منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  "الجينوسايد"... (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 "الجينوسايد"...  (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات Empty
مُساهمةموضوع: "الجينوسايد"... (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات    "الجينوسايد"...  (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات Emptyالسبت 13 يناير 2024, 11:37 pm

"الجينوسايد"...  (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات
لم يكن العالم حتى العام 1942 قد عرف بعد المصطلح الأكثر تردّدا في منطقتنا خلال العشرين عاما الماضية "الجينوسايد" (


الإبادة الجماعية). في ذلك العام، ومن وحي ما شهده من أحداث تسببت بمقتل عائلته وأصدقائه في معسكرات الاعتقال 


النازية، ابتدع الباحث والقانوني رافاييل ليمكين هذا المصطلح، عبر دمج معنيين لكلمتين لاتينيين، "جينو" (أو الجين)، 


و"سايد" وتعني القتل، لتأتي الكلمة الجديدة بمعنى مستحدََث وذي دلاله على قتل "الجين" أو النسل لجماعة ما بغرض منع 


استمراره.


تولى ليمكين، في هذه الفترة، مهمّة التعريف بما يسميه القانونيون والباحثون اليوم أم الجرائم، وتوّج عمله بـ"المؤتمر 


الدولي لجريمة الجينوسايد" الذي نظّمته الأمم المتحدة العام 1948، والذي عرّف هذه الجريمة ووضع قواعدها. وفي الحقيقة، 


لا يختلف التعريفان الموضوعان للجينوسايد الذي أوجده ليمكين والآخر الذي تبنته الأمم المتحدة كثيرا، اذ إنهما جاءا 


متطابقيْن في التركيز على نية تدمير مجموعة عرقية أو إثنية أو قومية أو دينية معينة، سواء كليًا أو جزئيًا. بيد أن بعض 


أجزاء التعريف ما تزال مفقودة، خصوصا تلك التي تكمن في المعنى الأساس الذي حاول ليمكين إيصاله.


كان ليمكين واضحا في قوله إن تدمير الجماعة يستهدف أسس حياة هذه الجماعة. بمعنى آخر، يستهدف التدمير هوية الناس 


ووجودهم في الماضي وقت حدوث عمليات الإبادة والاستهداف، وفي الحاضر حيث العمليات التي قد تكون مستمرّة وفي 


المستقبل أيضاً. ولا تحدُث هذه الإبادة فقط عبر العنف المباشر، كما جاء في تعريف الأمم المتحدة، والذي اختزل "


الجينوسايد" بقتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهذه الجماعة، وإخضاع الجماعة عمداً لظروفٍ 


معيشيةٍ يُراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، وأخيرا 


نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى، بل عبر أنواع أخرى من العنف لم تتحدّد في التعريف بشكل واضح.


التركيز على العنف المباشر فقط يجعل من التمييز بين "الجينوسايد" وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية صعبا


في المقابل، كانت الترجمة العربية لمصطلح "الجينوسايد" أكثر شموليةً من خلال وصفها بالإبادة الجماعية، فاستمرار 


الجماعة لا يعني، بالضرورة، عدم تعرّضها إلى القتل و إيقاف الإنجاب القسري أو الأذى الجسدي، فالجماعة أشبه بالفرد 


تتكوّن من جسد وروح، والمقصود بالروح هنا هوية الجماعة، فعلى سبيل المثال، منع مجموعة ما من التحدث بلغتها ومنع 


تدريس هذه اللغة يمكن أن يقضي على مستقبل هويتها ويمحو وجودها كليا أو جزئيا، وهذا ما لمستُه في زيارتي مناطق شعب 


المايا في المكسيك، حيث منع هذا الشعب خلال فترة الاستعمار الاسباني من تعلم لغة أجدادهم مع تدمير ممنهج لكل الكتابات 


والمخطوطات الأمر الذي أوجد فجوة كبيرة قضت على جزء مهم من هوية هذا الشعب الذي لا يملك اليوم القدرة على قراءة ما 


كتبه أجدادهم، ليندمجوا بشكل شبه كلي في جسد هويةٍ اختارها الاستعمار بشكل إجباري.


عليه، لا تقتصر مساحة الجرائم التي تندرج ضمن الإبادة الجماعية على العنف المباشر، بل تتجاوزه إلى العنفين، الهيكلي 


حين تٌعامل الجماعة بشكل عنصري من دون حقوق كاملة، وكذلك العنف الرمزي أو الثقافي الذي يبرّر العنفين المباشر 


والهيكلي، من خلال إيجاد صور نمطية تجعل من ممارسة العنف أمرا طبيعيا، لا العكس.


