منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Empty
مُساهمةموضوع: الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود   الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Emptyالإثنين 21 أكتوبر 2024, 9:57 pm

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود %D8%A8%D9%8A%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A8-1716011789



الفيلسوف إيمانويل تود الذي يتنبأ بهزيمة الغرب كما تنبأ بسقوط الاتحاد السوفياتي
في عام 1976، وفي ذروة الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفياتي قوة عظمى، تنافس الولايات المتحدة في كل المجالات، وتنشر جيوشها في كل الكتلة الشرقية، ويمتد تأثير سياستها إلى أغلب العالم الذي كان يوصف حينها بعالم القطبين.لكن في خريف نفس العام، نشر باحث فرنسي مغمور في مجال الدراسات الديمغرافية التاريخية (علم دراسة خصائص السكان على مدى زمني طويل) لم يكن قد تجاوز الخامسة والعشرين، كتابًا أسماه: السقوط الأخير.
كان الطالب هو إيمانويل تود، وكان على وشك أن يناقش بحثه لنيل درجة الدكتوراة من جامعة كامبريدج في بريطانيا. بدت توقعات تود مضحكة، أو شديدة الغرابة في أحسن الأحوال، بالنظر إلى القوة التي ظهر عليها الاتحاد السوفياتي حينها. لكن تمر السنون، وتتحقق نبوءة تود بدقة مذهلة.
فبدلًا من دراسة أوضاع البلاد باستخدام أدوات التحليل السياسي التقليدية، استطاع تود من خلال الدراسات الديمغرافية، أن يشرّح المجتمع السوفياتي، وأن يصل إلى استنتاجات ثبتت صحتها خلال ثلاثة عشر عامًا، وجعلت منه أحد أبرز فلاسفة وعلماء عصره.
والديمغرافيا فرع من علم الاجتماع والجغرافيا البشرية، يقوم على دراسة علمية لخصائص السكان المتمثلة في الحجم والتوزيع والكثافة والتركيب والأعراق ومكونات النمو مثل معدلات المواليد والوفيات والهجرة، ونسب الأمراض، والظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومتوسط الأعمار والجنس، ومستوى الدخل، وغير ذلك.
وفي الدراسات الديمغرافية، يستخدم الباحثون، مثل تود، أدوات رياضية وإحصائية ومعادلات جبرية يمكن من خلالها توقع مستقبل الشعوب بالنظر إلى حاضرها وماضيها. ولهذا السبب تحديدًا يعتبر إيمانويل تود أن الديموغرافيا هو الفرع الوحيد من بين العلوم الاجتماعية الذي يمكن اعتباره علمًا بالتعريف.
الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود %D9%8A%D8%A8%D9%84%D8%A8%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A8%D8%B3%D8%A7%D8%A8-1716011806الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود (الفرنسية)

هزيمة الغرب

اليوم، يعود تود الذي أصبح مؤرخًا مرموقًا وعالم أنثروبولوجيا واجتماع طبقت شهرته الآفاق، بنظرية أكثر إثارة للجدل وضعها في كتاب عنوانه: هزيمة الغرب!
سمح صدق نبوءة تود الأولى للرجل بأن يكتسب قدرًا من النجومية في العالم البحثي، لكنه ظل موضعًا لإثارة الجدل، فتنبؤاته وتحليلاته غالبًا ما تكون صادمة لجمهور القراء في فرنسا والغرب، وآخر تلك النبوءات هي أن هزيمة الغرب الوشيكة.
تود مثقف غير تقليدي إطلاقًا وآراؤه غير تقليدية أيضًا، فيمكن أن يقرأ له باحثٌ رأيًا في مسألة ويظن أنه من أقصى اليسار، ثم يقرأ له في صفحة لاحقة تحليلًا لظاهرة أخرى فيظن أنه ينتمي لا محالة لأقصى اليمين، وهذا الأمر هو ما جعله دائمًا موضع اتهامات متعددة.
فمن ناحية هو المفكر الذي يهاجم النيوليبرالية والعولمة والسياسات الاقتصادية التي تعمق التفاوت الطبقي، بينما يدعم سياسات دولة الرفاه والتدخل الاقتصادي للدولة من أجل إعادة التوزيع وضمان أساسيات العدالة الاجتماعية، وهو المنتقد الشهير للإمبريالية الأميركية بل وسياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية، وهو الرجل الذي وقف بعد أحداث شارلي إيبدو ليكتب وينتقد بجرأة التطرف العلماني الفرنسي، وهي كلها أمور قد تجعله محسوبًا على اليسار.
لكن على جانب آخر يتمسك إيمانويل تود بالمحافظة على التقاليد الثقافية والدينية، وقد أفرد مساحات كبيرة من كتاباته لتوضيح كيف يؤثر التخلي عن القيم الدينية والانصياع التام على سبيل المثال لأيديولوجيا الهويات الجنسية بشكل سلبي في مستقبل الحضارة الغربية، وكيف يمكن أن ينهار الغرب بانهيار البروتستانتية التي قامت عليها حضارته، بل ويجد أن ازدياد أعداد اليهود والكاثوليك في صدارة المشهد السياسي في الولايات المتحدة يؤشر إلى اضمحلال ما، وهي كلها آراء يمكن أن يضع من خلالها القارئُ تود في خانة المثقف اليميني إذا ما قرأها بمعزل عن سياقها. لكن لنفهم ذلك ينبغي أن نتعرّف أكثر على الفيلسوف.
الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود %D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A3%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%8A%D8%B2%D9%8A-copy-1710014133كتاب "ما بعد الإمبراطورية" وكتاب هزيمة الغرب الفرنسي الذي لم يُترجم بعد (الجزيرة)
فإيمانويل تود الذي ولد لأسرة ذات رأسمال ثقافي كبير في ضواحي باريس عام 1951، قد تخرج في معهد باريس للدراسات السياسية وحصل على درجة الدكتوراة في التاريخ من جامعة كامبريدج البريطانية، ولعل خلفيته المتنوعة تلك هي التي تفسر استخدامه مناهج متعددة المشارب لتفسير الظواهر التي يدرسها. فهو يستخدم الاقتصاد والبيانات الديمغرافية المعمقة كثيرًا في تحليله، إضافة إلى الأدوات البحثية الخاصة بعلم الاجتماع والعلوم السياسية.
ويعطي تود الدين اهتمامًا كبيرًا في تناوله للظواهر، وهو مؤرخ ينتمي إلى ما يعرف بمدرسة المدى الطويل، بمعنى أنه لا يدرس الظواهر في صورها الضيقة وتفاصيلها الدقيقة المباشرة وإنما يدرس الحقب التاريخية والظواهر الممتدة.
وكتاب "هزيمة الغرب" الذي صدر في بداية العام الجاري يمكن اعتباره من أهم أعمال تود، وعلى الرغم من أنه لم يترجم بعدُ ولو إلى اللغة الإنجليزية فإنه أثار الكثير من الجدل في العالم الغربي، وتناولته الصحف والمنصات المختلفة من الولايات المتحدة الأميركية إلى شرق أوروبا.
والسبب ليس فقط أن تنبؤات تود تحققت بالفعل في السابق، ولكن أيضًا لتوقيت الكتاب، فبينما يحارب الغرب في أوكرانيا، ويساند إسرائيل في حربها الإبادية ضد الشعب الفلسطيني، يأتي تود ويقول للغربيين إنهم في طريقهم إلى الهزيمة، ويبين لهم من خلال مؤشرات متعددة وبيانات هائلة أنهم على شفا الانهيار. ويقول تود إنه حاول في هذا الكتاب أن يتحرر تمامًا من الخوف من الأحكام الأخلاقية وأن يقرأ المشهد بشكل علمي غير مؤدلج.

