انتخابات 1984 التكميلية و1989 الانتقالية في الأردن ... انفراجة أولى واستعادة الحياة النيابية
تعدّ محطّة تنظيم انتخاب ثمانية أعضاء لمجلس النواب الأردني في العام 1984، لاستكمال عدد
أعضائه المنتخبين في 1967، استئنافا لحياة نيابية في المملكة توقفت طويلا، وحملت بضعة
مؤشرات. فيما تعد انتخابات 1989 اتعطافية، نقلت الحياة السياسية في الأردن من حال إلى آخر.
تستذكر المطالعة التالية المحطتين في أجاء انتخاب الأردنيين مجلس النواب العشرين.
أجريت أمس في الأردن، في العاشر من سبتمبر/ أيلول، انتخابات مجلس النواب العشرين، وهذه
مناسبة لاستذكار الانتخابات التكميلية في البلاد التي جرت في مارس/ آذار 1984، وكانت لإحياء
مجلس النواب التاسع، المنتخب في إبريل/ نيسان 1967، والذي جُمّد في 1974، إثر صدور قرار
قمّة الرباط بالاعتراف بمنظمّة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وبحقّه
في إقامة سلطته الوطنية على أرضه في الأراضي المحتلة عام 1967. وقد استهدفت تلك الانتخابات
ملء ثمانية مقاعد شاغرة في الضفة الشرقية للأردن، وفي الوقت نفسه، انتخب مجلس النواب الذي
أُعيد إحياؤه بدلاء عن النواب المتوفين عن الضفة الغربية وعددهم سبعة.
وكان الأردن قد عاش غياباً تاماً للحياة البرلمانية في السنوات العشر بين 1974 و1984، حاولت
الحكومة الأردنية خلالها ملء الفراغ البرلماني، عن طريق تشكيل مجالس استشارية معيّنة، تشارك
الحكومة في مراجعة القوانين، ومناقشة السياسات العامة.
وبالنظر إلى افتقار الأردن لحياة نيابية انتخابية منذ انتهاء مدة عمل مجلس النواب التاسع في عام
1971، والذي انتخب قبل شهرين من اندلاع حرب حزيران 1967، إذ امتنعت الحكومة عن إجراء
الانتخابات النيابية الدورية بعد ذلك، ومددت عمل المجلس النيابي المذكور بدعوى تعذّر إجراء
انتخابات عامّة في الأردن، في ظل احتلال إسرائيل الضفة الغربية، وهكذا أحيطت الانتخابات
التكميلية في الأردن باهتمام سياسي واسع، رغم محدودية عدد المقاعد التي تشملها، باعتبارها
خطوة أولى على طريق استعادة الحياة البرلمانية الانتخابية الكاملة. وبالفعل، حملت تلك الانتخابات
إلى مقاعد المجلس النيابي الشاغرة شخصيات تحولت في ما بعد "نجوماً سياسية"، كما هو الحال
مع المهندس ليث شبيلات لمقعد عمّان الشاغر، ورياض النوايسة الفائز بالمقعد الإسلامي لمدينة
الكرك، وعبدالله العكايلة الذي فاز بمقعد الطفيلة الوحيد الشاغر، إضافة إلى فوز مروان الحمود بأحد
مقعدي البلقاء والإسلاميين، وفوزي شاكر طعيمة بمقعد المسيحيين في البلقاء، كما فاز أحمد
الكوفحي بمقعد إربد الإسلامي الشاغر.
وقد أعيد انتخاب معظم هؤلاء للمجالس النيابية الأردنية اللاحقة. كما أن نتائج الانتخابات التكميلية
تلك شكّلت الإشارات المبكّرة على صعود التيار الإسلامي في الحياة السياسية الأردنية، إذ حصل
مرشحا جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات التكميلية، عبدالله العكايلة وأحمد الكوفحي، على
مقعدين من أصل ستة مقاعد إسلامية، أي حصة الثلث.