ووفقا لذلك، كان تعريف "الجينوسايد" الأممي، المقرّ قبل أكثر من 75، والذي جاء تحت شعار "لن يحدُث مطلقا مرّة أخرى" 


كان محاطا بغموض كبير، ولم يضع قواعد واضحة للتمييز بين فظائع العنف الجماعي، وخصوصا جرائم الحرب والجرائم ضد 


الإنسانية والإبادة الجماعية، ما تسبّب بفقدان القدرة على منع الإبادة، كما كان مقترحا من الأساس في مؤتمر العام 1948، 


وما جرى لمواطني رواندا والبوسنة والهرسك والأيزيديين في العراق خير مثال، فالعالم بقي متفرّجا رغم توافر الأطر 


القانونية التي تتيح للقوى العالمية، وخصوصا الغربية، التدخّل عبر بوّابة الأمم المتحدة لإيقافها.


يمكن إثبات أن أركان نظام إسرائيل السياسي انخرطوا في خطابات منظمّة كمحاولة لنزع الصفة الإنسانية عن الشعب 


الفلسطيني في غزّة


التركيز على العنف المباشر فقط يجعل من التمييز بين "الجينوسايد" وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية صعبا، إذ يمكن 


أن تبرّر بعض هذه الجرائم على أنها صراع داخلي، تُمنع الدول بموجب قوانين حماية السيادة من التدخّل لإيقافه. وقد دفع هذا 


الأمر بالتحديد أكاديميين عديدين خلال العقود القليلة الماضية باتجاه إيجاد آلياتٍ لفهم المؤشّرات التي تدلّل على إمكانية وقوع 


"الجينوسايد"، وبالتالي، محاولة إيقافها قبل أن يقتل الضحايا، وبعيدا عن أي اشتباك مع الجرائم الأخرى، فكان التركيز على 


جزئية النية أو القصدية الواردة في التعريف الأممي لـ"الجينوسايد". وواحدة من أهم المؤشّرات التي اتفق عليها الأكاديميون 


والمختصّون في كشف "الجينوسايد" ومنعه هو خطاب نزع الإنسانية (Dehumanization) الذي يطلقه مرتكبو الجريمة 


قبل وقوعها وفي أثنائه، والمقصود بهذا الخطاب التصريحات العامة عبر وسائل الإعلام العامة للحطّ من القيمة الإنسانية التي 


تحملها الجماعة الضحية عبر إطلاق تسمياتٍ تُنتج صورا نمطية تعزّز العنف الثقافي والرمزي، ما يتيح استخدام العنف من 


دون الشعور بتأنيب الضمير الذي يرافق القتل بغرض منع استمرار الجماعة بشكل كلي أو جزئي. وتكرّرت بالفعل هذه 


الخطابات مع جميع الإبادات الجماعية المسجلة في كتب التاريخ، فكثيرا ما يستخدم المجرمون عبارات الصراصير والجرذان 


والحشرات والخنازير وغيرها قبل وقوع الجريمة بفترةٍ ليست بعيدة.


وفي قضية الإبادة الجماعية في غزّة المقامة الآن في محكمة العدل الدولية، يمكن إثبات، وبلا أي شك، أن أركان نظام إسرائيل 


السياسي قد انخرطوا في خطابات منظمّة كمحاولة لنزع الصفة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، عبر استخدام 


عبارات "حيوانات بشرية"، وعبارات أخرى من قبيل "ضرورة استخدام سلاح نووي" وغيرها من عباراتٍ سبقت وترافقت 


مع هجمات عسكرية أودت بحياة أكثر من 1% من سكان القطّاع، وعبر عمليات عسكرية استخدمت فيها قنابل تزيد في 


قدراتها القنابل النووية، مع تهجير قسْري ومنع حقّ المدنيين في التنقل بشكل آمن، أو حتى الوصول إلى الماء والكهرباء 


بوصفهما عنصرين أساسييين للبقاء.


