كرسي الملك الحسين
"ينبغي ان نعتز به لأنه خلّد نفسه حينما استطاع أن يحول الأردن من مجرد وصلة أرضية بين العراق وقناة السويس وفق الاستراتيجية البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى، إلى دولة ذات قيمة بذاتها". بهذه الخلاصة أنهى المفكّر الأردني، د.عدنان أبو عودة، كلمته في الإعلان عن إطلاق كرسي الملك الحسين بن طلال للأبحاث والدراسات الاستراتيجية والأكاديمية في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية يوم الخميس الفائت.
هذا الحدث، الذي يكتسب أبعاداً أكاديمية وسياسية ورمزية، جرى بحضور رئيس الجامعة وعمداء كليات وسياسيين مرموقين (مثل وزيري الخارجية الأسبقين كامل أبو جابر وعبد الإله الخطيب)، ومؤرخين كبار (د.محمد عدنان البخيت ود.علي محافظة) وشخصيات وطنية (مثل: داوود حنانيا ومروان باشا العمد) وغيرهم.
الكرسي، الذي يدعمه الديوان الملكي والجامعة الأردنية، يقوم على تخصيص برامج بحثية، مثل استقبال زائر أكاديمي من الخارج، أو عقد مؤتمرات وندوات، أو كتب وأبحاث متخصصة بالسياسات الأردنية الداخلية والخارجية في حقبة الملك الحسين، من أجل إعادة اكتشاف وفهم السياسات الأردنية والعوامل المؤثرة فيها والديناميكيات التي تخضع لها، والأهم من هذا وذاك منهج الملك الحسين في رسم السياسات، وفن إدارة الحكم.
بالفعل، كما ذكر د.أبو عودة، فهي خطوة جاءت متأخرة كثيراً، من قبل المؤسسات الأردنية، إذ كان من المفترض أن تكون هنالك جهود سابقة علمياً وأكاديمياً لدراسة معمقة في سياسات تلك الحقبة، وهي عملياً نصف قرن من تاريخ المملكة، وهي حقبة مرّت – من وجهة نظري- بمراحل رئيسة ذات سمات عديدة؛ أولاً صراع وجودي في الخمسينيات والستينيات، وفي اشتباكها وتداخلها الكبير مع القضية الفلسطينية، وثانياً في مرحلة البناء والتنمية التي قامت على إعطاء القطاع العام دوراً كبيراً وحيوياً، وعلى تكبير حجم الدولة ومؤسساتها لتتماهى في فترة معينة مع المجتمع، ثم حقبة التسعينيات التي شكّلت "لحظة التحولات" في كثير من الملفات.
ثمّة كمّ هائل وكبير من الدراسات والبرامج المطلوبة لإعادة فهم تلك المرحلة الطويلة، التي تشكّل جزءاً أساسياً من فهم التاريخ السياسي الأردني لإدراك الذات، والإفادة منها للمرحلة القادمة، في مواجهة المحطات الصعبة والمفصلية في تاريخ البلاد أو المنطقة، كما يحدث في الأعوام الأخيرة.
للأسف، إلى الآن هنالك قصور كبير يمكن أن يلمسه من يعود إلى كتب التاريخ الأردني في البحث عن العديد من القضايا، وكل ما يحدث يقوم على جهود فردية، بعيداً عن العمل المؤسسي الأكاديمي الموضوعي، لذلك كانت روايتنا دائماً ضعيفة في الداخل والخارج، بينما رواية الآخرين التي تشوه الأردن وسياساته وقيادته هي الأكثر رواجاً وقبولاً داخلياً وخارجياً.
هنالك قحط كامل في الأرشيف الوطني الأردني، وغياب للمصادر التوثيقية وعجز في الوثائق الوطنية، وعدم توثيق للروايات الشفهية المهمة للتاريخ الوطني، وعدم تكامل بين المؤسسات المعنية في التوثيق، فتجد كل مجموعة وثائق بمكان، وبإشراف مؤسسة معينة، ولا توجد أي ضمانات من عدم ضياعها أو الاهتمام بها.
المطلوب، كما ذكر عبدالإله الخطيب، أن تكون هنالك جهود معرفية وبحثية وأكاديمية موضوعية ودراسات علمية وتكامل خبرات بين الباحثين والسياسيين من أجل إعادة الحفر والبحث في تلك الحقبة، في مجالات السياسات العامة، وصنع السياسة الخارجية، والإدارة والاقتصاد، والاستراتيجيا، وتوثيق التاريخ الشفهي..الخ.
مثل هذا الجهد من الصعب أن ينجح إلاّ إذا كان هنالك تعاون من قبل مؤسسات الدولة وتعبيد الطريق أمامه، وتبنيه من قبل الديوان الملكي، لكن كل ذلك بحاجة إلى إدراك (تحتها ثلاثة خطوط عريضة) من قبل المسؤولين لقيمة البحث العلمي وأهميته!