انقسام سياسي
وعلى الرغم من أن الانتخابات التكميلية الأردنية تلك أثارت في حينها ردات فعل متباينة في صفوف
كل من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية الأردنية، إذ بينما أبدت حركة فتح
تفهّمها الدوافع الدستورية الأردنية للإجراء، وأعربت عن قبولها التفسير الرسمي الأردني الذي
يؤكّد أن دواعي القرار داخلية، ولا تمسّ وحدة المنظّمة والاعتراف بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب
الفلسطيني، إلا أن بقية فصائل منظمّة التحرير ومعظم الهيئات الوطنية في الضفة الغربية المحتلة
أعلنت رفضها إحياء البرلمان الأردني، واعتبرت الخطوة مقدّمة للالتفاف على المنظمة، وهكذا
وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن "إحياء البرلمان الأردني وإجراء انتخابات تكميلية
لمقاعده بمثابة طعنة لمنظّمة التحرير، وخطوة عن طريق استكمال مخطّط التسوية الأميركية". وقد
تميز موقف الجبهة الديمقراطية ومنظمتها في الأردن (مجد) بقولها "لعم" للخطوة، فقد عبّرت، من
ناحية أولى، عن احترامها وتأييدها مطلب الجماهير والقوى الوطنية الأردنية بعودة الحياة النيابية
والدستورية إلى البلاد، واستعادة الحقوق والحرّيات الديمقراطية، وفي الوقت نفسه، حذّرت من أن
تكون الخطوة "تعبيراً عن رغبة بعض الأوساط الأردنية الحاكمة في استغلال أزمة منظمة التحرير
الراهنة من أجل التجاوز على قرارات الرباط، التي كرّست الاعتراف بالمنظمة باعتبارها الممثل
الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني". ودعت منظمة الجبهة الديمقراطية في الأردن (مجد) القوى
الوطنية إلى انتهاز فرصة الانتخابات التكميلية "لشرح مواقفها وتوسيع قاعدتها الجماهيرية وتأكيد
تصميم قوى الشعب على التغيير الشامل".
شكلت نتائج الانتخابات التكميلية الإشارات المبكّرة على صعود التيار الإسلامي في الحياة السياسية
الأردنية
واتخذ الحزب الشيوعي الأردني الموقف نفسه، حيث دعت صحيفته "الجماهير" الى رصّ
الصفوف والنضال بكل همّة ونشاط من أجل تحويل هذه الانتخابات إلى معركة حقيقية تحشد فيها
قوى الجماهير، وتطرح فيها شعاراتها ومطالبها الوطنية العادلة (...) لتحقيق الديمقراطية والحرّيات
العامة والتمثيل النيابي الصحيح، بإجراء انتخابات عامة في جو من الحرية والنزاهة، وفق قانون
انتخابي تقدّمي جديد، كما دعا الحزب الشيوعي "الجماهير إلى تأييد أي مرشّح وطني يعلن ويرفع
لواء هذه المطالب العادلة". وعلى النقيض من موقفي "مجد" والحزب الشيوعي، دعت المنظمة
المحلية للجبهة الشعبية في الأردن، إلى مقاطعة الانتخابات، وفعل الشيء نفسه "التيار اللينيني"،
وهو جناحٌ منشقٌّ عن الحزب الشيوعي الأردني، إذ دعا إلى المقاطعة.
إجراءات ما قبل الانتخابات
تمهيداً لتلك الانتخابات الفرعية، اضطرّت الحكومة الأردنية الى تعديل قانون الانتخاب الأصلي، أولاً
لفتح باب التسجيل في جداول الناخبين، وهي العملية التي كانت متوقّفة منذ عام 1975، بعد تجميد
الحياة النيابية الأردنية، وثانياً لتعديل موعد إجراء الانتخابات، كي تنظم خلال شهرين من إبلاغ
مجلس النواب بوقوع شواغر في مقاعده.
وعلى الرغم من أن الانتخابات التكميلية كانت تقتصر على ثمانية مقاعد موزّعة ما بين محافظات
البلقاء (ثلاثة مقاعد) والكرك (مقعدان) ومحافظة عمّان وإربد (مقعد لكل منها) ولواء الطفيلة (
مقعد)، إلا أن باب التسجيل في لوائح الانتخابات فتح في عموم دوائر البلاد، سواء التي سوف تشهد
انتخابات فرعية أو التي لن تشارك في الانتخابات. وقد لفت الأنظار الإقبال النسبي الواسع على
عملية التسجيل في لوائح الناخبين، إذ قدّرت بنسبة 72,7%.