لنعطِ الإيرانيين قنبلة نووية كي يعمّ السلام

قبل الدخول إلى أطروحته الأساسية، من المهم أن نلقي نظرة واسعة على آراء تود التي شكلت منظاره المستقل المثير للجدل في العالم، وعلى إحدى الأفكار الهامة التي شكلت فرادته، وهي نظرته إلى ملفات السياسة الدولية بعيدًا عن الرواية الغربية الكلية.
على سبيل المثال، نبه إيمانويل تود منذ تسعينيات القرن الماضي، إلى أن ظلم الغرب للفلسطينيين وتجاهله لمحنتهم لا بد أن يتم تقويمه، وأنه لا يمكن أن يعيش الغرب على ذكريات الحرب العالمية الثانية ألف عام، فهذا العيش على الذكرى هو ما يجعل الغرب متعاميًا عن الظلم الواقع على الفلسطينيين، ويجعله مساندًا لجيش الاحتلال على طول الخط. هذه الرؤية للملف الفلسطيني لم ولن تمكن أوروبا -بحسب وجهة نظر تود- من أن تصبح لها كلمة ذات وزن لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كذلك يصل تود إلى درجة القول بأن إيران ينبغي أن تمتلك سلاحًا نوويًّا؛ لأن هذا هو الحل الوحيد لكي يسود السلام في المنطقة ويتوقف جيش الاحتلال الإسرائيلي عن طغيانه. بالنسبة لتود فإن امتلاك الأسلحة النووية بالتساوي هو السبيل الأمثل للسلام، وليس أن تمتلكه بعض الدول فقط؛ فهو يرى مثلا أن امتلاك الاتحاد السوفياتي لأسلحة نووية هو ما منع الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام أسلحتها ضد الأراضي السوفياتية، عكس ما فعلت مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكذلك إذا امتلكت إيران القنبلة النووية فستتوقف إسرائيل عن القتل والتشريد دون حساب.
على جانب آخر وبعيدًا عن آراء تود التي خالفت الرواية الغربية السائدة عادةً في السياسة الدولية، فإن أهم مرتكز في فلسفته هو الأدوات التي يعتمدها في تحليله وتنبؤاته؛ فبينما يركز المحللون عادةً على البنى الاقتصادية والثقافية ليبنوا تحليلاتهم وتوقعاتهم ورؤاهم التاريخية، يتجه تود إلى وحدات أصغر في الصورة ليحللها مثل الهياكل الأسرية في المجتمع هل هي نووية أم ممتدة أم طائفية، وهل ما زال الناس مترابطين أسريًّا في مجتمع ما أم لا وبأية صورة، وبعد جمع تلك البيانات الصغيرة يربطها تود بشكل الأنظمة الذي يمكن أن يستقر في هذا المجتمع سواء أنظمة استبدادية أو ديمقراطية ليبرالية، فإذا ما تزايدت أعداد الأسر النووية في مجتمع ما فربما سيهدد ذلك نظامًا استبداديًّا به على المدى الطويل.
وبشكل عام فإن ما يميز تحليلات تود هو استخدامه الواسع لعلم السكان والبيانات الديمغرافية ومعدلات المواليد ومستويات التعليم، ليتوقع التغييرات السياسية والاجتماعية التي يمكن أن تشهدها منطقة ما، وحين توقع تود عام 1976 في كتابه "السقوط الأخير" انهيار الاتحاد السوفياتي قريبًا، قام بذلك انطلاقًا من دراسة بيانات لا تمتّ إلى السياسة بصلة مباشرة مثل إحصائيات معدلات وفيات الأطفال الرضّع في الاتحاد السوفياتي، فضلًا عن انخفاض نسبة المواليد.
في البداية لم تأخذ طريقة تود في التحليل والتأريخ اهتمامًا يذكر، لكن حين حدث ما حدث وسقط الاتحاد السوفياتي بدأت طريقته التي تعتمد أساسًا على البيانات السكانية تأخذ اهتمامًا كبيرًا.





