المداواة بالأعشاب بدأت مع الحيوان . فتعلم الإنسان منه عندما لاحظ أن الكلاب عندما كانت تعتل صحتها كانت تأكل أعشابا فتهدأ وتشفي . وكانت القطط عندما تشعر بآلام بمعدتها تبحث عن نبات النعناع وتأكله ليساعدها على طرد الغازات من بطونها . واكتشف الإنسان أن النعناع يحتوي على زيوت طيّارة طارة للرياح.وبدأ الإنسان في إنتقاء دوائه من الأعشاب . وخلال السنين اصبحت لديه الخبرة العلاجية مستعينا بما يحيط به في بيئته. وكان هناك مصادر قديمة لدى كل شعوب العالم القديم للأدوية المفردة: النباتية، والحيوانية، والمعدنية منذ فجر التاريخ في المجتمعات البدائية و في الأدغال . وحاول الإنسان عبر تاريخه معالجة أمراضه من عشب أو نبات أو حجر أو معدن أو قرن غزال أو مخلب حيوان. ولقد بدأت قصة التداوي بالأدوية مع الحيوانات بدوافع غريزية في الصين ومصر القديمة وبابل والإغريق والبطالمة والرومان والعرب. و بداية ممارسته الصيدلة عندما كان الإنسان الأول يضع عصير أوراق النباتات فوق الجروح ليعالجها .وأصبحت مهنة الصيدلة حاليا , هي ممارسة توالبف الأدوية وصناعتها عبر العصور وتتصل بصحة وحياة الإنسان والحيوان . والصيدلية هي المكان المختار الذي به المادةالطبية materia medica تركيب الدواء وتداوله وبيعه. وهي فرع من فروع الطب .والصيدلة تعني بطبيعة وخواص وتحضير الأدوية. لهذا نجدها مهنة كيماوية وطبية لأنها مسئولة عن إكاشاف أدوية علاجية جديدة ضد الأمراض وتصنيع مواد عضوية لها قيمة علاجية .علاوة علي أن الصيدلي يسدي النصائح الطبية والصحية للجمهور . وكانت الصيدلة وممارسة الطب تمارس في المعابد من خلال الكهنة . لهذا كان علاج المرضي بالدواء والتعاويذ الدينية في مطلع التاريخ الإنساني . وبدأ التخصص في الصيدلة يظهر في القرن الثامن في العالم المتمدين ببغداد . ثم انتشرت تدريجيا في أوربا تحت اسم الكيمياء والكيميائيين . وكان الأطباء يحضرون الدواء ويصفونه للمرضي. وكانت الأدوية إما أدوية مفردة تتكون من عنصر طبيعي مفرد (واحد ) وأدوية مركبة تركب من عدة عناصر طبيعية و اطلق العرب عليها الأقرباذين . وقد أصبح الصيادلة حديثا يتعاملون مع الأدوية والعلاجات المعقدة غير ما كان يصنع من الكسيرات وبدرات وسوائل كحولية كانت مدرجة في دستور الأدوية Pharmacopeia البريطاني عام 1618 ودستور الأدوية الفرمسي عام 1639 أو دستور الأدوية الأمريكي عام 1820 وهذه الدساتير كانت تضم الأدوية والعقاقير التي كانت متداولة في كل بلد ويضعها الصيادلة والأطباء معا بتكليف من السلطات الصحية وفيها تصنيف للدواء واستعماله وطرق معرفة غشه ومواصفاته والكشف عليه واستعمالاته وتحديد جرعاته.
الصيدلة عند الصينيين :
عرف الصينيون القدماء التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية، وكان علماء الصين يجربون تأثير الأدوية على أنفسهم وعلى الحيوان. ويعتبر العالم الصيني: شن تونج (القرن 22 ق.م) مؤلف كتاب الصيدلة: "بن تساو" الذي يعتبر أول دستور للأدوية حيث يحتوي على 365 دواءً نباتياً بعدد أيام السنة. ويعتبر شن تونج مؤسس الصيدلة في الصين. حيث اكتشف تأثير نبات شانج شانج "الأفدرا" المنشط والمعرق. ومنه يستخلص حاليا مادة الإفدرين التي تستعمل في الربو . والصينيون كانوا ينقعون الأعشاب الطبية في الماء أو يخمرونها، واستعملوا منها المراهم والضِّمَادات الطبية، .وقسموا العقاقير النباتية إلى حلو لتغذية العضلات ومالح لتغذية الأوعية الدموية ، ومر لتغذية الجسم. وأعطوا أهمية كبيرة للأدوية المفردة، وتجنبوا الأدوية المركبة، وتبادلوا فيما بعد المعلومات الطبية مع علماء المسلمين ببغداد.
