منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

     اللغة العربية - الماضي والحاضر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:36 am

اللغة العربية
 
العربية أكبر لغات المجموعة السامية من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة،1 ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال. وللغة العربية أهمية قصوى لدى أتباع الديانة الإسلامية، فهي لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن، والأحاديث النبوية المروية عن النبي محمد، ولا تتم الصلاة في الإسلام (وعبادات أخرى) إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة. والعربية هي أيضاً لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية مثلا.
 
العربية لغة رسمية في كل دول العالم العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في دول السنغال، ومالي، وتشاد، وإريتريا وإسرائيل. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.
 
تحتوي العربية على 28 حرفاً مكتوباً وتكتب من اليمين إلى اليسار - بعكس الكثير من لغات العالم - ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
 
يطلق العرب على اللغة العربية لقب "لغة الضاد" لاعتقادهم بأنها الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد.
 
تصنيفها
تنتمي العربية إلى أسرة اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الأفرو-آسيوية. وتضم مجموعة اللغات السامية أيضاً لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة (الأكادية) والكنعانية والعبرية والآرامية واللغات العربية الجنوبية وبعض لغات القرن الإفريقي كالأمهرية. وعلى وجه التحديد، يضع اللغويون اللغة العربية في المجموعة السامية الوسطى من اللغات السامية الغربية، فتكون بذلك اللغات السامية الشمالية الغربية (أي الآرامية والعبرية والكنعانية) هي أقرب اللغات السامية إلى العربية.
 
والعربية من أحدث هذه اللغات نشأة وتاريخاً ولكن يعتقد البعض أنها الأقرب إلى اللغة السامية الأم التي انبثقت منها اللغات السامية الأخرى، وذلك لاحتباس العرب في جزيرة العرب فلم تتعرّض لما تعرَّضت له باقي اللغات السامية من اختلاط. ولكن هناك من يخالف هذا الرأي بين علماء اللسانيات، حيث أن تغير اللغة هو عملية مستمرة عبر الزمن والانعزال الجغرافي قد يزيد من حدة هذا التغير حيث يبدأ نشوء أي لغة جديدة بنشوء لهجة جديدة في منطقة منعزلة جغرافياً.
 
1 لغات سامية
 ┤────── ─── ─────── ─── ┌
2 سامية شرقية   3 سامية غربية
   ┐────── ─── ├
  4 وسطى 5 جنوبية
 
 
نشأتها
هنالك العديد من الآراء والروايات حول أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث الشريف أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربع عشرة سنة ونَسِي لسان أبيه، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم في الجنة2، إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أي من تلك الادعاءات.
 
ولو اعتمدنا المنهج العلمي وعلى ما توصلت إليه علوم اللسانيات والآثار والتاريخ فإن جل ما نعرفه أن اللغة العربية بجميع لهجاتها انبثقبت من مجموعة من اللهجات التي تسمى بلغات شمال الجزيرة العربية القديمة (Old North Arabian). أما لغات جنوب الجزيرة العربية (Old South Arabian) فتختلف عن اللغة العربية الشمالية التي انبثقت منها اللغة العربية، ولا تشترك معها إلا في كونها من اللغات السامية، وقد كان علماء المسلمين المتقدمين يدركون ذلك حتى قال أبو عمرو بن العلاء (770م) : "ما لسان حمير بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا."
 
شاهد قبر امرؤ القيس بن عمرو ملك الحيرة.
 
 نص شاهد القبر: "تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا بزجي في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده"، وترجمته باللغة العربية المعاصرة: "1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج. 2- واخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج وقاد. 3- الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر واخضع معدا واستعمل بنيه. 4- على القبائل ووكلهم فرساناً للروم فلم يبلغ ملك مبلغه. 5- إلى اليوم. توفى سنة 223 م في 7 من أيلول وفق بنوه للسعادة", عام 223 بتقويم بصرى يوافق 328 ميلادي,

 
وقد قام علماء الآثار بتصنيف النقوش العربية الشمالية القديمة المكتشفة حتى الآن إلى أربع مجموعات هي الحسائية (نسبة إلى الأحساء) والصفائية والديدانية والثمودية، والأخيرة لا علاقة لها بقبيلة ثمود وإنما هي تسمية اصطلاحية. وقد كتبت جميع هذه النقوش بخط المسند (أي الخط الذي تكتب به لغات جنوب الجزيرة)، وأبرز ما يميز هذه اللهجات عن اللغة العربية استخدامها أداة التعريف "هـ" أو "هنـ" بدلاً من "الـ"، ويعود تاريخ أقدمها إلى عدة قرون قبل الميلاد. أما أقدم النقوش باللغة العربية بطورها المعروف الآن فهما نقش عجل بن هفعم الذي عثر عليه في قرية الفاو (قرب السليل)، وقد كتب بخط المسند ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ونقش عين عبدات في صحراء النقب، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد، وقد كتب بالحرف النبطي. ومن أشهر النقوش باللغة العربية نقش النمارة الذي اكتشف في الصحراء السورية، وهو نص مؤرخ بتاريخ 328 م ومكتوب بنوع من الخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي، وهو عبارة عن رسم لضريح ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو وصف فيه بأنه "ملك العرب."
 
لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري (شلمانصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض - من علماء اللغات - أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية.
 
اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورًا كبيرًا وتغيرًا في مراحلها الداخلية، وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها غدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية، والحبشية، واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.
 
 
اللغة العربية الفصحى
تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة من ولادتها أصبحت - قبيل الإسلام - تسمى لغة (مضر)، وتستخدم في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة (حمير) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك، وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لغة لقريش، ولغة لربيعة، ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت مازالت في ذلك الطور لهجات فحسب، ويفهم كل قوم غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضاً وإن بشكل أقل، وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها - والتي كانت أرقى لغات العرب - وهي لغة قريش، وسميت لغة قريش مذاك اللغة العربية الفصحى يقول الله – تعالى- في القرآن الكريم ((وكذلك أنزلناه حكماً عربياً)، (وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً)، (وهذا لسان عربي مبين).
 
الكتابة العربية
اللغات العربية القديمة كانت تكتب بالخطين المسندي والثمودي، ثم دخل مع اللغة العربية الحديثة الخط النبطي، قيل أنه نسبة لنابت بن إسماعيل وأخذ ذلك الخط مكان الخط الثمودي في شمال الجزيرة، وأصبح الخط المعتمد في لغة مضر العربية (الحديثة)، أما لغة حمير العربية (القديمة الجنوبية) فحافظت على الخط المسندي، وأخذ الخط النبطي - الذي هو أبو الخط العربي الحديث - يتطور أيضاً، وكان أقدم نص عربي مكتشف مكتوباً بالخط النبطي وهو نقش (النمارة) المكتشف في سوريا والذي يرجع لعام 328م.
وفي الفترة السابقة للإسلام كانت هناك خطوط أخرى حديثة للغة مضر مثل: الخط الحيري نسبة (إلى الحيرة)، والخط الأنباري نسبة (إلى الأنبار)، وعندما جاء الإسلام كان الخط المستعمل في قريش هو الخط النبطي المطور، وهو الخط الذي استخدمه النبي محمد في كتابة رسائله للملوك والحكام حينذاك، ويلحظ في صور بعض تلك الخطابات الاختلاف عن الخط العربي الحديث الذي تطور من ذلك الخط، وبعض المختصين يعتبرون ذلك الخط النبطي المطور عربياً قديماً، وأقدم من مكتشفات منه نقش ( زبد)، ونقش ( أم الجمال) (568م ، 513 م)، والنقوش السبئية هي أقدم النقوش التي يرجع بعضها إلى 1000 ق.م.
 
 
الخط العربي الحديث
كان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الأمويين حين بدأ أبو الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف، ثم أمر عبد الملك بن مروان عاصماً الليثي ويحيى بن يعمر بتشكيل الحروف، فبدؤوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه، ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم، ثم تطور الوضع للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم. كما انتشرت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار.
 
حول اللغة
اللغة العربية واحدة من اللغات العريقة في العالم الآن، يرجع تاريخها إلى ما لا يقل عن ألف وخمس مئة سنة، بالشكل الذي نقلته إلينا المعاجم التي يرجع تاريخ تدوينها إلى نهايات القرن الثاني الهجري وبدايات القرن الثالث الهجري، ولاسيما بعد ظهور صناعة الورق في البلدان العربية.
 
ويلاحظ أن اللغة العربية لم تجمد في أثواب وقواعد واحدة عبر تلك الأزمان، بل أصابها التغيير في قواعدها وطرق صياغاتها، إضافة إلى تطورات مطالب (الأدب) الذي نسب إليها وظهرت فيه معطيات البلاغة والبيان والبديع وأغراضه كما هي في بعض الآثار (الأدبية) اليونانية والسريانية والسنسكريتية وغيرهما من ما ترجمت عنه أوائل الكتب والمؤلفات المكتوبة باللغة العربية، وهذا قبل أن يبادر أي شخص إلى (تأليف) باللغة العربية.
 
وقد ذكر الدكتور محمد ياسر شرف في مقدمة كتابه (إصلاح الكتابة العربية) أنّ مجموعة كبيرة من الأفكار، التي كانت شائعة بين المشتغلين القدماء في اللغة العربية حول القدرات والمهارات والإمكانات والفعاليات التي تدخل في عمليات تشكّل اللغة في المجتمع، قد اهتزّت بسبب نتائج الدراسات الحديثة المخبرية للغات، إضافة لاختلاف ما ذكره السابقون واللاحقون من مراحل تغيير وتحوير تمرّ بها اللغات من ما يناسب المعطيات الطارئة والظروف الضاغطة والحالات القاهرة، وما تفرزه من ظروف زمانية ومكانية مدفوعة بمقاصد مورفولوجية وإثنية واقتصادية وعسكرية وجغرافية، تثب تأثيراتها إلى مقدمة العوامل الفاعلة بعد مرحلة كمون أو ضعف تأثيري سابق في الترتيب التاريخي، على تنوّع في نسَب ذلك كله إيجاباً وسلباً.
 
ورأى الدكتور محمد ياسر شرف أن الأساس الذي تقوم عليه (القدرة) البشرية في اكتساب اللغة واستخدامها هو أساس واحد، سواء عند العرب وغيرهم من أبناء المجتمعات الأخرى، وأن مجموعة من المؤثرات المحددة لدى المختصين بصور متعددة تلعب أدواراً متفاوتة في دفع التوجّه إلى إتقان اللغة أو إعاقة تقدمه. وهذا من ما اعتمد عليه في معارضة بعض ما قيل إنه (نظرات) مستقرة تتصل بالثقافة العربية عامة واللغة العربية خاصة، معتمداً على تتبعما أكدته تواريخ البحوث العلمية من أن وجود (نظرية سائدة) لا يعني دائماً أنها ٍنظرية صحيحة).
انظر في هذا الشأن وقضايا عديدة ذات اتصال به كتب الدكتور محمد ياسر شرف: إصلاح الكتابة العربية. تدوين الثقافة العربية. ديانات العرب قبل الإسلام. قواعد الإملاء العربي. نشوء مجتمع الإسلام.
 
النطق
اللغة العربية أول لغة في العالم التي تستخدم حرف الضاد، وحتى اللغة الألبانية تستخدم في لغتها حرف الضاد ولكن ذلك بعد وصول الإسلام (واللغة العربية) إليها على يد العثمانيين.
 
هذا من ما يجعل الصواب هو أن يقال إن تفرّد اللغة العربية يتمثل في حرف الظاء (ظ) وليس حرف الضاد (ض) الموجود في اللغات أخرى، وقد سبب هذا الالتباس أن بعض العرب والعجم الذين تحدثوا العربية لم يستطيعوا لفظ الظاء فلفظوها ضاداً، وتكرّس الغلط مع مرور مئات السنين.
 
 
علوم العربية
 
النحو
النحو العربي هو علم يبحث في أصول تكوين الجملة وقواعد الإعراب. فغاية علم النحو أن يحدد أساليب تكوين الجمل ومواضع الكلمات ووظيفتها فيها كما يحدد الخصائص التي تكتسبها الكلمة من ذلك الموضع، سواءً أكانت خصائص نحوية كالابتداء والفاعلية والمفعولية أو أحكامًا نحوية كالتقديم والتأخير والإعراب والبناء.
 
 
البلاغة
الشعر العربي والنثر الذي يضم السجع والطباق والجناس والمقابلة والتشبيه...
 
 
اللهجات العربية
العربية لها كثير من اللهجات المختلفة ويمكن تقسيمها إلى:
 
اللهجة المصرية وهذه بدورها تضم عدة لهجات مثل: القاهرية والاسكندرانية والصعيدية والشرقاوية وأيضاً النوبية.
لهجات الجزيرة العربية وتضم:
اللهجة الجنوبية
اللهجة الحساوية
اللهجة الحجازية
اللهجة الشمالية
اللهجة القصيمية
اللهجة اللهجةالنجدية
اللهجات البدوية
وهي منتشرة في كل الدول العربية الا انها تعتبر اللهجة المهيمنة في كل من دول الخليج ، السعودية، العراق، ليبيا، الأردن
 
اللهجة الجنوبية:
اللهجة الخليجية وتجمع أجزاء من شرق المملكة العربية السعودية والكويت، والإمارات، والبحرين وقطر
اللهجة البحرانية
اللهجة الكويتية
اللهجة العمانية
اللهجة الشحية
 
اللهجة اليمنية، وتتفرع منها:
اللهجة اليافعية
اللهجة الصنعانية
اللهجة الحضرمية
اللهجة الساحلية (اللهجة التهامية) (الحديدة)
اللهجة العدنية
 
اللهجة الشامية- ومن ضمنها:
اللهجات السورية وتضم الدمشقية والحلبية الحمصية واللاذقانية والحورانية (جنوب سورية) والديرية ولهجة الجزيرة السورية وجبال القلمون ولهجة الجبال الغربية (الساحلية) وجبل العرب وغيرها.
 
اللبنانية وتضم:
 البيروتية والطرابلسية والجنوبية والبقاعية وغيرها باختلاف المدن والقرى اللبنانية
 
الأردنية والفلسطينية وتتشابهان إلى حد كبير، وتضم:
الخليلية والغزاوية والمقدسية والبدوية ولهجة الفلاحين وغيرها.
 
اللهجة العراقية
اللهجة المصلاوية
اللهجة البغدادية
اللهجة الأنبارية
اللهجة البصراوية
 
اللهجة الجزائرية
اللهجة المغربية
اللهجة التونسية
اللهجة الليبية
اللهجة السودانية
اللهجة التشادية
اللهجة الحسانية المستعملة في معظم موريتانيا والصحراء الغربية وهي خليط من العربية واللهجات الصنهاجية (الأمازيغية القديمة).
لهجات بدو النقب وسيناء
 
تأثير العربية على اللغات الأخرى
امتد تأثير العربية (كمفردات وبُنى لغوية) في الكثير من اللغات الأخرى بسبب الإسلام والجوار الجغرافي والتجارة (فيما مضى).
هذا التأثير مشابه لتأثير الاتينية في بقية اللغات الأوروبية. وهو ملاحظ بشكل واضح في اللغة الفارسية حيث المفردات العلمية معظمها عربية بالاضافة للعديد من المفردات المحكية يوميا (مثل: ليكن= لكن، و، تقريبي، عشق، فقط، باستثناي= باستثناء...).
اللغات التي للعربية فيها تأثير كبير (أكثر من 30% من المفردات) هي:
 
الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والإسبانية والصومالية والسواحيلية والتجرينية والأورومية والفولانية والهاوسا والمالطية والبهاسا (مالايو) وديفيهي (المالديف) وغيرها.
 
بعض هذه اللغات مازالت تستعمل الأبجدية العربية للكتابة ومنها: الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية والتركستانية الشرقية والكردية والبهاسا (بروناي وآتشه وجاوة).
 
دخلت بعض الكلمات العربية في لغات أوربية مثل الإنجليزية والإسبانية.
 
تأثير اللغات الأعجمية على العربية
لم تتأثر اللغة العربية باللغات المجاورة كثيراً رغم الاختلاط بين العرب والشعوب الأخرى، حيث بقيت قواعد اللغة العربية وبنيتها كما هي، لكن حدثت حركة استعارة من اللغات الأخرى مثل اللغات الفارسية واليونانية لبعض المفردات التي لم يعرفها العرب (مثل البطاطا والطماطم).
 
وهناك العديد من الاستعارات الحديثة، سواء المكتوبة أم المحكية، من اللغات الأوربية، تعبِّر عن المفاهيم التي لم تكن موجودةً في اللغة سابقا، مثل المصطلحات السياسية (الإمبريالية، الإيديولوجيا، إلخ.)، أو في مجال العلوم والفنون (رومانسية، فلسفة، إلخ.) أو التقنيات (باص، راديو، تلفون، كمبيوتر، إلخ.). إلاّ أن ظاهرة الاستعارة هذه ليست حديثة العهد، حيث قامت اللغة العربية باستعارة بعض المفردات من اللغات المجاورة منذ القدیم، افتقاراً للمعنى‌ (أي تعبيراً عن مفردات لم تكن موجودة في لغة العرب) (بوظة - نرجس - زئبق- آجر - ورق - بستان- جوهر(مجوهرات) - طربوش - مهرجان - باذنجان - توت - طازج - قناة - فيروز من الفارسية البهلویه مثلاً). وبشكل عام فإن تأثير الفارسية أكثر من لغات أخرى كالسريانيه واليونانية والقبطية والكردية والأمهرية.
ودخل في لهجات المغرب العربي بعض الكلمات التركية والبربرية، مثل فكرون = سلحفاة.
 
هذا وتوجد نزعة إلى ترجمة أو تعريب كافة الكلمات الدخيلة؛ إلاّ أنها لا تنجح في كل الأحيان، فاللغة الحية تنتقي ما يناسبها من كلمات.
فمثلاً، لا يُستعمل المقابل المعرّب للراديو (مذياع) عمليا، بينما حازت كلمة "إذاعة" على قبول شعبي واسع.
 
مناظرة الحروف العربية
كل لغة تشتمل على مجموعة بعينها من الأصوات. فالعربية مثلاً تشتمل على أصوات (حروف) التي لا تتواجد باللغة الإنجليزية أو الأردية.
لذا فيستعمل ناطقو كل لغة أبجدية تتيح لهم تدوين الأصوات التي تهمهم سواء من لغتهم أو من اللغات الأخرى (كلغة القرآن الكريم).
 
الاختلافات بين العربية واللغات السامية
العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظاً بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.
 
فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية.
احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.
احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.
احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
 
التعريب
يستخدم مصطلح التعريب في الثقافة العربية المعاصرة في أربع معان مختلفة وقد يتطرق إلى معان أخرى، وتسبب أحيانا إلى الخلط:
 
قد يقصد بالتعريب إعادة صياغة الأعمال والنصوص الأجنبية إلى شيء من التصرّف في معناها ومبناها بحيث تتوافق مع الثقافة العربية وتصبح نوعا ما عربية السمة
وقد يقصد به أحيانا الترجمة، وهذا قريب الصلة بالمعنى السابق.
لكن يرى اللغويين أن هذا خطأ وتنقصه الدقة؛ فالترجمة ليست تعريبا حيث أنها لا تتعدى نقل النصوص من لغة والتعبير عنها بلغة أخرى.
المعنى الثالث وهو الأشهر في الاستعمال، ويقصد به نقل اللفظة الأجنبية كما هي مع شيء من التعديل في صورتها بحيث تتماشى مع البناء العام والقواعد الصوتية والصرفية للغة العربية. مثل لفظة إبريق، وتلفاز وغيرها من الألفاظ غير عربية الأصل.
 
المعنى الرابع وهو ما يشيع بين الدارسين والمهتمين باللغة العربية، وبقصد به تحويل الدراسة في الكليات والمعاهد والمدارس إلى اللغة العربية بحيث تصبح لغة التأليف والتدريس مثلها مثل أي لغة في العالم.
 
ويتماشى مع هذا المعنى "تعريب الحاسوب" - ليقبل العربية كمدخلات ومخرجات -وما يتعلّق به من برمجيات بحيث تصبح العربية هي اللغة الأساسية للتعامل معه أنظر معالجة لغات طبيعية.
 
والتعريب هو ابتداع كلمات عربية لتعبر عن مصطلحات موجودة بلغات أخرى وليس لها تسمية عربية، ويتم التعريب إما بالشكل العشوائي الذي يؤدي إلى ابتداع المجتمع أو نحته لمصطلح جديد ، ككلمة التلفزيون مثلا، أو يتم بطريقة ممنهجة (وليس بالضرورة علمية أو صحيحة) عن طريق مجامع اللغة العربية مثلا، ويوجد في الوطن العربي عدة مجامع للغة العربية تختلف في تعريبها للمصطلحات مما يخلق بلبلة كبيرة في أوساط المستخدمين لهذه المصطلحات. فهي قد تكون معرّبة بشكل حرفي لدرجة أنها تفقد معناها التقني أو قد تكون مبنية على فهم خاطئ للمصطلح الأجنبي، كما قد تحاول إلباس كلمة عربية قديمة لباسا جديدا بصيغة غريبة لجذر ذو معنى ذا علاقة.
 
الكتابة
تُكتب اللغة العربية بالأبجدية العربية التي يكتب بها الكثير من اللغات الأخرى.
وللغة العربية 28 حرفا (البعض يوصلها ل29 حرفا بإضافة الهمزة "ء").
 
العربية بحروف لاتينية
 
تاريخيا
كتبت العربية بحروف لاتينية في حالات تاريخية نادرة:
 
عربية المدخر (المدجنين) Mudejar: وابتدعها العرب في الأندلس (في القرون الرابع عشر حتى السابع عشر).
 
المالطية وهي لهجة عربية محكية في جزيرة مالطا نشأت بعد الفتح الإسلامي للجزيرة ، يعدّها أصحابها لغة مستقلة.
 
العصر الحديث
نتيجة لضعف دعم الحواسيب للغة العربية في البداية ظهر عدة طرق لكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية لكنها تظل محدودة التأثير وبخاصة بعد التقدم الملموس في دعم اللغة العربية حاسوبيا.
 
بعض أنظمة الطباعة وتنسيق النصوص (مثل عرب ‌تخ) تستخدم الحروف اللاتينية لكتابة النصوص العربية، عبر أبجديات خاصة، لتفادى القصور في أنظمة الحاسوب قديما. مع ازدياد دعم يونيكود في الأنظمة الحديثة، تراجعت هذه الطرق كثيرا.
 
عربية الدردشة: وهي طريقة كتابة العربية بحروف لاتينية في الرسائل القصيرة (SMS)(ShortMessageService) على الهواتف المحمولة.
 
هوامش
1: سكان الدول العربية مجتمعة يصل إلى 422 مليون نسمة (تقرير الـCIA World Factbook السنوي).
2: لعل أصل هذا الاعتقاد هو حديث أغلب الظن أنه حديث باطل، قد يصنفه اخرون بانه ضعيف وهو كما يلي "احبوا العرب لثلاث، لاني عربي، ولان القران عربي، وكلام أهل الجنة عربي" ، وقد صنفه الألباني بأنه حديث موضوع. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)
أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية
 
 
 
 
تعريف اللغة العربية
 
عرف القدماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي‏,‏ غير أن تعريف اللغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان‏..‏ فاللغة هي الإنسان‏,‏ وهي الوطن والأهل‏,‏ واللغة التي هي نتيجة التفكير‏..‏ هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره‏,‏ ولا تري حقيقته‏.‏
 
والأصل في اللغة أن تكون مسموعة أي أن إنسانا ينطقها بلسانه وشفتيه فيسمعها إنسان آخر بأذنيه‏,‏ ولكن عندما عرفت الكتابة بالرسم أو بالحرف منقوشة علي الحجر أو مكتوبة علي الورق أصبحت هناك لغة مقروءة أي أن الإنسان يقرأها بعينيه‏.‏ وأصبحت هناك لغتان إحداهما سمعية والأخرى بصرية‏.‏
 
هذا ولقد مرت علاقة الإنسان باللغة في مرحلتين‏:‏
الأولي‏:‏ مرحلة من قديم الأزمان وهي مرحلة اختراع اللغة علي نحو ما بتيسير من الله‏,‏ وهي مرحلة معقدة بل شديدة التعقيد‏.‏
 
الثانية‏:‏ مرحلة تلقي اللغة‏,‏ وهي مرحلة يعيشها أبناء كل لغة علي حدة‏,‏ فنحن نعيش في إطار العربية‏,‏ كما عاش أجدادنا منذ مئات السنين‏,‏ لقد تناولوا هذه اللغة بروح التقديس‏,‏ وعالجوا كلماتها كما تلقوها بالكثير من الحفاظ علي تراثها‏,‏ والرعاية لأصولها‏,‏ حتى جاءت إلينا معبرة عن تاريخ بعيد‏,‏ وتراث عريق‏,‏ تنطق علي ألسنتنا‏,‏ كما كانت تنطق علي ألسنتهم دون استغراب منا حيث أن أصواتها وصيغها‏,‏ وتراكيبها هي هي كما كانت‏,‏ لم يصبها كثير من التغيير رغم تطاول رغم تطاول القرون‏,‏ وتتابع الأجيال‏,‏ وهو أمر نادر الحدوث في عالم اللغات‏,‏ لم يسجله التاريخ إلا للغة العربية‏,‏ التي نقرأ نصوصها القديمة فلا نحس بقدمها‏,‏ بل إننا نأنس بها‏,‏ ونستمتع بتكرارها وتمثلها واستخداماتها في أحيان كثيرة‏,‏ علي حين أن لغات أخري قد أصبحت من مخلفات التاريخ ولم يمض علي إنشائها قرن واحد فقط
 
ولم تعرف الإنسانية علي طول تاريخها لغة خلدها كتاب‏,‏ إلا اللغة العربية التي بدأت بكتاب الله‏(‏ القرآن الكريم‏)‏ مرحلة جديدة في حياتها الخالدة حيث ساعدت قراءة القرآن علي توفير قاعدة أدائية في الجانب الصوتي‏,‏ وهو أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه‏.‏ وهكذا شاءت إرادة الله أن تكون اللغة العربية لغة الإسلام ومن هنا كانت تلك الحملات الضارية التي انصبت علي اللغة العربية بهدف النيل منها بشتى الطرق والصور‏,‏ مما أوجب علي أبنائها المخلصين لها ولربهم أن يعملوا جهدهم لتيسير تناولها وتعلمها للأجيال الجديدة من الأمة العربية والإسلامية ومن رغب في تناولها وتعلمها‏.
 
مفاهيم أساسية:
أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه هي القاعدة الأدائية في الجانب الصوتي منها وهو ما نعرفه بالقراءة‏,‏ والقراءة عملية معقدة ذات أبعاد متميزة‏,‏ ولكنها متكاملة‏,‏ لا ينفصل واحد منها عن الآخر‏,‏ أي أن القراءة في حقيقة أمرها نظام صوتي يتعامل مع السليقة اللغوية لدي القارئ أو المتعلم أو السامع فيسهل عليه عملية الإدراك اللغوي‏.‏
 
ولقد حاول المغرضون بكل قواهم وأساليبهم المتعددة أن يلصقوا صفة التعقيد بالنظام الصوتي للغة العربية وهذا أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة‏,‏ ولكنهم نجحوا بعض الشيء في أن يلحق القصور والتخبط بمرحلة تلقي اللغة وتعلمها‏.‏
 
وحتى يستقيم الأمر سنبين بعض المفاهيم المتداولة في علم الأصوات اللغوية‏,‏ فمن المعروف أن الأصوات تنقسم إلي مجموعات مختلفة‏,‏ تبعا لاعتبارات مختلفة‏,‏ فهناك اعتبار المخرج‏,‏ واعتبار التصويت‏,‏ واعتبار التوتر‏,‏ وهي الجوانب الثلاثة الأساسية في تقسيم الأصوات عند تلقي اللغة لابد من الاهتمام بهذه الاعتبارات الثلاثة‏.
 
جذور اللغة العربية
لا نغالي إذا قلنا أن انطلاقة اللغة العربية كان من منابع أجواء جنوب الجزيرة العربية ومن اليمن بشكل خاص.
 
وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.
 
وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.
 
ولكي نوفي حق التساؤل أعلاه عادة ما تتراقص في أخيلتنا مؤثرات استحواذ لغة على لغة أخرى بحكم العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مجتمعة أو منفردة، وأحياناً ما تتحكم في ذلك ظروف البيئة الطبيعية التي تحتمها الأحداث المفاجئة، وهذا ما حصل فعلاً  قدر تعلق الأمر بتساؤلنا، حيث أن انهيار سد مأرب الشهير والمعروف بأسم عاصمة المملكة السبئية الثانية(650 ـ 115 ق م) في اليمن، وخرابه إثر السيل العَرِم بين (542 ـ570)، ألحق أضراراً لا حصر لها في المنطقة الجنوبية، غيرت من ظروف الحياة المعيشية من جراء أخطار الفيضانات العارمة وتدميرها شبكات تنظيم الري والأراضي الزراعية ودور السكن. إن هذه الكارثة حَدَت بأعداد كبيرة من سكان قبائل المنطقة للنزوح والهجرة صوب المناطق الشمالية، واستقرت في يثرب ومكة والشام والعراق، حتى قيل عن ذلك (تفرقوا أيدي سبأ). هذا بالإضافة إلى غزوات الأحباش والروم والفرس التي سببت فيما بعد توالي هجرات سكان المنطقة إلى الشمال.
 
إن هذه الهجرة المباغتة وما تعاقبتها من هجرات بسبب الغزوات لا تعني بأنه من السهولة على تلك القبائل من فرض سيطرتها على المنطقة برمتها بقدر ما تعني الخضوع لمتطلبات الأستقرار وضمان الحياة المعيشية. إلا أنه رغم الظروف السلبية في الحياة المعيشية فأنه حتمت مستلزمات الحاجة على مدى الزمن لتوطيد أواصر التقارب والإختلاط والجوار والمصاهرة. ومما لا شك فيه أن أزمات التنافر والمشاحنات ظلت دائرة إلى فترة ظهور الإسلام عام 622 م ونشوء فكرة أسس الدولة العربية.
 
ان ما تجدر الإشارة إليه هو انتشار الديانة اليهودية والمسيحية في المنطقة، وتواجد العرب بعيدين عن هاتين الديانتين وانعزافهم إلى الوثنية، حيثأ أَلَّهوا بعض قوى الطبيعة ومن الهتهم الشهيرة مناة الهة الحظ في مكة، واللات وتدعى الربة في الطائف، والعُزَّى أي الزُهرة في قريش، إضافة للحجر الأسود في مكة حيث كانت ُتنصب فوقه الأصنام. ان هذا الأنعزاف الوثني في العهد الجاهلي لم يكن حاجزاً ومانعاً من إقدام جماعات من العرب على اعتناق الديانتين المذكورتين، فقد كان هناك من دان باليهودية في اليمن ويثرب وخيبر، وبالنصرانية في مناطق الجزيرة والعراق والشام، وهناك دلائل عديدة على ذلك الاعتناق.
 
ومما سبق ذكره يتسنى لنا القول من تواجد لغتين متفاوتتين في منطقة الجزيرة العربية هما الآرامية والعبرية إلى جانب العربية التي تأثرت بهما واستعارت منهما العديد من المفردات التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.
 
من هذا المنطلق يسعنا القول: إن العربية أحدث لغة من حيث المنشأ والتاريخ بين مجموعة اللغات السامية، وتُعَد أغلبها وسعاً وانتشاراً، قياساً بأختيها الآنفتي الذكر رغم انتمائهن جميعاً لذات الأرومة. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)
أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:38 am

فقه اللغة - 1 
  بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش
جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية
 
فقه اللغة عند الأوائل
 
إن أول من استخدم اصطلاح فقه اللغة كان ابن فارس  (ت 395 هـ) في عنوان كتابه (الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها). ثم نصادف هذا الاصطلاح بعد ذلك في عنوان كتاب الثعالبي: (فقه اللغة وأسرار العربية)). ولكننا نجد مفهوم فقه اللغة مختلفا عند الرجلين.
 
مفهوم فقه اللغة عند ابن فارس
يتبين المطلع على كتاب ابن فارس (الصاحبي في فقه اللغة) أنه ينظر إلى هذا النوع من التأليف على أنه دراسة القوانين العامة التي تنتظم اللغة في جميع مستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية والأسلوبية.
 
مفهوم فقه اللغة عند الثعالبي:
الثعالبي يرى أنّ فقه اللغة علم خاص بفقه وفهم المفردات، وتمييز مجالاتها واستعمالاتها الخاصة والاهتمام بالفروق الدقيقة بين معانيها. وقد ترجم هذه الفكرة عنه بشكل واضح ابن خلدون في مقدمته حيث قال: "ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظاً أخرى خاصة‏ بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ، كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحناً وخروجاً عن لسان العرب‏.‏ واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سماه (فقه اللغة).
 
سبب اختلاف المفهومين
ويبدو لنا أن هذا الاختلاف قد نتج عن اختلاف استعمال كلمة (لغة). فابن فارس استعملها بمعناها العام المطلق أي تلك الوسيلة المتعددة المستويات التي يستعملها الناس في التفاهم فيما بينهم. لذا جاء مفهوم فقه اللغة عنده واسعا وشاملا لجميع مستويات اللغة.
 
أما الثعالبي فقد استخدم كلمة (لغة) في معناها الخاص، الذي يقابل كلمة نحو، وهو معرفة المفردات ومعانيها. لذا نرى فقه اللغة عنده هو فقه للمفردات لا التراكيب والأساليب.
 
قال ابن فارس في مقدمة كتابه الصاحبي:
"إِن لعلم العرب أصلاً وفرعاً: أمَّا الفرعُ فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا: "رجل" و "فرس" و "طويل" و "قصير". وهذا هو الَّذِي يُبدأ بِهِ عند التعلُّم. وأمَّا الأصلُ فالقولُ عَلَى موضوع اللغة وأوَّليتها ومنشئها، ثُمَّ عَلَى رسوم العرب فِي مخاطبتها، وَمَا لَهَا من الافْتِنان تحقيقاً ومجازاً. والنّاسُ فِي ذَلِكَ رجلانِ: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يَعْرِف غيرَه، وآخَرُ جَمع الأمريْنِ معاً، وهذه هي الرُّتبة العليا، لأن بِهَا يُعلم خطابُ القرآن والسُّنة، وعليها يُعول أهلُ النَّظر والفُتيا، وذلك أن طالبَ العلم العُلويُ يكتفي من سماء "الطويل" باسم الطويل، ولا يَضِيرُه أن لا يعرف "الأشَقَّ" و "الأَمقَّ" وإن كَانَ فِي علم ذَلِكَ زيادةُ فَضل. وإنَّما لَمْ يَضِره خفاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لأنَّه لا يَكاد يجدُ منه فِي كتاب الله جل ثناؤه فيُحْوَج إِلَى علمه."
 
كتب فقه اللغة عند العرب
كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس
موضوعات فقة اللغة في كتاب الصاحبي في فقه اللغة
 
كتاب القرن الرابع لم يعرفوا تقسيم الموضوعات تقسيماً منهجياً دقيقاً، بل كان يغلب عليهم الاستطراد وعدم المنهجية، لذلك نجد في الكتاب عدداً من الموضوعات عن اللغة وطبيعتها، ثم إن هناك مسائل عن أصوات اللغة وعددا من الأبواب عن الصرف وعن البلاغة ومسائل في الدلالة، وموضوعات في الأسلوب، والاختلاف حول نشأة اللغة. ومن الموضوعات المهمة في فقه اللغة التي نصادفها في كتاب (الصاحبي) ما يلي:
 
(أ) (باب القول على لغة العرب أتوقيف أم اصطلاح)
وفيه يحتج ابن فارس لنظرية التوقيف التي تقول إن اللغة توقيف وتعليم من الله عز وجل مستدلا بدليل (1) نصي من القرآن هو قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) و (2) بدليل عقلي هو قوله إن إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ، ثم احتجاجهم بأشعارهم، يدل أنه لو كانت اللغة مواضعة واصطلاحا لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأولى منا في الاحتجاج بنا على لغة عصرنا، و (3)  بدليل اجتماعي وهو زعمه "أنه لم يبلغنا أن قوما من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه."
 
(ب) اختلاف لغات العرب. في هذا الباب أورد ابن فارس وجوه الاختلاف بين اللهجات العربية القديمة  ومما ذكره من أصناف هذه الاختلافات:
(1) الاختلاف فِي الحركات كقولنا: "نَستعين" و "نِستعين" بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون.
(2) الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: "معَكم" و "معْكم" أنشد الفرّاء:
(3) الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: "أولئك" و "أُولالِكَ". ومنها قولهم: "أنّ زيداً" و "عَنّ زيداً".
(4) الاختلاف فِي الهمز والتليين نحو "مستهزئون" و "مستهزُوْن".
(5) الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحو "صاعقة" و "صاقعة".
(6) الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو "استحيَيْت" و "استحْيت" و "صدَدْت" و "أَصْدَدْت".
(7) الاختلاف فِي التذكير والتأنيث فإن من العرب من يقول "هَذِهِ البقر" ومنهم من يقول "هَذَا البقر" و "هَذَه النخيل" و "هَذَا النخيل".
(Cool الاختلاف فِي الإعراب نحو "مَا زيدٌ قائماً" و "مَا زيدٌ قائم" و "إنّ هذين" و "إنّ هذان" وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب يقولون لكلّ ياء ساكنة انفتح مَا قبلها ذَلِكَ.
(9) الاختلاف فِي صورة الجمع نحو: "أسرى" و "أُسارى".
 
(جـ) باب (القول فِي اللغة الَّتِي بِهَا نزل القرآن، وأنه لَيْسَ فِي كتاب الله جلّ ثناؤه شيء بغير لغة العرب) عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات، منها خمسٌ بلغة العَجْزِ من هَوازن وهم الذين يقال لهم علُيا هَوازن وهي خمس قبائل أَوْ أربع، منها سَعدُ بن بكر وجُشَمُ بن بكر ونَصْر بن مُعاوية وثَقيف. قال أبو عُبيد: وأحسب أفصَحَ هؤلاء بني سعد بن بكر لقول رسول الله صل الله عليه وسلم: "أنا أفصَح العَرَب مَيْد أني من قريش وأني نشأت فِي بني سعد بن بكر" وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العَلاء: أفصح العرب عُليا هَوازِن وسُفْلى تميم. وعن عبد الله بن مسعود أنه كَانَ يَستَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المَصاحف من مُضر. وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ فِي مَصاحِفِنا إِلاَّ غلمان قريش وثَقيف. وقال عثمان: اجعلوا المُمليَ من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.
 
قال: (أبو عبيد) وزعم أهل العَربية أن القرآن لَيْسَ فِيهِ من كلام العجَم شيء وأنه كلَّه بلسانٍ عربيّ، يتأوَّلون قوله جلّ ثناؤه "إنا جعلناه قرآناً عربياً" وقوله "بلسان عربيّ مبين". قال أبو عبيد: والصواب من ذَلِكَ عندي - والله اعلم - مذهب فِيهِ تصديق القوْلين جميعاً. وذلك أنَّ هَذِهِ الحروف وأصولها عجمية - كما قال الفقهاء - إِلاَّ أنها سقَطَت إِلَى العرب فأعرَبَتها بألسنَتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إِلَى ألفاظها فصارت عربيَّة. ثُمَّ نزل القرآن وَقَدْ اختَلَطت هَذِهِ الحروف بكلام العَرَب. فمن قال إنها عَرَبية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق.
 
(د) باب (القول فِي مأخذ اللغة)
تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربيّ يسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم عَلَى مَرّ من الأوقات. وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن. وتؤخذ سماعاً من الرُّواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويُتَّقى المظنون.
 
(هـ) باب القول فِي الاحتجاج باللغة العربية
لغةُ العرب يحتج بِهَا فيما اختلفُ فيه، إِذَا كَانَ "التنازع في اسم أو صفة أو شيء ومما تستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز، أو ما أشبه ذلك مما يجيء في كتابنا هذا إن شاءَ الله. فأما الذي سبيله سبيل الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال - فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ لأن سائلا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد أو حجة في أصل فقه أو فرعه - لم يكن الاحتجاج فيه بشيء من لغة العرب، إذ كان موضوع ذلك على غير اللغات. فأما الذي يختلف فيه الفقهاء - من قوله جل وعز: (أو لامستُم النِساء) وقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قُروء) وقوله جل وعز: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقوله: (ثم يعودون لما قالوا) - فمنه ما يصلح الاحتجاج فيه بلغة العرب، ومنه ما يوكل إلى غير ذلك.
 
(و) باب (القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟)
أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن (الجيم والنون) تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنه الليلُ. وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور. وأن الإنس من الظهور. يقولون: آنَسْت الشيء: أبصرته. وَعَلَى هَذَا سائرُ كلام العَرَب، عَلم ذَلِكَ من عَلِم وجَهِلَه من جهل.. وَلَيْسَ لَنَا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير مَا قالوه، ولا أن نقيس قياساً لَمْ يقيسوه، لأن فِي ذَلِكَ فسادَ اللغة وبُطلان حقائقها. ونكتةُ الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نَقيسهُ الآن نحن.
 
(ز) باب (مراتب الكلام فِي وُضوحه وإشكاله)
 أما واضح الكلام - فالذي يفهمه كلّ سامع عرَف ظاهرَ كلام العرب. كقول القائل: شربت ماءً ولَقيت زيداً. وكما جاء فِي كتاب الله جلّ ثناؤه: "حُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ والدمُ ولحمُ الخِنْزير" وكقول النبي صل الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه، فلا يَغْمِسْ يدَه فِي الإِناء حَتَّى يَغْسِلَها ثلاثاً".
 
وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من: غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً.
 
فأما المُشكلِ لغرابة لفظه - فمنه فِي كتاب الله جلُّ ثناؤه "فلا تَعْضُلوهن"، "ومِن الناس من يعبُد الله عَلَى حَرف"، "وسَيِّداً وحَصُوراً"، "ويُبْرئُ الأكْمَهَ" وغيرُهُ مما صَنَّف علماؤنا فِيهِ كتَبَ غريب القرآن. ومنه فِي حديث النبي صل الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: "عَلَى التِّيعَةِ شاة. والتِّيمة لصاحبها. وَفِي السُّيُوبِ الخُمُس لا خِلاطَ ولا وِراطَ ولا شِناقَ ولا شِغارَ
 
والذي أشكل لإيماء قائله إِلَى خبر لَمْ يُفصح بِهِ – فكقوله: إِن العصا قُرِعَت لِذِي الحِلْمِ.
 
والذي يشكل لأنه لا يُحَدُّ فِي نفس الخطاب - فكقوله جلّ ثناؤه: ""أقيموا الصلاة" فهذا مجمّل غير مفصل حَتَّى فَسَّره النبي صلَى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم:
 
والذي أشكل لوجَازة لفظه قولهم:
 
الغَمَراتِ ثُم َّيَنْجَلِينَا
 
والذي يأتيه الإشكال من اشتراك اللفظ: قول القائل: وضَعوا اللُّجَّ عَلَى قَفيَّ. (اللج هو السيف) ويظهر هنا أن الإشكال ليس من جهة الاشتراك اللفظي كما زعم ابن فارس وإنما من جهة غرابة اللفظ.
 
(ح) باب (الأسماء كَيْفَ تقع عَلَى المسميات)
يُسمَّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام كرَجُل وفَرَس. ونُسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: "عين الماء" و "عين المال" و "عين السحاب".
 
ويسمى الشيء الواحد بالأَسماء المختلفة (الترادف)، نحو: "السيف والمهنّد والحسام".
 
والذي نقوله فِي  هَذَا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى. وَقَدْ خالف فِي ذَلِكَ قوم فزعموا أنها وإن اختلفت  ألفاظها فإنها ترجع إِلَى معنى واحد. وذلك قولنا: "سيف وعضب وحُسام". وقال آخرون:  لَيْسَ منها اسم ولا صفة إِلاَّ ومعناه غيرُ معنى الآخر. قالوا: وكذلك الأفعال. نحو: مضى وذهب وانطلق. وقعد وجلس. ورقد ونام وهجع. قالوا: ففي "قعد" معنى لَيْسَ  فِي "جلس" وكذلك القول فيما سواهُ . . . ومن سُنَن العرب فِي الأَسماء أن يسمّوا المتضادَّين باسم واحد. نحو "الجَوْن" للأسود و "الجَوْن" للأبيض. وأنكر ناس هَذَا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه. وهذا لَيْسَ بشيء. وذلك أن الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمي السيف مهنَّداً والفَرَسَ طِرْفاً هم الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمِّي المتضادَّين باسم واحد. وَقَدْ جرَّدنا فِي هَذَا كتاباً ذكرنا فِيهِ مَا احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذَلِكَ ونقصه، فلذلك لَمْ نكرّرِهُ.
 
(ط) باب (النحت)
العرب تَنْحَتُ من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنس من الاختصار، وذلك مثل: "رجل عَبْشَميّ" منسوب إِلَى اسمين، وأنشد الخليل:
 
أقول لَهَا ودمعُ العين جارٍ      ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلةُ المنادي
 
 مكان قوله: "حَيَّ علي". وهذا مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم". وَقَدْ ذكرنا ذَلِكَ بوجوهه فِي كتاب مقاييس اللغة.
 
معجم مقاييس اللغة
لأبن فارس كتاب آخر نادر في موضوعة وقيّم في مادته هو (معجم مقاييس اللغة)، فهو معجم فريد في بابه ، لا يشبهه في تناول المفردات إلا كتاب (مفردات غريب القرآن) للأصفهاني، إلا أن الأخير خاص بمفردات القرآن الكريم لا يتعداها، وأما المقاييس فقد تناول معظم مفردات اللغة. وقد بُنـي معجم مقاييس اللغة على فكرتين تُعدان من أهم موضوعات فقه اللغة: (1) إن لمفردات العربية مقاييس صحيحة وأصولا تتفرع منها. وهذه الفكرة ذكرها ابن فارس أيضا في الصاحبي في باب (القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض) حيث قال: "أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن الجيم والنون تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنه الليلُ، وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور." وقد طبق هذه الفكرة في معجم المقاييس. (2) والفكرة الثانية هي رأيه في أصل ما فوق الرباعي، وقد ذكر ذلك في الصاحبي عندما قال: "مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم." ولكنه في المقاييس توسع في تطبيق هذا المفهوم على ما يريو على ثلاثمائة لفظ، وما خرج عن ذلك نسبه إما لزيادة حرف على الثلاثي أو نسبه إلى أصل الوضع. وهنا سنورد أمثلة الاشتقاق الذي اصطلح من بعده على تسميته بالاشتقاق الأصغر:
 
برم الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ: إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختِلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات.
 
فأمّا الأوّل فقال الخليل: أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه. قال أبو زياد: المبارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، ويقال أبرمْتُ الحَبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً، وَالمُبْرَم الغزْل.
 
وأمَّا الغَرَض فيقولون: بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وَأبرَمَنِي أعْيَانِي. قال: ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤَالِ عن كذا، أي لا أعْيَا.
 
وأمّا اختلاف اللَّوْنَيْن فيقال إنّ البريمَينِ النَّوعانِ مِنْ كلّ مِن ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ اللَّيْلِ مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ. قال أبو زياد: ولذلك سُمّي الصُّبْحُ أوَّلَ ما يبدُو بَرِيماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللَّيل؛ وَالبريم شيءٌ تشدُّ به المرأةُ وسَطَها، منظَّم بخَرَزٍ.
 
والأصل الرابع: البَرَم، (وأطيبُها ريحا) بَرَمُ السَّلَم، وأخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبَرَمَةِ الآس. قال أبو زياد: البَرَمَةُ الزَّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة. أبو الخطّاب: البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُءُوس الذّرّ.
 
وشذّ عن هذِهِ الأصول البُرَام، وهو القُرَاد الكبير، تقول العرب: «هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام»؛ وكذلك البُرْمة، وهي القِدْر.
 
والظاهر أن الأمر بخلاف ما قال ابن فارس لأن هذه المعاني راجعة إلى أصل واحد وهو اللف والبرم. فالغرض هو الشعور بعصر في الجوف، وبرم الشجر لأن زهرته مبرومة، واختلاف اللونين لأن الحبل يلف منمن شريختين مختلفتي اللون.
 
جدر الجيم والدال والراء أصلان.
 
فالأوَّل الجِدار، وهو الحائط وجمعه جُدُر وَجُدْران، وَالجَدْرُ أصل الحائط، ومنه الجَديرة، شيءٌ يُجْعَل للغنم كالحظيرة. ومن هذا الباب قولهم هو جديرٌ بكذا، أي حريٌّ به، وهو مما ينبغي أن يثبت ويبني أمرَه عليه. ويقولون: الجديرة الطبيعة.
 
والأصل الثاني ظُهور الشيء، نباتاً وغيره. فالجُدرِيّ معروف، وهو الجَدَرِيُّ أيضاً. وَالجَدَر سِلْعَةٌ تظهر في الجَسَد، وَالجَدْر النبات، يقال: أجْدَرَ المكانُ وَجَدَرَ، إذا ظهر نباته.
 
وَالجَدْرُ: أثر الكَدْمِ بعُنق الحمار، وإنما يكون من هذا القياس لأنَّ ذلك يَنْتَأُ له جلدُه، فكأنَّه الجُدَرِيّ.
 
جرح الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.
 
فالأوّل قولهم (اجترح) إذا عمل وكَسَب؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (الجاثية21)؛ وإنّما سُمّي ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. وَالجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.
 
وأما الآخَر (فقولهم) جرحَه بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل، وَاستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.
 
عوي العين والواو والياء:  أصلٌ صحيح يدلُّ على ليّ في الشىء وعطْفٍ له.
 
قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيًّا إذا لويتَه، وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه فانعوى، والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها، وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قومًا، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح: يقال عَوَتِ السّباع تَعوِي عُواءً؛ وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضًا، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: «عوّاء البَرْد»، إذا طلعت جاءت بالبرد، وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضًا، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب؛ ويقولون في أسجاعهم: «إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصّلاء»، وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الإنسان: العَوَّاء.
 
ويبدو لنا أن ما قرره ابن فارس من أن عوى الذئب مأخوذ من معنى لوى ليس صحيحا لأنه من الكلمات المحاكية لمعناه أي لصوت الذئب، لأنه يخيل إلينا أن صوته (عووووو).
 
برق الباء والراء والقاف تعود إلى أصلين أحدهما اللمعان  والآخر شئ به نقط بيض وسود. والواقع أن هذا أصل واحد وليس كما زعم. والذي يظهر لنا أنهما يعودان إلى أصل واحد لأن اجتماع البياض والسواد يؤدي إلى حدوث ما يشبه البريق لتداخل اللونين كما يتداخل النور والظلام.
 
ما جاء من كلام العرب على أكثَر من ثلاثة أحرف
 
اعلم أنّ للرُّباعيّ والخُماسيّ مذهباً في القياس، يَستنبِطه النَّظرُ الدَّقيق. وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوتٌ، ومعنى النَّحت أن تُؤخَذَ كلمتان وتُنْحَتَ منهما كلمةٌ تكون آخذةً منهما جميعاً بحَظَ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَلَ الرَّجُل، إذا قالَ حَيَّ عَلى.
 
ومن الشيءِ الذي كأنَّه متَّفَقٌ عليه قولهم عَبْشَمّى من عبد شمس.
 
فعلى هذا الأصل بَنَيْنَا ما ذكرناه من مقاييس الرُّباعي، فنقول: إنَّ ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه، والضَّرْب الآخر (الموضوع) وضعاً لا مجالَ له في طُرق القياس، وسنبيِّن ذلك بعَون الله.
 
ما جاءَ منحوتاً من كلام العرب في الرُّباعي
 
ومن ذلك بَحْثَرْتُ الشيءَ، إذا بَدّدته، وَالبَحْثَرَة: الكَدَر في الماء. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من بحثْتُ الشَّيء في التراب ومن البَثر الذي يَظْهَر على البَدَن، وهو عربيٌّ صحيحٌ معروف، وذلك أنَّه يَظْهَرُ متفرِّقاً على الجِلْد
 
ومن ذلك السَّحْبَل: الوادي الواسع، وكذلك القِرْبة الواسعة: سَحْبلة؛ فهذا منحوت من سحل إذا صبّ، ومن سَبَل، أومن سَحَبَ إذا جرى وامتدّ،
 
ومن ذلك المُغَثْمَرُ، وهو الثَوْب الخشنُ الرَّدىء النَّسْج. يقال: ألبستُهُ المغَثْمَرَ لأدفع به عنه العينَ؛ وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من غثم وغثر، أمّا غثر فمن الغُثْر، وهو كلُّ شىء دُونٍ. وأمّا غثم فمن الأغثم: المختلط السَّواد بالبياض.
 
ما زيد فيه حرف للمبالغة
 
ومن هذا الباب ما يجيءُ على الرُّباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنَّهم يزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه مِنْ مبالغةٍ، كما يفعلون ذلك في زُرْقُمٍ وخَلْبَنٍ، لكن هذه الزيادَة تقع أوّلاً وغيرَ أوّلٍ.
 
ومن ذلك البَحْظَلَة قالوا: أنْ يَقفِزَ الرَّجُل قَفَزانَ اليَربوع، فالباء زائدةٌ؛ قال الخليل: الحاظل الذي يمشي في شِقِّه، يقال مَرَّ بنا يْحَظَلُ ظالِعاً.
 
ومن ذلك البِرْشاع الذي لا فُؤاد له. فالرَّاء زائدة، وإنما هو من الباء والشين والعين التي تدل على الكراهة والضيق.
 
ومن ذلك البَرْغَثَة، الراء فيه زائدة وإنما الأصل الباء والغين والثاء. والأبغث من طير الماء كلون الرَّماد، فالبَرْغَثَةُ لونٌ شبيهٌ بالطُّحْلة، ومنه البُرْغُوث.
 
ومن ذلك البَرْجَمَةُ: غِلَظُ الكَلام، فالراء زائدةٌ، وإنَّما الأصل البَجْم. قال ابنُ دريد: بَجَم الرّجُل يَبْجُمُ بُجُوماً، إذا سكَتَ من عِيَ أو هَيْبَةٍ، فهو باجِمٌ.
 
ومن ذلك بَرْعَمَ النَّبْتُ إذا استدارَتْ رُءُوسُه، والأصل بَرَع إذا طال ومن ذلك البَرْكَلَةُ وهو مَشْيُ الإنسان في الماء والطِّين، فالباء زائدةٌ، وإنما هو من تَرَكَّلَ إذا ضَرَبَ بإحدى رجليه فأدخلها في الأرض عند الحفْر.
 
ومن ذلك الفَرقَعة: تنقيضُ الأصابع، وهذا مما زيدت فيه الراء، وأصله فَقَع.
 
ما وضع من الرباعي وضعا
 
البُهْصُلَةُ: المرأة القَصِيرة، وحمار بُهْصُلٌ قصير. وَالبُخْنُق: البُرْقُع القصير، وقال الفرّاء: البُخْنُق خِرْقةٌ تَلْبَسُها المرأة تَقِي بها الخِمَار الدُّهْنَ. البَلْعَثُ: السّيِء الخُلُق. البَهْكَثَةُ: السُّرْعة. البَحْزَج: وَلَدُ البَقَرة وكذلك البُرْغُزُ. بَرْذَنَ الرَّجُل: ثَقُل. البرازِق: الجماعات. البُرْزُلُ: الضخم. ناقة بِرْعِس: غَزِيرة. بَرْشَط اللَّحْمَ: شَرْشَرَهُ. بَرْشَمَ الرَّجُلُ، إذا وَجَمَ وأظهر الحُزْن، وَبَرْهَم إذا إدامَ النظَر. والبَرْقَطَة: خَطْوٌ متقارب.
 
وممّا وضع وضعًا وليس ببعيدٍ أن يكون له قياس: غَرْدَقْتُ السَّتْرَ: أرسلتُه، والغُرْنُوق: الشاب الجميل. والغُرْنَيْق طائر.
 
كتب على شاكلة الصاحبي في فقه اللغة
هناك كتب أخرى طرقت موضوعات تشبه تلك التي اشتمل عليها كتاب الصاحبي. من هذه الكتب: (الخصائص) لابن جني، و(المزهر في علوم اللغة) للسيوطي.
 
 
 
كتاب الخصائص لابن جني
ولد ابن جني من أب رومي يوناني. نشأ بالموصل وأخذ النحو عن الأخفش وأبي على الفارسي الذي لازمه طويلاً، واجتمع بالمتنبي الذي، أعجب بسعة علمه في اللغة، في بلاط سيف الدولة وفي شيراز عند عضد الدولة. وكان المتنبي إذا سئل عن دقيقة في شعره قال: اسألوا عنها صاحبنا ابن جني . أهدى كتاب (الخصائص)  إلى بهاء الدولة الذي تولى الملك في بغداد. وتوفي هذا العالم اللغوي الفذ سنة 392هـ.
 
جاء في مقدمة الخصائص "هذا أطال الله بقاء مولانا الملك السيد المنصور المؤيد بهاء الدولة ... كتاب لم أزل على فارط الحال وتقادم الوقت ملاحظا له عاكف الفكر عليه ... هذا مع إعظامي له وإعصامي بالأسباب المنتاطة به واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب وأذهبه في طريق القياس والنظر ... وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة من خصائص الحكمة ونيطت به من علائق الإتقان والصنعة.
 
