دبي- العربية.نت
بعيدا عن السياسة كانت لحياة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين قبل سقوطه طقوسا وتفاصيل خاصة، وكان لطعامه على وجه الخصوص مساحة كبيرة في اهتمام صدام في حياته اليومية، وشأن أهله من التكريتيين كان يحب أطباقا قد لا يحب تناولها كثير من الناس، كان من بينها على سبيل المثال الجربوع البري أو (فأر النخل) والدعلج (القنفذ) وثعبان البحر.
أحد العاملين في قصر صدام فتح سجل ذكرياته لصحيفة "الحياة" اللندنية الصادرة الاثنين 29-8-2005م وروى لها من محل إقامته في أربيل بالمنطقة الكردية في شمال العراق صورة من حياة صدام الاجتماعية قبل سقوطه، والمراحل التي كان يمر بها تأمين طعامه، وعقوبة الإعدام الفوري التي كانت تهدد كل من تثور حوله شائعة بالتآمر، ولكنها لا تغفل أيضا كيف كان الرئيس حريصا على صلاته وخاصة صلاة الفجر التي كان يقوم لها كل ليلة ثم ينام مجددا، وعشقه للاستماع للقرآن في وقت فراغه، وكراهيته للتبذير مع عدم بخله لدرجة أنه كان يحتفظ ببقية سيجاره الذي دخنه ليكمل تدخينه في مرة أخرى، وكان حريصا على أن ينهى كل من حوله عن الإسراف.
اشترط العامل للصحيفة عدم نشر صورته أو اسمه، واكتفى بتسمية نفسه «ع»، وهو في الاربعينات من عمره، متزوج وله ثلاثة ابناء. هاجس الخوف الذي عاشه سنوات لا يزال حاضراً في حياته.
يقول «ع»: «كان صدام يختار الموظفين العاملين في طاقمه الخدمي، بعد سلسلة من التدقيقات، بالنظر اليهم وجهاً لوجه، اذ كان يتمتع بنظرة ثاقبة تميز من يعتقد انه يستطيع خدمته والعمل معه، والنتائج كانت غالباً في مصلحته. فبعد ان تقوم الدائرة الخدمية الخاصة بقسم الضيافة، الواقعة ضمن سلسلة الدوائر العاملة في قصور صدام بارسال وفد لاختيار عدد من طلبة معهد السياحة يشترط ان يكونوا متزوجين وذوي قيافة عالية، وسمعة طيبة، يعرضون في شكل طابور أمام صدام ويقوم باختيار المناسبين منهم. كان قسم المعلومات في أمن الرئاسة يطلب منا تجديد المعلومات الشخصية كل ثلاثة اشهر».
يضيف «ع»: «طاقم صدام الخدمي الخاص به، كان يرافقه في كل رحلاته وسفراته الرسمية وغير الرسمية المحلية منها والى الخارج.. لم يكن صدام يقبل ان يخدمه أحد مهما كان، وأينما كان، إلا العاملين في طاقمه الخدمي الخاص..! وعلى رغم كثرة قصوره واحتواء كل منها على طاقم خدمي كامل الا انه لم يكن يستخدم غير طاقمه الخاص به. وكان يأمر بأن يحمل طعامه معه حتى في زياراته الرسمية الى الدول التي كان يزورها في الثمانينات من القرن المنصرم. لم يكن يتناول طعاماً غير المطبوخ له في العراق وفي المطبخ الخاص بمزرعته..! والموظف نفسه الذي كان يقدم الطعام له في العراق كان يقدمه له أينما يذهب».
«كنا نحمل معنا عدداً كافياً من الملابس والبدلات الرسمية حتى يتسنى تغييرها ولا نضطر لغسلها ونحن خارج العراق.. كل ملابسه كانت تغسل وتكوى داخل العراق.! فهناك مكوى خاص له في بغداد، وآخر لعدي وقصي، ومكوى للعائلة، ومكوى لحرسه والعاملين في قصوره».
وحول اللقطات والمشاهد التلفزيونية التي كان يبثها تلفزيون بغداد وتظهر صدام يشارك العراقيين طعامهم اثناء زياراته لبعض مناطق ومحافظات العراق، يقول: «كانت اللقطات تظهر ان صدام كان هو من يشارك أهالي تلك المناطق طعامهم!.. لكن الحقيقة مختلفة تماماً، فالطعام كان يصنع في مطبخ صدام الخاص ويحمل معه في زيارته، وهم من كانوا يشاركونه طعامه!. كانت هناك سيارات تحمل بالغنم وأخرى بالخبز وحتى «التنور» (فرن صخري لطبخ الخبز) الذي كان يخبز فيه الخبز كنا نحمله معنا»!.