إيمانويل تود يفاجئ الجميع

وربما يكون أكثر تحليلات المفكر الفرنسي إثارة للجدل، هو تحليله للمسيرات الفرنسية التي انطلقت للتنديد بالهجوم المسلح على صحيفة شارلي إيبدو بعد نشر المجلة رسومًا مسيئة للنبي محمد صل الله عليه وسلم. بعد أحداث شارلي إيبدو انطلقت مسيرات في فرنسا للتنديد بما حدث وللتأكيد على إيمان فرنسا بما يصفونه "حرية الاعتقاد وبقيم التنوير، وبوحدة الشعب الفرنسي أمام الإرهاب الديني"، وقد نُظر إلى تلك المسيرات التي انطلقت في يوم الحادي عشر من يناير/كانون الثاني 2015 باعتبارها مقدسة ورمزًا وطنيًّا في حد ذاتها، وأصبحت كلمة "روح الحادي عشر من يناير" تعبيرًا يستخدمه الكتاب والمفكرون في فرنسا لوصف روح فرنسا التي لا تقهر والتي تجلت في هذا اليوم.
لكن تود أتى فجأة لينسف كل ذلك ويقول إن شارلي إيبدو مجلة سيئة، وإن هذه المسيرات نضحت بالفاشية، وإنها مسيرات لا تثير الإعجاب قادها "زومبي الكاثوليك" كما وصفهم، فهي انطلقت من أكثر أحياء فرنسا كاثوليكيةً وأكثرها كراهيةً للإسلام، وهي تحديدًا مناطق الغرب الفرنسي وليون التي لا يمارس الناس -الذين وصفهم بالزومبي الكاثوليك- فيها الكاثوليكية لكنهم مازالوا مشبعين بالأفكار الكاثوليكية اجتماعيًّا وأسريًّا ومحافظين على نفس الهياكل الهرمية الكاثوليكية وأبعد ما يكونون عن العلمانية، وهم بحسب تعبيره مجموعة من "المنحرفين المسنّين الذين تمت تربيتهم اجتماعيًّا على الدين الذي تخلوا عنه" بحسب تعبيره.
بالنسبة لتود فإن المظاهرات لم تكن تدافع فقط عن حرية الاعتقاد والتعبير وهي الحرية التي يتفق معها بالطبع، بل كانت أيضًا مظاهرات لا مكان فيها لهؤلاء الذين يرفضون "العمل الإرهابي"، لكنهم مع ذلك يعترضون على الرسوم المستفزّة ولا يشجعونها ويرون أنها كانت حمقاء حدّ تعبيره.
كانت المسيرات من وجهة نظره فرصة "لاستعراض القوة والبصق على الأقلية المستضعفة" وهي مسلمو فرنسا الذين يمثلهم أساسًا أبناء المهاجرين والعمال. كما كانت استعراضًا لكراهية تلك الأقلية، والذي لم يحضره أبناء الطبقة العاملة، وإنما فقط الكاثوليك.
تسبب رأي إيمانويل تود حينها في موجة عاصفة من الانتقادات ووصفته الصحافة الفرنسية بأنه "مثقّف مزعج"، و"مجدّف ضد 11 يناير"، و"سخيف وكاذب" و"متواطئ مع الإرهابيين". وقد عقّب تود حينذاك بأنه من المفارقة أن الداعين إلى تلك المسيرات قد انطلقوا للدفاع عن حرية التعبير وبعد ذلك أرادوا إسكات كل من اختلف معهم في الرأي، وقال أيضًا إن السخرية من الدين في فرنسا لم تعد حقًّا فقط، بل أصبحت واجبًا؛ إذ يتم دفع المسلمين على وسائل الإعلام إلى القول إنهم مؤيدون للرسوم المسيئة لنبيهم حتى يُظهروا أنهم فرنسيون حقًّا.





هزيمة الغرب

بعد سنوات من تنبُّئِه الناجح بانهيار الاتحاد السوفياتي، عاد تود ليستخدم نفس الأدوات الإحصائية بشكل أساسي ليقدم نبوءة جديدة، ونبوءتُه هذه المرة هي هزيمة الغرب. وذلك في الكتاب الذي صدر عن دار غاليمار للنشر في بداية هذا العام (2024)، ومن خلال هذا الكتاب ومادته العلمية الوفيرة يبرهن تود على العجز الصناعي في الولايات المتحدة الأميركية وانحدار التعليم بها منذ الستينيات، ويبرهن أيضًا على السقوط الروحاني والديني وتفكك الروابط العائلية وتفضيل دول من العالم لنموذج الدول المعادية للغرب، ومن خلال هذه الأشياء يرسم صورة قاتمة لمستقبل الغرب.
تمامًا كما نظر في الماضي إلى الإحصاءات السكانية الصغيرة التي توقع من خلالها أن الفساد قد استشرى في الاتحاد السوفياتي إلى حد يهدد بانهياره، يعود الآن وينظر إلى نفس الإحصاءات في روسيا فيجد الأمر قد تغير تمامًا، ففي حكم بوتين انخفض معدل الوفيات نتيجة إدمان الكحول في روسيا من 25.6 من كل 100 ألف نسمة إلى 8.4 من كل 100 ألف نسمة، وانخفضت حالات الانتحار من 56,934 حالة إلى 20,278 حالة، وانخفضت جرائم القتل من 41,090 جريمة إلى 9,048 جريمة قتل، كما انخفض معدل الوفيات السنوية بين الرضع من 19 من كل 1000 طفل في عام 2000 إلى 4.4 في عام 2020، وأهمية هذا الرقم بالنسبة لتود أنه أقل من المعدل الأمريكي البالغ 5.4.
بالنسبة لتود فإن مؤشرات مثل تلك أهم بكثير من المؤشرات الغربية السيّئة السمعة بحسبه حول الفساد وما إلى ذلك، التي يرى أنها مفتقرة إلى المعايير الموضوعية؛ فبينما تُظهِر تلك المؤشرات الغربية أن الغرب متفوق بفارق كبير على خصومه، يُظهِر الفرق بين عدد وفيات الأطفال الرضع في روسيا والولايات المتحدة الأميركية أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر فسادًا من روسيا.
يبين تود -الذي يتهمه الكثيرون في الغرب حاليًّا بأنه صار بوقًا لتلميع روسيا- بالأرقام كيف تقدمت روسيا وتخلفت الولايات المتحدة الأميركية؛ فقد صارت الولايات المتحدة تنتج من السيارات ومن القمح أقل مما كانت تنتجه في ثمانينيات القرن الماضي، بل إنها أصبحت تُكوّن مهندسين أقل ممن تُكوّنهم روسيا، وهذا ليس قياسًا بعدد السكان فحسب، بل وفق الأرقام المطلقة، هذا فضلًا عن النقص الحاد في شهادات الدكتوراة التي حصل عليها الأميركيون في مجال الهندسة في العقود الأخيرة.
وبينما يتجه الروس إلى الوظائف التي تتقدم بها الأمم يتجه الأميركيون أكثر فأكثر إلى وظائف قطاع الخدمات والقانون والتمويل، وهي الوظائف التي لا تُوجِد القيمة وإنما تنقلها فقط داخل الاقتصاد، وقد تقضي عليها في بعض الأحيان. وبشكل عام يرى تود أنه بينما كانت الحكومات الغربية المنتخبة تركز دائمًا على تحقيق أهداف قصيرة المدى توفر لها إعادة انتخابها مرّة قادمة، كانت حكومات الدول المنافسة للغرب تتمتع بخطط أطول مدى جعلتها تحقق تقدمًا ملحوظًا في بلادها، وعلى الصعيد الدولي.