عند قدماء المصريين :
احتكر الكهنة في مصر القديمة ممارسة الطب والصيدلة في المعابد وبيوت الحياة الملحقة بها . ويعد أمحوتب من أشهر أطباء مصر القديمة وصيادلتها في القر30 ق م . و سجل قدماء المصريين خبرتهم بالأدوية على جدران المعابد والقبور وأوراق البردي، ومن أشهر هذه البرديات بردية ( ايبرس (التي ترجع للقرن 16 ق.م . وقد تحدثت البرديات عن نباتات طبية عديدة كانت تنمو في أرض مصر أو تجلب من الصومال أو السودان أوالجزيرة العربية أوالحبشة. و اعتمد قدماء المصريين في تحنيط جثث الموتى وحفظها من التلف على بعض النباتات كالحنة والبصل والصمغ وخيار شمبر والمر واللبان ونشارة الخشب والكتان ونبيذ البلح.
الصيدلة عند الإغريق :
استفاد الإغريق من تراث قدماء المصريين والبابليين و شعوب العالم القديم في التداوي بالأدوية. واعتبروا الثعبان رمزا للحياة والحكمة والشفاء، مثلما اعتبر المصريون الكوبرا رمزا لها. وكان العشابون يجمعون أكثر العقاقير الطبية في الظلام، وفي أول الشهر القمري، وفقا لقواعد خاصة. ومن أشهر علماء الأدوية عند الإغريق أبقراط أبو الطب (460 -337 ق.م) وثيوفراستوس أبو النبات (387-317 ق.م) وأرسطو المعلم الأول (384ق م والطبيب الإغريقي ديوسكوريد الذي ألف كتابا يحمل عنوان: "المادة الطبية" بين فيه الفاعلية العلاجية للعقاقير النباتية والحيوانية والمعدنية.
الصيدلة عند البطالمة :
يبدأ عصر البطالمة عند اليونان بوفاة الإسكندر الأكبر عام (323ق.م) . وفي مدينة الإسكندرية زرعت في حدائقها مئات الأنواع من الأعشاب والنباتات الطبية، ودرست خواصها وتأثيراتها العلاجية على أيدي علماء من بينهم العالم الشاعر "نياكور" الذب ألف قصيدتين إحداهما عن العقاقير الطبية النباتية والحيوانية والمعدنية وعن السموم ومضاداتها والثانية باسم: "الترياق" . وكان الإغريق يصنعون المراهم واللبخات في تحضيرالأدوية . والكيمياء كان أول وجودها في الإسكندرية أثناء العصر الإغريقي. وكان العلماء الإغريق يعتبرون أن كل الأشياء تتكون من الهواء والتراب والنار والماء . وفي القرن الرابع ميلادي أصبح للتنجيم astrology والسحر magic والتعاويذ اهمية. وكان علماء اليونان الإغريق لهم الفضل الكبير في إنشاء المدارس التي تهتم بعلم الطب والصيدلة، كما رفع الإغريق كاهنهم " اسكولاس " إلى مصاف الآلهة واطلقوا عليه لقب إله الشفاء. وكانت الثعابين عندهم رمزاً للحياة والحكمة والشفاء وقد بقي الثعبان الملتف حول العصا رمزا للصيدلة حتى اليوم.
الصيدلة عند الرومان :
استفاد الرومان من المعلومات عن الأدوية لدى الإغريق وقدماء المصريين والبابليين والبطالمة عن طريق مدرسة الإسكندرية التي انتقلت علومها إلى روما. واشتهر من الأطباء ارومان المعالجين بالعقاقير اندروماك" (20-70 ق.م)، "وديسقوريدس" (6-50 ق.م) الذي وضع كتابا في الأعشاب الطبية سماه (الحشائش ) ذكر فيه 500 عَقّار نباتي، "وجالينوس" أبو الصيدلة (130-201ق.م)، وله 98 كتاب في الطب والصيدلة .أما الرومان، فقد نقلوا إلى روما الكثير من حضارة الإغريق وقدماء المصريين عن طريق مكتبة الأسكندرية التي كانت تضم آلاف المخطوطات . وإشتهر حــاكم رومــا " كانو" بوضع أوراق الكرنب على الجروح والقروحات والأورام. و كان أندروماك طبيب الإمبراطور نيرون الشهير يستعمل تركيبة تدخل فيها عشرات الأعشاب كترياق لعلاج حالات التسمم. وديسقورديس ألــّف كتباً عديدة أهمها " الخشخاش "و التي ذكر فيها 500 دواء . ويعتبر أول من استعمل علم النبات كمادة علمية في تطوير مهنة الصيدلة وأول من وصف الأفيون وشجرة الخشخاش التي يأتي منها.
الصيدلة عند العرب :
كان التداوي بالأدوية عند العرب بزهور النباتات وبذورها وجذورها. فاستعملوا البصل والكمون لمعالجة أمراض الصدر، والثوم لمعالجة ديدان وأمراض المعدة، والتين لمعالجة الإمساك، والحلبة لأمراض الربو والسعال، والحبة السوداء لأمراض الجهاز الهضمي، والكمأة لعلاج أمراض العين، و السواك لعلاج الأسنان. وحرر الإسلام العلم والطب من العِرافة والكهانة والشعوذة.