ثم يبين ابن جني غرضه من تأليف هذا الكتاب قائلا: "ذلك أنا لم نر أحدا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه فأما كتاب أصول أبي بكر [ابن السراج] فلم يلمم فيه بما نحن عليه إلا حرفا أو حرفين في أوله وقد تعلق عليه به وسنقول في معناه. على أن أبا الحسن [الأخفش] قد كان صنف في شئ من المقاييس كتيبا إذا أنت قرنته بكتابنا هذا علمت بذاك أنا نُبْنا عنه فيه وكفيناه كُلفة التعب به وكافأناه على لطيف ما أولاناه من علومه."
 
ابن جني قصد بقوله في المقدمة "لم نر أحدا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه" تطبيق مناهج أصول الكلام والفقه على المباحث اللغوية. وبعبارة أخرى يريد أن يطبق منهج التعليل والقياس الذي اعتمده الأصوليون والفقهاء في استنباط الأحكام من النصوص على النظر في اللغة. ويقال إنه أول من أدخل منهج القياس في الدرس اللغوي.
 
ونجده في (باب ذكر علل العربية أكلامية هي أم فقهية) يقارن بين القياس عند اللغويين من جهة وعند الفقهاء والكلاميين من جهة أخرى، فيقول: "اعلم أن علل النحويين وأعنى بذلك حذاقهم المتقنين لا ألفافهم المستضعفين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك حديث علل الفقه وذلك أنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام ووجوه الحكمة فيها خفية عنا غير بادية الصفحة لنا ألا ترى أن ترتيب مناسك الحج وفرائض الطهور والصلاة والطلاق وغير ذلك إنما يرجع في وجوبه إلى ورود الأمر بعمله ولا تعرف علة جعل الصلوات في اليوم والليلة خمسا دون غيرها من العدد ولا يعلم أيضا حال الحكمة والمصلحة في عدد الركعات ولا في اختلاف ما فيها من التسبيح والتلاوات إلى غير ذلك مما يطول ذكره ولا تحْلى النفس بمعرفة السبب الذي كان له ومن أجله وليس كذلك علل النحويين وسأذكر طرفا من ذلك لتصح الحال به.
 
ويحتج للشبه بين علل النحويين والكلاميين بما ذكره أبو إسحاق في سبب رفع الفاعل ونصب المفعول حيث قال: "إنما فعل ذلك للفرق بينهما، ثم سأل نفسه فقال  فإن قيل  فهلا عكست الحال فكانت فرقا أيضا قيل الذي فعلوه أحزم وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد وقد يكون له مفعولات كثيرة فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون فجرى ذلك في وجوبه ووضوح أمره مجرى شكر المنعم وذم المسئ في انطواء الأنفس عليه وزوال اختلافها فيه ومجرى وجوب طاعة القديم سبحانه لما يعقبه من إنعامه وغفرانه ومن ذلك قولهم إن ياء نحو ميزان وميعاد انقلبت عن واو ساكنة لثقل الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا أمر لا لبس في معرفته ولا شك في قوة الكلفة في النطق به وكذلك قلب الياء في موسر وموقن واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ولا توقف في ثقل الياء الساكنة بعد الضمه لأن حالها في ذلك حال الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا كما تراه أمر يدعو الحس إليه ويحدو طلب الاستخفاف عليه وإذا كانت الحال المأخوذ بها المصير بالقياس إليها حسية طبيعية فناهيك بها ولا معدل بك عنها."
 
يمكن القول بأن موضوعات الخصائص تدور حول القضايا التالية:
أ) ماهية اللغة وتعرفها وماهية الكلام والقول والإعراب.
ب) أصل اللغة ومبدئها وجمع اللغة وتوثيقها وحجيتها.
ج) موضوعات تتعلق مستويات الدرس اللغوي: الأصوات والاشتقاق والصرف والنحو.
 
موضوعات فقه اللغة في كتاب الخصائص
يجدر بنا في هذا المقام أن نفصل الكلام في قضايا فقه اللغة المشهورة التي وردت في الخصائص وهي كالتالي:
 
- تعريف اللغة:
- نجد في الخصائص أشهر تعريف للغة في الفكر العربي والإسلامي، وهو تعريف تناقله بعد ذلك اللغويون والأصوليون. يقول ابن جني: أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم هذا حدها، وأما تصريفها ومعرفة حروفها فإنها فعلة من لغوت أي تكلمت وأصلها لغوة ككرة وقلة وثُبَة كلها لاماتها واوات لقولهم كروت بالكرة وقلوت بالقلة، وقيل منها لغي يلغي إذا هذي ومصدره اللغا. وكذلك اللغو قال الله سبحانه وتعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما أي بالباطل وفي الحديث من قال في الجمعة صه فقد لغا أي تكلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:39 am

- مبدأ اللغات:
-  تعرض ابن فارس لمبدأ اللغات ولكن بشكل مقتضب أما ابن جني فقد ذكر النظريات الثلاث المتداولة بين مفكري عصره في باب بعنوان (باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح).
 
بدأ أولا ببيان صعوبة البحت في هذا الموضوع الشائك قائلا: "هذا موضع محوج إلى فضل تأمل." ثم بدأ بعد ذلك بإيراد رأي أهل الاصطلاح قائلا: غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف‏.‏ وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة. قالوا‏:‏ وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز من غيره وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله‏.‏ بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد ... فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومئوا إليه وقالوا‏:‏ إنسان إنسان إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا‏:‏ يد عين رأس قدم أو نحو ذلك‏.‏ فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيُّها وهلم جرا فيما سوى هذا من الأسماء والأفعال والحروف‏.‏ ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول‏:‏ الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد والذي اسمه رأس فليجعل مكانه سر وعلى هذا بقية الكلام‏.‏
 
ثم ذكر رأي القائلين بالتوقيف وحججهم:
 
إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يوماً‏:‏ هي من عند الله واحتج بقوله سبحانه‏:‏ ‏(‏وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا‏)‏ وهذا أيضاً رأي أبي الحسن على أنه لم يمنع قول من قال‏:‏ إنها تواضع منه‏.‏ على أنه قد فسر هذا بأن قيل‏:‏ إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات‏:‏ العربية والفارسية والسريانية والعبرية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهدهم بها‏.‏ وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به‏.‏
 
ثم بعد هذا يذكر رأي عباد بن سليمان الصيمري الذي يرى أن اللغة بدأت طبيعية عن طريق المحاكاة: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك‏.‏ ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد‏.‏ وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل‏.‏ 
 
ثم نراه أمام هذه الآراء المتباينة وغياب الأدلة القطعية يفصح عن تردده في هذه القضية قائلا: "واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول على فكري‏.‏ وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علي جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر‏.‏.. ثم أقول في ضد هذا‏:‏ كما وقع لأصحابنا ولنا وتنبهوا وتنبهنا على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا .. من كان ألطف منا أذهاناً وأسرع خواطر وأجرأ جناناً‏.‏ فأقف بين تين الخلتين حسيراً وأكاثرهما فأنكفيء مكثوراً‏.‏
 
- باب في الاشتقاق الأكبر
هذا موضع لم يسمه أحد من أصحابنا غير أن أبا علي رحمه الله كان يستعين به ويخلد إليه مع إعواز الاشتقاق الأصغر‏.‏ لكنه مع هذا لم يسمه وإنما كان يعتاده عند الضرورة ويستروح إليه ويتعلل به‏.‏ وإنما هذا التلقيب لنا نحن‏.‏ وستراه فتعلم أنه لقب مستحسن‏.‏ وذلك أن الاشتقاق عندي على ضربين‏:‏ كبير وصغير‏.‏ فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم كأن تأخذ أصلا من الأصول فتتقراه فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صيغه ومبانيه‏.‏ وذلك كتركيب ‏"‏ س ل م ‏"‏ فإنك تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه نحو سلم ويسلم وسالم وسلمان وسلمى والسلامة والسليم‏:‏ اللديغ أطلق عليه تفاؤلا بالسلامة‏.‏
 
وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته وبقية الأصول غيره كتركيب ‏"‏ ض ر ب ‏"‏ و ‏"‏ ج ل س ‏"‏ و ‏"‏ ز ب ل ‏"‏ على ما في أيدي الناس من ذلك‏.‏ فهذا هو الاشتقاق الأصغر‏.‏ وقد قدم أبو بكر رحمه الله رسالته فيه بما أغنى عن إعادته لأن أبا بكر لم يأل فيه نصحا وإحكاما وصنعة وتأنيسا‏.‏
 
وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه وإن تباعد شيء من ذلك عنه رد بلطف الصنعة والتأويل إليه كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد‏.‏
 
وقد كنا قدمنا ذكر طرف من هذا الضرب من الاشتقاق في أول هذا الكتاب عند ذكرنا أصل الكلام والقول وما يجيء من تقليب تراكيبهما نحو ‏"‏ ك ل م ‏"‏ ‏"‏ ك م ل ‏"‏ ‏"‏ م ك ل ‏"‏ ‏"‏ م ل ك ‏"‏ ‏"‏ ل ك م ‏"‏ ‏"‏ ل م ك ‏"‏ وكذلك ‏"‏ ق و ل ‏"‏ ‏"‏ ق ل و ‏"‏ ‏"‏ و ق ل ‏"‏ ‏"‏ و ل ق ‏"‏ ‏"‏ ل ق و ‏"‏ ‏"‏ ل و ق ‏"‏ وهذا أعوص مذهباً وأحزن مضطربا‏.‏ وذلك أنا عقدنا تقاليب الكلام الستة على القوة والشدة وتقاليب القول الستة على الإسراع والخفة‏.‏ وقد مضى ذلك في صدر الكتاب‏. لكن بقي علينا أن نحضر هنا مما يتصل به أحرفا تؤنس بالأول وتشجع منه المتأمل‏.‏
 
فمن ذلك تقليب ‏"‏ ج ب ر ‏"‏ فهي أين وقعت "للقوة والشدة‏."
 
منها جبرت العظم والفقير إذا قويتهما وشددت منهما والجبر‏:‏ الملك لقوته وتقويته لغيره‏.‏ ومنها رجل مجرب إذا جرسته الأمور ونجذته فقويت منته واشتدت شكيمته‏.‏ ومنه الجراب لأنه يحفظ ما فيه وإذا حفظ الشيء وروعى اشتد وقوى وإذا أغفل وأهمل تساقط ورذى‏.‏
 
ومنها الأبجر والبجرة وهو القوي السرة‏.‏
 
ومنه البُرج لقوته في نفسه وقوة ما يليه به وكذلك البَرج لنقاء بياض العين وصفاء سوادها هو قوة أمرها وأنه ليس بلون مستضعف
 
ومنها رجبت الرجل إذا عظمته وقويت أمره‏.‏ ومنه رجب لتعظيمهم إياه عن القتال فيه وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها بالرجبة وهو شيء تسند إليه لتقوى به‏.‏ والراجبة‏:‏ أحد فصوص الأصابع وهي مقوية لها‏.‏
 
ومنها الرباجي وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله قال‏:‏ وتلقاه رباجيا فخورا تأويله أنه يعظم نفسه ويقوي أمره‏.‏
 
واعلم أنا لا ندعى أن هذا مستمر في جميع اللغة كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر أنه في جميع اللغة‏.‏ بل إذا كان ذلك الذي هو في القسمة سدس هذا أو خمسه متعذرا صعبا كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبا وأعز ملتمسا‏. ‏بل لو صح من هذا النحو وهذه الصنعة المادة الواحدة تتقلب على ضروب التقلب كان غريباً معجباً‏.‏ فكيف به وهو يكاد يساوق الاشتقاق الأصغر ويجاريه إلى المدى الأبعد.
 
- إمساس الألفاظ أشباه المعاني 
يقصد ابن جني بعبارة (إمساس الألفاظ أشباه المعاني) محاكاة الألفاظ لمعانيها. وقد بين أنواع هذه المحاكاة:
 
(أ) محاكاة الصوت: من ذلك تسميتهم الأشياء بأصواتها كالخازباز لصوته والبط لصوته والواق للصرد لصوته وغاق للغراب لصوته وحنين الرعد.
 
(ب) محاكاة طبيعة الأحداث والأشياء: يقول: كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها‏. من ذلك قولهم‏:‏ خضم وقضم‏.‏ فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب‏. والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك‏.‏ فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب والقاف لصلابتها لليابس حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث‏.‏
 
ومن ذلك قولهم‏:‏ النضح للماء ونحوه والنضخ أقوى من النضح. قال الله سبحانه‏:‏ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ‏‏ فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف والخاء لغلظها لما هو أقوى منه‏.‏
 
(جـ) محاكاة الحركة: قال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان‏:‏ إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو النقزان والغلبان والغثيان‏. فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال‏.‏ ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه‏.‏ وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة والقلقلة والصلصلة والقعقعة والصعصعة والجرجرة والقرقرة‏.‏ ووجدت أيضاً الفَعَلى في المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة نحو البَشَكي والجَمَزي والوَلَقي.
 
(د) محاكاة قوة الأحداث أو كثرتها: ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا‏:‏ كسّر وقطّع وفتّح وغلّق‏.‏ وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل والعين أقوى من الفاء واللام وذلك لأنها واسطة لهما.
 
(هـ) محاكاة ترتيب الحدث: وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها وتقديم ما يضاهي أول الحدث وتأخير ما يضاهي آخره وتوسيط ما يضاهي أوسطه سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب‏.‏ وذلك قولهم‏:‏ (بحث‏).‏ فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض والثاء للنفث والبث للتراب‏. ومن ذلك قولهم‏:‏ شد الحبل ونحوه‏.‏ فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العقد ثم يليه إحكام الشد والجذب وتأريب العقد فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين ولاسيما وهي مدغمة فهو أقوى لصنعتها وأدل على المعنى الذي أريد بها‏.
 
- تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني
وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعاني‏.‏ وهذا باب واسع‏.‏
 
من ذلك قول الله سبحانه‏:‏ {‏‏أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي تزعجهم وتقلقهم‏.‏ فهذا في معنى تهزهم هزا والهمزة أخت الهاء فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين‏.‏ وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز‏.‏
 
ومنه العسف والأسف والعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها والهمزة أقوى من العين كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف‏.‏ فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين‏.‏
 
ومنه الجرفة وهي من ‏"‏ ج ر ف ‏"‏ وهي أخت جلفت القلم إذا أخذت جُلْفته وهذا من ‏"‏ ج ل ف ‏"‏ وقريب منه الجنف وهو الميل وإذا جَلَفت الشيء أو جرفته فقد أملته عما كان عليه وهذا من ‏"‏ ج ن ف ‏"‏‏.‏
 
ومن ذلك تركيب ‏"‏ ح م س ‏"‏ و ‏"‏ ح ب س ‏"‏ قالوا‏:‏ حبست الشيء وحمس الشر إذا اشتد‏.‏ والتقاؤهما أن الشيئين إذا حبس أحدهما صاحبه تمانعا وتعازا فكان ذلك كالشر يقع بينهما‏.‏
ومنه العَلْب‏:‏ الأثر والعَلْم‏:‏ الشقّ في الشفة العليا‏.‏ فذاك من ‏"‏ ع ل ب ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ع ل م ‏"‏ والباء أخت الميم
ومن ذلك العلز‏:‏ خفة وطيش وقلق يعرض للإنسان وقالوا العلوص لوجع في الجوف يلتوي له.
ومنه الغَرب‏:‏ الدلو العظيمة وذلك لأنها يغرف من الماء بها فذاك من ‏"‏ غ ر ب ‏"‏ وهذا من ‏"‏ غ ر ف ‏".‏
واستعملوا تركيب ‏"‏ ج ب ل ‏"‏ و ‏"‏ ج ب ن ‏"‏ و ‏"‏ ج ب ر ‏"‏ لتقاربها في موضع واحد وهو الالتئام والتماسك‏.‏ منه الجبل لشدته وقوته، وجبن إذا استمسك وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه أي قويته‏.‏
 
وقد تقع المضارعة في الأصل الواحد بالحرفين نحو قولهم‏:‏ السحيل والصهيل قال‏:‏
وذاك من ‏"‏ س ح ل ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ص هـ ل ‏"‏ والصاد أخت السين كما أن الهاء أخت الحاء‏.‏
ومنه قولهم سحل في الصوت وزحر، والسين أخت الزاي كما أن اللام أخت الراء‏.‏
 
ومن من مضارعة الأصلين: جلف وجرم فهذا للقشر وهذا للقطع وهما متقاربان معنى متقاربان لفظاً لأن ذاك من ‏"‏ ج ل ف ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ج ر م ‏"‏‏.‏
 
ومن مضارعة الأصول الثلاثة: ا‏:‏ صال يصول كما قالوا‏:‏ سار يسور‏.‏
وقالوا‏:‏ زأر كما قالوا‏:‏ سعل لتقارب اللفظ والمعنى‏.‏
وقالوا‏:‏ صهل كما قالوا‏:‏ صهل كما قالوا‏:‏ زأر‏.‏
ومنه غدر و ختل (وتدلان على الخفاء).
 
المزهر في علوم اللغة للسيوطي
المزهر وفقة اللغة : لم يذكر السيوطي صراحة أن هذا الكتاب في فقه اللغة، إذن ما هي مسوغات اعتباره من كتب فقة اللغة . هناك اعتباران وراء هذا:
 
1- مما يدل على أنه أحد كتب فقه اللغة هو أنه ضمن في مقدمته جزءاً من مقدمة ابن فارس في كتاب الصاحبي في فقه اللغة، يقول: "وقبل الشروع في الكتاب نصدر بمقالة ذكرها أبو الحسين أحمد بن فارس في أول كتابه فقه اللغة قال:  اعلم أن لعلم العرب أصلا وفرعا . . إلخ."
 
2- عند النظر في موضوعات هذا الكتاب نجد أبواباً كثيرة من موضوعات فقه اللغة التى عرفناها في كتاب الصاحبي أو في الخصائص فمثلاً هناك موضوع بداية اللغة، والاشتقاق، الترادف، والاشتراك اللفظي، والقياس. إذن لاشك أن السيوطي وضع هذا الكتاب وفي ذهنه أنه يضع كتاباً في فقه اللغة .
 
ترتيب المزهر:
- لقد اتبع السيوطي ترتيبا لطيفا "هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه واخترعت تنويعه وتبويبه وذلك في علوم اللغة وأنواعها وشروط أدائها وسماعها حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع وأتيت فيه بعجائب وغرائب حسنة الإبداع وقد كان كثير ممن تقدم يلم بأشياء من ذلك ويعتني في بيانها بتمهيد المسالك غير أن هذا المجموع لم يسبقني إليه سابق ولا طرق سبيله قبلي طارق وقد سميته بالمزهر في علوم اللغة."
 
موضوعات المزهر:
إن المزهر يتميز بتقسيم منهجي واضح بعكس الكتب السابقة. وهذا التقسيم متأثر بمنهج علماء الحديث. وهناك خمسة أقسام رئيسة:
 
(ا) اللغة من حيث الإسناد: في هذا القسم والذي يليه يظهر تأثير علم الحديث واضحا في المنهج والمصطلحات. يعدد السيوطي في مقدمته ثمانية أنواع من الموضوعات عائدة إلى إسناد اللغة، هي: (1) معرفة الصحيح الثابت، (2) معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت (3) معرفة المتواتر والآحاد (4) معرفة المرسل والمنقطع (5) معرفة الأفراد (6) معرفة من تقبل روايته ومن ترد (7) معرفة طرق الأخذ والتحمل (Cool معرفة المصنوع وهو الموضوع ويذكر فيه المدرج والمسروق.
 
(ب) اللغة من حيث الألفاظ: يشتمل على ثلاثة عشر نوعا: معرفة الفصيح، معرفة الضعيف والمنكر والمتروك، معرفة الرديء المذموم، معرفة المطرد والشاذ، معرفة الحوشي والغرائب والشوارد والنوادر، معرفة المهمل والمستعمل، معرفة المفاريد، معرفة مختلف اللغة، معرفة تداخل اللغات، معرفة توافق اللغات، معرفة المعرب، معرفة الألفاظ الإسلامية، معرفة المولد.
 
(جـ) اللغة من حيث المعنى: يتضمن ثلاثة عشر نوعا من الموضوعات: خصائص اللغة، معرفة الاشتقاق، معرفة الحقيقة والمجاز، معرفة المشترك، معرفة الأضداد، معرفة المترادف، معرفة الإتباع، معرفة الخاص والعام، معرفة المطلق والمقيد، معرفة المشجر، معرفة الإبدال، معرفة القلب، النحت.
 
(د) طرائف اللغة وملحها: يدخل تحته موضوعات مثل: معرفة الأمثال، معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات، معرفة الملاحن والألغاز.
 
(هـ) حفظ اللغة وضبط مفاريدها: ومنه معرفة الأشباه والنظائر.
 
(ز) رجال اللغة ورواتها: وأنواعه تتعلق بموضوعات مثل: معرفة آداب اللغوي، معرفة كتاب اللغة، معرفة التصحيف والتحريف، معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء، معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب.
 
أهمية كتاب المزهر: كتاب المزهر من أهم كتب اللغة بوجه عام ومن أهم كتب فقه اللغة بوجه خاص لأمور منها :
 
(1) اشتماله على أبحاث وافية تتعلق بعدد من موضوعات فقه اللغة, مثل: أصل اللغة، وظيفة اللغة، الاشتقاق، الاشتراك اللفظي، الأضداد، الترادف، القلب، الإبدال، النحت، وغيرها.
 
(2) اعتمد ترتيباً وتبويباً علمياً لطيفاً بناه منهج أهل الحديث، الأمر الذي جعل هذا الكتاب سهل المأخذ، واضح المنهج.
 
(3) اشتمل على آراء أخذت من مصادر متعددة من كتب اللغة والأصول والبلاغة والكلام. فمثلاً المجاز موضوع شائك لم يكتف فيه السيوطي بإيراد آراء اللغويين وإنما استقصى فيه الآراء المختلفة التي أدلى بها اللغويون والبلاغيون وأهل الكلام والأصوليون وغيرهم .
 
(4)  حفظ المزهر بين دفتيه كثيرا من المواد والآراء التي كانت جزءا من كتب قيمة فقدت في عصرنا الحاضر.
 
 
 
فقه اللغة وسر العربية للثعالبي
ذكرنا من قبل أن مفهوم الثعالبي لفقه اللغة يختلف عنه عند ابن فارس، فالثعالبي يراه فقها وفهما دقيقا متعلقا بالمفردات والفروق الدقيقة بين استعمالاتها.
 
فقه اللغة وسر العربية ينقسم على قسمين رئيسين:
الأول: هو فقه اللغة، والثاني: سر العربية.
 
القسم الأول يشتمل على ثلاثين باباً وكل باب يحتوي على عدد من الفصول. والناظر في القسم الأول يجد أنه يشبه معجماً مؤلفاً حسب ترتيب المعاني لا ترتيب الألفاظ حسب أوائلها أو أواخرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:39 am

أمثلة من القسم الأول (فقه اللغة)
 
في تَقْسِيم اللِّينِ
 
ثَوْبٌ لين
رِيح رُخَاء
رًمْح لَدْن
لَحْمٌ رَخْص
بَنَان طَفْل
شَعْر سُخام
غُصْن أُمْلُود
فِرَاشٌ وثِير
أرْضٌ دَمِثَة
بَدَن نَاعِمٌ
فَرَس خَوَّارُ العِنَانِ إذا كان ليِّنَ المَعْطَفِ.‏
 
في خِيَارِ الأشْيَاءِ
سَرَوَاتُ النَّاسِ
حُمْرُ النَّعَمِ
جِيَادُ الخَيْلِ
عِتَاقُ الطَّيْرِ
لَهَامِيمُ الرَجَال
حَمَائِمُ الإبِلِ ، واحِدُها: حَميمَة ، عَن ابْن السِّكِّيتِ
أحْرَارُ البُقُولِ
عَقِيلَةُ المَالِ
 
حُرُّ المتَاعِ والضِّيَاعِ.‏
فِيمَا لا خيْرَ فِيهِ مِنَ الأَشْيَاءِ الرَّدِيئَةِ والفُضَالات والأثْفَالِ
خُشَارَةُ النَّاسِ
خَشَاشُ الطَّيْرِ
نُفُايَةُ الدَّرَاهِمِ
قشَامَةُ الطَّعَام
حُثَالَةُ المائِدَةِ
حُسَافَةُ التَّمْرِ
قِشْدَةُ السَّمْنِ
عَكَرُ الزَيْتِ
رُذَالَةُ المَتَاعِ
غُسَالَةُ الثَيَابِ
قُمَامَةُ البيْتِ
قُلامَةُ الظُّفْرِ
خَبَثُ الحَدِيدِ.‏
في الخُلُوِّ مِنَ اللِّبَاسِ والسِّلاح
رَجُلٌ حَافِ مِنَ النَّعْلِِ والخُفِّ
عُرْيَان مِنَ الثِّيَابِ
حَاسِر مِنَ العِمَامَةِ
أَعْزَلُ مِنَ السِّلاحِ
أَكْشَفُ مِنَ التُّرْسِ
أَمْيَلُ مِنَ السَّيْفِ
أَجَمُّ مِنَ الرُّمْحِ
أَنْكَبُ مِنَ ا لقَوْسَ.‏
في خَلاءِ الأعْضَاءِ مِن شعُورِهَا
رَأْسٌ أَصْلَعُ
حَاجِب أَمْرَطُ وَأََطْرَطُ
جَفْن أَمْعَطُ
خَد أَمْرَدُ
عارِض أثَطُّ
جَنَاح أحَصُّ
ذَنَبٌ أجْرَدُ
بَدَن أمْلَطُ ،
قَالَ اللَيْثُ:
الأمْلَطُ الَّذِي لاَ شَعْرَ على جَسَدِهِ كُلِّهِ إلا الرأسَ واللِّحْيةَ، وكانَ الأحْنَفُ بنُ قَيْس أَمْلَطَ.‏
 
في الإشْبَاعِ والتَّأكِيد
أَسْوَدُ حَالِك
أبْيَض يَقِقٌ
أَصْفَرُ فَاقِعٌ
أخضَرُ نَاضِر
أَحْمَرُ قَانِئ.‏
فصل في الأولاَدِ
وَلَدُ الفِيلِ دَغْفَل
وَلَدُ النَّاقَةِ حوَارٌ
وَلَدُ الفَرَسِ مُهْر
وَلَد الحِمَارِ جَحْشٌ
وَلَدُ البَقَرَةِ عِجْل
وَلَدُ البَقَرَةِ الوَحْشِيَّةِ بَحْزَجٌ وَبَرْغَز
وَلَدُ الشّاةِ حَمَل
وَلَدُ العَنْزِ جَدْي
وَلَدُ الأسَدِ شِبْل
وَلَد الظَبيِ خَشْفٌ
وَلَدُ الأرْويَّةِ وَعْل وَغًفْر
وَلَدُ الضَّبُع فُرْعُلٌ
وَلَدُ الدُّبِّ دَيْسَمٌ
وَلَدُ الخِنْزِيرِ خِنَّوْص
وَلَدُ الثَّعْلَب هِجْرِسٌ
وَلَدُ الكَلْبِ جَرْو
وَلَدُ الفَأْرَةِ دِرْصٌ
وَلَدُ الضَّبِّ حِسْل
وَلَدُ القِرْدِ قِشَّةَ
وَلَدُ الأرْنَبِ خِرْنِق
وَلَدُ اليَبْرِ خِنْصِيصٌ ، عن الخارَزَنجي عَنْ أبي الزَّحْفِ التَّمِيميّ
وَلَدُ الحيّةِ حِرْبِشٌ
وَلَدُ الدَّجَاجِ فَرُّوجٌ
وَلَدُ النَّعامِ رَأْلٌ.‏
 
في تَقْسِيم الشفَاهِ
 
شَفَةُ الإنْسانِ
مِشْفَر البَعِيرِ
جَحْفَلَةُ الفَرَسِ
خَطْمُ السَّبُعِ
مِقَمَّةُ الثَّوْرِ
مَرَمَة الشَاةِ
فِنْطِيسَةُ الخِنْزِيرِ
في تَقْسِيمِ الثَّدْي
ثًنْدُؤَةُ الرَّجُلِ
ثَدْيُ المرْأةِ
خِلْفُ النَّاقَةِ
ضَرْعُ الشَّاةِ والبَقَرَةِ
طُبْيُ الكَلْبَةِ.‏
 
في ضربِ الأعْضَاءِ
 
الضَّرْبُ بالرَاحَةِ عَلَى مُقَدَّم الرّأْسِ صَقْع
وَعَلَى القَفَا صَفْع
وَعَلَى الوَجهِ صَكّ (وبِهِ نَطَقَ القُرْآنُ)
وَعَلَىَ الخَدِّ بِبَسْطِ الكَفِّ لَطمٌ
وَبِقَبْضِ الكَفَ لَكْمٌ
وَبِكِلْتَا اليَدَيْنِ لَدْم
وَعَلَى الذَّقَنِ والحَنَكِ وَهْز ولَهْزٌ
وَعَلَى الصَدْرِ والجَنْبِ بِالكَفِّ وَكْز وَلَكْز
وَعَلَى الجَنْبِ بالإصْبَعِ وَخْزٌ
وَعَلَى الصَّدْرِ والبَطْنِ بالرُّكْبَةِ زَبْن
وبالرِّجْل رَكْلٌ ورَفْسٌ
وَعَلَى العَجُزِ بالكَفِّ نَخْسٌ
وَعَلَى الضَرْعِ كَسْع
وَعَلى الاسْتِ بِظَهْرِ القَدَمِ ضَفْن.‏
 
في تَقْسِيمِ الرَّمْي بأشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ
 
خَذَفَه بالحَصَى
حَذَفَهُ بالعَصَا
قَذَفَهُ بالحَجَرِ
رَجَمَهُ بالحجَارَةِ
رَشَقَهُ بالنَّبْلِ
نَشَبَهُ بالنُّشَّابِ
زَرَقَهُ بالمِزْرَاقِ
حَثَاهُ بالتُّرابِ
نَضَحَهُ بالمَاءِ
لَقَعَهُ بالبَعْرَةِ .
 
قَالَ أبُو زَيْدٍ: وَلا يَكُونُ اللَّقْعُ في غَيْرِ البَعْرَةِ مِمّا يُرْمَى بِهِ ، إِلا أنَهُ يُقَالُ: لَقَعَه بِعَيْنِهِ إِذَا عَانَهُ أيْ: أصَابَهُ بِالْعَيْنِ.
 
في تَفْصِيلِ جَمَاعَاتٍ شَتّى
جِيلٌ مِنَ النَّاسِ
كَوْكَبَةٌ مِنَ الفُرْسَانِ
حِزْقَة مِنَ الغِلْمَانِ
حَاصِب مِنَ الرِّجَالِ
كَبْكَبَةٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ
لُمَّة مِنَ النِّسَاءِ
رَعِيل مِنَ الخَيْلِ
صِرْمَةٌ مِنَ الإِبِل
قَطِيعٌ مِنَ الغَنَمِ
عَرْجَلَة مِنَ السِّبَاعِ
سِرْب مِنَ الظِّبَاءِ
عِصَابَةٌ مِنَ الطَّيْرِ
رِجْلٌ مِنَ الجَرَادِ
خَشْرَمٌ مِنَ النَّحْلِ.‏
 
وأما القسم الثاني من كتاب الثعالبي وهو سر العربية فيشبه كتاب الصاحبي في موضوعاته، بل إنه نقل فصولا كاملة منه نحو: (فصل في النحت)، (فصل في الإشباع والتوكيد) (فصل نظم للعرب لا يقوله غيرهم ).
 
كتب على شاكلة فقه اللغة للثعالبي
 
المخصص لابن سيده
هناك من حذا حذوا الثعالبي، منهم من تابعه في المفهوم فقط ولم يؤلف كتاباً مثل ابن خلدون الذي لم يؤلف كتاباً في فقه اللغة ولكنه شرح مفهوم فقه اللغة قائلا: "ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظاً أخرى خاصة‏‏ بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحناً وخروجاً عن لسان العرب‏.‏ واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي."
 
وهناك من ألف كتاباً على طريقة الثعالبي ولكنه لم يسمه فقه اللغة وهو ابن سيده في كتاب المخصص، وهو أضخم قاموس موضوعي في العربية مؤلف من خمسة أجزاء ضخمة وقسم كل جزء إلى أسفار ذاكرا في كل سفر المفردات المتعلقة بموضوعاته الجزئية. ذكر في مقدمته هدفه من هذا المصنف: "تأملت ما ألفه القدماء في هذه اللسان المعربة الفصيحة وصنفوه لتقييد هذه اللغة المتشعبة الفسيحة فوجدتهم قد أورثونا بذلك فيها علوماً نفيسة جمة وافتقروا لنا منها قلباً خسيفةً غير ذمة إلا أني وجدت ذلك نشراً غير ملتئم ونثراً ليس بمنتظم إذ كان لا كتاب نعلمه إلا وفيه من الفائدة ما ليس في صاحبه ثم إني لم أر لهم فيها كتاباً مشتملاً على جلها فضلاً عن كلها"
 
ترتيب المخصص: ثم ذكر السبب الذي دعاه إلى ترتيبه حسب الموضوعات قائلا: " و[أنا] مُبَيّنٌ قبل ذلك لمَ وضعته على غير التجنيس بأني لما وضعت كتابي الموسوم بالمُحكَم مُجَنَّسا لأدُلَّ الباحث على مظنة الكلمة المطلوبة أردت أن أعدل به كتاباً أضعه مُبَوَّباً حين رأيت ذلك أجدى على الفصيح المدره والبليغ المُفَوَّه والخَطيب المصقع والشاعر المجيد المدقع فإنه إذا كانت للمسمى أسماء كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة تنقى الخطيب والشاعر منها ما شاءا واتسعا فيما يحتاجان إليه من سجع أو قافية على مثال ما نجده نحن في الجواهر المحسوسة كالبساتين تجمع أنواع الرياحين فإذا دخلها الإنسان أهوت يده إلى ما استحسنته حاستا نظره وشمه."
 
ثم بيّن ابن سيده مميزات منهج كتابه هذا فقال: "فأما فضائل هذا الكتاب من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجواهر والتقفية بالأعراض على ما يستحقه من التقديم والتأخير وتقديمنا كم على كيف وشدة المحافظة على التقييد والتحليل، مثال ذلك ما وصفته في صدر هذا لكتاب حين شرعت في القول على خلق الإنسان فبدأت بتنقله وتكونه شيئاً فشيئاً ثم أردفت بكلية جوهره ثم بطوائفه وهي الجواهر التي تأتلف منها كليته ثم ما يلحقه من العظم والصغر ثم الكيفيات كالألوان إلى ما يتبعها من الأعراض والخصال الحميدة والذميمة."
 
موضوع معجم المخصص: وفي نهاية مقدمته بين ابن سيده موضوع هذا المعجم الفريد: "وأما ما يشتمل عليه هذا الكتاب، فعلم اللسان... [وهو] في الجملة ضربان أحدهما: حفظ الألفاظ الدالة في كل لسان ... وذلك كقولنا طويل وقصير وعامل وعالم وجاهل والثاني: في علم قوانين تلك الألفاظ ...، وتلك القوانين كالمقاييس التي يعلم بها المؤنث من المذكر والجمع من الواحد والممدود من المقصور والمقاييس التي تطرد عليها المصادر والأفعال ويبين بها المتعدي من غير المتعدي واللازم من غير اللازم وما يصل بحرف وغير حرف وما يقضي عليه بأنه أصل أو زائد أو مبدل وكالاستدلالات التي يعرف بها المقلوب والمحول والاتباع."
 
نسيم السحر لأبي منصور الثعالبي
 
هو كتيب في اللغة للثعالبي نفسه مرتب بحسب المعاني. وإليك نماذج من أقسامه:
 
تقسيم الجودة، تقسيم الطول، تقسيم اللين ، تقسيم الشدة، تقسيم الكثرة، تقسيم القلة، تقسيم السعة، تقسيم الأصوات، تقسيم الكسر.
 
وعن اختلاف المأوى باختلاف صاحبه يذكر: "وطن الإنسان، عطن الإبل، إصطبل الدواب، زرب الغنم، عرين الأسد، وِجار الذئب والضبع، كناس الظبي، قرية النمل، نافقاء اليربوع، كور الزنابير، خلية النحل، جحر الضب والحية، عش الطائر، أُدحيّ النعامة، أُفحوص القطاة.
 
كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لإبراهيم الطرابلسي بن الأجدابي
 
قال المؤلف في مقدمته: "هذا كتاب مختصر في اللغة وما يحتاج إليه من غريب الكلام ، أودعناه كثيرا من الأسماء والصفات وجنبناه حوشي الألفاظ واللغات وأعريناه من الشواهد ليسهل حفظه، ويقرب تناوله."
وقد رتبه على أربعين بابا. منها:
باب ألقاب الإنسان في أطوار حياته.
با في ألوان الخيل وشياتها.
باب في المحالّ والأبنية.
باب النبات .
باب في الأطعمة.
 
وقد شرحه أبو عبدالله الصميلي الفاسي، والمرتضي الزبيدي، ونظمه شعرا الخويي، وجمال الدين الطبري، وشمس الدين الهواري وغيرهم. وطبع النهاية عدة طبعات في مصر ولبنان وسوريا .
 
 
 
الإفصاح في فقه اللغة
الإفصاح معجم موضوعي (أي مرتب حسب موضوعاته) وضعه في عصرنا عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى. وقد أسس مؤلفاه مادته على مادة المخصص لابن سيده. ولأن واضعيه أرادا منه معجما موضوعيا بحتا فقد قاما بحذف القسم الثاني من أقسام المخصص وهو المتعلق بالأمور الصرفية وهذا يعني حذف آخر الجزء الرابع وحذف الجزء الخامس من المخصص،. إضافة إلى ذلك اختصرا كثيرا من استطرادات ابن سيده، وأضافا في مواضع كثيرة مواد جديدة دخلت في معجم العربية الحديث. وظهر في مجلد واحد مما يقرب تناوله ويسهل استعماله.
شكرا للأستاذين:
فاضل تقي الله الذي سجل بعض هذه المحاضرات كتابة وعبد الله الرويلي الذي تفضل مشكورا بطباعتها. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)
أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:40 am

فقه اللغة - 2
 
 
  بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش
جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية
 
وسائل الاتصال غير الكلامية
برغم أن اللغة الصوتية هي الوسيلة الإنسانية الشائعة بين الأمم إلى حد أنه لم يثبت وجود شعب لا يستعمل اللغة الصوتية في الاتصال، إلا أن الإنسان يستخدم بجانب ذلك وسائل اتصالية غير كلامية، بعضها قد يصاحب الكلام وبعضها الآخر مستقل عنه.
 
(أ) الملابس والأزياء: وهي تستخدم للتعبير عن الأحوال النفسية كلبس الملابس البراقة والجديدة في الأعياد ومناسبات الزواج والفرح. وتُرتدى الملابس السوداء للتعبير عن الحزن على موت قريب أو صديق. وقد ترتدى ملابس خاصة في مناسبات دينية كارتداء الإزار والرداء في الحج. والملابس لها قيمة اجتماعية تنبيء عن انتماء الفرد إلى مجتمعه وتقاليده، وهي رمز للمحافظة، والتساهل فيها قد يكون مؤشرا للتمرد الاجتماعي. والملابس قد تنبئ عن وظيفة الفرد أو نوع نشاطه واهتماماته، فهناك ملابس خاصة للملوك والعسكر، وخدم المطاعم والفنادق، الأطباء والممرضين، وعمال الصيانة وغيرهم.
 
(ب) الرسوم والصور: لقد استخدم الإنسان الصور والرسم منذ عصور بعيدة جداً وقد وجدت على جدران الكهوف التي عاش فيها الإنسان القديم ودلت هذه الصور أنها لم تكن جمالية بحته وإنما كانت للاتصال وتبادل الرسائل مع أفراد جنسه. وفي عصرنا الحاضر أصبحت الصور لا غنى عنها في التعليم والإعلام. لذا يندر أن تخلو صحيفة أو مجلة منها. وأصبحت الصور التلفزيونية وخاصة الحية أقوى تعبيرا من الكلمة.
 
(جـ) الإشارات والإيماءات: قيل إن الإنسان يستطيع أن يصنع آلاف الإشارات عن طريق استعماله لكافة حواسه و أطرافة، حتى إن Paget ذهب إلى القول بأن اللغة الإنسانية بدأت بحركات إشارية ثم تطورت إلى صيحات تطورت إلى كلمات تصاحب تلك الحركات، ثم أصبح الإنسان بعد ذلك يعتمد على الصوت أكثر من الإشارات. واللغة الإشارية تبدأ منذ مراحل الطفولة الأولى، فصغير البشر يقرأ الغضب في وجه أبيه والاستحسان في وجه أمه قبل أن يفقه كلمة واحدة. والإشارة ضرورية لإيضاح الاتصال الكلامي. إن الكلمات المكتوبة لا تنقل إلا 7% من شعور الإنسان وموقفه، أما النطق فيرتفع فيه المردود إلى 38%، في حين أن تعبيرات الجسم تقفز بالرقم إلى 55% [1]. وقد وجد أولئك الذين حرموا نعمة السمع في اللغة الإشارية وسيلة تمكنهم من التعبير عن مشاعرهم وآرائهم. وقد أصبحت لغة الإشارة معترفا بها في كثير من دول العالم، يُنظر إليها على أنها اللغة الطبيعية الأم للأصم، بل لقد أصبح لدى المبدعين من الصم القدرة على إبداع قصائد شعرية ومقطوعات أدبية ، وترجمة الشعر الشفوي إلى هذه اللغة التي تعتمد على الإيقاع الحركي للجسد ولا سيما اليدين، فاليد وسيله رائعة للتعبير بالأصابع وتكويناتها، يمكنه أن يضحك ويبكي ، أن يفرح ويغضب ، كما يمكنه الغناء والتمثيل باليد ، بدلا من الغناء والتمثيل الكلامي ، وقد أطلق أحدهم شعار "عينان للسماع."[2]
 
(د) النار والدخان: استخدمت النار وسيلة للاتصال في المجتمعات القديمة، فالعربي يشعل النار ليبدي استعداده لاستقبال الضيوف، وقوة النار دليل على صدق كرم صاحبها وضعف النار أمارة على ضعف الجود والمروءة ، قال الشاعر يهجو:
 
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم     قالوا لأمهم بولي على النار
 
وقد استخدم اليونان النار وسيلة للاتصال السريع أثناء الحروب، حتى قيل إن أخبار سقوط طروادة نقلت من بلاد الأناضول إلى أثينا عن طريق إشعال سلاسل من النيران. والدخان أيضاً يستخدم إشارة لطلب النجدة أو للإعلام بمواقع التائهين في الجبال أو الغابات. ويستخدمه الهنود الحمر للاتصال.
 
(هـ) الطبول: يقال "دقت طبول الحرب" لأنها كانت تستخدم بعضهم استخدمها وسائل للإنذار من عدو داهم أو للدعوة لحشد الجنود والجيوش والناس للحرب والغزو. وتستخدم الطبول أيضا لإشهار الزواج والفرح. و فرق الموسيقى في الجيوش الحديثة تعطى إشارات معينة باستخدام الطبل وبعض الآلات المزمارية والنحاسية لتنفيذ تشكيلات معينة أثناء الاستعراضات العسكرية.
 
(و) البوق والصفارات والأجراس: يستخدم اليهود البوق للدعوة إلى صلواتهم، وتدق الكنائس أجراسها لدعوة أتباعها. والبوق أيضا أداة للإنذار قال تعالى (فإذا نفخ في الصور )، ونحن اليوم نستخدمه في السيارات لتنبيه المارة أو تنبيه قائدي السيارات الأخرى إلى تجاوزاتهم المرورية. والجيوش الحديثة تستخدم الأبواق لإصدار إشارات عسكرية تتعلق ببعض التشكيلات والتحركات الميدانية، ويذكر أن الجيش الأمريكي يستخدم 40 نوعاً من أصوات البوق كل منها له دلالة معينة. والصفارات أيضا تستخدم للاتصال عبر مسافات طويلة. ففي قرية Kusnoy كسنوي التركية يتبادل الناس الرسائل بواسطة الصفير بشكل ملفت للنظر، إلى درجة أنهم يتبادلون الشتائم والسباب في شكل أنواع من الصفير. وسكان  Gomeraغوميرا في جزر الكناري عرفوا بإسرافهم في استخدام الصفير وسيلة للاتصال بينهم عبر مسافة بعيدة. والصفارة يستخدمها العسس للإنذار والإشعار بوجودهم. ويستخدمها رجال المرور لتنظيم حركة السيارات في مناطق الاختناقات وتقاطع الشوارع. وحكام الرياضة ومدربوها يستخدمونها لتنظيم بداية الألعاب ونهايتها أو للتنبيه إلى الأخطاء التي يرتكبها المشاركون في هذه الألعاب.
 
(ز) أصوات غير لغوية: هذه الأصوات تستخدم لزجر الحيوانات أو حثها. منها مثلا: ده، جَه، لزجر الإبل، إسّ، هِسّ هج لزجر الغنم، وكخ لزجر الطفل. وقد تستخدم هذه الأصوات للتعبير عن الألم، مثل أح، أخ، أو الحزن والأسف أوّه آه ...الخ.
 
أنظمة الاتصال عند الحيوانات والحشرات
 
وسائل الاتصال عند الطيور:
تصدر الطيور أصواتاً مختلفة، منها ما تستخدمه لتحذير بعضها البعض، ومنها ما تعبر به عن مرحها ولعبها، وتصدر ذكور الطيور أصواتاً، تحذر بها غيرها من الذكور من الاقتراب من أعشاشها. كما تصدر أسراب الطيور أصواتاً معينة، عندما تهم بالهجرة، فيجتمع الآخرون لدى سماع تلك الأصوات للاستعداد للرحيل. أما العصافير، فهناك زقزقة النداء، التي يحدثها الذكر لاجتذاب الأنثى عند التزاوج، وزقزقة التحذير التي تحذر العصافير بها بعضها البعض، عند اقتراب الأعداء.
 
ومن أعجب أساليب التفاهم، هو أسلوب الحديث، بين الطائر الذي يسمى "الهادي إلى العسل"، والحيوان المعروف باسم "آكل العسل". فالأول منها يحب أكل يرقات النحل حين تكون كالدود، وآكل العسل مغرم بالعسل. فنرى الهادي إلى العسل، يطير مطوفاً في أنحاء الغابة، باحثاً عن شجرة فيها خلية نحل، ثم يرتد مسرعاً إلى "آكل العسل"، فيحوم فوق رأسه، صارخا: "سِرْ، سِرْ" ليقوم آكل العسل فيتبع أثر الطائر. ولما كان هذا الحيوان في حماية من جلده الكثيف الشعر، فلا يضره لسع النحل، فهو يهجم على الخلية، ويمزقها إرباً، ثم يجتمع هو والطائر على هذه المائدة الشهية .
 
وسائل الاتصال عند الحشرات:
لقد عكف العلماء، على دراسة ما وصفوه بلغة النحل، ولغة الحشرات، وكانت خلاصة مشاهداتهم، ورصدهم لها كالتالي:
 
لغة النحل
لما كان العمل الذي تؤديه النحلة محدوداً، ألا وهو صناعة العسل، وجمع المواد الأولية اللازمة له، وما يتبع ذلك من أعمال، فإنها لم تكن بحاجة في لغتها إلى ما يعبر عن أكثر من هذه المعاني، ولذلك فإن أهم ما يحتويه ما يمكن أن نسميه "قاموس لغة التفاهم" بين النحل، هو مفردات، تصلح للتشجيع على جلب الرحيق، والدلالة على مكان وجوده. وفيما عدا ذلك، فإن بقية الأعمال داخل الخلية، تتم بصورة آلية. أما إذا  ظهر عامل مفاجئ، كهجوم جسم غريب على الخلية، فتكفي الإشارة المعبرة عن ذلك. فالنحلة الجماعة للرحيق مثلاً، عندما تأتي إلى الخلية، وتفتح فمها، وتدلي لسانها على ذقنها، وتدفع نقطة الرحيق إلى قاعدة اللسان، بحيث تراها الشغالة، الصانعة للعسل؛ إنما تقف في وضع يغنيها عن الطلب من النحلات صانعة العسل، أن تأتي وتمتص الرحيق من فمها.
 
ولكن، كيف تكون اللغة بالنسبة للأمور التي هي أكثر تعقيداً؟ كالدلالة على بستان ممتلئ بالزهور، اكتشفته إحدى الشغالات؟ إن اللغة التي تستخدم هنا هي لغة الرقص، وهو نوعان:
 
أولاً : الرقص الدائري: إذا كانت المسافة التي تفصل مكان الرحيق، عن مكان الخلية لا تتجاوز خمسين مترا، فإن الشغالة تقف على أحد الأقراص الشمعية، وتقوم برقصات دائرية يميناً وشمالاً، ويراقبها باقي النحل، ثم يشاركها رقصاتها، ويدور معها حيث دارت، ثم يتجه الجميع مسرعين، لمغادرة الخلية والوصول إلى المكان الذي استمدت منه النحلة الأولى رحيقها. والشغالات يذهبن إلى المكان، وقد عرفنه جميعاً، دون أن يتبعن النحلة الأولى. والعجيب أن النحلة الراقصة لا تدل برقصها على المكان فحسب، بل إنها تعبر عن وفرة الرحيق، ومدى تركيز المواد السكرية فيه من خلال فترة الرقص، التي كلما ازدادت دل ذلك على زيادة كمية الرحيق، مما استدعى خروج عدد أوفر من الشغالات، يخرجن إلى ذلك النوع المحدد، ولا يضيعن الوقت في البحث بين الأنواع الأخرى.
 
ثانياً: الرقص الاهتزازي: عندما يكون مكان الرحيق أكثر من خمسين مترا، إلى 11 كم، تستخدم النحلة السارحة، الرقص الاهتزازي، وهو عبارة عن لفات تتناقص كلما بعدت المسافة، بحيث تكون سبع لفات عندما تكون المسافة 200 متر، وتكون 4.5 إذا كانت المسافة كيلومترا واحداً، بينما تكون لغتين إذا كانت المسافة 6 كم .
 
ولغة الرقص تحدد الاتجاه كذلك، فإذا كان رأس الشغالة إلى أعلى أثناء الرقص، فمعنى ذلك أن الرحيق في اتجاه الشمس، وإذا كان رأس الشغالة إلى أسفل فالاتجاه مضاد للشمس، وإذا كان مائلاً بزاوية 60ْ فمعنى ذلك أن الرحيق على زاوية 60ْ على يسار الشمس، وهكذا .
 
تعتمد الحشرات على حواس الشم، والرؤية، والسمع، في تفاهمها واتصالها، حسب البيئة والظروف التي تعيش فيها. فالجراد يعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، بينما غيره من الحشرات يعتمد على السمع، أو الشم، ويعتبر الرعاش، من الحشرات التي تعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، حتى أن البعض يطلق على الرعاشات، حشرات التجسس.
 
أمّا لغة الإشارات، والألوان، فهي شائعة في كثير من الحشرات، فمثلاً حشرة الصرصور المدغشقري العملاق، نجد الذكر منه يستخدم خمسة أنواع من الإشارات، للدلالة على العداء أو الصداقة أو التناسل، أو الجوع، أو العطش، وكل إشارة لها معناها الذي تفهمه بقية أفراد النوع. أما الفراشات، فتستخدم إناثها الألوان، وتوزيعها بطريقة معينة، حينما تلمحها الذكور تتجه إليها مباشرة. وتستخدم الحشرة النارية لغة الإضاءة، حيث تقبع الأنثى بين الأعشاب ليلاً، وترسل ومضات صوتية كل سبع وخمس ثوان، ويبادلها الذكر ومضات أخرى، ثم يتم اللقاء عقب ذلك، وكذلك الحال في الذبابة النارية .
 
وهناك اللغة الكيماوية، والتي تسمى في بعض الأحيان لغة الرائحة، وهي تعتمد على بث روائح معينة، أو فرز مواد معينة، أطلق عليها العلماء، اسم الفيرمونات، وهي شائعة بين النمل، والنحل، وعديد من الحشرات حرشفية الأجنحة، مثل الفراشات. وتستخدم الفيرمونات، ليتم التعارف بين الأنواع، حيث تنتشر الفيرمونات في الجو، أو على سطح الماء. وكل مستعمرة لها رائحة خاصة، وفي خلايا النحل، مثلاً، عندما يوجد عابر سبيل، أو جنود من مستعمرة أخرى، لها رائحة مختلفة، فإنهم يتعرضون للمقاومة الشرسة. كذلك عندما يقترب غريب من مستعمرة النحل، تلسعه إحدى الشغالات، ثم بعد فترة قصيرة، تنضم مجموعات أخرى من الشغالات، تشاركن في الهجوم عليه، وذلك لأن الشغالة الأولى، قامت بإفراز رائحة خاصة، دلت الأخريات على وجود غرباء وأنهن لابد أن يسارعن بالمشاركة في التصدي له .
 
وهناك لغة اللمس: حيث نجد كثيراً من الحشرات، مزودة بشعيرات خاصة تكتشف بها الظروف المحيطة بها، وحيوان الأرضة، يستخدم شعيرات اللمس، للتعرف على الأماكن، مثل إجراء بناء أماكن خاصة لها. ونجد الذكر في ذبابة الفاكهة، يتعرف على الأنثى عن طريق اللمس .
 
وسائل الاتصال عند الحيوان
أورد كثير من العلماء المتخصصين، في علوم الحيوان، صوراً من أساليب التفاهم بين الحيوانات والطيور، ونختار أمثلة لبيان تلك الأساليب التالية:
 
اللغة المرئية، وذلك بأن يأتي الحيوان بمجموعة حركات، لها معناها عند بقية الحيوانات من جنسه، كهز الذيل، وتحريك قرون الاستشعار. فمثلاً الفيلة، تُحيِّي بعضها البعض، عند لقائها في الغابة برفع الخرطوم إلى أعلى، وبعد التعارف وتجاذب أطراف الحديث يودع بعضهم بعضاً برفع إحدى الساقين الأماميتين، والانحناء إلى الأمام قليلاً، والخراف تلعب ،وتمرح، وتتفاهم، أثناء اللعب بهز أذيالها بحركات مختلفة، وكذلك الكلاب .
 
المحادثة الصامتة، أو اللغة الكيماوية، وذلك عن طريق إنتاج روائح خاصة وبثها في الهواء، فمثلاً. في حالة حيوان الأرضة، يقف الحراس عند باب مملكتهم، وعند دنو خطر ما من باب المستعمرة، يقوم هؤلاء الحراس، بإفراز مادة كيماوية، لها رائحة مميزة، فيقوم باقي الأفراد بالاستعداد للدفاع.
 
والذئب إذا زاد طعامه عن حاجته، دفن جزءاً منه في التراب، وخلف هناك شيئاً من رائحته، عالقاً بالمكان، فيفهم سائر الذئاب فحوى رسالته حق الفهم. والكلاب كذلك تدور بينها أحاديث لا تنقطع عن طريق الشم .
 
اللغة المسموعة، وذلك عن طريق موجات الصوت، التي تنتقل في الهواء، أو تحت الماء بين الأسماك، لتحذر بعضها البعض، عند حدوث الأخطار. فأسراب الأسماك في البحار والمحيطات، تقوم بإصدار تلك الأصوات، عن طريق مثانات هوائية، بداخل أجسامها، وتعمل هذه المثانات عمل الطبول. هذا إلى جانب حركات وإشارات، تعتمد عليها الأسماك خصوصاً في مواسم التزاوج.[3] والدلفين ينتج أنواعاً من النباح والصفير والطقطقه وأصوات فوق صوتية وتحت صوتية لا تستطيع الأذن الإنسانية سماعها.
 
والضفادع زودها الله بأكياس تحت ذقونها، تملؤها بالهواء، وعند مرور هذا الهواء، فإنه يصطدم بالحبال الصوتية، محدثاً "النقيق"، كأسلوب للتفاهم بين الضفادع.
 
وأمّا الحصان، فإن الأم تصدر صوتها، "الصهيل"، فنرى صغارها تسرع إليها على الفور.
 
والدببة كذلك، تتحدث فيما بينها، ونرى الدبة الأم عند دنو خطر ما، تأمر صغارها بالهرب، وتسلق الأشجار ليكونوا في مأمن من الأعداء، ثم إذا شعرت بالأمان، ضربت بكفها جذع الشجرة، فيسرع صغارها بالنزول. كما تصدر القردة أصواتاً متنوعة، ويجتمع أفرادها، يتجاذبون الحديث بهذه الأصوات .
 
هذا دفع عدداً من علماء النفس واللغة إلى محاولة تعليم اللغة الإنسانية لبعض الحيوانات وكان التركيز على الشمبانزي فقاموا بمحاولة تعليمة:
 
لقد حاولوا أن يعلموه ألفاظاً ينطقها لكن التقارير تقول إنه تعلم معاني عددا من الكلمات لكنه فشل في النطق بها لأن تركيب فكيه لا يسمح له بنطق أصوات إنسانية.
 
فعمدوا إلى تعليم قردة لغة الإشارة وذكر إنهم استطاعوا أن يعلموها ما يقارب مئة كلمة، وزعم أنها أصبحت تركب جملاً بسيطة من الإشارات، بل ذهبوا إلى القول بأنها اخترعت كلمات وإشارات من ذاتها.
 
وحاول آخرون أن يعلموا قردا كلمات عن طريق الأشكال ولاستبعاد عامل المحاكاة حاولوا أن لا تكون هناك علاقة محاكية بين الشكل والمعنى وزعموا أنه تعلم عدداً من الكلمات وأنتج عن طريقها عددا من التركيبات.
 
وقد شكك بعض العلماء) في هذه التجارب قائلين إنها تقوم لا تقوم بذلك طواعية بسبب التقليد أو الترغيب أو الرهبة.
 