من وجهة نظر تود ينبغي لنا أن نتأمل بعمق حقيقة أن روسيا استطاعت أن تصمد في وجه العقوبات الاقتصادية بعد الحرب على أوكرانيا دون أن تركع أو تتأثر بشكل حاد؛ وذلك لأن روسيا استطاعت أن تبني دولتها المستقلة بحسبه، وقد استعدت لاستقلالها الاقتصادي والتكنولوجي منذ سنوات، والمدهش هنا وفقا له أن الغرب لم يكن قادرًا على تأمين احتياجات أوكرانيا من القذائف في الحرب، على الرغم من أنه قبل الحرب مباشرة كان الناتج المحلي الإجمالي لروسيا وبيلاروسيا لا يمثل إلا 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يتمتع به الغرب، لكن رغم ذلك استطاعت روسيا أن تنتج أسلحة أكثر من العالم الغربي، ومن هنا يخلص تود إلى أن علم الاقتصاد السياسي الغربي الزائف قد انكشف في تلك الحرب وأن مفهوم الناتج المحلي الإجمالي لم يعد قادرًا على تفسير الحقيقة.
يخلص تود إلى أن الوضع المتعلق بالاقتصاد والتعليم والفساد يشير إلى أن الغرب على شفا حفرة من الهزيمة أمام خصومه، كما أن تود يولي مساحة أخرى اهتمامًا كبيرًا ليستخلص من خلالها اقتراب هزيمة الغرب، وهي مساحة العلاقات الأسرية والحياة الروحية والدين. يرى تود كما رأى الكثير من الفلاسفة من قبل أن الإصلاح الديني البروتستانتي كان العمود الأساسي الذي بنى عليه الغرب نهضته التعليمية والاقتصادية، إذ أعلت البروتستانتية من قيم العمل والتعليم، والآن يلاحظ تود أمرين أساسين:
أولهما أن النخبة البروتستانتية التي بُنيَت على أكتافها سابقًا الحضارة الغربية من خلال قيم العمل والعلم، تحولت الآن لتصبح عصابات حاكمة في العواصم الغربية مشبعة تمامًا بأفكار النيوليبرالية والجشع، بل إنها قد فقدت وجودها في واجهة الحكم في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، فلأول مرة في الحكومة الأميركية الأخيرة (حكومة جو بايدن) لم يعد هناك وجه بروتستانتي أبيض، بل صار اليهود يسودون الوظائف الحكومية العليا، وهو يؤكد حين يشير إلى تلك الملحوظة أنه هو نفسه ينتمي لسلالة يهودية، لكنه يحاول أن يوضح كيف يؤثر الأمر في السياسة.
والآخر هو ما يسميه تود الوصول إلى الصفر الديني في الغرب بقطبيه الكاثوليكي والبروتستانتي؛ مما أنتج فوضى في القيم والمعايير وتغييب معنى الحياة، فلم تعد المجتمعات الغربية تعاني فقط من الافتقار إلى الروحانية والقيم والمعاني، بل وصل فيها الاقتناع الديني إلى الصفر، وهو ما جعل القيم الغربية غير جذابة لبقية العالم بعكس الماضي؛ إذ صار الغرب عنوانًا للعدمية، وأصبح نموذج الأسرة الغربية -بعد شهد نظامها القائم على الأب تدميرًا كبيرًا في العقد الأخير- نموذجًا يهدد الحياة الاجتماعية فضلًا عن كونه لا يجذب الاحترام في عيون العالم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود   الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Emptyالإثنين 21 أكتوبر 2024, 10:15 pm

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود 361086-outer_cover_image
ما بعد الإمبراطورية: دراسة في تفكك النظام الأميركي


ملخص الكتاب
تعاني الإمبراطورية الأمريكية تصدُّعًا داخليًّا خطيرًا يُنذر بأفولها وزوالها، وتدرك الولايات المتحدة هذاالخطر، وتعيش بسببه صداعًا سياسيًّا، وتشنُّ حروباً مسرحية صغيرةً على الإرهاب وأفغانستان والعراق؛ بقصد التعمية والتمويه على حقيقة ضَعفها وقُرْب انهيار نظامها. يتنبَّأ هذا الكتاب بسقوط وشيك للإمبراطورية الأمريكية. وهو في ذلك يدقُّ ناقوسَ الخطر في اتجاهين: فمنجهه يحذِّر الولايات المتحدة من قُرْب تحلُّل هيمنتها وإمبراطوريتها؛ وينبِّه من جهة أخرى، مَن يعنيهم الأمر إلى العمل على تسريع هذا السقوط. فـإيمانويل تود الذي تنبَّأ بانهيار الإمبراطورية السوفيتية قبل وقوعها، يحذِّر الولايات المتحدة من مصير مشابه، ويبيِّن هشاشة نظامها وضَعفه، ويرى أن ركودها الاقتصادي المطرد وتراجُع قدراتها الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية، لا يسمحان لها بالسيطرة فعليًّا على عالَم أصبح شديد الاتساع، وينبئان بانهيار حلمها الإمبراطوري. سوف تخسر الولايات المتحدة معركتها الأخيرة في الهيمنة على العالَم؛ لأنها فقدت قدرتها على السيطرة على محاور العالَم الاقتصادية (أوربا، وروسيا، واليابان، والصين)، وإذا أصرَّت على أن تثبت قوتها الهائلة، فلن تفلح أكثر من أن تكشف للعالَم عن عجزها، وتسرُّع سقوط إمبراطوريتها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود   الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود Emptyالإثنين 21 أكتوبر 2024, 10:21 pm

الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود P_3216k6jx01

قوات الناتو خلال عرض عسكري في بولندا في آب 2023.