ومع استمرار هذا الخطاب اللاإنساني بحقّ شعب محاصر منذ سنوات طويلة، عبّرت إسرائيل رسميا عن خططها ونيّتها 


المسبقة لتدمير قطاع غزّة وسكانه بشكل كلي أو جزئي، لتتحقّق بذلك جميع الأركان الثلاثة المعتمدة في التعريف القانوني 


الدولي لـ"الجينوسايد"، الهوية والعنف والقصدية. وهذه الأركان هي المبادئ التي يمكن استخدامها لتقرير ما إذا كانت 


الجرائم أو أعمال العنف التي وقعت في مكان معين ضد مجموعة معينة للقضاء على هذه المجموعة تعتبر إبادة جماعية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75477
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 "الجينوسايد"...  (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات Empty
مُساهمةموضوع: رد: "الجينوسايد"... (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات    "الجينوسايد"...  (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات Emptyالثلاثاء 16 يوليو 2024, 7:17 am

الإبادة الجماعية في غزة: اغتيال الحقيقة والتغاضي الدولي
إنّ واقع العالم اليوم يعكس مأساة متجددة لتاريخ يعيد نفسه، مما يذكر بقول أينشتاين: "من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة". ففي عام 1919، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، اجتمع المنتصرون – إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان – ووقعوا على معاهدة فرساي في باريس، معلنين تأسيس عصبة الأمم المتحدة. كان الهدف منها، كما هو واضح من ميثاقها الذي يحتوي على 26 مادة، إشاعة السلام ومنع تكرار مشهد الحرب العالمية الأولى، وضمان الأمن المشترك وتسوية النزاعات بين الدول من خلال التفاوض والدبلوماسية.

عملت عصبة الأمم من خلال مجلس تنفيذي يضم الدول العظمى، ما عدا الولايات المتحدة، وتكونت في البداية من الأعضاء الأربعة الدائمين، وهم: بريطانيا العظمى، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان. انضمت ألمانيا، التي هُزمت في الحرب، كعضو دائم في المجلس في عام 1926، لكنها انسحبت مع اليابان في نفس العام.

فشلت عصبة الأمم بشكل واضح في تحقيق أهداف تأسيسها، وأُعلنت وفاتها في 20 أبريل/نيسان 1946، بعد أن أثبتت عجزها عن حل المشكلات الدولية، أو فرض هيبتها على الدول. لم تستطع إلزام اليابان بعدم غزو منشوريا، أو إيطاليا بعدم غزو إثيوبيا، والأهم أنها لم تستطع منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

حرب عالمية أخرى، ومنتصرون آخرون، واجتماع آخر، ولكن هذه المرّة في سان فرانسيسكو في 26 يونيو/حزيران 1945، صاغوا إراداتهم ومصالحهم ووضعوها موضع التطبيق العملي المؤسَس مرة أخرى، لضمان عدم تكرار ما شهده العالم من ويلات وأهوال في الحرب العالمية الثانية، التي سقط فيها هذه المرة 40 مليون مدني و20 مليون جندي، نصفهم تقريبًا في الاتحاد السوفياتي، وضمان حفظ الأمن والسلم الدوليين وإشاعة التعاون بين دول العالم. تبنى المجتمعون ميثاق الأمم المتحدة، حيث تحاشوا إيراد مفردة "الحرب" في أي من أحكامه، ليضعوا قواعد جديدة لحكم العالم بنسخته الجديدة.

من المفارقات التي أصبحت حقيقة متكررة، أنّ المنتصرين الذين بشروا بالحرية والإنسانية ووضعوا قواعد العالم الجديد ميثاقًا وقانونًا دوليًا وعلاقات دولية، هم أنفسهم من كانوا في ذات يوم التوقيع على ميثاق المنظمة الوليدة، يوم 26 يونيو/حزيران 1945 في سان فرانسيسكو، يحتلون نصف العالم، ويعيثون في الجزائر، والهند، وفيتنام، وفلسطين، وغيرها الكثير على مساحة العالم وامتداده، فسادًا وقتلًا واستغلالًا وإفقارًا، ليُحَولوا ذلك الميثاق منذ ولادته ليوم وفاته، إلى أداة من أدوات الكولونيالية في شكلها الجديد التي تحفظ وتحمي وتدافع عن مصالحها بمنتهى الفجور في غالب الأحوال.

إن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، كاشفة عن ذلك العوار وليست منشِئة له. ما يجدر ذكره أن عدد الشهداء الذين قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة تجاوز، وقت كتابة المقال، 38 ألف فلسطيني، حوالي 75٪؜ منهم من الأطفال والنساء، و80 ألف جريح، وأبيدت عائلات بأكملها عندما قصفت منازل على رؤوس ساكنيها، وجرى تدمير 80٪؜ من أحياء غزة ومساكنها، و9 من كل عشرة في غزة نزحوا من منازلهم أكثر من مرة.

