ديوان الشاعر ... أمرؤ القيس
نسبه
تباين المؤرخون تواترات ، بفعل تباين إتجاهات أصحاب الأنساب. نذكر من هذه تباينات أشهرها واكثرها ثقة:-
قال الأصمعي: هو "امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور وهو كندة."
قال ابن الأعرابي: هو "امرؤ القيس بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن ثور الذي هو كندة."
قال محمد بن الحبيب: هو "امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك ابن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معارية بن كندة."
مع الإجماع بين هؤلاء ان كندة هو : "كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن أدو بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن ثور بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شامخ بن ارفحشذ بن سام بن نوح."
والذين قالوا من الرواة: هو "أمرؤ القيس بن السمّط بن امرؤ القيس بن عمرو بن عمرو بن معاوية بن ثور وهو كندة..."
أم أمرئ القيس فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير، أخت كليب و المهلهل أبني ربيعة التغلبيين.
جعل الرواة أم الشاعر تملك بنت عمرو بن زبيد بن مذحج، رهط عمرو بن معد يكرب، وقد اعتمدوا على ذلك قوله:
ألا هل أتاها والحوادث جمة - بأن أمرأ القيس بن تملك بيقرا
أسمه وكناياته حسب أراء الرواة
يذكر صاحب الأغاني عن أبي عبيدة، أن امرأ القيس كان يكنى أبا الحارث، ويذكر غيره انه كان يكنى أبا وهب.
ذكر صاحب بغية الطلب - الوزير ابن القاسم المغربي - أن أسمه حندج، وامرؤ القيس لقب غلب عليه لما أصابه من تضعضع الدهر ومعناه رجل الشدة.
ويذهب الأب لويس شيخو نقلاً عن مؤرخي الروم أن أسمه "قيس" وأنه مذكور بهذا الأسم، وأنه كان يقال له "الملك الضليل" و قيل له "ذي القروح" وفي ذلك قول الفرزدق :
وهب القصائد لي نوابغ إذ مضوا - أبو يزيد وذو القروح و جرول
ولادته مكاناً
حسب رؤية أبي فرج كانت ولادته في بني أسد، وعن محمد بن الحبيب، انه كان ينزل المشقر من اليمامة، وذكر غيره أنه كان ينزل في حصن بالبحرين.
ولادته تاريخاً
يذهب لويس شيخو إلى أن امرأ القيس ولد نجد نحو سنة 520م
يذكر صاحب الروائع أن ولادته سنة 500م وعلّق على ما قاله شيخو بصدد تاريخ ولادته قائلاً:قد رجعنا...ما يذكره مؤرخو الروم عن شاعرنا، وقارنا بين حوادث حياته وماجرى على عهده في البلاد العربية... فرأينا أن نأخذ برأي دي برسفال الجاعل ولادته حول سنة 500م و وفاته حول 540م.
نشأته
كان امرؤالقيس أكثر أخوته قوة و شخصية وميلاً إلى الإندفاع الذاتي، متمتعاً مع ذلك بذهن ذكي و قلب متوقد . ولعل هذه الخلال كانت بعض إرهاصات شاعريته المبكرة. وما أنه بلغ سن الفتوة حتى قال الشعر. وفي نظر بعض النقاد أن خاله المهلهل هو الذي أذكى عنده روح هذا الفن، وأنه ما زال يوجهه حتى برز على سائر شعراء عصره آنذاك.
امرؤ القيس قبل مقتل أبيه
سلك امرؤ القيس في الشعر مسلكاً خالف فيه تقاليد البيئة، أتخد لنفسه سيرة لاهية تأنفها الملوك كما يذكر ابن الكلبي حيث قال:
كان -أي الشاعر- يسير في أحياء العرب ومعه أخلاط من شذاذ العرب من طيء وكلب وبكر بن وائل فإذا صادف غديراً أو روضة أو موضع صيد أقام فذبح وشرب الخمر وسقاهم وتغنيه قيانة ، لايزال كذلك حتى يذهب ماء الغدير ويبتقل عنه إلى غيره.
وما جعل والده يغضب أنه كان ويبكي الأطلال ويقول الشعر في سن مبكرة، و يغير على أحياء العرب مع أصدقائه الشذاذ وهو لا يزال صغيراً ، فطرده والده من كنفه، وراح يعيش حياته العابثه من جديد.
بعد مقتل أبيه
كان مقتل أبيه تحولاً جذرياً في حياة الشاعر، أثر بشكل مباشر في إتجاه شعره القبلي وانضجه.
