حرب محدودة تبدأ تقليدية وتتحول إلى نووية:
تخضع الحرب النووية المحدودة للمبادئ نفسها التي تخضع لها الحرب التقليدية المحدودة، وهي الحرب التي تُستخدم فيها الأسلحة النووية بشكل مقيد من ناحية التأثير (تكتيكية تعبوية)، علاوة على القيود الأخري من ناحية الهدف والمكان والقوات ... إلخ، وهي لم تستخدم حتى الآن، ولكن ينتظر بانتشار الأسلحة النووية وزيادة الاضطرابات في المسارح التي تستخدم فيها الأسلحة التقليدية أن تتطور إلى صراع نووي محدود، فقد جاء في تقرير لوزير الدفاع الأمريكي أمام الكونجرس عقب حرب رمضان: أن إمكانية تحقيق المفاجأة الاستراتيجية، وكفاءة الأسلحة السوفيتية التقليدية، قد سمحا باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والتعبوية في صد وإيقاف أي هجوم تقليدي مفاجئ.
وقد كثُر الجدل حول تحديد القوات والوسائل في الحرب المحدودة، كما أن استخدام الأسلحة النووية في مسرح العمليات لصد هجوم تقليدي لقوات متفوقة عددياً و نوعياً لن يمنع بأي حال من الأحوال انهيار الدفاعات، ولن يحول الهزيمة إلى نصر، بل من الأرجح أن يسبب رد فعل على نطاق واسع من قوات العدو النووية الهائلة القوة ضد أهداف الدولة.
لذا يرى بعض المفكرين الاستراتيجيين أن يتم التركيز على تقوية القوات التقليدية لمنع سرعة انتصار الخصم، كما أنه يحول دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.
ونتيجة لنشوء التحالفات السياسية والعسكرية نرى أنه من الصعب قصر الصدام المسلح على منطقة ما، حيث تنص الاتفاقيات بين الدول أن أي عدوان على دولة ما يعتبر عدواناً ضد الحلف ككل.
لذا يجري تقييد الأهداف للمحافظة على الحرب داخل إطار محدود، كما أن الضربات بما فيها الضربات النووية سوف توجّه إلى الأهداف المخصصة بدقة فقط.
ثالثاً: الاستراتيجية الفضائية
أصبح الفضاء الخارجي حالياً مشحوناً بحشد هائل من أنواع مختلفة من الأقمار الاصطناعية التي تجوب أرجاءه الفسيحة، وذلك لتغطية مهام عديدة، مثل:
إدارة عمليات الاستطلاع الاستراتيجي.
تأمين الاتصالات والسيطرة على القوات المنتشرة في جميع أنحاء العالم بوسائل اتصال على درجة عالية من الكفاءة توفرها أقمار الاتصالات.
تأمين الملاحة للسفن والغواصات والطائرات.
تأمين التوجيه للصواريخ الباليستيكية العابرة للقارت التي تنطلق من قواعد برية أو من غواصات، للحصول على الدقة العالية في تدمير الأهداف الحيوية العامة.
اعتراض وتدمير الأقمار الاصطناعية المعادية في مداراتها باستخدام أقمار الاعتراض والتدمير.
ويرى خبراء الاستراتيجية أنه بظهور هذا الحشد الهائل في الأقمار الاصطناعية أصبح الفضاء وسطاً جديداً ومسرحاً للتنافس العسكري المباشر والصراع المحتمل؛ فبعد أن كان القتال محصوراً على الأرض في الحروب البرية والبحرية والجوية، أضاف العلماء ومخططو الاستراتيجية بعداً جديداً إلى أبعاد الحرب والصراعات الدولية باستغلال الفضاء الخارجي في حرب الفضاء كمسرح عمليات جديدة تدور فيه معارك الحرب المقبلة.
وتشمل الاستراتيجية الفضائية الآتي:
حرب شاملة فضائية، نووية تشمل: الفضاء، والأرض، والبحار، والمحيطات.
حرب فضائية تشن في الفضاء الخارجي فقط.
ويعتبر ذلك تقسيماً نظرياً، حيث إن الحرب إذا وصلت إلى مرحلة الحرب الفضائية، فهي بالتالي قد مرت على جميع أنواع الحروب السابق ذكرها أو بعض منها، وحتى إذا بدأت كحرب فضائية مباشرة فإن ذلك يعني استخدام الدولة لجميع عناصر قوتها الشاملة بما فيها القوى العسكرية والقوى النووية، وبذا يصبح التقسيم السابق لا يمكن تحديده، وحتى إذا بدأ الصراع المسلح بحرب فضائية تشن في الفضاء الخارجي فقط، فإن تحولها إلى حرب شاملة فضائية نووية تشمل الفضاء والأرض والبحار والمحيطات هو موضوع حتمي.
وبإلقاء نظرة على خصائص مسرح الفضاء الجديد نجد أن الاعتبارات الجغرافية المعروفة، مثل: طبيعة الأرض، والأحوال الجوية، والمسافة التي لعبت دوراً هاماً في الحروب السابقة، قد فقدت أهميتها في عصر الفضاء وأصبحت غير مؤثرة على قدرات الأسلحة الفضائية، وبذلك أصبحت الأسلحة الاستراتيجية مثل القنابل المدارية مستعدة للانقضاض على الأهداف الأرضية، فوضعت الدول أمام نوع جديد من الاستراتيجية.
