قانون العشائر.. بين الماضي والحاضر
علي سلامة الخالدي
يرتكز قانون العشائر تاريخياً على قيّم القبيلة, كموروث اجتماعي فكري ثقافي, يتكئ على وثيقة سلوك راق تراكمي, يعتمد على النخوة, نصرة المظلوم, ردع الظالم, نجدة الملهوف, إغاثة الخائف, العفو, التسامح, كظم الغيض, يحمل رسالة نبيلة تقوم على تسوية النزاعات, إزالة الخصومات, عقد الصلح, حقن الدماء, ينشر السلم الاجتماعي, يعمل على إشاعة الطمأنينة والأمن الأهلي, يعتبر مرجعاً للعادات الحميدة والتقاليد العريقة, يجمع في وقتنا الحاضر ما بين تجربة التاريخ وحداثة العصر, يسعى للتخلص من الشوائب والتشوهات والسلوكيات الدخيلة, يحارب الانتقام, يقف ضد الثأر, يحاول تطوير علاقة أخلاقية حضارية تتلاءم مع ثقافة الحاضر وقوانين الشعوب المدنية, لا شك أنه تراث وطني غني وزاخر بالمعادن الثمينة والدرر الكريمة.
يُعتبر قانون العشائر مظلة شرعية لأصحاب المساعي الحميدة والنوايا الطيبة في مرحلة مهمة لتسوية الخلاف وتطييب الخواطر ومعالجة الجراح, وتجاوز الغضب, لتحقيق إنجازات معنوية تساهم في إنهاء كثير من القضايا المعقدة.
إعادة الصياغة للقانون العشائري الجديد, يفترض أن تكون أكثر وضوحاً, أشد حزماً, أدق تعبيراً عن روح منع وقوع الجريمة, تساند القضاء المدني, ترسخ دولة المواطنة, تعزز سيادة القانون, تنسحب تدريجياً الى أحضان دولة المؤسسات للحد من توظيف هذا القانون لأغراض خاصة وإغلاق أبواب الاجتهاد.
المصيبة الكبرى والمرض المزمن والداء المستوطن هو قضايا الدم, وما يرافق ذلك من حرق للمنازل وتحطيم للسيارات وتدمير للمحلات التجارية, وتهجير جماعي لمواطنين لا ناقة ولا جمل لهم في القضية إلا رابطة دم غالباً ما تكون غير متجانسة, آن الأوان للحيلولة دون الظلم والافتراء والتجني, منع مبررات الانتقام, إغلاق الباب أمام تفريغ شحنات من الحقد والحسد والضغينة استناداً لمظلة «الجلوة» تحت هذه الظروف الصعبة تلجأ العشيرة الى عشيرة أخرى لأغراض الحماية وحقن الدماء, هذه ظروف واقعية في مجتمعات تسود بها الأعراف والتقاليد القبلية, علماً بأن شعوب عربية شقيقة تنتسب الى قبائل وعشائر استطاعت بالتطبيق الحازم للقانون تجاوز هذه المرحلة التاريخية, التي كانت صالحة ومنطقية ومعقولة في ظل حياة التنقل والترحال.
أعتقد ان هنالك مبررات منطقية تدعوا للتمسك بالقانون العشائري حالياً, فالظروف الإقليمية المائعة تحول أحياناً دون إنفاذ القانون أو تجد صعوبةً في إصدار الأحكام القضائية, وهو خطوة في الاتجاه الصحيح لقوننة العشائرية لتجسير الفجوة مع حياة العصر, كل هذا لا ضير على شرط أن يغطي الفجوات الحالية بكل شجاعة وحكمة وحزم, يضع قيود صارمة لإنهاء معاناة مئات الأسر المشردة, تستقيم الثقة بالدولة عند تحقيق العدالة.
- الرأي .