أمريكا وإسرائيل..اليوم التالي لحرب لبنان توازيا مع حرب غزة
حسنا ما قامت به وزارة الدفاع الأمريكية بعد ساعات من اقتحام قوات جيش الفاشية اليهودية أرض لبنان الجنوبية، من الكشف عن اتفاقها على الغزوة الجديدة.
بيان البنتاغون يوم الأول من أكتوبر 2024، حدد مسار الغزوة الإسرائيلية، أهدافا ومراحل، بعضها بلغة عائمة، لكنه شكل "الإطار الموضوعي" لما يراد أن يكون في اليوم التالي للحرب الشاملة في لبنان وقطاع غزة، مع الضفة والقدس، ترتبط ارتباطا مباشرا بما تم الحديث عنه منذ التاسع من أكتوبر 2023، على لسان رأس الطغمة الفاشية نتنياهو، نحو شرق أوسط جديد.
لم يكن تصريح وزير خارجية أمريكا "اليهودي" بلينكن المفاجئ والشاذ أخلاقيا، بأن "العالم سيكون أكثرا أمنا وآمانا بعد اغتيال نصر الله"، سوى رصاصة انطلاق العدوان الجديد على لبنان، وضمن شعار عام، يغطي بداخله على الأهداف الحقيقة للغزوة الإسرائيلية.
تل أبيب، وضعت أهدافا خاصة لخصتها بـ "عودة سكان" منطقة شمال إسرائيل (فلسطين التاريخية)، وأبعاد وجود حزب الله العسكري مع تنفيذ قرار 1701 المتخذ في أغسطس 2006، وبالتأكيد هناك ما يزيد على ذلك، لكنها لا تعلنها لحساسيات حسابات الداخل اللبناني.
فيما الأهداف الأمريكية المضافة لأهداف دولة العدو الاحتلالي، العمل على تجريد حزب الله من السلاح، الاكتفاء بممارسة السياسة بعيدا عن "العسكرة"، ما يفتح الباب لانتخاب رئيس جمهورية جديد، وتشكيل حكومة توافقية تكون صاحبة القرار السياسي، المعطل موضوعيا منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري يوم 14 فبراير 2005، وإزالة العقبات أمام تنفيذ قرار المحكمة الدولية الخاصة التي حققت في ذلك، وأصدرت أحكامها بالسجن المؤبد على ثلاثة من حزب الله هم، (سليم جميل عياش وحسن حبيب مرعي وحسين حسن عنيسي).
"أهداف أمريكا" من حرب لبنان، ستكون سلاحا سياسيا في ترتيب العلاقات مع بعض الأطراف العربية، التي لها مصلحة خاصة في إنهاء "سيطرة" حزب الله وبالتالي بلاد الفرس على لبنان، وخاصة دول خليجية وبالتحديد العربية السعودية، مع تعزيز أطراف داخلية مرتبطة موضوعيا بالمشروع الأمريكي العام في المنطقة.
اليوم التالي لحرب لبنان، والذي يبدو أنه أمريكي أكثر يرتبط باليوم التالي لحرب غزة، بما يمنح دولة الكيان المساحة الكاملة لترتيب المشهد وفقا لرؤية نتنياهو، التي حددها بوضوح:
بقاء الوجود الاحتلالي في قطاع غزة.
تشكيل "إدارة مدنية" مرتبطة بالشأن الإنساني.
حظر وجود تمثيل كياني فلسطيني من خلال السلطة.
السيطرة على المعابر بأشكال متباينة.
إقامة منطقة عازلة شرق القطاع بطول 45 كم.
تشكيل مجلس إعمار دولي وإقليمي بما يسمح لتل أبيب ربط ملامح استراتيجية الإعمار بالرؤية السياسية.
تعزيز الوجود التهويدي في الضفة والسماح بعمليات ضم مستوطنات في القدس إلى إسرائيل.
البدء بتقاسم منطقة البراق والحرم القدسي.
وقف مسار دولة فلسطين وتقييدها حركة ونشاطا أمميا.
أهداف مشتركة للحرب العدوانية التي انطلقت يوم 8 أكتوبر 2023، تم صياغتها النهائية بمشاركة وزير خارجية أمريكا بلينكن والوزاري الحكومي في تل أبيب، ثم موافقة الرئيس بايدن خلال زيارته للكيان، بعد 48 ساعة من 7 أكتوبر 2023.
بعد الأول من أكتوبر 2024، لم يعد للرسمية العربية وكذا الفلسطينية، وبيان البنتاغون الرسمي بالاعتراف حول دور واشنطن في حرب لبنان المباشر، ذريعة الحديث معها باعتبارها طرف "وسيط"، بل هي "طرف شريك"، ما يضع قواعد المواجهة وفق ذلك العنوان الكبير.
اعتقاد البعض العربي، أن أمريكا تبحث حقيقة "إعادة لبنان إلى أهل لبنان" ليس سوى وهم سياسي يضاف لما كان لبعضهم أوهاما في موقفها من حرب غزة، لكن الحقيقة أنها ستستخدم اليوم التالي لفرض شروط مساومة جديدة على المشهد الإقليمي العام.
ويبقى صفير التحذير الذي لا يتوقف إلى الرسمية الفلسطينية، بأن "المهادنة الخنوعة" مع أمريكا أولا ودولة الفاشية اليهودية ثانيا، ليس طريق عبور نجاة سياسية لا فردية ولا كيانية..بل هي شراكة في اعدام الكيان الوطني الأول.