يشير تقرير أصدرته مجلة "لانست" الطبية البريطانية الرصينة والذي صدر قبل أيام، إلى أن عدد الوفيات المتوقع في غزة حتى أغسطس/آب القادم، بالقتل المباشر من قبل قوات الاحتلال أو غير المباشر جراء ما تفرضه من تجويع ومنع وصول الأدوية، وتدمير المرافق الطبية، ومحطات الصرف الصحي، ومحطات مياه الشرب، وتكدّس آلاف أطنان القمامة، وانتشار الأوبئة، سوف يصل إلى 186 ألف شخص، أي ما نسبته 8٪؜ من السكان، ما يوازي 27 مليونًا و349 ألف أميركي، وما يوازي 5 ملايين و437 ألف بريطاني، وما يوازي 6 ملايين و660 ألف مواطن ألماني.

كل ذلك يتمُّ على مرأى ومسمع العالم المتحضّر، المنتصر في الحرب العالمية الثانية والذي أخذ عهدًا على نفسه بعدم تكرار الإبادة أو الحروب، بل إن عدم وقف إطلاق النار حتى اليوم، يعني بالنتيجة إعطاء دولة الاحتلال ضوءًا أخضرَ ومزيدًا من الوقت للمضي قدمًا في جريمتها في زمن ومكان يُحسب فيه الوقت بجثث الأطفال وكاسات الماء وحبات الدواء.

إن هذا الاستعلاء العنصري الدولي، لم يقف صامتًا فقط على الجرائم المرتكبة في الجنوب بحق دول وشعوب وجماعات عرقية وثقافية، بل تخضبت كل مكوناته بدماء الأبرياء عندما شارك مباشرة في ارتكاب الإبادات الجماعية، أو تسهيل ارتكابها في رواندا وسربرنيتسا، وسابقًا على ذلك بحق اليهود في أوروبا.

كما ارتكب أبشع انتهاكات القانون الدولي وجرائم الحرب في كوريا، وفيتنام، والعراق، وأفغانستان، ولبنان، وبنما، وكوبا. ذلك هو انحطاط لحضارة تدّعي الإنسانية والعدالة والعقلانية، وهو ما يوجب تغيير النظام العالمي لنظامٍ – أكثر عدالة يوفّر للجميع مكانًا تحت الشمس – قائمٍ على التوازن والمبادئ وصيانة السلم العالمي، وتعزيز التعاون الدولي بين أنداد أكْفاء وليس بين سادة وعبيد، بين ثقافات مختلفة ومتنوعة تغني الحياة البشرية والوجود الإنساني، وليس بين ثقافات خيرة وأخرى شريرة تؤسس لصراعات خطيرة زائفة ولكنها وجودية.


إن تلك الحقيقة ليست يوتوبيا حالمة أو خطابًا غاضبًا أو انفعاليًا، بل هي جوهر الحكاية وأصل المشكلة مهما زينوا لنا سيئات أعمالهم.

إن عدم تطبيق قواعد العدالة والمحاسبة يؤكد ليس فقط ازدواجية المصالح والكيل بمكيالين، بل على أفول ذلك المقدس الذي وضعه المنتصرون وحكم العالم بحيث أصبح أضيق وأوضع من أن يوقف الدم والإبادة والظلم والاستغلال في فلسطين وفي معظم العالم. فالحرب كاشفة لكل ذلك ولحقيقة أن القانون الدولي هو لبعض الجماعات وليس لكلها.

إن ما يحدث في فلسطين، يضع مصداقية النظام الكوني للعدالة موضع اختبار حقيقي وأخير في قدرته على الاقتراب من العدالة المغيبة في فلسطين، وفي إعمال مبدأ المحاسبة، وضمان أن من أمر ونفذ الجرائم المتلاحقة في فلسطين سوف يخضع للمحاسبة.

إنّ تغييب العدالة في فلسطين يهدد الأمن والسلم الدوليين على نحو خطير، ويشكل رخصة أخرى للتضحية بالمكلومين والمستضعفين المحميين بموجب قواعد القانون الدولي. هؤلاء الذين يتملكهم الشعور الدائم بأن العدالة في خصام مزمن معهم؛ بدليل عدم اقترابها منهم ولو لمليمتر واحد على الرغم من فظاعة الجريمة وبشاعتها وتكرار ارتكابها ونقلها مباشرة، عابرة للحدود وفروق التوقيت.

ذلك النظام الآفل هو ذاته الذي يعطي الخمسة في مجلس أمن الأمم المتحدة، منذ 79 عامًا حقًا قانونيًا ومطلقًا في التحكم في مصير العالم، في الخير والشر، السلم والحرب، ويحرم دولًا ذات وزن حضاري وبشري وإسهام لافت في الاستقرار والسلم والتعاون الدولي وبما تمثله من جغرافيا وتاريخ، كالهند ومصر والبرازيل على سبيل المثال، من العضوية الدائمة فيه، لتسهم بدورها في حفظ وصيانة الأمن والسلم الدوليين.