[rtl]«الغرب نحو حتفه»: حدود الهيمنة وانحسار المعنى[/rtl]
يستمد عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي، إيمانويل تود، تأثيره الفكري في العالم الفرنكفوني من كونه أحد الأهداف المفضلة لدى وسائل الإعلام السائدة وتيار التفكير المهيمن، بوصفه معاديًا للنيوليبرالية والتبعية الأوروبية لواشنطن. ولعل تحوله إلى هدف للنقد، مصدره النزعة الانشقاقية لديه، إذ يمشي طرقًا لا يمشيها الآخرون، غير مطمئنة للبداهة التي ترسخها مجموعات التفكير والإعلام القريبة من السلطة، ولاسيما من الطبقة الليبرالية الأوروبية. لذلك كان دائمًا وحده.
قبل خمسة عقود نشر تود أولى كتبه «السقوط الأخير»، ومن خلال نهج ديموغرافي أنثروبولوجي وصل إلى حتمية سقوط الاتحاد السوفياتي، قبل عقد ونصف من سقوطه الفعلي. كرست تلك النبؤة تود كواحد من المؤثرين في الساحة الفرنسية. قبل أيام نشر تود كتابه الأخير «هزيمة الغرب». 
مستندًا إلى نهج متعدد التخصصات، جمع التاريخ والأنثروبولوجيا والاقتصاد، يتوقع تود أن الغرب قد غادر قمة جبل العالم، وأخذ طريق المنحدر. ليجد الهجوم نفسه، ودون أن تغبطه حقه في القدرة على التنبؤ تصفه جريدة لوموند، صوت الصحافة السائدة، بالنبي ذو العيون المغلقة.
لكن هل نشهد اليوم حقًا هزيمة الغرب، وما طبيعة هذه الهزيمة وأسبابها؟ لا يتعلق توصيف تود للهزيمة بالجانب العسكري، مع أنه لا ينفيه تمامًا فيما يجري على الجبهة الأوكرانية، وكذلك فيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية المرتبطة بالصناعات الدفاعية. الهزيمة هنا فكرية، تتمثل في فقدان الغرب سلاحه الأساسي الذي سيطر من خلاله على العالم على مدى خمسة عقود. 

المُختبر الأوكراني

ينطلق الكتاب من ذيل مخطط التاريخ الذي وضعه الكاتب لسيرة هزيمة الغرب. يعتقد تود أن بذور الهزيمة ولدت في لحظة النصر، أي عند النشوة التي أصابت الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لتظهر الهزيمة واضحةً بعد دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا عام 2022. يبدأ تود تحليله من الحرب في أوكرانيا، من خلال طرح إشكالية: لماذا استهان الغرب بالخصم الروسي، وكيف قاد الوهم زعماء الغرب، بشقيه الأوروبي والأمريكي، إلى الاقتناع بنتائج مفترضة كانت جميع الأرقام تقف ضدها. 
يعتقد تود أن الغرب قد استقر مسيطرًا حتى أصبح عاجزًا عن رؤية أي فرضية للتنوع في العالم خارج هيمنته، لذلك كان عاجزًا حتى عن قراءة الأرقام والتحليلات العلمية التي تنتجها مؤسساته. عبر منهج إحصائي يمارس الكاتب خبرته في حشد طائفة واسعة من الأرقام للبرهنة على أن الخصم الروسي كان له من الاستقرار والاستعداد ما يكفي لدفع ثمن العملية العسكرية في أوكرانيا، عكس ما اعتقدت واشنطن وبروكسل. 
يعتمد تود على «الإحصاءات الأخلاقية» لإثبات صلابة الجبهة الداخلية الروسية بين عامي 2000 و2017، وهي المرحلة المركزية لتحقيق الاستقرار في عهد فلاديمير بوتين، حيث انخفض معدل الوفيات الناجمة عن إدمان الكحول في روسيا من 25.6 لكل 100 ألف نسمة إلى 8.4 لكل 100 ألف نسمة. كما اخفض معدل الانتحار من 39.1 إلى 13.8، ومعدل القتل من 28.2 إلى 6.2. وهذا يعني، بالأرقام الأولية، أن الوفيات الناجمة عن إدمان الكحول انخفضت من 37214 وفاة سنويًا إلى 12276 وفاة، وحالات الانتحار من 56934 حالة إلى 20278 حالة، وجرائم القتل من 41090 جريمة إلى 9048 جريمة. أما معدل الوفيات السنوية بين الرضع، فقد انخفض من 19 لكل 1000 «طفل ولد حيًا» في عام 2000 إلى 4.4 في عام 2020، وهو أقل من المعدل الأمريكي البالغ 5.4 (بحسب اليونيسيف). ومع ذلك، فإن هذا المؤشر الأخير، بقدر ما يتعلق بأضعف الناس في المجتمع، له أهمية خاصة لتقييم الحالة العامة للمجتمع.
أما البيانات الاقتصادية لروسيا فتثبت الارتفاع السريع في مستوى المعيشة بين عامي 2000 و2010، وتلاه بين عامي 2010 و2020 تباطؤ ناجم عن الصعوبات الناجمة بشكل خاص عن العقوبات التي أعقبت ضم شبه جزيرة القرم. لكن الاتجاه الذي توضحه الإحصاءات الأخلاقية أكثر انتظامًا وعمقًا، ويعكس حالة من السلام الاجتماعي وإعادة اكتشاف الروس بعد كابوس التسعينيات، أن العيش المستقر أمر ممكن. 
لكن هذه العناصر الموضوعية لم تمنع العديد من المنظمات غير الحكومية، وهي في أغلب الأحيان وكالات غير مباشرة تابعة للحكومة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، من الحط من شأن روسيا بشكل مستمر في تقييماتها، وهذا شكل جزءًا أساسيًا من فخ الوهم الذي سقط فيه الغربيون. ويشير الكاتب إلى أن منظمة الشفافية الدولية، التي تصنف دول العالم الثالث حسب معدل الفساد فيها، عندما وضعت في عام 2021 الولايات المتحدة في المرتبة 27 وروسيا في المرتبة 136، وضعتنا أمام استحالة. فالدولة التي تتمتع بمعدل وفيات بين الرضع أقل من الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون، برأيه، أكثر فسادًا منها. ذلك أن معدل وفيات الأطفال، يشكل في حد ذاته مؤشرًا أفضل للفساد الحقيقي من هذه المؤشرات المصنعة وفقًا لمعايير لا أحد يعرفها. 
أما «الإحصاءات الاقتصادية»، فتؤكد أن فرضية الاقتصاد الحقيقي التي راهنت عليها موسكو كانت أحد دروعها الأساسية في الحرب. فقد نجحت روسيا، في غضون سنوات قليلة، ليس فقط في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، بل في أن تصبح واحدة من أكبر مصدري المنتجات الزراعية في العالم. وصلت صادرات الأغذية الزراعية الروسية إلى مستوى قياسي بلغ 30 مليار دولار، وهو رقم أعلى من عائدات صادرات الغاز الطبيعي في العام نفسه (26 مليار دولار). وهذه الديناميكية، التي كانت مدفوعة في البداية بالحبوب والبذور الزيتية، أصبحت الآن تعتمد أيضًا على صادرات اللحوم. كما سمح أداء القطاع الزراعي لروسيا بأن تصبح مصدرًا صافيًا للمنتجات الزراعية في عام 2020، وذلك لأول مرة في تاريخها الحديث: بين عامي 2013 و2020، وتضاعفت صادرات روسيا من الأغذية الزراعية ثلاث مرات، في حين انخفضت الواردات إلى النصف. أما استمرار وجود روسيا باعتبارها ثاني أكبر مصدر للتكنولوجيا النووية على مستوى العالم فهو أقل إثارة للدهشة. حيث كان لدى شركة روساتوم، الشركة الحكومية المسؤولة عن هذا القطاع، في عام 2021، 35 مفاعلًا قيد الإنشاء في الخارج (لا سيما في الصين والهند وتركيا والمجر). 

