عن النفوس التي لا تشبع
م. فواز الحموري
على حين غفلة ودون أن يلحظه احد تقدم إلى»باكيت « المناديل الورقية واخذ بتناول أكثر من منديل ليدسها في جيبه دون أن يستخدم ولو منديل ورقي واحد ، الأمر الذي أثار لدي الفضول للسؤال عنه علني أجد تفسيرا ومبررا لفعلته ، ولكن كم دهشت عندما علمت بأنه يملك ثروة تكفي لشراء أطنان من المناديل الورقية وتوزيعها على الجميع.
تأملت بعمق الموقف وبحثت عن مواقف مشابهة ووجدت العديد منها وعلى جميع المستويات والتي تعكس فقرا عميقا لا يمكن التغلب عليه إلا بصعوبة بالغة وعلاج طويل الأمد.
ترى ما هو السبب الحقيقي الذي يدفع النفوس لسرقة واختلاس الكثير والنظر إلى ما يملكه الآخرون بعين الحسد والغيرة والحقد ؟ وهل حرمان الآخرين مما يملكونه هو العلاج للشعور بالراحة ؟ بل ما هو حد الشبع الذي يمكن أن يشفي الغليل ؟
أمثلة من الواقع يمكن سردها ودون مبالغة أصبحت تشكل تحديا وحالة من الاستغراب من تلك النفوس التي لا تشبع على الرغم من الرصيد الضخم والثروة الواسعة التي تحرسها ، وعلى العكس تماما تطلب تلك النفوس المزيد والمزيد دون الاستمتاع بصرف وإنفاق القليل القليل مما تدخره للقادمين من بعدها بشهية الإنفاق والتبذير.
هو الجشع والطمع وعدم الشبع والقناعة ببركة القليل وحلاوة الشعور براحة الضمير وهدوء البال من التفكير والحساب ودوامة الأرباح والخسائر وجرد الدفاتر وبيان الأرصدة والودائع وهو ضعف الإيمان والتسليم بقضاء المولى جلت وعلت قدرته.
نسمع عن قصص كثيرة وعن حالات العوز وعدم الشبع والتي تعكس سمات التغيير في القيم والعادات وأنماط السلوك والتصرف والعلاقات الاجتماعية والتي تأثرت كثيرا نتيجة وسلبا تبعا للنفوس التي لا تشبع ابدا ولا تهتم أو تقلق كثيرا من مصدر الدخل ولا تهتم كذلك بتنمية ثروة المودة والاحترام مع الآخرين ، نتحدث عمن يملك ولا يملك وعمن لا يملك ويملك الدنيا وتأتي له طائعة تحمل رزقه وتسعى إليه برفق ولين وبركة.
ثمة عائق حقيقي يمنع النفوس التي لا تشبع من المثول أمام محكمة الأيام والاعتراف بجريمة اخذ حق الغير والاستيلاء عليه دون وجه حق وأكل الحرام وأعجبني تعليق لأحد الظرفاء عندما سئل عن شخص معين فأجاب على الفور: في بطنه جدي كبير يأكل الحرام بنهم شديد ويقول هل من مزيد.
وبالمقابل ثمة نفوس غنية لم تلوثها الحاجة أو تنال منها الملذات وظلت شامخة ومتواضعة وفخورة باحترامها لنفسها وحدودها والقناعة برزقها وحتفها وعاقبة أمرها ومصيرها، ومدركة تماما لفلسفة الحياة والرحيل عن الدنيا بسمعة وذكرى طيبة لا تشترى بالفلوس.
بين النفوس التي لا تشبع والأخرى الغنية جُل الحكاية من الحب والحنان والعطف والرحمة والحكمة والطمأنينة والشعور بالأمان والراحة ونقاء السريرة وتلك التي نحتاجها الآن على وجه السرعة والضرورة العاجلة والقصوى علنا نثري أيامنا المقبلة بالعطاء والرجاء ومخافة الله والقناعة قبل أن يعبئ التراب أعيننا ويعلنا فقراء لا نملك من حطام الدنيا شيئا.