الفرق بين اللغة الإنسانية ووسائل الاتصال عند الحيوان
 
ليس بين الحيوانات والحشرات من يظهر استخداما مقصودا وذكيا للرموز والإشارات كما نرى في النشاط اللغوي الإنساني. 
 
يقول كلاينبيرغ Klineberg إن الفرق الجوهري بين لغة الإنسان ووسائل الاتصال غير البشرية هو أن الحيوانات والحشرات لا تستطيع التعبير إلا عما هو حاضر وآني، لأنها تصدرها على أنها رد فعل لحالة انفعالية حاضرة ولا تفيد معان رمزية أو مجردة. لذا فالإنسان فريد في المملكة الحيوانية لامتلاكه لهذه الوسيلة التي استطاع بها أن يحرر نفسه من سجن الحاضر.
 
ويقول فندريس Vedryes: إن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة لشئ آخر كما يستخدمه الإنسان، وإنما يستخدمه ردة فعل انعكاسية. وهناك فرق بين استخدام الصوت علامة وبين استخدامه ردة فعل لأن الأول يمكن التعبير به عن الأشياء في حال غيابها، وأما الثاني فتعبير مرتبط بالحاضر ويقابل حالات نفسية خاصة من فرح ورعب ورغبة.[4]
 
ويبين نوعام تشومسكي Noam Chomsky اللغوي والنحوي المشهور: إن هناك منطقة خاصة باللغة في مخ الإنسان وهي جزء من التركيبة الوراثية له، وهي كما يبدو وراء القدرة على استغلال مجموعة محدودة من القواعد لتأليف ما لنهاية له من الجمل، الأمر الذي لا نجده عند أي جنس من المخلوقات الأخرى. ويعتقد تشومسكي أن هذه الخاصية هي الأمر المهم عند المقارنة بين وسائل الاتصال عند الإنسان وتلك التي نجدها عند الحيوان.
 
استخدام الصوت وسيلة للاتصال بدلاً من الإشارة وغيرها
يقول فخر الدين الرازي كان يمكن للناس أن يستعملوا غير الصوت للتعبير، كالحركات المخصوصة بأعضاء الجسم، ولكنهم وجدوا الأصوات المتقطعة أولى من غيرها لوجوه:
 
1- إدخال الصوت إلى الوجود أسهل من إدخال غيره لأنه يتولد في كيفية مخصوصة قي إخراج النفس وذلك أمر ضروري فصرف ذلك الضروري إلى وجه ينتفع به أولى من تكلف طريق آخر قد يشق على الإنسان الإتيان به.
2- الصوت كما يدخل في الوجود بسهولة بنقضي بمجرد استعماله وأما سائر الأمور الأخرى فإنها قد تبقى، وربما يطلع عليها من لا يراد إطلاعه عليها.
3- الصوت قابل للإشارة إلى المعدوم والغائب وغير المرئي وأما الإشارة فإنها قاصرة عن ذلك.
4- الصوت يمكن الإشارة به إلى المعاني المتعددة المرتبطة بشيء واحد، فيمكن الإشارة إلى لون التفاحة أو طعمها بينما يتعذر ذلك بالإشارة.
5- الصوت يمكن استعماله في الظلام ومن وراء حجاب بينما الإشارة لا يمكن استخدامها إلا مع وجود النور وإمكان الرؤية.
 
ويمكننا أن نضيف إلى ما تقدم بأن الإنسان القديم كان مهدداً بأنواع من المهالك والأخطار من حيوانات وحشرات التي كان أكثرها تدب في الليالي الحوالك وكان يحتاج إلى وسيله اتصال تمكنه من طلب النجدة والعون فلو كان لا يستخدم الصوت وهو في أمس الحاجة إلى الاتصال لانقرض النوع الإنساني منذ زمن بعيد، أي إن امتلاك اللغة الصوتية كان أحد أسباب استمراره وبقائه.
 
تعريف اللغة:
ابن جني: عُرف العرب في علومهم باهتمامهم بالتعريف والحد ولكننا لا نجد تعريفا للغة قبل القرن الرابع الهجري عندما عرفها ابن جني في خصائصه قائلا: هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم .
 
وذكر أنها أصلها لغوة ككرة وقلة وثُبَة كلها لاماتها واوات لقولهم كروت بالكرة وقلوت بالقلة، وقيل منها لغِي يلغي اذا هذي ومصدره اللغا. وكذلك اللغو قال تعالى (وإذا مروا باللغو مروا كراما) أي بالباطل وفي الحديث من قال في الجمعة صه فقد لغا أي تكلم.
 
وعرفها ابن خلدون في مقدمته: " اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصودة."
 
وابن الحاجب: كل لفظ وضع لمعنى. وابن الحاجب هنا يساوي اللغة بمفردات اللغة.
 
وقد حاول تعريف اللغة مئات العلماء من اجتماعيين وفلاسفة ولغويين، ومن أفضل تعريفاتها تلك التي قدمها:
 
فندريس Vedryes: إن أعم  تعريف للغة هي "أنها نظام من العلامات." هذا التعريف يخرج الأصوات التي ينتجها الحيوان لأن الفارق بين لغة الإنسان والحيوان أن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة، ولكن هذا تعريف عام لأنه ليس كل نظام من العلامات يعتبر لغة. فالإشارات المرورية الضوئية نظام ولكنها ليست بلغة، وكذلك الإشارات الموسيقية وما أشبهها، وقد أغفل من التعريف أهم سمات اللغة وهي مادتها الصوتية.
 
سابير Sapir: أنثربولوجي ولغوي معروف، وضع تعريفاً للغة على النحو التالي: "اللغة وسيلة إنسانية محضة وغير غريزية لإيصال الأفكار والعواطف والرغبات عن طريق نظام من الإشارات المقصودة". يخرج هذا التعريف أصوات الحيوانات والأصوات غير الكلامية التي يصدرها الإنسان، كالبكاء والسعال و"آه" و "أوّه" و"أف" وغيرها لأنها ليست أجزاء من نظام وبعضها غير مقصودة مثل الضحك والبكاء والسعال.
 
كاتز Katz: اللغة: "وسيلة للاتصال ذات عناصر مركبة نحوياً وموجدة صوتياً لنقل رسائل مفيدة من متكلم إلى آخر." هذا التعريف يأخذ في الاعتبار النظريات والآراء التي أصبحت متداولة في هذا الحقل وخاصة نظريات دي سوسير. فقد ميز أمرين مهمين في اللغة (1) النظام اللغوي وهو القواعد النحوية والصرفية والمعجمية الفطري منها والمكتسب المخزونة بالذاكرة، (2) استعمال هذه القواعد وهذا النظام لإنتاج رسائل مسموعة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:40 am

 
سمات وخصائص اللغة الإنسانية
للغة الإنسانية خصائص وسمات تميزها عن غيرها من وسائل الاتصال سواء الإنسانية الأخرى أو الحيوانية، وقد ذكر علماء اللغة منها:
 
1- الاصطلاحية:
وتعني عدم وجود علاقة مفروضة بين الكلمة ومعناها. ربما يكون هناك محاكاة صوتية في بعض الكلمات ولكنها ليست إجبارية ولا نستفيد المعنى بناء على تلك المحاكاة. إن اللغة لها الحرية في وضع أي لفظ لأي معنى بشرط أن يصطلح عليه أهل اللغة. وهذه الخاصية لها تأثير كبير في إثراء اللغة ومرونتها ولو كانت علاقة المحاكاة مشروطة لأصبح الإنسان مقيداً واللغة مكبلة ولعجزنا عن وضع كلمات محاكية لمعان كثيرة. ولغة الحيوانات ليست اصطلاحية لأنها تولد وهي مزودة بنظام اتصال غريزي. لذا نظامها جامد وهذا يترتب عليه صغر النظام وجموده.
 
2- الازدواجية:
(تعدد المستويات) نظام الاتصال عند الإنسان مكون من عدد من المستويات:
 
(أ) المستوى الأول، وهو المستوى الصوتي (في العربية 28 حرفا، و3 حركات قصيرة، و 3 حركات طويلة، ليصبح المجموع 34 صوتا.
(ب) المستوى الثاني وهو المستوى المعجمي والصرفي وهو الذي نستطيع به إيجاد مئات الآلاف من الكلمات المركبة من عناصر المستوى الأول.
(ج) المستوى الثالث، وهو المستوى النحوي، الذي يمكننا عن طريق استخدام عناصر المستوى السابق ووفق قواعد معينة إنتاج ما لانهاية له من العلامات في شكل جمل.
 
3- الإنتاجية:
وهي أوضح سمات اللغة الإنسانية. هذه الخاصية هي التي تجعل الإنسان قادرا، بواسطة قواعد محدودة ومخزون ضخم من العلامات، على إنتاج عدد غير محدود من الجمل و فهم عدد لانهائي منها حتى وإن لم يكن قد سمعها من قبل. بينما الحيوان لا ينتج من الرسائل إلا ما هو موجود في نظامه الاتصالي. هذه الميزة جعلت اللغة الإنسانية متكيفة مع الظروف والأحوال، بعكس الحيوان فنظامه مغلق جامد غير متكيف ومما يثبت ذلك التجربة التي قام بها فريش الذي كان معجبا بنظام الاتصال عند النحل، ولكن تجربة معينة قام بها جعلته يكتشف أن نظام الاتصال عند النحل نظام لا يتمتع بالإنتاجية والابتكار ولا يستطيع التكيف مع الظروف والمتغيرات.
 
لقد قام الألماني  Frischفريش بوضع خلية نحل تحت برج للاتصالات وأخذ من هذه الخلية عشر نحلات أطلعها على رحيق وضعه في أعلى البرج ثم أطلقها لتعود تخبر بقية الخلية عن جهة الغذاء وبعد مسافته. عادت النحلات إلى الخلية. بعد ذلك رأى عجباً لقد انطلق النحل من الخلية وأصبح يدور حول البرج مدة أربع ساعات ولم تصعد نحلة واحدة إلى الرحيق فأستغرب ذلك ووصل به تحليله إلى أن نظام الاتصال عند النحل نظام جامد غير متكيف مع الأحوال، لأن هذا النظام ليس به علامات تشير إلى "فوق" و"تحت." فعجز أن يتخطى هذه العقبة ويطور هذا النظام كما يصنع الإنسان.
 
4- إمكانية الإشارة إلى البعيد:
استخدام الإنسان للصوت علامة مكنه من الخروج من سجن الحاضر فأصبح يستطيع أن يشير إلى البعيد زمانا أو مكانا. فهو قادر على الإشارة إلى أشياء تبعد عنه آلاف الأميال كبرج أيفل ، سور الصين، الأهرام ، ومرتفعات الهملايا ...الخ، وأن يتحدث عن أمور حدثت منذ قرون كمعركة ذي قار وبدر وحطين وهي بعيدة زماناً ومكاناً. أما الحيوان فهو مسجون في الحاضر لا يستطيع التعبير إلا عما هو آني وواقع.
 
5- إمكانية المراجعة:
بإمكان الإنسان أن يؤلف كلاماً من عنده وأن يراجع ويتفقد درجات وضوحه أو غموضه ويدقق فيها وأن يعدل فيه ويحسن من صورته وجماله بعكس الحيوان الذي لا يستطيع أن يفكر في رسائله الاتصالية لأنها جاهزة سلفا وجامدة وغير قابلة للتغيير.
 
6- التعبير عن اللاحسي:
أي المجرد والمعنوي والوهمي والغيبي. فهناك كلمات تدل على الجنس لا الفرد مثل أسد، بقرة، كرسي، وهناك كلمات تدل على أمور معنوية نحو الصدق والكرم، وأخرى تدل على أمور غيبية كالملائكة والجنة وجهنم، أو وهمية نحو الرخ والغول وعروس البحر والسعلاة.
 
7- التوريث الثقافي لا التوريث النوعي:
نحن نعلم صغارنا اللغة عن طريق التلقين والاحتكاك، وإن لم يعيشوا بيننا وعاشوا في مجتمعات لغوية أخرى نجدهم يتعلمون لغة تلك المجتمعات. هذا هو التوريث الثقافي. أما التوريث النوعي فهو ما نلمسه عند الحيوان، فصغاره تولد وهي مزودة بنظام الاتصال عند نوعها.
 
اللغة والكلام
يفرق علماء اللغة المحدثون بين طبيعتين للغة الإنسانية هما: اللغة (النظام اللغوي) language والكلام  .speechويعود الفضل في هذا التفريق بينهما إلى عالم اللغة السويسري دي سوسير، الذي يقول للغة وجهان (أي وجهان لعملة واحدة ):
هما 1- اللغة (النظام اللغوي) 2-الكلام، وبين الاثنين فروق:
 
اللغة (النظام اللغوي)
 
اللغة (النظام اللغوي)
الكلام
1- نظام من الإشارات مخزون في الذاكرة .
1- استخدام تلك الإشارات لفهم رسالة أو لإنتاجها بواسطة شخص معين في مكان وزمان معينين.
2- اللغة موجودة في حالة من الإمكان أي وجود بالقوة لأنها غير متحققة على الواقع وإذا تحققت أصبحت كلاماً. والمخزون في الذاكرة هو انطباعات الأصوات الناتجة عن حركة أعضاء النطق أو اهتزاز طبلة الأذن. بالإضافة إلى قدرات فطرية وقواعد صرفية ونحوية ومخزون من المفردات.
2- الكلام إيجاد بالفعل.
3- اللغة تسمو فوق الفرد، إنها ملك للمجتمع الذي اختار هذا النظام للتفاهم بين أفراده. ولا يمكن أن تكون أداة اتصال إلا إذا كان يمتلكها جميع أفراد المجتمع الكلامي.
3- الكلام استخدام اللغة من قبل شخص معين، أي إنه فعل فردي.
4-اللغة يتلقاها الفرد بشكل سلبي منذ صغره وحتى شيخوخته ولا يملك من أمرها شيئاً ولا يستطيع أن يغير فيها شيئاً.
4- الفرد سيد كلامه، له الحق في الكلام أو السكوت. له الخيار في استخدام أساليب بلاغية في حدود قواعد اللغة وله الحق في تأليف الكلام حسب المقام ومقتضى الحال. ويمكنه الجهر بكلامه أو الهمس به. 
5- اللغة ثابتة ذات طبيعة جامدة لأنها قواعد محفوظة في الذاكرة بحسب طبيعتها العقلية السيكولوجية.
5- الكلام ذو طبيعة متلاشية فبمجرد انتهائك لفظ عبارة ما ينتهي الكلام بحكم طبيعته الفيزيائية غير الباقية.
6- اللغة ذات طبيعة سيكولوجية نفسية لأنها قواعد مخزونه في الذاكرة.
6- الكلام ذو طبيعة سيكولوجية (نفسية) لأنه علامات مرتبطة بمعان معينة، وذو طبيعة فيزيائية (طبيعية) لأنه
 
الكفاية والأداء
فرق تشومسكي اعتماداً على آراء دي سوسير في اللغة والكلام بين نوعين من القدرات اللغوية، هما الكفاية competence و الأداء performance والفرق بين تصوري الرجلين هو أن دي سوسير يرى الكفاية اللغوية مخزونة في العقل الجمعي وأما تشومسكي فيرى أنها مخزونة في عقل الفرد.
 
المقدرة اللغوية ( الكفاية )
الأداء اللغوي
الكفاية هي القواعد التي يمتلكها الشخص عن لغته وهي إما (1) قوالب وقدرات فطرية يولد الشخص مزودا بها أو (2) قواعد صوتية ونحوية اكتسبها من خلال احتكاكه بأفراد مجتمع كلامي معين.
استخدام القدرة اللغوية في موقف معين بواسطة متكلم معين. والأداء يتأثر بالظروف المصاحبة للكلام كالتعب والضوضاء والدواعي الأسلوبية والجمالية للكلام
 
الفرق بين الجملة  والتعبير
التفريق بين الكفاية والأداء يؤدي إلى التمييز بين الجملة sentence المرتبطة بقواعد الكفاية و التعبير utterance  المتعلق بالأداء.
 
الجملة
التعبير
1- هي هيآت مجردة وقواعد مخزونه في الذاكرة.
2- جزء من النظام اللغوي
3- بعض الجمل قد لا يتحقق كتعبير مقبول نحو: "دارك تحترق مع أني لا أعتقد ذلك."
4- الجملة غير مرتبطة بزمن معين أو مكان أو ظرف محدد.
1- حدث كلامي معين.
2-جزء من الأداء.
3-التعبيرات المقبولة لا يعني بالضرورة أنها تحقق كامل للجمل النحوية الصحيحة.
4-مرتبط بزمان معين وشخص معين.
 
 
وظائف اللغة
ليس للغة وظيفة واحدة، فهناك وظائف كثيرة بعضها يمكن تمييزه وكثير ربما يكون غامضا، تبعا للقصد من الكلام والظروف التي قيل فيها. وهذه الوظائف ربما تكون أكثر وضوحاً عندما نربطها بكيفية نقل الرسالة من متكلم إلى آخر. فعند أي محادثة يوجد هناك دائماً عدد من العناصر المؤلفة لظروف الكلام.
 
1- المتكلم: وهو المرسل
2- المخاطب: وهو المتلقي وقد يكون معينا أو غير معين.
3- قناة: متخيلة أو حقيقية.
4- رسالة : ترسل عبر القناة وهذه الرسالة تحمل موضوعاً.
5- موضوع: تحمله الرسالة.
 
     اللغة العربية - الماضي والحاضر Comment6-2-3
 
 
ووظائف اللغة ترتبط بهذه العناصر وتختلف باختلافها وقوة التركيز على أيّ منها دون الأخريات.
 
1-الوظيفة التعبيرية:
هي استخدام اللغة للتعبير عن مشاعر المتكلم وعواطفه ومواقفه من الآخرين والحالات الراهنة. ويكون التركيز فيها على المرسل. تتميز اللغة هنا: (1) بالتعبير عن المشاعر والاعتماد على الكلمات التقييمية مثل: هذا أمر قبيح (القبح أمر نسبي)، فلان خائن، هو شهم. (2) استخدام الكلمات الإيحائية، مثلاً: وجب جهاد العدو الصهيوني. وقام مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين باقتحام مركز للعدو الصهيوني في عملية استشهادية. فالكلمات التي تحتها خط تنبيء عن موقف المتكلم لقيمتها الإيحائية، ولكن لو قيل قام مجموعة من الشبان الفلسطينيين باقتحام مركز إسرائيلي في عملية هجومية فإن  هذه الجملة غير تعبيرية لأنها تخلو من التعبيرات التي توحي بموقف المتكلم.
 
وتستخدم الوظيفة التعبيرية في مواقف معينة مثل الشجب والاستنكار والاعتذار والشكر والمدح والتعزية والتعجب.
 
2- الوظيفة العملية:
هي استخدم اللغة مقام الفعل، وهذا يظهر في عبارات إمضاء العقود والمعاملات والزواج والطلاق وإصدار الأحكام والتسمية. نحو قولك: زوجتك بنتي فلانة، أو: وهبتك هذه الدار، وأنت طالق. فهذه العبارات تقوم مقام الفعل ويترتب عليها أمور قضائية ودينية واحتماعية.
 
3- الوظيفة الاجتماعية:
هي التي يراد منها فتح قنوات الاتصال بين الناس وتوثيق الصلات بينهم. هذه الوظيفة ليس الهدف منها نقل المعلومة بالدرجة الأولى بل توثيق الروابط الاجتماعية، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعة يكره الصمت ويفضل التواصل، لذلك لا بد أن يستخدم هذه الوسيلة لتحقيق ذلك. وهذا يتأتى من خلال ثلاثة أمور:
 
1- فتح قنوات الاتصال بينه وبين الآخرين، ويكون ذلك عن طريق:
(أ) عدد من أساليب التحية (ب) السؤال عن الطقس والأحوال المعيشية، (جـ) الكلام عن الظرف أو الحال الراهنة التي يوجد فيها مع غيره.
2- المحافظة على سلامة القناة الاجتماعية عن طريق تشجيع المتكلم على الحديث أو حثه على الاستماع.
3- إغلاق قناة الاتصال بطريقة مقبولة اجتماعياً مثل "سلم لي على والدك" أو "هل توصينا بخدمة،" أو "أستأذنك الآن،" "مع السلامة".
 
4- الوظيفة الإعلامية:
وهي استخدام اللغة لنقل الحقائق ووصف الوقائع بطريقة موضوعية مجردة عن الرأي الشخصي والانفعالي للمتكلم، في مثل قولنا: (قام مجموعة من الشبان الفلسطينيين بمرمي مجموعة من الجنود الإسرائليين بالحجارة) فهذه الجملة يغلب عليها الطابع الموضوعي الحيادي. وكثيرا ما تبرز هذه الوظيفة في الأخبار الصحفية وفي الشهادات القضائية. وتظهر أيضا في اللغة الإرشادية ولغة العلوم والتاريخ والقانون.
 
5- الوظيفة الجمالية:
تتضح هذه الوظيفة في الفنون الأدبية كالشعر والقصة والمسرحية. ففي هذه الفنون يكون الاحتفاء بشكل الرسالة وجمالها أكثر بروزا من موضوعها. ففي القصيدة مثلا يكون الاهتمام بالوزن والقافية والصور الشعرية والمحسنات البديعية إلى درجة قد تؤدي إلى التساهل في النواحي النحوية والصرفية.
 
6- الوظيفة التوجيهية (التأثيرية):
هي استخدام اللغة للتأثير في سلوك الآخرين ومواقفهم وآرائهم. ومن أبسط مظاهر الوظيفة التوجيهية: الأمر والنهي والإغراء والتحضيض.
 
ولكن هناك طرق معقدة للتأثير نراها في الخطب الدينية والسياسية، وفي الدعاية والإعلان، حيث تستخدم جماليات اللغة وتستغل العواطف والغرائز للتأثير في المتلقين. وقد أصبح الإعلان صناعة معقدة تتظافر فيها جهود كثير من علماء الاجتماع والنفس واللغة لصنع إعلان واحد، انظر استخدام اللغة والأحوال النفسية في الأمثلة التالية:"نيسان على كل لسان"، وإعلان تويوتا: "معنا للحياة معنى،" و "ضماني في أماني"
 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:45 am

بداية اللغة
 
التجارب الملكية:
لقد شغلت لغز بداية اللغة عقول المفكرين واللغويين وحتى الملوك والسلاطين، الذين حاولوا الوصول إلى جواب شاف لهذا السؤال المحير بسلوك أسهل الطرق في نظرهم فقاموا، بما خولوا من سلطان، بالقيام بتجارب غير إنسانية على الأطفال لمعرفة أي اللغات كانت هي الأصل. وهذه التجارب اصطلح عليها فيما بعد بالتجارب الملكية.
 
1- تجربة الملك الفرعوني Psammetichus (بيسماتيكوس): يروي المؤرخ اليوناني Herodotus هيرودوتس أن بيسماتيكوس أمر بعزل مجموعة من الأطفال حديثي الولادة في مكان بعيد عن العمران وأن لا يسمح لهم بالاختلاط بأي شخص وأن تمنع عنهم جميع الأصوات، وكان هدفه أن يعرف بأي لغة سيتكلم هؤلاء الأطفال وهل بوسعهم أن يتكلموا من ذات أنفسهم بهذه اللغة. ويقول الذين رووا التجربة أن الأطفال قد بدءوا الكلام وكانت الكلمة الأولى التي لفظوها هي bekos وقد كان الملك يتوقع أن يبدءوا الكلام باللغة الفرعونية ولكنه فوجئ بنطق كلمة غريبة، فسأل عن أصلها فأخبر بأنها فريجية، وهي لغة كانت منتشرة في بلاد الأناضول وأنها تعني "الخبز،" فاعتبر الملك أن الفريجية هي أصل اللغات كلها. لكننا لا نثق بهذه التجربة لأننا لا ندري هل عزل الأطفال تماماً وهل فعلا نطقوا كلمة bekos ، أو أن الأمر كان مجرد توهم، كذلك هناك احتمال أن الأطفال بدءوا لغة جديدة لا تشبه لغة سابقة وكان من مفرداتها هذه الكلمة التي ربما أشبهت بصورة أو بأخرى الفريجية ولكن هذا لا يعني أنهم نطقوها على أنها جزء من اللغة الفريجية.
 
2-تجربة فريدريك الثاني Frederick II في مطلع القرن الثاني عشر: في الواقع نحن لا ندري هل سمع عن التجربة الماضية أم لا، ولكن على أي حال أمر هذا الملك بعزل مجموعة من الأطفال في مكان بعيد ومنع المربين من محادثتهم ليرى هل سيتكلمون من ذات أنفسهم وبأي لغة سيتكلمون، ولكن هذه التجربة باءت بالفشل الذريع لأن الأطفال ماتوا قبل أن ينبسوا بكلمة .
 
3- تجربة جيمس الرابع James IV of Scotland: ملك اسكتلندا في القرن السادس عشر الميلادي (1473-1513) الذي أمر بعزل مجموعة من الأطفال ليعرف هل سيبدءون الكلام باللغة من ذات أنفسهم، وما هي تلك اللغة. وقد ادعى في نهاية التجربة أن هؤلاء الأطفال بدءوا الكلام فطرياً بلغة عبرية فصيحة. ولا شك أن هذه النتيجة كانت ملفقة لأنها بواعثها كانت أفكارا دينية مبيته، فهذا الملك أراد أن يثبت المقولة المسيحية التي تزعم بأن العبرية هي أم اللغات وهي لغة آدم ولغة أهل الجنة.
 
الحالات الموثقة
إن أقوى دليل للرد على مزاعم التجارب الملكية هو دراسة الحالات الحقيقية لأطفال وجدوا معزولين وحرموا من الاحتكاك بالبشر أو سماع لغاتهم، وقد بلغ عدد حالات الأطفال المتوحشين الذين حضنتهم الحيوانات 36 حالة لم يوجد بينها من يتكلم لغة إنسانية. ومن هذه الحالات الموثقة حالة:
 
1- فيكتور Victor الفرنسي: وُجد هذا الفتى في إحدى غابات فرنسا يعيش بين الحيوانات، وعند القبض عليه وجد أنه لا يمتلك أي لغة. وكان عمره 12 سنة، وأدخل مدرسة للصم مع أنه لم يكن أصما. وسماه الذين تعهدوا حضانته (فيكتور). وقد عُهد به إلى طبيب فرنسي Itard ليعلمه اللغة ولم يستطع أن يتعلم إلا جملا قليلة مختلة التراكيب. وبعد محاولات كثيرة  أعلن هذا الطبيب فشله، وتنصل من هذه المسؤولية، وتركة عند خادمته حتى مات.
 
2- الطفلة الأمريكية جيني Genie: وهي فتاة حبسها أبوها بعيداً عن الناس ولم تختلط بأحد من البشر حتى وصل عمرها 13سنة. وقد وصل خبرها إلى السلطات الأمريكية التي حجرتها من عزلتها. ووجد أنها لا تتكلم أي لغة. وقد وجد علماء اللغة والنفس فرصة لفحص الأفكار والنظريات اللغوية السائدة، وقد حاول كثيرون أن يعلموها اللغة الإنجليزية ولكنهم لم يستطيعوا أن يعلموها إلا ألفاظاً قليلة ولم تستطع أن تتقن تراكيب الجمل بشكل طبيعي. وقد تنقلت بين العلماء وبيوت الرعاية، وفي النهاية انقطعت أخبارها ولم تعد محط اهتمام الباحثين.
 
3- طفل صحراء حلوان: هذا غلام عثر عليه في صحراء حلوان بين قطيع من الغزلان، وسمع بعد أن قبض عليه يصيح بأصوات غير مفهومه. وقد ذكر إبراهيم أنيس أنه زاره في أحد الملاجئ بعد شهور من العثور عليه وظهر له أنه يتكلم بكلمات متقطعة غير مفهومة استمدها ولا شك ممن حوله، وكان يتعثر في النطق بها كأنه طفل في السنة الثانية من عمره.[5]
 
4- طفلا كوبنهاجن: يروي يسبيرسون أن طفلين نشأا في كوبنهاجن توأمين مع أمهما التي أهملتهما بشكل شائن، فشبا منعزلين عن الناس زمنا ما. ثم كان أن مرضت الأم وأودعت المستشفى تاركة طفليها في رعاية عمة لهما صماء بكماء. وقد سُمع هذا الطفلان يتكلمان لغة غريبة، وقد سمع يسبيرسون هذه اللغة ودرس مفرداتها ووجد أنها تتصل بلغة البيئة غير أنها كانت ممسوخة حذف منها أصوات وعوض عنها بأخرى، كما وجد أن بعض كلماتها مما يمكن أن يُعد صدى لأصوات الطبيعة.
 
القيمة العلمية لدراسة الحالات الموثقة:
قيمة هذه الحالات الموثقة هي أنها:
1- تبطل دعاوى التجارب الملكية لأن هؤلاء الأطفال في الحالات السابقة، رقم 1، 2، 3، وجدوا لا يمتلكون لغة إنسانية. وهذا يبدو عائد إلى كون الطفل وحيدا في كل من هذه الحالات فلم يكن هناك حاجة إلى إنتاج لغة.
 
2- أيدت هذه الحالات الرأي القائل بأن هناك فترة حرجة لتعلم اللغة التي إن تجاوزها الفرد وهو لم يتعلم لغة إنسانية خملت قدراته الفطرية اللغوية ولم يعد قادرا على إتقان اللغة.
 
3- يمكن القول بأن الحالة الرابعة، التي لم يكن الأطفال وحيدين، تعضد الرأي القائل بأن الأطفال المعزولين قادرون على إنتاج لغة جديدة تتمثل فيها خصائص اللغة الإنسانية لأنه قيل إن الطفلين كان يستخدمان كلمات محاكية.
 
نظريات بداية اللغة
كما قلنا من قبل إن موضوع أصل اللغة قد أرق كثيرا من المفكرين والفلاسفة ورجال الدين. فتعددت الآراء والنظريات حوله معتمدين تارة على النصوص الدينية وتارة على الحجج العقلية وأحيانا على ضروب من الحدس والتخمين. وقد ميز المطلعون على نتاج هذا الجدال ثلاث نظريات رئيسية: هي (1) نظرية الأصل الإلهي (2) النظرية الاصطلاحية، (3) النظرية الطبيعية. ونظريات أخرى حاولت الجمع بين اثنتين منهما.
 
1- نظرية الأصل الإلهي (التوقيفية)
(أ) عند المسلمين وقد اصطلح عليها بالنظرية التوقيفية ومن أشهر الذين قالوا بها من علماء اللغة بن فارس وأبو علي الفارسي ومن علماء الأصول والكلام الأشعري وابن فورك وابن حزم وقد احتجوا لذلك بحجج نقلية وعقلية:
 
الحجج النقلية (من القرآن الكريم):
1- قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) دل هذا على أن الأسماء توقيفية وإذا ثبت ذلك في الأسماء ثبت أيضاً في الأفعال والحروف إذ لا قائل بالفرق ، وأيضاً الاسم إنما سمي اسماً لكونه علامة على مسماه والأفعال والحروف كذلك وتخصيص الاسم ببعض أنواع الكلام اصطلاح للنحاة.[6] وقد رد ابن جني على هذا بقوله: إن معنى (علم) لا يعني بالضرورة علمه الألفاظ والأسماء بل إنه وضع فيه قدرة تساعده على وضع الأسماء والتفاهم بها.
 
2- قوله تعالى ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان)، لقد ذم الله في هذه الآية قوماً على تسميتهم بعض الأشياء ببعض الأسماء بدون توقيف[7] فلو لم تكن اللغة توقيفية لما صح هذا الذم. ورُد هذا الاستدلال بأن المراد ما اخترعوه من الأسماء للأصنام من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ووجه الذم مخالفة ذلك لما شرعه الله.
 
3- قوله تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) حيث جعل اختلاف اللغات من آياته. والمراد  هنا اختلاف اللغات لا اختلافات الجوارح التي لا يستغرب الاختلاف فيها لأن الاختلاف في اللغات أبلغ وأجمل.[8] وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المراد التوقيف عليها بعد الوضع وإقرار الخلق على وضعها.
 
الحجج العقلية:
1- لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة، وهذه تحتاج إلى اصطلاح سابق، ويلزم من هذا الدور التسلسل وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.
 
2- لو كانت اللغة اصطلاحية لجاز التغيير فيها لأنه لا حجر على الناس فيما اصطلحوا عليه وهذا غير جائز لأنه مؤدٍ إلى تبديل في اللغة وهذا بدوره مؤد إلى تغيير في الشرائع لأن معاني نصوصها قد تتغير بتغير الاصطلاح. نقول إن الواقع ينقض هذا الآن فاللغة تتغير ولكننا لا نشعر بهذا التغيير إلا بعد مئات السنين، وهذا واضح من وجود اللهجات المختلفة التي ظهرت بسبب تغيرات في النحو والأصوات والدلالة، والعربية الفصحى تطورت من لغة قديمة هي السامية القديمة وقبلها كان هناك لغة قديمة تجمع اللغات السامية الحامية.
 
(ب) عند أهل الكتاب:
كثير من علماء اليهود والنصارى يقولون بالأصل الإلهي للغة مستدلين أيضا بأدلة نقلية وعقلية:
 
أدلة نقلية: استدلوا بما ورد في التوراة في سفر التكوين، فصل 2، فقرة -19-20 (وَكَانَ الرَّبُّ الإِلَهُ قَدْ جَلَبَ مِنَ التُّرَابِ كُلَّ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ الْفَضَاءِ وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى بِأَيِّ أَسْمَاءٍ يَدْعُوهَا، فَصَارَ كُلُّ اسْمٍ أَطْلَقَهُ آدَمُ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ اسْماً لَهُ. وَهَكَذَا أَطْلَقَ آدَمُ أَسْمَاءً عَلَى كُلِّ الطُّيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ). وهذا النص لا يقوم دليلا على ما الأصل الإلهي لأنه يقول إن آدم هو الذي وضع الأسماء.
 
أدلة عقلية: كتب ساسميلك  Sussmilchمقالة عن أصل اللغة نشرت سنة 1767م بدأها بمقدمة أكد فيها أن اللغة وسيلة للمنطق والتفكير وبدونها لا يمكن للإنسان أن يقوم بعمليات عقلية أو منطقية أو تجريدية. ثم قال اللغة إما أن تكون في أصلها إنسانية أو إلهية، وإذا كانت إنسانية فإما أن تكون طبيعية أو اصطلاحية. ولكنها ليست طبيعية لأن الطبيعي ما نراه من لغات الحيوانات التي تكون متشابهة لدى النوع كله ولا تتغير تبعا للزمان أو المكان فصوت البقرة في الهند أو في أفريقيا أو أوربا واحد ولم يتغير منذ آلاف السنين.
 
إذن هل هي اصطلاحية ؟ إذا كانت اصطلاحية فلا بد أنها جاءت بطريق الصدفة أو بطريق القصد؟ ونستطيع أن نقول إنها لم تأت عن طريق الصدفة لأن الصدفة تعني عدم النظام والمتأمل في اللغة يجد أنها بنيت على نظام بالغ النظام والتركيب، ليس فقط في لغات الأمم المتحضرة وإنما حتى في لغات البدائيين.
 
إذن، هل جاءت بطريق القصد والتفكير والاختيار الحكيم ؟ هذا لا يمكن أن يقوم به الإنسان بدون رموز وكلمات أي بدون لغة، وهذا ينتهي بنا إلى القول باستحالة أن تكون اللغة من اختراع الإنسان. إن اللغة تعود إلى ذات أعلى وأذكى. إن الله هو مبدىء اللغة.
 
(ج) عند أمم أخرى:
في إحدى محاورات أفلاطون، يتحيز أحد المتناظرين، ويُدعى كرايتليس، للرأي القائل بأن اللغة هبة منحتها السماء لبني الإنسان، وأن أسماء الأشياء ليست رموزاً مجردة، ولكنها جزء لا يتجزأ من جوهر المسمى.
 
وكذلك قال الفيلسوف اليوناني هيراكليلتوس Heraclitus الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد إن اللغة "وحي من السماء"،.[9]
 
وينسب الإسكندنافيون في أساطيرهم اللغة إلى الآلهة، وتعزوها الأساطير الهندية على الإله إندرا   Indra .
 
2- نظرية الاصطلاح
أصحاب هذه النظرية يقولون إن واضع اللغة هم البشر الذين اصطلحوا على أصوات معينة ليشيروا بها إلى الأشياء حين غيابها وهي تقوم مقام الإشارة باليد عندما تكون هذه الأشياء حاضرة. وقد استدل القائلون بالأصل الاصطلاحي من المسلمين بحجة نقلية وحجج عقلية:
 
الحجة النقلية:
احتج أهل الاصطلاح من القرآن بقوله سبحانه وتعالى Smile وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (أي بلغتهم فهذا يقتضي تقدم اللغة على بعثة الرسل ، فلو كانت اللغة توقيفية لم يتصور ذلك إلا بالإرسال فيلزم الدور لأن الآية تدل على سبق اللغات للإرسال والتوقيف يدل على سبق الإرسال لها. واعترض على هذا الاستدلال بأن آدم عليه السلام هو الذي عُلّمها كما دلت عليه الآية وهو بدوره عَلَمها لأقدم رسول.
 
حججهم العقلية:
1- لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علما ضروريا في العاقل أنه وضع الفظ لكذا، وهذا باطل لأنه يلزم منه كون العاقل عالما بالله بالضرورة، لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكون الله وضع لفظ كذا لكذا كان علمه بالله ضروريا، ولو كان كذلك لبطل التكليف.[10]
 
2- وقالوا أيضاً إن اللغة اصطلاحية بناءً على ما نراه مشاهداً من تعلم الأطفال لها حيث يتعلمون اللغة بالتلقين والإشارة وسماع من حولهم.
 
وقد اشتهر بالقول بالاصطلاح من المسلمين أبو هاشم أحد كبار المعتزلة وأتباعه، وقد ذهب إلى هذا في بعض أقواله ابن جني مبينا أن معنى (علّم) لا يعني بالضرورة علمه الألفاظ والأسماء وإنما وضع فيه قدرة تمكنه من وضعها والتفاهم بها. وذكر أن الغزالي وهو فيلسوف وأصولي معروف، قال في المنخول: اللغات كلها اصطلاحية إذ التوقيف يفهم بقول الرسول ولا يفهم قوله بدون سبق اللغة. ومن الذين قالوا بالاصطلاح الفيلسوف الفارابي. ويستنتج من قصة حي بن يقظان أن مؤلفها الفيلسوف ابن طفيل لا يعتقد بالتعليم الإلهي في القدرة اللغوية لأن الحكيم آسال عندما قابل حي بن يقظان، الذي عاش بين الحيوانات منعزلا عن البشر في جزيرة نائية،  وجده قد وصل إلى أرقى درجات المعرفة الإيمانية لكنه كان لا يتكلم لغة، فاضطر إلى تعليمه إياها عن طريق الإشارة إلى الأشياء باليد والنطق بالألفاظ.
 
وقال محمد حجازي: إن آدم يرمز إلى الإنسان الأول على الأرض والأسماء ترمز إلى القدرة على اللغة.
 
وقد أجاب عباس حسن عن الاستدلال بقوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) أنها لا تدل على تعليم اللغة إذ ما فائدة تعليم آدم ما ليس محيطاً به.
 
وقال الشيخ السكندري: العقل والاستقراء يرينا أن اللغات تعود إلى أمهات وتلك الأمهات تعود إلى جده واحدة وهي اللغة الأولى القديمة ، وهذه اللغة كانت تمتلك ألفاظاً قليلة معدودة يحتاج إليها الإنسان في التعامل مع أخيه الإنسان وهذه الكلمات جاء بعضها عن طريق المحاكاة وبعضها جاء عن طريق الاصطلاح.
 
وممن قال بنظرية الأصل الاصطلاحي للغة من غير المسلمين:
 
أرسطوا: كان يرى أن اللغة اصطلاحية ولا علاقة بين الاسم ومعناه وكان يرد على قول الطبيعيين ويقول هناك كلمات كثيرة لا توجد بينها وبين ما تشير إليه علاقة محاكاة، ولو كانت اللغة طبيعية لتشابهت اللغات. ويقال إن الفيلسوف اليوناني ديمقريطوس Democritus قد سبقه إلى هذا الرأي.
 
وقد استمر القول بهذا الرأي أيام الرومان القدماء، وإبان العصور الوسطى، وعصر النهضة، وحتى العصور الحديثة، وكان أشهر من قال به في القرن التاسع عشر الفيلسوف الإنجليزي آدم سميث Adam Smith، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau الذي قال: إن الإنسان وضع اللغة بعد أن أصبح مخلوقا ذكياً وكوّن المجتمعات وطور الفنون. ولا ندري كيف قبل روسو فكرة أن ينشئ الإنسان المجتمعات ويطور الفنون بدون امتلاك لغة، ثم بعد ذلك يضع اللغة. وقد قيل إن روسو في النهاية رجع عن هذا الرأي.
 
الجمع بين الرأي التوقيفي والاصطلاحي: عندما رأى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني تعارض مذهبي القائلين بالتوقيف والقائلين بالاصطلاح، ولا دليل قاطع في المسألة مع ضعف دليل أهل الاصطلاح لأنه يقتضي أن يسبق الاصطلاح على اللغة اصطلاح سابق وهكذا، رأى أن المخرج هو الجمع بين الرأيين والتوفيق بينهما للخروج من هذا المأزق فافتراض أن القدر من اللغة الذي مكن من الاصطلاح على اللغة لا بد أن يفترض فيه التوقيف، وأما باقي اللغة فاصطلاحي.
 
3- النظرية الطبيعية
هذه النظرية تقول إن اللغة بدأت بمحاكاة الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
 
وقد قال بهذا الرأي من المسلمين عباد بن سليمان الصيمري الذي يرى أن لا بد أن يكون بين الكلمة ومعناها علاقة طبيعية حملت الواضع أن يضع لفظ كذا لكذا وإلا كان اختصاص المعنى بلفظ من بين الألفاظ بلا مخصص.[11]
 
ومن الفلاسفة اليونان الذين قالوا بهذا الرأي أفلاطون الذي قيل إنه قال إن هناك علاقة طبيعية بين الكلمة وما تشير إليه.
 
وقد كان الفلاسفة اليونانيون المعروفون بالرواقيين Stoics يعتقدون بعلاقة طبيعية بين الكلمة وما تشير إليه، ويستدلون على ذلك بوجود الكلمات المحاكية onomatopoeia لمعناها في اللغات. وقال بذلك أيضا إبيقور Epicurus الذي علل وجود الكلمات غير المحاكية بأنها تعود إلى كونها نقلت من معانيها الأصلية إلى أخرى عن طريق الاستعارة والمجاز.
 
التوفيق بين الأصل الإلهـي والطبيعي  عند الغربيين: هناك نظرية حاولت التوفيق والجمع بين نظريتي الأصل الإلهي والطبيعي. أصحاب هذه النظرية يقولون: إن آدم عندما كان في الجنة كان إنساناً كاملاً يتمتع بمعرفة سماوية وافية، لذلك كانت أسماؤه التي أطلقها على الأشياء ذات علاقة طبيعية قوية وكانت تعبر في لفظها عن طبائع الأشياء وحقائقها وكان هناك انسجام تام بين الكلمة والشئ ,ولكنه بعد اقتراف الخطيئة وهبوطه إلى الأرض فقد تلك القدرات اللغوية السماوية ووجد نفسه وذريته مضطرين إلى إنشاء كلمات قائمة على التواضع والاصطلاح وضعيفة المحاكاة.
 
النظريات الطبيعية في العصر الحديث
شغل لغز بداية اللغة مفكري ولغويي القرن التاسع عشر فتعدت الآراء وتباينت الادعاءات وطغت النظريات الطبيعية على غيرها، ومن هذه النظريات الحديثة:
 
(أ) نظرية Bow-Wow: يرى أصحابها، أن اللغة نشأت من تقليد أصوات الطبيعة، وهي النظرية التي أشار إليها ابن جني بقوله: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح متقبل".
 
وترى هذه النظرية أن الإنسان الأول، عندما أراد أن يميز بين الكائنات، بأسماء ليتحدث عنها، أو يشير إليها في حين غيابها، أخذ في محاكاة أصواتها الطبيعية، فنباح الكلب، مثلاً، اتخذ رمزاً ليدل على هذا الحيوان، ومثل ذلك عواء الذئب، وزئير الأسد، ومواء القط، ومن ثم أصبحت هذه الأصوات الحيوانية المختلفة رموزاً، يشير بها الإنسان الأول إلى هذه الحيوانات، ومثل ذلك في حفيف الشجر، وزفير النار، وقصف الرعد، وخرير الماء وغيرها. ومن هذه الأصوات، تكونت مجموعة من الكلمات، هي أقدم الكلمات في لغات البشر، ثم تطورت هذه الأصوات، أو الكلمات من الدلالة على هذه المعاني الحسية المباشرة، إلى معان أخرى، أكثر تجريداً، ومن هذه الأصوات البدائية، تكونت اللغات فيما بعد على مدى قرون طويلة.[12]
 
وقد لاقت قبولاً كبيراً، في القرن التاسع عشر، والعشرين وأيدها علماء بارزون، مثل Jesperson جسبرسين ، و Herder هيردر، ومن العرب: إبراهيم أنيس، وعلي عبد الواحد وافي، ودافعوا عنها دفاعاً شديداً ووصفوها بأنها: "أدنى النظريات إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور.[13] والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف حوكيت وسميت الأشياء الجامدة ، كالحجر والجبل، والشجر. وأهم ما يؤخذ على هذه النظرية، أنها تحصر أساس نشأة اللغة، في الملاحظة المبنية على الإحساس بما يحدث في البيئة وتتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة إلى التخاطب والتفاهم، والتعبير عما في النفس، تلك الحاجة، التي هي من أهم الدوافع إلى نشأة اللغة الإنسانية.[14]
 
(ب) نظرية Ding Dong: أشهر القائلين بهذه النظرية Max Muller ماكس موللر، الذي قال إن الإنسان قادر بفطرته على صوغ الألفاظ عند الحاجة وقد صاغ كلماته الأولى  معبرا بها عن شعوره الداخلي عند سماعه أصوات الطبيعة في الخارج. فكل شيء يسمع صوته أو يرى شكله يولد عنده انطباعا داخليا يترجمه بفطرته إلى كلمات لغوية.
 
(ج) نظرية Yo-He-Ho كان يقول بهذه النظرية الفرنسي  Noiré نويري، وهي تفترض أن اللغة بدأت بأصوات غير مقصودة كانت تصاحب النشاط الجسماني للبشر، وهذه الأصوات كان يراد منها تنظيم إيقاع العمل، خاصة عند الجر أو الدفع أو الحمل أو القطع أو ما شابه ذلك من النشاطات. ثم تطورت هذه الأصوات غير المقصودة مع الزمن لتصبح أغان وأناشيد وشعرا.
 
(د) نظرية التنفيس عن النفسPooh-Pooh : هذه النظرية، تقرر أن الفضل في نشأة اللغة، يرجع إلى غريزة خاصة تحمل الإنسان على التعبير عن انفعالاته، بحركات وأصوات خاصة، مثل انقباض الأسارير، وانبساطها، أو الضحك، أو البكاء، أو غير ذلك، مما يعبر به عن انفعالات كالغضب، والخوف، والحزن، والسرور، نحو: أح، أخ، أف، أوّه، آه. وهذه الألفاظ كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها، ووظائفها، وما يصدر عنها، وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات، وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى، فاستطاعوا التفاهم فيما بينهم.
 
والنقد الذي يوجه إلى هذه النظرية هو أنه لا يمكننا أن نتصور أن اللغة بدأت من هذه الكلمات لأنها مازالت في اللغة على شكل تعبيرات وأسماء أصوات اعتراضية، مما يبين أن طبيعتها تختلف عن بقية كلمات اللغة. وبعض هذه الألفاظ أيضاً ليس قديما بل نشأ حديثا، والإنسان يغيرها دائما، وهي ولا تخضع لقواعد الجمل النحوية بل هي كلمات خاصة لها طبيعة معينة ولا يمكن اعتبارها أصلا لكلمات اللغة إضافة إلى أن بعض أصواتها لا يشبه بقية أصوات اللغة.
 
(هـ) نظرية الأصل الإشاري والحركي للغة :
 
يقول  Pagetباجيه إن اللغة بدأت بإشارات بالشفتين واللسان وتشكيلات في عضلات الوجه، وقد حاول أن يدلل على ذلك بأمثلة من ألفاظ الضمائر في اللغة الإنجليزية، مثل بروز الشفتين عند نطق ضمير YOU وكأنك تشير إلى المخاطب.
 
وانكماش الشفتين عند نطق ضمير المتكلم " I " كأن المتكلم يشير إلى نفسه.
 
وانكماش جانب الفم عند نطق لفظ ضمير الغائب HE
 
ثم صاحب هذه الإشارات بعض الأصوات لتأكيدها ثم بعد ذلك ضعف دور الإشارات وقوي دور الأصوات واستعيض عن الإشارات بأصوات كلامية. ولو طبقنا هذه النظرية على العربية لقلنا مثلاً:
 
أنا : فيه إشارة إلى المتكلم بتقلص الشفتين إلى الداخل.
 
هو: فيه إلى شارة الغائب ببروز الشفتين.
 
ومن النظريات الحديثة تلك التي تربط بداية اللغة بنظام الحركة ومناطق تحكمه في المخ. ومن الأدلة التي يستأنسون بها هو أن أي خلل أو عطب في مناطق المخ المتحكمة في الحركة يصاحبها اختلال في الكلام واللغة عند الإنسان، بينما لا يحدث هذا عند القردة، فأي عطب في مناطق المخ المتحكمة في الحركة لا ينتج عنه اختلال في صيحاتها. هذا الترابط والتلازم بين الحركة والكلام يدل في نظرهم على أن اللغة بدأت بحركات ثم تطورت إلى حركات وأصوات ثم تحولت بعد ذلك إلى أصوات. ومن الأدلة أيضا على هذه النظرية أن كلام الإنسان في أكثره مصحوب بحركات باليد والرأس وتشكل في ملامح الوجه، ويضيفون أيضا أن الصوت ناتج عن حركة في أعضاء النطق.
 
(و) نظرية التطور: هذه النظرية تعتمد كثيراً على معطيات نظرية Darwin دارون في النشوء والتطور في الأحياء. هذه النظرية أثرت في كثير من العلوم الإنسانية كالأنثروبولجيا (علم الإنسان) وعلم الاجتماع والفلكلور وغيرها. وقد وجد بعض علماء اللغة فيها وسيلة لتفسير أصل اللغة، لذا نجدهم يفترضون أن اللغة لم تبدأ كاملة منذ الوهلة الأولى وإنما تطورت مع تطور جسم ومخه وقدراته العقلية. ويقارنون أطوار تطور لغة الإنسان القديم بمراحل النمو عند الأطفال. وهذه المراحل في نظرهم كالتالي:
 
1- مرحلة الأصوات الانبعاثية الساذجة حين كانت أعضاء النطق غير ناضجة والميول والرغبات غير واضحة، هذه المرحلة في نظرهم تشبه حالة الطفل في الشهور الأولى من حياته.
 
2- مرحلة الأصوات المكيفة المنبئة عن الأغراض والرغبات المصحوبة بإشارات متنوعة. في هذه المرحلة يظهر التمييز للأصوات كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتمييز في نطق بعض الأصوات الشفوية (ب، م) وهذه المرحلة تناظر حالة الطفل في أواخر السنة الأولى عندما يبدأ بترديد أصوات مثل: با با، ما ما، دا دا ...إلخ.
 
3- مرحلة المقاطع التي أصبح الإنسان فيها ينطق أصوات محددة المعالم في صورة مقاطع قصيرة محاكية أصوات الحيوانات والأشياء في الطبيعة، وتشبه هذه المرحلة حالة الطفل في بداية السنة الثانية عندما يبدأ يسمى الأشياء بحسب أصواتها مثل تسمية الكلب "هوهو" والقطة "نَوْ نوْ" والساعة "تك تك".
 
4- مرحلة تكوين كلمات من مقاطع، وهذه تمثل الجذور اللغوية الأولى التي استعملها الإنسان الأول لقضاء حاجاته، وقد بلغ هذه المرحلة اللغوية بعد أن اكتملت قدراته العقلية ونضجت أعضاؤه الصوتية، واشتدت حاجته إلى التفاهم مع غيره، ويناظر هذه المرحلة من أطوار نمو الطفل تلك التي  يبدأ فيها التفاهم مع من حوله ويصبح لديه قدرا من المفردات التي تساعده في الإشارة إلى الأشياء في محيطه وبيئته.[15]
 
خاتمة:
إن هذا موضوع شائك يذهب بنا إلى ماض سحيق من تاريخ الإنسانية. وليس هناك أدلة نصية قطعية في هذه المسألة. وأما الأدلة العقلية فهي قائمة على افتراضات كلامية وعقلية بحتة لا علاقة لها بالواقع. وهذا هو الذي جعل كثيرا من المفكرين يترددون بين هذه الآراء كابن جني والغزالي. ورأينا آخرين كالرازي والباقلاني يفضلون عدم القطع برأي في هذه المسألة لتكافؤ الأدلة وعدم وجود مرجح.
 
كل هذه الأمور مجتمعة تجعلنا لا نقطع برأي جازم وإنما نقول إنه يبدو أن الأصل الإلهي في اللغة هي تلك المقدرة الفطرية اللغوية التي وهبها الله للإنسان وجعله قادرا إيجاد نظام من العلامات يستطيع به التفاهم مع الآخرين من جنسه. ومسألة هل بدأت هذه اللغة بكلمات محاكية أو غير محاكية ليست مهمة في نظرنا لأنه لا علاقة لها بالأصل الفعلي للغة. فالإنسان لو لم ذا صوت لاستخدم وسيلة إشارية أخرى. نحن نرى اليوم الصم والبكم يستخدمون الإشارات كلغة ذات نظام صرفي ونحوي قادرة على التعبير بتراكيب تشتمل على علامات للعدد والزمن والضمائر. وهناك مجموعات من البشر حرمت السمع والبصر فعمد أفرادها إلى استخدام نظام لغوي قائم على تشكيلات من اللمسات. وهناك من يقول إنه لو عزل اثنان أو ثلاثة من الأطفال في مكان ما لاستطاعوا أن ينشئوا لغة جديدة قد تضاهي اللغات الأخرى في تراكيبها ونحوها وصرفها. إذن المسألة المهمة في أصل اللغة ليست الكلمات. المهم هو أن هذا المخلوق قد وهب قدرات عقلية ولغوية فطرية تمكنه من استخدام أي وسائط متاحة ليستعملها نظاما للتفاهم مع غيره. وقد نجح علماء في بريطانيا في الكشف عن أول مورث، أو جين، مسؤول عن تطور اللغة والكلام عند الإنسان. يقول البروفيسور انتوني موناكو من مركز ويلكوم لدراسات المورثات البشرية، إن هذا الكشف يعد أول دليل علمي على وجود مورث يمكن أن يكون له علاقة واضحة بمشاكل نشأة اللغة وتطورها، ومن شأنه إلقاء الضوء على ألغاز اللسان والكلام وأسرارهما.[16]
 
أصل واحد أم متعدد؟
اختلف العلماء حول مسألة هل هذه اللغات الإنسانية والعائلات اللغوية تعود إلى لغة أُم ، أم أنها تعود إلى أصول مختلفة. وهذه قضية أخرى لا يمكن الوصول فيها إلى رأي يقيني قاطع.
 
1- هناك من يقول إنها نشأت من لغة واحدة والقائلون بهذا يذكرون أن هناك ما يقارب 500 جذر لغوي تتشابه في لغات مختلفة. وهناك أيضاً ما يسمى بالصفات العالمية الشائعة في اللغات LANGUAGE UNIVERSALS  التي تبين أن لغات البشر تشترك في سمات عامة وشائعة، كوجود أقسام الكلمة والضمائر وأسماء الإشارة وغيرها.
 
2- هناك من يرجع اللغات الإنسانية إلى أصول مختلفة لا علاقة بينها، وأما السمات الشائعة في اللغة فلا تقوم دليلا على وحدة الأصل وإنما تعود إلى القدرات اللغوية الفطرية وإلى تشابه التفكير الإنساني عند الشعوب.
 