[rtl]يعتقد تود أن الغرب قد استقر مسيطرًا حتى أصبح عاجزًا عن رؤية أي فرضية للتنوع في العالم خارج هيمنته، لذلك كان عاجزًا حتى عن قراءة الأرقام والتحليلات العلمية التي تنتجها مؤسساته.[/rtl]

ويبدو أن كل نظام من أنظمة العقوبات دفع روسيا إلى تنفيذ عمليات إعادة تحويل اقتصادية متسلسلة واستئناف استقلالها عن السوق الغربية. ولعل مثال إنتاج القمح هو الأكثر إثارة للإعجاب. في عام 2012، أنتجت روسيا 37 مليون طن من القمح، وفي عام 2022، أنتجت 80 مليون طن، أي أكثر من الضعف خلال عشر سنوات. تبدو هذه المرونة منطقية عند مقارنتها بالمرونة السلبية التي تتمتع بها الولايات المتحدة.
العامل الثاني الذي يستند إليه تود لتحليل الوهم الغربي في مقاربة الخصم الروسي هو اعتقاد قطاع واسع من النخب الغربية السياسية والفكرية، بأن تنامي الطبقات الوسطى واتساع مجال التعليم العالي، سيجعل من بقاء نظام الرئيس بوتين محل تهديد. يستند هذا الوهم الغربي إلى فكرة التطابق بين الطبقات الوسطى في الغرب والطبقة الوسطى الروسية. وعن ذلك يذهب الكاتب إلى أن هذا التطابق، نابع من رغبة الغرب في تصور العالم غير الغربي على صورته. يعتقد تود أن مثل هذا التمثيل يتجاهل ما يميز الطبقات المتوسطة الروسية عن نظيراتها الغربية. إذا كانت الطبقات الوسطى الروسية بالتأكيد أكثر ليبرالية قليلًا من بقية السكان، فهي أبعد ما تكون عن التشابه الكامل مع الطبقات الوسطى الغربية، ويرتكز الاختلاف بينهما على خلفية أنثروبولوجية فريدة، والتي تشكل أيضًا أحد العناصر التي تفسر صلابة روسيا في مواجهة الغرب، وهي قيام الطبقة الوسطى على الأسرة لا الفرد. 
كما أن ما جعل روسيا قوية، وما سمح لها بالحفاظ على سيادتها في نظام معولم، هو قدرتها العفوية على منع تطور الفردية المطلقة، فما زال في روسيا القدر الكافي من القيم المجتمعية لضمان بقاء نموذج الأمة المدمجة وعودة شكل معين من أشكال الوطنية إلى الظهور. حيث مازال النموذج العائلي المهيمن على التشكيل الاجتماعي الروسي قادرًا على إنتاج تصور روحي للدولة-الأمة، أي تصورًا للمصير الجماعي المشترك بين أفراد المجتمع. 
لا يحضر النموذج الروسي في الحرب الأوكرانية في كتاب إيمانويل تود إلا بوصفه شاهد خسارة للغرب، أي لوحةً يمكن من خلالها أن نقبض على مواطن الهزيمة مجسمةً في تفاصيل وأرقام وأوهام. لذلك كانت فصول المفتتح عن الحرب الجارية في أوروبا الشرقية مدخلًا لطرح أسباب هزيمة الغرب.