إن هذا النظام الآفل، يحرم العالم المتغير والمتنوع من حقه في العمل على عالم أكثر عدلًا وتوازنًا وأكثر عقلانية، تحكمه علاقات متكافئة تؤسس لسلام وتعاون دولي قائم على رفض الحروب والاحتلالات والاستغلال واحترام كرامة البشر وحقوق الإنسان والعدالة.

إنه النظام الكوني الجديد الذي يواصل إنتاج تلك المصالح التي أنتجت كل ويلات ومآسي البشرية، وسوف يواصل التحلل من القواعد القانونية والأخلاقية ويهدد على نحو خطير، كما هو الحال القائم الآن، الاستقرار والسلم الدوليين، لتصبح القضية الكونية إما ثنائيات بالغة الخطورة: العدالة للجميع أو قانون الغاب، التعاون القائم على التكافؤ والمساواة واحترام السيادة وحق تقرير المصير، أو الاستعلاء العنصري، والثقافي، والظلم والاستغلال.

يجب وقف دفن الرؤوس في الرمال وأن تسمى الأمور بمسمياتها، ارتباطًا بفجور ما وصلت إليه أحوال البلاد والعباد في فلسطين الذين يتعرضون لأخطر الجرائم على الإطلاق؛ الإبادة الجماعية، في ظل مؤامرة هؤلاء الذين يتسيدون العالم ومجلس أمن الأمم المتحدة، وفي أحسنها مؤامرة من الصمت الرهيب، هي بذاتها رخصة للقتل.

قسّم برنارد لويس العالم إلى ثقافة أسمى هي ثقافة الغرب التي أنتجت الحضارة والعقلانية، وأخرى أحط، هي الإسلامية الشرقية، التي تنتج إرهابًا ودمارًا وتخلفًا، وهو ما يعني أنها عبء على هؤلاء الذين يستحقون الحياة، المتحضرين التنويريين العقلانيين؛ لينزع عنها وعن منتسبيها، شِيبِها وشبابِها ونسائِها ورضّعها، كل الصفات الإنسانية، فهم "فائض بشري" و"عبء إنساني". وهو ما يفسر ذلك السلوك المتوحش والمتواطئ للغرب في الجريمة المتواصلة على الشعب الفلسطيني، بمختلف صوره الأنجلوسكسونية أو الفرنكوفونية وما بينهما.

إن ما يحدث في فلسطين هو اغتيال للحقيقة، وكما يقول الفيلسوف أحمد برقاوي، إن من يغتالها يعلم أنها الحقيقة، ولكنه ينكرها، أو يزيفها، أو يختلق حقيقة مناقضة ولا وجود لها أصلًا، حيث تُخلق تصورات تنطوي على تمثلات وعناصر واقعية لحقيقة زائفة، أي صناعة منظمة ومدركة وموعَى بها للكذب وإعادة إنتاجه وتعميمه وخلق جمهور ومريدين ومنظرين له.

إن أخطر ما في اغتيال الحقيقة هو تبريرها الأيديولوجي للإبادة الجماعية وكل الجرائم المرتكبة في فلسطين، في افتراق عن كل ما هو مشترك إنساني.

ذلك كله هو ما يؤكد أن ما بدا أنه ثابت بعد الحرب العالمية الثانية من قواعد قانونية وأخلاقية، وهي التي حكمتها المصالح واحتكار القرار وتقسيم العالم وهندسته بما يجعل منه خاضعًا وتابعًا، لم يحافظ لا على أمن ولا على سلم، بل ساهم في انتشار الحروب والجرائم والمجاعات والفقر والعنصرية واعتيادها، كما لم تعهده البشرية يومًا في تاريخها، بل يضع العالم كله أمام إرهاصات حرب كونية لا تبقي ولا تذر، مما يستوجب وضع نظام كوني أكثر عدالة لعالم تغير كثيرًا بعد 79 عامًا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
"الجينوسايد"... (الإبادة الجماعية) التعريف والمؤشّرات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإبادة الجماعية génocide
» مصطلح “الإبادة الجماعية”
» دروس عام من الإبادة الجماعية
» قضايانا ورؤيتنا؛ إضاءة بضياء أهل الرأي والفكر (الإبادة الجماعية في فلسطين)
» عقيدة الإبادة الجماعية الجديدة في إسرائيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: مواضيع ثقافية عامة :: مقالات-
انتقل الى: