاً.
انتهت رياسة المذهب الحنفي في القدس إلى قاضي القضاة خير الدين محمد بن محمد بن عمران الغزي المقدسي الحنفي، وقد وقف السلاطين وفاعلو الخير المدارس والزوايا على المذهب الحنفي، مثل الزاوية الحنفية بجوار المسجد الأقصى التي وقفها صلاح الدين الأيوبي.
من أهم المدارس الحنفية في عصر المماليك مدرسة الملك المعظم شرف الدين عيسى التي عرفت بالمدرسة المعظمية ومن شيوخها الأمام كمال الدين إسماعيل الشريحي وشمس الدين أبو عبد الله محمد الديري وخير الدين أبو المواهب خليل بن عيسى الباترتي وعلاء الدين أبو الحسين على بن شرف الدين عيسى بن الرصاص. ومن المدارس التي اشتهرت في العصر المملوكي وكانت تتبع المذهب الحنفي المدرسة المنجكية والمدرسة القادرية والمدرسة العثمانية والمدرسة التنكرية، ونذكر أنه في العهد المملوكي تحول كثير من فقهاء الشافعية إلى المذهب الحنفي، ولما استولي العثمانيون على مصر حصروا القضاء في المذهب الحنفي، وقام محمد علي بإلغاء العمل بالمذاهب الأخرى غير المذهب الحنفي في مصر، وما يزال المذهب الحنفي سائداً في كثير من البلدان إلى اليوم.
ج. المذهب الشافعي: نسبة إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن أدريس القرشي الهاشمي الشافعي المولود بغزة عام 767م والمتوفى في مصر عام 819م.
انتشر مذهب الإمام الشافعي في فلسطين فكانت من معاقل الشافعية في القرن الثالث الهجري، وقد قام الشافعيون في القرن الرابع بالاستئثار بالقضاء في الشام وفلسطين، وعاني المذهب الشافعي مثل بقية المذاهب مع قدوم الدولة الفاطمية، لكن مع مجيء الدولة الأيوبية حدثت الانتعاشة الكبرى حيث كان المذهب الشافعي هو مذهب الدولة الأيوبية الرسمي.
وجاء المماليك البحرية وظل سلاطينها شافعية حتى استحدث الظاهر بيبرس مبدأ القضاة الأربعة، لكنه ميز المذهب الشافعي بتوليه النواب في سائر البلاد وأفرده بالنظر في مال الأيتام والأوقاف، واستمر ذلك حتى قدوم العثمانيين الذين حصروا القضاء في الحنفية، ولم يؤثر في انتشار الشافعية في مصر وفلسطين.
عند سقوط القدس في أيدي الصليبيين استشهد عدد من فقهاء الشافعية مثل الشيخ أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين بن القاسم الأنصاري الرملي، أسره الصليبيون ثم قتلوه، كما قتل أيضاً أبو القاسم عبد الجبار بن أحمد بن يوسف الرازي، وعندما استرد صلاح الدين القدس كان إمام الشافعية يصلي بالناس في الأقصى، وكانت الشافعية فقهاً يدرس كمادة رسمية في المسجد الأقصى.
من أشهر مدارس الشافعية في فلسطين المدرسة الصلاحية ومن شيوخها بهاء بن شداد وابن عسكر الدمشقي. وقد كانت هذه المدرسة مصدر إشعاع علمي وثقافي وظلت كذلك لقرون طويلة، ومن المدارس الشافعية الشهيرة المدرسة الناصرية والمدرسة البدرية والمدرسة الميمونية.
ساهم علماء الشافعية في حركة التأليف فوضعوا الكثير من المصنفات في الفقه والحديث وأنفقوا على العلم من جيوبهم ومنهم من اشتغل بالعلم تبرعاً.
اعتبر العصر الذي سبق العصر العثماني العصر الذهبي للشافعية إذ كان لها سلطاناً مطلقاً على بلاد الإسلام الوسطى، وما يزال المذهب الشافعي يحظي بالمكانة الأولى في بعض البلدان.
د. المذهب المالكي: انتشر المذهب المالكي في الحجاز وبغداد وفارس والبحرين وقطر والكويت والسودان والمغرب العربي، وفي الأندلس، لذا لم تكن له مكانة خاصة في فلسطين كما كان لبقية المذاهب.
- القرامطة:
القرامطة هم فرقة من الباطنية الشيعة كان لها نفوذ امتد من البحرين إلى مصر في القرنين الثالث والرابع الهجري، إلا أننا هنا سنتعرض لعلاقتهم بما حدث على أرض فلسطين وليس إلى تاريخهم ذاته. وهم من حيث المبدأ الديني فرقة إسماعيلية، وتنسب إلى مؤسسها حمدان بن قرمط.