لفت الأنظار الإقبال النسبي الواسع على عملية التسجيل في لوائح الناخبين، إذ قدّرت بنسبة
72,7%
وفضلاً عن ارتفاع نسبة المسجلين فعلياً لمن تحق لهم المشاركة في الانتخابات، لفت الانتباه الإقبال
الواسع على الترشّح للانتخابات النيابية التكميلية، فمع فتح باب الترشّح يوم 16 فبراير/ شباط
1984، والذي استمرّ خمسة أيام، بلغ عدد المترشّحين النهائي 114 يتنافسون على ثمانية مقاعد،
أي أن متوسّط عدد المرشّحين لكل مقعد زاد على 14 مرشّحاً. وقد انسحب 13 مرشّحاً منهم قبل
يوم من الانتخاب (12 مارس/ آذار 1984). وكان أشد أشكال التنافس في عمّان، إذ تنافس 36
مرشحاً على مقعدها الشاغر الوحيد، وتلاه التنافس على مقعد إربد، حيث بلغ عدد المتنافسين 19
مرشّحاً، ثم البلقاء التي تنافس على مقاعدها 27 مرشّحاً. وفي الكرك تنافس على كل من مقعديها
الشاغرين ثمانية مرشّحين، فيما اقتصر التنافس على مقعد الطفيلة الوحيد على ثلاثة مرشّحين.
أهمية الانتخابات التكميلية
فتحت الانتخابات التكميلية، أو الفرعية، رغم اقتصارها على عدد صغير من المقاعد النيابية
الشاغرة، الباب أمام تعبئة الشارع الأردني بعدة شعارات كانت تتردّد على صفحات صحف
المعارضة السرّية، ثم باتت تدرج علناً في برامج المرشّحين وحملاتهم الانتخابية، مثل المطالبة
بإلغاء الأحكام العرفية المفروضة منذ حرب حزيران 1967، وصولاً إلى نهاية الثمانينيات. كما رفع
مطلب رفع الحظر عن تشكيل الأحزاب السياسية، ليس في أقوال المرشّحين الحزبيين فحسب، وإنما
من معلقين صحافيين وشخصيات عامة أيضاً، بمن فيهم محسوبون على النظام السياسي. وبالمثل،
فتحت الانتخابات الفرعية أمام المطالبة بإجراء انتخابات عامة شاملة في الضفة الشرقية، بما يسمح
باستعادة الحياة الدستورية الكاملة، وتبع هذا المطلب الدعوة إلى تعديل قانون الانتخاب الذي جرت
الانتخابات الفرعية على أساسه، بما يسمح بتحرير هذا القانون من شوائب عديدة تلازمه. ومن
الأسباب التي منحت الانتخابات التكميلية طعماً استثنائياً مزاولة المرأة الأردنية فيها حقوقها
الدستورية بالترشّح والانتخاب لأول مرّة. ومعروف أن المرأة حصلت على هذه الحقوق قبل عشر
سنوات، أي في 1/4/1974، في تعديل دستوري، الا أن تعطيل الحياة النيابية مدة مماثلة (عشر
سنوات) أبقى هذا الحقّ حبراً على ورق.
فتحت الانتخابات التكميلية، أو الفرعية، الباب أمام تعبئة الشارع الأردني بعدة شعارات كانت تتردّد
على صفحات صحف المعارضة السرّية
وأخيراً، لم يتردّد المرشّحون المتنافسون في حملاتهم الانتخابية في اتخاذ مواقف مؤيدة لمنظمة
التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعم نضاله من أجل
حقوقه المشروعة في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة، هذا إضافة إلى تأكيد دعم
صمود الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة في مواجهة التهويد والتهجير والاستيطان. وبالمثل،
شدّد مرشّحون عديدون على توثيق العلاقة الأردنية الفلسطينية، ونبذ كل أشكال الإقليمية والطائفية.
... باختصار، حرّكت الانتخابات التكميلية الأردنية في مارس/ آذار 1984، المياه السياسية الراكدة،
وفتحت الباب لأوسع نقاش سياسي عرفته الساحة الأردنية، منذ صدامات سبتمبر/ أيلول الدامية لعام
1970.