الأثافي الثلاثة 

ترتكز نظرية تود في هزيمة الغرب على ثلاثة عوامل: أولًا التراجع الصناعي الغربي، ولاسيما الأمريكي، بسبب العولمة وتخلي الغرب عن الدور التصنيعي لفائدة منطق سلاسل التوريد، لزيادة التراكم لدى الطبقة التي يسميها الكاتب بـ«الأوليغارشية الليبرالية»، التي أصبحت الطبقة المهيمنة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وكذلك بسبب عدم كفاية التدريب الهندسي، وبشكل أكثر عمومية، انحدار المستوى التعليمي منذ عام 1965 في الولايات المتحدة. حيث تحولت دول مثل الصين والهند إلى مصدر أساسي للمهندسين. مع الكشف عن الطبيعة الوهمية للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. 
أما العامل الثاني فهو العزلة الإيديولوجية للغرب، فقد كشفت الحرب في أوكرانيا عن تفضيل بقية العالم لروسيا. وقد اكتشف الغرب عجزه عن الهيمنة عندما لم ينجح في إقناع حتى حلفائه خارج العالم الغربي (تركيا، الخليج، باكستان، إلخ) في الانحياز له ضد روسيا بشكل قطعي، كما فعل خلال الحرب الباردة. يفسر تود ذلك بما يسميه الحداثة الثقافية المجنونة للغرب، والتي جعلت روسيا تبدو كقوة محافظة في العالم، تقدس العائلة وتضع اعتبارًا للدين، لذلك كان المزاج العام خارج الغرب قريبًا منها. والأكثر من ذلك، النظرة التي يحملها سكان بقية العالم عن الغرب في عصر العولمة، بوصفه كيانًا مستغلًا يعيش على العمل المتدني الأجر، الذي يقوم به الرجال والنساء والأطفال من العالم الثالث السابق، مما يجعل منظومته الأخلاقية تفتقر إلى المصداقية. 
لا يتجاهل الكاتب العوامل السياسية، كالنظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية والتدخلات العسكرية وغيرها، في تشكيل نظرة بقية العالم للغرب، ولكنه يعتبرها ثانويةً أمام الخلل الذاتي الذي يعاني منه الغرب، وهذا الخلل هو علة تلك العوامل السياسية. ويعيد تود تلك الصدمة الغربية إلى فكرة النرجسية الثقافية التي يستقيها من عالم الاجتماع الأمريكي، كريستوفر لاش، في كتابه «ثقافة النرجسية: الحياة الأمريكية في عصر التوقعات المتناقصة» (1979). تحليل الكاتب عن تفتيت المجتمعات المتقدمة، وعن الفرد المأزوم في سياقات انهيار الدين والإيديولوجيات، لا يمكن اعتباره إلا امتدادًا لعمل لاش. لكن مفهوم النرجسية وفقًا لتود له تطبيق أوسع: فهو لا يفسر الظواهر الداخلية في المجتمعات الغربية فحسب، بل يسمح لنا أيضًا أن نفهم سياستها الخارجية.
ومن اللافت في الواقع أن نلاحظ إلى أي مدى أصبح الغرب، منذ بداية هذه الأزمة، بفرعيه الأميركي والأوروبي، مقتنعًا، على عكس كل الواقع الموضوعي، بأنه لا يزال مركز العالم. متجمدًا في مكان ما بين عامي 1990 و2000، بين سقوط جدار برلين ولحظة وجيزة من القدرة المطلقة. لقد مر أكثر من ثلاثين عامًا منذ ذلك الوقت، ومن الواضح أنه بالنسبة لبقية العالم الآن، وخاصة منذ الركود العظيم في الفترة 2007-2008، لم يعد النصر الغربي مثيرًا للإعجاب. فالعولمة التي أطلق لها العنان بدأت تنفد، وغطرسة الغرب تثير السخط. لقد أصبحت النرجسية الغربية، وما يترتب على ذلك من عمى، أحد الأصول الاستراتيجية الكبرى التي تمتلكها روسيا والصين.

[rtl]من اللافت إلى أي مدى أصبح الغرب، منذ بداية هذه الأزمة، بفرعيه الأميركي والأوروبي، مقتنعًا، على عكس كل الواقع الموضوعي، بأنه لا يزال مركز العالم. متجمدًا في مكان ما بين عامي 1990 و2000.[/rtl]

