[rtl]
يوسف عبدالله محمود: قراءة في كتاب تربية العامة.. تربية الخاصة[/rtl]
تأليف: د. محمد جواد رضا
مراجعة: يوسف عبدالله محمود
مؤلف هذا الكتاب هو واحد من ابرز علماء التربية العرب المعاصرين. اذا ما ناقشت قضية تربوية او اجتماعية ناقشها بجرأة معرفية، وعلم واسع.
في كتابه “تربي عامة … تربية خاصة” الصادر في مملكة البحرين العام 2003 يسلط أ.د. محمد جواد رضا الضوء على جملة من القضايا التربوية التي اعتدنا كعرب المرور بها مرور الكرام، حيث تنعدم الجدية او تكاد في الغوص الى اعماقها باستخدام الروح العلمية وجدليه الحوار الجاد في محاكمة هذه القضايا.
من المؤسف الا يعنى الكثيرون من علماء التربية العرب المعاصرين بالمهمة الرسالة للتربية العربية في صنع الحياة الديمقراطية كما تتوق اليها أجيال هذه الامة.
فما هو حاصل لا يبشر بالخير، فثمة تزييف للوعي لا حدود له أو على حدّ قول هذا الباحث “مجتمعاتنا مجتمعات ثيوقراطية او أوتوقراطية تزّيف الوعي في عقول أجيالنا الجديدة وترهقها قيم التظالم والاستعلاء والتعصب والخنوع في وقت معاً”.
يطرح المؤلف في كتابه مجموعة من التساؤلات الذكية والمشروعة مُجيباً عن بعضها وفق اجتهاداته العلمية تاركاً التساؤلات الاخرى دون اجابة حاسمة بدعوى ان الاجابة المقنعة عنها مازالت بحاجة الى مزيد من الدراسة والاستكشاف.
من ابرز هذه التساؤلات التي يطرحها ما أسماه بِ “قضية الانشطار الاجتماعي العظيم الذي خيّب رأي الاسلام بالمسلمين، وهو انقسام الناس الى عامة وخاصة، وكيف أدى هذا الانشطار ضعف الاساس في المجتمع العربي لأنه ناقض مناقضة قبيحة ما كان الاسلام يريده من تأسيس التسوية بين الناس في الانسانية”.
ان هذه القضية لها جذور موغلة في القدم، فقد عاش سلبياتها المجتمع العربي والاسلامي منذ قديم الزمن، فوجدنا ان العلم والمعرفة يتم حجبهما عن عامة الشعب بدعوى انها لا تمتلك درجة كافية من الوعي شأن طبعة “الخاصة” المؤهلة وفق هذا الإدراك والفهم.
“هذا التصدع في الحياة العقلية للأمة لم يكن ليمر من دون ان تكون له آثاره السلبية، وأول من تأثر بهذه السلبيات كانت المؤسسة السياسية”.
وكما نرى فالمؤلف ينظر نظرة شمولية الى هذه الظاهرة فلا يعزلها عن غيرها، بمعنى ان ثمة علاقة جدلية بصورة او بأخرى بين جميع مفردات الحياة الانسانية. ثمة علاقة من حيث التأثير والتأثر. وكشأنه دائماً يعمد هذا الباحث والمفكر الى التراث العربي والاسلامي ليؤكد ما يتوصل اليه من استنتاجات، وهي استنتاجات تدل على تسطيح للوعي الانساني تمارسه المؤسسة التربوية، مصادرة لحق البشر العاديين في اكتساب العلم والمعرفة.
وهنا نتساءل هل هذه الظاهرة السلبية قد فارقت تماماً مجتمعاتنا العربية والاسلامية، ام انها مازالت موجودة هنا وهناك بمسميات مختلفة؟ خُذ مثلاً ما درجنا على تسميته اليوم بمجتمع “النُخبة” او “الصفوة”، وبمقابله مجتمع “الجماهير الشعبية” او “الطبقيات الشعبية”، ألا تدل هذه التسميات على أننا ما زلنا نكرّس مفهوم “الأقدمين” وهم يتحدثون عن مجتمع “الخاصة” ومجتمع “العامة”؟
وفي رأي هذا العالم فإن تكريس هذه الظاهرة اللاإنسانية قد جاء نتيجة عهود الظلم والاستبداد، حيث يتم تقريب ابناء الذوات من علية القوم في حين يتم اقصاء ابناء الفقراء.
وليس خافيًا ان تكريس هذا النهج سيؤدي الى ترسيخ (الحرمان) المعرفي والثقافي. وحتى ننجو من هذا المأزق علينا –وكما يرى المؤلف- “مراجعة النفس وتجديد الرؤية في الذات والاشياء”. (المرجع السابق ص 28)
ولن تستعاد الذات الا من خلال “التربية” التي يجب ان تكون مِعراجنا “الى الصعود الى أفق هذا القرن الجديد واستشراف وعوده وأخطاره”. (المرجع السابق 21)
وين يتم ذلك الى من خلال تحرير المؤسس التربوية العربية من “التسييس” والتحول بها الى نمط فكري ليتمركز حول “الانسان”. (المرجع السابق ص 30)
وبعد، فقد جاءت هذه الدراسة المعمقة والرصينة لتصحيح الكثير من مفاهيمنا التقليدية التي تحرم ومازالت تحرم أجيالنا من حقها في التفكير النقدي.