أطلق حزب الله بدعم من طهران صاروخا إيرانيا إلى هنا "أودى بحياة 12 روحا. 12 فتى وفتاة لعبوا كرة القدم هنا. ولسوء الحظ لم يتمكنوا من الوصول إلى مكان محمي. إسرائيل لم تتمكن من أخذ هذا الأمر بحسابها. ردنا سيأتي.. وسيكون قويا".
عندما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يدلي في 30 يوليو/تموز الماضي بأقواله هذه أمام الكاميرات، قبل 4 أيام من ترجمتها اغتيالا مزدوجا للقيادي في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، وزعيم حركة حماس إسماعيل هنية بطهران، لم يلتفت المراقبون كثيرا إلى الدلالات الشديدة للمكان وقاطنيه.
فمسارعة نتنياهو للعودة من الولايات المتحدة وحضوره إلى مجدل شمس بعد أن زارها تواليا رئيس الأركان هرتسي هاليفي ثم وزير الدفاع يوآف غالانت، جعلت من هذه البلدة السورية شبه المجهولة أشبه بصندوق بريد أرادت المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية استثماره لتوجيه الرسائل الإقليمية، بذريعة الانتقام لمقتل 12 من أطفالها جراء سقوط صاروخ.
يشار بهذا الصدد إلى أن حزب الله ينفي "الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة" بشأنه. ويرجح محللون أن يكون "صاروخا اعتراضيا إسرائيليا أطلقته القبة الحديدية وسقط خطأ بالملعب". علما بأن حزب الله كان -قبل سقوط الصاروخ- قد أعلن أنه استهدف مقر قيادة لواء حرمون في ثكنة "معاليه غولاني" الإسرائيلية بصاروخ "فلق 1″ والمقر المستهدف بعيد نسبيا عن مجدل شمس.
موقع سقوط الصاروخ وسط بلدة مجدل شمس (الفرنسية)
بالنسبة لسكان هذه البلدة السورية المحتلة (12 ألف نسمة) فرغم ظهور نتنياهو فيها بصحبة الزعيم الديني للموحدين الدروز موفق طريف، فقد رد حشد منهم على الزيارة سريعا بمظاهرة رفضوا خلالها الاستثمار السياسي لمأساتهم، ودعوه إلى مغادرة البلدة، واصفينه بمجرم الحرب. وعبر مشيعون عن غضبهم بطرد مسؤولين إسرائيليين، ورفض حضور نتنياهو مراسم التشييع.
راقصون على الدماء
كما رفضوا السماح للمسؤولين المذكورين بإلقاء خطابات. وانتشرت مقاطع فيديو تظهر احتجاجاً على زيارة الوزراء، بمن فيهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الاقتصاد نير بركات، ووزير التعليم يوآف كيش، ووزيرة حماية البيئة عيديت سيلمان، ووزير الطاقة إيلي كوهين. وهتف أحد سكان مجدل شمس في وجه سموتريتش: ارحل من هنا يا مجرم، لا نريدك في الجولان. في حين قال آخر "جئتم إلى هنا فقط للرقص على دماء أطفالنا".
وزاد بيان صادر عن "الهيئة الدينية والزمنية في الجولان السوري المحتل" برفض "أي مواقف رسمية تحريضية، ومحاولة استغلال اسم مجدل شمس كمنبر سياسي على حساب دماء أطفالنا، وتوزيع تصريحات من غير تفويض" وزاد "نرفض أن تُراق قطرة دم واحدة تحت مُسمى الانتقام لأطفالنا".
شيوخ الطائفة الدرزية أثناء مشاركتهم بجنازة ضحايا الصاروخ (رويترز)
أما واقعة مقتل الأطفال الـ12 ذاتها، فقد لفتت الأنظار إلى الامتدادات الإقليمية لحرب غزة، وإلى حضور هذه المنطقة السورية المحتلة منذ عام 1967 كأحد ميادين المواجهة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، ضمن ما بات يعرف بجبهة الشمال.
أين تقع مجدل شمس؟ وما دلالات المكان الذي تنتمي إليه، وماذا عن سير الأعمال القتالية بهذه المنطقة الواقعة على تقاطع نيران اسرائيلي لبناني مرتبط بحرب غزة؟
تفيد معلومات مجدل شمس بأنها بلدة سورية أغلبية سكانها من الطائفة الدرزية، وتعد كبرى قرى الجولان السوري، الذي تحتله إسرائيل منذ حرب عام 1967. وهي تقع على السفح الجنوبي لجبل الشيخ (حرمون) بإقليم البلان في هضبة الجولان عند مثلث الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين. بين ردود الفعل المنددة بمقتل أطفال مجدل شمس، صدر تعليق من دمشق اليوم التالي للهجوم بصيغة بيان صادر عن وزارة الخارجية.
وقال البيان "تؤكد الجمهورية العربية السورية أن شعبنا في الجولان السوري المحتل، والذي رفض على مدى عقود من الاحتلال الإسرائيلي أن يتنازل عن هويته العربية السورية لن تنطلي عليه أكاذيب الاحتلال واتهاماته الباطلة للمقاومة الوطنية اللبنانية بأنها هي التي قصفت مجدل شمس". وإلى جانب تشديده على هوية أهل الجولان، يؤشر الموقف الرسمي السوري إلى الثقة الممنوحة لحزب الله وأدائه القتالي خلال حرب غزة.