ما رواه ابن السكيت:
لما طعن الأسدي حجراً ولم يجهز عليه، أوصى ودفع كتابه إلى رجل فقال:أنطلق إلى أبني نافع ، فإن بكى وجزع فاتركه ، وأستقرهم واحداً واحداً، حتى تأتي امرأ القيس ، فأيهم لم يجزع لإادفع إليه سلاحي و خيلي ووصيتي.
فمر يهم واحداً واحدا ، فكلهم جزعوا، حتى أتى أصغرهم فوجد معه نديم له يشرب الخمر ويلاعبه النرد، فقال له :قتل حجر.وأمسك نديمه فقال له:أضرب فضرب ، حتى فرغ فقال:ما كنت لأفسد عليك دستك. ثم سأل الرسول عن أمر أبيه.فقال:الخمر والنساء علي حرام حتى أقتل من بني أسد مائة واجهز النواصي مائة.
وفي رواية أنه قال:
لقد ضيعني أبي صغيراً، وحملني دمه كبيراً، لا أصحوا اليوم ولا سكر غداً، اليوم خمر وغداً أمر.
نهاية حياته
لم تكن امرؤ ألقيس طويلة بمقياس عدد السنين ولكنها كانت طويلة وطويلة جدا بمقياس تراكم الإحداث وكثرة الإنتاج ونوعية الإبداع. لقد طوف في معظم إرجاء ديار العرب وزار كثيرا من مواقع القبائل بل ذهب بعيدا عن جزيرة العرب ووصل إلى بلاد الروم إلى القسطنطينية ونصر واستنصر وحارب وثأر بعد حياة ملأتها في البداية باللهو والشراب ثم توجها بالشدة والعزم إلى أن تعب جسده وأنهك وتفشى فيه وهو في ارض الغربة داء كالجدري او هو الجدري بعينه فلقي حتفه هناك في أنقرة في سنة لا يكاد يجمع على تحديدها المؤرخون وان كان بعضهم يعتقد أنها سنه 540م.
لقد ترك خلفه سجلا حافلا من ذكريات الشباب وسجلا حافلا من بطولات الفرسان وترك مع هذين السجلين ديوان شعر ضم بين دفتيه عددا من القصائد والمقطوعات التي جسدت في تاريخ شبابه ونضاله وكفاحه, وعلى الرغم من صغر ديوان شعره الذي يضم ألان ما يقارب من مئة قصيدة ومقطوعة إلا انه جاء شاعرا متميزا فتح أبواب الشعر وجلا المعاني الجديدة ونوع الإغراض واعتبره القدماء مثالا يقاس عليه ويحتكم في التفوق أو التخلف إليه.
ولذلك فقد عني القدماء بشعره واحتفوا به نقداً ودراسة وتقليداً كما نال إعجاب المحدثين من العرب والمستشرقين, فاقبلوا على طباعته منذ القرن الماضي, القرن التاسع عشر في سورية ومصر وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان التي تهتم بشؤون الفكر والثقافة.
أقوال فيه
قال عمر بن الخطاب: امرؤ القيس سابق الشعراء، خسف لهم عين الشعر.
قال علي بن أبي طالب: رأيته أحسن الشعراء نادرة، واسبقهم بادرة، وأنه لم يقل الشعر لرهبة أو لرغبة.
اعترف له الفرزدق بأنه أشعر الناس.
معلقة أمرؤ قيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدّهول فحومل
فتـُوضِحَ فالمِقراةِ لم يعفُ رسمها
لما نسجنها من جنوبٍ وشمال
ترى بعَرَ الأرآم ِ في عرصاتها
وقيعانها كأنّهُ حبٌّ فلفلِ
كأني غداة َ البين ِيوم تَحَمَّلوا
لدى سمُراتِ الحي ناقف حنضل ِ
وقوفا بها صحبي عليَّ مطيَّهم،
يقولون لا تهلك أسى وتجمّل
وإنّ شفائي عبرةٌ مُهراقـَة ٌ
فهل عند رسم ٍ دارس ٍ من معوَّل
كدأبك من أمّ الحويرثِ قبلها
وجارتها أمّ الرّباب بمأسَل ِ
إذا قامتا تضوّع المسك منهما
نسيم الصّبا جائت بريّا القرنفل
ففاضت دموع العين مني صبابة
على النحر حتى بل دمعي محملي
الا رب يوم لك منهن صالح
ولا سيما يوم بدارة جلجل
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ،
فيا عجباً من كورها المتحمل
فظل العذارى يرتمين بلحمها
وشحم كهداب الدمقس المفتل
ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة
فقالت لك الويلات إنك مرجلي
تقول وقد مال الغبيط بنا معاً
عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل
فقلت لها سيري وأرخي زمامه
ولا تبعديني من جناك المعلل
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهتيها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشق وتحتي شقها لم يحول
ويوماً على ظهر الكثيب تعذرت
علي وآلت حلفة لم تحلل
أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
أغرك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وإن تك قد ساءتك مني خليقة