انتخابات 1989
عندما توجّه الناخبون الأردنيون إلى صناديق الاقتراع، أمس 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، لانتخاب
أعضاء مجلس النواب الأردني العشرين، فإنهم على الأغلب لا يتذكرون انتخابات نوفمبر/ تشرين
الثاني 1989 التي أعادت الحياة النيابية، وأفرزت، في حينها، نخبة برلمانية متميزة، نقلت الأردن،
من حقبة الأحكام العرفية التي امتدت أكثر من عقدين إلى زمن التعددية السياسية والحزبية، وفتحت
الباب أمام تفكيك القبضة الأمنية عن المنظمات الأهلية والحركات الاجتماعية ومكّنت المجتمع
المدني من التمتع بقسط وافر من الحقوق والحريات الديمقراطية.
ورغم أن معظم المكتسبات التي حققها مجلس النواب الحادي عشر، المنتخب في أواخر 1989، قد
تلاشت تدريجياً، إلا أن محاولات استئناف العملية الإصلاحية التي أطلقتها تلك الانتخابات لم تتوقّف،
جديدها "منظومة التحديث السياسي" التي أقرت عام 2022، ومن أبرز مخرجاتها إقرار قانون
انتخابي جديد يمنح القوائم الحزبية فرصة التنافس على 41 مقعداً من مقاعد المجلس النيابي، أي
نحو ثلث مقاعد المجلس البالغة 138 مقعداً، فضلاً عن منحه مزايا انتخابية للنساء والشباب.
ولكن لماذا "يحنّ" جيل الثمانينيات لمجلس النواب الحادي عشر، ذي المقاعد الثمانين، ويقارنه
بعضهم بمجلس النواب المنتخب في أكتوبر/ تشرين 1956، وأفرز أول حكومة برلمانية في تاريخ
الأردن؟ لقد مهّدت الأزمات السياسية والاقتصادية – الاجتماعية التي شهدها الأردن في أواخر
ثمانينيات القرن الماضي أمام "الانفجار" الشعبي، الذي بدأ في مدينة معان يوم 18 إبريل/ نيسان
(1989)، لينتقل بعدها إلى عموم محافظة معان، ومن ثم إلى بقية المحافظات الجنوبية في الأيام
القليلة التالية. وقد امتدّت الاحتجاجات إلى السلط وبقية مدن محافظة البلقاء، وشهدت عمان
والزرقاء والمفرق وإربد ومدن الشمال والوسط تظاهرات استمرّت حتى يوم 21 من الشهر نفسه.
لم يكن انفجار إبريل 1989 مجرّد تحرك احتجاجي على رفع أسعار المحروقات والسلع الأساسية،
وإنما للمطالبة بإلغاء الأحكام العرفية أيضاً، واستئناف الحياة البرلمانية وإطلاق الحرّيات العامة
سبّب تلك الاحتجاجات قرار حكومة زيد الرفاعي، يوم 16/4/1989، رفع أسعار المحروقات
والمواد التموينية الأساسية، استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الخاصة بإعادة
جدولة ديون الأردن الخارجية. وإلى جانب ذلك، كانت الأزمة السياسية تتفاقم تحت تأثير عوامل
خارجية وداخلية، فالأردن كان قد خسر قبل أشهر قليلة معركة التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني
مع منظمّة التحرير الفلسطينية، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية لعام 1987، والتي منحت المنظمّة
فرصة انتزاع الاعتراف العربي بها مجدّدا، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني في قمّة الجزائر،
في يونيو/ حزيران 1988. وداخلياً، أدّت القبضة المتشدّدة لحكومة الرفاعي التي طاولت الحرّيات
العامة إلى زيادة عزلة الحكم، حيث، شملت حلّ مجالس إدارة الصحف اليومية الثلاث، وتعيين لجان
مؤقتة لإدارتها، واستبدال رؤساء تحرير تلك الصحف، كما طاولت التدخّلات الحكومية النقابات
المهنية ورابطة الكتّاب ومنظمات أهلية ومراكز للشباب، وفي نهاية 1988 ومطلع 1989 صعّدت
السلطات الأمنية ملاحقتها قادة أحزاب المعارضة وكوادرها.