لكن العامل الثالث، الذي يطلق عليه الكاتب اسم «الصفر بروتستانتية»، هو الذي برأيي يشكل إضافة نوعيةً لهذا الكتاب. ينطلق الكاتب من نظرية ماكس فيبر حول «الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية»، التي يشرح فيها تطور الرأسمالية منذ منتصف القرن الثامن عشر، من خلال تطور الروح البروتستانتية، وبشكل خاص الكالفينية. وفقًا لفيبر، كان الإصلاح البروتستانتي هو أصل أخلاقيات العمل في الرأسمالية. لذلك شهدت الرأسمالية ذروة قوتها في ظل الصعود الجيوسياسي للعالم البروتستانتي، إنجلترا والولايات المتحدة وألمانيا الموحدة والدول الاسكندنافية. لقد أنتجت البروتستانتية مستوىً تعليميًا عاليًا، لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، ومحو الأمية الشامل، لأنها تطلبت أن يكون كل مؤمن قادرًا على قراءة الكتاب المقدس بنفسه. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخوف من اللعنة والحاجة إلى الشعور بأن الله اختاره قد حفز أخلاقيات العمل، والأخلاق الفردية والجماعية القوية. وقد أنتج هذا التقدم التعليمي وأخلاقيات العمل تقدمًا اقتصاديًا وصناعيًا كبيرًا. يحلل تود مسار انحسار هذه البروتستانتية، وعلى نحو عكسي يؤدي الانهيار الأخير للبروتستانتية إلى انحدار فكري، واختفاء أخلاقيات العمل والجشع الجماعي ممثلًا في الليبرالية الجديدة.
يؤكد الكاتب أن عوامل عديدة حجبت لفترة طويلة اختفاء البروتستانتية (والدين بشكل عام) في الولايات المتحدة. أولًا، معدلات الممارسة أعلى مما هي عليه في أوروبا، لكن الدراسات التفصيلية أظهرت أنه تم المبالغة في تقديرها، فحتى الإحياء الديني الإنجيلي في السبعينيات، رغم أنه سمح لبعض إلهاماته بكسب الكثير من المال، جلب في المقام الأول عناصر رجعية: قراءة حرفية للكتاب المقدس، وعقلية مناهضة للعلم بشكل عام، وقبل كل شيء النرجسية المرضية. ولكي ندرك إلى أي مدى لم يكن تطور البروتستانتية الأمريكية مختلفًا كثيرًا عما حدث في أوروبا الغربية، فإن الأمر الأكيد هو متابعة تطور الخصوبة. حيث يعتبر انخفاض الخصوبة بين السكان المتعلمين هو أفضل مؤشر على تراجع التدين، فبحلول عام 1980، في نهاية الطفرة الإنجيلية، انخفض عدد المواليد في أميركا إلى 1.8. وفي الوقت نفسه، كانت إنجلترا عند 1.7 وفرنسا عند 1.9. ولا شيء هنا يشير إلى أن الدين الحقيقي قد نجا عبر المحيط الأطلسي. لكن تحليل تود للعنصر الديني لا يدل -كما يؤكد هو نفسه- على أي حنين أو رثاء أخلاقي، بقدر ما هو ملاحظة تاريخية. ويشير في الوقت نفسه إلى أن تراجع البروتستانتية أدى أيضًا إلى تراجع العنصرية ضد السود وصعود حركة الدفاع عن الأقليات العرقية والجنسية.

انحسار المعنى 

وراء انحسار البعد الديني، وتراجع القوة التصنيعية، والانفصال بين الجمهور والطبقة الأوليغارشية الحاكمة، يضع الكاتب يده على إحساس يصادفه الواحد منا -هنا في الغرب- وهو فقدان المعنى. يفترض تحليل تود أن هذا المعنى لصيق بالروح الجماعية، أي تجاوز الفرد لذاته نحو كيان أكبر، ديني أو قومي أو أممي. لكن العقيدة النيوليبرالية ونتاجها الفرداني، جعل من هذا التجاوز مستحيلًا، واضعًا الفرد في سجن الفردانية، التي تتغذى على العزلة والنرجسية والاستهلاك.
قبل الطور النيوليبرالية، وجدت الليبرالية الكلاسيكية روحها الجماعية في البعد الديني، وكذلك في الدولة القومية. هذه الدولة التي خاضت الحروب، وحولت الفرد إلى جزء من مجموعة تدافع عن وجودها وخلقت له معنى أكبر. لقد ظهر ذلك جليًا خلال النصف الأول من القرن العشرين، لاسيما في الحربين العالميتين والحرب الأهلية الإسبانية والكفاح ضد الفاشية. وهو معنى ملحمي يظهر في روايات إرنست همنغواي، مستعينًا في رواية لمن تقرع الأجراس بأحد تأملات الشاعر الإنكليزي، جون دون (ت 1631) يقول فيه: «لسنا جزرًا مستقلة بذاتها، كلنا جزء من القارة، جزء من كل. فإن جرف البحر حفنة من التراب نقصت أوروبا؛ موت أي كائن ينتقص مني، فأنا معني بالبشرية، ولذا لا تراسلني أبدً لتسألني لمن تقرع الأجراس؛ إنها تقرع من أجلك».

[rtl]الأيام الصعبة التي صنعت الغرب هي سنوات الصراع، وحين اختفى الأعداء، اشتد الرخاء، منتجًا أسوأ ما في الغرب: النيوليبرالية والفردانية وفقدان المعنى. [/rtl]

يدفع فقدان المعنى، الذي يحلله تود ببراعة، إلى إفراغ الخطاب الغربي التقابلي بين عالمٍ حُرّ ديمقراطي تعددي في مواجهة عالمٍ شمولي استبدادي، من معناه. هذا الخطاب الذي شكل أحد الأدوات الإيديولوجية لليبرالية خلال الحرب الباردة، وحافظ على قوته بعد ذلك، لتبرير عودة الاستعمار المباشر بعد غزو العراق، أصبح في عالم اللامعنى الغربي مجردًا من كل قوة تأثير، ذلك أن الصبغة الكونية لهذا الخطاب قد كُشف زيفها، وبدا واضحًا أن ذلك البعد الليبرالي الديمقراطي محدود التطبيق ضمن المجال الغربي حصرًا، وهو ما تؤكده الحروب الاستعمارية الجديدة القديمة في العراق وفلسطين وأفغانستان.

لكن وجهًا آخر من وجوه تحليل تود لهذه الهزيمة الغربية المعنوية، يحيل إلى الدورة الخلدونية في قيام الأمم وسقوطها. فالأيام الصعبة التي صنعت الغرب هي سنوات الصراع، وحين اختفى الأعداء، اشتد الرخاء، منتجًا أسوأ ما في الغرب: النيوليبرالية والفردانية وفقدان المعنى.  في الوقت الذي كانت فيه دول بقية العالم تعيش أيامها الصعبة، التي صنعت أجيالًا وطبقاتٍ لديها معانٍ ذات روح جماعيةٍ، صار من الصعب على الغرب هزيمتها. لكن المعضلة أن بقية العالم، ليس كتلةً واحدةً، قادرةً حتى الآن على صياغة معانٍ كونية قادرة على احتلال مكان الهيمنة الغربية، بقدر ماهي كيانات تحكمها قوانين الوحدة والصراع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
الفيلسوف الفرنسي إيمانويل تود
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إسرائيل
» من محمد مرسي إلى إيمانويل ماكرون فأنجلينا جولي
» كونفوشيوس الفيلسوف الصيني
» ابن الطفيل.. الطبيب الفيلسوف
» الفيلسوف محمد إقبال في سطور

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات سياسيه :: سيرة ذاتية-
انتقل الى: