"فيلم أميركي طويل" في فلسطين
أصبح الاتجاه الصهيوني ـ الديني أكثر وقاحة في طرح فاشيته للتخلص من أصحاب الأرض الأصليين في فلسطين، وهم ليسوا أقل من 7 ملايين على أرضهم التاريخية. وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وزميله في الفاشية بتسلئيل سموتريتش ليسا وحدهما من يصرح عن نية إبادة الفلسطينيين. بن غفير، الآتي من الحركة الإرهابية "كاخ" (أسسها المتطرف المقتول مائير كهانا، صاحب سياسات الموت للعرب)، زاد تأثيره بين إرهابيي الاستيطان، الذين يتلقون منه بنادق أميركية.
في القدس المحتلة ذهب الاثنان إلى عقد مؤتمر لأجل التخلص من مليوني فلسطيني، وإقامة مستعمرات في غزة، تحت سمع وبصر سفارة واشنطن. والأخيرة ما زالت تبث فيلمها الطويل الممجوج للتغطية على انتفاخ غطرسة الترهيب الاستيطاني، بشتى الصنوف، وبحماية جيش وشرطة واستخبارات الاحتلال، إمعاناً في تطبيق الإبادة وتهجير ملايين الفلسطينيين، بمنهجية "سكان أقل وأرض أكثر".
في فيلم خداع الرأي العام، تصدر واشنطن "عقوبات" بحق بضعة مستوطنين، وتطلق قنابل دخانية عن "الدولة الفلسطينية"، بينما في المقابل، لو عُقد مؤتمر فلسطيني بعنوان: "تهجير اليهود"، بمن فيهم بن غفير نفسه إلى العراق وسموتريتش إلى أوكرانيا، لما تردد نفاق واشنطن، ومن معها، في اعتبار ذلك "تحريضاً على الإرهاب ومعاداة للسامية"، فضلاً عن سلسلة طويلة من الإجراءات. أما التحريض على قتل ملايين الفلسطينيين فيتحول إلى "رأي شخصي، لا يعبر عن السياسة الرسمية".
الكذبة والمخادعة الأميركية ـ الغربية أوضح من التغطية عليها ببضعة كلمات لأنتوني بلينكن، وزير خارجية جو بايدن. فبسبب الاشتباه ببضعة موظفين من "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" (أونروا)، قاد الأميركي حملة لتصفية الوكالة من أجل تصفية قضية ملايين اللاجئين الفلسطينيين. أما كل إرهاب المستوطنين وتصريحات وزراء التطرف الصهيوني فلم ترَ فيها واشنطن ما يستحق فرض عقوبات أو رفع يد عن حماية دولة الأبارتهايد.
كل منهجيات "الديمقراطية الوحيدة"، تشريعاً وتنفيذاً وقضاءً، لا تحيد عما يعلنه صراحة بن غفير وأمثاله، فلا يبدو مقابلها أن العالم العربي يستحق أكثر من إبر تخدير أميركية. فواشنطن التي تعاقب الفلسطينيين جماعياً هي ذاتها التي تحاول إيجاد مخارج لبقاء 700 ألف مستوطن مستولين على الأراضي المحتلة، ممن يرون في مذبحة الخليل 1994 على يد باروخ غولدشتاين (المستورد من أميركا عام 1983) وحركة "كاخ" الإرهابية سبيلاً للتخلص من الفلسطينيين. في كل الأحوال، ورطة واشنطن وبعض أوروبا اليوم أن سوق المخاتلة الذي مورس لعقود أصبح أكثر افتضاحاً وتعرية، رغم كل محاولات تجميل سيناريو فيلمها الرديء بكلمات معسولة.
وكل هذا الإرهاب المعلن من المستوطنين وبحماية رسمية، وثّقته لعقود الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية، لم يغير من سياسات أميركا، سوى بالإصرار على المزيد من التخدير الخطابي لدغدغة المشاعر، وتسويق نفسها على أنها "الوسيط النزيه". من الواضح، حتى على مستوى وعي شوارع غربية، أن جل اهتمامات واشنطن بشأن قضية فلسطين هي تسكين الأمور، والعودة مجدداً إلى ترسيخ "التطبيع" مع أنظمة بعينها، ظناً منها أن ذلك سينهي للأبد استحقاقات استمرار شعب فلسطين بالعيش مضطهداً ومستعمراً.
البيت الأبيض، بغض النظر عن ساكنه، ووزارة خارجية خاضعة لحفنة مستشرقين مؤيدين لتيار بنيامين نتنياهو، لن يغيّر رأيه في شأن قضية فلسطين، والمنطقة العربية عموماً، طالما أن خياره هو الاستمرار بمسح الدم الفلسطيني عن أيادي دولة الأبارتهايد، واعتبارها "المشروع" الأكثر ربحاً في سياق العقلية الاستعمارية الغربية. الأمر عائد لهذا العالم العربي، الذي بيده الكثير لوضع حد لمهزلة العيش دائماً على حافة انفجار حقول الألغام، وليس بالتساوق مع الصهيوني والأميركي، ومحاصرة الفلسطينيين ومحاولة فرض استسلام عليهم، فتلك أوهام لن يكون ناتجها سوى المزيد من الانفجارات و"القلق".