الطعام المطبوخ في المطابخ الخاصة بصدام في مزارعه كان يمر بسلسلة من الفحوصات المخبرية يومياً وللوجبات الثلاث (الفطور والغداء والعشاء). وبعد ان ينتهي الطباخون من اعداد الطعام يأتي أحد افراد حمايته، وجميعهم من أقربائه، ليعلن بدء المرحلة الاولى من الاختبارات وهي ان يتذوق كل الطباخين الطعام الذي صنعوه بأنفسهم. بعدها يؤخذ الطعام الى دائرة الفحص الخاصة بفحص كل ما يأكله ويستخدمه من طعام وشراب وسجائر وملابس.. الخ. مدة الفحص العادية للطعام المخزون غير اليومي كانت تتطلب ثلاثة أيام لمعرفة النتائج (فيما اذا كانت مسمومة أم لا). لكن كانت توجد فحوصات تتطلب ساعة واحدة بعد أخذ عينات من كل مكونات وجبة الطعام الواحدة، ترسل بعدها الى قسم الفحص وتكون النتائج جاهزة قبل موعد تناول صدام لوجبته..!.
ليس هذا كل شيء، فبعد الانتهاء من الأكل يؤخذ الطعام مرة ثانية للفحص واجراء اللازم عليه.! وتتكرر هذه الفحوصات يومياً وللوجبات الثلاث.
يقول «ع» لصحيفة "الحياة" ان أحد العاملين في القصر، وهو مسيحي من منطقة زاخو التابعة لمحافظة دهوك في كردستان العراق، ويدعى عامر، أعدم امام زملائه في القصر بتهمة محاولة تسميم صدام. ولا أحد يعلم هل حقاً حاول عامر ذلك، أم أعدم لترهيب زملائه!. «كان عامر شاباً لطيفاً وعلاقته طيبة مع صدام ومع الجميع، لم يشك أحد يوماً بأن اصابع الاتهام ستوجه اليه بتهمة محاولة تسميم صدام.. كما انه لم يقدم أي دليل ملموس على خيانته.
وجرى في القصر آنذاك، نشر الرواية التالية: «عامر أراد قتل صدام بالسم من خلال محاولة دسه في اللبن المقدم له، بعد استغفال الشخص المكلف اجراء الفحوصات عليه على ان يدسه بعد قيام عامر بتذوقه، حيث سيظهر مفعول السم القاتل بعد ستة اشهر من تناول اللبن بحسب ما أشيع وهي المدة التي كان سيستغلها عامر للفرار من العراق. وقيل ان زجاجة السم وجدت في سيارة عامر بعد تفتيشها لتثبت عليه التهمة، فحكم بالاعدام وطلب من العاملين في القصر الحضور لمشاهدة الواقعة وقاموا بوضع كيس على رأسه، ورأى زملاؤه برعب وخوف شديدين كيف فارق الحياة بعد اختراق ست رصاصات جسده.
يتحدث «ع» عن مشاعر الخوف والرعب التي كانت تنتابهم طيلة سنوات العمل، فيقول: «الشك، كان صديقاً وحيداً لنا، كنا نفضّل الصمت ولا نتكلم بأي شيء أبداً على رغم اننا زملاء في عمل واحد». «عليك فقط ان تؤدي عملك وألا تسمع أو ترى أو تتكلم! «كنت أقبل افراد عائلتي مودعاً صباح كل يوم قبل ان أغادر للعمل.! فأي خطأ حتى وإن لم يكن مقصوداً يمكن ان يؤدي بنا الى الموت»!!
«كان صدام يحب الأكل كثيراً، ويتناول وجباته بانتظام». فبعد نهوضه في الخامسة صباحاً وأدائه صلاته كان يتناول فطوره ليعود الى النوم من جديد مرة ثانية ولمدة ساعة واحدة اخرى.
السمك من النوع الكاريبي زنة كيلوغرامين، هو الوزن الذي كان يفضله صدام في سمكته «المسكوفة»، واللبن، كانا من الاصناف الرئيسة للوجبات اليومية الثلاث له، اضافة طبعاً الى اصناف الطعام الاخرى»!.
«كان صدام يأكل نصف سمكة صباحاً زنة (1 كيلوغرام) بعدها يتناول صحناً من الفاكهة والتي كان يفضل منها الموز والتفاح والمنغا. كانت تصلنا انواع كثيرة من الفاكهة، ذات اشكال والوان غريبة».
ولفاكهة صدام حكايتها ايضاً، فهي كما يقول «تشتري بعض الانواع وهي غير ناضجة لتنضج بعد اتمام عملية الفحوصات الكاملة عليها والتي تستغرق ثلاثة ايام».
