التحايل على نظام اللجوء... ادعاء المثلية الجنسية لنيل الحماية الأميركية
يتورط عاملون في مكاتب محاماة وخبراء أميركيون مختصون في إعداد ملفات الهجرة واللجوء في التحايل على النظام، عبر مستندات مزورة وقصص ملفقة يدّعي فيها روس وعرب وجامايكيون أنهم مثليون جنسياً ويعانون الاضطهاد في بلادهم.
- نال الشاب الموريتاني رحيم وضع الحماية القانونية المؤقتة Temporary protected status عام 2017 بعد تقدمه بطلب لجوء في أميركا، مدعياً تعرّضه للاضطهاد بسبب ميوله الجنسية، عبر تقرير حصل عليه من مستشفى عمومي في بلاده مقابل المال، وجاء فيه أنه تعرّض للضرب والتعنيف، كما يقول لـ"العربي الجديد"، موضحا أن كثرة الأدلة والمبالغة تورطان المتقدم وقد يكشفان حقيقة الأمر. وبهدوء تام متقمصا دور الضحية، استطاع رحيم، مكتفيا باسمه الأول تجنبا للمساءلة القانونية، إقناع ضابط الهجرة في دائرة خدمات الجنسية والهجرة التابعة لوزارة الأمن الداخلي و3 قضاة في مدينة نيويورك أجروا معه مقابلات خلال النظر في ملفه، بما يريد وتمرير قصته، وفي النهاية تم اتخاذ قرار بمنحه اللجوء على أساس الانتماء لمجموعة محددة (المثليين) "Particular Social Group". "لستُ مثلياً، لكن المرور نحو الحلم الأميركي تطلّب ادعاء الأمر"، يقول رحيم لـ"العربي الجديد"، وهو واحد من 5 أشخاص يوثق التحقيق سلوكهم الاحتيالي لقبول طلبات لجوئهم إلى أميركا، عبر الادعاء بتعرّضهم لانتهاكات في بلدانهم الأصلية، نتيجة ميولهم الجنسية وأنهم قد يتعرضون للسجن.
الخيار الأسهل
"يعد طلب اللجوء عبر أسباب تتعلق بالميول الجنسية الأكثر سهولة من حيث الإثباتات المطلوب تقديمها، ليعتبر المتقدم مؤهلا للموافقة على حالته في الولايات المتحدة وأسرعها، إذ يحتاج الأمر إلى شهادة من أحد أفراد الأسرة في البلد الأم، تفيد بأن طالب اللجوء ينتمي إلى مجتمع الميم، ولا يشترط أن تكون مصدّقة من دوائر رسمية، بالإضافة إلى شهادة طبية تثبت تعرّض الشخص للتعنيف بسبب ميوله، وشهادة من طبيب نفسي في أميركا، وبطاقة عضوية في أي جمعية أو منظمة أميركية مختصة بتمثيل أو الدفاع عن المثليين، ويعد الحصول عليها أمرا في غاية السهولة بعد التسجيل إلكترونيا ودفع رسوم تتراوح بين 35 و40 دولارا، دون أية محاولة للتأكد من الهوية الجنسية للمتقدم، مع ضرورة إغلاق جميع الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا تستطيع دائرة الهجرة التعرف على حقيقة المتقدم خلال التحقيق"، بحسب ما يكشفه الثلاثيني الموريتاني مرابط، مكتفيا باسمه الأول كما عرّف عن نفسه لدى لقاء معدّة التحقيق به، والذي يقيم منذ 10 أعوام في الولايات المتحدة الأميركية ويساعد طالبي اللجوء للحصول على وضع الحماية القانونية المؤقتة بهذه الطريقة، التي تبدأ من رواية يدلون بها أثناء استدعائهم للمقابلات، كما يدرّبهم على طرق التصرف خلال مقابلتهم قاضي الهجرة من أجل إقناعه بحاجتهم إلى الحماية، على أن يحصل على مقابل مالي لا يقل عن 500 دولار.
