لماذا تصمت إدارة بايدن-هاريس على عدوان إسرائيل في الضفة؟
مع استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق في مدن الضفة الغربية، والتي أعقبت أسابيع من زيادة في وتيرة أعمال العنف من قبل المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في قرى الضفة، لم تُدن إدارة الرئيس جو بايدن ولا حملة كامالا هاريس العدوان الإسرائيلي إدانة واضحة.
ولم يعقد أمس الأربعاء لا البيت الأبيض ولا وزارة الخارجية مؤتمرهما الصحفي اليومي كما هو معتاد، كما لم يغرد أي مسؤول أميركي رفيع حول عمليات إسرائيل في مدن الضفة على منصة "إكس" كما هو معتاد أيضا في مثل هذه الحالات.
واستشهد ما لا يقل عن 662 شخصا في مدن الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في وقت أعلنت فيه إسرائيل عزمها بدء عملية تطهير عرقي وإجلاء السكان الفلسطينيين في بعض مدن الضفة الغربية تماثل الأساليب المتبعة في قطاع غزة.
واشنطن لا تخيف إسرائيل
ورجح تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية والخبير بالمعهد العربي بواشنطن والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، أن تستمر "إسرائيل في مهاجمة الفلسطينيين لهزيمة ما تراها تهديدات أمنية متخيلة، في ظل سيطرة مناخ من الخوف والقلق المتزايدين بشأن العزلة السياسية الدولية والتهديدات الإقليمية التي يبدو أنها تتصاعد". وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر دان أن هناك تيارا قويا داخل الحكومة الإسرائيلية يريد التخلص من الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد، وحكومة نتنياهو غير المستقرة ستدفع بذلك إلى أقصى حد ممكن.
في حين أشار السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لا يزال يعتمد على شركاء الائتلاف اليميني المتطرف الذين يحاولون تحقيق ضم فعلي للضفة الغربية. وبالإضافة إلى ذلك، لديه بعض الأسباب للاعتقاد بأن هناك فلسطينيين يخططون لشن عمليات إرهابية من أماكن مثل جنين وطولكرم".
من جانب آخر، اعتبر البروفيسور أسامة خليل، رئيس برنامج العلاقات الدولية بجامعة سيراكيوز بشمال ولاية نيويورك، في حديث للجزيرة نت أن "هجمات إسرائيل داخل الضفة الغربية المحتلة هي جزء من مشروعها الأكبر المتمثل في ضم الفلسطينيين وتهجيرهم ومحوهم".
وشهدت السنوات الثلاث الماضية أكبر أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية من قبل المستوطنين الإسرائيليين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، بل كانت الأكبر خلال العقدين الأخيرين.
وبعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم إخفاء هذا العنف من خلال الدمار الأكبر بكثير الذي أحدثته إسرائيل في قطاع غزة، حسب المتحدث ذاته، واستخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحملة الرئاسية الأميركية والدعم الدبلوماسي والسياسي والعسكري القوي من واشنطن لتحويل الانتباه عن سياساته وأهدافه مع تأمين الدعم من كلا الحزبين.
https://www.facebook.com/watch/?ref=embed_video&v=521224363609900صمت أميركي
وفيما يتعلق بموقف إدارة بايدن وحملة هاريس من الاعتداءات الإسرائيلية، قال دان "لا أتوقع أي تغييرات كبيرة في هذا العام الانتخابي المنقسم بشدة حول ما يرغب البيت الأبيض في القيام به أو عدم القيام به".
وأضاف أن الهدف الرئيسي هو وقف إطلاق النار مع رؤية محدودة للغاية لما سيحدث بعد ذلك. وسيترك الكثير من هذا الأمر لهاريس، التي اتخذت موقفا خطابيا يجذب العديد من الناخبين الديمقراطيين، لكنه لا يشكل في حد ذاته سياسة جديدة أو مختلفة.
في حين اعتبر السفير ماك، في حديث للجزيرة نت، أنه من المهم لإدارة بايدن-هاريس حشد المزيد من الدعم من شركائنا العرب للضغط على حماس واستبدال محمود عباس بزعيم أصغر سنا وأكثر فعالية للسلطة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، يحتاج بايدن إلى قبول وجهات نظر أولئك الموجودين في إدارته وفي الحزب الديمقراطي الأوسع لاستخدام النفوذ الذي لديه لممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل للانتقال من نتنياهو إلى زعيم إسرائيلي جديد تكون آراؤه أكثر واقعية وتستند إلى مصلحة إسرائيل الإستراتيجية الطويلة الأجل بحماية سيادة بلده على ما قبل يونيو/حزيران 1967، بالإضافة إلى بعض التنازلات الطفيفة فيما يتعلق بالحدود للمستقبل مع دولة فلسطينية، حسب ماك.
وقال ماك "يمكن لموقف مثالي من قبل بايدن أن يحمي إرثه في كتب التاريخ، ويمهد الطريق لحكومة أميركية مستقبلية للدفاع عن حق إسرائيل في الوجود دون الإضرار بعلاقات الولايات المتحدة مع معظم الفلسطينيين ومعظم الدول العربية إن لم يكن كلها".
ويرجح البروفيسور خليل أن يستمر العنف ويتوسع حتى منتصف الخريف مع اقتراب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ولن تنتقد إدارة بايدن ولا حملة هاريس تصرفات إسرائيل خوفا من تنفير المانحين والناخبين المؤيدين لإسرائيل. كما أن الإدارة لن تقيد مبيعات الأسلحة.
ويرى أنه بدلا من ذلك، ستعبّر إدارة بايدن عن رفضها الفاتر للخسائر في صفوف المدنيين، بينما تطبق عقوبات على بعض المستوطنين الذين يتجاهلون عمدا الدور المركزي للدولة الإسرائيلية في المشروع الاستيطاني وسياسات الاستيلاء على المزيد من الأراضي.
وفي الوقت نفسه، سيحاول الرئيس السابق دونالد ترامب، حسب خليل، تصوير نائبة الرئيس هاريس والرئيس بايدن على أنهما غير داعمين بشكل كاف لإسرائيل في سعيه لتعزيز مكانته بين الناخبين المؤيدين لإسرائيل واسترضاء المانحين الرئيسيين لحملته.
عقوبات غير رادعة
وأصدرت إدارة بايدن أمس الأربعاء للمرة السادسة مجموعة من العقوبات التي تستهدف عنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، وفرضت عقوبات على مجموعة تؤمّن بؤرا استيطانية غير قانونية، وحارس أمن مدني متهم بمهاجمة الفلسطينيين.
وتأتي العقوبات الأميركية ضد هاشومير يوش (حراس يهودا والسامرة) وإسحاق ليفي فيلانت في أعقاب هجومين أخيرين للمستوطنين في بلدات فلسطينية بالقرب من مدينة بيت لحم، مما أسفر عن مقتل فلسطينيين. ولم يتم القبض على أي شخص فيما يتعلق بالهجمات، التي تشكل جزءا من اتجاه أوسع نطاقا للإفلات من العقاب على هذا العنف.
وتأتي العقوبات الأميركية وسط مخاوف بشأن عدم اتخاذ حكومة نتنياهو إجراءات كافية ضد عنف المستوطنين.