مراجع
[1]  خالص جلبي، "نشوء اللغة وتطورها"، الشرق الأوسط.
[2]   http://www.mym2.4mg.com/prog1.htm
[3]   موسوعة مقاتل، "لغات" http://www.moqatel.com
[4]  فندريس، اللغة، تعريب عبد الحميد الدواخلي و محمد القصاص، 36.
[5]  إبراهيم أنيس، اللغة بين القومية والعالمية، ص 30-31.
[6]  الشوكاني، إرشاد الفحول.
[7]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/171.
[8]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/171.
[9]  موسوعة مقاتل، (الشبكة العالمية)
[10]  الشوكاني، إرشاد الفحول،1/ 84.
[11]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/169.
[12]  انظر موسوعة Moqatel  على الشيكة العالمية.
[13]  المصدر السابق.
[14]  المصدر السابق.
[15]  رمضان عبد التواب، دراسات في فقه اللغة.
[16]  BBC Online,  01/10/03 ,http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1578000/1578127.stm
أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الإثنين 15 فبراير 2016, 6:53 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 6:47 am

فقه اللغة - 3
 
  بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش
جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية
 
اللغات السامية
السامية تسمية حديثة عهد اقترحها عالم اللاهوت الألماني –النمساوي شلوتزر Scholzer عام 1781 للميلاد، لتكون علماً على عدد من الشعوب التي أنشأت في هذا الجزء من غرب آسيا حضارات ترتبط لغوياً وتاريخياً، كما ترتبط من حيث الأنساب، والتي زعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، بناء على ما جاء في التوراة في صحيفة الأنساب الواردة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين، من أن الطوفان عندما اجتاح سكان الأرض لم ينج منه سوى نوح وأولاده الثلاثة: سام وحام ويافث وما حمل معه في سفينته من كل زوجين اثنين. وقد شاعت هذه التسمية وأصبحت علماً لهذه المجموعة من الشعوب عند عدد كبير من العلماء في الغرب ومن سايرهم من  العرب" على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي، أو إلى أسس علمية عرقية صحيحة، أو وجهة نظر لغوية. [1]
إن هذه الشعوب التي أطلق عليها خطأ اسم "الساميون" هي في حقيقة الأمر قبائل عربية هاجرت بفعل العوامل الطبيعية من جزيرة العرب بحثاً عن الماء والكلأ، ومنها تفرعت الأقوام الأخرى، يؤكد هذا القول ما ذهب إليه "كثير من العلماء الباحثين في أصل الأجناس والسلالات من أن العرب هم أصل العرق السامي، ومن أرومتهم تفرعت الأقوام الأخرى وتشعبت قبائلها، ولهذا الفريق شواهد تاريخية وعرقية ولغوية يدعم بها حجته ويثبت آراءه." [2]
 
الموطن الأصلي للغات السامية
اختلف علماء الساميات حول الموطن الأصلي للغة السامية الأم. ومن أشهر الآراء في هذا الباب تلك التي تقول إنه:
1-أرض إرمينية وكردستان:
ويعتمد أصحاب هذا الرأي على أدلة دينية ولغوية توراتية. فقد ورد في العهد القديم أن سفينة نوح رست على جبل في إرمينية وقد عاش نوح وأبناؤه في هذه المنطقة، وقد لعن حام وأبعد منها، ورحل عنها يافث، وبقي فيها سام الذي نشأ أبناؤه هناك فيها، ومن ذريته كان أرفكشد. ويزعم هؤلاء أن في هذه المنطقة إقليم يسمى أربختس، وهذا الاسم ما هو إلا تغيير أرفكشد وهو أحد أبناء سام قائلين أنّ الفاء والباء حروف شفوية والكاف والخاء حروف متقاربة المخارج، أي أن أصل أربختس هو - أربخست - أرفكشد.
 
2- أرض بابل في العراق، أي جنوب العراق، وقد قال بهذا الرأي:
إرنست رينان، ، وفرينـز هومل، وبيترز، وأغناطيوس جويدي، الذي يقول إن الكلمات المشتركة في النبات والحيوان والظواهر الجغرافية في اللغات السامية تناسب بيئة جنوب العراق وبلاد بابل. فمثلا كلمة نهر موجودة في الأكادية والعبرية والآرامية والعربية والسبئية والأثيوبية بينما بعض هذه اللغات لا يوجد أنهار بأرضها كالعربية، فالجزيرة تخلو من مثل هذه الظاهرة الجغرافية. ويتساءل من أين جاء هذا اللفظ في العربية. يقول لا جواب لهذا في رأيه إلا أن يكون العرب قد عرفوا النهر من قبل، وكان في لغتهم وبقي فيها بعد أن انتقلوا من موطنهم الأصلي. كذلك يزعم أن الجبل له كلمات مختلفة في اللغات السامية: في الآرامية طورا، وفي الأكادية شادوا، وفي العبرية صر، وفي العربية جبل، وهذا في رأيه يعود إلى أنهم لم يعرفوا هذه الظاهرة في موطنهم الأول، وعندما تفرقوا في البلاد التي فيها جبال كل منهم وضع له لفظا مختلفا عن الآخر.
 
ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا الرأي:
أ- هناك وثيقة تبين أن أحد الملوك الساميين في العراق وهو الملك سرجون الأكادي 2600 ق.م كتب عن أصله في نقش مشهور يفهم منه أنه وعشيرته قد جاءوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب.
ب- هناك وثائق كثيرة تدل على أن أرض العراق كانت أرضاً غير سامية في الأصل حيث كانت موطناً للسومريين وهم جنس غير سامي، ولهم عادات ولغة وملامح غير سامية.
ج- إن وجود كلمة نهر في جميع اللغات السامية مع عدم وجود نهر في بعض المناطق ليس دليلاً قويا، لأن الجزيرة العربية كانت في قديم الزمان بلادا خصبة ذات أنهار وجنان. وأما اختلافهم في كلمة جبل فلا دليل يستفاد منه لأننا نراهم اختلفوا في كلمة رجل ، وقمر ولا يستطيع أن يزعم زاعم أنهم لم يعرفوا مسمياتها إلا بعد رحيلهم من بابل.
 
3- أرض إفريقيا:
التي قد انتقلوا منها إلى آسيا منها. وقد قال بهذا الرأي المستشرق البريطاني بارتون  ونولدكه، مدللا عليه الأخير بوجود تشابه بين اللغات الحامية واللغات السامية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف اختفت اللغات السامية من أفريقيا ما عدا الحبشية القريبة من جزيرة العرب؟ إن ما يتكلم عنه نولدكه مرحلة موغلة في القدم تعود إلى ما قبل العائلة الحامية السامية. هذه الدلائل اللغوية غير واضحة والتشابه لا يعني أن الأصل لا بد أن كان في إفريقيا. لم لا يكون أصل الحاميين والساميين في جزيرة العرب ثم انتقل الحاميون إلى إفريقيا ؟
 
4- شمال سورية بلاد آمورو كما كانت تسمى في النقوش القديمة.
ويحتج المستشرق الأمريكي كلاي بوثائق تقول إن الأسرة البابلية الأولى قد جاءت إلى العراق نازحة من الغرب من إقليم آمورو في سورية، ويشير كلاي إلى بعض التشابه بين الأساطير العراقية والأساطير الفينيقيية وأساطير الساميين في بلاد سورية. هذا التشابه في الخرافات والأساطير لا يقوم دليلا لأن هناك تأثيرات متبادلة بين الإقليمين. ثم كيف يمكننا أن نبرر انتقال الإنسان من بيئة غنية بالنبات والزراعة والمياه والطقس اللطيف إلى مناطق قاحلة. ثم كيف استطاعوا قطع الصحراء قبل استئناس الجمال التي لم  يثبت استئناسه إلا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
 
5- جزيرة العرب (اليمن خاصة):
قال بهذا عدد من المستشرقين مثل إيراهارد شرادر وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والأثري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني، الذين يرون أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية." [3] وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون,  ويؤيد هذا الرأي الأمور التالية: (أ) إن انتقال البشر من المناطق القاحلة إلى الخصبة أمر منطقي تماما. أما القول بعكسه فليس له ما يؤيده من ناحية العقل أو التاريخ. (ب) إن العربية تحتفظ بكثير من السمات اللغوية للغة السامية الأم بينما فقد هذه السمات كثير من اللغات السامية المحاذية لأقوام غير سامية، ومن يحتفظ بالسمات الأولى هو أولى بالأصل من غيره، ولا يعقل أن يكون العرب قد انتقلوا من مناطق لأقوام غير سامية ثم جاءوا إلى جزيرة العرب وبقوا محتفظين بسماتها القديمة. (ج) وجود سمات مشتركة بين العبرية والسبئية، يؤكد هذا ما ذهب إليه مرجوليوث من أن الوطن الأصلي لبني إسرائيل هو بلاد اليمن وليس شبه جزيرة سيناء، وقد اعتمد في رأيه هذا على بعض الخصائص اللغوية المشتركة بين السبئيّة والعبرية، إلى جانب اعتماده على تشابه العادات والتقاليد والأخلاق الدينية عند السبئيين وبني إسرائيل. (د) وجود علاقة بين أسماء بعض الآلهة السامية في الأساطير البابلبية مثل تيامت، وهي آلهة وثنية تهيمن على السواحل، واسم ساحل تهامة وهو ساحل البحر الأحمر في غرب الجزيرة العربية. وعلاقة لغوية بين الأسماء الدينية في التوراة والقرآن الكريم كجنة عدن وبلاد عدن في جنوب الجزيرة العربية.
 
خريطة توزيع اللغات السامية

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Untitl16
 
تقسيم اللغات السامية
اللغات السامية تنقسم إلى ثلاثة فروع هي (1) اللغات السامية الشرقية و (2) اللغات السامية الشمالية الغربية (٣ اللغات السامية الجنوبية الغربية (أو الجنوبية).
 
ولا يضم الفرع الشرقي غير اللغة الأكادية وهى أقدم لغة سامية تم تأكيد وجودها على أساس النصوص المسمارية. وكانت الأكادية مستعملة في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي سنة ٣۰۰۰ قبل الميلاد حتى ما يقارب ١۰۰ سنة بعده.  واستمرّ استعمالها لغة كتابة منذ حوالي 2000 ق.م وحتى القرن الثاني أو الثالث الميلادي. وقد تطور منها لهجتان هما البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال، اللتان خلفتهما الآرامية في القرن السادس ق. م. إنّ الفرق الرئيسي بين اللغات السامية الشرقية واللغات السامية الغربية هو اختلاف نظام الأفعال.
ويحتوي الفرع السامي الشمالي الغربي على اللغات العمورية والأوغاريتية والكنعانية والآرامية. أما العمورية فهي لغة اكتشفت استناداً إلى بعض الأسماء الشخصية التي دخلت في النصوص الأكادية والمصرية وتعود إلى النصف الأول من الألف الثاني ق .م. والأرجح أن العموريين القدماء كانوا من الأقوام البدوية السامية.
 
وتمثل اللغة الأوغاريتية شكلاً قديما من الكنعانية وكانت مكتوبة ومنطوقا بها في أوغاريت (رأس شمرا) على الساحل الشمالي لفينيقيا في القرنين ١٤ و ١٣ ق.م. والنصوص الأوغاريتية الأولى التي عثر عليها في أواخر العشرينات من القرن العشرين مكتوبة بأبجدية مشابهة للخط المسماري.
 
أمّا الكنعانية فتتكون من عدد من اللهجات المترابطة فيما بينها ترابطاً وثيقاً والتي كانت مستعملة في فلسطين وفينيقيا وسورية. وتعود مدوّناتها إلى حوالي سنة ١٥۰۰ ق.م. واللغات الكنعانية الرئيسية هي الفينيقية والفونية والمؤابية والأدومية والعبرية والعمونية وكانت كلها بادئ الأمر تُكتب بالخط الفينيقي. والمدوّنات الفينيقية تعود من مطلع العهد المسيحي إلى ١٠٠٠ سنة ق.م. (نقوش من لبنان وسورية وفلسطين وقبرص وغيرها). أمّا اللغة الفونية التي تطورت من الفينيقية في مستعمراتها حول البحر المتوسط ابتداء من القرن التاسع ق .م فقد ظلّت مستعملة حتى القرن الخامس الميلادي. وأما المؤابية والأدومية والعمونية فكانت منتشرة في أراضى الأردن الحالية. ولم يبق من مدوّنات تلك اللغات إلا القليل من النقوش والخواتم التي تعود إلى الفترة ما بين القرنين ٩ و ٥ ق .م. والأرجح أن الآرامية حلّت محّل تلك اللغات. وأكثر تلك المدّونات شهرة هو النص المؤابي المنقوش في حجر ״ميشع״ والذي يعود إلى حوالي سنة ۸٤۰ ق .م. ويحتوى النص على رواية حروب ميشع (ملك المؤابيين) ضد عمري ملك إسرائيل. أما اللغة العبرية الكلاسيكية أو عبرية الكتاب المقدس فكانت معروفة منذ العهد القديم وكُتبت بها نصوص على مدى ألف سنة. وأقدم النقوش العبرية هو لوح (تقويم جزر) الذي يعود إلى حوالي سنة ٩٢٥ ق .م. وكانت العبرية تُكتب بالأبجدية الكنعانية الفينيقية إلى أن اتخذ اليهود في القرن الرابع ق.م. الخط المربّع من الآرامية وظلّوا يستخدمونه إلى أيامنا هذه. ومع حلول القرن الثالث ق .م.لم يكن مستعملا من العبرية إلا المشناوية في يهوذا. ومع ذلك فقد احتفظ اليهود بتلك اللغة على مدى القرون باعتبارها لغة مقدسة وتم إحياؤها ـ مع ببعض التعديلات ـ في القرن العشرين لتصبح لغة رسمية لإسرائيل في فلسطين المحتلة.
 
أما المدوّنات الآرامية فتعود إلى 8٥۰ ق .م . (على لوح حجري من تل فخرية في سورية). وقد انتشرت الآرامية انتشاراً سريعاً لتصبح في القرن السادس ق .م. لغة الإدارة واللغة الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط فحلّت محل اللغات السامية الأخرى بما فيها الأكادية والعبرية. وحتى عصر الفتوحات العربية الإسلامية في القرن السابع لم يكن لها نظير في الشرق الأوسط إلا اللغة اليونانية. أما مصادر الآرامية قبل الميلاد (الآرامية العتيقة أو الإمبراطورية) فهي النقوش وبعض الخطابات والوثائق المكتوبة على ورق البردي بالإضافة إلى كتابَيْ عزرا ودانيال من العهد القديم. وتضم الآرامية الغربية: النبطية والتدمرية والآرامية اليهودية الفلسطينية) والآرامية السامرية، والآرامية المسيحية الفلسطينية (السريانية الفلسطينية). ومع أن معظم سكّان المملكة النبطية في البتراء وجوارها في جنوب الأردن، وتدمر (شمالي شرقي سورية) والخضر في شمال العراق كانوا عرباً إلا أنهم كتاباتهم كانت بالآرامية مستعملين أنواعاً خاصة بهم من الخط.
 
السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية
وتحتوي اللغات السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية على (1) العربية الجنوبية و (2) العربية الشمالية و(3) اللغات الإثيوبية.
ومن مصادر اللغة العربية الجنوبية بعض النقوش القديمة إضافة إلى اللهجات العامية المنطوق بها حاليا في اليمن و عُمان. وقد اشتقت أبجديتها من الخط الكنعاني الذي جيء به إلى المنطقة من شمال الجزيرة العربية حوالي سنة ١٣۰۰ ق .م . وتعود النقوش العربية الجنوبية ـ وهي في شكل نذور ووثائق ونقوش على القبور ـ إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق. م. و ٥۰۰م. وتضم العربية الجنوبية بضع لهجات منها السبئية والمعينية والقتبانية ولهجة حضرموت. أما اللغات المعاصرة لجنوب الجزيرة العربية فليست مكتوبة وهى في طريقها إلى الانقراض نتيجة انتشار اللغة العربية الشمالية. وأشهر تلك اللغات هي المهرية والسقطرية.
 
العربية الشمالية
وتنقسم إلى العربية البائدة وهي التي كان يتكلمها أبناء قبائل ثمود ولحيان في شمال الحجاز وسكان الصفا في بلاد الشام. وثمة آلاف النصوص القصيرة المنقوشة على الصخور التي تعود إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق.م .و٤۰۰ م. ويعود أقدم النصوص العربية المكتوبة بالخط المشتق من الأبجدية النبطية إلى القرن الرابع للميلاد. ويقع مهد اللغة العربية الباقية (الفصحى) في شمال الجزيرة العربية. والمصادر الأولى لتلك اللغة هي الشعر الجاهلي والقرآن الكريم. ومع ظهور الإسلام وانتشاره انتشرت العربية وأصبحت لغة الثقافة والعلوم من بلاد فارس وآسيا الصغرى إلى المحيط الأطلسي وأسبانيا.
 
والإثيوبية تشبه لغات جنوب الجزيرة العربية أكثر مما تشبه العربية الشمالية. وأقدم تلك اللغات هي الجعزية المعروفة باسم الإثيوبية. ويعتقد بعض علماء الساميات أنها تفرّعت من لغة جنوب الجزيرة العربية في بداية العهد المسيحي لتبلغ أوج اتّساعها في القرن الرابع. وكان تكلّم بها في ذلك الوقت سكّان مملكة أكسوم الواقعة على الحدود الحالية بين إثيوبيا وإريتريا .ومع أنّ الجعزية قد توقف استعمالها كلغة للكلام منذ حوالي ١۰۰۰م  إلاّ أنها ظلت لغة الطقوس الدينية في الكنيسة الحبشية.
 
ومن يتأمل الكلمات التي وردت في الجدول التالي يدرك العلاقة اللغوية بين هذه اللغات: [4]
    اللغة العربية - الماضي والحاضر Untitl11
    اللغة العربية - الماضي والحاضر Untitl12



(ج) يقوم بناء الكلمة على الحروف الصامتة، فهي وحدها التي تؤدي المعنى العام وأما الحركات القصيرة والطويلة والزوائد فوظيفتها تأدية المعاني الاشتقاقية والصرفية، كتَبَ، كاتب، كُتِب، مكتب.
 
(د) يقوم معظم جذور الكلمات السامية على ثلاثة أحرف، وقليل مكون من حرفين مثل أب أخ أو فوق الثلاثة مثل أرنب، قنفذ، عقرب.
(هـ) امتازت اللغات السامية بوجود عدد كبير من صيغ الفعل الدلالية التي قلما توجد في عائلات لغوية أخرى، نحو: فعَل، فعّل، أفعل، فاعل ، تفعّل، افتعل، انفعل،  تفاعل، استفعل، افعلّ، افعوّل، افعوعل.
 
(و) ندرة صيغ الدمج الذي نصادفه في اللغات الأوربية مثلاً حيث تدمج كلمتان أو ثلاث لتصبح واحدة كما في الإنجليزية bodyguard المدموجة من (Body+gaurd) و (homework) المدموجة من (home+work)، لكن هناك في الساميات وخاصة العربية ألفاظ قليلة جاءت عن طريق ما يسمى بالنحت وهو غير الدمج مثل حمدله وبسمله وجعفل.
 
(ز) وجود علامات إعرابية تدل على الموقع الإعرابي أو الحالة التركيبية: المسند إليه، الاسم المسند، و المضاف إليه، إلخ ...، وعلى نصب المضارع وجزمه، وقد فقدت بعض اللغات السامية هذه العلامات ولكن العربية احتفظت بالعلامات الأصلية: الفتحة والضمة والكسرة والسكون وهناك علامات فرعية  كنيابة حركة عن حركة، وحرف عن حركة عن حرف والحذف ...)
 
(ح) وجود صيغ للتثنية في الأسماء والضمائر المنفصلة والمتصلة الدالة على المخاطب والغائب.
 
(ط) اتساع النزعة الفعلية في اللغات السامية، أي أن هناك اهتمام بالفعل بدليل وجود صيغ متعددة له وهناك اشتقاقات لأفعال من أسماء جامدة مثل بطن فلان أي أصابه مرض في بطنه وكبدته  أي أصبت كبده.
 
(ي) تمييز المخلوقات والأشياء إلى مذكر أو مؤنث ولا ثالث لهما، نحو شمس، بئر، سماء، وجبل، قمر، ليل، نهار.

انظر جدول أصوات اللغات السامية

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Untitl17
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 7:22 am

الاختلافات بين العربية واللغات السامية
العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظاً بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.
1- فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية. (قارن جدول الأصوات السامية ومقابلاتها)
2- احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.
3- احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.
4- احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
5- يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
الاختلافات بين العربية والسامية الأم
بالرغم من أن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظا بالسمات السامية القديمة، الصوتية منها والصرفية، وهي بهذا أقرب هذه اللغات إلى السامية الأولى، إلا أن هناك اختلافات بينها وبين أمها الأولى، وهذه الاختلافات يمكن تصنيفها كالتالي:
 
الاختلافات صوتية:
(1) تغيرت بعض الأصوات السامية في العربية:
j   <   g     (ج)
   P >    f (ف)
 Š   >    S (س) فأصبح صوت (ش) السامي و (س) السامي ينطقان في العربية (ش).
Ś    >   Š  (ش)
 
(2) القلب المكاني لبعض الكلمات مثل: بركة > ركبة ، ويدلنا على انقلابها من بركة ما نجده في الأوغاريتية brkm والأكادية burku ، وقد بقي من ركام هذا الأصل في العربية الفعل (برك) أي نزل على ركبه (< بركه).
(3) التغيير الصوتي: حيث حدث إبدال في لبعض الأصوات في مثل: أبّل >  أبّن "مدح الميت" (قارن الجذر ?bl في الأغاريتية والعبرية والآرمية: "ينعى") ، أحد > واحد (قارن: أحد في الأغاريتية و أحّاد في العبرية) ، ألمنة > أرملة (قارن: الأكادية  almattu والأغاريتية almnt) 
 
اختلافات صرفية
(1) تغير صيغة تفعل السامية إلى افتعل، نحو اكتسب (< تكسب)، اختبر (<  تخبر). [5]
(2) أداة التعريف في العربية الـ وفي العبرية هـ ، ويرى بعض علماء الساميات أن هناك علاقة بين أداة التعريف واسم الإشارة، وعليه يرجح هؤلاء أن أداة التعريف في السامية الأم كانت هل (hal) وحذفت الهاء من العربية وأصبحت الـ ، وحذفت ل من البرية وأصبحت هـ .
(3) إقحام النون في بعض المفردات، نحو أنف (أف) قارن الأكادية appu’، والأوغاريتية p’ والعبرية app’؛ أنثى (أثثى) قارن الأوغاريتية ŧt’ (أثة) والأكادية aššatu’.
(4) تغير بعض الضمائر المتصلة، مثل: تغير ضمير الفاعلات: قتلا (أي قتلن) إلى قتلنَ قياسا على المضارع (يقتلن). وتغير ضمير المتكلم المتصل إلى ت في نحو كتبتُ والأصل كتبكُ.
 
اختلافات دلالية:
أي تغير معنى لفظة عن معناها الأصلي إلى معنى خاص، ومن أمثلة ذلك:
لحم: التي يبدو أنها كانت تعني "الطعام" ثم تغير معناها في العربية بسبب التخصيص إلى "لحم الحيوان" وفي العبرية إلى "خبز" وفي السريانية إلى "طعام" و "خبز".
هلك: كانت تعني سار ورحل وهذا معناها في العبرية والآرمية، ولكنها أصبحت تعني في العربية "مات" وهذا التغيير حدث بسبب التلطف في ذكر الموت، قارن رحل أي مات. ولكنها فيما بعد أصبحت أقوى في الدلالة من مات نفسها. ولذلك استخدم فعل رحل بدلها.
أهل: يبدو أن معناها كان "خيمة" ثم استعملتها العرب مجازا للزوجة والأبناء، باعتبارهم من يسكنون داخل الخيمة.
أمس: "مساء اليوم السابق" (قارن الأكادية amšat أمشت) تغير معناها إلى "اليوم السابق."
 
الاشتقاق [6]
اختلف العرب حول تعريف الاشتقاق:
(أ) عرفه الرماني بأنه "اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه (حروف ذلك) الأصل"
 
(ب) وأورد أبو البقاء له تعريفين: (1) رد كلمة إلى أخرى لتناسبهما في اللفظ والمعنى، و(2) أخذ كلمة من أخرى بتغيير ما في الصيغة مع التناسب في المعنى"
 
يلاحظ هنا أنه يوجد اختلاف بين التعريفين فأحدهما عبر فيه بـ (اقتطاع) والآخر بـ (رد). فما سبب هذا الاختلاف؟ أجاب عن هذا التهانوي في كتابه كشاف اصطلاحات الفنون حيث قال إن هذه التعريفات على ضربين:
الأول تعريف بحسب العمل (اقتطاع) وهو أي تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه. وهذا ما نفعله حين نشتق المشتقات القياسية كاسم الفاعل واسم المفعول واسم المكان واسم الزمان من الفعل حسب قواعد اشتقاقية معينة. فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه ولسنا مطالبين بالسماع. وهذا يعبر عنه في علم اللغة باصطلاح: Derivation.
والثاني بحسب العلم وعبر عنه بـ (رد) وهو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب فترد أحدهما إلى الآخر، فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه، وهذا الذي ذكره يشبه ما يعبر عنه باللغات الغربية باصطلاح Etymology وهو أن تنسب كلمة إلى أصل معنى جذرها، مثل (جنين) و(جنن) و(جنة) المأخوذة من (جن) الذي يدور حول معاني "التغطية والستر."
وهناك أمر ثالث مختلف عما ذكر وقد يخفى على بعض الدارسين فيعتبرونه من النوع الأول ألا وهو التصريف وهو تغير في هيئة الكلمة لتوافق التركيب في الجملة وما يقتضيه من حيث الزمان  أو العدد أو الفرد أو الجنس مثل ذهب، ذهبوا، ذهبتُ، ذهبتَ؛ وعامل، عاملان، وعاملون.
 
أصل المشتقات
الاختلاف في أصل الاشتقاق
اختلف أهل اللغة في أصل الاشتقاق فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، وذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه نحو ضرب ضربا وقام قياما.
وأما البصريون فاحتجوا بما يلي:
 
1- المصدر يدل على زمان مطلق والفعل يدل على زمان معين فكما أن المطلق أصل للمقيد فكذلك المصدر أصل للفعل وبيان ذلك أنهم لما أرادوا استعمال المصدر وجدوه يشترك في الأزمنة كلها لا اختصاص له بزمان دون زمان فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه اشتقوا له من لفظه أمثلة تدل على تعين الأزمنة ولهذا كانت الأفعال ثلاثة ماض وحاضر ومستقبل لأن الأزمنة ثلاثة ليختص كل فعل منها بزمان من الأزمنة الثلاثة فدل على أن المصدر أصل للفعل
 
2- المصدر اسم والاسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل وأما الفعل فإنه لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى الاسم وما يستغنى بنفسه ولا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى غيره
 
3- الفعل بصيغته يدل على شيئين الحدث والزمان المحصل والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل
 
4- المصدر له مثال واحد نحو الضرب والقتل والفعل له أمثلة مختلفة كما أن الذهب نوع واحد وما ويوجد منه أنواع وصور مختلفة.
 
5- الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل ألا ترى أن ضَرَب يدل على ما يدل عليه الضرب والضرب لا يدل على ما يدل عليه ضَرَب، وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل والفعل فرع لأن الفرع لا بد أن يكون فيه الأصل وصار هذا كما تقول في الآنية المصوغة من الفضة فإنها تدل على الفضة والفضة لا تدل على الآنية وكما أن الآنية المصوغة من الفضة فرع عليها ومأخوذة منها فكذلك هاهنا الفعل فرع على المصدر ومأخوذ منه
 
6- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لكان يجب أن يجرى على سنن في القياس ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين. فلما اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء والزيت وسائر الأجناس دل على أنه غير مشتق من الفعل
 
7- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان وعلى معنى ثالث كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به فلما لم يكن المصدر كذلك دل على أنه ليس مشتقا من الفعل.
 
8- تسمية المصدر مصدرا دليل على أصالته، لأن (المصدر) في اللغة هو الموضع الذي يُصدَر عنه ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدر فلما سمي مصدرا دل على أن الفعل قد صدر عنه.
 
أما الكوفيون الذين قالوا بأن المصدر مشتق من الفعل فاحتجوا بما يلي:
1- المصدر مشتق من الفعل لأن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله ألا ترى أنك تقول قاوم قِوَاما فيصح المصدر لصحة الفعل، وتقول قام قياما فيعتل لاعتلاله، فلما صح لصحته واعتل لاعتلاله دل على أنه فرع عليه.
 
2- الفعل يعمل في المصدر، ألا ترى أنك تقول ضربت ضربا فتنصب ضربا بضرب، فوجب أن يكون المصدر فرعا للفعل لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول.
 
3- المصدر يذكر تأكيدا للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكِّد فدل على أن الفعل أصل والمصدر فرع.
 
4- هناك أفعال لا مصادر لها خصوصا على أصلكم وهي نعم وبئس وعسى وليس وأفعال التعجب فلو كان المصدر للزم وجود الأصل هنا وهو مصادر هذه الأفعال.
 
وذكر فؤاد ترزي حججا فات الكوفيين إيرادها لتعضيد رأيهم، منها:
5- المصدر اسم لمعنى وأسماء المعاني أسماء مجردة لا يمكن أن تكون أصولاً لألفاظ أقرب منها إلى التجسيد واللغات كما هو معروف تسير في تطورها من التجسيد إلى التجريد لا العكس.
 
6- إن لكثير من الأفعال مصادر متعددة والمعقول أن يشتق المتعدد من الواحد لا الواحد من المتعدد، من ذلك مثلا (مكث) الذي ذكر من مصادره: مَكْث، مُكْث، مَكَث، مكوث، مُكْثان، … إلخ.
 
رأي عبد الله أمين
يرى عبد الله أمين إن أصل المشتقات جميعاً ليس الفعل ولا المصدر، وإنما شيء غيرهما هو الأسماء الجامدة وأسماء الأصوات. الأسماء الجامدة المرتجلة التي لم تشتق من غيرها، نحو: شجر، حجر، سماء، ماء، بطن، يد. وأسماء الأصوات هي حاحا للغنم وسأسأ للحمير، قعْ، دنْ، غاقْ، قبْ. هذه اشتق منها الفعل، ومن الفعل اشتق المصادر وبقية المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان …إلخ. ويمكن بيان ذلك كالتالي:
 
أسماء الأصوات، والأسماء الجامدة   >   أفعال   >   مصادر ومشتقات أخرى
 
النقد:
(1) إنه ينفي أن تكون الأفعال مرتجلة وهي جزء مهم من اللغة متعلق بنشاط الإنسان منذ وجد على البسيطة كالكسر والشق والدق والقطع و لا يعقل ألا يضع الإنسان كلمات لهذا النوع من النشاط.
 
(2) هناك أفعال كثيرة لا تنتمي إلى أسماء جامدة أو إلى أسماء أصوات نحو علم، سار، نام، جلس، وغيرها لذا كان لا بد من افتراض ارتجالها. [7] إضافة إلى أن هناك أفعالا لا تنتمي إلى اسم من أسماء المعاني وأسماء الأعيان والأصوات مثل علم وسمع وجمع.
 
الجذر
الجذر: هو الحروف الأصلية المشتركة بين كلمات معينه تشترك في معنى عام، مثل (ج.ن) التي تتكرر في: جنَّ- جَنه – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن.
 
آراء العلماء في الجذر: قال بعضهم هي كلمات كان لها في مرحلة من تاريخ اللغة معان معينة. وقال آخرون إن الجذور ما هي إلا افتراضات استنتجت من المشتقات ولا وجود لها إلا في أذهان بعض اللغويين.
الصلة بين الجذور والمشتقات:
هناك علاقة صوتية فبين جَنة – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن وجود الجيم والنون. ثم هناك علاقة دلالية معنوية لأن معاني هذه الألفاظ تشترك في معنى عام هو "التغطية والستر"
أمثلة أخرى:
غ ف ر (التغطية)
غفر: غطى؛ الغفارة: غطاء للمرأة؛ مغفر: البيضة التي يضعها الفارس على رأسه؛ غفر: عفا (غطى على ذنبه)؛ الغفير : الكثير (لأنه يغطي).
 ع ف و (التغطية والنماء)
عفا: نما وطال (يغطى)، العفاء: الريش والشعر (شيء ينمو ويغطي).
عفا: غفر له (غطى على ذنبه) عفت الديار: طمست (غُطيت) (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)
مراجع
[1]  كايد، إبراهيم، "العربية بين الساميات"
[2]  كايد، إبراهيم "العربية بين الساميات"
[3]  كايد، إبراهيم "العربية بين الساميات"
[4]  موسوعة مقاتل "السمات العامة للغة العربية"
[5]  رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، 234.
[6]  انظرفؤاد ترزي، الاشتقاق.
[7]  ترزي، 70.
أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية
 
 
 
الأبجدية والتعليم في أوغاريت
 
  بقلم الكاتب: سجيع قرقماز
 
شهد العالم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد بداية التحولات الثقافية , والتعليمية, من حيث التفكير بتغيير الأنماط الكتابية السائدة, وبالأخص الثورة على الهيروغليفية, والمسمارية, الأكثر تداولا ًفي العالم القديم حينها , والثورة جاءت من الساحل السوري الذي كان صغيرا ً بمقاييس المساحة, والنفوذ والقوة, لكنه كان الأكبر من حيث المساهمة الحضارية التي قدمها للإنسانية.
 
لا شك بأن محاولات برمجة اللغة, والكتابة في ذلك الوقت كانت هاجسا ً بالنسبة للقائمين عليها لكي يتم تسهيل التعامل معها, نظرا ً للصعوبات الكبيرة في التعامل مع اللغتين الدوليتين السائدتين حينها:
1-الهيروغليفية , وكثرة رموزها وأسمائها وحروفها .
2-المسمارية المقطعية , حيث كل شكل ٍ فيها يمثل مقطعا ً صوتيا ً كاملا ً.
وحيث في الكتابتين آلاف الأشكال المكتوبة , مما يجعل استخدامها صعبا ً.
وهذا ما نراه إلى اليوم في اللغتين (اليابانية , والصينية) اللتين لا تعتمدا  الأبجدية.
لذلك - وكما حدث في تعميم الحاسب في العصر الحديث – كان اختراع الأبجدية نوعا ً من تعميم الكتابة, وجعلها في متناول الناس, وليس الطبقة الحاكمة (السياسية والدينية).
 
الأبجدية واللغة والكتابة
قبل الحديث عن أبجدية أوغاريت، دعونا نفرق بين المصطلحات المتعلقة بهذه القضية, وخاصة التفريق بين اللغة والكتابة والأبجدية:
- اللغة, وهي التي تحدث بها الناس منذ مئات الآلاف من السنين.   
- الكتابة, وجدت بأشكال ٍ مختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ.
- الأبجدية, أي ترتيب الحروف لاستخدامها في الكلمات, وفق أسس معينة, والتي تدل الأبحاث الأثرية أن (أوغاريت) هي التي اخترعتها في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد , وإن كنا نحبذ القول دائما ً (أقدم أبجدية حتى   الآن ) فهذا لأن محاولات أخرى في اختراع الأبجدية, وجدت في تلك الفترة , وخاصة ً في (مصر) لكن الأبحاث ـ حتى الآن ـ  لم تعط دليلا ًعلى وجود أبجدية, لكنها يمكن أن تعطي, وكما كان العالم يقر بأبجدية (جبيل ) الأولى, قبل اكتشاف (أوغاريت) فإنه عند وجود أدلة ٍ مادية على أن أية دولة ٍ أو حضارة ٍ قد اخترعت الأبجدية في وقت يسبق (أوغاريت ) سيصحح التاريخ ثانية ً وهذه هي الميزة الجميلة للعلم بعيدا ً عن أية تعصبات إقليمية ٍ.
 
أول أبجديةٍ في التاريخ
أساسٌ مصري , صنع ٌ سوري , وتوزيع ٌ لبناني
كما ذكرنا في البداية هناك محاولات في الكتابة الأبجدية, وفي وادي النيل تحديدا ً لكن هذه المحاولات لم تعط سوى الأبجدية السينائية, غير المكتملة, ورغم عدم وجود دليل ٍ أكيد ٍ على أن الأوغاريتيين أخذوا من المصريين , أو أن أبجديتهم نهلت من المصرية, فإن التشابه يقود إلى ذلك, وإن التأثر والتأثير المتبادلين في تلك الفترة يفرض ذلك, وهذا ما سنراه عند المقارنة بين أبجدية (جبيل) وأبجدية (أوغاريت). مع ذلك فإن بعض الدارسين للغة الأوغاريتية –ومنهم راؤل فيتالي - يؤكدون أن الأبجدية الأوغاريتية هي اختراع ٌ محلي ٌ صرف , وليس تطويرا ً لأية أبجدية ٍ أخرى.
دونت أبجدية (أوغاريت) في عهد ملكها الأشهر–نقماد الثاني– (1370-1340ق .م ) وهي مكونة من 30 حرفاً, وتأخذ الترتيب الأبجدي العربي المعروف (أبجد هوز حطي كلمن....) ولا تختلف عن العربية إلا في غياب الضاد عنها ,وفي وجود حرف (سين) ثان ٍ لم يستخدم إلا في الكلمات التي هي من أصل ٍ غير أوغاريتي. 
أما أبجدية ( جبيل ) فقد دونت في القرن العاشر قبل الميلاد في عهد – أحيرام الشهير – وهي مكونة من 22 حرفا ً , وإذا قارنا بينهما نجد أن  أبجدية (جبيل) هي  تطوير ٌ لأبجدية (أوغاريت) ولا يمكن أن تسبقها , والمعروف  طبعا ً أن  أبجدية (جبيل) هي الفينيقية التي أخذها الغرب من سورية , وحيث كانت أوغاريت غائبة (مدمرة) ويبدو أنها المقصودة في كلام –فيليب حتي -:  (إن الفضل يعود لـ - قدموس – أخي– عربا– في إدخال حروف الهجاء إلى بلاد الإغريق (بالطبع ومنها إلى أوروبا). إذا ً هناك أساس مصري ٌ, وفعل ٌسوري ٌ, وتوزيع لبناني (بالمقاس الحديث للتوصيف).
 
فن الكتابة في أوغاريت: 
إن الكتابة التي كانت تعتبر في العهود السحيقة بمثابة أم العلوم، تشغل مركز الصدارة في اهتمامات مثقفي أوغاريت. ونجد بهذا الصدد، من بين نصوص رأس الشمرة، نصاً يحمل دلالة كبيرة. إنه على وجه التحديد صلاة كتبت بصيغة رسالة موجهة من كاهن إلى أحد الآلهة، وموضوعها طلب حظوة كاتب مستجد ومساعدته، ومما جاء في  النص:
(للقضية التي أستعطفك من أجلها، لاتظهر، في عظمتك، عدم الاهتمام ... بهذا التلميذ الفتي، الجالس أمامك . لاتظهر عدم الاهتمام ... في فن الكتابة، أي سر، اكشف له ... العدّ، المحاسبة،أي حل، أكشف له... الكتابة السرية، أكشف له! القصب المبري والجلد،الدهن والفخار،أعط ذلك لهذا التلميذ الفتي .. إذن، من كل ما يتصل بفن الكتابة، لا تهمل شيئا ).
لم يكشف في أوغاريت، كما هي الحال في ماري، عن صف ومقاعد درس، كما لم يكشف عن فروض كتبها التلاميذ ودققها مدير المعهد، كما هي الحال في ايبلا. لكن، ما أكثر الشواهد  التي تدل على نشاط مدرسي مكثف، واذا لم يجر ذلك النشاط بالضرورة في أماكن معدة للتعليم خاصة، فلدينا بالمقابل أكثر من قرينة، تبرهن على أن التعليم كان يتم في القاعات المعدة للأضابير،وفي المكتبات، إذ إن معظم الوثائق ذات الطابع المدرسي، قد وجدت في تلك القاعات.
وهكذا فقد جمعت من الديوان الغربي للأضابيرفي القصرالملكي،عدة أقلام كانت تستخدم لحفرالإشارات المسمارية فوق فخارالرقم، كما عثر على تمرين مدرسي. يتضمن أربعة حروف تفصل بينها خطوط صغيرة عمودية، ثم كلمة مركبة من تلك الحروف. فيمكننا التخيل بأن المعلم كان يملي على تلاميذه تلك الأحرف، ويكون عليهم من ثم أن يؤلفوا منهاكلمة.
وهناك  اكتشافات كثيرة تلحظ  جهود الكتبة، والتعليم الذي كانوا يقدمونه دون حدود لتلامذتهم. وتميز بسهولة، إذا كانت الإشارات المسمارية من نقش يد ماهرة مدربة، أو أنها من صنع يد قليلة خبرة.
 
تفكيـك المقطـع الصوتي:
لا يسعنا إلا أن نتوقف هنا عند تلك اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها فكرة عبقرية في ذهن كاتب من كتبة أوغاريت . كان ذلك الكاتب يبغي تدوين اللغة المحلية، وشغله هاجس اكتشاف طريقة في الكتابة، أسهل مما كان معروفا في ذلك العصر. يقول جبرائيل سعادة عن ذلك : 
"هؤلاء الكتبة من أوغاريت كانت بين أيديهم على الدوام نصوص أكادية بالكتابة المسمارية المقطعية. وتعلموا هم أنفسهم، كتابة الأكادية التي كانت آنذاك اللغة المنتشرة.
وها هي ألف سنة تدور دورتها، دون أن يدور في خلد أحد أنه كان بالإمكان إيجاد كتابة، يمثل فيها كل شكل حرفا واحدا، بدلا من تمثيل مقطع صوتي، وتلك هي القاعدة البسيطة التي نهضت عليها جميع أبجدياتنا الحديثة . كان قد رسخ في اعتقاد الكتبة أن الحرف الجامد على ارتباط لافكاك له مع الصوت الذي يليه . وكان المقطع الصوتي، على ذلك، يؤلف عنصرا ثابتا، غير قابل للتجزئة، شأنه شأن الذرّة . ونعلم مقدار ما بذل من جهود، وعلم، ووقت، قبل التوصيل إلى تفتيت الذرة. وعلى المنوال نفسه، أمضت البشرية زمناً مديداً، ،قبل أن تكتشف إمكانية تفكيك المقطع الصوتي. كانت البشرية، ولا شك، تتطلع إلى كتابة جديدة، تخلصها من القيم المقطعية التي تجعل الكتابة على درجة كبيرة من الصعوبة. تلك الرغبة الكامنة كمون الجمر تحت الرماد، خرجت إلى حيز الواقع، وأصبحت حقيقة ملموسة عندما تحقق المشروع الجريء الذي باشره كاتب نجهل اسمه، وقدر له أن يعيش على الشاطئ السوري، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. إن ذلك الإبداع القائم ولا شك على العبقرية، وعلى ملكة تجريد راسخة وعظيمة، قد أتاح ولادة أبجدية في غاية التبسيط، ولا تشتمل إلا على ثلاثين حرفاً فقط."
 
رقم القراءة الأبجدية:
توجد  عدة وثائق غاية في الأهمية ، لأنها تدخل بنا إلى صميم العلاقة بين الكتبة والتلاميذ , ونعني بذلك رقم القراءة الأبجدية، والتي نجد فيها أحرف أبجدية أوغاريت الثلاثين مرتبة بحسب التسلسل الذي كان معتمدا آنذاك، وهذا التسلسل المحدد الذي تشهد عليه جميع رقم القراءة التي عثر عليها حتى الآن، يدل على أن تلك الوثائق إنما وضعت بغاية التعليم، أي أن الكتبة المستجدين كان باستطاعتهم أن يحفظوا بسهولة أكبر، وعن ظهر قلب، الأحرف الثلاثين وهي تعرض أمامهم حسب تسلسل لا يتغير . وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الترتيب، يكاد يكون ترتيب الأبجدية اليونانية ذاته، لو لابعض الفروق الطفيفة .
ويتابع  جبرائيل سعادة :
"إنه لأمر يبعث على التأثر أن نفكر بأن الأطفال اليوم في عدد كبير من بلدان المعمورة، يتعلمون استظهار الأبجدية بالترتيب الذي اختاره لها كاتب من أوغاريت منذ أربعة وثلاثين قرنا من الزمن ."
 
يبلغ عدد رقم القراءة الأبجدية المكتشفة حتى الآن  اثني عشر رقيماً، بعضها لم تنشر بعد، يوجد بينها خمسة رقم نقشت فيها الأبجدية مرة واحدة، دون وجود أي نص . فتلك التي كتبت بخط جميل كانت، دون أدنى شك، بمثابة رقم نموذجية أعدها الكتبة للتداول بين أيدي التلاميذ . أما تلك التي تتراوح كتابتها جودة ورداءة، فهي تشير ولاشك إلى أنها من صنع كتبة مستجدين، يبذلون جهدهم في إعادة رسم الإشارات . وهناك رقيم لا يحمل إلا الأحرف الستة الأولى من الأبجدية . فهو، على ما يبدو، وظيفة لم تكمل، لسبب أو لآخر .
يوجد  أيضا رقيمان يشهدان بوضوح تام أنهما لكاتب مستجد , في اللوح الأول يعيد نسخ الأحرف العشرة الأولى سبع مرات، ثم  ازدادت ثقته بنفسه، فاندفع ينسخ جميع الإشارات دفعة واحدة . ثم الرقيم الثاني الذي يوجد في قسمه العلوي إشارات الأبجدية مكتوبة بيد المعلم موزعة في سطرين، في الأول منهما اثنان وعشرون حرفا، وفي الثاني ثمانية .
بينما في القسم السفلي راح التلميذ، بسبب شروده أو سذاجته ينسخ النموذج المعطى له مبتدئا بالأحرف الثمانية من السطر الثاني، من القسم العلوي .
وهناك  لوح مثير للفضول هو إما مسودة، وإما نموذج مخصص للكتبة المكلفين بالمراسلة . إذ بالإضافة إلى الأحد عشر حرفا الأولى من الأبجدية، توجد  بعض عبارات التمني التي غالبا ما نشاهدها في رسائل رأس الشمرة . (فلتحفظك الآلهة، فلتنقذك !.) فلتحقق أغلى الأماني، برضى الآلهة، لأخي، لصديقي ! ..))
نعرض أخيرا إلى رقيم رتبت فيه أبجدية أوغاريت في أعمدة، ويوجد مقابل كل حرف المقطع الصوتي الأكادي المطابق له باللفظ . إنه ولا شك جدول مقارن وضع لخدمة الكتبة المكلفين بالترجمة من الأوغاريتية إلى الأكادية، وبالعكس . ويسمح لنا هذا اللوح الأخير أن نتحدث عن معارف كتبة أوغاريت، وإطلاعهم على اللغات الأجنبية، وعلى كفاءتهم في ميدان الترجمة ."
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 7:23 am

اللغات الأجنبية:
نحن الآن بصدد الحديث عن القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، حيث كان معظم الكنعانيين في أوغاريت يتحدثون اللغة التي حفظتها لنا النصوص المكتوبة بالمسمارية الأبجدية التي تحدثنا عنها أعلاه،  يمكن  إذن أن  نقول  إنها :  اللغة  الكنعانية أو : اللغة الأوغاريتية .وهي لهجة سامية قريبة كل القرب من اللغة العربية التي تشترك معها بأكثر من ألف كلمة . بالإضافة إلى الكنعانيين،كان هناك عدد لابأس به من الحوريين قدموا من شمال شرقي سورية . وكان هذا الشعب الهندو ـ أوروبي يتكلم ويكتب اللغة الحورية . وهكذا يمكن القول بأن الأوغاريتية والحورية كانتا اللغتين المحليتين للمدينة.
لا بد من إضافة اللغة الأكادية , والتي تعتبر اللغة الرسمية في ذلك الوقت , وهي التي ولدت في بلاد الرافدين نحو منتصف الألف الثالثة ق .م. وكانت لغة المراسلات السياسية , والتجارية في مختلف ممالك ذلك العصر . وكذلك اللغة السومرية , ويمكن وصفها باللغة العلمية . , ورغم  أن لغة  المراسلات مع (مصر , والحثيين ,   وقبرص ) باللغة الأكادية , فقد وجدت بعض الرقم وعليها كتابات بلغة تلك البلدان .
لغة التعليم والأدب  في أوغاريت لم تخرج عن الأوغاريتية , والحورية , جنبا ً إلى جنب مع الأكادية , والسومرية . وهناك نماذج عديدة لترجمات , ونصوص مقارنة , ومقتطفات من آداب تلك الشعوب منقوشة بأكثر من لغة .
 
أبجدية أوغاريت:
وجد الرقيم الذي دونت عليه الأبجدية في إحدى الغرف الملحقة بقصر  أوغاريت ، وهو لوح طيني مشوي قياسه : 6-1,5-1 سم , وهو محفوظ حاليا ً في متحف دمشق الوطني , يقول العالم السوفيتي (شيفمان) عنها:
" تنتسب اللغة الأوغاريتية , من حيث التصنيف العام المعترف به إلى الفئة الكنعانية الأمورية من مجموعة اللغات السامية الشمالية الغربية ."
ويقول عنها العالم الفرنسي أندريه كاكو: إن الأبجدية الأوغاريتية , كما هو الحال في الفينيقي والآرامي والعبري والعربي , لهجةٌ تابعة ٌ للغات السامية "
 
اللغة الأوغاريتية واللغة العربية الفصحى:
في ندوة أقيمت في جامعة اليرموك في الأردن ألقى جبرائيل سعادة محاضرة حول اللغة الأوغاريتية واللغة العربية تحدث فيها عن الجوانب المشتركة بين اللغتين  ونحن هنا لن نفصل كثيرا ً في هذه المحاضرة بل سنتناول أهم مفاصلها التي تخدم بحثنا هنا يقول سعادة:
"نرى لزاما ً علينا أن نخوض في العلاقة بين اللغة الأوغاريتية واللغة العربية لأن العلماء الأجانب من أوروبيين وأمريكيين عودونا , مع الأسف , أن يبعدوا عن أبحاثهم وتحرياتهم كل ما هو عربي , لا سيما في مجال دراسة اللغات الاشرقية القديمة".
ويصرح د. علي أبو عساف:
" نلاحظ أن معظم العلماء المهتمين بدراسة اللغات الشرقية قللوا من استشهادهم بمفردات اللغة العربية وقواعدها حين يدرسون نصاً أوغاريتياً  أو آرامياً, إن اللغة التي نتحدث عنها ليست سوى المرحلة النهائية التي تطورت إليها لغات بلادنا القديمة, التي وصلت إلينا بالخط المسماري,أو بالأحرف الأبجدية, فهي إذا ًوريثة تلك اللهجات بكل ما في هذه الكلمة من معنى."
 
 الدكتور الياس بيطارمدرس اللغات القديمة  يقول في كتابه (قواعد اللغة الأوغاريتية ):
"إن البناء اللغوي للغة الأوغاريتية ربما يمثل الطفولة المفقودة للغة العربية التي لم تكشف حتى الآن .فالأوغاريتية تتطابق مع الجذور اللغوية التي تظهر في هذا العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين , وكذلك في البناء اللغوي الذي أثبتت دراسته – بالمقارنة مع اللغات الشرقية الأخرى – أنه واحد."  
 يتابع سعادة:
"بالنسبة للمفردات , يبلغ عدد الكلمات الأوغاريتية  الواردة في النصوص المكتشفة حوالي 2768 كلمة يتضمن هذا العدد أسماء الآلهة , وأسماء الأشخاص, وأسماء الأماكن , حيث يبلغ 1492 كلمة, فإذا طرحنا هذا العدد من مجموع الكلمات, يصبح عدد الكلمات النكرة 1276 كلمة. لقد أحصى العالم العراقي عزالدين الياسين عدد المفردات المشتركة بين الأوغاريتي والعربي فتوصل إلى 660 كلمة , لكن تبين بعد ذلك أن العدد يصل إلى حوالي ألف كلمة , أي أن ثلثي المفردات الأوغاريتية مطابقة تمالما ً للمفردات العربية , أو قريبة جداً منها(جدول 1).
إن التشابه لا يقف عند هذا الحد, فهناك تفريق بين الحاء والخاء في اللغتين, وكذلك بين العين والغين, وهناك نقاط تشابه في مجال الصرف, والنحو: كالتشابه في الجملة الفعلية, واستخدام المثنى, وجمع المذكر السالم , وجمع المؤنث السالم , وجمع التكسير."
 
التشابه مع اللهجة الدارجة في اللاذقية:
هذا التشابه واضح ٌ في أكثر من مجال , يقول العالم الإنكليزي جون هيلي:
"إن سكان اللاذقيةهم في مجال الثقافةواللغة ورثة الشعب الذي كان قاطنا  ً في أوغاريت , فلا غرابة أن تكون بعض المفردات , وكذلك أشكال ٌمن قواعد الصرف قد بقيت في اللغة المحلية الدارجة , ولا شك أن هذا سيسهل دراسة النصوص الأوغاريتية ,وخاصة ً عندما ترد عبارة:  (شبع بكي ) ."
أضف إلى ذلك اختفاء حرف النون في اللغة الأوغاريتية, والدارجة اللاذقانية: بت عوضاً عن بنت, إت عوضا ًعن أنت أف /أنف, حطة / حنطة ...(للمزيد راجع جدول رقم 2).
 
فإذا كان الصمد الذي اخترعه الأوغاريتيون , السبب في اكتشاف أوغاريت ,عندما اصطدم صمد محمود منلا (الزير) بحجر ٍ كبير ٍ من حجارة أوغاريت , ففتح الباب واسعا ً أمام التحريات الأثرية التي عرفت العالم على أوغاريت , وحضارتها, فإن الكلمات الأوغاريتية التي ما تزال تعيش بيننا كثيرة ٌ جدا ً , ,فإذا سمعت ابن اللاذقية يقول حتى اليوم :
" ما فا الدجن ببيتنا " فهو يقصد: لا يوجد الدجن في بيتنا , والدجن اسم إله القمح (داجن) ويقصد به في اللاذقية الخبز.
ولا تستغرب أن يقال عن الأهبل : خفوشة , فقد كان أجدادنا الأوغاريتيون يستخدمون الكلمة بالمعنى نفسه .
أخيرا ً إذا كنت من اللاذقية فلا يحرجك تندر البعض حول كلمة : عيّن(المشددة) فاستخدام الإسم كفعل ٍ كان دارجا ُ في أوغاريت , وكذلك تسكين الحرف الأخير من الفعل الجماعي : أخدوهْن , أكلوهْن ...
 
أما إذا كنت فعلا ً من أحفاد الأوغاريتيين فهذا فخر ٌ لك , وواجب ٌ عليك أن تحرص على تلك الحضارة , وتعرف العالم عليها , وإلا ينطبق عليك ما أفعله ببعض السياح السوريين عندما يزورون أوغاريت , فأقول لهم :
أولاً: المهم في أوغاريت لن تروه هنا , فهو في المتاحف والكتب .
ثانياً: هذه الحجرة الكبيرة , ليست طاولة , كما يحاول الدليل المحلي اقناعكم .
ثالثاً: إذا كنتم تعتقدون أن الأغاريتيين أجدادكم فأنتم مخطئون .
 
 
(الجدول رقم 1)
المفردات الأوغاريتية المطابقة للعربية:
 
أسماء

برق,دمع,كبد,كلب,مطر,كرم ,ملك,  ملكة,ذئب,ذراع,ظبي,خنزير,دم,خيمة, خمر بركة، أب، أخ وأخت، هو، هي، هن، ولد، زيت، حطب، يد، مخ, أرز، ، أفعى، أجرة، أسير، إصبع، أمر إذن، هلال، حكيم، حلم، حكمة، حليب، حمار،حياة، عجل وعجلة، عظم، عظيم،عطر، عندما عود، عرب، على، عالي وعلي، عفر، عبد، غزو، غلام، ظلمة، قصير، قدس، قرن، كما، كاهن، كأس وكيس، كتف، كل، كف، جدي، جدار، جوف، جبل، سنونو، شعير، سكران، إست، شرع، سن، سماء، شفة، سافل، شائب، شبع، سبلة، ثدي, صغير,صيد,صدق,صمد,طل,طيب,ثغر,ثور,تينة,تحت,ترميم,تنين,تل, تفاح, دقيق,دقن,ظهر ,ظل,ظلمة,وداد, دور,ذليل,ذمة,ذبيحة,رأس,روح,رحى,راحة, رحيم,رحب,راع,رب,نهر,نهار,نعل,ناعم,نغم, نجار,نسر,نار,نفس,لسان,لب,لبوة,موعد,مقام,مطر,موت,مزروع,مركبة,

مرض,منحة,منفخ,فؤاد,فحم,فعل,تام,بئر,بعد,بكر,بتولة,بيت,بن,بين,بلا,

بك,وحيد,يسر,يتيم,يد,يم,يوم,يمين. 

 

أفعال

أحب، أخي، أخد، أكل، أجر، إذن، حجر,حدث,حرث,خسر,عزز,عاد,

عدد,علا,عبر,ظمأوقص,قدم,قرب,قل,قام,قبر,قبل,قابل,قصد,كان,جعر,

سأل,سقى,سكن,سار,صاح,صلى,طعن,طرد,طبخ,تم,تابع,زرع,دنى,دام,

ركب,ناح,نجا,نسي,نصب,لبس,مسح,مص,مات,مر,ملأ,فتح,فرش, بكى,

بشر,بصر,برك,بارك,بين,بلي,وقى,وسن,ورث,شرب,كتب,بنى,أمر,بلل,

     اللغة العربية - الماضي والحاضر Untitl18
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:41 am

علم الإنشاء
الجزء الأول
من كتاب جواهر الأدب
في أدبيات وإنشاء لغة العرب
 
 
مقدمة في علم الإنشاء
الإنشاء لغة الشروع والإيجاد والوضع تقول أنشأ الغلام يمشي إذا شرع في المشي وأنشأ الله العالم أوجدهم وأنشأ فلان الحديث وضعه واصطلاحاً علم يعرف به كيفية استنباط المعاني وتأليفها مع التعبير عنها بلفظ لائق بالمقام وهو مستمد من جميع العلوم. وذلك لأن الكاتب لا يستثنى صنفاً من الكتابة فيخوض في كل المباحث ويتعمد الإنشاء في كل المعارف البشرية.
وينحصر المقصود منه في ثلاثة أبواب وخاتمة وملحق.
 
الباب الأول في أصول الإنشاء
وهي أربعة: مؤاده وخواصه وطبقاته ومحاسنه.
أما مواده فثلاث:
الأولى: الألفاظ الفصيحة الصريحة.,
الثانية: المعاني.
الثالثة: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة ومرجعها إلى الفصاحة وعلمي المعاني والبيان.
 
وأما خواصه فهي محاسنه السبعة
وهي: أولاً: الوضوح بأن يختار المفردات البينة الدلالة على المقصود وأن يعدل عن كثرة العوامل في المجلة الواحدة وإن يتحاشى عن الالتباس في استعمال الضمائر وأن نسبك الجمل سبكاً جلياً بدون تعقيد والتباس وأن يتحاشى عن كثرة الجمل الاعتراضية.
 
