[rtl]تركيا تعطي الغرب درسًا في الديمقراطية[/rtl]
[rtl]التاريخ:10/6/2015 - الوقت: 4:07م[/rtl]
بمجرد انتهاء الانتخابات البرلمانية التركية الخامسة والعشرين سارعت القوى الغربية لدراسة ما إذا كانت نتائج تلك الانتخابات ستكون في صالحهم أم لا. فلقد أصبح واضحًا بعد انهيار الربيع العربي والانقلاب العسكري في مصر أن دولًا أوروبية وحلفاء لهم عبر الأطلسي يؤيدون الديمقراطية في بلادهم ولكنهم لا يدعمونها في الخارج، خاصة في الشرق الأوسط وآسيا.
فالولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي يبدون أكثر استعدادًا للتعاون مع الحكام المستبدين والأنظمة الغاشمة، لأن هؤلاء الحكام نادرًا ما يتركون شيئًا للصدفة. ففي مناخ مدفوع بالبحث عن المال حيث صفقات النفط والسلاح المليارية أعلى صوتًا من صناديق الاقتراع غير اليقينية، يفضل الغرب نظام الحكم الذي يمكنه ضمان بقائه عن طريق نشر الخوف والتهديد وفوهة البندقية. فلو كان الحال مغايرًا لذلك وكانت حقوق الإنسان هي التي تملي طبيعة العلاقات الخارجية لكان الغرب قد أعاد النظر في علاقته الوثيقة بدول مثل السعودية ومصر وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
تركيا لا تقع تحت أي من تلك التصنيفات. الحقيقة أنه طوال أكثر من عقد من حكم العدالة والتنمية تحت قيادة رجب طيب أردوجان، سواء بوصفه رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية، فإن تركيا مثلت مشكلة كبيرة للغرب الذي يرى أنه وبالرغم من أن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) فإن العدالة والتنمية لا يمكن الاعتماد عليه ليكون مطيعًا للغرب ويتحرك وفق الخط المرسوم من الغرب.
الأكثر إزعاجًا هو بزوغ تركيا تحت قيادة أردوجان كقوة إقليمية ذات نفوذ سياسي وإستراتيجي في منطقة مضطربة حيث أغلبية الحكام العرب غير مستعدين لتحدي الهيمنة الغربية.
فعلى سبيل المثال، فإن الدعم الصريح الذي قدمه أردوجان لفلسطين، ودخوله في معارك كلامية مع العديد من القادة الإسرائيليين أثار سخط الغرب. فلا يهم أن له نفس آرائهم – ونحن نعرف ذلك بفضل فضيحة تعطل مكبر الصوت الشهيرة بين باراك أوباما والرئيس الفرنسي السابق نيقولاس ساركوزي -. فرسميًا يمتنع قادة الغرب عن انتقاد إسرائيل عن طريق شكل غريب من الرقابة الذاتية أشبه بما يحدث داخل مجلس الشعب الأعلى في بيونج يانج.
أردوجان بالتالي هو أسوأ كوابيس إسرائيل، فهو لا ينحني لا لشرق ولا لغرب كما أنه منتخب ديمقراطيًا في انتخابات ليست من النوعية التي يفوز بها القائد الأعظم بنسبة ٩٩٪.
القضية الفلسطينية لم تكن فقط بمثابة مفتاح للعالم العربي بل كانت أيضًا محورًا لتنامي شعبية تركيا ووضعت أردوجان في مصاف النجوم في المنطقة خاصة بعد ما فعله في ٢٠٠٨، عندما قام بما يمكن للحكام العرب أن يحلموا به فقط. أردوجان غادر جلسة حوار في دافوس اعتراضًا على الهجمات الإسرائيلية الوحشية على غزة واصفًا الرئيس الإسرائيلي وقتها (شمعون بيريز) أنه يعرف كيف يقتل الناس.
في الوقت الذي كان فيه (حسني مبارك) رئيس مصر الأسبق يدعم الحصار الإسرائيلي على غزة، كان أردوجان يوجه انتقادا شديدًا للحصار الإسرائيلي والاعتداء الإسرئيلي على قافلة مساعدات كانت متجهة إلى غزة، وقتل تسعة من المتطوعين الأتراك على يد الكوماندوز الإسرائيلي.
سيكون القادة الغربيون مخطئين إذا ظنوا أنه قد تم تحجيم أردوجان بعدما فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة منفردًا، والتي كان ينقصه ١٨ مقعدًا للوصول إليها.
قد يكون أردوجان و(كمال كيليتشدار أوغلو) على طرفي النقيض في العديد من القضايا ولكنهم متفقون في رؤيتهم بخصوص الحكم بالإعدام على أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا، محمد مرسي. محمد مرسي عُزِل في يوليو ٢٠١٣ في انقلاب عسكري قاده الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي. كيليتشدار وأردوجان انتقدا أحكام الإعدام المُسَيسة والتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لمصر بعد الحكم بالإعدام على مرسي وأكثر من مائة من مناصري الإخوان المسلمين الشهر الماضي. وكما هو متوقع فقد التزم داعمو السيسي في الغرب الصمت وهم يرون أول رئيس منتخب في انتخابات حرة يُحكَم عليه بالإعدام. صمتهم المستمر حتى الآن أبلغ من أي كلام عن حقيقة موقفهم من الديمقراطية في الشرق الأوسط.
أردوجان أمامه ٤٥ يومًا لتشكيل الحكومة بعد خسارته للأغلبية لأول مرة منذ ١٣ عامًا. على الرغم من ذلك فإن الحصول على٤١٪ من أصوات الشعب ليس إنجازًا قليلًا فذلك أقل بنسبة ٠.٨٪ فقط عما حصل عليه رئيس الوزراء البريطاني المنتخب حديثًا، ديفيد كاميرون، في الانتخابات البريطانية الأخيرة.
الجدير بالذكر أيضًا أن ٦٦٪فقط من الناخبين البريطانيين صوتوا في الانتخابات البريطانية الأخيرة، بينما ذهب ٥٨.٢٪ فقط من الناخبين الأمريكيين لمراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية في ٢٠١٢. عندما تأخذ في اعتبارك أن ٨٦٪ من الذين يحق لهم التصويت في تركيا ذهبوا للجان الانتخابية وقاموا بالتصويت فإنك تدرك أن صناديق الاقتراع كانت هي الرابح الأكبر في ذلك اليوم.
(ساسة بوست)