أما وجبة الغداء فكانت تتألف من «الرز» و«البرغل» (جريش الحنطة) مع ثلاثة انواع من المرق، كان يفضل مرقة الباميا والباذنجان والفاصوليا البيضاء، كما كان يحب أكل (الهبيط) التشريب، اضافة الى صحن السمك الرئيسي وصحن الفاكهة. والمشويات كانت من نصيب العشاء. لم يكن صدام يحب تناول الأكلات الغربية ولا الحلويات».
ومن بين الأكلات التكريتية (مسقط رأس صدام) التي كان يفضل تناولها أسوة بأهله من التكارتة، الجربوع البري (فأر النخل) والدعلج (القنفذ) وهو حيوان بري صحراوي يقذف مهاجمه بأشواك حادة مغروزة في ظهره قد تؤدي الى قتله، وحية (ثعبان) الماء التي كانت معروفة في تكريت كأحد انواع الاسماك».
ويقول «ع» ان صدام «كان شخصاً اقتصادياً لكنه لم يكن بخيلاً.. كان يحتفظ بالجزء المتبقي من سيجاره الكوبي المفضل ليعاود تدخينه مرة ثانية وكان يدخن بين سيجارين وثلاثة في اليوم الواحد. وعلى رغم انه كان يسأل افراد حاشيته عن وضعهم المعيشي والحياتي الا انه كان يستفسر منهم ايضاً عن طريقة صرفهم للطعام، ويشدد على عدم التبذير ولا يمانع بأن يوزع المتبقي من الأكل على نقاط الشرطة والحرس العاملين في قصوره».
ويضيف: «صدام كان شخصاً كتوماً جداً. في الاجتماعات التي كانت تعقد في القاعات المخصصة لها في القصور كان الجميع يلتزم الصمت في حال دخول احدنا لتقديم الضيافة ليعاودوا الكلام ثانية بعد خروجنا». اما «الزيارات التي كنا نرافق بها صدام نعلم عنها قبل دقائق.! بعد ان يطلب منا الاستعداد للخروج مع موكب صدام الرئيسي وكان عدد سياراته يراوح بين خمس سيارات و30 اعتماداً على نوع الزيارة ومدتها».
يقول «ع» للصحيفة ان صدام لم يكن يشاهد الفضائيات في قصوره ولم يكن يستعمل الهاتف المحمول. «كان يميل لسماع الموسيقى الكلاسيكية القديمة ويفضل سماع القرآن الكريم وأغاني ام كلثوم والمقام العراقي وكانت كل قصوره تحوي على نسخ منها وعلى الاسطوانات القديمة للمقام العراقي.. وكان يجلس بين اربع وخمس ساعات في اليوم للكتابة في شكل مستمر كما كان يطالع الصحف ويمنح كتّاب المواد والمقالات التي تروق له مكافآت مالية». «صدام كان يقود سيارته السوبر لوحده داخل مزرعته الخاصة.. لم يكن مهتماً بالنباتات والمناطق التي كان يفضل السفر اليها بطائرته الخاصة المسماة بـ (القادسية) كانت تكريت والموصل».
«كان يؤمن بأن الرجل يجب ان يكون مسيطراً على زوجته ويكرر على مسامعنا دائماً بأن لا ندع المجال لزوجاتنا لأنهن سيتحكمن فينا ويسيطرن علينا».!
وفي رحلات صيد السمك، كان يفضل ارتداء بدلات الجينز كما كان يرتدي القمصان ذات الاردان الطويلة والمستوردة.
وعلى رغم ان صدام كان يسأل في بعض الاحيان عن الحالة المعيشية لافراد طاقمه الخاص ويتعامل معهم بود ولطف، كما يؤكد «ع»، الا ان حالة الغضب عنده لم تكن تمر بدون عقاب المسبب لها.! وعندما يكون في مزاجه الطبيعي فان ذلك كان يغري العاملين في طلب حاجياتهم بسهولة.
«غالباً ما كان صدام يتناول طعامه مع زوجته الثانية سميرة اذ كان يرسل في طلبها ليتناولا طعامهما معاً في القصر الذي كان يوجد فيه، وعلى رغم ان صدام لم يكن من محبي الحفلات ولا حضورها الا انه كان يشارك عائلته مناسباتهم وافراحهم الخاصة كأعياد الميلاد والزواج. أما المشكلات التي تواجه عائلته فكان يحلها بنفسه. علاقته بقصي كانت اقوى من علاقته بعدي. كان يجد في الاول هدوءاً ورزانة اكبر مما في الآخر، وعندما اطلق عدي النار على كامل حنا احد افراد حماية صدام الخاصة، أمر صدام بسجنه سبعة عشر يوماً ومنع الزيارات عنه حتى وان كان الزائر والدته ساجدة».