وثانياً: الصراحة بأن يكون الإنشاء سالماً من ضعف التأليف وغرابة التعبير بحيث يكون الكلام حراً مهذباً تناسب ألفاظه للمعاني المقصودة كما قيل:
تزينُ معانيه ألفاظهُ
وألفاظه زائناتُ المعاني
ويكون الكلام صريحاً بانتقاء الألفاظ الفصيحة والمفردات الحرة الكريمة وكذا بإصابة المعاني وتنقيح العبارات مع جودة مقاطع الكلام وحسن صوغه وتأليفه. وكذا بمراعاة الفصل والوصل وهو العلم
بمواضع العطف والاستئناف والاهتداء إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها.
 
وثالثاً: الضبط وهو حذف فضول الكلام وإسقاط مشتركات الألفاظ كقول قيس بن الخطيم المتوفي سنة 612م.
أرى الموتَ لا يرعى على ذي قرابةٍ
وإنْ كان في الدّنيا عزيزاً بمقعد
لعمرك ما الأيام إلاّ معارةٌ 
فما اسطعتَ من معروفها فتزوَّد
ورابعاً: الطبعية بأن يخلو الكلام من التكلف والتصنع كما قال في رثاء ابنه أو العتاهية المتوفي سنة 211ه?.
بكيتك يا بني بدمع عيني
فلم يغن البكاءُ عليك شيّا
وكانت في حياتك لي عظاتٌ
وأنت اليوم أوعظُ منك حيّا
وذلك لأن من تطبع طبعه نزعته العادة حتى ترده إلى طبعه كما أن الماء إذا أسخنته وتركته عاد إلى طبعه من البرودة. وحينئذ الطبع أملك.
وخامساً: السهولة بأن يخلص الكلام من التعسف في السبك وأن يختار ما لان منها كما قال في الأشواق بهاء الدين زهير المتوفي سنة 656ه?.
شوقي إليكَ شديدٌ
كما علمتَ وأزيدْ
فكيفَ تنكرُ حبَّا
بهِ ضميرك يشهدْ
وأن تهذب الجمل وأن يأتلف اللفظ مع اللفظ مع مراعاة النظير كما قال الشاعر في الوداع.
في كنفِ الله ظاعنٌ ظعنا
أودع قلبي وداعه حزنا
لا أبصرتْ مقلتي محاسنه=إنْ كنتُ أبصرتُ بعده حسنا قال بعض البلغاء أحذركم من التقعير والتعمق في القول وعليكم بمحاسن الألفاظ والمعاني المستخفة المستملحة فإن المعنى المليح إذا كسي لفظاً حسناً وأعاره البليغ مخرجاً سهلاً كان في فلب السامع أحلى ولصدره أملأ قال البستي:
إذا انقادَ الكلامُ فقدهُ عفواً
إلى ما تشتهيه من المعاني
ولا تكرهْ بيانكَ أنْ تأبى
فلا إكراهَ في دين البيان
وسادساً: الاتساق بأن تتناسب المعاني كقول المتنبي المتوفي سنة 346ه?.
ومازلتُ حتى قادني الشوقُ نحوه
يسايرني في كلّ ركبٍ له ذكرُ
وأستكبرُ الأخبارَ قبلَ لقائهِ
فلمّا التقينا صغّرَ الخبرَ الخبرُ
وسابعاً: الجزالة وهي إبراز المعاني الشريفة في معارض من الألفاظ الأنيقة اللطيفة كقول الصابئ المتوفي سنة 384ه?.
لك في المحافل منطقٌ يشفي الجوى
ويسوغُ في أذن الأديب سلافه
فكأنّ لفظكَ لؤلؤٌ متنخّلٌ
وكأنّما آذاننا أصدافهُ
وأما عيوبه فسبعة الهجنة بأن يكون اللفظ سخيفاً والمعنى مستقبحاً كقوله:
وإذا أدنيتَ منهُ بصلاً
غلبَ المسكَ على ريح البصل
والوحشية كون الكلام غليظاً تمجه الأسماع وتنفر منه الطباع كقوله:
وما أرضى لمقلتهِ بحلم
إذا انتبهتَ توهَّمهُ ابتشاكا
والركاكة ضعف التأليف وسخافة العبارة كقول المتنبي المتوفي سنة 346ه?.
إنْ كان مثلك كان أو هو كائنٌ
فبرئتُ حينئذٍ من الإسلام 
والسهو عبارة عن ضعف البصر بمواقع الكلام المتنبي يشبه ممدوحه بالله تعالى (وهو كفر).
تتقاصرُ الأفهامُ عن إدراكه
مثل الذي الأفلاكُ منهُ والدُّني
والإسهاب الإطالة الزائدة المملة في شرح المادة والعدول إلى الحشو كقوله:
أعنى فتى لم تذرُّ الشَّمسُ طالعةٌ
يوماً من الدّهر إلا ضرَّ أو نفعا
والجفاف الإيجاز والاختصار المخل كقول الحارث بن حلزة المتوفي سنة 232ه?.
والعيشُ خيرٌ في ظلال النّوكِ 
ممَّن عاشَ كدّا
ووحدة السياق التزام أسلوب واحد من التعبير وطريقة واحدة من التركيب بحيث تكون للأذهان كلالا وللقلوب ملالاً.
وللكلام عيوب كثيرة منها اللحن ومخالفة القياس الصرفي وضعف التأليف والتعقيد والتكرار وتتابع الإضافات إلى غير ذلك من الأشياء التي تكون ثقيلة على اللسان مخالفة للذوق والعرب غريبة على السمع.
 
وأما طبقاته ثلاث الأولى: الطبقة السفلى ومرجعها إلى الإنشاء الساذج وهو ما عرا عن رقة المعاني وجزالة الألفاظ والتأنق في التعبير فهو بالكلام العادي أشبه لسهولة مأخذه وقرب مورده ويستعمل في المحافل العمومية ليقرب منال المعاني على جمهور السامعين في المقالات والتأليف العلمية لينصرف الذهن إلى أخذ المعنى وليس دونه حائل من جهة العبارة وفي المكاتبات الأهلية والرحلات والأسفار والأخبار وما شابه ذلك (الثانية: الطبقة العليا) ومرجعها إلى الإنشاء العالي وهو ما شحن بغرر الألفاظ وتعلق بأهداب المجاز ولطائف التخيلات وبدائع التشابيه فيفتن ببراعته العقول ويسحر الألباب ويصلح في الترسل بين بلغاء الكتاب وفي المجالس الأدبية وديباجة بعض التصانيف إلى غير ذلك من المواضع التي من شأنها الزجر وتحريك العواطف والحماسة.
 
(الثالثة: الطبقة الوسطى) ومرجعها إلى الإنشاء الأنيق وهو ما توسط بين الإنشاء العالي والساذج فيأخذ من الأول رونقه ومن الثاني جلاءه وسلامته ويصلح في مراسلات ذوي المراتب وفي الروايات المنمقة والأوصاف المسهبة وفي خطب المحافل وما أشبه ذلك.
وأما محاسنه فهي أساليب وطرائق معلومة وضعت لتزيين الكلام وتنميقه لغرض أن يتمكن البليغ من ذهن السامع بما يورده من أساليب الكلام المستحسنة فيحرك أهواء النفس ويثير كامن حركاتها، ولغرض أن يكون قوله أشد اتصالاً بالعقل وأقرب للإدراك بتصرفه في فنون البلاغة.
 
كيفية الشروع في عمل مواضيع الإنشاء
إذا عن لك أو اقترح عليك إنشاء موضوع فأنت منوط إذاً بأمرين التفكر أولاً والكتابة ثانياً فإذا أنعمت الفكر ملياً في أجزاء الموضوع بعد استيلاء الإحساس بها على قلبك وقلبتها على جميع الأوجه الممكنة فيها تولد في خيالك لكل جزء عدة صور تتفاوت في تأديته كتفاوت صور المنظوم في الحسن والقبح فبعضها يستميل النفوس بتأثيره في الحواس وبعضها يوجب نفورها وبعضها بين بين، وإذا تشخصت الصور في الخيال يتخير العقل منها ماله المكانة الرفيعة في حسن تأدية الغرض المناسب للمقام فإن كان المقام للتحريض على القتال مثلاً انتخب الصورة المهيجة للإحساس المشجعة للنفس على اقتحام الأخطار وإن كان المقام مقام فرح وسرور انتخب نما يشرح الصدور وتقر به العيون وتروق به الأرواح ويذهب عنها الحزن والأتراح.
 
وبعد تشخيص الصور وتخير المناسب منها تعتن أيها المنشئ بحسن تأليف وترتيب ما تخيرته بأن تجمع الصور المناسبة التي يرتبط بعضها ببعض بدون تكلف بحيث يكون المجموع منسجماً يمضي وحده مع النفس دون علاج وتعب في فهم الغرض منه وحينئذ يمكنك إظهار هذه الصورة المعقولة في صورة محسوسة بواسطة القلم.
 
أركان الكتابة
اعلم أن للكتابة أركاناً لابد من إيداعها في كل كتاب بلاغي ذي شأن. أولها أن يكون مطلع الكتاب عليه جدة ورشاقة فإن الكاتب من أجاد المطلع والمقطع. أو يكون مبنياً على مقصد الكتاب. الثاني: أن يكون خروج الكاتب من معنى إلى معنى برابطة لتكون رقاب المعاني آخذة بعضها ببعض ولا تكون مقتضبة. الثالث: أن تكون ألفاظ الكتاب غير مخلولقة بكثرة الاستعمال.
 
ولا أريد بذلك أن تكون ألفاظاً غريبة فإن ذلك عيب فاحش بل أريد أن تكون الألفاظ المستعملة مسبوكة سبكاً غريباً يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس وهي مما في أيدي الناس. وهناك معترك الفصاحة التي تظهر فيسه الخواطر براعتها والأقلام شجاعتها. وهذا الموضع بعيد المنال كثير الإشكال يحتاج إلى لطف ذوق وشهامة خاطر وليس كل خاطر براق إلى هذه الدرجة (ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21] ومع هذا فلا تظن أيها الناظر في كتابي أني أردت بهذا القول إهمال جانب المعاني بحيث يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملاحة ولايكون تحته من المعنى ما يماثله ويساويه فإنه إذا كان كذلك كان كصورة حسنة بديعة في حسنها إلا أن صاحبها بليد أبله. والمراد أن تكون هذه الألفاظ المشار إليها جسماً لمعنى شريف.
 
على أن تحصيل المعاني الشريفة على الوجه الذي أشرت إليه أيسر من تحصيل الألفاظ المشار إليها. ولقد رأيت كثيرا من الجهال الذين هم من السوقة أرباب الحرف والصنائع وما منهم إلا من يقع له المعنى الشريف ويظهر من مخاطره المعنى الدقيق ولكنه لايحسن أن يزوج بين لفظين.
 
فالعبارة عن المعاني هي التي تخلب بها العقول. وعلى هذا فالناس كلهم مشتركون في استخراج المعاني فإنه لايمنع الجاهل الذي لايعرف علما من العلوم أن يكون ذكيا بالفطرة. واستخراج المعاني إنما هو بالذكاء لا بتعلم العلم.
 
فإذا استكملت معرفة هذه الأركان وأتيت بها في كل كتاب بلاغي ذي شأن فقد استحققت حينئذ فضيلة التقدم ووجب لك أن تسمي نفسك كاتبا.
(عن المثل السائر باختصار)
 
كيفية نظم الكلام
إذا أردت أن تصنع كلاماً فأخطر معانيه ببالك. وتنق له كرائم اللفظ واجعلها على ذكر منك ليقرب عليك تناولها ولا يتعبك تطلبها. واعلمه ما دمت في شباب نشاطك فإذا غشيك الفتور وتخونك الملال فأمسك. فإن الكثير مع الملال قليل والنفيس مع الضجر خسيس. والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد شيء فتجد حاجتك من الري وتنال أربك من المنفعة فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها وقل عنك وعناؤها. واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة. وإياك والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك. ومن أراد معنى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً فإن من حق المعنى الشريف اللفظ الشريف. فإذا لم تجد اللفظة واقعة موقعها صائرة إلى مستقرها حالة في مركزها متصلة بسلكها بل وجدتها قلقة في موضعها نافرة عن مكانها فلا تكرهها اغتصاب الأماكن والنزول في غير أوطانها فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر المنظوم ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بذلك أحد. وإن تكلفته ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولا محكماً لشأنك بصيراً عابك من أنت أقل عيباً منه وزرى عليك من هو دونك.
 
فإن لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلام في أول وهلة وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة فلا تعجل ودعه سحابة يومك ولا تضجر وأمهله سواد ليلتك وعاوده عند نشاطك فإنك لا تعدم الإجابة والمؤاتاة. فإن تمنع عليك بعد ذلك مع ترويح الخاطر وطول الإمهال فتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك وأخفها عليك فإنك لم تشتهها إلا وبينكما نسب. والشيء لا يحن إلا إلى ما شاكله.
 
وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها وبين أوزان المستمعين وبين أقدار الحالات فتجعل لكل طبقة كلاماً ولكل حال مقاماً حتى تقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات وأقدار المستمعين. على أقدار الحالات.
(عن كتاب الصناعتين باختصار)
 
الطريق إلى تعلم الكتابة
إن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلاث شعب:
الأولى أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني ثم يحذو حذوهم وهذه أدنى الطبقات عندي.
 
والثانية أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنه أما في تحسين ألفاظ أو في تحسين معان وهذه هي الطبقة الوسطى وهي أعلى من التي قبلها. والثالثة أن لا يتصفح كتابة المتقدمين ولا يطلع على شيء منها بل يصرف همه إلى حفظ القرآن الكريم وعدة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب على شعره الإجادة في المعاني والألفاظ. ثم يأخذ في الاقتباس فيقوم ويقع ويخطئ ويصيب ويضل ويهتدي حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه. وأخلق بتلك الطريق أن تكون مبتدعة غريبة لا شركة لأحد من المتقدمين فيها. وهذه الطريق هي طريق الاجتهاد وصاحبها يعد إماماً في فن الكتابة إلا أنها مستوعرة جداً ولا يستطيعها إلا من رزقه الله لساناً هجاماً وخاطراً رقاماً. ولا أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطاً في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والشعر بحيث إنه لا يستثنى كتاباً إلا من ذلك بل أريد أنه إذا حفظ القرآن وأكثر من حفظ الأشعار ثم نقب عن ذلك تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهراً لبطن عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من ذات نفسه واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية.
(المثل السائر باختصار)
 
كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه
تهذيب الكلام عبارة عن ترداد النظر فيه بعد عمله نظماً كان أو نثراً وتغيير ما يجب تغييره وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه وتحرير ما يدق من معانيه وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من غليظ ألفاظه لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته وترشف الأسماع على الطرب رقيق سلافته. فإن الكلام إذا كان موصوفاً بالمهذب منعوتاً بالمنقح علت رتبته وإن كانت معانيه غير مبتكرة. وكل كلام قيل فيه: لو كان موضع هذه الكلمة غيرها ولو تقدم هذا المتأخر وتأخر هذا المتقدم. أو لو تمم هذا النقص بكذا ا, تكمل هذا الوصف بكذا. أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين. كان ذلك الكلام غير منتظم في نوع التهذيب.
وكان زهير بن أبي سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليات. قيل: إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهر ويهذبها وينقحها في أربعة أشهر ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر. ولهذا كان الإمام عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله:
خذها ابنةَ الفكرِ المهذَّبِ في الدَّجى
والليلُ أسودُ رقعةِ الجلباب
فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة لخلو الخاطر وصفاء القريحة لاسيما وسط الليل.
 
قال أبو عبادة البحتري: كنت في حداثتي أروي الشعر وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه. فكان أول ما قال لي: يا أبا عبادة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صفر من الغموم واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء. واحذر المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام. وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك لا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوة فإن الشهوة نعم المعين على حسن النظم. وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن خزانة الأدب وزهر الآداب باختصار)
 
محاسن الإنشاء ومعايبه
إن للنثر محاسن ومعايب يجب على المنشئ أن يفرق بينهما محترزاً من استعمال الألفاظ الغريبة وما يخل بفهم المراد ويوجب صعوبته ولابد من أن يجعل الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس. لأن المعاني إذا تركبت على سجيتها طلبت لأنفسها ألفاظاً تليق بها فيحسن اللفظ والمعنى جميعاً. وأما جعل الألفاظ متكلفة والمعاني تابعة لها فهو شأن من لهم شغف بإيراد شيء من المحسنات اللفظية فيصرفون العناية إليها ويجعلون الكلام كأنه غير مسوق لإفادة المعنى. فلا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى ومن أعظم ما يليق بمن يتعاطى الإنشاء أن يكتب ما يراد لا ما يريد كما قيل في الصاحب والصابئ: أن الصابئ يكتب ما يراد والصاحب يكتب ما يريد.
(عن آداب المنشئ ببعض تصرف)
 
فصاحة الألفاظ ومطابقتها للمعاني
فصاحة الألفاظ تكون بثلاثة أوجه: الأول مجانبة الغريب الوحشي حتى لا يمجه سمع ولا ينفر منه طبع. والثاني تنكب اللفظ المبتذل والعدول عن الكلام المسترذل حتى لا يستسقطه خاصي ولا ينبو عنه فهم عامي كما قال الجاحظ في "كتاب البيان": أما أنا فلم أر قوماً أمثل طريقة في البلاغة من الكتاب وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعراً وحشياً ولا ساقطاً عامياً.
 
والثالث أن يكون بين الألفاظ ومعانيها مناسبة ومطابقة. أما المطابقة فهي أن تكون الألفاظ كالقوالب لمعانيها فلا تزيد عليها ولا تنقص عنها. وأما المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض الألفاظ إما لعرف مستعمل أو لاتفاق مستحسن حتى إذا ذكرت تلك المعاني بغير تلك الألفاظ كانت نافرة عنها وإن كانت أفصح وأوضح لاعتياد ما سواها.
(أدب الدين والدنيا باختصار)
 
حقيقة الفصاحة
اعلم أن هذا موضوع متعذر على الوالج ومسلك متوعر على الناهج. ولم تزل العلماء من قديم الوقت وحديثه يكثرون القول فيه والبحث عنه. ولم أجد من ذلك ما يعول عليه إلا القليل.
 
وغاية ما يقال في هذا الباب أن الفصاحة هي الظهور والبيان في أصل الوضع اللغوي يقال: أفصح الصبح إذا ظهر. ثم إنهم يقفون عند ذلك لا يكشفون عن السر فيه. وبهذا القول لا تتبين حقيقة الفصاحة لأنه يعترض عليه بوجوه من الاعتراضات. أحدها أنه إذا لم يكن اللفظ ظاهراً بيناً لم يكن فصيحاً ثم إذا ظهر وتبين صار فصيحاً الوجه الثاني إنه إذا كان اللفظ الفصيح هو الظاهر البين فقد صار ذلك بالنسب والإضافات إلى الأشخاص. فإن اللفظ قد يكون ظاهراً لزيد ولا يكون ظاهراً لعمرو. فهو إذاً فصيح عند هذا وغير فصيح عند هذا. وليس كذلك بل الفصيح هو فصيح عند الجميع لا خلاف فيه بحال من الأحوال. لأنه إذا تحقق حد الفصاحة وعرف ما هي لم يبق في اللفظ الذي يختص به خلاف. الوجه الثالث أنه إذا جيء بلفظ قبيح ينبو عنه السمع وهو مع ذلك ظاهر بين ينبغي أن يكون فصيحاً. وليس كذلك لأن الفصاحة وصف حسن للفظ لا وصف قبح.
 
ولما وقفت على أقوال الناس في هذا الباب ملكتني الحيرة فيها ولم يثبت عندي منها ما أعول عليه. ولكثرة ملابستي هذا الفن ومعاركتي إياه انكشف لي السر فيه وسأوضحه في كتابي هذا وأحقق القول فيه فأقول: إن الكرم الفصيح هو الظاهر البين. وأعني بالظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتاب لغة. وإنما بهذه الصفة لأنها تكون مألوفة الاستعمال دائرة في الكلام دون غيرها من الألفاظ لمكان حسنها. وذلك أن أرباب النظم والنثر غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها وسبروا وقسموا. فاختاروا الحسن من الألفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها فلم يستعملوه. فحسن الاستعمال سبب استعمالها دون غيرها. واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها وبيانها. فالفصيح إذاً من الألفاظ هو الحسن.
 
فإن قيل من أي وجه علم أرباب النظم والنثر الحسن من الألفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها حتى نفوه ولم يستعملوه قلت في الجواب: إن هذا من الأمور المحسوبة التي شاهدها من نفسها. لأن الألفاظ داخلة في حيز الأصوات. فالذي يستلذه السمع منها ويميل إليه هو الحسن. والذي يكرهه وينفر عنه هو القبيح. ألا ترى أنى السمع يستلذ صوت البلبل من الطير وصوت الشحرور ويميل إليهما ويكره صوت الغراب وينفر عنه. وكذلك يكره نهيق الحمار ولا يجد ذلك في صهيل الفرس. . والألفاظ جارية هذا المجرى فإنه لا خلاف في أن لفظة المزنة والديمة حسنة يستلذها السمع. وإن لفظة البعاق قبيحة يكرهها السمع. وهذه اللفظات الثلاث من صفة المطر وهي تدل على معنى واحد. ومع هذا فإنك ترى لفظتي المرنة والديمة وما جرى مجراهما مألوفتي الاستعمال وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا لايستعمل. وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو من ذوقه غير ذوق سليم. ولا جرم أنه ذم وقدح فيه ولم يلتفت إليه وإن كان عربيا محضا من الجاهلية الأقدمين. فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف عندها ولم يعرج على ما خرج عنها.
(عن ابن الأثير باختصار)
 
الانسجام
الانسجام لغة جريان الماء وعند أهل البلاغة هو أن يأتي الناظم أو الناثر بكلام خال من التعقيد اللفظي والمعنوي بسيطا مفهوما دقيق الألفاظ جليل المعنى لاتكلف فيه ولا تعسف يتحدر كتحدر الماء المنسجم فيكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة. ولايكون ذلك إلا في من هو مطبوع على سلامة الذوق وتوقد الفكرة وبراعة الإنشاء وحسن الأساليب. وإن فحول هذا الميدان ما أثقلوا كاهل سهولته بنوع من أنواع البديع اللهم إلا أن يأتي عفوا من غير قصد. وعلى هذا أجمع علماء البديع في حد هذا النوع فإنهم قرروا أن يكون بعيدا من التصنع خاليا من الأنواع البديعية إلا أن يأتي في ضمن السهولة من غير قصد. فإن كان الانسجام في النثر تكون أغلب فقراته موزونة من غير قصد وإن كان في النظم فتكاد الأبيات أن تسيل رقة وعذوبة وربما دجلت في المطرب المرقص.
(بديعية العميان بديعية الحموي)
 
حل الشعر
حل الأبيات الشعرية ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: منها وهو أدناه مرتبة أن يأخذ الناثر بيتا من الشعر فينثره بلفظه من غير زيادة وهذا عيب فاحش. ومثاله كمن أخذ عقدا قد أتقن نظمه وأحسن تأليفه فأوهاه وبدده وكان يقوم عذره في ذلك إن لو نقله عن كونه عقدا إلى صورة أخرى مثله أو أحسن منه. وأيضا فإنه إذا نثر الشعر بلفظه كان صاحبه مشهور السرقة فيقال هذا شعر فلان بعينه لكون ألفاظه باقية لم يتغير منها شيء. وقد سلك هذا المسلك بعض العراقيين فجاء مستهجنا كقوله في بعض أبيات الحماسة:
وألدَّ ذي حنقٍ عليَّ كأنما
تغلي عداوةُ صدرهِ في مرجلِ
أزجيته عني فأبصرَ قصدهُ
وكويته فوقَ النَّواظرِ من علِ
فقال في نثر هذين البيتين: فكم لقي ألد ذا حنق كأنه ينظر إلى الكواكب من عل وتغلي عداوة صدره في مرجل فكواه فوق ناظريه وأكبة لفمه ويديه. فلم يزد هذا الناثر على أن أزال رونق الوزن وطلاوة النظم لاغير.
ومن هذا القسم ضرب محمود لاعيب فيه وهو أن يكون البيت من الشعر قد تضمن شيئا لا يمكن تغيير لفظه فحينئذ يعذر ناثره إذا أتى بذلك اللفظ وكذلك الأمثال السائرة فإنه لابد من ذكرها على ما جاءت في الشعر.
وأما القسم الثاني: وهو وسط بين الأول والثالث في المرتبة فهو أن ينثر المعنى المنظوم ببعض ألفاظه ويعبر عن البعض بألفاظ أخر.. هناك تظهر الصنعة في المماثلة والمشابهة ومؤاخاة الألفاظ الباقية بالألفاظ المرتجلة فإنه إذا أخذ لفظا لشاعر مجيد قد نقحه وصححه فقرنه بما لايلائمه كان كمن جمع بين لؤلؤة وحصاد. ولاخفاء بما في ذلك من الانتصاب للقدح والاستهداف للطعن. والطريق المسلوك إلى هذا القسم أن تأخذ بعض بيت من الأبيات الشعرية هو أحسن ما فيه ثم تماثله. وسأورد ههنا مثالا واحدا ليكون قدوة للمتعلم فأقول: قد ورد هذا البيت من شعر أبي تمام في وصف قصيدة له:
حذَّاءُ تملأ كلَّ أذنٍ حكمةً
وبلاغةً وتدرُّ كلَّ وريدِ
فقوله: (تملأ كل أذن حكمة) من الكلام الحسن وهو أحسن ما في البيت. فإذا أردت أن تنثر هذا المعنى فلا بد م استعمال لفظه بعينه لأنه في الغاية القصوى من الفصاحة والبلاغة. فعليك حينئذ أن تؤاخيه بمثله وهذا عسر جدا وهو عندي أصعب مثالا من نثر الشعر بغير لفظه لأنه مسلك ضيق لما فيه من التعرض لمماثلة ما هو في غاية الحسن والجودة. وأما نثر الشعر بغير لفظه فذلك يتصرف فيه ناثره على حسب ما يراه ولايكون مقيدا فيه بمثال يضطر إلى مؤاخاته. وقد نثرت هذه الكلمات المشار إليها وأتيت بها في جملة كتاب فقلت: وكلامي قد عرف بين الناس واشتهر وفاق مسير الشمس والقمر.وإذا عرف الكلام صارت المعرفة له علاقة وأمن من سرقته إذ لو سرق لدلت عليه الوسامة. ومن خصائص صفاته أن يملأ كل أذن حكمة ويجعل فصاحة كل لسان عجمة. وإذا جرت نفثاته في الأفهام قالت أهذه بنت فكرة أم بنت كرمة.
فانظر كيف فعلت في هذا الموضع فإني لما أخذت تلك الكلمات من البيت الشعري التزمت بأن أؤاخيها بما هو مثلها أو أحسن منها فجئت بهذا الفصل كنا تراه. وكذلك ينبغي أن يفعل في ما هذا سبيله.
 
وأما القسم الثالث: وهو أعلى من القسمين الأولين فهو أن يأخذ المعنى فيصاغ بألفاظ غير ألفاظه. وثم يتبين حذق الصائغ في صياغته ويعلم مقدار تصرفه في صناعته فإن استطاع الزيادة على المعنى فتلك الدرجة العالية إلا أحسن التصرف وأتقن التأليف ليكون أولى بذلك المعنى من صاحبه الأول واعلم أن من أبيات الشعر ما يتسع المجال لناثره فيورده بضروب من العبارات وذلك عندي شبيه بالمسائل السيالة في الحساب التي يجاب عنها بعدة من الأجوبة. ومن الأبيات ما يضيق فيه المجال حتى يكاد الماهر في هذه الصناعة أن يخرج من ذلك اللفظ وإنما يكون هذا لعدم النظير فأما ما يتسع المجال في نثره فكقول أبي الطيب المتنبي:
لا يعذلِ المشتاق في أشواقهِ
حتى يكونَ حشاكَ في أحشائهِ
وقد نثرت هذا المعنى فمن ذلك قولي: لاتعذل المحب في ما يهواه حتى تطوي القلب على ما طواه. ومن ذلك وجه آخر وهو إذا اختلفت العينان في النظر فالعذل ضرب من الهذر. وأما ما يضيق فيه المجال فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه فكقول أبي تمام:
تردَّى ثيابَ الموتِ حمراً فما أتى
لها الليلُ إلاَّ وهيَ من سندسٍ خضرِ
قصد أبو تمام المؤاخاة في ذكر لوني الثياب من الأحمر والأخضر وجاء ذلك واقعا على المعنى الذي أراده من لون ثياب القتلى وثياب الجنة. وهذا البيت لايمكن تبديل ألفاظه وهو وأمثاله مما يجب على الناثر أن يحسن الصنعة في فك نظامه لأنه يتصدى لنثره بألفاظه. فإن كان عنده قوة تصرف وبسطة عبارة فإنه يأتي به حسنا رائقا. وقد قلت في نثره: لم تكسه المنايا نسج شفارها حتى كسته الجنة نسج شعارها فبدل أحمر توبه بأخضره وكأس حمامه بكأس كوثره.
 
وإذا انتهى بنا الكلام إلى ههنا في التنبيه على نثر الشعر وكيفية نثره وذكر ما يسهل منه وما يعسر فلنتبع ذلك بقول كلي في هذا الباب فنقول: من أحب أن يكون كاتبا أو كان عنده طبع مجيب فعليه بحفظ الدواوين ذوات العدد ولايقنع بالقليل من ذلك. ثو يأخذ في نثر الشعر من محفوظاته.. وطريقه أن يبتدئ فيأخذ قصيدا من القصائد فينثره بيتا بيتا على التوالي. ولايستنكف في الابتداء أن ينثر الشعر بألفاظه أو بأكثرها فإنه لايستطيع إلا ذلك. وإذا مرنت نفسه وتدرب خاطره ارتفع عن هذه الدرجة وصار يأخذ المعنى ويكسوه عبارة من عنده ثم يرتفع عن ذلك فتكسوه ضروبا من العبارات المختلفة. وحينئذ يحصل لخاطره بمباشرة المعاني لقاح فيستنتج منها معاني غير تلك المعاني.
 
وسبيله أن يكثر الإدمان ليلا نهارا ولايزال على ذلك مدة طويلة حتى يصير له ملكة. فإذا كتب كتابا أو خطب خطابا تدفقت المعاني في أثناء كلامه وجاءت ألفاظه معسولة وكان عليه حدة تكاد ترقص رقصا وهذا شيء خبرته بالتجربة (وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)
(عن المثل السائر باختصار)
 
التخلص والاقتضاب في مواضيع الإنشاء
التخلص هو أن يأخذ مؤلف الكلام في معنى من المعاني فبينما هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره وجعل الأول سببا إليه فيكون بعضه آخذا برقاب بعض من غي أن يقطع كلامه ويستأنف كلاما آخر بل يكون جميع كلامه كأنما أفرغ إفراغا وذلك مما يدل على حذق الشاعر وقوة تصرفه من أجل أن تطاق الكلام يضيق عليه ويكون متبعا للوزن والقيافة فلا تؤاتيه الألفاظ على حسب إرادته.وأما الناثر فإنه مطلق العنان يمضي حيث شاء فلذلك يشق التخلص على الشاعر أكثر مما يشق على الناثر. ومما جاء من التخلصات الحسنة قول المتنبي المتوفى سنة 354 ه?.
خليليَّ إني لا أرى غيرَ شاعرٍ
فلمَ منهم الدّعوى ومنّي القصائد
فلا تعجباً إنّ السيوفَ كثيرةٌ
ولكن سيفَ الدولة اليومَ واحد
وهذا هو الكلام الآخذ بعضه برقاب بعض ألا ترى إلى الخروج إلى مدح الممدوح في هذه الأبيات كأنه أفرغ في قالب واحد، والاقتضاب أن يقطع الشاعر كلامه الذي هو فيه ويستأنف كلاما آخر غيره من مديح أو هجاء أو غير ذلك ولايكون للثاني علاقة بالأول كقول أبي نواس المتوفى سنة 198ه? في قصيدته النونية التي لم يكمل حسنها بالتخلص من الغزل إلى المديح بل اقتضبه اقتضابا فبينما هو يصف الخمر ويقوا:
فاسقني كأساً على عذلٍ
كرهتْ مسموعه أذني
من كميتِ اللّونِ صافيةٍ
خيرِ ما سلسلتَ في بدني
ما استقّرت في فؤاد فتى
فدرى ما لوعة الحزن
حتى قال:
تضحكُ النيا إلى ملكٍ
قامَ بالآثار والسُّنن
سنّ للناس الندى فندوا
فكأنّ البخلَ لم يكنِ
وإذا لم يستطع التخلص بأن كان قبيحا ممسوخا فالاقتضاب أولى منه فينبغي لسالك هذه الطريقة أن ينظر إلى ما يصوغه فإن أتاه التخلص حسنا كما ينبغي وإلا فليدعه ولايستكرهه حتى يكون مثل هذا.
واعلم أن التخلص غير ممكن في كل الأحوال وهو من مستصعبات علم البيان فليتدبر الشاعر.
(انتهى من المثل السائر بتصرف)

 
كيفية افتتاح مواضيع الإنشاء وختامها
الافتتاح أن تجعل مطلع الكلام من الشعر أو الرسائل دالا على المعنى المقصود من ذلك الكلام إن كان فتحا ففتحا وإن كان هناء فهناء أو كان عزاء فعزاء وهكذا: وفائدته أن يعرف من مبدأ الكلام ما المراد منه فإذا نظم الشاعر قصيدة فإن كان مديحا صرفا لا يختص بحادثة من الحوادث فهو مخير أن يفتتحها بغزل وبين أن يرتجل المديح ارتجالا من أولها كقول القائل:
إن حارتِ الألبابُ كيف تقولُ
في ذا المقامِ فعذرها مقبولُ
سامحْ بفضلكَ مادحيكَ فما لهم
أبداً إلى ما تستحقُّ سبيلُ
إن كان لايرضيك إلاّ محسنٌ
فالمحسنونَ إذنْ لديك قليلُ
وأما إذا كان القصيد في حادثة من الحوادث كفتح مقفل أو هزيمة جيش أو غير ذلك فإنه لاينبغي أن يبدأ فيه بغزل، ومن أدب هذا النوع أن لايذكر الشاعر في افتتاح قصيدة المديح ما يتطير منه أو يستقبح: لاسيما إذا كان في التهاني فإنه يكون أشد قبحا: وإنما يستعمل في الخطوب النازلة والنوائب الحادثة: ومتى كان الكلام في المديح مفتتحا بشيء من ذلك تطير منه سامعه وإنما خصت الابتداءات بالاختيار لأنها أول ما يطرق السمع من الكلام فإذا كان الابتداء لائقا بالمعنى الوارد بعده توفرت الدواعي على استعماله: والختام أن يكون الكلام مؤذنا بتمامه بحيث يكون واقعا على آخر المعنى فلا ينتظر السامع سيئا بعده: فعلى الشاعر والناثر أن يتأنقا فيه غاية التأنق ويجودا فيه ما استطاعا لأنه آخر ما ينتهي إلى السمع ويتردد صداه في الأذن ويعلق بحواشي الذكر فهو كمقطع الشراب يكون آخر ما يمر بالفم ويعرض على الذوق فيشعر منه بما لايشعر من سواه: ولذلك يجب أن يكون الختام مميزا عن سائر الكلام قبله بنكتة لطيفة أو أسلوب رشيق أو معنى بليغ: ويختار له من اللفظ الرشيق الحاشية الخفيف المحمل على السمع السهل الورود على الطبع ويتجافى به عن الإسهاب والتعقيد والثقل وغير ذلك، وحكم الختام كما سبق أن يكون مؤذنا بتمام الكلام بحيث يكون واقعا على آخر المعنى فلا ينتظر السامع شيئا بعده، وإذا لم يكن المعنى دالا بنفسه على الختام حسن أن يدل عليه بكلام آخر يذكر على عقب الفراغ من سياقة الأغراض السابقة، وحكمه أن يكون منتزعا مما سبقه فيقفى به تقريرا لشيء من الأغراض أو إجمالا لمفصلها موردا على وجه من وجوه البلاغة أو الكلام الجامع أو مخرجا مخرج المثل أو الحكمة أو ما شاكل ذلك مما تعلقه الخواطر وتقيده الأذهان كقول المتنبي المتوفى سنة 354ه.
وما أخصُّكَ في برءٍ بتهنئة
إذا سلمتَ فكلُّ الناس قد سلموا
وكقول الزمخشري المتوفى سنة 528ه? في ختام إحدى مقالاته (إن الطيش في الكلام يترجم عن خفة الأحلام وما دخل الرفق شيئا إلا زانه وما زان المتكلم إلا الرزانة) وأما في غير ذلك فالأكثر فيه أن يضمن غرضا آخر من الدعاء أو عرض النفس على خدمة المكتوب إليه أو توقع الجواب منه أو غير ذلك مما تحتمله مقامات الكلام وتقتضيه دواعي الحال:وأكثر ما يختمونها في النثر بعد الأغراض المذكورة بقولهم إن شاء الله: أو بمن الله وفضله: وما أشبه ذلك وكثيرا ما يختم الناثر بقوله والسلام: أو بلا حول ولا قوة إلا بالله: أو قوله والله المستعان: أو بقوله والحمد لله أولا وآخرا باطنا وظاهرا. أو بقوله والله أعلم: أو غير ذلك. وربما ختم بمثل كختام الخوارزمي المتوفى سنة 383ه رسالته بقوله: ولقد سلك الأمير من الكرم طريقا يستوحش فيها لقلة سالكها ويتيه في قفارها لدروس آثارها وانهدام منازلها أعانه الله على صعوبة الطريق وقلة الرفيق وألهمه صبرا يهون عليه احتمال المغارم ويقرب عليه مسافة المكارم، فبالصبر تنال العلا وعند الصباح يحمد القوم السرى.
"ومن أمثلته في الشعر قول ابن الوردي المتوفى سنة 749ه?"
سلامٌ عليكم ما أحبّ وصالكم
وغايةُ مجهودِ المقلّ سلامٌ
 
تقسيم الإنشاء إلى فني النظم والنثر
اعلم أن لسان العرب وكلامهم يدور على فنين. فن الشعر المنظوم وهو الكلام المقفى الموزون بأوزان مخصوصة. وفن النثر وهو الكلام غير الموزون فأما الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء. وأما النثر فمنه ما يؤتى به قطعا ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة ويسمى سجعا وهو ثلاث أقسام القسم الأول أن يكون الفصلان متساويين لا يزيد أحدهما على الآخر كقوله تعالى: (فَأَمّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ {9} وَأَمّا السّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ) [الضحى: 9، 10] وهو أشرف السجع منزلة للاعتدال الذي فيه: القسم الثاني أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول لا طولا يخرج به عن الاعتدال خروجا كثيرا فإنه يقبح عند ذلك ويستكره ويعد عيبا فمما جاء من ذلك قوله تعالى: (بَلْ كَذّبُواْ بِالسّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذّبَ بِالسّاعَةِ سَعِيراً {11} إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيّظاً وَزَفِيراً {12} وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيّقاً مّقَرّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان: 11 13] فالفصل الأول ثمان لفظات والثاني والثالث تسع تسع: ويستثنى من هذا القسم ما كان من السجع على ثلاث فقر فإن الفقرتين الأوليين تحسبان في عدة واحدة ثو تأتي الثالثة فينبغي أن تكون طويلة طولا يزيد عليهما وقد تكون الثلاثة متساويات كقوله تعالى: (فِي سِدْرٍ مّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مّنضُودٍ وَظِلّ مّمْدُودٍ) [الواقعة: 28 30] القسم الثالث : أن يكون الفصل الآخر أقصر من الأول وهو عيب فاحش وأما النثر فهو ما يؤتى به قطعا من غير تقيد بقافية ولا غيرها وهو الذي يطلق فيه الكلام إطاقا ولا يقطع أجزاء بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية ولا غيرها.
(انتهى من المثل السائر باختصار)
 
كيفية عمل الشعر
اعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطا أولها الحفظ من جنسه (أي من جنس شعر العرب) حتى تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير المحفوظ من الحر النقي الكثير الأساليب وهذا المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من فحول الإسلام مثل ابن أبي ربيعة وكثير وذي الرمة وجرير وأبي نواي وأبي تمام والبحتري والشريف الرضي وأبي فراس وأكثره شعر "كتاب الأغاني" لأنه جمع شعر أهل الطبقة الإسلامية كله والمختار من شعر الجاهلية.
 
ثم لابد من الخلوة واستجادة المكان المنظوم فيه باشتماله على مثل المياه والأزهار وكذا استجادة المسموع لاستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها بملاذ السرور: ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه: قالوا وخير الأوقات لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة ونشاط الفكر: ورما يكون من بواعثه العشق والانتشاء قالوا فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت آخر ولا يكره نفسه عليه: وليكن بناء البيت على القافية من أول صوغة ونسجه يضعها ويبني الكلام عليها إلى آخره لأنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه إلى موضعه الأليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم تبق إلا المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره بعد الخلاص منه بالتنقيح والنقد ولايضن به على الترك إذا لم يبلغ الإجادة فإن الإنسان مفتون بشعره إذ هو بنات فكره واختراع قريحته ولايستعمل فيه من الكلام إلا الأفصح من التراكيب والخالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلام عن طبقة البلاغة، وقد حظر أئمة اللسان على المولد ارتكاب الضرورة إذ هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده بحيث تكون ألفاظه على طبق معانيه
ومعانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم ويجتنب أيضا الحوشي من الألفاظ والمقصر وكذلك السوقي المبتذل فإنه ينزل بالكلام عن طبقة البلاغة أيضا فيصير مبتذلا ويقرب من عدم الإفادة وفي هذا القدر كفاية.
(عن ابن خلدون باختصار)
أضيفت في01/06/2008/  خاص القصة السورية / من كتاب جواهر الأدب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:46 am

فنون الإنشاء
من كتاب جواهر الأدب
في أدبيات وإنشاء لغة العرب
 
 
الباب الثاني في فنون الإنشاء
فنونه سبعة: وهي المكاتبات، والمناظرات، والأمثال، والأوصاف، والمقامات، والروايات، والتاريخ.
 
الفن الأول في المكاتبات والمراسلات
المكاتبة وتعرف أيضا بالمراسلة هي مخاطبة الغائب بلسان القلم وفائدتها أوسع من أن تحصر من حيث أنها ترجمان الجنان ونائب الغائب في قضاء أوطاره ورباط الوداد مع تباعد البلاد، وطريقة المكاتبة هي طريقة المخاطبة البليغة مع مراعاة أحوال الكاتب والمكتوب إليه والنسبة بينهما. وخواصها خمس: السذاجة، والجلاء، والإيجاز، والملأمة، والطلاوة. فالسذاجة تجعل الكلام فطريا سليما من شوائب التكلف منزها عن زخرف القول بعيدا عن بهرجة الكلام: والهجاء هو العدول عن الكلام المغلق والتشابيه المستبعدة والتراكيب الملتيسة إلى الكلام المهذب الصريح: والإيجاز تنقيح الرسالة من حشو الكلام وتطويل الجمل فيبرزها وافية الدلالة على المقصود مقتصرة على المحسنات القريبة المنال: والملاءمة تنزل الألفاظ والمعاني قدر الكاتب والمكتوب إليه فلا تعطي خسيس الناس رفيع الكلام ولارفيع الناس خسيس الكلام على أنها تجعل الرسالة وتعابيرها مستعذبة الأوضاع حسنة الارتباط يأخذ بعضها بأزمة بعض. والطلاوة تكسو الكلام رونقا وإشراقا بجودة العبارة وسلامة المعاني وسلاسة الألفاظ ونجعله بذلك أحسن موقعا عند سامعه.
 
أبواب الرسائل
تنقسم الرسائل باعتبار موضوعها إلى ثلاثة أقسام الأول الرسائل الأهلية والثاني الرسائل المتداولة والثالث الرسائل العلمية.
الكلام على الرسائل الأهلية
الرسائل الأهلية وتعرف برسائل الأشواق هي ما دارت بين الأقارب والأصدقاء وأسفرت عن مكنون الوداد وسائر الفؤاد ولا حرج على الكاتب إذا بسط فيها الكلام على أحواله وأخفى السؤال في أحوال أصحابه، وتتفرد هذه الرسائل بأن يطلق الكاتب فيها العنان للأقلام ويتجافى عن الكلفة ويعدل عن الانقباض: وقد قيل: الأنس يذهب المهابة والانقباض يضيع المودة. هذا: ولابد من مراعاة مقتضى الحال والاعتصام بركن الفطنة أخذا بقول أبي الأسود الدؤلي:
لاترسلنّ رسالةً مشهورةً
 
لا تستطيعُ إذا مضت إدراكها
وإلى هذا الباب ترجع نكاتبات الأشواق والتعاريف قبل اللقاء والهدايا والاستعطاف والاعتذار وغير ذلك. ولنذكر شذرات من أقوال الكتب.
 
الفصل الأول في الشوق
"كتاب أبو منصور الثعالبي المتوفى سنة 429ه??"
شوقي إليك رهين قلبي وقرين صدري والزعيم بتعليق فكري وتفريق صدري سمير ذكري ونديم فكري زادي في سفري. وعتادي في حضري لايستقل به ولايقوى عليه صبري يكاد يكون لزاما ويعد غراما لا يرحل مقيمه ولا يصرف غريمه استخف نفسي واستفرها وحرك جوانحي وهزها شوق أخذ بسمع خاطري وبصره وحال بين مورد قلبه ومصدره شوق قد استنفذ جلدي وملك خلدي شوق براني بري الخلال ومحقني محق الهلال شوق تركني حرضا وأوسعني مضضا أراني الصبر حسرة والوجد يمنة ويسرة شوق يزيد على الأيام توقدا وتأججا وتضرما وتوهجا نار الشوق حشو ضلوعي وماء الصبابة ملء جفوني أنا من لواعج الشوق بين غمائم لاتمطر إلا صواعق وسمائم قد قدحت في كبدي من الحرقة بهذه الفرقة ما يفوت أيسره حد الشكاية ويجوز أضعفه كنه الكناية. شوق الروض الماحل إلى الغيث الهاطل.
"وكتب في تشبيه الشوق"
ما الأعرابية حنت إلى نجد وأنت من وجد بأشد مني كلفا وأتم مني شغفا. أنا في شدة الشوق إليك كالعطشان كشف له عن ماء عذب ومنع منه بمانع صعب شوق له ألقي على الكواكب بعضه لما ساؤت أو كلفت الأفلاك ثقله لما دارت شوق لو فرق على القلوب الخالية لاشتغلت ولو قسم على الأكباد الباردة لاشتعلت أنا أشتاقك مع كل صباح طالع وضياء شارق ونجم طارق
"وكتب في أثر الفراق"
وجد يتكرر على كر الجديدين ويستغرق ساعات الملوين قد تحملت مع يسير الفرقة عظيم الحريق ومع قليل البعد كثير الوجد قد انثنت بجسم ناحل وصرت من صبري على مراحل فأرقتني وفرقت جميع صبري واستصبحت فريقا من قلبي فرقت به بين عيني والرقاد وجنبي والمهاد ما أعول إلا على العويل لو كان يغني ولا استنصر غير الوجدلم كان يجدي يدي لاتساعدني وحطي لايشبه في الدقة إلا بدني لولا حصانة الأجل لخرجت روحي على عجل فارقتني فتفرق عني شمل أنس منتظم وتمكن مني برح شوق مضطرم فارقتني ففرقت بين الروح والبدن وتركتني والنزاع في قرن قد صرت حليف وحشة وإن كنت ثاويا في وطن وقرين كربة وإن كنت بين جيرة وسكن.
 
عسى الدَّهرُ يدنينا ويدني دياركمو
 
ويجمعُ ما بيني وبينكمو الشَّملا
 
فأشكو تباريحَ الغرام إليكمو
 
وحرَّ جوىً تبلي عظامي وما يبلى
"وكتب البسطامي المتوفى سنة 332ه?"
قلبي بنار الهوى معذّبْ
 
شوقاً إلى حضرة المهذّب
شوقاً إلى ماجدٍ كريمٍ
 
يخطرُ لي ذكرهُ فأطربْ
 
وبعد فالعبد ينهي من لواقح شوقه ولوافح توقه إلى شهود ذاتكم الجميلة ومشاهدة صفاتكم الجليلة لينشق عرفكم الفائح وبخور عرفكم الفاتح مد الله سبحانه وتعالى ظلكم وأدر وبلكم وظلكم.
أحبُّ الوعدَ منك وإن تمادى
 
وأقنعُ بالخيالِ إذا ألمَّا
 
عسى الأيام تسمحُ لي بوصلٍ
 
وتأخذُ لي من الهجران سلما
والجناب منذ طوى عنا أبواب ملاقاته. وزوى منا أطايب أوقاته قبض العبد عنان مقاله وخفض لسان حاله.
شكوتُ وما الشكوى بمثلي عادةٌ
 
ولكن تفيضُ العينُ عند امتلائها
فجلس الفراق بعظيم حجاجه. وأليم عذابه. على ذروة عرشه. وافترس بقوة بطشه. وصار للسر جارا. وأوقد للحرب نارا جهارا.
طوعاً لقاضٍ أتى في حكمهِ عجبا
 
أفتى بسفكِ دمي في الحلّ والحرم
وهذه حانته المفصح عنها مقالته:
إنَّ الأمورَ إذا التوتْ وتعقَّدتْ
 
جاء القضاءُ من الكريم فحلّها
فلعلّ يسراً بعدَ عسر علّها
 
ولعلّ منْ عقدَ العقودَ يحلّها
 
فلعل غروس التمني قد أثمرت. وليالي الحظ قد أقمرت:
سألتُ أحبّتي ما كان ذنبي
 
أجابوني وأحشائي تذوب
إذا كان المحبُّ قليلَ الحظّ
 
فما حسناتهُ إلاّ ذنوبُ
 
فرعى الله أياما لاحت فيها أقمار غروزها. وفاحت فيها أطراز طروزها. بهاء سمائها. على منار ضيائها. من ذات جلالها. وصفات دلالها. في جنات عواطفها. وحنات تعاطفها.
فإن كنتُ لا أطرقُ رحبَ
 
فنائكم فقد أطرقُ باب ثنائكم
لئن غيّبتني عن ذراك حوادثٌ=فليس ثنائي عن فناك بغائبِ
"وكتب عبد الحمن محمد بن طاهر المتوفى سنة 431ه?"
كتبت أعزك الله عن ضمير اندمج على سر اعتقادك دره. وتبلج في أفق ودادك بدره. وسال على صفحات ثنائك مسكه. وصار في راحة سنائك ملكه. ولما ظفر بفلان حملته من تحيتي زهرا جنيا. يوافيك عرفه ذكيا. ويواليك أنسه نجيا. ويقضي من حقك فرضا مأتيا. على أن شخص جلالك لي ماثل وبين ضلوعي نازل. لاتمله خاطر. ولايمسه عرض داثر إن شاء الله عز وجل.
"وكتب أبو الفضل بن العميد المتوفى سنة 360ه?"
قد قرب أيدك الله محلك على تراخيه وتصاقب مستقرك على تنائيه لأن الشوق يمثلك. والذكر يخيلك. فنحن في الظاهر على افتراق. وفي الباطن على تلاق. وفي النسبة متباينون. وفي المعنى متواصلون. ولئن تفارقت الأشباح لقد تعانقت الأرواح.
"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه?"
يعز علي أطال الله بقاء مولاي. أن ينوب في خدمته قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي. ويرد مشرعة الأنس به كتابي قبل ركابي: ولكن ما الحيلة والعوائق جمة.
(وعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح) وقد حضرت داره وقبلت جداره وما بي حب الحيطان ولكن شغفاً بالقطان. ولا عشق الجدران ولكن شوقاً إلى السكان.
أمرُّ على الدّيار ديار سلمى
 
أقبّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا
 
وما حبُّ الدّيارِ شفعن قلبي
 
ولكنْ حبُّ منْ سكنَ الديارا
وحين عدت العوادي عنه أمليت ضمير الشوق على لسان القلم معتذراً إلى مولاي على الحقيقة عن تقصير وقع وفتور في الخدمة عرض ولكني أقول:
إن يكن تركي لقصدك ذنباً
 
فكفى أن لا أراك عقابا
 
"وكتب أبو محمد عبد الله البطليوسي المتوفي سنة 521ه?"
يا سيدي الأعلى وعمادي الأسنى وحسنة الدهر الحسنى الذي جل قدره وسار الشمس ذكره ومن أطال الله لفضل يعلي مناره وعلم يحيي آثاره: نحن أعزك الله نتدانى إخلاصاً وإن تناءينا أشخاصاً ويجمعنا الأدب وإن فرقنا النسب فالأشكال أقارب والآداب مناسب وليس يضر تنائي الأشباح إذا تقاربت الأرواح.
نسيبيَ في رأيي وعلمي ومذهبي
 
وإن باعدتنا في الأصول المناسب
"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه?"
أراني أذكر "مولاي" إذا طلعت الشمس أو هبت الريح أو نجم أو لمع البرق أو عرض الغيث أو ذكر الليث أو ضحك الروض وأنى للشمس محياه وللريح رياه وللنجم حلاه وعلاه وللبرق سناؤه وسناه وللغيث نداه ونداه وفي كل صالحة ذكراه وفي كل حادثة أراه فمتى أنساه وأشده شوقاه: وعسى الله أن يجمعني وإياه.
 
"وكتب الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة 1906م"
مازلت أدافع النفس عما تتقاضاني من شكوى أشواقها وفي الشكوى شفاء واستنزال أثر من لدنك تتعلل به مسافة البين إلى أن يمن الله باللقاء ومن دون إجابتها مشاده قد شغلت الذرع وشواغل قد أفرغ من دونها الوسع إلى ان اغلب جيش الوجد على معاقل الصبر وزاحم مناكب العدواء حتى ضرب أطنابه وبين الحجاب والصدر فاتخذت هذه الرقعة أزجيها إليك وفيها من وقر الشوق ما ينوء برسولها ومن رقة الصبابة ما يكاد يطير بها: أو يخلفها فيصافح الأعتاب قبل وصولها: راجياً لها أن تتلقى بما عهد في سيدي من الطلاقة والبشر وأن لا يضن عليها بما عودني من تمهيد العذر ويصلني من بعدها بأبنائه الطيبة عائدة عنه بما يكون للناظر قرة وللخاطر مسرة: إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
?"وكتب أيضاً"
وافاني كتابك العزيز فأهلاً بأكرم رسول جاء ببينات الإخلاص والوفاء مصدقاً لما بين يديه من ذمة الوداد والإخاء. يتلو علي من حديث الشوق ما شهد بصحته سقمي. وهتف مؤذنه في كل مفصل من جسمي ويذكرني من عهدك ما طالما أذكرينه البرق إذا لمع والبدر إذا طلع والقمري إذا سجع. وإنما عداني عنك ما أنا فيه من مجاذبة الشواغل ومساورة البلابل.
وفي القلب ما في القلب من شجن الهوى
 
تبدّلت الحالاتُ وهو مقيمُ
 
وأنا على ما بي من غل البنان وشغل الجنان مازالت أبناؤك عندي لا يخطئني بريدها ولا ينقطع عني ورودها أهنئ النفس منها بما تتمنى لك من سلامة لا يرث لها شعار وإقبال لا يعترضه بإذن إدبار.
وقصارى المأمول في كرمك أن تعاملني بما سبق لك من جميل الصلة إلى أن يمن الله بالاجتماع ويغني بالعيان عن السماع (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر: 17].
 
"وكتب أبو العباس الغساني المتوفي سنة 498ه?"
سر إلى مجلس يكاد يسير شوقاً إليك. ويطير بأجنحة من جواه حتى يحل بيم يديك فلله در كما له إن طلعت بدراً بأعلاه. وجماله إن ظهرت غرة بمحياه. فهو أفق قد حوى نجوماً تتشوق إلى طلوع بدرها وقطر قد اشتمل على أنهار تتشوق إلى بحرها لنستمد منها إن مننت بالحضور وإلا فيا خيبة السرور.
"وكتب الصاحب بن عباد المتوفي سنة 385ه?"
مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك معول في شوقه عليك ولقد توردت خدود بنفسجة وفتقت فأرة نارنجه وانطلقت ألسن الأوتار وقامت خطباء الأطيار وهبت رياح الأقداح ونفقت سوق الأنس والأفراح وقد أبت راحته أن تصفو إلا أن تتناولها يمناك وأقسم غناؤه لا طيب حتى تعيه أذناك. ووجنات أترجه قد احمرت خجلاً لإبطائك. وعيون نرجسه قد حدقت تأميلاً للقائك ونحن لغيبتك كعقد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت جدته وإذا غابت شمس السماء عنا فلا أن تدنو شمس الأرض منا. فإن رأيت أن تحضر لتتصل الواسطة بالعقد ونحصل بك في جنة الخلد: فكن إلينا أسرع من السهم في ممره والماء إلى مقره لئلا يخبث من يومي ما طاب ويعود من نومي ما طار.
"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 383ه?"
كتابي وأنا بما يبلغني من صالح أخبار "السيد" مغتبط مسرور وبما يعرفه الزمان وأهله من اعتضادي به مصون موفور والله على الأولى محمود وعلى الأخرى مشكور، التطفل وإن كان محظوراً في غير مواطنه فإنه مباح في أماكنه وهو وإن كان في بعض الأحوال يجمع عاراً ووزراً فإنه في بعضها يجمع فخراً ورب فعل يصاب به وقته فيكون سنة وهو في غير وقته بدعة وقد تطفلت على "السيد" بهذه الأحرف أخطب بها مودته إليه وأعرض فيها مودتي عليه وأسأله أن يرسم لي في لساني وقلبي رسماً ويختم عليهما ختماً فقد جعلتها باسمه وقصرتهما على حكمه وسأضعهما تحت ختمة وبرئت إليه منهما وصرت وكليه فيهما فهماً على غيره حمى لا يقرب، وبحيرة لا تحلب ولا تركب، ولما نظرت إلى آثار السيد على الأحرار ونشرت طراز محاسنه من أيدي القاصدين والزوار ورأيت نفسي غفلاً من سمة مودته وعطلاً من جمال عشرته حميتها من أن يحمي عليها ورد مورود ويحسر عنها ظل على الجميع ممدود: وعجبت من:
سحابٌ خطاني جوده وهو صيّبٌ
 
وبحرٌ عداني سيلهُ وهو مفعمٌ
 
وبدرٌ أضاءَ الأرض شرقاً ومغرباً
 
وموضعُ رجلي منهُ أسودُ مظلم
 
"وكتب الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
مولاي: أما الشوق إلى رؤيتك فشديد وسل فؤادك عن صديق حميم وود صميم وخله لا يزيدها تعاقب الملوين وتألق النيرين إلا وثوقاً في العرى وإحكاماً في البناء ونماء في الغراس وتشييداً في الدعائم ولا يظنن سيدي أن عدم ازديادي ساحته الشريفة واجتلائي طلعته المنيفة لتقاعس أو تقصير فإن لي في ذلك معذرة اقتضت التأخير والسيد أطال الله بقاءه أجدر من قبل معذرة صديقه وأغضى عن ريث استدعته الضرورة.. وبعد فرجائي من مقامكم السامي أن لا تكون معذرتي هذه عائقاً لكم عن زيارتي: فلكم مننا طوقتمونيها ولكم فيها فضل البداءة وعلي دوام الشكران والسلام.
"وكتب المرحوم محمد بك دياب المتوفي سنة 1339ه?"
 