الصورةيدرب محامون عملاءهم على الادعاءات الكاذبة بأنهم مثليون (Getty)وتنجح الخدع التي يتّبعها مرابط وغيره بسبب محدودية قدرات كل من دائرة الهجرة والمكتب التنفيذي، وصعوبة الكشف عن الاحتيال، ما يؤثر سلبا على نزاهة قرارات اللجوء، وهو الأمر الذي انتقده مجلس المساءلة الحكومي المسؤول عن مساعدة الكونغرس في تنفيذ مسؤولياته الرقابية المتعلقة بالبرامج والأنشطة والوظائف الحكومية، عبر فحص برامج وعمليات الإدارات والوكالات الفيدرالية، في تقرير نشره في ديسمبر/كانون الأول من عام 2015، تحت عنوان "اللجوء، إجراءات إضافية مطلوبة لتقييم ومعالجة مخاطر الاحتيال"، ووجّه فيه انتقادات لاذعة لطريقة عمل المكتبين، واصفا إياها بالتقليدية، كما انتقد أيضا دائرة كشف الاحتيال والأمن القومي بأنها لا تحدد مسؤوليات واضحة لموظفي الهجرة في مكاتب اللجوء.
كما أن محدودية عمل مختبر الطب الشرعي في التأكد من بعض المستندات، مثل تقارير الشرطة الأجنبية والسجلات الطبية، تسهم في تقليص القدرة على كشف الاحتيال، ونادرا ما يستخدم ضباط اللجوء أدوات التحقق من الأدلة عبر القنصليات والسفارات في الخارج، بحجة أنهم لا يتلقون الردود في الوقت المناسب، حسبما جاء في نفس التقرير.
محامون وشركات هجرة يجهزون الملفات الملفقة
اكتسب مرابط خبرته بشأن إعداد قصص طالبي اللجوء الناجحة من خلال عمله في وظيفة مساعد في عدد من مكاتب المحاماة بولايتي نيويورك وفرجينيا. وبالفعل نجح في مساعدة 50 شخصا كانوا يسعون للإقامة في أميركا، كما يقول.
وتشكل المهمة التي تولاها مرابط في مكاتب المحاماة جزءا من منظومة إعداد ملفات ومستندات لطالبي اللجوء، وتشمل مكاتب محاماة أو شركات لخدمات الهجرة، وفق رشاد الخضر ممثل التحالف الدولي للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات (يضم منظمات وجمعيات حقوقية على مستوى العالم)، والذي يستهجن خلال حديثه مع "العربي الجديد" تنامي ظاهرة الاحتيال على نظام اللجوء. مؤكدا أن هذه الحالة لها تداعيات اجتماعية خطيرة، لأن المحتالين يحرمون من هم أحق بطلبات اللجوء من الفرصة النادرة، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية المتمثلة في المنح والإعانات التي تخصصها الولايات المتحدة لطالبي اللجوء ومن يحصلون عليه، والتي تذهب إليهم دون أن يستحقوها.
الصورةلائحة اتهام بحق محامييْن أسسا مكتبًا وقاما بتقديم طلبات اللجوء تحت ذرائع احتيالية (العربي الجديد)وتكشف لائحة الاتهام التي حصل عليها "العربي الجديد"، من خلال مكتب المحامين الأميركيين (حكومي يضم المحامين المعينين لإنفاذ القانون في المقاطعات الفيدرالية U.S. Attorney's Office (USAO))، والصادرة عن محكمة مقاطعة المنطقة الجنوبية لنيويورك/الولايات المتحدة sealed indictment 21 crim 58، بعنوان التآمر لارتكاب احتيال في مجال الهجرة، أن المحامية الروسية إيلونا جامهاروفا وزوجها المحامي أركاديان آرثر، أسسا شركة DZHAMHAROVA FIRM في بروكلين بمقاطعة كينغز في ولاية نيويورك، وقاما بالإضافة إلى الكاتب المساعد لهم إيغور ريزنك، بتقديم طلبات اللجوء تحت ذرائع احتيالية، ومن بينها الكذب بشأن الميول الجنسية لعدد كبير من الروس والقادمين من دول الكومنولث، بالاستعانة بأدلة مزورة، كما درّبا عملاءهم على الادعاءات الكاذبة بأنهم مثليون وتعرّضوا للاضطهاد في بلدانهم.
وتظهر لائحة الاتهامات آلية عمل الشركة، من خلال تفاصيل لقاء المحامية جامهاروفا بأول عميلة للشركة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، والتي كانت تبحث عن طريقة للدخول إلى أميركا والاستقرار فيها، فنصحتها المحامية بتقديم طلب لجوء على أساس أنها تخشى العودة لبلدها بسبب الاضطهاد الناتج عن ميولها الجنسية.