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهميك في أعشار قلب مقتل
وبيضة خدر لا يرام خباؤها
تمتعت من لهو بها غير معجل
تجاوزت أحراساً إليها ومعشراً
علي حراصاً لو يسرون مقتلي
إذا ما الثريا في السماء تعرضت
ترض أثناء الوشاح المفصل
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها
لدى الستر إلا لبسة المتفضل
فقالت: يمين الله ما لك حيلة
وما إن أرى عنك الغواية تنجلي
خرجت بها أمشي تجر وراءنا
على أثرينا ذيل مرط مرحل
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل
هصرت بفودي رأسها فتمايلت
علي هضيم الكشح ريا المخلخل
مهفهفة بيضاء غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل
كبكر المقاناة البياض بصفرة
غذاها نمير الماء غير المحلل
تصد وتبتدي عن أسيل وتتقي
بناظرة من وحش وجرة مطفل
وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش
إذا هي نصته ولا بمعطل
وفرع يزين المتن أسود فاحم
أثيث كقنو النخلة المتعثكل
غدائره مستشزرات إلى العلا
تضل العقاص في منثنى ومرسل
وكشح لطيف كالجديل مخصر
وساق كأنبوب السقي المذلل
وتضحي فتيت المسك فوق فراشها
نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
وتعطو بر خص غير ششن كأنه
أساريع ظبي أو مساويك إسحل
تضيء الظلام بالعشاء كأنها
منارة ممسى راهب متبتل
إلى مثلها يرنو الحليم صبابة
إذا ما اسبكرت بين درع ومجول
تسلت عمايات الرجال عن الصبا
وليس فؤادي عن هواك بمنسل
ألارب خصم فيك ألوى رددته
نصيح على تعذاله غير مؤتل
وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأن نجومه
بأمراس كتان إلى صم جندل
وقربة أقوام جعلت عصامها
على كاهل مني ذلول مرحل
وواد كجوف العير قفر قطعته
به الذئب يعوي كالخليع المعيل
فقلت له لما عوى: إن شأننا
قليل الغنى إن كنت لما تمول
كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته
ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل
وقد أغتدي والطير في وكناتها
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيل من عل
كميت يزل اللبد عن حال متنه
كما زلت الصفواء بالمتنزل
على الذبل جياش كأن اهتزامه
إذا جاش فيه حميه غلي مرجل
مسح إذا ما السابحات على الونى
أثرن الغبار بالكديد المركل
يزل الغلام الخف عن صهواته
ويلوي بأثواب العنيف المثقل
درير كخذروف الوليد أمره
تتابع كفيه بخيط موصل
له إيطلا ظبي وساقا نعامة
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
ضليع إذا استدبرته سد فرجه
بضاف فويق الارض ليس بأعزل
كأن على المتنين منه إذا انتحى
مداك عروس أو صلاية حنظل
كأن دماء الهاديات بنحره
عصارة حناء بشيب مرجل
فعن لنا سرب كأن نعاجه
عذارى دوار في ملاء مذيل
فأدبرن كالجزع المفصل بينه
يجيد معم في العشيرة مخول
فألحقنا بالهاديات ودونه
جواحرها في صرة لم تزيل
فعادى عداء بين ثور ونعجة
دراكاً ولم ينضخ بماء فيغسل
فظل طهاة اللحم من بين منضج
صفيف شواء أو قدير معجل
ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه
متى ما ترق العين فيه تسفل
فبات عليه سرجه ولجامه
وبات بعيني قائماً غير مرسل
أصاح ترى برقاً أريك وميضه
كلمع اليدين في حبي مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهب
أمال السليط بالذبال المفتل
قعدت له وصحبتي بين ضارج
وبين العذيب بعد ما متأملي
على قطن بالشيم أيمن صوبه
وأيسره على الستار فيذبل
فأضحى يسح الماء حول كتيفة
يكب على الأذقان دوح الكنهبل
ومر على القنان من نفيانه
فأنزل منه العصم من كل منزل
وتيماء لم يترك بها جذع نخلة
ولا أطماً إلا مشيداً بجندل
كأن ثبيراً في عرانين بله
كبير أناس في بجاد مزمل
كأن ذرا رأس المجيمر غدوة
من السيل والأغثاء فلكة مغزل
وألقى بصحراء الغبيط بعاعه
نزول الياني ذي العياب المحمل
كأن مكاكي الجواء غدية
صبحن سلافاً من رحيق مفلفل
كأن السباع فيه غرقى عشية
بأرجائه القصوى أنابيش عنصل