في رحاب البيت الحرام
ليس من مكان تشعر فيه بالسكينة، فيما الطمانينة تستولي على كل جوارحك وجوانحك كما هو البيت الحرام الذي جعل الله أفئدة الناس تهوي اليه.
وليس من مكان تلمس فيه المعجزة الحية الباقية على مر العصور حيث وحد الاسلام العظيم بين كافة الاقوام والشعوب، والاجناس والالوان .. فترى الاسود والابيض والاصفر الاحمر، وقد استجابوا لندائه الخالد، فهبوا الى زيارة البيت العتيق رجالا وركبانا .
ان سر بقاء هذا الاسلام العظيم انه دين يجمع ولا يفرق .. دين العدالة والمساواة بين الجميع “ لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى” دين الحرية “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا”..دين الكلمة الطيبة، واحترام الاخر”وجادلهم بالتي هي احسن” دين الرحمة والتسامح والعفو “لا تكن فظا غليظ القلب” .. دبن الاخلاق الحميدة “بعثت لاتمم مكارم الاخلاق”،دين العدالة الاجتماعية ..”لوكان الفقر رجلا لقتلته”... “وعجبت لمن لا يجد قوت عياله ولا يخرج شاهرا سيفه في الناس”..
لقد اثبتت الاحداث الجسام على مدى أكثر من اربعة عشر قرنا ونيف، ان هذا الدين المنزل من لدن حكيم عليم، على روح محمد عليه السلام، ومحفوظ في القران الكريم.. هو الذي حفظ الامة من الضياع .. ففي الوقت الذي غابت فيه امم واضمحلت شعوب، بقيت هذه الامة حاضرة، لا بل استطاع هذا الاسلام العظيم ان يحتوي الغزاة، ويروضهم، ليدخلوا في رحابه الطاهرة، ويتحولوا الى ابناء بررة، يرفعون رايته عاليا ويجاهدون لاعلاء كلمته، فتحول التتار من غزاة همجيين دمروا الحواضر الاسلامية، واطفئوا نور الحضارة والمعرفة، فاحرقوا المكتبات، وقتلوا مئات الالوف من المسلمين، تحولوا في فترة من التاريخ الى مسلمين موحدين يفتحون اصقاع الشرق الاقصى .، ويشيدون حواضر بخاري وسمرقند..الخ.
لقد بنى الاسلام اعظم حضارة عرفتها البشرية، واستطاع بروحه السمحة وتشجيعه على العلم والمعرفة، ان يستوعب ابناؤه حضارات اليونان والفرس والهند، ويصهرونها في بوتقة الاسسلام العظيم لتنجب الفارابي وابن سينا والكندي والبخاري ومسلم وابن رشد والخيام وابي العلاء المعري والمتنبي وابن خلدون وتؤسس لمدارس فكرية وفلسفية ارتقت بالعقل العربي “المعتنزلة واخوان الصفا..” . ومن هنا فهذا الاسلام الحنيف المعتدل المنفتح على العالم كله،وعلى كافة الحضارات عصي على الذوبان، وعصي على الاختطاف، وسيبقى اكبر من كل الطغاة، وأكبر من الاشقياء الجهلة ..الذين يحاولون تشويه سمعته الطيبة،ومبادئه العظيمة، فاعتدوا على محرماته، وعلى حرماته، فسفكوا الدماء البريئة، الني حرمها الله، وحرمها رسوله عليه السلام، وحذر المؤمنين الموحدين من العودة الى الجاهلية يقتل بعضهم بعضا، وهذا ما يحدث اليوم - مع الاسف- بعد اشتعال نيران الحرب المذهبية والطائفية القذرة في ديار العرب والمسلمين.
ان المتابع لهذه الملايين التي تأتي لتادية العمرة ومن مشارق الأرض ومغاربها وبأعداد لا سابق لها، يتاكد ان الأمة موجوعة تمر في محنة خطيرة، ولم تجد الا الله لتلجأ اليه ليخفف عنها ويأخذ بيدها ويفرج كربها.
باختصار... في يقيننا لو ان هذه الملايين التي تذرف الدموع الساخنة وهي تتبرك بالكعبة المشرفة، وبالبيت العتيق... لو كانت على قلب رجل واحد لغيرت مجرى التاريخ، ولحررت مقدساتها ...ولكنها -مع الاسف - كغثاء السيل تتداعى عليها الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها... كما يقول الرسول عليه السلام.
ولا حول ولا قوة الابالله .