[rtl]مجزرة قانا: شاهد على التاريخ الإسرائيلي الأسود وعلامة فارقة في انحياز المجتمع الدولي[/rtl]
تاريخ العدو الإسرائيلي حافل بالمجازر والإجرام منذ أن اغتصب فلسطين إلى يومنا هذا.. ويكفي ذكر بعض "مآثره" في هذا المجال بدءاً من مجزرة "دير ياسين" مروراً بمجزرة "بحر البقر" في مصر، وانتهاء بمجزرة قانا الأولى والثانية، تلك المجزرة التي تشكل لطخة سوداء ليس في تاريخ إسرائيل بل على جبين المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية.
غريب عجيب هذا الزمن العربي الرديء الذي تغيب فيه صورة هذه المجزرة في عصر "الربيع" على شاشات الفضائيات العربية وحتى اللبنانية.
مرّت ذكرى مجزرة قانا هذا العام بخجل وبزحمة الصخب الحاصل حول ما يجري في الوطن العربي من أحداث وتطورات، وزحمة الانقسام والتجاذب الداخلي المستمر على وقع مناخ الفتنة التي تتربص باللبنانيين جميعاً.
الثانية عشرة ظهراً 16 نيسان عام 1996 أطلقت القوات الإسرائيلية نيرانها وحممها على الشيوخ والنساء والأطفال الذي احتموا في مركز القوات الفيجية العاملة في إطار قوات "اليونيفيل" الدولية في بلدة قانا الجنوبية.. وجهّت قنابلها الحارقة والقاتلة إلى أجساد الجنوبيين الهاربين من نار "عناقيد الغضب" اسم العدوان الذي شنته إسرائيل على الجنوب في ذلك العام بين 11 و 27 من نيسان.
ارتكب العدو الإسرائيلي في تلك المجزرة تحت بصر وفي بيت القوات الدولية ما أدّى إلى استشهاد ما يزيد على 106 لبنانيين معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.. قتلهم بعقل مجرم وبيد باردة وبقلب أسود.. أما المجتمع الدولي فكان من خلال قوات "اليونيفيل" مجرد شاهد على جريمة العصر، لا بل مجرد متفرج عليها بينما كان يفترض أن يكون حامياً للجنوب والجنوبيين.
106 لبنانيين استشهدوا وأصيب العشرات بجراح في تلك المجزرة التي ارتكبها الإسرائيليون بسلاح أميركي، وتحت حماية الفيتو الأميركي الذي حال دون أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بسيطاً يدين إسرائيل.
بعد 16 عاماً على هذه المجزرة الرهيبة علينا جميعاً أن نتذكر أن واشنطن قد أجهضت "بالفيتو" ولو إعلان إدانة إسرائيل على ما ارتكبته بحق الأطفال والشيوخ والنساء.. لكن بعد 16 عاماً يبدو أن ذاكرة الكثير من اللبنانيين والعرب قد أسقطت العقول تلك المجزرة وذاك "الفيتو"، وصار الكثير منهم يصوب النظر إلى حدث آخر وإلى مشهد آخر.
صحيح أن ذكرى مجزرة قانا مرّت هذا العام "مرور الكرام" .. إلا أنها تبقى في ذاكرة اللبنانيين الذين ذاقوا طعم مثل هذه الجرائم والمجازر من قبل العدو الإسرائيلي.. وستبقى أيضاً في ذاكرة الفلسطينيين الذين خبروا جيداً تاريخ الصهاينة الإجرامي، كما ستبقى في ذاكرة الشعب العربي الذي لا بد أن يستيقظ على حقه في سيادته الحقيقية وكرامته، وفي أرضه، وي فلسطين المغتصبة الضائعة حتى الآن بين سطور القرارات الدولية.
يتذكر الجنوبيون جيداً كيف لجأ مئات المدنيين معظمهم من الشيوخ والأطفال والنساء إلى مقر القوات الفيجية العاملة في قانا للاحتماء من نيران العدو الإسرائيلي.. وتؤكد التحقيقات الدولية التي جرت بعد المجزرة أن القوات الدولية أجرت غير اتصال بالجيش الإسرائيلي لوقف قصف المقر المذكور، لكنه بدلاً من ذلك رفع من وتيرة القصف ملاحقاً المواطنين الهاربين في كل مكان.. ومخلفاً مشهداً رهيباً أشلاء في كل مكان وبحر الدماء يغطي مسرح الجريمة، ورائحة الموت والبارود تحجب رائحة زهر الربيع في تلك المنطقة المقدسة.
في الذكرى السنوية الأولى للمجزرة قال الرئيس نبيه بري: "ليوم قانا الذي يرتفع الآن شهيداً فوق الحزن وجرس القيامة. لأطفالها الذين أغمضوا أعينهم على حائط المليحة، فاغتالت القذائف رفاق أعمارهم في المخابئ الدولية العارية، وبقيت ضحكتهم عالقة في رنين جرس المدرسة".
أضاف:" لقانا التي تمطر في عيونكم دمعاً يطفئ جمر القلب، لآخر الأطفال في قانا خوف الدم المتفحّم المفتون ما تبقى من جواب: وماذا بعد؟"
وقال الرئيس بري في الذكرى الثالثة عشرة للمجزرة: في كل عام، وأمام ما يستجد من مجازر نسأل هل سيسدل الستار على هذا الدم ويبدأ عهد دولي جديد يتسم بالسلام والاستقرار والازدهار. ولكن الجواب سرعان ما يحمل إلينا مجزرة إسرائيلية جديدة... الاستراتيجية الإسرائيلية الثابتة لكل حكومات إسرائيل وحتى إشعار آخر هو تهجير فلسطينيي الـ 48 إلى لبنان والأردن"
وفي الذكرى 16 لمجزرة قانا، يبقى السؤال الأكبر، إلى متى ستواصل إسرائيل جرائمها دون حسيب أو رقيب؟ وإلى متى ستبقى الولايات المتحدة الداعم الأول لها ولعدوانها على شعبنا العربي في كل دولة وأرض؟
كيف لنا أن نصدق أن من نصر وينصر المجرم الإسرائيلي لارتكاب مجازره بحق شعبنا، يحرص اليوم على حرية الشعب العربي وحقوقه ويقف إلى جانب "ربيعه" .. في ربيع 1996 امتدت يد الإجرام والعقد الإسرائيلية على قرية جنوبية آمنة تحت بصر الأمم المتحدة لتقتل أطفال قانا، فأين كانت الإدارة الأميركية من حقوق الإنسان، وأين كانت من حرية الإنسان، وأين كانت من الدماء العربية التي سالت هناك على تلة قانا قرب صور. وما زالت تستصرخ كل الضمائر العربية علّها تستيقظ، وتثأر لهذه الحقيقة التي لا يمكن أن يمحوها قطار النسيان، أو أن تموت في أدراج الأمم المتحدة.