كتابي إليك: وقد أطال بي الانتظار وشوقي يجل عن الكيف والانحصار فشخصك دائم المثول أمام إنساني وعن سواك من الأخلاء ألهاني وأنساني فلله أيام قضيناها وليال من الدهر اختلسناها كان السرور فيها ضارباً خيامه والأنس ناشراً أعلامه طوي بساطها وكأن الأمر ما كان غير أنها زرعت بفؤادي شجرة الأشجان لكن عودها حليف أوبتك وتجددها رهين إشارتك فمتى يقرب المزار وتنجلي سحب الأكدار فاضرب لعودك أجلاً فالعود لاشك أحمد واكتب بقربك وصلا فالوصل اضمن للعهد: وعهدي من خلقك الوفاء وحسن الولاء فلا تجعل صفقة شوقي إليك خسراً بل هبني بعد العسر يسرا.
"وكتب وفا أفندي محمد المتوفي سنة 1319ه?"
أما بعد، سلامي عمليك فهذا كتابي ينبئك عني وعن شوقي وعن ودي ولا أزيدك علماً أني ما كتبته من دواة ولا أجريت عليه فلماً ولكنها دموع وشوق سالت على القرطاس وجرت على حركات الخواطر والأنفاس وهبت عليه حرارة كبدي بالأشواق ووجدي بالفراق: فبينما عي عقيقة حمراء غذ صارت فحمة سوداء: ألا وإن كتابي هو قلبي ولساني أما تراه على رقته ولطف عبارته وصدق طويته بين يديك مقبلاً عليك ينشره الشوق ويطويه لا يخفى أمراً ولا يكتم عنك سراً وتلك صفات لساني وقلبي معك: فما الذي أبتغيه بعد وقد بعثت إليك بالأصغرين وما أنا إلا بهذين نعم أرجو بقاك ممتعاً بنعماك لأكون على الدوام محل نظرك والسلام.
"وكتب مؤلف هذا الكتاب"
كتابي لديك يصف شوقي إليك ولا يخفى عليك فمذ فارقتني فرقت بين أنسي ونفسي بل بين روحي وجسمي ولا تعجب إذا كنت أغدو وأروح فالطير يمشي من الألم وهو مذبوح وإني أشكو إليك ؟من ألم الوحشة غراماً لا يشعر به إلا من ذاق حلو أنسك وعرف مقدار نفسك وساهد جمال لطفك وفي صفاتك ترويحاً لروحي وفي كرم خلقك تفريحاً لنفسي.
إذا وصف الناسُ أشواقهم
 
فشوقي لوجهك لا يوصفُ
فعندي لك من المحبة والشوق والتلهف والتوق ما لايصفه الواصفون ولا يعبر عن حقيقته العارفون.
الشّوق فوق الذي أشكو إليكَ وهل
 
تخفى عليك صباباتي وأشواقي
 
فيا شوقي إلى لقياك ووالهفي على جمال محياك قيدن أملي عن سواك وبهرت ناظري بنظرة سناك وكسرت جيش قراري وتركتني لا أفرق بين ليلي ونهاري.
فؤادي والهوى سلمٌ وحربُ
 
وسلواني أقام على الحياده
وشوقي كاملٌ ما فيهِ نقصٌ
 
فلستُ عليهِ أطمعُ في الزّياده
فليت شعري ماذا أصنع في شوق أنا مدفوع إليه من صادق حبي بعوامل صادفت مني قلباً خالياً فتمكنت بالتعارف ولم تدع للسلوان سبيلاً.
عرفتُ هواهُ قبل أن أعرفَ الهوى
 
فصادفَ قلباً خالياً فتمكَّنا
 
إي وربي إن شوقي إليك الظمآن إلى برد الشراب وحنيني لك حنين الشيخ إلى زمن الشباب، فما الأبل وقد حنت إلى أعطانها، والغرباء وقد أنت إلى أوطانها بأعظم مني حنيناً ولا أكثر أنيناً.
ولكنّ التفرُّق طالً حتى
 
توقّدَ في الضُّلوع له حريقٌ
فكلما تخطر ببالي في أي وقت من الأوقات يمثل لي التذكر منك محاسن ولطائف تجذبني ميلاً إليك وتطربني شغفاً بك واغتباطاً بإخائك فلا عجب أن كان شوقي لرؤيتك عظيماً لأنه كما قيل (كم كرم الرجل حنينه إلى أوطانه وشوقه إلى إخوانه).
يا خلاصَ الأسيرِ يا حصّة المّد
 
نف يا زورة على غيرِ وعدِ
 
يا نجاةَ الغريقِ يا فرحةَ الأو
 
بة ياقفلة أتتْ بعد بعدِ
 
ارضَ عنّي فدتكَ نفسيَ أنّي
 
لك عبدٌ أذلُّ من كلّ عبدِ
 
ناشدتك الله أن ترفق بحالي وتعيد وصالي وارع الود القديم وأبدل شقاء محبك بالنعيم واغمد سيف ظلمك المسلوى (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 34].
 
الفصل الثاني في التعارف قبل اللقاء
"كتب أبو منصور التيسابوري المتوفي سنة 429ه?"
نحن في الظاهر على افتراق وفي الباطن على تلاق نحن نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر إذا حصل القرب بالإخلاص لم يضر البعد بالأشخاص أنا أناجيك بخواطر قلبي وإن كان قد غاب شخصك عني إن أخطأتك يدي بالمكاتبة ناجاك سري بالمواصلة رب غائب بشخصه حاضر بخلوص نفسه إن تراخى الالقاء فإننا نتلاقى على البعاد ونتلافى نظر العين بالفؤاد.
"وكتب أيضاً"
أنا أشتاقك كما تشتاق الجنان وإن لم تتقدم لها العينان أنا وإن كنت ممن لا يسعد بلقائك فقد اشتمل علي الأنس ببقائك والشوق إلى محاسنك التي سارت أخبارها ولاحت آثارها لازالت الأيام تكشف لي من فضلك والأخبار تعرض علي من عقلك ما يشوقني إليك وإن لم أراك ويزيدني رغبة في ودك وقد سمعت خبرك.
"وكتب الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
كما أن شغف الجنان بالحسن والإحسان تكون داعيته المشاهدة وتسريح الأنظار في محيا الكمال ومجلتي الجمال فترى العين من تلك الغرة ما يملؤها قرة فكذلك السماع يستدعي هذا الشغف فيتأثر الفؤاد بما يشنف الأذن مما تهديه إليه طرائف الأخبار حتى كأن حاستي السمع والبصر في ذلك صنوان بل أخوان في هيكل هذا الجثمان وقد يعلن السيد أطال الله بقاءه وأدام ارتقاءه أن ذلك الأمر (أي الشغف بالسماع) ليس بالحديث العهد ولا القريب الجدة بل هو أمر عرف قديماً أن يهدي السماع إلى سويداء القلب لاعج الحب سعره من الأنباء عرف شميم فتهيم بمجرد استنشاق ذلك الشميم حتى يقول الشاعر العربي (والأذن تعشق قبل العين أحياناً) أجل والقدوة في هذا المعنى والأس لذلك المبني قوله (: "إني لأشم نفس الرحمن من قبل اليمن" لما أملته العناية الربانية والملك الروحاني على قلبه الشريف من نبأ القرني أويس ولم يكن رآه بعد.
الأوان محاسن السيد الأجل لما سارت بها الركبان وأثنى عليها كل لسان ما بين أخلاق أبهى من الروض النضير وأعراق أشهى من عذيب النمير قد احتلت من فؤادي لا أقول منزلاً رحيباً ولا وادياً خصيباً بل منزله شماء ودارة علياء وأوجاً بطوالعها السعيدة يسعد ويلوح بها من ذكراه كل حين فرقد فلم أنشب أن قدمت كتابي هذا لمولاي بين يدي اللقاء عله أن يسمح به الزمان وتسفر عنه الليالي والأيام ليتاح لي ري الفؤاد بما أرويه من حديث زيد الخيل الذي سماه رسول الله ( زيد الخير وقال له ما وصف لي أحد فرأيته إلا وجدته دون ما وصف لي سواك وإن فيك خصلتين يحبهما الله (الحلم والأناة) مقتدياً بالإمام محمود جار الله في تقديم هذا الحديث الشريف على ما أنشده إياها الشريف بن الشجري أول ما لقيه وكانا قد تحابا بالسماع.
كانت مساءلةُ الرُّكبان تخبرنا
 
عن جابر بن رباحِ أطيبَ الخبرِ
 
حتى اجتمعنا فلا والله ما سمعت
 
أذني بأحسن مما قد رأى بصري
"وكتب حفني بك ناصيف المتوفي سنة 1337ه?"
يعلم الله ما عندي من الشوق إلى لقاء السيد وإن لم يكتحل بإثمد محاسنه النظر والشغف بسماع الحديث منه كما سمعته عنه فقد سبقت ذكرى محاسنه إلى السمع ووصل خبر لطائفة إلى النفس. وما المرء إلا ذكره ومآثره. وحسدت العين عليه الأذن وودت لو أنها السابقة إلى اجتلاء رقائقه وشهود حقائقه.
فللعين عشق مثل ما يعشق السمع. لا جرم أن ما تعارف من الأرواح ائتلف وما تناكر منها كما قيل اختلف. ونحن وإن بعدت بيننا الشقة ولم يسبق لنا باللقاء عهد فلحمة الدب تجمعنا ووحدة الوجهة تضمنا ولحمة الأدب أقوى من لحمة النسب وجامعة الوجهة فوق اجتماع الوجوه وقد رأيت أن أزدلف إليك بالمكاتبة وأترسل إلى شرف التعرف بالمراسلة حتى إذا لم يبق في الصبر على الافتراق مسكة ولبى الجسم دعوة الروح فاندفع إلى طلب الاجتماع أكون قد مهدت له سبيلاً ووطأت له طريقاً فلا تبهرني فرحة اللقيا ولا يغرني طرب الظفر "فمن فرح النفس ما يقتل ومن نشوة الراح ما يزهق الأرواح" فإن رأى السيد أن يكاتب عبده ويعتقه من رق الفرقة عجل بجواب هذا الكتاب ليعلم العبد أن نميقته صادفت قبولاً وأن وسيلته اتخذت لي سيده سبيلاً قرب الله زمن اللقا وقصر أمد النوى حتى أنشد في الختام.
تطابقَ الخبرُ في علياك والخبرُ
 
وصدّقَ السمعَ في أوصافكَ البصرُ
"وكتب أحمد أفندي سمير المتوفي سنة 1329ه?"
يعلم سيدي أن المودة لا تباع ولا تشترى وإنما هي نتيجة الاجتماع والتعارف وقد خلق الإنسان مضطراً إليهما لأن انتظام العمران عليهما موقوف ولهذا شهد العيان بأن المنفرد بأعماله المستبد بآرائه عرضة للخطأ مظنة لعدم الثقة: بخلاف ما إذا كان الاشتراك في الفكر قاعدة للعمل فلا بد أن الصواب يتمحض منه لضعف التفرد وقوة الاجتماع إذ لا جرم أن المرء كما قيل: "قليل بنفسه كثير بإخوانه" وقد سمعت عن السيد وقرأت من آثاره المأثورة ما حببه إلي وشاقتي للتعرف به لتشترك في منفعة تبادل الأفكار فإني لا أكتفي بمجرد السماع ولا أقول: "إن الأذن تعشق قبل العين" فإنما هي جارحة صغيرة ولكن كلي ميال إليه محب لاستجلاء مرآه عالم إني غذ دخلت إلى مودته من باب التلاقي لا أجد دهري.
يقرّب منّي كلَّ شخصٍ كرهنهً
 
ويبعدُ عنّي منْ إليه أميل
 
فإن لم يتيسر أن يراني أو أراه فليسعدني ببضعة أسطر تضمن لي رضاه عن هذه المعرفة الترسلية لنتراءى بأعين الطروس قبل أعين الرؤوس ونتجاذب أحاديث المراسلة إن عزت المقابلة وقد وقفت عليه خالص ودي واخترته من بين رجال العصر سعيا لكسب المعالي بمعرفته (كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ) [الطور: 21] (لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ) [النجم: 39].
عن المرء لا تسألْ وسلْ عن قرينه
 
فكلُّ قرين بالمقارنِ يقتدي
 
"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة 1329ه?"
لم أكن فيما أكتبه لك إلا سارياً في ليل التعارف على ضياء خلالك التي أملاها علي لسان المدح الذي شرق وغرب الأرض صيته وإني وإن لم أكن أسعدت من قبل باجتلاء طلعتك الزاهرة واجتناء مفاكهتك الغضة فقد دلني على الليث زئيره وعلى البحر خريره وعلى العقل أثره وعلى السيف إثره ولئن لم تجمعنا لحمة النسب فقد جمعتنا حرفة الأدب أو لم يضمنا قبل مصيف ومرتبع فالطيور على أشكالها تقع وشبه الشيء منجذب إليه وأخو الفضائل هو المعول عليه: وهذه الرقعة وإن وصفت لك بعض ما أنا مطوي عليه من التهافت على رؤيتك والميل إلى صداقتك فقلما تنوب عن المشابهة أو تقضي حاجات في النفس طالما تردد صداها: زفي ظني أن سيدي يود ما أوده وعما قليل يسفر صبح اللقاء ونتجاذب أهداب المعرفة: ورأى من سيدي فوق ما توسمته وسمعته ويرى مني ما يرضيه والسلام.
"وكتب الشيخ طه محمود المتوفي سنة 1325ه?"
أيها السيد العزيز الجناب الغزير الآداب، قد علمت ولا أزيدك علماً زادك الله ولا نقصك أن الإنسان كما اشتق اسمه من الأنس كذلك جبل عليه مسماه وأن المجتمع الإنساني عقد يتحلى به صدر الزمان نظامه التآلف وواسطته التعارف: فهذان الأمران هما قطب المدار في هذه الدار لهذا العالم من لدن آدم وليس إلا بهما يحسن الحال وينعم البال وتدر ضروع المنافع وتتفجر عيون الفوائد ومن ثم كان أوفر الناس حظاً من مغنم الإنسانية من يألف ولا خير فيمن لا ولا ناهيك بخلق امتن الله به على عباده إذ قال عز من قائل: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ) [الحجرات: 13].
ذلك "أيها السيد" هو الذي بعثني أن اكتب إليك أستفتح باب مودتك بمفتاح الترسل وأستصبح في سبيل صحبتك بمصباح التوسل لا أبالي بما ينسب إلي وينتقم علي ممن عسى أن يقول مالك ولهذا الفضول وكيف تتطفل على مأدبة أديبة لم تدع إليها وهل هذا منك إلا أشبه بالتبرج لغير خاطب: أيها المنتقد هون عليك ما تجد فلو علمت أن ظل الآداب شامل ودعوة المودة الجفلى لا يذاد عنها وأغل لأسرعت معي إلى الوغول ولم تر في التودد إلى أهل الفضل من فضول وأي عيب على النكرة في التحلي بحلية المعرفة ومصاحبة الأعلام أما سمعت قول القائل:
بصحبتكَ الكرامَ تعدُّ منهم
 
وتأمنُ من ملمّات الزّمان
وكيف أضع نفسي بحيث يقول الأول:
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها
 
واقعد فإنك أنت الطاعمُ الكاسي
وشتان ما بين الرجلين رجل يهوى المكارم وبينها ويبتغي المناقب وذويها ويقف نفسه على مسألة يعلمها وفضيلة يتحلى بها.
وآخر يبذل وجهه المصون في ملء الحقائب والبطون.
هذا: وقد رجوت أن أكون الرجل الأول بصحبتك "أيها السيد" فكم روى لنا من أحاديث فضائلك للصحاح وتلى علينا من آيات شمائلك الحسان ما أشخص إليك القلوب قبل قوالبها وأوفد عليك الأرواح قبل أشباحها وأعجلني أن أكتب إليك بهذا الرقيم ألتمس بالتعرف إلى جنابك الكريم ما ألتمس الكليم من صحبة ذي الوجه النضر أبي العباس الخضر وإني وإن كنت والحمد لله ممن آمنوا بالغيب وليس عندي في صدق هذه الآيات مرية ولا ريب: بيد أن للصحبة فضلاً لا ينكر وللمؤاخاة مزية لا يتمارى فيها اثنان.
فإذا ورد على السيد كتابي هذا وانشرح صدره "شرح الله صدره" إلى إجابة سؤلي وارتاحت نفسه إلى اصطناعي كتب إلى عبده بما يكون آية جلية على ارتياحه لتحقيق هذه الأمنية.
حتى أقول لوجه آمالي ابتهجْ
 
لأولّينّك قبلةً لاترضاها
 
"وكتب الأستاذ محمود بك أبو النصر"
لإنسان العين وعين الإنسان: المودة "وصل الله بأجفان الأشواق أهدابها وفتح لنا أبوابها" أمر عزيز المرتقى على من يصطفى صديقه ويرعى حقوقه وإني اصطفيتك على الناس برسالتي هذه وعهدي بكرم سجاياك أن تصافحها براحة القبول وتتخذها فاتحة ود طارت إليك رياح فضلك بعدما مثلت آياته لك في القلوب معنى ظهرت في مرآه الأعين صورته.
فإن أبيت ودادي غيرَ مكترثٍ
 
فعنكَ ما دمتُ حيَّا لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل ذلك الإباء ونحن وإن لم تحظ أشباحنا باللقاء فأرواحنا من قبل جنود وأعيننا شهود فإن أنت منحتني ولاء خالصاُ وإخاءً صادقاً (وإلا فهبني أمراً هالكاً) ولا إخالك ترضاه وإن كنت المتطفل على مائدة مودتك فلي نفس أديب لا ترى العز زإلا في الترامي على ذرا الكمال لازلت على مرقى الجلال والسلام.
"وكتب الفاضل السيد محمد الببلاوي"
سيدي إن مكارم الأخلاق ومعالي الهمم مما تسترق القلوب وتسترق العقول وتمتلك الأرواح وإن لم تتلاق الأشباح فإني مذ سرى إلي النسيم بأخلاقكم الغراء وابتسم لي ثغر هذا العصر عن آثاركم الزهراء وتواترت الأخبار بحبكم للفضل وأهله وارتياحكم للعلم وذويه وأنا مشغوف الفؤاد بالتعرف بسيادتكم مشغول البال بالتوسل إلى رياض مودتكم ولعلمي أن للصداقة حقوقاً وللمصاحبة شروطاً ربما صعبت على من حاولها وعزت على من أراد الوفاء بها كنت أرى الوحدة أولى والانفراد بي أسلم ولكن ما زلت تنمي إلى أحاسن شمائلكم المشرفة وتتوارد على مسامعي محاسن سيركم المطهرة فينمو الوجد ويزداد الشوق "والأذن تعشق قبل العين أحياناً" وما كنت أجد سبيلاً للتعرف ولا سبباً للتودد ولا متجسر نفسي على المراسلة ابتداء إلى أن رأيت سيدي قد اهتم للأدب فأعلى منارة ونظر للإنشاء فرفع مقداره ونصر دولته وأحيا صولته وأعاد شبابه وفتح لأدباء هذا العصر بابه فعلمت أن الدهر قد ساعدني والفرصة قد أمكنتني من مصافحة أملت ومصافات ما أردت من اجتناء ثمار سيدي والتعرف به والتمسك بأهداب فضائله والتزود من آدابه فإن الأدب أحسن يستصبح بأنواره وأشرف ما يتسابق لاقتطاف أثماره ويحمد التطفل على موائده ويمدح التنافس في التقاط فرائد فوائده فجعلت طلب الانتظام في سلك أرباب الأقلام وسيلة لورود عذب وداده ونمير التعرف به فإن رأى سيدي أن يعد نفس حر في عداد معارفه ويقابل رسالته بما اشتهر من لطائفه حتى يتمتع بالرؤية الأبصار كما تمتعت المسامع بطيب الأخبار كنت مديم الشكر لأفضاله مستمر الثناء على كماله.
"وكتب الشيخ عبد الكريم سلمان المتوفي سنة 1336ه?"
أما بعد فهذه أول رسالة أكتبها إلى من لم تكن لي به جامعة جسمية ولم تضمني وإياه حفلة تعارف شخصية وهي وإن كانت في عرف غيري تعد هجوماً أو تحس فضولاً إلا أني أعتقد أنها أوفدت على كريم يكرم وفادتها ويتقبل به ما يهديه إليه من زعيم تحية وجليل إجلال ويجتلي من خلالها إرادة ود ورجاء ولاء وبغية فضل ورغبة في إخاء فيحلها منه محل القبول ويدرأ عنها وصمة الفضول: إن لسيدي آثاراً شاهدناها فاستفدناها ومآثر سمعناها فرويناها ولا مرية في أن ما غاب عنا منها أكثر مما وعينا وأوفى مما سمعنا ونحن والله يعلم طلاب كمال ومنتجعوا إفضال ورواد وما خصب من فيحاء العلوم وقد توسمنا في السيد أطال الله بقاه طلبتنا ووجدنا لديه ضالتنا قحثثنا إلى رحابه مطية المكاتبة ولنا أمل كبير في نوال المأمول لعله يجتح إلى مقابلة المثل بالمثل فيكتب لأخيه بعض كليمات يعرف منها أنه قبل الإخاء ومال إلى مقتضى طبعه من الوفاء ولا أظن ذلك إلا وقد كان في أقرب ما يكون من الزمان فإن الأرواح ما تعارف منها ائتلف كما برهنه الأصحاب في معاشرتهم خلفاً عن سلف.
"وكتب مؤلف هذا الكتاب"
لقد سمعنا بأوصافٍ لكم كملتْ
 
فسرَّنا ما سمعناهُ وأحيانا
 
من قبل رؤيتكم نلنا محبّتكم
 
والأذن تعشقُ قبلَ العين أحياناً
سيدي ومولاي: لقد بلغني عنك في وفائك وفضلك ما يدعوني لخطب ودك ويرغبني في إخائك ويحببني في التوسل إلى معرفة جنابك وإن لم تجمعنا جامعة شخصية ولم تضمنا حفلة تعارف ذاتية إلا أن أحاديث فضائلك الصحاح أوفدت عليك الأرواح قبل الأشباح والولاء والإخلاص قبل الأجسام والأشخاص ولا غرابة في ذلك فإن من سنة الله في خلقه أن يؤلف بين الأرواح وأمثالها وإن لله ملائكة يسوقون الأشكال إلى أشكالها وشبه الشيء منجذب إليه وأخو الفضائل هو المعول عليه.
إنّ القلوبَ لأجنادٌ مجنّدةٌ
 
لله في الأرض بالأهواء تعترفُ
فما تعارفَ منها فهو مؤتلفٌ=وما تناكرَ منها فهو مختلفُ فلذا اصطفيتك لنفسي واخترتك لمودتي وأنسي نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر وإن بعدنا في الظاهر فرب غائب بنفسه حاضر بخلوص نفسه.
فإنْ أبيتَ ودادي غيرَ مكترثٍ
 
فعنك ما دمت حياً لا أرى بدلا
وحاشاك عن مثل هذا الإباء والهجر والجفاء.
لكلّ امرئ شكلٌ من النّاس مثله
 
وكلّ امرئ يهوى إلى من يشاكلهُ
ناشدتك الله أن تقبل مني الإخاء وتضمن لي الوفاء وأنا أرضى بك من الدنيا نصيباً وأختارك من العالمين حبيباً.
الفصل الثالث في رسائل الهدايا
كتب سعيد بن حميد المتوفي سنة 105ه? يوم النيروز إلى بعض أهل السلطان"
أيها السيد الشريف عشت أطل الأعمار بزياد من العمر موصولة بفرائضها من الشكر لا سينقضي حق نعمة حتى يجدد لك الأخرى ولا يمر بك يوم إلا كان مقصراً عما بعده موفياً عما قبله: إني تصفحت أحوال الأتباع الذين يجب عليهم الهدايا إلى السادة والتمست التأسي بهم في الإهداء وإن قصرت بي الحال عن الواجب فوجدت أني: إن أهديت نفسي فهي ملك لك لاحظ فيها لغيرك. ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها منك فإن كنت أهديت منها شيئاً فإني لمهد مالك إليك. ونزعت إلى مودتي فوجدتها خالصة لك قديمة غير مستحدثة فرأيت إن جعلتها هديتي أني لم أجدد لهذا اليوم الجديد براً ولا لطفاً ولم أميز منزلة من شكري بمنزلة من نعمتك إلا كان الشكر مقصراً عن الحق والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة فجعلت الاعتراف بالتقصير عن حقك هدية إليك والإقرار بالتقصير عما يجب لك براً أتوسل به إليك وقلت في ذلك.
إن أهد مالاً فهو واهبهُ
 
وهو الحقيقُ عليه بالشكرِ
أو أهد شكري فهو مرتهنٌ
 
بجميل فعلكَ آخرَ الدّهرِ
 
والشمس تستغني إذا طلعتْ
 
أنْ تستضيء بسنَّة الدّهر
 
"وكتب حنفي بك ناصف المتوفى سنة 1337ه?"
الهدية في نظر الأصيفاء جليلة وإن كانت في نفسها قليلة ومكانتها خطيرة وإن كانت يسيرة وسنة حسنة اجتمعت على فضلها الألسنة.
مضت الدّهورُ وأمرها مستحسنٌ
 
وتعاقبتْ بمديحها الأيام
 
اللهم إلا أن لبست جلباب الرياء وولجت أبواب الارتشاء ولا مراء إن الأوداء من ذلك براء.
لا يبتغون سوى الوفاءِ وما لهم
 
غيرُ البقاءِ على الصَّفاءِ مرام
وما زالت الهدية شعار الأصدقاء وعنون تذكار الولاء وكم جددت بين الأصحاب عهود التحاب.
وتعهّدت ودّا فعادَ شتيتهُ
 
ولشملهِ بعد البدادِ نظامُ
قد وصلتني يد العصا فحبذا الإهداء وأهلاً بتلك اليد البيضاء وليست هذه أول أياديك علي ولا أكبر عارفة جاءت من ناديك إلي وقد أمنت بها النوب واعتضدت بها على تفريق شمل الكرب.
فإذا طغا بحر الهموم ضربتهُ
 
بعصايَ فاجتازت به الأقدام
تنفلق بها من الأيام صخور فتنبجس منها عيون السرور وتلقف ما يصنع الأعداء فتذهب بسحر البغضاء وإذا اشتد هجير الوحشة نشرت ظلال أنسها أو عصى فرعون الدهر راعته ببأسها.
فكأنَّما أوصى الكليمُ لنا بها
 
حتى يرى آياته الأقوامُ
 
وقد فكرت ماذا أقابل به طرفتك وأتلقى به تحفتك إلى أن هداني الله أن يد المنعم إنما تقابل بالأفواه ليعزز القبول بالقبل ويؤدي الرسم باللثم فأرسلت إليك فم سجارة وجعلته لهذا المعنى إشارة وقلت:
مولايَ كم فاضتْ يمينكَ بالنَّدى
 
حتى غدوتُ غريقَ بحر الأنعمِ
والشكرُ أوجبَ أن أقبّلَ راحها
 
فكنيتُ عن هذا بإهداءِ الفمِ
 
وقد علمت أن المنظر البهيج يتم بالتدريج فاخترت أن يكون مبدؤه كالليل إذا عسعس ومنتهاه كالصبح إذا تنفس إيذاناً بزوال الشرور بالسرور ورمزاً إلى الخروج من الظلمات إلى النور.
?"وكتب الأستاذ محمود بك أبو النصر"
يا أيّها المولى الذي
 
عمَّت أياديهِ الجميلهْ
اقبلْ هديّةَ منْ يرى
 
في حقّكَ الدُّنيا قليلهْ
غرة وجه السعود وقرّة عين الوجود الأمير الجليل: يا جليل الفضائل إليك توجه الآمال ويا جميل الشمائل بساحتك تحط الرحال تلك هي الساحة الفيحاء والشيمة الحسناء والهمة العلياء واليد البيضاء والأعمال التي تضرب بها الأمثال كم من نعم أسديتها ومكارم أوليتها وعلوم أحييتها فأنت المصدر والمورد والمقصد والموعد: إليك أقدم تلك الهدية المرضية وأرفع ذلك الكتاب المستطاب مشفعاً في قبوله كرم سجاياك وعظم مزاياك وإني وإن كنت أعلم أن مقامك العلي يجل عن أن يرفع إليه مثله فقد عرفناك متواضعاً في علاك قريباً مع اعتلاك.
دنوتَ تواضعاً وعلوت مجداً
 
فشأنك انخفاضٌ وارتفاعُ
 
كذاك الشّمس يبعدُ أن تسامى
 
ويدنو الضّوءُ منها والشّعاعُ
وحاشاك أن أهدي للقمر نوراً أو للشمس ضياء أو أبعث ببنية القطر إلى ذلك البحر ولكنني أحببت أن يحظى بلثم بنانك وينال من كرمك وإحسانك وقد عهدناك تهتز للمكارم اهتزاز الصارم وترتاح لإسداء الجميل كما يرتاح للكرم التنزيل وللشفاء العليل وما هون إلا من نور فكرك مقتبس فعساه يحظى بالقبول فأبلغ غاية المأمول والسلام.
"وكتب الأستاذ عبد الله بك الأنصاري"
المولى أدام الله وجوده ممتعاً بهدايا الأيام وتحف الأعوام طالما أوفد من الرفد إلي ووجه من الخيرات ما أفعم يدي حتى أصبحت وله الفضل والمنة أجر ذيول النعماء على غبراء البأساء واجتلي معارف السراء بعوارفه البيضاء التي لايوازيها ثناء وحمد ولا يوزازيها عطاء ورفد ولا يطاولها سماء وبحر ولا يغالبها بؤس وفقر وإن لي من آلاء السيد حفظه الله وأدام علاه ما اينع وأزهر وأورق وأثمر حدائق قامت لشكره عيدانها وسجدت لفضله أغصانها وترنمت طرباً وتمايلت عجباً بنفحات هي عرفه وبركات هي عرفه ولي أمل في جنابه وأنا سليل نعمته وعهدي بأخلاقه وأنا ابن مودته أن يمن بقبول ما أهديته وهو من مال نفسه وثمرة غرسه (باكورة تفاح) يرفعها إجلال وإعظام وتصحبها تحية وسلام.
"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة 1329ه?"
الهدية غمرك الله بالمعروف تتبسط يد المودة وتدر بها أخلاف القرب وتغرس بين المتحابين من الائتلاف بقدر ما تقطع بينهما من شجر الخلاف وما أنا فيما أهديه إليك إلا مستبضع تمراً إلى أرض خبير أو كالواهب الماء للبحر والضوء للبدر والملك لسليمان والمال لقارون والحلم لأحنف والذكاء لإياس والتفسير لابن عباس وما ذاك إلا كتاب كما تراه ضرب في الإحكام بسهم ووعى من الأحكام ما خلت منه مفعمات الأسفار وموجزات الرسائل (فهو كما قيل) كل الصيد في جوف الفرا.
تزين معانيهِ ألفاظهُ
 
وألفاظهُ زائنات المعاني
على أني وإن تطفلت عليك وسقت لك هذا الكتاب مزدلفاً إلى جانبك الرحب ومقامك الأسنى فقد أصبت كبد الصواب ووضعته حيث يعرفه أهلوه ويتقبله من باذله عالموه علماً بأنك عماد العلوم وأساس الفضائل لا تغادر شاردة إلا وعيتها ولا نادرة إلا رويتها وإلا.
لو كان يهدى عليّ قدري وقدركمو
 
لكنت أهدي لك الدُّنيا وما فيها
 
"وكتب مؤلف هذا الكتاب إلى أستاذه الحكيم الشيخ محمد عبده"
سيدي ومولاي أطال الله بقاك ورفع في الدارين علاك الهدية مفتاح باب المودة وعنوان تذكار المحبة يتسابق إليها كرام السجايا ويتسارع إلى إحياء شعائرها عشاق المزايا حرصاً على حفظ عهود الوداد والتآلف وإذهاباً لوحشة التقاطع والتحالف.
هدايا النّاس بعضهمْ لبعضٍ
 
تولّد في قلوبهم الوصالا
 
وتزرع في القلوب هوى وودا=وتكسوك المهابة والجلالا ولقد وجدتك إماماً حكيماً وفيلسوفاً عليماً تقدر الأعمال حق قدرها وتضع الأشياء في مواضعها سباقاً إلى نشر العلوم والمعارف في المشارق والمغارب.
يبقى الثّناء وتنفد الأموال
 
ولكل دهرٍ دولة ورجال
 
ما نالَ محمدةَ الرّجال وشكرهم
 
إلاّ الصّبور عليهم المفضال
فلذا أهديك كتابي (جواهر الدب في بلاغة لغة العرب) جمع فأوعى من الآداب والحكم ما خلت منه مفعمات الأسفار فهو بلا شك ولا مرا كل الصيد في جوف الفرا.
تزين معانيهِ ألفاظه
 
وألفاظه زائنات المعاني
على أني وإن تطفلت عليك ووضعت كتابي هذا بين يديك فقد ولجت الأمور من الأبواب وأصبت كبد الصواب حيث يعرف الفضل من الناس ذووه ويتقبله بقبول حسن عالموه.
شكراً وحمداً إن قبلت هديّتي
 
وجعلت لي فضلاً على أقراني
فتنازلك بقبوله يكون الإقبال عليه جليلاً ويعجز لساني عن أن أشكرك جزيلاً والسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:47 am

الفصل الرابع في رسائل الاستعطاف والاعتذار
"وكتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
الكريم إذا قدر غفر وإذا أوثق أطلق وإذا أسر أعتق قد هربت منك إليك واستعنت بعفوك عليك فأذقني حلاوة رضاك عني كما أذقتني مرارة انتقامك مني: الحر الكريم الظفر إذا نال أقال واللئيم إذا نال استطال قد هابك من استتر ولم يذنب من اعتذر تكلف الاعتذار بلا زلة كتكلف الدواء بلا علة مولاي يوجب الصفح عند الزلة كما يلتزم البذل عند الخلة مولاي يوليني صفيحة صفحة ويؤتيتي العفو من عفوه زللت وقد يزل العالم الذي لا أساويه وعثرت وقد يعثر الجواد الذي لا أجاريه لاتضيقن لاعني سعة خلقك ولاتكدرن علي صفو ودك مالي ذنب يضيق عنه عفوك ولا جرم يتجافى تجاوزك وصفحك: والسلام.
"وكتب عبد الله بن معاوية المتوفي سنة 158ه? إلى أبي مسلم"
من الأسير في يديه بلا ذنب إليه ولا خلاف عليه (أما بعد) فقد أتاك الله حفظ الوصية ومنحك نصيحة الرعية وألهمك عدل القضية فإنك مستودع الودائع ومولى الصنائع فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك فالودائع عارية والصنائع مرعية وما النعم عليك وعلينا فيك بمنزور نداها ولا بمبلوغ مداها فنبه للتفكير قلبك واتق الله ربك وأعط من نفسك من هو تحتك ما تحب أن يعطيك من هو فوقك من العدل والرأفة والأمن من المخافة فقد أنعم الله عليك بأن فوض أمرنا إليك فاعرف لنا لين شكر المودة واغتفار مس الشدة والرضا بما رضيت والقناعة بما هويت فإن علينا من سمك الحديد وثقله أذى شديداً مع معالجة الأغلال وقلة رحمة العمال الذين تسهيلهم الغلظة وتيسيرهم الفظاظة ولإيرادهم علينا الغموم وتوجيههم إلينا الهموم زيارتهم الحراسة وبشارتهم الإياسة فإليك بعد الله نرفع كربة الشكوى ونشكو شدة البلوى فمتى تمل إلينا طرفاً وتولنا منك عطفاً تجد عندنا نصحاً صريحاً ووداً صحيحاً لايضيع مثلك مثله ولا ينفي مثلك أهله فارع حرمة من أدركت بحرمته واعرف حجة من فلجت بحجته فإن الناس من حوضك رواء ونحن منه ظماء يمشون في الإيراد ونحن نحجل في الأقياد بعد الخير والسعة والخفض والدعة والله المستعان وعليه التكلان.
"وكتب بدر الدين محمد بن حبيب الحلبي المتوفي سنة 799ه?"
رفقاً بمن ملك الوجد قياده وعطفاً على من أذاب الشوق فؤاده متيم أقلقه فرط صدودك ومغرم أغراه بحبك قول حسودك وسقيم لا شفاء له دون مزارك ومقيم على عهدك ولو طالت مدة نفارك إلى م هذا التنائي والنفور وعلام ياذا القد العادل تجور لقد تضاعفت الأسف والأسى وتطاول التعلل بعل وعسى.
هبني تخطّيتُ إلى زلّة
 
ولم أكن أذنبتُ فيما مضى
 
أليسَ لي من بعدها حرمةٌ توجبُ لي منك جميلَ الرّضا
ولست ألوذ إلا بباب نعمك ولا أعتمد في محو الإساءة إلا على حلمك وكرمك وما جل ذنب يضاف إلى صفحك ولا عظم جرم يسند إلى عفوك ومثلك من يقيل العثرات ويتجاوز عن الهفوات.
وكنت أظنُّ أن جبال رضوى=تزول وإن ودَّك لا يزول
ولكنّ القلوب لها انقلابٌ
 
وحالاتُ ابن آدم تستحيل
طالما آنستني بقربك ودنوت مني مفارقاً ظباء سر بك وأنجزت وعودي وأطلعت نجوم سعودي.
وكنتُ إذا ما جئتُ أدنيت مجلسي
 
ووجهكَ من ماء البشاشةِ يقطرُ
فمن ليَ بالعين التي كنتَ مرَّة
 
إليَّ بها من سالف الدَّهر تنظر
 
قيدت أملي عن سواك وبهرت ناظري بنظرة سناك وكسرت جيش قراري وتركتني لا أفرق بين ليلي ونهاري، أحوم حول الديار، وأعوم في بحر الأفكار، وأتمسك بعطف عطفك، وأتعلق بأذيال مكارمك ولطفك أما علمت أن الكريم إذا قدر غفر، وإذا صدرت من عبده زلة أسبل عليها رداء العفو وستر، وإن شفيع المذنب إقراره ورفض خطيئته عند مولاه استغفار.
ومنْ كان ذا عذرٍ لديك وحجّةٍ
 
عذريَ إقراري بأن ليس لي عذرُ
لهفي على عيش بسلاف حديثك سلف وأوقات حلت ثم خلت وأورثت التلف وآها لأيام بطيب أنك مضت وبروق ليال لولا قربك ما أومضت.
كنتُ أعرفُ في الهوى مقدارها
 
رحلتْ وبالأسف المبرّح عوضت
كيف السّبيلُ إلى إعادة مثلها
 
وهيَ التي بالبعدِ قلبي أمرضت
 
فجد بالتداني واسمح بنيل الأماني وألن قلبك القاسي وعد عن التنائي والتناسي وارع الود القديم وابدل شقاء محبك بالنعيم ولا تعدل عن منهاج المعدلة وسلم فقد أخذت حقها المسألة وأغمد سيف حيف صبرته مسلولاً وأوف (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 34].
"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي بالبصرة سنة 255ه?"
ليس عندي أعزك الله سبب ولا اقدر على شفيع إلا ما طبعك الله عليه من الكرم والرحمة والتأميل الذي لايكون إلا من نتاج حسن الظن وإثبات الفضل بحال المأمول وأرجو أن أكون من الشاكرين فتكون خير معتب وأكون أفضل شاكر ولعل الله يجعل هذا الأمر سبباً لهذا الأنعام وهذا الأنعام سبباً للانقطاع إليكم والكون تحت أجنحتكم فيكون لا أعظم بركة ولا أنمى بقية من ذنب أصبحت فيه وبمثلك جعلت فداك عاد الذنب وسيلة والسيئة حسنة ومثلك من انقلب به الشر خيراً والغرم غنما من عاقب لقد أخذ حظه وإنما الأجر في الآخرة وطيب الذكر في الدنيا على قدر الاحتمال وتجرع المرائر: وأرجو أن لا أضيع وأهلك فيما بين كرمك وعقلك وما أكثر من يعفو عمن صغر ذنبه وعظم حقه وإنما الفضل والثناء العفو عن عظيم الجرم ضعيف الحرمة وإن كان العفو العظيم مستطرفاً من غيركم فهو تلاد فيكم حتى ربما دعا ذلك كثيراً من الناس إلى مخالفة أمركم فلا أنتم عن ذلك تنكلون ولا على سالف إحسانكم تندمون ولا مثلكم إلا كمثل عيسى ابن مريم حين كان لا يمر بملأ من بني إسرائيل إلا أسمعوه شراً وأسمعهم خيراً فقال له شمعون الصفا: ما رأيت كاليوم كلما أسمعوك شراً أسمعتم خيراً فقال كل امرئ ينفق مما عنده وليس عندكم إلا الخير ولا في أوعيتكم إلا الرحمة. وكل إناء بالذي فيه ينضح.
"وكتب ابن مكرم إلى بعض الرؤساء"
نبت بي غرة الحداثة فردتني إليك التجربة وقادتني الضرورة ثقة بإسراعك إلي وأن أبطأت عنك وقبولك لعذري وإن قصرت عن واجبك وإن كانت ذنوبي سدت علي مسالك الصفح عني فراجع في مجدك وسؤددك وإني لا أعرف موقفاً أذل من موقفي لولا أن المخاطبة فيه لك ولا خطة أدنا من خطتي لولا أنها في طلب رضاك والسلام.
"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 740ه?"
لو بغير الماء حلقي شرقٌ
 
كنتُ كالغصّانِ بالماء اعتصاري
كيف يقدر أبقى الله السيد على الدوام من لا يهتدي إلى أوجه الداء وكيف يداري أعداءه من لايعرف الأصدقاء من الأعداء وكيف يعالج علة القرحة العمياء أم كيف يسري بلا دليل في الظلماء أم كيف يخرج الهارب من بين الأرض والسماء: الكريم غذ قدر غفر وإذا أوثق أطلق وإذا اسر أعتق ولقد هربت من السيد إليه وتسلحت بعفوه عليه وألقيت ربقة حياتي ومماتي بيديه فليذقني حلاوة رضاه عني كما أذاقني مرارة انتقامه مني ولتلح على حالي غرة عفوه كما لاحت عليها مواسم غضبه وسطوه وليعلم أن الحر كريم الظفر إذا نال أقال وإن اللئيم لئيم الظفر إذا نال استطال وليغتنم التجاوز عن عثرات الأحرار ولينتهز فرص الاقتدار وليحمد الله الذي أقامه مقام من يرتجى ويخشى وركب نصابه في رتبة شاب الزمان ومجدها فتي وأخلق العالم وذكرها طري وليعتقد أنه قد هابه من استتر ولم يذنب إليه من اعتذر وإن من رد عليه عذره فقد أخرج إلى الشجاعة بعد الجبن وأخرج ذنبه إلى صحن اليقين من سترة الظن وفق الله السيد لما يحفظ عليه قلوب أوليائه وعصمه مما يزيد به في عدد جماجم أعدائه.
"وكتب بعضهم إلى رئيسه"
وجدت استصغارك لعظيم ذنبي أعظم بقدر تجاوزك عني ولعمري ما جل ذنب يقاس إلى فضلك ولا عظم جرم يضاف إلى صفحك ويعول فيه على كرم عفوك وإن كان قد وسعه حلمك فأصبح جليله عندك محتقراً وعظيمة لديك مستصغراً أنه عندي لفي أقبح صور الذنوب وأعلى رتب العيوب غير أنه لولا بوادر السفهاء لم تعرف فضائل الحلماء ولولا ظهور نقص بعض الأتباع لم يبن جمال الرؤساء ولولا إلمام الملمين لبطل تطول المتطولين بالصفح وغني لأرجو أن يمنحك الله السلامة بطلبك لها ويقيلك العثرات بإقالتك أهلها وما علمت أني وقفت منك على نعمة أتدبرها إلا وجدتها تشتمل على فائدة فضل تتبعها عائدة عقل.
"وكتب فقيد اللغة الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة 1906"
بم يعتذر إليك من لايرى لنفسه عذراً وكيف يستتر من عتبك من لايستطيع لذنبه ستراً بل كفاني من العتب تعنيف نفسي على ما ألقيت عليها من تبعة تقصيري وما حلت به من التفريط بينها وبين معاذيري والله يعلم ما كان تقصيري شيئاً أردته ولا كان تفريطي أمراً قصدته ولكنها الأيام إن صاحبتها لم تصحب وإن عاتبتها لم تعتب فلقد عبرت بي هذه البرهة كلها وأنا بين شواغل لا يشغلها عني شاغل وبلابل قد اختلط حابلها بالنابل فنازعتها هذه النهزة اليسيرة أجدد فيها التذكرة إلى أن يمن الله بصلة الحبل واجتماع الشمل واستنزل أحرفاً من حظك يكتحل بها الناظر ويأنس إليها الخاطر متوقعاً بعد ذلك أن أبقى بين يدي مودتك مذكوراً وإلا يكون عجزي لديك شيئاً منظوراً وإن تجري بي على عادة حلمك إلى أن يجمع الله الشتيتين ويغني العين عن الأثر بالعين إن شاء الله تعالى والسلام.
"وكتب أيضاً"
وافاني كتابك العزيز والنفس نازعة إلى ما يزيل نفارها والقريحة تائقة إلى ما يشحذ غرارها فكان روضة باسمة الكمائم فائحة النسائم قد ردت على النفس انبساطها وأحيت البادرة فاستأنفت نشاطها فأنا منه ما بين وشي يخجل طراز العبقرية وزخرف دونه نضرة السابرية تناجيني منه رشاقة ألفاظ تفضح قدود الحسان وغضاضة أنفاس يغار منها ورد الجنان ورقة خطاب يشف عن ود صفي ولطف خفي وكرم وفي عتب أعذب من الماء القراح وأرق من نسمات الصبا في الصباح حتى لقد جنب إلى تقصيري وشفع عند نفسي في قبول معاذيري على أن ما عندي من الولاء لا يعتريه معاذ الله وهن ولايخلقه تمادي زمن أو ترامي وطن ولكن صروف الأحداث قد قصرت الجهد جواد العزيمة عن القصد والله يعلم أني لو نزلت على حكم نوازل الدهر ولم أدافع طلائعها بما بقي من ساقة الصبر لما كان في همتي إلا كسر اليراع وهجر المحابر والرقاع وحسبي من العذر ما أعرفه من حلمك المألوف وما ألفته من كرمك المعروف.
والله أسأل أن يبقيك لي من الدهر نصيباً ويمتعني بلقائك قريباً بمنه وكرمه.
"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي بالبصرة سنة 255ه?"
أما بعد فنعم البديل من الزلة الاعتذار وبئس العوض من التوبة الإصرار فأنا لا عوض من إخائك ولا خلف من حسن رأيك وقد انتقمت مني في زلتي بجفائك فأطلق أسير تشوقي إلى لقائك فإنني بمعرفتي بمبلغ حلمك وغاية ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك وقد مسني من الألم ما لم يشفه غير مواصلتك.
"وكتبت زبيدة زوجة الرشيد المتوفاة سنة 216ه? إلى المأمون"
كل ذنب يا أمير المؤمنين وإن عظم صغير في جنب عفوك وكل إساءة وإن جلت يسيرة لدى حلمك وذلك الذي عودكه الله أطال مدتك وتمم نعمتك وأدام بك الخير ودفع عنك الشر والضير.
وبعد فهذه رقعة الولهى التي ترجوك في الحياة لنوائب الدهر وفي الممات لجميل الذكر فإن رأيت أن ترحم ضعفي واستكانتي وقلة حيلتي وأن تصل رحمي وتحسب فيما جعلك الله له طالباً وفيه راغباً: فافعل: وتذكر من لو كان حياً لكان شفيعي إليك.
"وكتب إليها المأمون جواب المواساة الآتي"
وصلت رقعتك يا أماه أحاطك الله وتولاك بالرعاية ووقفت عليها وساءني (شهد الله) جميع ما أوضحت فيها لكن الأقدار نافذة والأحكام جارية والأمور متصرفة المخلوقون في قبضتها لايقدرون على دفاعها والجنيا كلها إلى شتات وكل حي إلى ممات والغدر والبغي حتف الإنسان والمكر راجع إلى صاحبه.
وقد أمرت برد جميع ما أخذ لك ولم تفقدي ممن مضى إلى رحمة الله إلا وجهه.. وأنا بعد ذلك لك علي أكثر مما تختارين والسلام.
"وكتب بعضهم"
إني وإن جنيت على نفسي وخرجت عن حد الأدب فيما يجب على العبد لسيده فإني عبد نعمتك وصنيع إحسانك وذنبي وإن عظم وضاق باب التوبة عن قبول المعذرة فالعفو عنه بعض حسناتك التي فطرت عليها والغضاء عني سر من أسرارك التي تميل إليها فاجعل العفو عني قربة إلى مولى الموالي واترك العبد عتيق مكارم الأخلاق وإلا فضع سيف نقمتك في نحر عبد نعمتك وأنت حل من دم أراقه أهله أو آل أمره إلى وارث لايسعه إلا النزول عن المطالبة به: ألا وهو مقام جلالتكم السامي.
وحاشاك أن تعدم الصادق في خدمتك بهفوة لم يقصدها وذنب أقلع عنه.
 
وعلى كل فالعبد بين يديك وأمره منك وإليك فقد ألقي إليك مقاليد الأجل فافعل ما تشاء واتق الله عز وجل.
"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي بالبصرة سنة 255ه?"
أعاذك الله من سوء الغضب وعصمك من سرف الهوى وصرف ما أعارك من القوة إلى حب الإنصاف ورجح في قلبك إيثار الأناة: فقد خفت أيدك الله أن أكون عندك من المنسوبين إلى نزق السفهاء ومجانبة سبل الحكماء.
وبعد فقد قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت المتوفي سنة 54ه?.
وإنّ امرأ أمسى وأصبحَ سالماً
 
من النّاس إلا ما جنى لسعيدُ
 
وقال الآخر:
ومنْ دعا الناس إلى ذمّةِ
 
ذمّوه بالحقّ وبالباطلِ
 
فإن كنت اجترأت عليك أصلحك الله فلم أجترئ إلا لأن دوام تغافلك عني شبيه بالإهمال الذي يورث الإغفال والعفو المتتابع يؤمن من المكافأة ولذلك قال عيينة بن حصن بن حذيفة لعثمان رحمه الله "عمر كان خيراً لي منك أرهبني فاتقاني وأعطاني فأغناني"فإن كنت لا تهب عقابي "أيدك الله" لخدمة فهبه لأ ياديك عندي فإن النعمة تشفع في النقمة وإلا تفعل ذلك لذلك فعد إلى حسن العادة وإلا فافعل ذلك الحسن الأحدوثة وإلا فات ما أنت أهله من العفو دون ما أنا أهله من استحقاق العقوبة فسبحان من جعلك تعفو عن المتعمد وتتجافى عن عقاب المصر حتى إذا صرت إلى من هفوته ذكر وذنبه ونسيان ومن لا يعرف الشكر إلا لك والأنعام إلا منك هجمت عليه بالعقوبة: واعلم أيدك الله أن شين غضبك علي كزين صفحك عني وأن موت ذكرى مع انقطاع سببي منك كحياة ذكرك مع اتصال سببي بك واعلم أن لك فطنة عليم وغفلة كريم والسلام.
الكلام على الرسائل المتداولة
هذه الرسائل تتفرع إلى ثلاثة أقسام باعتبار الغرض المقصود: فأما أن تقصد بها أمور الكاتب: وأما أمور المكتوب إليه وأما غرضاً ثالثاً.
فالأول يشمل على الرسائل التجارية والطلب والشكر والاعتذار والثاني على رسائل النصح والملامة والإخبار والتهنئة والتعزية والأجوبة والثالث على رسائل الوصاة والشفاعات.
الفصل الثاني في رسائل الطلب
"وكتب إلى عبيد الله بن سليمان أبو العيناء المتوفي سنة 282ه?"
أنا أعزك الله وعيالي زرع من زرعك إن أسقيته راع وزكا وإن جفوته ذبل وذوى وقد مسني منك جفاء بعد بر وإغفال بعد تعاهد حتى تكلم عدو وشمت حاسد ولعبت بي ظنون رجال كنت بهم لاعباً مخرساً:
لاتهنّي بعدَ أن أكرمتني
 
وشديدٌ عادةٌ منتزعه
 
"وكتب الوزير الخطير عبد الخالق باشا ثروت"
إليك يا من قد استأسر النفوس بكرمه واسترق الأحرار بجميل صنعه وأولى النعم والخيرات وأسدى المعروف والمبرات أرفع كتاباً تبعثه إلى ناديك العالي عوامل الحاجة وتزجيه إلى ساحتك دواعي الشدة آمل أن يكون تذكرة بأمري والذكرى تنفع المؤمنين وتذكرة بحالي (اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة: 120] فقد كان سيدي رفع الله قدره وأعلى مرتبته وعدني ومثله من يتمسك من الوفاء بالعروة الوثقى ويقطع حبل الإخلاف بسيف الوفاء ويطرز خلعه الوعد بوشي العطاء أن يرسل لي من خيراته ويوليني من آلائه وحسناته ويضاعف لي من مننه ويزيدني من عطتئه ما أشد به أزري على الزمان وأطاول به نوائب الحدثان فقد بارزني الدهر بسيوفه ورماني بسهامه وأناخ علي بكلاكله وقد أطال الأمد على حاجتي عند سيدي أطال الله بقاءه حتى طار غراب شبابها وصاح بجانب ليلها فخفت أن تكون هبت عليها ريح النسيان وعصفت بها عاصفة الحدثان فكتبت إلى سيدي ومولاي تلك الرقعة استعجل بها بره وأستدر بها ضرع عطائه علماً بأن التعجيل يكبر العطية وإن كانت صغيرة ويكثرها وإن كانت يسيرة فعسى أن يكون قد لاح نجم النجاح وهب نسيم الفلاح فيرسل سيدي إلى سحاب كرمه ويمطرني من غياث فضله فترف غصون آمالي بعد ذبولها وتضحك وجوه مطالبي بعد عبوسها وأملي في ذلك فسيح فإن سيدي من أكرم الناس نسباً وأشرفهم حسباً ومثله جدير بحفظ العهد وإنجاز الوعد: فإن رأى سيدي أن يخفف ثقل الحاجة عني ويرد ما سلبه الدهر مني بقطرة من بحر عطائه ومنة من بعض آلائه ويجبر ما كسره الفقر من جناحي ويرد عني النوائب التي لاتفتأ تتولاني عقدت
لساني على مدحه ووقفت نفسي على شكره فيحرز من الله أجراً جزيلاً ومني شكراً جميلاً. إن شاء الله بمنه وكرمه.
"وكتب الفاضل أحمد بك رأفت"
السيد الكامل أدام الله علاءه وأطال بقاءه وجعله موئل الكرم ومسدي النعم قد غمرني بنعمائه وطوقني بآلائه حتى قصرت حمدي عليه وأمسكت لساني عن الشكر إلا إليه وكان من مننه علي وأياديه البيضاء لدي أن وعدني أنه يقلدني في أول العام وظيفة عالية ومرتبة سامية فاخضل روض الأمل بعد ذبوله وبزغ كوكبه بعد أفوله واتسع نطاقه واستبشر القلب نبيل أمنيته والحصول على طلبته واشتد أزري على مقارعة كتائب الزمان وقوي جنائي على صد جيوش الحدثان ومازالت بي الأيام حتى حان أول العام وما تحقق الوعد أو أوفى العهد، ومثل السيد من إذا وعد وفى أو تعهد أوفى.
أفي دين ذي المعروف يجملُ أنني
 
تنوءُ بيَ البؤسى ويثقلني العسرُ
 
وأنتَ الذي أعطى المكارمَ حقّها
 
ولم يحك جدواك السَّحابُ ولا البحرُ
فعجّلْ فخيرُ البرّ يحمدُ عاجلاً
 
وأوفِ فوعدُ الحرّ دين به الحرُّ
 
هذا ولكنني رجعت وحكمت العقل فعذرت السيد وحملت ذلك على أنه إنما لم يعجل بإنجازه وعده وإيفاء عهده إلا لتقليد عبده وظيفة أسمى ومرتبة أعلى عله يستدرك ما فات ويحسن إلى عبده فيما هو آت.
 