لقد أخذت الاستراتيجية الفضائية الجديدة تتخطى المواقع الجغرافية التقليدية وتتجاهل التضاريس، وتسقط المسافة من الحساب؛ أي أن هذه الاستراتيجية انتقلت من المكان إلى الزمان أو جعلت من الزمان البعد الرابع للمكان الاستراتيجي.
وبظهور الأقمار الاصطناعية يرى مخططو الاستراتيجية ضرورة وضع الأهداف الآتية في الاعتبار:
منع الاستطلاع في الفضاء بتعطيل وتدمير أقمار الاستطلاع.
شل وإسكات نظام الاتصال الاستراتيجي.
تدميرأنظمة الفضاء الحديثة لأقمار الملاحة.
تعطيل عمل النظم الفضائية.
ويعتقد خبراء الاستراتيجية أن توجيه الضربة الأولى وتحقيق المفاجأة أصبح ممكناً وبسهولة في حرب الفضاء، خصوصاً مع ظهور الأقمار الاصطناعية الهجومية والقنابل المدارية، وباستخدام هذا النوع من الأقمار الاصطناعية ازدادت احتمالات الهجوم المفاجئ لعدم توفّر الإنذار إلاّ في وقت قصير جداً لا يسمح للوسائل المضادة بالرد.
ويضع مخططو الاستراتيجية تصوراً للحرب المقبلة ينقسم إلى المراحل التالية:
*قبل بدء الحرب وظهور الأزمات:
تنشط أقمار المراقبة والتفتيش للحصول على درجة عالية من الوضوح في منطقة أو مناطق الصراع في فترات متعددة ، وسيوجه كلا الجانبين اهتماماً خاصاً إلى المعلومات التي جمعتها أقمار الاستطلاع الإلكتروني في منطقة الصراع، لكي يمكن اتخاذ الإجراءات المضادة وتدقيق الخرائط الطبوغرافية والجوية السابق إعدادها، كذا تقويم حسابات خط المرور للصواريخ التي سبق إجراء حساباتها، والتي تم تخزين معلوماتها منذ سنوات، وإدخال أي تعديلات عليها إذا تطلب الأمر.
*مرحلة الفترة التحضيرية والإعداد للحرب:
سوف تنشط الأقمار المتربولوجية (أقمار الأحوال الجوية)، لتصوير السحب التي تغطي منطقة الصراع لتخطيط المناورة بأقمار الاستطلاع، وتخطيط الطلعات الجوية الاستراتيجية، وإجراء قياسات لحساب تصحيحات أنظمة الملاحة اللاسلكية، كما تنشط أقمار الاتصالات لتحقيق القيادة والسيطرة والأقمار القائمة بالاتصالات التكتيكية في منطقة الصراع وأعمال الإعاقة المختلفة، وسوف تنشط أيضاً أقمار التفتيش ومراقبة أعمال المحيطات للإنذار عن التحركات البحرية، وخصوصاً مراقبة الغواصات، كما تنشط أقمار الإنذار المبكر؛ وسوف تكون محطات المتابعة الأرضية القائمة بإرسال التوجيهات إلى الأقمار الاصطناعية واستقبال المعلومات في أقصى حالات التأهّب والاستعداد.
مرحلة بدء الحرب:
يتوقع خبراء الاستراتيجية أن الحرب المقبلة ستبدأ بتوجيه ضربة أولى كاسحة للعدو بمجموعة من القنابل المدارية التي تجوب الفضاء، والتي تدعمها الصواريخ الاستراتيجية العابرة للقارات بدقة وسرعة هائلة، للحصول على المباغتة وعدم السماح للعدو بالاستعداد وتوجيه ضربة انتقامية رادعة، ويتوقع الاعتماد على أقمار الاستطلاع لعدم اكتشاف إطلاق الصواريخ الاستراتيجية والإنذار عنها.
وستتعرض محطات المتابعة الأرضية للهجوم الأرضي والجوي، لتدميرها، كما يتم اكتشاف الانفجار النووي بواسطة أجهز الاستشعار عن بعد، وتقوم أقمار المراقبة والتفتيش بمراقبة دقيقة للعدو، لتأكد إصابة أهدافه بالقذائف التي وجهت إليها، ولإرسال معلومات أولية عن خسائر العدو لتعديل تصويب الصواريخ الاستراتيجية.
وتتلخص وجهة نظر خبراء الاستراتيجية في النقاط الآتية:
1. أن الفضاء سيدخل لأول مرة مسرح العمليات العسكرية للحرب، وسوف يصبح مسرحاً جديداً ومسرحاً للتنافس العسكري المباشر والصراع المحتمل.
2. في حالة نشوب حرب عالمية سوف تستخدم النظم الكونية الهجومية الاستراتيجية لإدارة الصراع المسلح في الفضاء الخارجي، وضرب الأهداف الموجودة على سطح الأرض من قواعد ومنصات إطلاق فضائية.
3. سوف يعتمد تخطيط الحرب المقبلة وإدارتها على الترسانة الفضائية بكل ما تحويه من أقمار اصطناعية للتجسس والاتصالات.
4. إن عصر الفضاء جعل الحرب أكثر تعقيداً بدرجة أكبر مما كانت عليه في الماضي، وسوف تلعب أنظمة الأسلحة الفضائية دوراً متزايداً في الإعداد لشن الحروب على الأرض، وسوف تعتمد إدارة الحرب المقبلة على استخدام الأقمار الاصطناعية