تعاظم جند القرامطة بعد مجموعة من الانتصارات في العراق وسورية فتوجه قائدهم زكرويه إلى طبريا فاحتلها وعاد وانسحب منها ومن ثم قتل على أيدي جيش الخليفة العباسي، وبذا خمدت حركة القرامطة في الشام لمدة نصف قرن في الوقت الذي كان فيه نفوذهم يتعاظم في شرق الجزيرة وشمالها، وفي عام 964م قام الحسن الأعصم أحد زعمائهم بالهجوم على الشام وأجبر حكام الشام الإخشيديين على دفع الجزية، وفي عام 968م دخل الرملة بتحالف مع الفقيه المالكي أبي بكر بن علي النابلسي نكاية بالفاطميين، وفي عام 971م سار الأعصم إلى الشام مرة ثالثة ولقي جيش الفاطميين وقتل قائده جعفر بن فلاح، وغادرها إلى الرملة ودخلها وقتل من فيها من المغاربة وحاصر يافا وتوجه منها للقاهرة.
هزم القرامطة هزيمة نكراء في معركتهم مع الفاطميين على أبواب القاهرة عام 974م، ولكنهم عادوا بعد سنتين بدعوة من القائد التركي أفتكين فوافاه أبناء أبي سعيد الجنابي عام 976م فوجههم معه بعض أتباعه إلى فلسطين، فأرسل الخليفة الفاطمي العزيز بالله حملة إلى فلسطين قادها جوهر الصقلي وتلاقي الجميع حول طبريا وتراجع القرامطة و أفتكين إلى دمشق فتابع الصقلي سيره نحوها، وبعد حوالي شهرين بدأ جيشه يعاني البرد وقلة المؤن فانسحب إلى الرملة حيث حوصر وهزم بعد حرب دامت سبعة أشهر، وجرت مفاوضات مذلة كانت نتيجتها أن خرج الصقلي من باب علق عليه سيف أفتكين ورمح القرمطي عام 977م.
بعد معركة قادها العزيز الفاطمي بجوار الرملة سنة 978م هرب القرمطي وأسر أفتكين، لكن العزيز لجأ للاتفاق مع القرامطة للكف عن الإغارة على الشام مقابل 30 ألف دينار سنوياً.
- الدروز:
فرقة إسلامية إسماعيلية فاطمية تؤمن بإمامة الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي تولى الخلافة عام 996م وقد تناقضت أعماله فاختلف فيه الناس إلى اليوم. وقد قضى على خصومه من الإسماعيليين؛ فأنشأت عقيدة التوحيد، التي عرفت بالدرزية على اسم مؤسسها إنشتكين الدرزي الذي أعدم في القاهرة 1019م.
اختفى الحاكم بأمر الله فجأة عام 1021م، واختفى حمزة بن علي مسؤول الدعوة واختفى أيضاً علي بن محمد الضيف المفتي بهاء الدين سنة 1043م.
تقبل هذه الدعوة أمراء تنوخ في لبنان وجماعات قليلة من سكان سورية وفلسطين، وقد أصبح العدد الأكبر من إتباع هذه العقيدة يتواجد في الشام بعد أن نُكل بهم على يد الحاكم بأمر الله وطاردهم، أما إقامتهم اليوم في فلسطين، ففي عدد من قرى الجليل منها دالية الكرمل وعسفيا وحرفيش وبيت جن وعين الأسد وكسرا ويانوح والبقيعة وكفر سميع وجت ويركا والنبي شعيب والمغار والراملة والمنصورة وأبو سنان وجولس وسجور.
اضطلع الدروز بدور كبير في مقاومة الاستعمار في بلاد الشام، وقاد زعيمهم سلطان الأطرش الثورة السورية الكبرى عام 1925م في بدايتها، أما في فلسطين، فمنذ عام 1948، جعلت مهم إسرائيل أقلية مميزة مستعينة ببعض زعماء الدروز المتعاونين معها، فأعلنت اعترافهما بهم طائفة دينية مستقلة وفرضت عليهم خدمة الجيش الإلزامية (1957) وأقرت الكنيست قانون المحاكم الدرزية (1962) وادعى الصهاينة أن ذلك بطلب من شيوخ الدروز.
ألّفت القوى الوطنية التقدمية الدرزية في الأرض المحتلة اللجنة الدرزية المستقلة وحملت مسؤولية إلغاء التجنيد الالزامي وإعادة الطائفة إلى أصلها كجزء غير منفصل عن الشعب العربي.
