زوال إسرائيل
إسماعيل الشريف
<< الأحد، 28 أغسطس/آب، 2016
«وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا» – أحمد شوقي
في الأسابيع الماضية نشرت عشرات المواقع الإخبارية العربية تقريرا قيل عنه أنه سري للغاية صادر عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، وكتب عنه محللون سياسيون كبار ونشروه على صفحاتهم. التقرير يتحدث عن انهيار إسرائيل خلال عشرين عاما، وسبب هذا الانهيار هو فشل حل الدولتين وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وهجرة جماعية عكسية من الصهاينة إلى الولايات المتحدة خلال خمسة عشر سنة القادمة. وقد أثار فضولي هذا التقرير وأجريت بحثا عنه ليتبين لي أنه كذبة كبيرة، وقد نشر أول مرة في موقع كندي عام 2009، وتحدثت عنه مع أحد الأساتذة المعروفين في مادة العلوم السياسية، واستغربت من تأكيده بأن إسرائيل ستزول بحلول عام 2022، فقد سمع هذا «بعظمة أذنه» من الشهيد أحمد ياسين في تسعينيات القرن الماضي.
لست بصدد الدفاع عن الكيان الصهيوني الغاشم، ولكن أن نؤمن بأن إسرائيل في طريقها إلى الزوال في هذه الأيام فهذا أمر لا أصدقه!
في عام 2015 اجتمع غادي آيزنكوت قبيل أن يصبح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي مع دان ميريدور أحد مستشاري الأمن لدى نتنياهو، وقال له سترأس جيشا استثنائيا، ولكن لديك مشكلة واحدة، ليس لدينا أي أعداء لنحاربهم.
فمصر وقعت معاهدة سلام قبل نحو أربعين عاما أبعدتها عن حرب محتملة مع إسرائيل، وعراق صدام انتهى، وسوريا تئن ولم تعد تشكل أي تهديد، والأردن حريص على معاهدة السلام ومشغول باستيعاب اللاجئين من دول الربيع العربي، والسلطة الفلسطينية انحصر دورها في التنسيق الأمني وحماية الحدود، وحتى الدول التي لم تشكل أي تهديد لإسرائيل هي الأخرى قد مزقتها الحروب الأهلية.
ولنتحدث بصراحة، فهنالك اعتراف ضمني عربي بتفوق إسرائيل العسكري، وأن إسرائيل تتمتع هذه الأيام بعلاقات تحالفية مع عدد من الأنظمة العربية، بل وأنها أصبحت ضمن حلف سني يتشكل لمحاربة الشيعة، فالكيان الصهيوني أصبح من أعداء الأمس والعدو الجديد هو إيران.
منذ اغتصاب فلسطين يعيش الكيان الصهيوني هذه الأيام أجمل أيامه، فالمجتمع الإسرائيلي هو الخامس عالميا على مقياس السعادة حسب دراسة عام 2015، واقتصاده منتعش، لدولة الاحتلال علاقات قوية مع روسيا والصين والهند وتركيا ولديها نفوذ كبير في إفريقيا، ولديها بالطبع علاقات استراتيجية فائقة المستوى مع الولايات المتحدة حيث تجري مفاوضات هذه الأيام على اتفاقية عسكرية لعشرة سنوات قادمة تتضمن رفع مبلغ المساعدات العسكرية الأمريكية لتتجاوز الثلاثة مليارات دولار. ويرى بعض السياسيين الإسرائيليين أن هذا التحالف قد أصبح عبئا على إسرائيل ويقيد حريتها، وبعض المحللين يرون أن إسرائيل ستكون وريثة الولايات المتحدة في المنطقة في ضوء تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة ، وبالتاكيد سيطلب العرب حماية إسرائيل لهم.
ومع أن العرب في كل مناسبة يذكّرون إسرائيل والعالم بمبادرة السلام العربية، إلا أننا لم نسمع بأي تعليق سوى شرط نتنياهو من أن أي تحرك للسلام يجب أن يسبقه اعتراف بيهودية الدولة، وأن حل الدولتين قد انتهى بلا رجعة، وأساسا ما قيمة السلام مع العرب الضعفاء؟
وإذا ما نظرنا إلى التهديدات التي تحدق بالكيان الصهيوني فبرأيي أنها لا تشكل أي خطر على بقائه، فواحدة من الأخطار نظريا هي الفوضى التي تشهدها المنطقة، ووجود داعش على حدودها، ولكن في حقيقة الأمر لم نرَ أي توجه من داعش ومن قبلها القاعدة للعمل ضد الكيان الصهيوني، وأنا من الناس الذين يرون أن ثمة أياد صهيونية وراء هذه الفوضى وأنها قد منحت إسرائيل التفوق الاستراتيجي، ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه يفضل مواجهة داعش في الجولان على الإيرانيين، وهنالك إجماع من الخبراء في إسرائيل بأن داعش لا تشكل أي تهديد لهم.
وهذا يقودنا للحديث عن إيران وحلفائها حزب الله وحماس. أولا، في تقرير الاستخبارات الوطنية الاسرائيلية لعام 2016 أن إسرائيل غير مهددة بأية حرب قريبة، ولكن ستبقى حماس غير المدعومة من أية دولة عربية كخنجر في خاصرة الكيان الصهيوني ولكنها أيضا لا تشكل أي تهديد حقيقي، فلا أنفاقها ولا صواريخها ستكون حاسمة في إنهاء إسرائيل. وعلى الشمال من فلسطين هنالك التهديد الآخر حزب الله الذي تقدر عدد صواريخه بأكثر من مائة ألف صاروخ، ولكن حزب الله مشغول الآن ولسنوات قادمة في حرب الفصائل المتشددة في سوريا والعراق وليبيا وسيستنزفه هذا الأمر، وإذا ما دخل في أية حرب مع الصهاينة فهنالك قرار بإعادة احتلال جنوب لبنان بغطاء جوي كثيف، أما إيران فقد حجمت قدراتها النووية وأولوياتها هي مد نفوذها داخل الدول العربية وهي مشغولة أيضا في سوريا واليمن.
ويمكن بالطبع الحديث عن تهديدات أخرى، كعدم رضى اليهود الأمريكان عن إسرائيل، أو حركة مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، أو كشف الوجه العنصري ودحض ادعاءات الديمقراطية الإسرائيلية، أو انهيار محتمل للاتفاقية الأمنية أو للسلطة الفلسطينية ككل، فإن كل هذا قد يسبب قليلا من الصداع ولكن تستطيع إسرائيل التعايش معه.
مخطيء من يعتقد بالتحليل المنطقي أنه في الظروف الحالية، اسرائيل في طريقها للزوال خلال السنوات القليلة القادمة، بل هي تعيش أجمل سنواتها، ولأول مرة في تاريخها تكرس مفهموم أن اسرائيل وجدت لتبقى، وقد عبر الناخبون الإسرائيليون عن هذه الفكرة في آخر انتخابات حيث الأمن والسلام سقطا من حسابات الناخبين.
أكبر خطر هو أن نخدع أنفسنا بأن إسرائيل ضعيفة وأن نصدق دراسات وهمية عن زوال اسرائيل، والأخطر من هذا وذاك أن نبني آمالا على نبوءات نحن بعيدون كل البعد عن شروطها، فالقاعدة الثابتة والإجابة الشافية وإحدى أهم السنن الكونية نجدها في القران الكريم: إن الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.