وهكذا لم يكن انفجار إبريل/ نيسان 1989 مجرّد تحرك احتجاجي على رفع أسعار المحروقات
والسلع الأساسية، وإنما للمطالبة بإلغاء الأحكام العرفية أيضاً، واستئناف الحياة البرلمانية وإطلاق
الحرّيات العامة. وعلى الرغم من أن الدوائر العليا للحكم فوجئت بحجم الاحتجاجات وشمولها
مختلف المناطق، فقد أدركت استحالة التعامل معها بوسائل البطش والقمع، وأن مفتاح احتواء هذا
الانفجار المدني العام يكمن في الحلول السياسية، حيث بادر الملك الراحل، الحسين بن طلال، إلى
إقالة حكومة زيد الرفاعي، وتكليف الشريف بن شاكر تأليف حكومة جديدة، انفتحت على النقابات
المهنية والمعارضة السياسية، كما وعدت بإجراء انتخابات عامة في نهاية عام 1989. وجمّدت
تنفيذ مواد في قانون الانتخاب الصادر عام 1986، كانت تحول دون مشاركة الأحزاب المحظورة
في الانتخابات، بل بادرت إلى تشجيع ممثلي هذه الأحزاب المعارضة، وقامت على الترشح
للانتخابات النيابية، وألغت القيود المفروضة على الصحافة.
تيارات وأحزاب ... ونتائج
أعلنت الحكومة في أواسط أغسطس/ آب 1989 عن موعد إجراء الانتخابات العامة في 8 نوفمبر/
تشرين الثاني من العام نفسه. ومع فتح باب الترشح رسمياً، في 14 أكتوبر/ تشرين الأولى 1989،
تقدّم 661 مواطناً للترشّح، حيث امتنعت السلطات عن استخدام الفقرة هـ من المادة 18 من قانون
الانتخاب، والتي تحظر ترشّح من يكون منتمياً إلى تنظيم "غير مشروع"، وجرى قبول مرشّحي
التيارات والأحزاب التي كانت تصنّف تنظيماتٍ "سرّيةً" أو "غير مشروعة". وهكذا اقتصر عدد
طلبات الترشيح المرفوضة على سبعة طلبات. كما انسحب سبعة من المرشّحين ليستقر عدد
المرشّحين عند 647 مرشّحاً ومرشّحة يتنافسون على 80 مقعداً نيابياً، من بينهم 65 مرشحاً
مسيحياً تنافسوا على تسعة مقاعد و17 مرشّحاً شركسياً وشيشانياً تنافسوا على ثلاثة مقاعد، وقد
تقدّمت إلى الانتخابات 12 مرشّحة ينتمين إلى سبع دوائر من أصل 20 دائرة انتخابية تمثل عموم
البلاد. وقد ظهرت الأرقام ارتفاع حدّة التنافس الانتخابي، إذ وصلت إلى معدّل عام هو 8,1 مرشّح
لكل مقعد على المستوى الوطني. وقد بلغ معدل التنافس حدّه الأعلى في دائرة عمّان الثانية، إذ
وصل الى نحو 12 مرشح لكل مقعد، في حين كان الحد الأدنى للتنافس هو 5,3 للمقعد الواحد في
دائرة محافظة البلقاء. وبلغت نسبة عدد المواطنين الذين أدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع، يوم
8/11/1989، 63,3% ممن يحوزون بطاقات انتخابية، و54,4% من الناخبين المسجّلين في
الجداول الانتخابية. وتعود للنظام الانتخابي المسؤولية عن انخفاض عدد المقترعين، حيث كان
قانون الانتخاب يمنع حقّ المشاركة في الاقتراع للمواطن الذي بلغ 19 سنة فما فوق، وأن يكون
أولاً مدرجاً في سجلات الناخبين، وثانياً أن يكون حائزاً البطاقة الانتخابية.