اختراق إسرائيلي للمنطقة "خطوة خطوة"..في غياب الردع الشامل
منذ 360 يوما ودولة الاحتلال ترتكب كل أشكال جرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، أرضا وإنسانا، ففي قطاع غزة تقوم بعمليات إبادة جماعية وملامح تطهير عرقي وفي الضفة والقدس، تهويدا شموليا، وبناء نظام فصل عنصري، وخلق كوابح متعددة لقطع الطريق على وجود كياني فلسطيني، دولة أو شبه دولة، ليبقى الأمر وفق مخطط "جزر فلسطينية" في وسط مشروع تهويدي عام.
لم يكن أبدا، هناك ما يبرر للرسمية العربية أن تقف طوال تلك الفترة الزمنية "تبحث سبل وقف الحرب"، التي لا سابق لها في المنطقة، وفاقت بكل مظاهرها ما كان من النازيين في الحرب العالمية الثانية، وتكرر وسائل الكلام، دون ان تترك أثرا واحدا يمكنه أن يحد من تلك الجرائم الشمولية.
اعتقاد الرسمية العربية، دولا ومؤسسات، أن الكلام عن الفعل هو سلاحها الذي لا سلاح غيره، كان موضوعيا سلاحا معاكسا استخدمته الفاشية اليهودية للسير بإكمال مشروعها الإبادي ضد شعب فلسطين، رغم كل "حرب لغة التهديد الصاروخية"، ما شجع دولة العدوانية أكثر نحو الانتقال لمرحلة جديدة من حربها.
وجاء اغتيال حسن نصر الله، أمين عام حزب الله "المفاجئ" يوم 27 سبتمبر، رسالة واضحة بأن الحرب العدوانية تسير وفق مخطط "خطوة خطوة" نحو فرض واقع سياسي جديد على المنطقة بأكملها، وهو ليس متربطا بما حدث يوم 7 أكتوبر 2023، وتلك الحقيقة التي باتت مطلقة في صوابها، بعدما كشفت وسائل إعلام أمريكية وعبرية، ومسؤولين من أمن دولة الكيان، معرفتهم بالحدث قبل حدوثه بزمن، فيما كشف رئيس الطغمة الفاشية جوهر المشروع التهويدي العام للشرق الأوسط والمنطقة يوم 9 أكتوبر 2023 وبحضور وزير خارجية أمريكا بلينكن.
ما سيكون في لبنان من "غزوة جديدة" ضمن الخطة العدوانية العامة، يمثل بابا نحو خلق واقع يمنح دولة العدو عناصر "تفاوضية" لصياغة "مشروع شرق أوسطي جديد"، وفقا لنتائج المعركة الحربية، وذلك ليس "سرا حربيا"، ولا اكتشافا أمنيا – سياسيا، بل هو فعل معلوم ومعلن، والحديث عنه بصراحة فريدة، لكن الاستخفاف العام بحقيقته هي المعضلة الكبرى.
المفارقة التي تثير تساؤلات مشروعة وأحيانا غير مشروعة، لماذا تعلن الرسمية العربية مخططا من أجل مواجهة الحرب العدوانية، وأخر ما كان يوم 10 سبتمبر 2024، عناصر رؤية ردع فاعلة ضد دولة العدو، بل وتردع دولتها الراعية أمريكا، ثم تصاب بحالات ارتعاش غريبة من المضي بتنفيذها، خاصة وأن دولة الكيان فتحت معركة مع مصر واضحة المعالم.
وتذكيرا بما قرر بيان الوزاري العربي:
- البدء بخطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب عدم التزامها بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين.
- حث مجلس الجامعة، المحكمة الجنائية الدولية على المضي قدماً في اتخاذ الإجراء المطلوب منها باستصدار مذكرات اعتقال بحق قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
- إدراج قائمة المنظمات والمجموعات الإسرائيلية المتطرفة، على قوائم الإرهاب الوطنية العربية، والإعلان عن قائمة العار للشخصيات الإسرائيلية تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية ضدها.
- اتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاطعة جميع الشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967.
- رفض كامل لمشاريع "البديل الموازي أو المؤقت" للمشروع الوطني الفلسطيني، تمثيلا ومضمونا، مقابل ترسيخ وحدانية الممثل والوحدة الجغرافية لدولة فلسطين.
وحتى ساعته لم تجد أي من الخطوات طريقها للتنفيذ، رغم تصاعد الحرب العدوانية واتساعها، وبدأت تتجه نحو احتلال جزء من أرض لبنان، وكأنه جس نبض "الفعل والفعل المضاد" وحقيقة سلاح الرسمية العربية، الذي أعلنته ردا على "الإبادة الجماعية" في فلسطين.
لقطع الطريق على الاختراق الإسرائيلي في المشهد العربي، ورسم ملامح "شرق أوسط بملامح يهودية"، وقبل أن يكون الفعل بعد الفرض، ليس مطلوبا من الرسمية العربية سوى فعل ما اقترحته في بيانها الوزاري من خطوات تشكل قوة "ردع أولية"، كفيلة بكبح عدوانية لا حدود لها.
السؤال المترنح..هل هناك رغبة رسمية عربية لكبح عدوانية دولة الفاشية اليهودية، وقطع الطريق على مشروعها التهويدي في المنطقة، أم تستمر حالة "الطناش السياسي" مع زيادة حركة "اللسان السياسي".