في مراحل عربية سابقة كانت أهداف الحركات الاجتماعية والسياسية، والنخبة من المثقفين وأهل الفكر، موجهة نحو عناوين كبرى من نوع الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية . هذه المفردات طبعت مرحلة بكاملها من تاريخنا الحديث .
عُني بالحرية في حينه الانعتاق من ربقة الاستعمار الأجنبي، وعُني بالوحدة إقامة وطن عربي واحد، ينهي حال تعدد الأقطار العربية، وعُني بالعدالة الاجتماعية تحقيق ما يتصل بحسن توزيع الثروات على الناس، وتضييق الفجوة بين الغنى والفقر .
نظرة خاطفة على الوضع الراهن ترينا أننا أبعد ما نكون عن هذه الأهداف، بل لعلنا في أوقات سابقة، كنا أقرب إليها، أو على الأقل كانت تبدو كأهداف واقعية ممكنة التحقيق بصورة من الصور .
لا الأجنبي رحل عن المنطقة، فإسرائيل ما زالت قائمة واحتلالها يمتد على أراضٍ عربية أخرى غير فلسطين المحتلة، والغرب عاد بقواته الضاربة ليحتل العراق، بل إن العرب أنفسهم يستنجدون به لمواجهة "القاعدة" و"داعش" وغيرهما من تشكيلات تكفيرية، فضلاً عن التحديات الإقليمية الأخرى .
عن الوحدة العربية لا تتحدث . لقد بتنا في وضع نطالب فيه بوحدة كل بلد عربي على حدة . كم من الجهود والتضحيات تبذل من أجل إعادة توحيد أراضي سوريا والعراق وليبيا واليمن، أي أن الدولة القطرية العربية التي نظر إليها في السابق كعقبة تحول دون بناء الوحدة العربية، كما كان غلاة القوميين يقولون، بات الحفاظ عليها أو استعادتها مطلباً ملحاً ونبيلاً .
لم يعد الحديث يدور عن توحيد الأجزاء المتفرقة لتكون هناك أمة عربية واحدة، إنما منع تمزق كل جزء من هذه الأجزاء وتشرذمه إلى طوائف ومذاهب وعشائر وملل، أي إلى ما قبل الدولة القطرية التي حسبناها منجزاً تاماً، قابلاً لأن يكبر بالتوحد مع دول قطرية أخرى، فإذا بها عرضة للتشرذم إلى مكونات ما قبل الدولة .
لن نقف مطولاً أمام المسألة الديمقراطية، ليس لأنها غير مهمة، وإنما لأن بناة الدولة القطرية لم يضعوها هدفاً أمامهم، فكان أن ازداد الاستبداد الموروث استبداداً، وتفاقم واستفحل، بحيث لم يعد وارداً الحديث عن تضاؤل الحريات، لأنها، في الأغلب الأعم، لم تكن متاحة .
نحن اليوم لسنا عند نقطة البداية مجدداً التي كنا عندها قبل نصف قرن وأكثر . لقد عدنا إلى ما قبلها، وفي موجة الإرهاب التي تجتاحنا، قتلاً وحرقاً وقطعاً للرؤوس، الدليل الساطع.