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يتفقد موقع سقوط الصاروخ (الفرنسية)
يشار إلى أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله كان قد أعلن في خطاب له في مايو/أيار 2014 أن سوريا قد قررت كرد على غارات إسرائيلية استهدفتها آنذاك تزويد حزبه بـ"سلاح نوعي كاسر للتوازن" وفتح جبهة الجولان أمام الحزب. وأكد استعداده لاستقبال ذلك السلاح ودعم المقاومة في المرتفعات التي تحتلها إسرائيل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2014، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن حزب الله أنشأ بنية تحتية في منطقة الجولان بمساعدة إيرانية وسورية. وقالت إن إدارة هذه الشبكة يتولاها اسمان تعرفهما إسرائيل جيداً: المسؤول الأول هو جهاد مغنية، نجل عماد مغنية، والثاني هو سمير القنطار، الذي حُرر سنة 2008 ضمن صفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل وحزب الله.
الشهر التالي ثبتت صحة المزاعم الإسرائيلية بالنسبة لمغنية الابن على الأقل. ففي 18 يناير/كانون الثاني 2015 أعلن حزب الله أن طائرة إسرائيلية استهدفت "فريق استطلاع" في المنطقة المحررة من الجولان مضيفا أن ستة منهم استشهدوا ضمنهم مغنية. وأذاع التلفزيون الرسمي السوري نبأ الغارة في هضبة الجولان، مؤكدا مقتل 6 أشخاص، غير أنه لم يشر إلى حزب الله. في حين أن الأخير رد على مقتل مغنية ورفاقه بقصف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا مما أدى إلى مقتل جنديين إسرائيليين.
حرب غزة
خلال حرب غزة، لم يبرز اسم ميدان المجابهة في الجولان من طرف حزب الله إلا في شهرها الثالث وبصيغة هجمات مركزة استهدفت الثكنات ومركز تجمع الجيش الإسرائيلي ومنصات قبته الحديدية. وأولى هذه الهجمات وقعت في 8 فبراير/شباط -حسب بيانات الحزب على منصة تليغرام- واستهدفت بصواريخ "فلق" ثكنة معاليه غولان، وكانت ثكنة كيلع هدف الهجوم الثاني في 22 فبراير/شباط واستخدمت فيها "عشرات صواريخ الكاتيوشا". وفي 26 من ذات الشهر استخدم صاروخ "بركان" لقصف معاليه غولان مجددا "ردًا على الاعتداءات على القرى الجنوبية والمنازل وآخرها الاعتداء على مركز الدفاع المدني في بليدا".
في 26 فبراير/شباط أيضا قصف حزب الله مقر قيادة الفرقة 210 التابعة للجيش الإسرائيلي في قاعدة نفح، ثم هاجم في 7 مارس/آذار مستخدما مسيرتين انقضاضيتين ثكنة معاليه غولان التي تكرر استهدافها أيضا بالكاتيوشا في 10 مارس/آذار. وتكررت هجمات الحزب بصيغة ردود على استهداف قرى لبنانية أو "دعما للشعب للفلسطيني في قطاع غزة وتأييداً لمقاومته الباسلة والشريفة" لتطال في 8 سبتمبر/أيلول منصات القبة الحديدية وأماكن ضباط وجنود جيش الاحتلال في مربض الزاعورة.
عن مغزى اختيار حزب الله للثكنات العسكرية الإسرائيلية في الجولان هدفا لردوده على استهدافات الجيش الإسرائيلي للمدنيين اللبنانيين، أو دعما لمقاومة غزة يقول المختص بالشأن الإسرائيلي حلمي موسى للجزيرة نت "أعتقد أن جانبا من استهداف حزب الله لمواقع عسكرية صهيونية في هضبة الجولان يعود أساسا الى حقيقة أن هذه القواعد تستخدم أصلا في مراقبة وضرب مواقع حزب الله في الجنوب والبقاع بفضل إطلالتها الواسعة. وعدا ذلك فإن حزب الله يستهدف مزارع شبعا الملتصقة بهضبة الجولان والتي يعتبرها أرضا لبنانية محتلة. وليس مستبعدا أيضا أن يكون الدافع سياسيا بتوسيع نطاق الجبهة المشتعلة وإدخال مواقع عسكرية ومستوطنات في هضبة الجولان تذكيرا باستمرار احتلالها من جانب إسرائيل. وفي ذلك نوع من التلويح بالضغط على إسرائيل بتوسيع مدى النيران".
تراشق صاروخي بين حزب الله وإسرائيل في سماء جنوب لبنان (الأوروبية)
أما عن المردود العسكري للضربات ومدى قدرتها على توسيع ميدان الحرب، فيلفت رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات العميد الركن دكتور هشام جابر النظر أولا إلى أن "العدو الإسرائيلي لا يعترف بخسائره المادية، لكن كل التقارير تقول إن هذه الصواريخ حتما عندما أصابت ثكنات عسكرية حققت إصابات في الجنود الإسرائيليين، ودمرت الكثير من مراكز الاستطلاع والاستشعار والقواعد التي تراقب بها إسرائيل المنطقة، وهذا كله مفهوم بالجولان وجبل الشيخ".
توسع متبادل
ويبدي -في تصريح للجزيرة نت- ثقته بأن إطلاق الصواريخ المستمر والطائرات المسيرة من قبل حزب الله يربك الجانب الإسرائيلي لأن لديهم أزمة في شمال فلسطين المحتلة تتمثل في مشكلة النازحين والمدارس التي لم يقرروا حتى الآن هل ستفتح أو لا". ويضيف "عندما توسع إسرائيل ضرباتها وتتجاوز حدود الليطاني يوسع كذلك حزب الله ضرباته".