"وكتب الفاضل عبد العزيز بك محمد"
عهدي بالسيد الجليل أدامه الله مصدراً للمكارم تستق منه صفاتها ومظهراً للفضائل تتجلى فيه آياتها سباقاً إلى غايات المجد درا كالمطلب الحمد أريحيا لا يصبو إلا إلى إسداء المنن جواداً لايطمع طرفه في بث عوارفه إلى ثمن ما أمه أسير فاقة إلا وألفى لديه كهفاً منيعاً وجاهاً رفيعاً قصده ذو حاجة إلا وصدر عن مورد فضله شادياً بثنائه معلناً بولائه وإن لي إلى السيد حاجة إن لم يسعف بقضائها فيا حسرة نفسي وطول شقائها وليست هذه بأول مرة استمحت فيها عالي مروءته واستمطرت صيب همته فإنه طالما طوقني قلائد نعمه وأرسل علي مدرار كرمه فليجر في هذه أيضاً على عادته ويقابلني بما عودني من كرامته: ومعاذ الله أن اسأله ما ليس في وسعه أن أستقضه شيئاً يحرص على منعه: ولكنني:
أريد بسطةَ كفّ أستعينُ بها
 
على قضاء حقوق للعلى قبلي
والذي يكفلُ لي تلك البسطة أن يقلدني سيدي وظيفة مناسبة لحالتي حتى تكون لي درعاً أتقى بها مهانة الفقر وسيفاً أكف به عوادي الدهر ومالي والأقسام عليه في إنالتي هذه البغية بنفيس وقت قضيته في خدمة العلم واقتناء أبكاره وطويل عناء تحملته في مزاولة الأدب واكتشاف أسراره ونفس ارتاضت بالفضل وآثرت غصة الفقر على منة البذل ووله من سنيات الفضائل وعليات الفواضل وجليات المآثر وجليلات المفاخر ما لو أقسم به عليه في إنالة أعز المطالب لألزمه كرم سجاياه بر ذلك القسم وإجابة دواعي الهمم: وإنك لفاعل إن شاء الله تعالى.
"وكتب فقيد الأدب حسن أفندي توفيق المتوفي بلندن سنة 1322ه?"
كتابي إلى رب النعماء واليد البيضاء وقد أصبحت كما قال الحريري خاوي الوفاض بادي الأنفاض لا أملك بلغة ولا أجد في جرابي مضغة قد التوى علي أمري وثقل من حاجتي ظهري مد الاحتياج إلى أطنابه وسربلني الافتقار إهابه والدنيا مكدرة بأحداثها وقصورها منمغضة بأجداثها نعيمها يضفو ولكن لا يصفو وأنت كما أعلم مفرج كريبي ومنقذي من شدتي، بطرفة من طرف رفدك ولمحة من لمحات برك فإن استدررت حلوبة مالك فقد لاذ غيري بجاهك ما يممت غيرك وكيف يقصد النهر من جاوز البحر ويحتاج إلى النجم من يسري في ضوء البدر فأستهز عطف جودك وأستمطر سحاب كرمك كيف وأنت قبلة المعروف: وملاذ الملهوف إليك تشد الرحال وبك تناط الآمال مال أولياؤك منك في ظل ممدود وهناء وسعود أفأنت الشمس عمت بالإشراق أو الغيث وغلى الاندفاق: لكن.
منْ قاسَ جدواك يوماً
 
بالسُّحبِ أخطأ مدحك
 
فالسُّحبُ تعطي وتبكي
 
وأنت تعطي وتضحك
نسب الكرم بك عريق وروض المجد أنيق أصل راسخ وفرع شامخ تهتز للمكارم اهتزاز الحسام وتثبت أمام الشدائد بثغر بسام.
تراه إذا ما جئتهُ متهلّلاً
 
كأنّك تعطيه الذي أنتَ سائلهُ
حكمت الآمال في أموالك واستعبدت الأحرار بفعالك ينابيع الجود من أناملك تتفجر وربيع السماح بك ضاحك لايضجر فلا زلت مولاي ممتعاً بشرف سجاياك وشيمك مستمداً الشكر من غراس نعمك ولازالت الأنام تنفع بتلك الشيم وتجني ثمار ذلك الكرم ودمت للمكارم بدر تم لا يناله خسوف وشمس فضل لا يحلقها كسوف: أطال الله لك البقاء كتطول يديك بالعطاء آمين.
الفصل الثالث في رسائل الشكر
"كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
الشكر ترجمان النية ولسان الطوية وشاهد الإخلاص وعنوان الاختصاص عندي من إنعامه وخاص بره وعامه ما يستغرق منه الشكر ويستنفذ قوة شكر الأسير لمن أطلقه والمملوك لمن أعتقه شكر كأنفاس الأحباب في الأسحار أو أنفاس الرياض غب الأمطار.
"وكتب الحسن بن وهب المتوفي سنة 472ه?"
من شكرك على درجة رفعته إليها أو ثروة أقدرته عليها فإن شكري لك على مهجة أحييتها وحشاشة أبقيتها ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه فلكل نعمة من نعم الدنيا حد تنتهي إليه ومدى تقف عنده وغاية من الشكر لايسمو إليها الطرف خلا هذه النعمة التي فاقت الوصف وأطالت الشكر وتجاوزت قدره (وأنت من وراء كل غاية رددت عنا كيد العدو وأرغمت أنف الحسود) فنحن نلجأ منك إلى ظل ظليل وكنف كريم فكيف يشكر الشاكر وأين يبلغ جهد المجتهد.
"وكتب الأمير أبو الفضل الميكالي المتوفي سنة 436ه?"
فأما الشكر الذي أعارني رداءه وقلدني طوقه وسناءه فهيهات أن ينتسب إلا إلى عادات فضله وأفضاله أو يسير إلا تحت رايات عرفة ونواله وهو ثوب لايحلى بذكره طرازه واسم له حقيقته ولسواه مجازه ولو انه حين ملك رقي بأياديه وأعجز وسعي عن حقوق مكارمه ومساعيه خلي لي مذهب الشكر وميدانه ولم يجاذبني زمامه وعنانه لتعلقت في بلوغ بعض الواجب بعروة طمع ونهضت فيه ولو على وهن وطلع ولكنه يأبى إلا أن يستولي على أمد الفضائل ويتسنم ذرا الغوارب منها والكواهل فلا يدع في المجد غاية إلا سبق إليها فارطا وتخلف سواه عنها حسيراً ساقطاً لتكون المعالي بأسرها مجموعة في ملكه منظومة في سلكه خالصة له من دعوى القسم وشركه.
"وكتب أستاذي الحكيم الشيخ محمد عبده إلى حافظ بك إبراهيم"
لو كان بي أن أشكرك لظن بالغت في تحسينه أو أحمدك لرأي لك فينا أبدعت في تزيينه لكان لقلمي مطمع أن يدنو من الوفاء بما يوجبه حقك ويجري في الشكر إلى الغاية كما يطلبه فضلك لكنك لم تقف بعرفك عندنا بل عممت به من حولنا وبسطته على القريب والبعيد من أبناء لغتنا زفقت إلى أهل اللغة العربية عذراء من بنات الحكمة العربية سحرت قومها وملكت فيهم يومها ولا تزال تنبه منهم خامداً وتهز فيهم جامداً بل لا تنفك تحيي من قلوبهم ما أماتته القسوة وتقوم من نفوسهم ما أعوزت فيه الأسوة حكمة أفاضها الله على رجل منهم فهدى إلى التقاطها رجلاً منا فجردها من ثوبها الغريب وكساها حلة من نسج الأديب وجلاها للناظر وحلاها للطالب بعدما أصلح من خلقها وزان من معارفها حتى ظهرت محببة إلى القلوب رشيقة إلى مؤانسة البصائر تهش للفهم وتبش للطف المذوق وتسابق الفكر إلى موطن العلم فلا يكاد يلحظها الوهم إلا وهي من النفس في مكان الإلهام.
حاول قوم من قبلك أن يبلغوا من ترجمة الأعجم مبلغك فوقف العجز بأغلبهم عند مبتدأ الطريق ووصل منهم فريق إلى ما يحب من مقصده ولكنه لم يعن بأن يعيد إلى اللغة العربية ما فقدت من أساليبها ويرد ما سلبه المعتدون عليها من متانة التأليف وحسن الصياغة وارتفاع البيان فيها إلى أعلى مراتبه: أما أنت فقد وفيت من ذلك ما لا غاية لمريد بعده ولا مطمع لطالب أن يبلغ حده، ولو كنت ممن يقول بالتناسخ لذهبت إلى أن روح "ابن المقفع" كانت من طيبات الأرواح، فظهرت لك اليوم في صورة أبدع ومعنى أنفع ولعلك قد سننت بطريقتك في التعريب سنة يعمل عليها من يحاوله بعد ظهور كتابك ويحملها الزمان إلى أبناء ما يستقبل منه فتكون قد أحسنت إلى الأبناء كما أجملت في الصنع مع الآباء وحكمت للغة العربية أن لا يدخلها بعد من العجمة ما هو الأسماء الأماكن والأشخاص لا أسماء المعاني والأجناس: ومثلي من يعرف قدر الإحسان إذا عم ويعلي مكان المعروف إذا شمل ويتمثل في
(1/61)
________________________________________
رأيه بقوله:
ولو أ'ني حبيتُ الخلدَ فرداً
 
لما أحببت بالخلدِ انفرادا
 
فلا هطلت علي ولا بأرضي
 
سحائبُ ليسَ تنتظم البلادا
 
فما أعجز قلمي عن الشكر لك وما أحقك بأن ترضى من الوفاء باللقاء.
 
"وكتب أيضاً في الشكر مع المودة إلى بعض أصحابه"
لك في قلوبنا من المودة ما يزكيه سناؤك وفي مناطقنا من الحمد ما يوجبه كمالك وفي صدورنا من الإجلال ما يرفعه بهاؤك وما بيننا من المودة لا تحده منه ولا تخلق له جده نعيذه من حاجة للتجديد واستدعاء للمزيد فلا المواصلة تربيه ولا المجاهلة توهيه: نعم إن ما يحفظ لك في الأنفس هو تجلي فضلك ومثال علائك ونبلك وذلك الخالد بخلود الأرواح الباقي في تفاني الأشباح.
وبعد فقد تلقيت منك كتاباً يبوح بسر المحبة وبنشر طي الصداقة فيه تبيان وجدانك مما وجدنا وتأثرك على ما فقدنا فكان نبأ عما نعلم وقضاء بما نحكم ولكن شكرنا لك فضل المراسلة وأريحية المجاملة والله يتولى إيفاءك مثوبة تكافئ وفاءك.
"وكتب أيضاً في الشكر لآخر"
لو كان في الثناء وملازمة الدعاء وحفظ الجميل والقيام بالخدمة جهد المستطيع ما يفي بشكر من يفتتح باب المحبة ويبدأ بصنائع المعروف لكنت والحمد لله من أقدر الناس عليه ولكن أني يكون في ذلك وفاء والمحبة سر نظام الأكوان والإحسان قوام عالم الأمكان والقائم على كنه جميعه قيوم السموات والأرض والمفتتحون لأبواب العرف على هذه النسبة الجليلة منه فليس لي إلا أن ألجأ إلى الله في مكافأة فضيلتكم على ما كان منكم أيام الإقامة بينكم ثم أسلي نفسي عن عجزي بما أتخيل أن كرمكم سيروي:
سيكفي الكريم إخاءُ الكريم
 
ويقنع بالودّ منه توالا
(1/62)
________________________________________
وبعد هذا أرجو عفوكم عن التقصير في المبادرة إلى المكتبة لأني شغلت بما شغلني عن نفسي ولكن زالت العوارض والحمد لله: وفاتني لهذا العذر تهنئتكم بالعيد: وإنما للمؤمن في كل يوم بربه عيد فنهنئكم برضاء الله عنكم وتقبله صالح الأعمال منكم: وسلامي على نجلكم ومن يتمنى إليك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:47 am

الفصل الرابع في رسائل النصح والمشورة
"كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398 ه?"
اسمعْ نصيحةَ ناصحٍ
 
جمعَ النصيحة والمقه
 
إياك واحذرْ أن تكون
 
ن منْ الثقاتِ على ثقة
 
صدق الشاعر وأجاد وللثقات خيانة في بعض الأوقات: هذه العين تريك السراب شراباً وهذه الأذن تسمعك الخطأ صواباً فلست بمعذور إن وثقت بمحذور وهذه حالة الواثق بعينه السامع بأذنه وأرى فلاناً يكثر غشيانك وهو الدنيء دخلته الرديء جملته السيء وصلته الخبيث كلته وقد قاسمته في زرك وجعلته موضع سرك فأرني موضع غلطك فيه حتى أريك موضع تلافيه أفظاهره غرك أم باطنه سرك.
يا مولاي يوردك ثم لا يصدرك ويوقعك ثم لا يعذرك فاجتنبه ولا تقربه وإن حضر بابك فاكنس جنابك وإن مس ثوبك فاغسل ثيابك وأن لصق بجلدك فاسلخ إهابك ثم أفتتح الصلاة بلغته وإذا استعذت بالله من الشيطان فأعنه.
"وكتب الاسكندر المقدوني إلى أستاذه الحكيم أرسطو"
"يستشيره فيما يفعله بأبناء ملوك فارس بعد أن قتل آباءهم وتغلب على بلادهم"
عليك أيها الحكيم منا السلام أما بعد فإن الأفلاك الدائرة والعلل السماوية وإن كانت أسعدتنا بالأمور التي أصبح الناس لنا بها دائنين فإنا مضطرون إلى حكمتك غير جاحدين لفضلك والاجتباء لرأيك لما بلونا من أجداء ذلك علينا وذقنا من جنى منفعته حتى صار ذلك وبنجوعه فينا وترسخه في أذهاننا كالغذاء لنا فما ننفك نعول عليه ونستمد منه استمداد الجداول من البحار وقد كان مما سبق إلينا من النصر وبلغنا من النكاية في العدو ما يعجز القول عن وصفه والشكر على الإنعام به وكان ذلك أنا أرض سورية والجزيرة إلى أرض بابل وفارس فلما نزلنا بأهلها لم يكن إلا ريثما تلقانا نفر منهم يرأس ملكهم هدية وطلباً للحظوة عندنا فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته لسوء بلائه وقلة أرعوائه ووفائه ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أولاد ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم، فرأينا رجالاً عظيمة أجسامهم وأحلامهم حاضرة ألبابهم وأذهانهم رائعة مناظرهم ومناطقهم دليلاً على أن وراء ذلك ما لم يكن معه سبيل إلى غلبتهم لولا أن القضاء أدالنا منهم وأظهرنا عليهم ولم نر بعيداً من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم وتجتث أصلهم ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم لتسكن القلوب بذلك إلى الأمن من جرائرهم وبوائقهم فرأينا أن لا نعجل ببادرة الرأي في قتلهم دون الاستظهار بمشورتك فيهم؟؟ فارفع إلينا رأيك في ما استشرناك فيه بعد صحته عندك وتقليبك إياه بجلي نظرك.
والسلام على أهل اللام فليكن علينا وعليك.
"وكتب أرسطو المتوفى قبل الميلاد سنة 322 إلى الاسكندر المقدوني"
إن لكل تربة ولا محالة قسماً من كل فضيلة وإن لفارس قسمها من النجدة والقوة وإنك إن تقتل أشرافهم تخلف الوضعاء منهم على أعقابهم وتورث سفلتهم منازل عليتهم وتغلب أدنياءهم على مراتب ذوي أخطارهم ولم تبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم من غلبة السفلة وذل الوجوه وأحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة فإنهم إن نجم منهم ناجم على جندك وأهل بلادك دهمهم ما لا روية فيه ولا منفعة معه فانصرف على هذا الرأي إلى غيره وأعمد إلى من قبلك من العظماء والأحرار فوزع بينهم مملكتهم وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحية وأعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه فإن المتسمي بالملك لازم لاسمه والمعقود له التاج لا يخضع لغيره ولا يلبث ذلك أن يوقع بين كل ملك وصاحبه تدابراً وتغالباً على الملك وتفاخراً بالمال والجند حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك وتعود بذلك حربهم لك حرباً بينهم ثم لا يزدادون بذلك بصيرة إلا أحدثوا هنالك استقامة لك فإن دنوت منهم كانوا لك وإن تأيت عنهم تعززوا بك حتى يثبت كل منهم على جاره باسمك وفي ذلك شاغل لهم عنك وأمان لأحداثهم بعدك (وإن كان لا أمان للدهر) وقد أديت للملك ما رأيته خطأ وعلي لاحقاً: والملك أبعد روية وأعلى عيناً في استعان بي عليه.
والسلام الذي لا انقضاء له ولا انتهاء ولا غاية ولا فناء فليكن على الملك.
"ومن رسالة للإمام علي المتوفى سنة 40 ه?"
دع الإسراف مقتصداً واذكر في اليوم غداً وامسك من المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل ليوم حاجتك أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين أو تطمع وأنت متمزغ في نعيم تمنعه الضعيف والأرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين.
وإنما المرء مجزيء بما أسلف وقادم على ما قدم: والسلام.
"وكتب أيضاً كرم الله وجهه إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما"
أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وليكن أسفك على ما فات منها وما نلت من دنياك فلا تكثر فيه فرحاً وما فاتك منها فلا تأسف عليه جزعاً وليكن همك فيما بعد الموت.
"وكتب بطل الوطنية السيد عبد الله النديم المتوفى سنة 1314 ه?"
لا حول ولا قوة بالله اشتبه المراقب باللاه واستبدل الحلو بالمر وقدم الرقيق على الحر وبيع الدر بالخزف والخز بالخشف وأظهر كل لئيم كبره (إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً) [آل عمران: 13] سمعاً سمعاً فالوشاة إن سمعوا لا يعقلوا (وّيُحِبّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ) [آل عمران: 188] فكيف تشترون منهم القار في صفة العنبر و(قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118] وكيف تسمع الأحباب لمن نهى منهم وزجر (وَلَقَدْ جَآءَهُم مّنَ الأنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [القمر: 4] عجبت لهم وقد دخلوا دارنا (وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105] (فَلَمّآ أَحَسّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُمْ مّنْهَا يَرْكُضُونَ) [الأنبياء: 12] فقابلوهم بنبال الطرد في الأعناق (حَتّىَ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدّواْ الْوَثَاقَ) [محمد: 4] أيدخلون بما لا ينفع في بيوت أذن الله أن ترفع سيعلمون مقام الهبوط والعروج (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصّيْحَةَ بِالْحَقّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) [ق: 42] ويقولون إذا لم يجدوا ملاذاً (يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هََذَا) [الأنبياء: 97] فإنهم عزموا على الإقامة مدة ولو أرادوا الخروج لأعدوا لهم عدة وأنت يا عزيز العليا ووحيد الدنيا بيتت لك فعلهم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) [آل عمران: 159] ولكنهم طمعوا في عميم طولك (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159] أتراهم يعقلون كلامك أم يفهمون
(لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: 72] لهم قلوب لا يدرون بها للحسد قرار لَوِ اطّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوْلّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً) [الكهف: 18] وأني قد شيدت لك بقلبي حصناً صعباً (فَمَا اسْطَاعُوَاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً) [الكهف: 97] نسيت بالعاذل جميل الصوت وأنكره ما أنسانبه إلا الشيطان أن أذكره رميت أيها العاذل بسيف الغدر في نحرك أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك فإن لم ترجع عن السحر وفعله فلنأتينك بسحر مثله كيف يسعى العاذل بين النديم وإلفه (وَقَدْ خَلَتِ النّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [الأحقاف: 21] فيا سادتي دعوني من المعجب والمطرب (لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [البقرة: 177] واجعلوا سيف ثباتكم للعذال مسلولا (لّيْسَ الْبِرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [الإسراء: 34] فإنهم قالوا كذب النديم أو بطر سيعلمون غداً من الكذاب الأشر وها قد صار أمر الحزبين عندك جلياً أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً أتظن عهد العذل عند غضبك لا ينكث مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث على أنه لكم عدو كبير ففروا إلى الله إني لكم منه نذير فإنه جمع لقتالك الأولاد والأحفاد وآخرين مقرنين في الأصفاد تركوا أمر الله واشتغلوا بما يرضونه فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه: وطني أن وصل إليك كتابي أنهم يطرون ويردعون (وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) [الأنبياء: 95] أيعجبك إذا مشى هذا اللاه ثاني عطفه (لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّهِ) [القمان: 6] وإنك وإن فرحت بعلم ما يجهلون قد نعلم إنه لحزنك الذي يقولون: فإن قلت إن اجتماعي بهم لأجل الصدقة أو شيء من هذا القبيل (إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السّبِيلِ) [التوبة: 60] على أنه لا تحل الصدقة لذميم (هَمّازٍ مّشّآءِ بِنَمِيمٍ) [القلم: 11] وطباعهم كما تعلم منكرة مستقذرة (كَأَنّهُمْ حُمُرٌ مّسْتَنفِرَةٌ فَرّتْ مِن قَسْوَرَةٍ) [المدثر: 50 51] وقد قال (وفائي) خاطب عزيزك هذه المرة وإن لم يعمل فيك فكرا (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّىَ أَوْ يَذّكّرُ فَتَنفَعَهُ الذّكْرَىَ) [عبس: 3 4] فقال (لساني) إن الود هو الرسول المأمون (فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدّقُنِي إِنّيَ أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ) [القصص: 34] فقلت سيروا مع المحبة ذات الفتوة (وَلاَ
تَكُونُواْ كَالّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوّةٍ) بالنحل: 92] وقولوا له عند الغاية قد جئناك بآية ولا تهابوا الجيش وإن كبر سيهزم الجمع ويولون الدبر ولا تظنوا من ظاهر الأمر حلول البلوى (إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَىَ) [الأنفال: 42] بل قاتلوهم قتال المستشهدين (وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ) [التوبة: 123] وإذا اشتبك القتال فليدب كل منكم على مولاه (وَإِن جَنَحُواْ لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ) [الأنفال: 61] فسيروا ودعوا الأولاد والجنة (وَسَارِعُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ) [آل عمران: 133] ولا تسألوا عن الميرة من أصله (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) [التوبة: 28] فإن الله قد أثاركم لقتال العذال العائبين (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ) [آل عمران: 127] واحملوا عليهم فإنهم متى طعنوا في جنوبهم رضوا أن يكونوا مع الخوالف (وَطَبَعَ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ) [التوبة: 93] ولا تدبروا إذا رأيتموهم قدامكم (إِن تَنصُرُواْ اللّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7] وإن أخذتم أسرى فقاتلوا أنصارها (فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَآءً حَتّىَ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد: 4] فإن أطعتم رفعتم وأصلح الله بالكم (وَإِن تَتَوَلّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمّ لاَ يَكُونُوَاْ أَمْثَالَكُم) [محمد: 38] وسأتلوا في خطبتكم عند قدومكم سالمين (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 45].
"وكتب أستاذي الإمام الحكيم الشيخ محمد عبده المتوفى سنة 1323 ه?"
عرض لي ما منعني من قراءة الجرائد نحو أسبوع وكنت أسمع فيه بحادثة (ميت غمر) من بعض الأفواه أظنها من الحوادث المعتاد وقوعها حتى تمكنت من مراجعة الجرائد ليلة الخميس الماضي فإذا لهب ذلك الحريق يأكل قلبي أكله لجسوم أولئك المساكين سكان (ميت غمر) ويصهر من فؤادي ما يصهره من لحومهم حتى أرقت تلك الليلة ولم تغمض عيناي إلا قليلاً وكيف ينام من يبيت يتقلب في نعم الله وله هذا العدد الحم من أخوة وأخوات يتقلبون في شدة البأساء فأردت أن أبادر بما أستطيع من المعونة وما أستطيعه قليلاً لا يغني من الحاجة ولا يكشف البلاء ثم رأيت أن ادعوا جمعاً من أعيان العاصمة ليشاركوني في أفضل أعمال البر في أقرب وقت وكان ذلك يوم السبت فحضر منهم سابقون وتأخر آخرون وكتب بعضهم يعتذرون فشكر الله سعي من حضر وجزى خيراً من اعتذر وغفر لمن تأخر.. على أنه ليس الحادث بذي الخطب اليسير فالمصابون خمسة آلاف وبضع مئين منهم الأطفال الذين فقدوا عائليهم والتجار والصناع الذين هلكت آلاتهم ورؤوس أموالهم ويتعذر عليهم أن يبتدئوا الحياة مرة أخرى إلا بمعونة من إخوانهم وإلا اصبحوا متلصصين أو سائلين والذين فقدوا بيوتهم ولا يجدون ما يأوون إليه ولا مال لهم يقيمون ما يؤويهم من مثل بيوتهم المتخربة لهذا رأيت ورأى كل من تفكر في الأمر أن يجمع مبلغ وافر يتمكن به من تخفيف المصاب عن جميع أولئك المنكوبين.
 
"وكتب أيضاً في الغرض المذكور"
قد بلغكم ولا ريب من أخبار الجرائد ما عليه أهل (ميت غمر) بعد الحريق الذي أصاب مدينتهم فهم بلا قوت ولا ساتر ولا مأوى فليتصور أحدكم أن الأمر نزل بساحته أفما كان يتمنى أن يكون جميع الناس في معونته فليطالب الآن كل منا نفسه بما يطالب به الناس لو نزل به ما نزل بهم ولينفق مما له ما يدفع الله به عنه مكروه الدهر.. فأرجو من همتكم أن تدفعوا شيئاً من مالكم في مساعدة إخوانكم وان تبذلوا ما في وسعكم لحث من عندكم على مشاركتكم في هذا العمل: والسلام.
الفصل الخامس في رسائل الملامة والعتاب
"كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة 398 ه?"
لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ
 
لقد سرني أني خطرتُ ببالكِ
الأمير أطال الله بقاءه في حالي بره وجفائه متفضل وفي يومي إدنائه وإبعاده متطول وهنيئاً له من حمانا ما يحله ومن عرانا ما يحله ومن أعراضنا ما يستحله: بلغني انه أدام الله عزه استزاد صنيعه فكنت أظنني معجباً عليه مساء إليه فإذا أنا في قرارة الذنب ومثارة العتب وليت شعري أي محظور في العشرة حضرته أو مفروض من الخدمة رفضته أو واجب في الزيارة أهملته وهل كنت إلا ضيفاً أهداه منزع شاسع وأداه أمل واسع وحداه فضل وإن قل وهداه رأي وإن ضل ثم لم يلق إلا في آل ميكال رحله ولم يصل إلا بهم حبله ولم ينظم إلا فيهم شعره ولم يقف إلا عليهم شكره: ثم ما بعدت صحبة إلا دنت مهانة ولا زادت مرمة إلا نقصت صيانة ولا تضاعفت منة إلا تراجعت منزلة ولم تزل الصفة بنا حتى صار وابل الأعظام قطرة وعاد قميص القيام صدره ودخلت مجلسه وحوله من الأعداء كتيبه فصار ذلك التقريب ازورارا وذلك السلام اختصاراً والاهتزاز إيماء والعبارة إشارة وحين عاتبته آمل إعتابه وكاتبته أنتظر جوابه وسألته أرجو إيجابه أجاب بالسكوت فما ازددت له إلا ولاء وعليه ثناء ولا جرم إني اليوم أبيض وجه العهد واضح حجة الود طويل لسان القول رفيع حكم العذر وقد حملت فلاناً من الرسالة ما تجافى القلم عنه والأمير الرئيس أطال الله بقاءه ينعم بالإصغاء لما يورده موفقاً إن شاء الله عز وجل.
"وكتب أيضاً إلى القاسم الكرجي المتوفى سنة 440 ه?"
بالتحمل أحاسب مولاي أيده الله على أخلاقه ضناً بما عقدت يدي عليه من الظن به والتقدير في مذهبه: لولا ذلك لقلت في الأرض مجال إن ضاقت ظلالك وفي الناس واصل إن رثت حبالك واأخذه بأفعاله: فإن أعارني أذناً واعية ونفساً مراعية وقلباً متعظاً ورجوعاً عن ذهابه ونزوعاً عن هذا الباب الذي يقرعه ونزولاً عن الصعود الذي يفرعه فرشت لمودته خوان صدري وعقدت عليه جوامع خصري ومجامع عمري وغن ركب من التعالي غير مركبه وذهب من التغالي في غير مذهبه أقطعته خطة أخلاقه ووليته جانب إعراضه.
ولا أذودُ الطير عن شجرٍ
 
قد بلوت المرّ من ثمره
فإني وإن كنت في مقتبل السن والعمر قد حلبت شطري الدهر وركبت ظهري البر والبحر ولقيت وفدي الخير والشر وصافحت يدي النفع والضر وضربت إبطي العسر واليسر وبلوت طعمي الحلو والمر ورضعت ضرعي العرف والنكر فما تكاد الأيام تريني من أفعالها غريباً وتسمعني من أحوالها عجيباً ولقيت الأفراد وطرحت الآحاد فما رأيت أحداً إلا ملأت حافتي سمعه وبصره وشغلت حيزي فكره وأثقلت كتفه في الحزن وكتفه في الوزن وود لو بادر القرن صحيفتي أو لقي صفيحتي فما لي صغرت هذا الصغر في عينه وما الذي أزرى بي عنده حتى احتجت وقد قصدته ولزم وقد حضرته.
أنا أحاشيه أن يجهل قدر الفضل أو يجحد فضل العلم أو يمتطي ظهر التيه على أهليه وأسأله أن يختصني من بينهم بفضل إعظام إن زلت بي مرة قدم في قصده وكأني به وقد غضب لهذه المخاطبة المجحفة والرتبة المتحيفة وهو في جنب جفائه يسير فإن أقلع عن عادته ونزع عن شيمته في الجفاء فأطال الله بقاء الأستاذ الفاضل وأدام عزه وتأييده.
"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى بالبصرة سنة 255 ه?"
والله يا قليب لولا أن كبدي في هواك مقروحة وروحي مجروحة لساجلتك هذه القطيعة وماددتك حبل المصارمة وأرجو أن الله تعالى يديل صبري من جفائك فيردك إلى مودتي وأنف القلى راغم فقد طال العهد بالاجتماع حتى كدنا نتناكر عند الالتقاء والسلام.
"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفى سنة 740 ه?"
كتابي وقد خرجت من البلاد خروج السيف من الجلاء وبروز البلد من الظلماء وقد فارقتني المحنة وهي مفارق لا يشتاق إليه وودعتني وهي مودع لا يبكي عليه والحمد لله تعالى على محنة يجليها ونعمة ينيلها ويواليها كنت أتوقع أمس كتاب مولاي بالتسلية واليوم بالتهنية فلم يكاتبني في أيام البرحاء بأنها غمته ولا في أيام الرخاء بأنها سرته وقد اعتذرت عنه إلى نفسي وجادلت عنه قلبي فقلت أما إخلاله بالأولى فلأنه شغله الاهتمام بها عن الكلام فيها وأما تغافله عن الأخرى فلأنه أحب أن يوفر علي مرتبة السابق إلى الابتداء ويقتصر بنفسه على محل الاقتداء لتكون نعم الله سبحانه علي موفورة من كل جهة ومحفوفة بي من كل رتبة فإن كنت أحسنت الاعتذار عن سيدي فليعرف لي حق الإحسان وليكتب إلي بالاستحسان وإن كنت أسأت فليخبرني بعذره فإنه أعرف مني بسره وليرض مني بأني حاربت عنه قلبي واعتذرت عن ذنبه حتى كأنه ذنبي وقلت يا نفس اعذري أخاك وخذي منه ما أعطاك فمع اليوم والعود أحمد.
"وكتب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر المتوفى سنة 80 ه?"
أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي فيك وذلك أنك ابتدأتني بلطف عن غير حبرة ثم أعقبته جفاء من غير ذنب فأطمعتني أولك في إخائك وأيأسني آخرك من وفائك فسبحان من لو شاء لكشف بإيضاح الرأي في أمرك عن عزيمة الشك فيك فاجتمعنا على ائتلاف وافترقنا على اختلاف والسلام.
"وكتب صديقي الأوفى زعيم الوطنية الشيخ عبد العزيز جاويش"
سيدي: مالي أراك كمن نسي الخليط وتجرد في الصحبة عن المحيط والمحيط فإذا ما صادفتك صدفت أو أنصفتك ما نصفت أتظن أني قعيدة بيتك أو رهين كيتك وذيتك فوحقك إذا آنست من يدي مللا أو من قدمي كللا لنجزتها البتات وكلت بنقصها الذات ولو أني آنست من الزاد فترة أو من الشراب عسرة لطعمت الطوى وأستقيت الجوى فكيف أداعب وتصاعب وأحالف وتخالف وأواصل وتفاصل وأجالب وتجانب لبئست مطيتك التي اقتدعت وشرعتك التي شرعت فوالله لولا أن الحب حادث لا يتقي بالتروس ومعنى لا يدب إلا في النفوس وسهام لا ترمى إلا من قسي الحواجب ونحو أوله المعية وآخره الجوازم لما افترست الظباء الصيد الأسود ولا ملكت الأحرار العبيد ولولا أني كرعت من صابه والتحفت ببردة أوصابه لتعوذت منك (بسورة الفلق) ونبذتك نبذ الرداء الخلق ولهان علي أن أدعك أو أسمعك.
تمرَّون الديارَ ولن تعوجو
 
كلامكمو عليّ إذاً حرامُ
غير أن لي نفساً شبت على الحب فلم أفطمها وتقادعت على ناره فلم أعصمها حتى بلغ السيل الزبى وتبددت النفس أيدي سبا إلا حشاشة غفل عنها الوجد وبقية رمق ألفيتها من بعد وكلما رأيت منك الشطط واعتساف الخطط عمدت إلى أن اثني من رسنها وأذود عن عطنها وشخصت إلى المكافحة والمكافأة وأن لا أكليك إلا مثلاً ولا أسقيك إلا وشلا ولا أزيدك إلا فشلا.
ولست أجزيك الجزاء الذي
 
على وفاءِ الصنع لا يخسه
وليس يبكي صاحباً من إذا
 
أهين لا يبكي على نفسه
 
على أني بالرغم أصبح في نهار أحلك من ليل وأمسي في ليل أشق على النفس من ويل.
وليل كموج البحر أرخى سدوله
 
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي
فإن تخلصت من لقائك فإلى الشقاء وإذا لجأت من عسفك فإلى العناء وإذا استجرت بفراقك فقد استجرت بالنار من الرمضاء وكأنك لم تدر أن دولة الحسن سريعة التقويض وأنه لابد من هبوط القمر إلى الحضيض ولسوف تبلى بعارض بيد أنه غير ممطر وبساعة مقبلك فيها مدبر وستصبح عما قريب قد عفت رسومك ولم تجد في سوق الصحبة من يسومك والعاقل من لا يختال بنفسه ولا يبني على غير أسه فإنك ما نضت لؤلؤة مبسمك ولا نضرت صورة معصمك ولا شئت فخلقت كما تشاء ولا اتخذت عند الله عهداً وهذا الوفاء ولكن مثلك من أفرغه الله في القالب الذي اختار وجعله مرتع النفوس ومسرح الأبصار وغني أبها العزيز قد تقدمت إليك.
ولي أملق قطعتُ به الليالي
 
أراني قد فنيت به وداما
 
فلا تحرمني من سائغ العفو وسابغه ولا تجعلني (كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ) [الرعد: 14].
فأشدُ ما لقيتُ من ألم الجوى
 
قربُ الحبيب وما إليه وصولُ
كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما
 
والماءُ فوق ظهورها محمولُ
فاعمل في يومك لغدك واستجز غيرك ببسط يدك ولا تأخذني بجرم الجاني المتلبس ولا تبتغ مني صحيفة المتلمس بيد أني أنشدك الذي بلى العاشق بالمعشوق وكلفه في الحب بيض الأنوق وسهد طرفه بنواعس العيون وخول للحسن (إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [يس: 82] كما قرن الهوى بالنوى والقلب بالجوى وقضى على المحب ونشر العشق فلم يحتجب ما الذي أغرى إلى الإعتكاف وعدم الإنصاف ألين الأعطاف أم فتور الأجفان أم تكسر الكلام أم هيف القوام؟ لقد شددت أزرك والله بضعاف واستمنت تلك العجاف وهل حدا إلى قطيعتي بك أني خشن الملمس رث الملبس ولم أمنح كما منحت نضرة ولم ألبس برقع البياض والحمرة فأعلم أنك إن تظرتني بعين الرضا ورحمت فؤاداً يتقلب منك على جمر الغضا فستجدني صديقك الذي لا يبطره الوفاء ولا يثنيه الجفاء املك لك من لسان وأطوع لأمرك من بنان: أكتب فأين لعبد الحميد الكاتب قلمي وأشعر فأين الشعراء إلا تحت علمي وأبذل فأين حاتم من كرمي وأحلم فأين أحنف من حلمي.
وحسبك فخراً أن يجود بنفسه
 
على رغب منْ ليس يأملُ في الشكر
ومن يحتمل في الحب ما فوق كاهلي
 
فحسبك حلماً أن يقيمَ على الهجرِ
 
فإن أصخت إلى الداعية ووعيت كلمات لا تسمع فيها لاغية فإليك الجزاء وعلي الوفاء وإلا فالفرار إلى الموت أمرٌ يسير والقبر للعشاق قليلٌ من كثير.
"وكتب المرحوم حفني بك ناصف إلى سماحة السيد توفيق البكري"
كتابي إلى السيد السند ولا أجشمه الجواب عنه فذلك ما لا انتظره منه وإنما أسأله أن ينشط إلى قراءته ويتنزل إلى مطالعته وله الرأي بعد ذلك أن يحاسب نفسه أو يزكيها ويحكم عليها أو لها.
فقد تنفعُ الذكرى إذا كان هجرُ همو
 
دلالا فأما إن ملالاَ فلا نفعاً
زرت السيد ويعلم الله أن شوقي إلى لقائه كحرصي على بقائه وكلفي بشهوده كشغفي بوجوده فقد بعد والله عهد هذا التلاق وطال أمد الفراق وتصرم الزمان وأنا من رؤيته في حرمان فسألت عنه فقيل لي أنه خرج لتشييع زائر وهو عما قليل حاضر فانتظرت رجوعه وترقبت طلوعه ولم أزل أعد اللحظات وأستطيل الأوقات حتى بزغت الأنوار وارتج صحن الدار وظهر الاستبشار على وجوه الزوار وجاء السيد في مركبه وجلالة محتده ومنصبه فقمنا لاستقباله وهينمنا بكماله فمر يتعرف وجوه القوم حتى حازاني وكبر على عينه أن يراني فغادرني ومن على يساري وأخذ في السلام على جاري وجر السلام الكلام وتكرر القعود والقيام وأنا في هذه الحال أوهم جاري أني في داري وأظهر للناس أن شدة الألفة تسقط الكلفة ومر السيد بعد ذلك من أمامي ثلاث مرات ومن الغريب أنه لم يستدرك ما فات.
تمرّون الديارَ ولن تعرجوا
 
كلامكمو عليَّ إذنْ حرام
وكنت أظن أن مكانتي عند السيد لا تنكر أن عهدي لديه لا يحفر فإذا أنا لست في العير ولا في النفير وغيري عند السيد كثير وذهاب صاحب أو أكثر عليه يسير.
ومن مدتِ العليا إليه يمينها
 
فأكبر إنسان لديه صغيرُ
 
ولا أدعي أني أوازي السيد صانه الله في علو حسبه أو أدانيه في علمه وأدبه أو أقاربه في مناصبه ورتبه أو أكاثره في فضته وذهبه وإنما أقول ينبغي للسيد أن يميز بين من يزوره لسماع الأغاني والأذكار وشهود الأواني على مائدة الإفطار وبين من يزوره للسلام وتأييد جامعة الإسلام وأن يفرق بين من يتردد عليه استخلاصاً للخلاص ومن يتردد إجابة لدعوة الإخلاص وأن لا يشتبه عليه طلاب الفوائد بطلاب العوائد وقناص الشوارد بنقاء الموالد ورواد الطرف بأرباب الحرف.
فما كلُ منْ لقيتَ صاحبُ حاجةٍ
 
ولا كل من قابلت سائلك العرفا
فإن حسن عند السيد أن يغضي عن بعض الجناس فلا يحسن أن يغضي عن جميع الناس وإلا فلماذا يطوف على بعض الضيوف ويحييهم بصنوف من المعروف ويتخطى الرقاب "لصروف" ويخترق لأجله الصفوف فإن زعم السيد أنه اعلم بتصريف الأقلام فليس بأقدم هجرة في الإسلام وإن رأى أنه أقدر مني على إطرائه فليس بممكن أن يتخذه من أوليائه.
ولا أرومُ بحمد الله منزلة
 
غيري أحقُ بها مني إذا راما
 
وإنما أصونُ نفسي عن المهانة والضعة
 
ولا اعرّضها للضيق وفي الدنيا سعة
 
وأكرم نفسي أنني إن أهنتها
 
وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فلا يصعر السيد من خده فقد رضيت بما ألزمني من بعده ولا يغض من عينه فهذا فراقٌ بيني وبينه وليتخذني صاحباً من بعيد ولا يكلمني إلى يوم الوعيد.
كلانا غنيّ عن أخيه حياتهُ
 
ونحن إذا متنا أشدُ تغانيا
 
ومن يعلى السيد السلام على الدوام ومبارك إذا لبس جديداً وكل عام وهو بخير إذا استقبل عيداً ومرحى إذا أصاب وشيعته السلامة إذا غاب وقدوماً مباركاً إذا آب وبالرفاء والبنين إذا أعرس وبالطالع المسعود إذا أنجب ورحمه الله إذا عطس ونوم العافية إذا نعس وصح نومه إذا استيقظ وهنيئاً إذا شرب وما شاء الله كان إذا ركب ونعم صاحبه إذا انفجر الفجر وسعد مساؤه إذا أذن العصر وبخ بخ إذا نثر ولا فض فوه إذا شعر وأجاد وأفاد إذا خطب وأطرب واغرب إذا كتب وإذا حج البيت فحجاً مبروراً وإذا شيع جنازتي فسعياً مشكوراً: والسلام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:48 am

الفصل السادس في رسائل الشكوى
"كتب الأمير أبو الفضل الميكالي المتوفى سنة 436 ه?"
إنما أشكو إليك زماناً سلب ضعف ما وهب وفجع بأكبر مما متع وأوحش فوق ما آنس وعنف في نزع ما البس فإنه لم يذقنا حلاوة الاجتماع حتى جرعنا مرارة الفراق ولم يمتعنا بأنس الالتقاء حتى غادرنا رهن التلهف والاشتياق والحمد الله تعالى على كل حال يسوء ويسر ويحلو ويمر ولا أيأس من روح الله في إباحة صنع يجعل ربعه مناخي ويقصر مدة البعاد والتراخي فألاحظ الزمان بعين راض ويقبل إلي حظي يعد إعراض وأستأنف بعزته عيشاً عذب الموارد والمناهل مأمون الآفات والغوائل.
"وكتب عبد الحميد بن يحيى المقتول سنة 132 إلى أهله
وهو مهزم مع مروان" أما بعد، فإن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها ومن عضته بناتها ذمها ساخطاً عليها وشكاها مستزيداً لها وقد كانت أذاقتنا أفاويق اسحليناها ثم جمحت بنا نافرة ورمحتنا مولية فملح عذبها وخشن لينها فأبعدتنا من الأوطان وفرقتنا عن الإخوان فالدار نازحة والطير بارحة وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بعداً وإليكم وجدا فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكن آخر العهد بكم وبنا وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار من يليكم نرجع إليكم بذل الإسار والذل شر جاز نسأل الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يهب لنا ولكم ألفة جامعة في دار آمنة تجمع سلامة الأبدان والأديان فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين.
 
"وكتب أستاذي الحكيم الشيخ محمد عبده وهو مسجون
بسبب الحوادث العرابية"
تقلّدتني اللّيالي وهي مدبرةٌ
 
كأنني صارمٌ في كفّ منهزم
عزيزي (هذه حالتي) اشتد ظلام الفتن حتى تجسم بل تحجر فأخذت صخوره من مركز الأرض إلى المحيط الأعلى واعترضت ما بين المشرق والمغرب وامتدت إلى القطبين فاستحجرت في طبقاتها طباع الناس إذ تغلبت طبيعتها على المواد الحيوانية أو الإنسانية فأصبحت قلوب الثقلين (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً) [البقرة: 74] فتبارك الله أقدر الخالقين انتثرت نجوم الهدى وتدهورت الشموس والأقمار وتغيبت الثوابت النيرة وفر كل مضيء منهزماً من عالم الظلام ودارت الأفلاك دورة العكس ذاهبة بنيراتها إلى عوالم غير عالمنا هذا فولى معه آلهة الخير أجمعين وتمحضت السلطة لآلهة الشر فقلبوا الطباع وبدلوا الخلق وغيروا خلق الله وكانوا على ذلك قادرين.
رأيت نفسي اليوم في مهمة لا يأتي البصر على أطرافه في ليلة داجية غطي فيها وجه السماء بغمام سوء فتكاثف ركاماً ركاماً لا أرى إنساناً ولا أسمع ناطقاً ولا أتوهم مجيباً أسمع ذئاباً تعوي وسباعاً تزأر وكلاباً تنبح كلها يطلب فريسة واحدة هي ذات الكاتب والتف على رجلي تنينان عظيمان وقد خويت بطون الكل وتحكم فيها سلطان الجوع ومن كانت هذه حاله فهو لا ريب من الهالكين.
تقطع الأمل وانفصمت عروة الرجاء وانحلت الثقة بالأولياء وضل الاعتقاد بالأصفياء وبطل القول بإجابة الدعاء وانفطر من صدمة الباطل كبد السماء وحقت على أهل الأرض لعنة الله والملائكة والأنبياء وجميع العالمين.
سقطت الهمم وخربت الذمم وغاض ماء الوفاء وطمست معالم الحق وحرقت الشرائع وبدلت القوانين ولم يبق إلا هوى يتحكم وشهوات تقضى وغيظ يحتدم وخشونة تنفذ "تملك سنة القدر" و(اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ) [يوسف: 52].
ذهب ذوو السلطة في بحور الحوادث الماضية يغوصون لطلب أصداف من الشبه ومقذوفات من التهم وسواقط من اللمم ليموهوها بمياه السفسطة ويغشوها بأغشية من معادن القوة ليبرزوها في معرض السطوة ويغشوا بها أعين الناظرين لا يطلبون ذلك لغامض يبينونه أو لمستور يكشفونه أو لحق خفي فيهرونه أو خرق بدا فيرقعونه أو نظام فاسد فيصلحونه كلا: بل ليثبتوا أنهم في حبس من حبسوا غير مخطئين، وقد وجدوا لذلك أعواناً من حلفاء الدناءة وأعداء المروءة وفاسدي الأخلاق وخبثاء الأعراق رضوا لأنفسهم قول الزور وافتراء البهتان واختلاق الإفك وقد تقدموا إلى مجلس التحقيق بتقارير محشوة من الأباطيل ليكونوا بها علينا من الشاهدين، كل ذلك لم تأخذني فيه دهشة ولم تحل قلبي وحشة بل أنا على أتم أوصافي التي تعلمها غير مبالٍ بما يصدر به الحكم أو يبرمه القضاء، عالماً بأن كل ما يسوقه القدر وما ساقه من البلاء فهو نتيجة ظلم لا شبهة للحق فيه، لأن الله تعالى يعلم كما أنت تعلم أنني بريء من كل ما رموني به، ولو أطلعت عليه لوليت منه رعباً وكنت من الضاحكين.
نعم حنقني الغم وأحمى فؤادي الهم وفارقني النوم ليلة كاملة عند ما رأيت اسمك الكريم واسم بقية الأبناء والأخوان المساكين تنسب إليهم أعمال لم تكن وأقوال لم تصدر عنهم لقصد زجهم في المسجونين.
لكن اطمأن قلبي وسمن جأشي عندما رأيت تواريخ التقارير متقادمة ومع ذلك لم يصلكم شرر الشر فرجوت أن الحكومة لم ترد أن تفتح باباً لا يذر الأحياء ولا الميتين.
قدم فلان وفلان تقريرين جعلا تبعات الحوادث الماضية على عنقي ولم يتركا شيئاً من التخريف إلا قالاه وذكرا أسماءكم في أمور أنتم جميعاً أبعد الناس عنها، لكن لا
حرج عليهما فإني لأراهما من المجانين، ولم أتعجب من هذين الشخصين إذ يعملان مثل هذا الذنب القبيح ويرتكبان هذا الجرم، الشنيع ولكن أخذني العجب "كل العجب غاية العجب بالغ ما شئت في عجبي"، إذ أخبرني المدافع عني بتقرير قدمه فلان الذي أرسلت إله السلام وأبلغته سروري عندما سمعت باستخدامه، وأنا في هذا السجن رهين.
 
إلى هذا الوقت لم يصلني التقرير ولكن سيصل إلي إنما فيما بلغني أنه شهادة بأقبح شيء لا يشهد به إلا عدو مبين: هذا اللئيم الذي كنت أظن أنه يألم لألمي ويأخذه الأسف لحالي ويبذل وسعه إن أمكنه في المدافعة عني فكم قدمت له نفعاً ورفعت له ذكراً وجعلت له منزلة في قلوب الحاكمين: كم سمعني أقاوم هجاء الجرائد وأوسع محرريها لوماً وتقريعاً وأهزأ بتلك الحركات الجنونية وكان هو علي في بعض أفكاري هذه من اللائمين: كان ينسب فلاناً لسوء القصد اتباعاً لرأي فلان وأعارضه أشد المعارضة، ثم لم أنقض له عهداً ولم أبخس له ودا وحقيقة كنت مسروراً لوجوده موظفاً فما باله أصبح من الناكثين: آه ما أطيب هذا القلب الذي يملي هذه الأحرف، ما أشد حفظه للولاء، ما أغيره على حقوق الأولياء، ما أثبته على الوفاء، ما أرقه على الضعفاء، ما أشد اهتمامه بشؤون الأصدقاء، ما أعظم أسفه لمصائب من بينهم وبينه أدنى مودة، وإن كانوا فيها غير صادقين، ما أبعد هذا القلب من الإيذاء ولو للأعداء، ما أشده رعاية للود، ما أشده محافظة على العهد ما أعظم حذره من كل ما توبخ عليه الذمم الظاهرة، ما أقواه على العمل الحق، والقول الحق، لا يطلب عليه جزاء، وكم اهتم بمصالح قوم وكانوا عنها غافلين، هذا القلب الذي يؤلمونه بأكاذيبهم هو الذي سر قلوبهم بالترقية وملأها فرحاً بالتقدم ولطف خواطرهم بحسن المعاملة وشرح صدورهم بلطيف المجاملة ودافع عنهم أزماناً "خصوصاً هذا اللئيم" أفنشرح الصدور وهم يحرجون ونشفي القلوب وهم يؤلمون ونفرحها وهم يحزنون؟ تالله (قَدْ ضَلّواْ وَمَا
كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [الأنعام: 140] هذا القلب ذاب معظمه من الأسف على ما يلم بالهيئة العمومية من مصائب هذه التقلبات وما ينشأ عنها من فساد الطباع الذي يجعل العموم في قلق مستديم، وما بقي من هذا القلب فهو في خوف على من يعرفهم على عهد مودته، فإن تسللوا جميعاً بمثل هذه العمال اصبحوا من مودته خالين واتخذوه وقاية لهم من المضرة وجعلوه ترساً يعرضونه لتلقى سهام النوائب التي يتوهمون تفويقها إليهم كما اتخذوه قبل ذلك سهماً يصيبون به أغراضهم فينالون منها حظوظهم فقد أراحوا تلك البقية من الفكر فيهم، والله يتولى حسابهم (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) [الأنعام: 62]، آه ما أظن أن تلك البقية تستريح من شاغل الفكر في شؤون الأحبة وإن جاروا في تصرفهم.
إن طبيعة هذا القلب لطبيعة ناعم الخز إذا اتصل بذي الود وإن كان خشناً فصعب أن ينفصل ولو مزقته خشونته، وإن هذا القلب في علاقة مع الأوداء كالضياء مع الحرارة أيما حادث يحدث وأيما كيماوي يدقق لا يجد للتحليل بينهما سبيلاً، وأظنك في العلم بثبوت تلك الطبيعة فيه كنت من المتحققين.
"وكتب حافظ بك ابراهيم إلى الأستاذ الإمام الحكيم الشيخ محمد عبده"
كتابي إلى سيدي وأنا من وعده بين الجنة والسلسبيل ومن تيهي به فوق النثرة والإكليل وقد تعجلت السرور وتسلقت الحبور وقطعت ما بيني وبين النوائب.
وبشّرتُ أهلي بالذي قد سمعتهُ
 
فما منحتي إلاّ ليالٍ قلائل
 
وقلت لهم للشيخ فينا مشيئةٌ
 
فليس لنا من دهرنا ما ننازلُ
وجمعت فيه بين ثقة الزبيدي بالصمصامة والحارث بالنعامة فلم أقل ما قال الهذلي لصاحبه حين نسي وعده وحجب رفده.
"يا دار عاتكة التي أتغزل" بل أناديه نداء الأخيذة في عمورية شجاع الدولة العباسية وأمد صوتي بذكر إحسانه مد المؤذن صوته في آذانه واعتمد عليه في البعد والقرب اعتماد الملاح على نجمة القطب.
وقال أصيحابي وقد هالني النَّوى
 
وهالهمُ أمري متى أنتَ قافل
فقلت إذا شاء الإمامُ فأوبتي
 
قريبٌ وربعي بالسَّعادة آهلُ
 
وهأنا متماسك حتى تنحسر هذه الغمرة وينطوي أجل تلك الفترة وينظر لي سيدي نظرة ترفعني من (ذَاتِ الصّدْعِ) [الطارق: 12] إلى (ذَاتِ الرّجْعِ)[الطارق: 11] وتردني إلى وكري الذي فيه درجت رد الشمس قطرة المزن إلى أصلها ورد الوفي الأمانات إلى أهلها.
فإن شاءَ فالقربُ الذي قد رجوته
 
وإن شاءَ فالعزُّ الذي أنا آملُ
 
وإلاَّ فإني قافُ رؤبةَ لم أزل=بقيد النَّوى حتى تغولَ الغوائلُ
فلقد حللت السودان حلول الكليم في التابوت والمغاضب في جوف الحوت بين الضيق والشدة والوحشة والوحدة: لا، بل حلول الوزير في تنور العذاب والكافر في موقف الحساب بين نارين نار القيظ ونار الغيظ.
فناديت باسم الشيخ والقيظ جمرهُ
 
يذيب دماغ الضّب والعقل ذاهل
فصرت كأني بينَ روضٍ ومنهلٍ
 
تدبُّ الصّبا فيه وتشدو البلابل
 
واليوم أكتب إليه وقد قعدت همة النجمين وقصرت يد الجديدين. عن إزالة ما في نفس ذلك الجبار العنيد فلقد نما ضب ضغنه علي وبدرت بوادر السوء منه إلي فأصبحت كما سر العدو وساء الحميم وآلامي كأنها جلود أهل الجحيم كلما نضج منها أديم تجدد أديم وأمسيت وملك آمالي إلى الزوال أسرع من أثر الشهاب في السماء ودولة صبري إلى الاضمحلال أحث من حباب الماء فنظرت في وجوه تلك العباد وإني لفارس العين والفؤاد فلم تقف فراستي على غير بابك.
وإني أهديك سلاماً لو امتزج بالسحاب واختلط منه باللعاب لأصبحت تتهادى بقطرة الأكاسرة وأمست تدخر منه الرهبان في الأديرة ولأغنى ذات الحجاب عن الغالية والملاب ولابدع إذا جاد السيد بالرد فقد يرى وجه المليك في المرآة وخيال القمر في الإضاءة وإن حال حائل دون أمنية هذا السائل فهو لا يذم يومك ولا ييأس من غدك فأنت خير ما تكون حين لا تظن نفس بنفس خيراً: والسلام.
الفصل السابع في رسائل العيادة
"كتب ابن الرمي المتوفي سنة 284ه? إلى بعضهم"
لأذن الله في شفائك وتلقى داءك بدوائك ومسح بيد العافية عليك ووجه وفد السلامة إليك وجعل علتك ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك.
 
