عمان المدينة والرؤية المستقبلية
عمان الحديثة، أخذت منذ بداية تأسيسها طابعاً وهويه فريدة حيث توسعت تدريجياً من قرية في بداية القرن الماضي حتى وصلت الى ما هي عليه الأن، وكان تفاعلها مع تلالها وتضاريسها واثارها القديمة ياتي بصورة عفوية متزنة مكنت المدينة من تكوين الهوية العمانية الخاصة.
كان للعمانيين بشتى اصولهم نوع من التكامل مع مدينتهم ونمت عادات وممارسات عمانية فطرية في التعامل مع المدينة والتوسع العمراني وفي علاقة المباني مع طبيعة التضاريس والشوارع والأدراج والحدائق. كانت المدينة منسجمة مع سكانها، تحترمهم ويحترمونها. كان العمانيون يسيرون على اقدامهم، فلم تنافسهم السيارات، وكانوا يستعملون الأدراج والأرصفة وكانت هناك وسائل نقل معقولة تكفي حاجات المدينة وسكانها. بالمقابل كان العمانيون يبنون مدينتهم بمنازلها ومبانيها ضمن قواعد واصول تعودوا عليها، تحترم الشارع والجار وتكوين المدينة العمراني. كانوا يبنون المباني وكانوا يزرعون الأشجار،فنظرة او جولة واحدة الى احيائها القديمة تكفي للتقدير والأستمتاع بهذا التوازن الجميل بين الشارع والبناء والشجرة والرصيف.
مع ان المدينة استقبلت الهجرات والنزوح المفاجئ اليها، الا ان منظومتها الحضرية وادارتها تعاملت مع الظروف واستوعبت تلك التحديات وحافظت بقدر استطاعتها على هويتها وانسانيتها.
الى ان حلت طفرة النفط وتسارعت وتيرة البناء وتنوعت اساليبه وهوياته وتغيرت طباع واساليب وافكارمن يبني وتوسعت المدينة بسرعة. لكن وبالرغم من مناداة الغيورين والعقلاء كان معظم التوسع غربا وجنوبا على حسب ألأراضي الخصبة، لا شرقا على حساب الأراضي الأقل خصوبة، وانشغل الجميع بالبناء والأستثمار واصبح ملاكو الأراضي اصحاب النفوذ في تحديد مسيرة المدينة وتشوشت الرؤية واضحى العقلاء اقلية. بدل من ان نشجر ونزرع التلال المحيطة بعمان، افترسنا ما تبقى من احراج بقيت حولها وحولنا غابات البلوط الجميلة الى مشاريع افراز لشوارع وبيوت وقصور، كانه لم يبق من الوطن ارض فارغة نبني عليها.
افقدنا عاصمتنا انسانيتها وحولناها تدريجيا من مدينة جميلة تتهادى على تلالها السبعة وتحتضن ابناءها الى مدينة مرهقة تتوسع لتبتلع كل ما حولها. اصبحت معظم شوارعها الجديدة سيئة التنفيذ ومكتظة بالمركبات التي تسير بلا تنظيم ولا احترام لاخلاقيات وقوانين السير،تحيط بها ارصفة، في معظمها، ضيقة معوجة متهالكة وقبيحة خالية من الخضرة والأشجار ولا يستطيع احد السير عليها (في حال وجودها) من دون ان يتعثر بحفرة او حائط او نبتة متورمة قبيحة زرعها احدهم لمنع الناس من استعمال الرصيف امام عقاره. في حال وجود الأرصفة المناسبة في كثير من الأماكن، تم السماح لأصحاب المحلات والمقاهي بالتعدي عليها وضمها تدريجيا الى مقاهيهم وملئها بالمقاعد والطاولات والأراجيل وحتى ازالة بعض الأشجار لإنشاء اسقف قبيحة والتعدي على المدينة والمواطن الى ازالة حافة الأرصفة لتحويلها الى مواقف لسيارات الزبائن.
مدينتنا,عمان, بحاجة الى رؤية عصرية واقعية متكاملة ومن ثم الى خطط مدروسة تنفذ عبر ادارات متعاقبة. رؤية تضع عمان بالتدريج في مستوى المدن الحديثة، الى مدينة تحتوي على نظام نقل عام متكامل يمكن كافة المواطنين من استعماله بكرامة واحترام ويلبي حاجاتهم في التنقل، الى نظام نقل يمكن معظم سكان المدينة من التخلي عن استعمال مركباتهم ويخفف الضغط عن شوارعها. الى شوارع يتم تصميمها حسب المواصفات العالمية ويتم تنفيذهاحسب نفس المواصفات من قبل مقاولين مؤهلين التاهيل المناسب، لتكون خالية من الحفر ولا تتشقق وتهبط بعد اقل من عام على تنفيذها. الى شوارع تحيط بها ارصفة واسعة منتظمة الحواف خالية من العوائق مزروعة بالأشجار المظللة المناسبة، الى ارصفة مصممة لتدوم اكثر من عام ولأستعمال المشاة ومملوكة للمدينة ليس هناك حق لأحد بالتعدي عليها. الى مساحات وفضاءات حضرية وحدائق خضراء واشجار تجمل المدينة وتمكن سكانها من التنزه والتمتع.
لا أرى مشروعا احق بجزء من المنحة الخليجية اكثر من نظام نقل عام يطبق في عمان ومن ثم يعمم على باقي المدن ألأردنية، اما باقي ما نريده ونطالب به لعمان فليس بالمستحيل وتحقيق معظمه لا يحتاج الى الملايين الإضافية، انما هوبحاجة الى الإرادة والتفكير الصحيحين. ان ادارة المدينة وكادرها لا ينقصهما الحماسة ولا النظرة الحضارية للأمورلكن حجم التحدي كبير وتحقيق النقلة النوعية بحاجة الى اكثر من سياسة الفزعة، انها بحاجة الى تضافر جهود الجميع من وزارات ودوائر معنية ونواب المدينة في البرلمان والى جهود القطاع خاص. ان امانة عمان لوحدها لن تستطيع ولا السواقين أصول القيادة واصول استعمال المسارب لكنها تستطيع ان، وعليها ان، تقود المسيرة ضمن خطط طويلة الأمد ومدروسة توضع بعد الاستعانة بمن هم من اهل الأختصاص والخبرة في كل مجال على حدة.
لقد تم اخيرا الأتفاق بين الحكومة وامانة عمان على المضي قدما بمشروع الباص السريع، الذي تم تعطيلة لقرابة الأربعة اعوام. نرجوا ان يستمر المشروع وان لا نقف عنده فالعاصفة اليكسا ذكرتنا كم نحتاج الى نظام نقل عام متكامل لو كان موجودا لما استعملنا مركباتنا ولوفر علينا وعلى الاقتصاد الأردني الكثير من ساعات التعطيل والازدحام.
الرئيسية 
البوابة 