رغم ذلك لم تتوان إسرائيل عن مصادرة أراضيهم كغيرها من الأراضي، وما زالت كثير من أبواب العمل موصدة في وجه الدروز.
- الشيعة:
الشيعة هم من شايعوا الإمام علي على أنه أحق بالخلافة، وهناك دولتان تبنتا المذهب الشيعي كمذهب رسمي للدولة هما دولة بني بويه في بغداد سنة 945م، ودولة الفاطميين في مصر 968م.
انتشر هذا المذهب في فلسطين في القرن العاشر الميلادي، فكان أهل طبرية ونصف أهل نابلس شيعة، وقد قال الرحالة ناصر خسرو عام 1045: إن عدد سكان القدس نحو 20 ألفاً جلهم شيعة.
أنشأت الدولة الفاطمية في بيت المقدس دار العلم الفاطمية فرعاً للدار في القاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله سنة 1004م، وكان لها أكبر الأثر في انتشار المذهب في فلسطين. وقد ظلت الدار قائمة حتى سقطت القدس بيد الصليبيين.
في القرن السادس الهجري زار ابن جبير فلسطين فوصفها قائلاً: وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين، وقد عموا البلاد بمذاهبهم، وهم فرق شتى منهم الرافضة والأمامية والإسماعيلية والزيدية والنصيرية.
هدأت حركة التشيع بعد سقوط الدولة الفاطمية، وحاول الأيوبيون بعد ذلك نزع ما غرسه الفاطميون في نفوس الناس، أما في عهد أحمد باشا الجزار فقد وقعت عدة وقائع بينه وبين الشيعة عام 1780م في قرية يارون قرب صفد، وحاربهم الجزار لفترة عشر سنوات وأحرق آثارهم العملية حتى أنه ورد في الأثر "كان لأفران عكا من كتب جبل عامل ما أشعلها أسبوعاً".
لا وجود للشيعة اليوم كطائفة مستقلة في فلسطين، وقد نزح عنها مئات الشيعة اللبنانيين الذين أقاموا في شمال فلسطين في عهد الانتداب.
- الأرثوذوكسية:
أرثوذوكس مفردة يونانية تعني "الرأي المستقيم" وقد أطلقت على أتباع الدين القويم في المسيحية لتمييزهم عن أصحاب المذاهب الأخرى في المسيحية، وفي القرن 11م انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية، فعرفت الشرقية باسم الأرثوذوكسية والغربية باسم الكاثوليكية.
الكنائس الأرثوذوكسية جمعيها ممثلة في فلسطين، وفي كنيسة القيامة نفسها، الكنيسة اليونانية العربية الأرثوذوكسية وأتباعها الروم الأرثوذوكس، والكنيسة اليعقوبية "كنيسة السريان الأرثوذوكس"، والكنيسة الملكية.
بعد القرن 11م أصبحت الكنيسة الأرثوذركسية كنيسة مستقلة في فلسطين بطابع متميز عن الكنيسة العامة بدءاً من سنة 1054م.
بعد الفتح الإسلامي استقرت اللغة العربية في الكنيسة الأرثوذوكسية وكان بعض القساوسة يجيدون اليونانية والعربية، لكن اللاتينية حلت محلها أثناء الغزو الصليبي، فأصبح رعايا الكنيسة خاضعين لإدارة مملكة القدس اللاتينية.
تعرضت الكنيسة بعد رحيل الصليبين إلى اضطهاد المماليك، وتم تعيين بطاركة عرب في القدس، وكان آخرهم البطريك عطا لله أو دوروتاوس الثاني (1505-1534)، وبعدها بدأ العثمانيون بمنح حرية العبادة للمسيحيين وبالتالي تعيين بطاركة يونانيين، ومنذ القرن 19 بدأت العناصر العربية في الكنيسة بالمطالبة بحقوقها نتيجة لتعدد المدارس التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية في فلسطين والكنيسة الروسية الأرثوذوكسية التي نشطت وحاولت أن تحل محل الكنيسة اليونانية، ونتيجة لاعتماد اليونانيين على تأييد السلطان العثماني فقد رفضوا المطالب العربية حتى أن السلطان أقر أول نظام كنسي عام 1875 ولم يراع فيه حقوق العرب، تبدل هذا النظام عام 1934 من قبل البريطانيين لكن هذا النظام أيضاً ظل عاجزاً عن أنصاف العرب الأرثوذوكس، ومازال الصراع بين اليونان والعرب قائماً.
تشمل الكنسية الأرثوذوكسية في فلسطين الكرسي البطريركي في القدس وست مطرانيات في قيصرية وبيسان والبتراء وعكا وبيت لحم والناصرة، وست مراكز رئيس أساقفة في اللد وغزة وسيناء ويافا ونابلس وسبسطية وجبل الطور.
- الإشكنازيون:
أطلق لفظ الإشكنار على أحد الشعوب التي وردت في سفر التكوين، وأصلها اسم أحد أحفاد نوح، وقد أخذت تطلق على اليهود الألمان خصوصاً وعلى يهود أوروبا عموماً ابتداء من القرون الوسطى.
تميز الإشكنازيون بعدم تقبل حضارة الشعوب التي يعيشون على أرضها، وحافظوا على لغة الإيدش الخاصة بهم، وقد توصل قسم كبير منهم إلى غنى فاحش بسبب إدارة أموال الأمراء واحتكار المحالج والمناجم.
عقب التطور الاجتماعي الذي حدث في أوروبا الغربية، بدأت عملية طرد الإشكنار، وذلك بسبب رغبة البرجوازية في الحلول محلهم في إدارة الأموال، لأن الأشكناز تعسفوا حتى أصبحوا مضرباً للمثل في الجشع والاحتكار. فشهد القرن الرابع عشر الميلادي مجازر وحرائق ضدهم، وقد أخرجوا من انجلترا نهائياً مع نهاية القرن الثالث عشر، ومن فرنسا في نهاية القرن الرابع عشر ومن ألمانيا في نهاية القرن الخامس عشر. وذهب معظمهم إلى أوروبا الشرقية. وفي القرن 19 كان 87%منهم يعملون في التجارة . مع نفس الجشع والاحتكار والعمل بالربا الذي أخرجهم من أوروبا الغربية فتكررت محاربتهم عندما انتقلت أوروبا الشرقية من الإقطاع إلى الرأسمالية.
يعتبرون المؤسس الفعلي للحركة الصهيونية، وقد شغلوا أهم المناصب في دولة إسرائيل بعد قيامها، وشكلوا حتى نهاية الخمسينات أغلبية سكان إسرائيل.
ظلوا حتى في إسرائيل متعالين على بقية الطوائف ولهم حاخامهم المستقل ويرفضون الاندماج مع بقية اليهود "السفارديم".
- السفرديون:
هم يهود إسبانيا وحوض المتوسط (أي الذين ليسوا أشكناز)، وتحمل الكلمة (سفرد) دلالة دينية إلى جانب الدلالة الاجتماعية، لأن طقوسهم الدينية هي استمرار للطقوس اليهودية التي نشأت في بابل، كما أن عبريتهم مختلفة عن عبرية الإشكناز، ولكن بالنسبة للحديث اليومي فإنهم يتحدثون اللغة التي تتبع البلاد التي جاؤوا منها.
يشكل السفرديون 10% من يهود العالم، ولم تبذل الحركة الصهيونية جهداً لتهجيرهم في البدايات لأن اليهودي بتعريفها هو (الإشكنازي). بل ذهب بعض الباحثين اليهود إلى القول بأن السفرديم "ليسوا يهوداً"، ومع ذلك فقد استمرت هجرتهم إلى أن أصبحوا 50% من سكان إسرائيل، لكن السفرديم مازالوا يعانون من التفرقة، فهم لا يحتلون مراكز عليا، فالتفرقة متغلغلة على المستوى الثقافي كذلك (5% من مجموع الخريجين، ولا يزيد معدل التزواج مع الإشكناز عن 17%.)
- البابية:
ليس لهذا المذهب علاقة قوية بفلسطين، غير أن قبر مؤسسة نقل خلسة إلى حيفا وله فيها ضريح أصبح مزاراً لأتباعه.
البابية مذهب ديني ظهر في 1843م في إيران على يد الميرزا علي محمد رضا الشيرازي الذي أدعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر المستور فعرف مذهبه بالبابية.
كتب كتاباً ضم تعاليمه اسماه البيان، وأصدر العلماء فتوى بارتداده عن الإسلام وبقتله، وقد سجن ثم أعدم عام 1850م.
- البهائية:
حركة دينية تنسب إلى البهاء حسين بن علي المازندراني (1817-1892م)، الذي كان هو وأخوه الأكبر من أتباع البابية، وبعد إعدام الباب سنة 1850م، نفاهما العثمانيون، الكبير إلى قبرص، والبهاء إلى مكان قرب عكا يدعي البهجة، وقد دفن البهاء في عكا وخلفه ابنه عباس أفندي الملقب عبد البهاء (1844-1921م).