ولتدعيم طلبها بالأدلة، طلبت منها الحصول على بطاقة عضوية في مركز المثليين بنيويورك، بالإضافة إلى رسالة دعم من صديقة لها في الولايات المتحدة تشهد فيها أنهما على علاقة حب. وطمأنت جامهاروفا العميلة بأن هناك شخصا من المكتب سيقوم بكتابة الرسالة وتجهيزها، وما عليها إلا الحصول على إمضاء صديقتها. بينما تولى أركاديان مهمة تدريبها على المقابلة والتحضير للإجابة على الأسئلة المتوقع طرحها عليها.
وتم القبض على الزوجين في ولاية فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة، وتمت إحالتهما إلى محكمة ماري كاي فيسكوسيل بنيويورك، والتي قضت بتاريخ 31 مايو/أيار 2023 بسجن جامهاروفا عامين ومصادرة 540 ألف دولار ودفع غرامة 15 ألف دولار، وهي نفس المدة التي حوكم بها أركاديان مع مصادرة 1500 دولار وتغريمه بخمسة آلاف دولار، وفق التقرير الذي نشره مكتب المحامين الأميركيين على موقعه الرسمي بعنوان "زوجان محاميا هجرة معتمدان يقدمان طلبات لجوء مزورة ويدربان العملاء على الكذب تحت القسم"، بتاريخ 31 مايو 2023.
- اقتباس :
- ضبط محامين متورطين في التآمر لارتكاب الاحتيال في مجال الهجرة
وفي قضية أخرى، نشر مكتب المحامين الأميركيين تفاصيلها، تتعلق بتورط شركة خدمات الهجرةRUSSIAN AMERICA في بروكلين، بمساعدة عملائها الأجانب من غير المؤهلين للجوء قانونيا في إعداد طلبات لجوء مزورة مرفقة بإفادات خطية تفيد بأنهم تعرّضوا للاضطهاد والتعذيب في بلدانهم.
ويوضح ملف القضية التي قضت فيها محكمة مانهاتن الفيدرالية بولاية نيويورك في ديسمبر عام 2022 أن صاحب الشركة المحامي البيلاروسي أولادزيمير دانسكي بعد أن جهز ملفا مفبركا لأحد عملائه على أنه مثلي، وتعرّض للاضطهاد في أوكرانيا قام بتوجيهه إلى المحامية البيلاروسية المتخصصة في الهجرة جوليا غرينبارغ، والتي لم تتوان في تدريبه على المقابلة، كما نصحته بتغيير مظهره وملابسه بطريقة تتماشى مع مظهر المثليين.
أكثر الجنسيات لجوءاً للاحتيال
تم قبول 25.519 شخصا كلاجئين خلال عام 2022، بحسب التقرير السنوي حول اللاجئين وطالبي اللجوء، الصادر عن وزارة الأمن الداخلي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن أصدر مذكرة في 8 أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 يحدد فيها السقف الأعلى لعدد طلبات اللجوء المقرر قبولها خلال عام 2022 بـ125 ألف طلب جديد فقط.
ويوضح المستشار بمكتب U.S. Attorney's Office الحكومي وضابط اللجوء السابق، شريف بشارة، أن أكثر الجنسيات التي جرى رصد ملفات احتيالية مبنية على ادعاء المثلية الجنسية خلال السنوات الأخيرة تنحدر من روسيا وجامايكا وبعض دول الشرق الأوسط.
- اقتباس :
- 25.519 شخصًا جرى قبولهم في أميركا كلاجئين خلال عام 2022
ويستذكر في حديثه مع "العربي الجديد" مهمة شارك فيها عام 2015 حين تصدّر الصينيون قائمة أكثر الحاصلين على اللجوء في أميركا لخمسة أعوام على التوالي، وعلى إثر ذلك أجرى المدعون الفيدراليون في نيويورك تحقيقات بالاستعانة بثلاثة من ضباط الهجرة ومن بينهم بشارة، أسفرت عن اعتقال 30 محامي هجرة ومساعدين ومترجمين تورطوا في مساعدة 3500 مهاجر، سوادهم الأعظم من الصين الشعبية، حصلوا على اللجوء بقصص كاذبة وأدلة مزورة حول تعذيبهم بسبب ميولهم الجنسية، مبينا أن أبرز الأسباب التي زادت من نسبة الاحتيال هي طبيعة القوانين، والتي لا تتطلب الكثير من الأوراق والأدلة، وإنما تعتمد على حنكة الضباط والقضاة خلال المقابلات.