وتميّزت الانتخابات 1989 بتنوّع اتجاهات المرشّحين السياسية والأيديولوجية، ما انعكس على
نتائج هذه الانتخابات، حيث تقدّمت الحركة الإسلامية بقائمة من 26 مرشحاً فازوا بما يعادل 14%
من أصوات المقترعين، لكنهم حصدوا 20 مقعداً، يمثلون 25% من عدد مقاعد مجلس النواب
الأردني، مستفيدين من الحرية الواسعة التي تمتّعت بها جماعة الإخوان المسلمين في عدة عقود
سابقة، ومكّنتهم من التمتّع بنفوذ واسع في المؤسّسات التعليمية والأوقاف والمساجد والمستشفيات
والجمعيات، في حين لوحقت الأحزاب الأخرى منذ 1957، عندما فرضت على البلاد الأحكام
العرفية، وحُلت الأحزاب القائمة، ولوحق المعارض منها عدة عقود لاحقة.
أما أحزاب التيار الوطني الديمقراطي فقد فاز بنحو 15 مقعداً نيابياً، رغم القيود الثقيلة التي كانت
تقيّد حركته، فضلاً عن حملات الاعتقال التي تعرّض لها. والواقع أن عدد المرشّحين المحسوبين
على التيار الوطني الديمقراطي، بلغ 53 مرشّحاً، حازوا على 335,364 صوتاً، أي ما يعادل 16%
من مجموع أصوات المقترعين، أن الثقل الانتخابي الفعلي للتيار الوطني الديمقراطي فاق بكثير
حصّته من مقاعد البرلمان الأردني، لكن تفرّق أطراف هذا التيار وفشلهم في خوض الانتخابات
بقوائم موحّدة حدّ من مضاعفة حجم تمثيله.
تميزت انتخابات 1989 بتنوّع اتجاهات المرشّحين السياسية والأيديولوجية، ما انعكس على نتائج
هذه الانتخابات
وعلى الرغم من أن الحصّة الأكبر للمرشّحين في انتخابات 1989 كانت تتشكّل من مرشّحي العشائر
والوجهاء وكبار المتقاعدين العسكريين والوزراء السابقين ورجال الأعمال، إلا أن هذا التيار حصد
33 مقعداً فقط، لكنهم عجزوا عن تشكيل كتلة نيابية موحّدة، بل كان بعضهم يتقاطع في مواقفه مع
القوى الديمقراطية والوطنية، في ما يخصّ قضايا الحريات العامة والسياسات الاقتصادية.
وتبرز أهمية انتخابات 1989 في أنها، ولأول مرة منذ انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 1956، تُفرز
مجلساً نيابياً لا تفوز فيه أغلبية موالية للسلطات التنفيذية، بينما كانت الانتخابات العامة، خلال
العقود السابقة، تجري بطريقة تضمن للحكومات أغلبية اوتوماتيكية، ما كان يسمح لها بالتفرّد
بالسلطة. وقد أفرزت تلك الانتخابات تركيبة برلمانية جديدة، تستمد قوتها بدرجة كبيرة من الشعب،
وتتمتع، بالتالي، باستقلاليةٍ تمكّنها من ممارسة سلطاتها التشريعية ودورها الرقابي بدرجة كبيرة
من الفعالية. ولعل أبرز ما ميّز مجلس النواب الحادي عشر أنه تعدّدي بالمعنيين، السياسي
والحزبي، ويكاد يمثل المجلس مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والاجتماعية، فمن ناحية تمثل
التيار الديني في مجموعتين: أولاهما، وأكبرهما، جماعة الإخوان المسلمين، والثانية "دار القرآن"
و"الإسلاميين المستقلين". أما التيار السياسي الوطني الديمقراطي (المعارضة القومية واليسارية)
فقد تمثل بنوابٍ عن كل من: الحزب الشيوعي الأردني، حزب الشعب الديمقراطي (حشد)، حزب
الوحدة الشعبية، حزب البعث والتيار الناصري و"التجمّع الدستوري". ... وبالخلاصة، أبرز مصادر
قوة المجلس النيابي الحادي عشر تعدّديته الواسعة وقوته التمثيلية.
ما بعد الانتخابات
على إثر الانتخابات تشكّلت حكومة مضر بدران، التي تعهدت بإجراء خطوات انفراجية، في مقدمتها
الالتزام بتجميد الأحكام العرفية وتصفية آثارها، تمهيداً لإلغاء هذه الأحكام كلياً؛ وإطلاق سراح
المعتقلين السياسيين؛ وإعادة الموظفين المفصولين إلى وظائفهم السابقة؛ وإلغاء القيود على التنقل
والسفر والعمل؛ وإعادة جوازات السفر المحجوزة وتمكين أصحابها من تجديدها والتمتّع بحرية
السفر؛ وإلغاء قرار حلّ رابطة الكتّاب الأردنيين؛ إعادة مجالس إدارة الصحف اليومية التي سبق أن
حُلّت بقرارات عرفية.
تتوّجت انتخابات 1989 بتشكيل لجنة ملكية لصياغة "ميثاق وطني"، يوفّر إطاراً للمصالحة ما بين
النظام السياسي وتشكيلات المعارضة، ولبلورة معالم الإصلاح المنشود. كان ذلك في إبريل/ نيسان
1990. وقد ضمّت اللجنة مختلف ألوان الطيف السياسي الأردني، وقد تضمّن الميثاق الذي أقرّ في
مؤتمر واسع، في يونيو/ حزيران 1991 الاطار العام للعمل السياسي، بالاستناد إلى أحكام الدستور
والثوابت والمفاهيم المركزية التي جرى التوافق عليها. وإلى جانب الميثاق الوطني، تَّم سنّ
مجموعة من القوانين التي شكلت الأرضية التشريعية لعملية الإصلاح السياسي، وفي مقدّمتها
قانون الأحزاب (رقم 32 لسنة 1992)، قانون المطبوعات (رقم 10 لسنة 1993)، قانون محكمة
العليا (رقم 12 لسنة 1992)، والذي منح المحكمة صلاحية الطعن في القرارات الحكومية، وألغى
الحصانة الممنوحة لهذه القرارات.
مكّنت القوانين الجديدة من توفير مظلة شرعية لأحزاب المعارضة السياسية، ولتأسيس أحزاب
جديدة
لقد مكّنت القوانين الجديدة من توفير مظلة شرعية لأحزاب المعارضة السياسية، ولتأسيس أحزاب
جديدة. كما سمحت بتوسيع نطاق الحرّيات الصحفية، وترخيص عشرات الصحف الأسبوعية
والحزبية الجديدة، كما وفرت للصحف اليومية قدراً اكبر من الحرية، بعد زوال الرقابة المسبقة
عليها، ورفعت عنها أشكال التهديد بالإغلاق أو إلغاء الامتياز، وتمتعت منظمات المجتمع المدني،
بدورها، بقدر غير مسبوق من حرية العمل.
ولكن حالة الانفراج السياسي التي أطلقتها انتخابات 1989 انتكست وتآكلت مظاهرها منذ دخل
الأردن عملية السلام مع إسرائيل، والتي تُوّجت بتوقيع المعاهدة الأردنية الإسرائيلية في 26
أكتوبر/ تشرين الأول 1994. ورغم طرح عدّة مبادرات إصلاحية في العقدين الأخيرين، إلا أن هذه
المبادرات لم تفلح في إزالة الفجوة المتعاظمة بين الدولة الأردنية والمجتمع، وقد شكّلت مبادرة "
تحديث المنظومة السياسية" التي أطلقها الملك عبدالله الثاني في 10 يونيو/ حزيران 2021 الحلقة
السابعة من محاولات الوصول إلى "خريطة طريق" للإصلاح السياسي في المملكة الهاشمية، ولعل
أبرز مخرجاتها مشروع قانون للانتخاب ومشروع آخر للأحزاب السياسية، إضافة إلى عدد آخر من
التعديلات الدستورية المتصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي، وتوصيات أخرى
لتمكين المرأة والشباب. فهل تحقّق "مبادرة التحديث السياسي" التي أشرف عليها رئيس الوزراء
الأسبق، سمير الرفاعي، وشارك في وضع مخرجاتها 92 عضواً، ما عجز عنه "الماراثون
الإصلاحي" خلال عشريّتين ونيف؟ هذا ما سوف تكشف عنه نتائج انتخابات المجلس النيابي
العشرين.