تركزت دعوة البهاء على إنشاء دين جديد فكتب كتاباً سماه الأقدس وهو نسخ لكتاب البيان للباب، ثم كتب الإيقان والاشراقات، وجعل كتابه الأقدس في عداد الكتب السماوية، وادعى أنه المسيح المنتظر وأنه يرى الله، وأخيراً ادعى الإلوهية.
كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين اليهود الذين دفعوه ليعلن نفسه رباً للجنود، وقد أكمل ابنه دعوة اليهود للاجتماع في الأراضي المقدسة، وفي المؤتمر 37 لضباط المقاطعة التابع لجامعة الدول العربية تقرر مقاطعة البهائيين واعتبارهم مرتبطين بالصهيونية، لكن البهائيين العرب يدفعون هذه التهمة عن أنفسهم.
- الصهيونية:
حركة تهدف إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين، أخذها المفكر اليهودي ناثان برنباوم من كلمة صهيون، وتستند إلى اعتقاد يهودي بعودة المسيح ليحكم العالم من جبل صهيون في فلسطين وقد قام الصهاينة بتحويل هذا المعتقد إلى برنامج سياسي، يعتمد في الأساس على مقولة أنه لا يمكن حل مشاكل الشعب اليهودي المشتت إلا بالعودة إلى فلسطين.
ويعيد الصهاينة جذور
الحركة الصهيونية إلى الدين اليهودي ذاته مع العلم أن التوراة تحرم العودة إلى أرض الميعاد إلا عن طريق مبعوث إلهي هو المسيح. ولذلك فإن هناك جماعات يهودية عارضت الصهيونية أبرزها جماعة "ناطوري كارتا".
ولنعد إلى البداية في تشكيل هذه الحركة، فقد شهد شرق أوروبا تحولاً من الإقطاع إلى الرأسمالية صاحبة انفجار سكاني نتج عنه وجود أعداد كبيرة من اليهود لم تتمكن المجتمعات الرأسمالية من استيعابها فنشأت بذلك "المسألة اليهودية". ومن ضمن الحلول العديدة التي طرحت للمسألة اليهودية برز الحل الصهيوني الذي قال بعودة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها.
بدأ هرتزل بتنظيم المسألة ابتداء من نهايات القرن 19م، ودعا إلى عقد المؤتمر الأول في بال بسويسرا 1897م، وقد قرر من البداية الاعتماد على دولة امبريالية كبيرة ولذا فقد توجه إلى العثمانيين والفرنسيين والألمان والإنجليز كدول لها نفوذ ومصالح في المنطقة وقد توجت جهوده بالحصول على وعد بلفور عام 1917م.
وتقسم المدارس الصهيونية إلى فرقتين أساسيتين: صهيونية استيطانية وصهيونية تدعيمية الأولى تهدف إلى تجميع اليهود وتوطينهم في فلسطين والثانية تهدف إلى تجنيد اليهود أينما كانوا لخدمة الأولى. ومن مؤسسات الصهيونية الاستيطانية مثلاً: الهستدروت والكيبوتس والهاغاناة أما الصهيونية التدعيمية فاشتهر من مؤسساتها الوكالة اليهودية "المنظمة الصهيونية العالمية".
وتنكر الصهيونية على يهود الشتات حقهم في الانتماء إلى الشعوب التي يعيشون فيها، ولذا فإن بعض اليهود الأرثوذوكس يعتبرونها نوع من الكفر.
- الحالوتسيم:
كلمة عبرية تعني رواد أو طلائع، وقد أطلق هذا الاسم على تيار الهجرة الثانية بين 1904-1914م. وكان كثير من هؤلاء المهاجرين أعضاء في جمعيات ثورية روسية وترجع أصول هذا التيار إلى أحداث 1905 في روسيا والاضطرابات ضد اليهود، ويفترض في الحالوتس أن يكون مضحياً بذاته وعلى استعداد لحياة النسك من أجل الجماعة. وأن يكون مهتماً بالعمل الزراعي وبإحياء اللغة والثقافة العبريتين.
وقد رفض الحالوتسيم فكرة الشتات وآمنوا بفكرة عودة يهود العالم إلى فلسطين، وقد أوجزوا أهدافهم في ثلاث نقاط: أرض عبرية وعمل عبري ولغة عبرية. وبرزت في تلك الفترة الدعوة إلى احتلال الأرض وممارسة العمل العبري، وساهم الحالوتسيم في فكرة الحراسة الذاتية للمستعمرات الصهيونية في
فلسطين، وهذا سبب ارتباط الريادة بالكيبوتسات الزراعية.
يعتبر أهارون غوردون الأب الروحي المؤسس للحالوتسيم الذي استمد دعوته من التوراه وهي تنص على تقديس العمل كجزء من الدين.