"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة 383ه?"
وصل كتابك يا سيدي فسرني نظري إليه ثم غمني اطلاعي عليه لما تضمنه من ذكر علتك جعل الله أولها كفارة وآخرها عافية ولا أعدمك على الأولى أجراً وعلى الأخرى شكراً: وبودي لو قرب علي متناول عيادتك فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك ومرض قلبي فيك لمرض جسمك.. وأظن أني لو لقيتك عليلاً لانصرفت عنك وأنا أعل منك فإني بحمد الله تعالى جلد على أوجاع أعضائي غير جلد على أوجاع أصدقائي شفاك الله وعافاك.
الفصل الثامن في رسائل التهاني
"كتب في التهنئة بالأولاد أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
أهلاً وسهلاً بعقلية النساء وأم الأبناء وجالبة الأصهار والأولاد الأطهار.
ولو كانَ النّساء كمثل هذي
 
لفضّلتِ النّساءُ على الرّجالِ
فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ
 
ولا التّذكيرُ فخرٌ للهلالِ
 
والله يعرفك البركة في مطلعها والسعادة بموقعها فالدنيا مؤنثة والناس يهدمونها والذكور يعبدونها والأرض مؤنثة ومنها خلقت البرية وفيها كثرت الذرية والسماء مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحليت بالنجوم الثواقب والنفس مؤنثة وهي قوام الأبدان وملاك الحيوان والحياة مؤنثة ولولاها لم تتصرف الأجسام ولا تحرك الأنام والجنة مؤنثة وبها وعد المقتون وفيها تنعم المرسلون فهنيئاً هنيئاً ما أوليت وأوزعك الله شكر ما أعطيت وأطال بقاءك ما عرف النسل وما بقي الأبد.
"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه? إلى الدواردي يهنيه بمولود"
حقاً لقد أنجز الإقبال وعده ووافق الطالع سعده وإن الشأن لفيما بعده وحبذا الأصل وفرعه وبورك الغيث وصوبه وأينع الروض ونوره وحبذا سماء أطلعت فرقداً وغابة أبرزت أسداً وظهر وافق سنداً وذكر يبقى أبداً ومجد يسمى ولداً وشرف لحمة وسدى.
أنجب كلٌّ منْ والديه به
 
إذْ نجلاه فنعمَ ما نجلا
فألفياه شهاب ذكاء وبدر علاء.
ووجداهُ ابنْ جلا
 
أبيضَ يدَّعى الجفلى
لمثلهِ أولى فلا
 
إذا النَّديُّ احتفلا
 
"وكتب في التهنئة بالقدوم أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
أهنيء سيدي ونفسي تطيب بما يسر الله من قدومه سالماً وأشكر الله على ذلك شكراً دائماً جعل الله قدومك بالخيرة التامة العامة والكفاية الشاملة الكاملة.
 
غيبة المكارم مقرونة بغيبتك وأوبة النعم موصولة بأوبتك: فوصل الله قدومك من الكرامة بأضعاف ما قرن به مسيرك من السلامة وهناك بإيابك وبلغك غاية محابك مازلت بالنية معك مسافراً وباتصال الذكر والفكر ملاقياً إلى أن جمع شمل سروري بأوبتك وسكن نافر قلبي بعودتك.
"وكتب أيضاً في التهنئة برمضان"
ساق الله إليك سعادة إهلاله وعرفك بركة كماله لقاك الله فيه ما ترجوه ورقاك إلى ما تحب في ما تتلوه جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقروناً بأفضل القبول مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول ولا أخلاك من بر مرفوع ودعاء مسموع قابل الله بالقبول صاميك وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك أعاد الله إلى مولاي أمثاله وتقبل فيه أعماله وأصلح في الدين والدنيا أحواله وبلغه منها آماله سعد الله مولاي بهذا الشهر ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر.
"وكتب أبو الفرج الببغاء المتوفي سنة 398ه? تهنئة"
سيدي: أيده الله، أرفع قدراً. وأنبه ذكراً وأعظم نبلاً وأشهر فضلاً من أن نهنئه بولاية وإن جل خطرها وعظم قدرها. لأن الواجب تهنئه الأعمال بفائض عدله والرعية بمحمود فعله والأقاليم بآثار رياسته والولايات بسمات سياسته فعرفه الله بمن ما تولاه ورعاه في سائر ما استرعاه ولا أخلاه من التوفيق فيما يعانيه والتسديد فيما يبرمه ويمضيه.
"وكتب رشيد الدين الوطواط المتوفي سنة 573ه? تهنئة بالقدوم من سفر"
بلغني إياب سيدي زانه الله بصنوف المعالي وصانه من صروف الليالي من سفرته الميمونة التي أسفرت عن نيل المراد وتسهيل البغية إلى دار أقامته ومستقر كرامته لم يؤثر فيه نصب السير وعناؤه وكلال السفر وعثاؤه فبلغ سروري بذلك مبلغاً يضاهي ما كنت بصدده من الجزع لغيبته فحمدت الله تعالى على ما يسر له من الرجوع إلى مغانيه والطلوع على بلدة جر فيها ذيول أمانيه فسألته عظمت هيبته أن يجعل ما أنعم به عليه من قرب الدار ودنو المزار موصولاً بطول العمر والبقاء مقروناً بدوام العز والعلاء أنه سميع الدعاء.
"كتب المرحوم الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة 1335ه?"
أي جهابذة الكنانة نبال الجنابة مياه الأجانة أبناء تلك اللغى صناديد هذه الوغى إليكم يساق الحديث في القديم والحديث عن هذا النبأ العظيم والمجد الصميم مالي أرى في لغتنا الشريفة "ويعلم أولو النهي آية هي من اللغات أحق بهذا النبر أن يصرف إليها عند الإطلاق" هبوباً غب خمول وترة بعد تحول ونوراً عقيب أفول ونوراً إثر ذبول وصبا وراء قبول وعدلاً ولا حيف وقوة ولا ضعف وما يشاء المطري في هذا القبيل من العطف.
آمنت بالقدر المقدور والبعث والنشور كذلك يحيي الله الموتى.
أليس رجل واحد أسفرت عنه عناية التوفيق فألقت إليه المقاليد بلى ولكنه الواحد الذي يقول في مثله صاحب بني ميكال:
والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ
 
وواحدٌ كالألف إن أمرٌ عنا
إي ورب تلك البنية باريء نسم البرية إنه لرجل البلاد رجل الحزم والسداد ألم تر جنابه وحنانه وبنانه وبيانه عوامل رفع لهذه اللغة لغة الفرقان لغة الأوطان لا بل أمضى من العوامل حتى ظلت آدابها فرائض وقد كانت وما بالعهد من قدم نوافل ومن حليها أجياد اللهجات عواطل اللهم إلا بقية ثمد قد منيت صحفها الأود ففقدت الجلد والجلد وبعد أن راج سوق الرطانة ونضب ماء الإبانة وخبت أنوار البلاغة وزوت أنوار النباعة وكسد البيان وقوض منه البنيان وأصبحت العربية لقى ملقاه وبضاعة مزجاه فأي هذا اليراع لا أقل من نفثات في صوغ كليمات تقدر هذه النعمة قدرها ويمنحها شكرها.
ويحك هب من سنتك في حلية مقتك وانض حسامك واشحذ كهامك وانشل كنانتك وأعمل بنانتك وصغ إن استطعت تهانئ غرا بل عقوداً درا بل أنجماً زهراً مشتاراً منن خلايا ذلك الأري الشهي الندي الذكي ما جرست نحلة الشيح والخزامى وأطايب الثمار وأزاهي الأزهار تهديهن أولئك المصاقع شكراناً لتلك النعم تجميعاًُ لشواردها وتقييداً لأوابدها كما شبهها رسول الله ( وهو الصادق المصدوق وإشفاقاً عليها من الجماح بعد ذلك الارتياح.
فإليكم بني هذه اللغة كتابي هذا تهنئة بتلك النهضة العربية في إبان كما تعلمون وجهه مكفهر وبدنه مقشعر وثناء على العناية التوفيقية والعزمة الرباضية.
 
على أن لهذا المولى الوزير سوى ذلك أيادي مبرورة ومساعي مشكورة أكسبت الوطن وأهلية نهضات وأقالته كثيراً من العثرات لكنني آثرت تلكم النهضة العربية بتهنئتكم بها، أي بني جلدتي وإخوان حرفتي لكونها فيما إخال لا بل فيما أتيقن ويتيقن أولو الحجا أعظم النهضات وأيمن ما اجتازه الوطن من العقبات ولو كان في نطاق الإمكان زيادة البيان في هذا الشأن لأسهبت وأوسعت وأطريت وأظنبت ولو لم يكن في تلك النهضة إلا أن حياة الأمة حياة لغتها فحسب لكفاك وشفاك وأغناك وكان ذلك قصاراك وحماداك.
"وكتب الأستاذ محمود بك أو النصر"
إنسان عين الفضائل عزيزي فلان المحترم.
نور على نور وشفاء لما في الصدور شفاؤك أيها العزيز من ذلك الرمد: قد أنجز الإقبال ما وعد وابتهجت النفوس الطروس واهتزت الأقلام وأعلنت بالسلام.
ولاح فجرُ التّهاني بالبشائر إذ
 
حيّتْ فأحيتْ ربوعَ الفضل والأدب
وكيف لا وأنت واحد الكتاب وإنسان عين الآداب رمدت فرمدت وشفيت فاهتزت وربت وقد كان طرفها كليلً وفؤادها عليلاً واليوم زال العناء وحق الهناء ووافى الشفاء فكان برداً وسلاماً على القلوب وقميص يوسف في أجفان يعقوب.
فلك الهناء بصحّةٍ ميمونةٍ
 
أبداً على مرّ الدُّهور وتدوم
وإن الله ما قضى بما قد مضى إلا ليعرف سيدي مكانته من القلوب ومنزلته من الفضل وهذه حلل العافية قد خلعت عليك وثياب السلامة سيقت إليك فوافى السرور وعم الحبور والله يبلغك بالصحة والأعمال منتهى الآمال والسلام.
 
"وكتب الوزير عبد الله باشا فكري المتوفي سنة 1307ه? في تهنئة العيد"
هذا يوم نشر البشر فيه أعلامه وأضاءت الدنيا وازدانت الآفاق ببهجة هذا العيد السعيد وأخذ الأحبة يتهادون رسائل البشائر فيما بينهم وكل حزب فرحون بما لديهم بما أودع فيهم من روابط المحبة وعوامل الاتحاد السارية في النفوس: أما أنا فعيدي وبهجة نفسي وسرور فؤادي دوام إقبال الزمان عليك بوجه النصر وعود أعياد السرور على جبانك الرفيع فمثلك تشرق الدنيا بطلعته وتفرح الأعياد برؤيته.
وأرى الحياةَ لذيذةً بحياته
 
وأرى الوجودَ مشرفاً بوجودهِ
 
لو أنني خيرتُ من دهري المنى
 
لاخترتُ طولَ بقائه وخلودهِ
 
أعاد الله عليك أيها الأخ أمثاله وأمثال أمثاله في صفاء وهناء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:50 am

الفصل التاسع في رسائل التعازي
"كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة 429ه?"
خبر عز علي مستمعه وأثر في قلبي موقعه خبر تستاء له المساميع وترتج منه الأضالع خبر يهد الرواسي ويفلق الحجر القاسي كادت له القلوب تطير والعقول تطيش والنفوس تطيح خبر يشيب ويذيب الحديد قد كاد من الحزن أن تنقبض الألسن عن هذا النعي الفادح وتخرس وتقصر الأيدي عن التعزية بهذا الرزء الفادح وتيبس.
"وكتب أيضاً في الأمر بالصبر على المصيبة"
ماذا نصنع والبلاء نازل والموت حكم شامل وإن لم نعتصم بحبل الصبر فقد اعترضنا على مالك الأمر عليك بعزيمة الصبر وصريمة الجلد فإنها في الدين حتم وفي الرأي حزم واعلم بأن الميت لا ترده نار تلهبها من الهم على كبدك ولا يرجعه انزعاج تسلطه بالحزن على جسدك فخير لك من ذلك أن تفعل ما يفعله الذاكرون وتقول: (إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ) [البقرة: 156].
"وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه?"
إذا ما الدّهر جرّ على أناسٍ
 
مصائبهُ أناخَ بآخرينا
 
فقل للشامتين بنا أفيقوا
 
سيلقى الشامتون كما لقينا
 
أحسن ما في الدهر عمومه بالنوائب وخصوصه بالرغائب فهو يدعو الجفلى ذا ساء ويخص بالنعمة إذا شاء فليفكر الشامت: فإن كان أفلت فله أن يشمت: ولينظر الإنسان في الدهر وصروفه والموت وصنوفه من فاتحة أمره إلى خاتمة عمره هل يجد لنفسه أثراً في نفسه أم لتدبيره عوناً على تصويره أم لعمله تقديماً لأمله أم لحيله تأخيراً لأجله كلا بل هو العبد لم يكن شيئاً مذكوراً خلق مقهوراً فهو يحيا جبراً ويهلك صبراً وليتأمل المرء كيف كان قبلاً فإن كان العدم أصلاً والوجود فضلاً فليعلم الموت عدلاً...
 
والموت أطال الله بقاء مولاي خطب فقد عظم حتى هان وأمر قد خشن حتى لان ولعل هذا السهم قد صار آخر ما في كنانتها وأزكى ما في خزانتها ونحن معاشر التبغ نتعلم الأدب من أقواله والجميل من أفعاله فلا نحثه على الجميل وهو الصبر ولا نرغبه في الجزيل وهو الأجر فبهما رأيه.
"وكتب أيضاً"
يا سيدي: المصاب لعمر الله كبير وأنت بالجزع جدير ولكنك بالصبر أجدر والعزاء عن الأعزة رشد كأنه ألغي وقد مات الميت فليحي الحي.
"وكتب فقيد اللغة الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة 1906م"
أشباح تروح وتجي وآجال تمسي وتغتدي وأنفاس تتقطع من دونها حزناً وأسفاً وعبرات تتفطر وجداً ولهفاً وما عمدت الأقدار إلى استنزاف مدمع ولا أرادت الأيام إيلام موجع إنما هي سنة الخلق كون يليه زوال وعقد يسبقه انحلال وأن لكل شيء أجلاً موقوتاً وإن لكل أجل سبباً مقدوراً وأن الإنسان لفي كل ذلك شاهد يسمع لاهياً ويبصر ساهياً وليس في يده أن يسترد ماضياً ولا أن يرد آتياً ولقد وددت أن أعزيك لولا ما يغالبني على العزاء من كبد حرى ومقلة شكرى وزفرة تترى ثم وددت أن أستبكيك لولا أنيب بكيت حتى لم أدع في البكاء من واد وأحييت ليالي بالنوح حتى ما بالنجم سهاد ثم لم يزدني البكاء على سقم جسدي ولم يزدني النوح على صفر يدي إلا من كبدي وإن الأقدار سهام إذا انطلقت لم ترد وإن المتطلع إلى الفائت لطويل شقة الكمد وإن الخطوب لهي هي إنما تتفاوت عند الجلد.
وإن الحصى عند الجزوع ثقيلةٌ
وضخم الصّفا عند الصّبور خفيف
والله المسؤول في إطالة بقائك قرة للعيون وجبراً لخاطر المحزون بمنه وكرمه.
الفصل العاشر في رسائل الأجوبة
"كتب الوزير عبد الله باشا فكري المتوفي سنة 1307ه?"
سيدي سلمك الله وحياك وأسعدك برؤية محياك وزاد عزك وعلياك وحرس دينك ودنياك وجمعني على بساط المسرة وإياك ولا حرمني دوام لقياك ولا برح الدهر مبتسم الثغر بمحاسن معاليك مباهياً أعصار الأوائل بأيامك ولياليك محلياً أجياد المفاخر بزواهر لآليك: ورد علي كتابك الكريم مورد إعزاز وتكريم فبل بعض ما في الجوانح من الصدى وأنعشني ولا انتعاش الزهر بمباكرة الندى وجلا علي من البلاغة روضاً غضاً وأدار لدي صفواً من سلاف المحبة محضاً وهزني هزة النشوان شوقاً وطرباً واستفزني بمعجز آياته الحسان عجباً وعجباً ونثر علي من محاسن لفظك الحر وكلماتك الغر ما يخجل الدراري ويفضح الدر.
كلامٌ كستهُ بهجةُ الحسن رونقاً
 
هو السحر لا بل جلَّ قدراً عن السّحر
"وكتب أيضاً وهو بالآستانة العلية في يوم برد كثير الأمطار"
كتبت إليك والأمطار ساجمة بطلها ووبلها وعساكر البرد والبرد هاجمة بخيلها ورجلها والسماء متلفعة بأذيال السحاب وكأن الشمس خافت من الطل فتوارت الحجاب والجو مسكي الرداء عنبري الأرجاء كأنه وعليه ثوب الغيم مزرور قد وجل من صوله البرد فلبس فروة السمور والغمام على الأفق بكلاكله وهز من البرق بيض مناصله ونشر في الجو طرائق مطارفه وجاد على الأرض بتليده وطارفه وثقل على كاهل الهواء كالطير بل جناحه بالماء وقرب حتى كاد يمسك باليدين ويعتصر بالراحتين أو كأنه مرآة مذهبة تبدو وتخفى أو جذوة متلهبة توقد وتطفئ والرعد يهدد بزواجر زماجره السحائب فيبكيها والطير يتلو سطور الندى في طروس الثرى فيمليها ويطرب بأفنان الألحان أفنان البان فيعليها ويثنيها ويقرأ على رؤوس الأغصان أوراده الحسان فيقربها ويرقيها وقوس السماء يرمي بسهام وبله جنوب الشقائق فيصميها ويدميها والريح أخلاف الغمائم فتمر بها وترضع بدرها بنات النبات في حجور أراضيها فتربيها وتربيها وترصع بدرها تيجان القضبان وتارة تجعله عقوداً في تراقيها أو دموعاً في أماكقيها وكأن الحر خاف من بنادق البرد ومدافع الرعد ففر إلى مصر ونواحيها وأصبح نزيل من فيها لكرم أهليها وكأن غيرها بخلت عليه فلم تقبله عندها ضيفاً أو غلط الناس في حساب الفصول فظنوا شتاها صيفاً.
"وكتب المرحوم حفني بك ناصف إلى الشيخ علي الليثي المتوفي سنة 1313ه?"
وصل يا مولاي إلى هذا الطرف ما خصصت به العبد من الطرف "قفص" من عنب كاللؤلؤ في الصدف تتألق عناقيده كأنها من صناعة "النجف" ولعمر الحق أنها تحفة من أحلى التحف لا يعثر على مثلها إلا بطريق "الصدف" فقابلناه لثماً بالأفواه ورشفاً بالشفاه واحتفينا بقدومه كل الاحتفاء ولم نفرط في حبه عند اللقاء بل حللنا له الحبي وقلنا له أهلاً وسهلاً ومرحباً وأوسعناه عضاً ولثماً وتناولناه تجميشاً وضماً وحفظنا في صدورنا سره المكنون وطويناه في غضون البطون فطربت من تعاطيه الأرواح ولا غرو فهو أصل الراح وانتشينا ولم نحمل وزراً وثملنا ولم نذق طعماً مراً فهو كبيان مهدية سحر ولكنه حلال ولعب إلا أنه كمال فإن أكسبت الشمول شاربها قوة في الجنان ونفحت ذائقها طلاقة في اللسان فقد سرت في أجسامنا من حرارته شجاعة "ليثيه" ودبت في كلامنا من مذاقته فصاحة "علوية" وخلصت إلينا منه فوائد لا يحيط بها العلم ونجمت عنه منافع ليس يصحبها إثم، فإن زعم الأولون أن في الخمر معنى ليس في العنب فقد تغير الحال في هذه الهدية وانقلب وانكشف للمتأخرين حقيقة الأمر أن في العنب معنى ليس في الخمر.
وكان الأحرى بهذا العنب أن يناط بالنحور أو تزين به الصدور فما هو إلا اللؤلؤ لكنه سلم من سجن البحار وما هو إلا الدر لكن ليس فيه صغار.
.ومنْ كنتَ بحراً له يا علي=لا يلقطُ الدُّرّ إلاّ كباراً وما ضره أن ضمه القفص حصة من الحصص فإن كريم الطير يودع في الأقفاص والقلب ليس له من حنايا الضلوع خلاص فلا بدع أن تستقل في حباته حبات القلوب ويستملح في جنب حلاوته رضاب المحبوب وكأن الثريا لما أخذت شكله فغر الهلال فاه لعنقودها يريد أكله فهو يطاردها في السماء ويأخذ عليها الطريق من الوراء وهي تجري من الأمام مخافة الالتهام هذا لمجرد تشابه في الشكل فكيف بالثريا لو أشبهته حلاوة ورياً فلله تلك العناقيد ما اشد تألقها وأصفى ماءها وأحسن رونقها من كل عنقود تخاله عمود الصبح أحاطت به الدراري أو غصن البان تعلقت به القماري.
فسقى الغيث أرضاً أنبتته ولاثل الدهر عروشاً حملته وأرضاً عرفتنا بأثمارها حلاوة الجنة وأبرزت لنا لمحة من محاسنها المستكنة وأنساناً عنبها ذكرى دمشق وأزمير وأنباناً غارسها مصر خير مستقر (وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 14] وعروساً كالعروس تتيه في الحلي والملبوس تحسدها المجرة في السماء وتود لو تكون لها هذه البهجة والرواء لازال مولاي يهدي ويهدي وصنائعه تعيد في ثنائه وتبدي
"وأجابه المرحوم الشيخ علي الليثي المتوفي سنة 1313ه?"
وبعد فقد وصل كتاب القاضي الفاضل وأرج الأرجاء بلطيف فواضله وشريف الفضائل وما كنت أظن أن يحصل من زبيبه خماره حتى رأيت الفاضل سبكه في قوالب شتى وصاغه وأتى بما أدهش اللب من أساليب البلاغة فتارة عقداً على النحور وتارة في ميادين الطلب تطارده البدور وآونة دراً مكبراً ومرة خمراً عنبراً وساعة دوالي "نجفة" وساعة غصناً تعلق به الهزار وألفه.
تكاثرتِ الظّباءُ على خراشِ
 
فما يدري خراشٌ ما يصيدُ
عجباً لك أيها الفاضل: هذا مع اشتغال بالك وإقبالك على ما لديك من مراعاة عدلك واعتدالك فكيف لو تفرغت لهذا الأمر ولإراحة النفس اعتصرت من العنقود قدحاً من خمر وامتطيت طرف اليراع منهجاً مناهج الطرس ودبجت بياض صفحاته بمحاسن حلى النفس فلله أنت من بليغ بلغ ما يريد وقلد فرائد آدابه كل جيد وأفاد السحر منثوراً في فواصله وأقام بعوامل أقلامه تثقيف عوامله وأوجب علينا الشهادة له بالسبق فأذعنا مسلمين والحق أحق: هذا ولولا أن يقاتل فلان جفا وما احتفل بكتاب أخيه ولا احتفى وإن كان شيبي يلزمني ذلك كما أن شباب (البيك) يسلك به أقوم المسالك لترلات عيي وما أشرت ورأيت طي خيراً لي مما نشرت وجعلت كتاب سيدي في عنقي تميمة ورؤحت النفس تيمناً بمس آياته الكريمة وقلت كفاني ما أحاط بالعنق من قلائده حيث العبد لا يبلغ في الفخامة كمال سيده.
وهبني قلتُ هذا الصُّبحُ ليلٌ
أيعمي العالمون عن الضّياء
لازالت برد الترسل بيننا مستمرة ومدد التوصل على جناح التقرب مستقرة ولا برح الجناب في كل بداية يترقى كما يحب من غاية إلى غاية والسلام.
الفصل الحادي عشر في رسائل الوصايا والشفاعات
"من كلام له عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب في غزوة الفرس"
إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة وهو دين الله الذي أظهره وجنده الذي أعده وأمده حتى بلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده: ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً.
والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.
إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا هذا اصل العرب فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكبلهم عليك وطعمهم فيك فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما يكره: وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة.
ومن وصية له عليه الصلاة والسلام قالها بصفين
أما بعد فقد جعل الله عليكم حقاً بولاية أمركم ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف لا يجلاي لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه الأجرى له ولو كان لأحد أن يجر ي له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه ولكنه جعل حقه على العباد أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلاً منه وتوسعاً بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً اقترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في وجوهها ويجب بعضها بعضاً ولا يستوجب بعضها إلا ببعض وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فريضة فرضها سبحانه لكل على كل فجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدجى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العجل وجرت على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء وإذا غلبت الرعية وإليها وأجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى وعطلت الأحكام وكثر علل النفوس فلا يستوحش لعظيم حق عطل ولا لعظيم باطل فهل فهنالك تذل الأبرار وتعز الأشرار وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح في ذلك وحسن التعاون عليه فليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده لبالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة: ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم والتعاون على إقامة الحق بينهم وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته يفوق أن يعان على ما حمله الله من حقه ولا امرؤ وإن صغرته النفوس واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه.
فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلام إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا ازداد حق الله عليه عظماً وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطاً لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء: وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لابد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي يفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلني إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
ومن وصية له عليه السلام وصى بها جيشاً بعثه إلى العدو
فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل الأشراف وسفاح الجبال أو أثناء الأنهيار فيما يكون لكم رداء ودونكم مرداً ولتكن مقالتكم من وجه واحد أو اثنين واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب الهضاب لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن: واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاً وإذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفة ولا تذوقوا النوم إلا غراراً أو مضمضة.
?"ومن وصية له عليه السلام كان يكتبها لمن يستعمله على الصدقات"
انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له ولا تروعن مسلماً ولا تجتازن عليه كارهاً ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ولا تخدج بالتحية لهم ثم تقول: عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل الله في أموالكم من حق فتأدوه إلى وليه فإن قال قائل لا فلا تراجعه: وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخفيه وتوعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة فإن كان له ماشية أو إبل فلا تدخلها إلا بإذنه فإن أكثرها له فإذا أتيتها فلا تدخل عليها متسلط عليه ولا عنيف به ولا نتفرن بهيمة ولا تفرعنها ولا تسؤن صاحبها فيها واصدع المال صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فإذا اختار فلا تعرضن لما اختاره فلا تزال بذلك حتى يبقى ما فيه لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي صنعت أولاً حتى تأخذ حق الله في ماله ولا تأخذن عوداً ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار ولا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه رافقاً بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم ولا توكل بها غلا ناصحاً شفيقاً وأميناً حفيظاً غير معنف ولا مجحف ولا مغلب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصبره حيث أمر الله فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصليها ولا يمصر لبنها فيضر ذلك بولدها ولا يجدنها ركوباً وليعدل بين صواحبتها في ذلك وبينها: وليرفه على اللاغب وليستأن بالنقب والظالع وليوردها ما تمر به من الغدر ولا يعدل بها عن نبت الأرض إلى جواد الطرق وليروحها في الساعات وليمهلها عند النطاف والأعشاب حتى تأتينا بإذن الله بدنا منقيات غير متعبات ولا مجهودات لنقسمها على كتاب الله وسنة نبيه ( فإن ذلك أعظم
لأجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله.
 
وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها المخدوع بأبلطيلها ثم تذمها أتغتر بالدنيا ثم تذمها أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك متى استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك وكم مرضت بيديك تبعي لهم الشفاء وتستوصف لهم الأطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك ولم تسعف بطلبتك ولم تدفع عنه بقوتك وقد مثلت لك به الدنيا نفسك وبمصرعه مصرعك: إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فيهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها مسجد أحباء الله ومتجر أولياء اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا يذمها وقد آذنت بينها ونادت بفراقها ونعت نفسها وأهلها فمثلت للهم ببلائها البلاء وشوقتهم بسرورها إلى السرور راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيباً وترهيباً وتخويفاً وتحذيراً فذمها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون يوم القيامة ذكرتهم الدنيا فتذكروا وحدثتهم فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا.
"عهد الإمام علي المتوفي سنة 401 ه? لمالك بن الحارث الأشتر النخعي"
"حين ولاه مصر جباية خراجها وجهاد عدوها وإصلاح أهلها وعمارة بلادها"
اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثلى ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك كما كنت تقول فيهم وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنة عباده فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت: واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك والله فوق من ولاك وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ولا تنصبن نفسك لحرب الله فإنه لا يدى لك بنقمته ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ولا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن إني مؤثر آمر فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب من الغير وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طماحك ويكف عنك من غربك ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك وإياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار ويهين كل محتال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنك إن لم تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حرباً حتى ينزع ويتوب وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضاء الرعية فإن سخط
العامة يجحف برضاء الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضاء العامة وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقل شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأخف صبراً عند ملمات الدهر من أهل الخاصة: وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صفوك لهم وميلك معهم: وليكن ابعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لمعايب الناس فإن في الناس عيوباً الوالي أحق من سترها فلا تكشفن عما غاب عنك منها فإنما عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب سترة من رعيتك: أطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما لايصح لك ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين: ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك من الفقر ولا جباناً يضعفك عن الأمور ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله: إن شر وزارائك من كان قبلك للأشرار وزيراً ومن شركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فإنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة وأنت واحد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم ممن لا يعاون ظالماً على ظلمه ولا آثماً على إثمه أولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفاً وأقل لغيرك إلفاً فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك: ثم ليكن عندك أقولهم لك بمر الحق وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لأوليائه واقعاً ذلك من هواك حيث وقع: وألصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الإطراء تحدث الزهو وتدني من العزة: ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة وألزم كلاً منهم ما ألزم نفسه: واعلم أنه
ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه للمؤونات عليهم وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن منك في ذلك أمر يجمع لك حسن الظن برعيتك فإن حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً: وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية ولا تحدثن سنة تضر بشيء مما مضي من تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها: وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك وإقامة ما استقام به الناس قبلك: واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الأنصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار وأهل الصناعات ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله سهمه ووضع على حده فريضة في كتابه أو سنة نبيه ( عهداً منه عندنا محفوظاً فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبل الأمن وليس تقوم الرعية إلا بهم ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله تعالى لهم من الخراج الذي يقوون به في جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المقاعد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها ولا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغ رفق غيرهم: ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم وفي الله لكل سعة: ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام
والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزومه الحق والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأطهرهم جيباً وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على كالأقوياء ممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي المروءات والأحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكلام وشعب من العرف: ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من والدهما ولا يتفاقمن من نفسك شيء قويتهم به ولا تحفرن لطفاً تتعاهدهم به وإن قل فإنه داعية إلى بذل النصيحة لك وحسن الظن بك ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالاً على جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعاً به وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه: وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته وأفضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من ورائهم من خلوق أهلهم حتى يكون همهم هماً واحداً في جهاد العدو فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك: وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية وأنه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتههم إلا بحيطتهم على ولاة أمورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم، فافسح في آمالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديل ما أبلى ذوو البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله تعالى: ثم أعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلا ء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيراً ولا ضعة امرئ أن تستصغر من بلائه ما كان عظيماً: واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي
شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ) [النساء: 59] فالرد إلى الله الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة: ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر عن الفيء إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستمليه إغراء وأولئك قليل: ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيح غلته وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة لديك مالاً يطمع فيه
غيره من خاصتك لتأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك فانظر في ذلك نظراً بليغاً فإن هذا الدين قد كان أسيراً في أيدي الأشرار يعمل فيها بالهوى وتطلب به الدنيا ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولاهم محاباة وأثره فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام فإنهم أكرم أخلاقاً واصح أعراضاً وأقل في المطامع إشرافاً وأبلغ في عواقب الأمور نظراً: ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو خانوا أمانتك: ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية وتحفظ من الأعوان فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهداً فبسطت عليه العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله: وليكن نظرك عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً فإن شكوا ثقلاً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحاطة أرض اعتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم: ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلدك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم وتبجحك بى استفاضة العدل فيهم معتمداً فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم فربما حدث من الأمور ما إذا عول فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به
فإن العمران يحتمل ما حملته وإنما يأتي خراب الأرض من أعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لإشراف أو نفس الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم وأخصص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ولا تقصر به الغفلة عن إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على الصواب عنك فيما يأخذ لك ويعطى منك ولا يضعف عقداً اعتقده لك ولا يعجز عن إطلاق ما عقد عليك ولا يجهل مبلغ قدر نفسه في الأمور فإن الجاهل بقدر نفسه يكون بقدر غيره أجهل: ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك فإن الرجال يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم في العامة أثراً وأعرفهم بالأمانة وجهاً فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره واجعل لرأس كل من أمورك رأساً منهم لا يقهره كبيرها ولا يتستت عليه صغيرها ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه ألزمته ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم خيراً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجربها من المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها فإنهم سلم لا تخاف بائقته وصلح لا تخشى غائلته: وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك واعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار فإن رسول الله ( منع منه وليكن البيع سمحاً بموازين عدل واسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف: ثم الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة
لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى فإن في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً واحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كل بلد فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى وكل قد استرعيت حقه فلا يشغلنك عنهم بطر فإنك لا تعذر بتضييعك التافه لأحكامك الكثير المهم فلا تشخص همك عنهم خدك لهم وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحتقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم أعمل فيهم بالأعذار إلى الله سبحانه يوم تلقاه فإن هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في تأدية حقه إليه وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه وذلك على الولاة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود الله لهم: واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فيه لله الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع فإني سمعت رسول الله ( يقول في غير موطن: "لقد تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع" ثم احتمل الخرق منهم والعي وسنح عنهم الضيق والأنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته وبوجب لك ثواب طاعته وأعط هنيئاً وامنع في إجمال وإعذار: ثم أمور من أمورك لا بد لك من مباشرتها منها إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات الناس يوم ورودها عليك مما تحرج به صدور أعوانك وامض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه: واجعل لنفسك فيما بينك وبين الله تعالى أفضل تلك المواقيت وأجزل تلك الأقسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها النية وسلمت منها الرعية: وليكن في خاصة ما تخلص لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فاعط فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت به إلى
الله سبحانه من ذلك كاملاً غير مثلوم ولا منقوص بالغاً من بدنك ما بلغ وإذا قمت في صلاتك للناس فلا تكونن منفراً ولا مضيعاً فإن فيلا الناس من به العلة ولا الحاجة وقد سألت رسول الله ( حين وجهني اليمن كيف اصلي بهم فقال: "صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيماً" وأنا بعد فلا تطولن احتجابك عن رعيتك فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم بالأمور والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الأمور وليست على الحق سمات نعرف بها ضروب الصدق من الكذب وإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه أو فعل كريم تسجيه أو مبتلى بالمنع: فما أسرع كف الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر حاجات الناس إليك مما لا مؤونة فيه عليك من شكاة مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة، ثم إن للوالي خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال ولا تقطعن لأحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة ولا يطعمن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة: وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن في ذلك صابراً محتسباً واقعاً ذلك من قرابتك وخاصتك حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة ذلك محمودة وإن ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك وأعدل عنك ظنونهم بأصحارك فإن في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقاً برعيتك وإعذاراً تبلغ به حاجتك من تقويم على الحق ولا تدفعن صلحاً دعاك ولله فيه رضا فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليغتفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك
حسن الظن وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالأمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر فلا تغدرون بذمتك ولا تخيسن بعهدك ولا تختلن عدوك فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي وقد جعل الله عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته وحريماً يسكنون إلى منعته ويستفيضون إلى جواره فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه ولا تعقد عقداً تجوز فيه العلل ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه كعهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك فيه من الله طلبة فلا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك، إياك والدماء وسفكها بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة زولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير حقها والله سبحانه يتولى الحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأن كفيه قود البلدان وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بعقوبة فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك فإن المن يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق والخلق يوجب المقت عند الله والناس قال سبحانه وتعالى: (كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) [الصف: 3] وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التسقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت فضع كل أمر موضعه وأوقع كل عمل موقعه، وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة والتغابي عما يعنى به مما قد وضح للعيون فإنه مأخوذة منك لاغيرك وعما قليل تنكشف عنك أغطية الأمور وينتصف منك للمظلوم: أملك حمية أنفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة حتى يسكن غضبك فتملك الاختيار وزلن تحكم ذلك من نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا ( أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا واستوثقت به من الحجة لنفسي دليلك لكيلا يكون لك علة عند تسرع نفسك إلى هواها وأنا أسأل الله بسعة رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني وإياك لما فيه رضاه من الإقامة على العذر الواضح إليه وإلى خلقه من حسن الثناء في العباد وجميل الأثر في البلاد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة وإن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة (إِنّآ إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ) [التوبة: 59] والسلام على رسول الله ( الطيبين الطاهرين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:51 am

"وكتب أبو بكر الصديق المتوفي 7 جمادى الثانية سنة 13ه? إلى بعض قواده"
إذا سرت فلا تعنف أصحابك في السير ولا تغضبهم وشاور ذوي الآراء منهم واستعمل العدل وباعد عنك الجور فإنه ما افلح قوم ظلموا ولا نصروا على عدوعم و (إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلّوهُمُ الأدْبَارَ وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرّفاً لّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزاً إِلَىَ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مّنَ اللّهِ) [الأنفال: 15 16] وإذا نصرتم عليهم فلا تقتلوا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا تحرقوا زرعاً ولا تقطعوا شجراً ولا تذبحوا بهيمة إلا ما يلزمكم للأكل ولا تغدروا إذا هادنتم ولا تنقضوا إذا صالحتم وستمرون على أقوام في الصوامع رهبان ترهبوا الله فدعوهم وما انفردوا إليه وارتضوه لأنفسهم فلا تهدموا صوامعهم ولا تقتلوهم والسلام.
 
"وكتب عمر بن الخطاب المقتول في 26 ذي الحجة سنة 23 ه? إلى بعض قواده"
أما بعد فإني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وأن تكون أنت ومن معك أشد احتراساً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة لأن عددنا لتيس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة (وإلا ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا) واعلموا أن عليكم في سيركم حفظه من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، وأقم بمن معك في كل جمعة يوماً وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيهما أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق به، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم ثم أذك أحراسك على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك والله ولي أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم.
"وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة 398ه? إلى ابن أخته"
أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك والمدرسة مكانك والمحبرة حليفك والدفتر أليفك فإن قصرت ولا أخالك فغيري خالك، والسلام.
"ومن وصية ابن سعيد المغربي المتوفي سنة 697ه? لابنه وقد أراد السفر"
أودعكَ الرَّحمنَ في غربتك
 
مرتقباً رجماهُ في أوبتك
 
فلا تطل حبل النّوى إنّني
 
والله أشتاق إلى طلعتك
 
واختصر التّوديعَ أخذاً فما
 
لي ناظرٌ يقوى على فرقتك
 
واجعل وصاتي نصبَ عين ولا
 
تبرح مدى الأيام من فكرتك
 
خلاصة العمر التي حنّكتْ
 
في ساعةٍ زفّتْ إلى فطنتك
 
فللتَّجاريب أمور إذا
 
طالعتها تشحذَ من غفلتك
 
فلا تنمْ عن وعيها ساعةً
 
فإنّها عونٌ إلى يقظتك
 
وكلّ ما كابدتهُ في النّوى
 
إيّاك أن يكسرَ منْ همتك
 
فليس يدرى أصلُ ذي غربة
 
وإنما تعرفُ من شيمتك
 
وامش الهوينا مظهراً عفّةً
 
وابغ رضا الأعين عن هيئتك
 
وانطق بحيثُ الغيُّ مستقبحُ
 
واصمتْ بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه=واقصدْ له ما عشتَ في بكرتك
ووفّ كلاّ حقَّه ولتكن
 
تكسر عند الفخر من حدّتك
 
وحيثما خيَّمت فاقصد إلى
 
صحبة من ترجوه في نصرتك
 
وللرزايا وثبةٌ مالها
 
إلا الذي تذخرُ من عدَِّتك
 
ولا تقل اسلمُ لي وحدتي
 
فقد تقاسي الذل في وحدتك
 
ولتجعل العقلَ محكَّماً وخذ
 
كلاّ بما يظهر في نقدتك
 
واعتبر الناس بألفاظهم
 
واصحبْ أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديقٍ مظهرٍ نصحه
 
وفكرهُ وقفْ على عثرتك
 
إيّاك أن تقربه إنهُ
 
عونٌ مع الدّهر على كربتك
 
وأنُ نموَّ النبت قد زاره
 
غبُّ النَّدى واسمُ إلى قدرنك
ولا تضيّعْ زمناً ممكناً=تذكارهُ يذكي لظى حسرتك والشّرّ مهما استطعتَ لا تأتهِ= فإنهُ جورٌ على مهجتك يا بني الذي لا ناصح له مثلي ولا منصوح لي مثلة قد قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في كل أوان رجوت لك حسن العاقبة إن شاء الله تعالى وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول الأول.
يزينُ الغريبَ إذا ما اغتربْ
 
ثلاثٌ فمنهنّ حسن الأدّب
 
وثانية حسن أخلاقهِ
 
وثالثةٌ اجتنابُ الرّيب
 
واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم الكرم والصبر ولو أن الديار نبت بكم لسكنتم الأخلاق والآدابا.
إذ حسن الخلق أكرم نزيل والأدب أرحب منزل ولتكن كما قال بعضهم في أديب متغرب وكلن كلما طرأ على ملك فكأنه معه ولد وإليه قصد غير مستريب بدهره ولا منكر شيئاً من أمره وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلماً وهب في روض أخلاقه هبوب النسيم وحل بطرفه حلول الوسن وانزل بقلبه نزول المسرة حتى يتمكن لك وداده ويخلص فيك اعتقاده وطهر من الوقوع فيه لسانك وأغلق سمعك ولا ترخص في جانبه لحسود لك منه يريد إبعادك عنه لمنفعة أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك ومع هذا فلا تغتر بطول صحبته ولا تتمهد بدوام رقدته فقد ينبهه الزمان ويتغير نته القلب واللسان وإنما العاقل من جعل عقله معياراً وكان كالمرأة يلقى كل وجه بمثاله: وفي أمثال العامة من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل فاحتذ بأمثلة من جرب واستمع إلى ما خلد الماضون بعد جهدهم وتعبهم من الأقوال فإنها خلاصة عمرهم وزبدة تجاربهم ولا تتكل على عقلك فإن النظر فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غالياً بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصاً، وإن رأيت من له عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه ولا تضيع قوله ولا فعله فإن فيما تلقاه تلقيحاً لعقلك وحثاً لك واهتداء وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن تتبعه حتى تتدبره فإن كان موافقاً لعقلك مصلحاً لحالك فراع ذلك عندك وإلا فانبذه نبذ النواة فليس لكل أحد يبتسم ولا كل شخص يكلم ولا الجود مما يعم به ولا حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد والله در القائل:
وماليَ لا أوفى البريّة قسطها
 
على قدرِ ما يعطي وعقلي ميزانُ
وإياك أن تعطي من نفسك إلا بقدر فلا تعامل الدون بمعاملة الكفء ولا الكفء بمعاملة الأعلى ولا تضيع عمرك فيمن يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة حاضرة عاجلة بغائبة آجلة ولا تجف الناس بالجملة ولكن يكون ذلك بحيث لا يلحق منه ملل ولا ضجر ولا جفاء فمتى فارقت أحداً فعلى حسنى في القول والفعل فإنك لا تدري هل أنت راجع إليه فلذلك قال الأول (ولما مضى سلم بكيت على سلم) وإياك والبيت السائر.
وكنتَ إذا حللتَ بدارِ قومٍ
 
رحلتَ بخزيةٍ وتركتَ عارا
واحرص على ما جمع قول القائل ثلاثة تبقي لك الود في صدر أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب الأسماء إليه واحذر كل ما بينه لك القائل: كل ما تغرسه تجنيه إلا ابن آدم فإذا غرسته يقلعك وقول الآخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع القوة، وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل اختباره. ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل صحبته فجاوبه أن الصحبة رق ولا أضع رقي في يديك حتى أعرف كيف ملكتك واستمل من عين من تعاشره وتفقد في فلتات الألسن وصفحات الأوجه ولا يحملك الحياء على السكوت عما يضرك أن لا تبينه فإن الكلام سلاح السلم وبالأنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر أخذت فيه غاية يجعلها نهاية لك.
وخذْ من الدّهر ما أتاك به
 
من قرّ عيناً بعيشه نفعه
 
غذ الأفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملازمة القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به الصاحب ويشمت العدو والمجانب ولا تضر بالوساوس إلا نفسك لأنك تنصر بها الدهر عليك، ولله در القائل:
إذا ما كنتَ للأحزان عوناً
 
عليك مع الزمان فمن تلوم
مع انه لا يرد عليك الغائب الحزن ولا يرعوي بطول عتبك الزمن.
ولقد شاهدت بغرظ ناطة شخصاً قد ألقته الهموم وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره لا تراه أبداً خلياً من فكرة حتى لقب "بصدر الهم" ومن أعجب ما رأيته منه أنه يتنكد في الشدة ولا يتعلل بأن يكون بعدها فرج ويتنكد في الرخاء خوفاً من أن لا يدوم. وينشد: "توقع زوالاً إذا قيل تم" وينشد "وعند التناهي يقصر المتطاول".
وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا عمره محسور يمر ضياعاً، ومتى رفعك الزمان إلى قوم يذمون من العالم ما تحسنه حسداً لك وقصداً لتصغير قدرك عندك وتزهيداً لك فيه فلا يحملك ذلك على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه فبقي مخبل المشي كما قيل:
إن الغراب وكان يمشي مشيةً
 
فيما مضى من سالف الأجيال
حسدّ القطا وأرادَ يمشي مشيها
 
فأصابه ضربٌ من العقَّال
 
فأضلَّ مشيته وأخطأ مشيها=فلذلك كنَّوهُ أبا مرقال ولا يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول ما بقي في الدنيا كريم ولا فاضل ولا مكان يرتاح فيه فإن الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن صحبه الحرمان واستحقت طلعته للهوان وأبرموا على الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب الأمور من وجوهها فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وأقاموا الأعذار لأنفسهم بقطع أسبابهم ولا تزل هذين البيتين من فكرك.
لنْ إذا ما نلتَ عزَّا
 
فأخو العزّ يلين
 
فإذا نابكَ دهرٌ
 
فكما كنتَ تكون
 
والأمثال تضرب لذب اللب الحكيم وذوا البصر يمشي على الصراط المستقيم والفطن يقنع بالقليل ويستدل باليسير والله سبحانه خليفتي عليك لا رب سواه.
"وصية هارون الرشيد لمعلم ولده الأمين"
يا احمر: إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك واجبة فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته بتعظيم بني هاشم إذا دخلوا عليم ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.
"ومن وصية ابن شداد لابنه"
عليك بتقوى الله العظيم وليكن أولى الأمور شكر الله وحسن النية في السر والعلانية فإن الشكور يزداد والتقوى خير زاد وكن كما قال الحطيئة:
ولستُ أرى السّعادةَ جمعَ مالٍ
 
ولكنّ التّقيّ هو السّعيدُ
 
وتقوى الله خير الزّاد ذخراً
 
وعندَ الله للأتقى مزيدُ
 
ثم قال: أي بني لا تزهدن في معروف فإن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب على الشاهد والغائب فكم من راغب قد كان مرغوباً إليه وطالب أصبح مطلوباً ما لديه: واعلم أن الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان يرى الهوان.
ثم قال: أي بني كن جواداً بالمال في موضع الحق. بخيلاً بالأسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر وأن أحمد بخل الحر الضن بمكتوم السر وكن كما قال قيس بن الخطيم:
أجودُ بمكنون التِّلاد وإنّني
 
بسرّك عمّن سالني لضنينُ
 
إذا جاوزَ الإثنين سرُّ فإنه
 
بنث وتكثير الحديث قمين
 
وعندي له يوماً إذا ما ائتمنتني
 
مكانٌ بسوداء الفؤاد مكين
ثم قال: أي بني وإن غلبت يوماً على المال فلا تدع الحيلة على حال فإن الكريم يحتال والدنيء عيال وكن أحسن ما تكون في الظاهر حالاً أقل ما تكون في الباطن مالاً فإن الكريم من كرمت طبيعته وظهرت عند الأنفاذ نعمته.
ثم قال: أي بني وإن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك لست بالشاهد فإنك إن أمضيتها حيالها رجع العيب على من قالها وكان يقال الأريب العاقل هو الفطن المتغافل.
 
"وصية بعض نساء العرب إلى ابنها وقد أراد السفر"
قال أبان بن تغلب وكان عابداً من عباد أهل البصرة شهدت أعرابية وهي توصي ولداً لها يريد سفراً وهي تقول له.
أي بني أجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك. فقال أبان فوقفت مستمعاً لكلامها مستحسناً لوصيتها فإذا هي تقول. أي بني إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً وخليق ألا يثبت الغرض على كثرة السهام. وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته. وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. وإذا هززت فاهزز كريماً يلن لهزتك ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا ينفجر ماؤها ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء لا يرى عيب نفسه ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جميع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها.
الفصل الثاني عشر في رسائل التنصل والتبرؤ
"كتب أبو الحسن علي بن الرومي المتوفي سنة 284ه? إلى القاسم بن عبيد الله"
ترفع عن ظلمي إن كنت بريئاً وتفضل بالعفو إن كنت مسيئاً فو الله إني لأطلب عفو ذنب لم اجنه وألتمس الإقالة مما لا أعرفه لتزداد تطوالاً وأزداد تذللاً وأنا أعيذ حالي عندك بكرمك من واش يكيدها وأحرسها بوفائك زمن باغ يحاول إفسادها وأسأل الله تعالى أن يجعل حظي منك بقدرودي لك ومحلي من رجالك بحيث استحق منك.
"وكتب أبو الوليد بن زيدون المتوفي بأشبيلية سنة 463ه?"
يا مولاي وسيدي الذي ودادي له واعتمادي عليه واعتدادي به وامتدادي منه ومن أبقاه الله ماضي حد العزم وأرى زند الأمل ثابت عهد النعمة إن سلبتني أعزك الله لباس نعمائك وعطلتني من حلى إيناسك وأظمأتني إلى برود إسعافك ونفضت بي كف حياطتك وغضضت عني طرف حمايتك بعد أن نظر الأعمى إلى تأميلي لك وسمع الأصم ثنائي عليك وأحس الجماد باستحمادي إليك.
فلا غزو قد يغض الماء شاربه ويقتل الدواء المستشفى به ويؤتى الحذر من مأمنه وتكون منية المتمني في أمنيته والحين قد يسبق جهد الحريص.
كلُّ المصائبِ قد تمر?ُ على الفتى
 
وتهون غير شماتةِ الحسَّادِ
 
وإني لأتجلد وأرى للشامتين أني لريب الدهر لا أتضعضع فأقول هل أنا إلا يد أدماها سوارها وجبين عض به إكليله ومشرفي ألصقه بالأرض صاقله وسمهري عرضه على النار مثقفه وعبد ذهب به سيده مذهب الذي يقول:
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازماً
 
فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
 
هذا العتب محمود عواقبه وهذه النبوة غمرة ثم تنجلي وهذه النكبة سحابة صيف عن قليل تقشع ولن يربيني من سيدجي إن أبطأ سبييه أو تأخر غير ضنين غناؤه فأبطأ الدلاء فيضاً أملؤها وأثقل السحائب مشياً أحفلها وأنفع الحيا ما صادف جدباً وألذ الشراب ما أصاب غليلاً ومع اليوم غد و (لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ) [الرعد: 38] له الحمد على اهتباتله ولا عتب عليه في اغتفاله.
فإن يكن الفعلُ الذي ساءَ واحداً
 
فأفعالهُ اللائي سررنَ ألوفُ
وأعود فأقول ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك والجهل إلي لم يأت من ورائه حلمك والتطاول الذي لم تستغرقه تطولك والتحامل الذي لم يف به احتمالك ولا أخلو من أن أكون بريئاً فأين عدلك أو مسيئاً فأين فضلك.
ألاَّ يكن ذبنٌ فعدلك واسعٌ
 
أو كان لي ذنبٌ ففضلك أوسع
 
فهبني مسيئاً كالذي قلت طالباً
 
قصاصاً فأين الأخذ يا عزّ بالفضل
حنانيك قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى وما أراني إلا لو أمرت بالسجود لآدام فأبيت واستكبرت.
وقال لي نوح اركب معنا فقلت سآوي إلى جبل يعصمني من الماء وأمرت ببناء صرح لعلي أطلع إلى إله موسى وعكفت على العجل واعتديت في السبت وتعاطيت فعقرت وشربت من النهر الذي ابتلى به جيوش طالوت وقدت الفيل لأبرهة وعاهدت قريشاً على ما في الصحيفة وتأولت في بيعة العقبة واستنفرت إلى العير ببدر وانخذلت بثلث الناس يوم أحد وتخلفت عن صلاة العصر في بني قريظة وجئت بالإفك على عائشة الصديقية وأنفت عن إمارة أسامة وزعمت أن خلافة أبي بكر كانت فلتة ورويت رمحي من كتيبة خالد ومزقت الأديم الذي باركت يد الله عليه وضحيت بأشمط عنوان السجود به وبذلت لقطام.
ثلاثة آلافٍ وعبدٌ وقينةٌ
 
وضربُ عليّ بالحسامِ المسمَّمِ
وكتبت إلى عمر بن سعد أن جعجع بالحسين وتمثلت عندما بلغني من وقعة الحرة.
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
 
جزع الخزرج من وقع الأسل
ورجمت الكعبة وصلبت العائذ على الثنية لكان فيما جرى علي ما يحتمل أن يكون نكالاً ويدعى ولو على المجاز عقابا.
وحسبك من حادث بازمرئٍ
 
ترى حاسديهِ له راحمينا
 
فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح ونبأ جاء به فاسق وهم المهمازون المشاؤون بنميم والواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العصا والغواة الذين لا يتركون أديماً صحيحاً والسعاة الذين ذكرهم الأحنف بن قيس فقال ما ظنك بقوم الصدق محمود إلا منهم.
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً
 
وليسَ وراءَ الله للمرءِ مذهبُ
والله ما غششتك بعد النصيحة ولا انحرفت عنك بعد الصاغية إليك ولا نصبت لك بعد التشيع فيك ولا أزمعت يأساً منك مع ضمان تكلفت به الثقة عنك وعهد أخذه حسن الظن عليك ففيم عبث الجفاء بأذمتي وعاث العقوق في مواتى وتمكن الضياع من وسائلي ولم ضاقت مذاهبي وأكدت مطالبي وعلام رضيت من المركب بالتعليق بل من الغنيمة بالإياب وأنى غلبني المغلب وفجر على العاجز الضعيف ولطمتني غير ذات سوار.
ومالك لم تمنع من قبل أن أفترس وتدركني ولما أمزق.
أم كيف لا تضطرم جوانح الأكفاء حسداً لي على الخصوص بك وتنقطع أنفاس النظراء منافسة لي على الكرامة فيك وقد زانني اسم خدمتك وزهاني وسم نغمتك وأبليت البلاء الجميل في سماطك وقمت المقام المحمود على بساطك.
ألستُ الموالى فيك غرّ قصائد
 
هي الأنجمُ اقتادت مع الليلي أنجما
ثناءٌ يظلُّ الروض منه منوراً
 
ضحّى ويخال الوشى فيه منمنما
 
وهل لبس الصباح إلا برداً طرزته بفضائلك وتقلدت الجوزاء إلا عقداً فصلته بمآثرك واستملى الربيع إلا ثناء أملأته في محاسنك وبث المسك إلا حديثاً أذعته في محامدك (ما يوم حليمة بسر) وإن كنت لم أكسك سليباً ولا حليتك عطلاً ولا وسمتك غفلاً بل وجدت آجراً وجصاً فبنيت ومكان القول ذا سعة فقلت حاشا لك أن أعد من العاملة الناصية وأكون كالذبابة المنصوبة تضيء للناس وهي تحترق (فلك المثل الأعلى) وهو بك وبي وفيك أولى ولعمرك ما جهلت أن (صريح الرأي) أن أتحول إذا بلغتني الشمس (وبنا بي المنزل) واصفح عن المطامع التي تقطع أعناق الرجال فلا (استوطئ العجز) ولا أطمئن إلى الغرور. ومن الأمثال المضروبة: خامري أم عامري.
وإني مع المعرفة أن الجلاء سباء والنقلة مثلة.
ومن يغتربْ عن قومه لم يزل يرى
 
مصارعَ مظلوم مجرا مسحبا
 
ويدفن منه الصالحات وإن يسيء
 
يكن ما أساء النار في راس كبكبا
عارف أن الأدب الوطن لا يخشى فراقه والخليط لا يتوقع زياله والنسيب لا يخفى والجمال لا يجفى.
ثم ما قران السعد بالكواكب أبهى أثراً ولا أثنى خطراً من اقتران غنى النفس به وانتظامها نسقاً معه فغن الحائز لهما الضارب بسهم فيهما "وقليل ما هم" أينما توجه ورد منهل بر وحط في جناب قبول وضوحك قبل إنزال رحلة وأعطى حكم الصبي على أهله.
وقيلَ له أهلاً وسهلاً ومرحبا
 
فهذا مبيتٌ صالحٌ ومقيل
 
غير ان الوطن محبوب والمنشأ مألوف واللبيب يحن إلى وطنه النجيب إلى عطنه والكريم لا يجفوا أرضاً بها قوابله ولا ينسى بلداً فيها مراضعه، قال الأول:
أحبّ بلادَ الله ما بين منعجٍ
 
إليّ وسلمى أن يصوبَ سحابها
بلاد بها حلّ الشّباب تمائمي
 
وأوّل أرضٍ مسّ جلدي ترابها
 
هذا إلى مغالاتي بعقد جوارك ومنافستي بلحظة من قربك واعتقادي أن الطمع في غيرك طبع والغنى ممن سواك عناء والبدل منك أعور والعوض لفاء وكل الصيد في جوف الفرا.
وإذا نظرتُ إلى أميري زادني
 
ضنَّا بهِ نظري إلى الأمراء
 
وفي كل شجر نار وأستمجد (المرخ والعهفار) فما هذه البراءة ممن يتولاك والميل عمن لا يميل عنك وهلا كان هواك فيمن هواه ورضاك فيمن رضاه لك.
يا من يعزُّ علينا أن نفارقهم
 
وجداننا كلَّ شيء بعدكم عدمُ
أعيذك ونفسي من أن أشيم خلباً وأستمطر جهاماً وأكدم في غير مكدم وأشكو شكوى الجريح إلى الغربان والزخم فما أبسست لك إلا لتدر ولا حركت لك الحوار إلا لتحن ولا نبهتك إلا لأنام.
ولا سريت إليك إلا لأحمد السرى لديك.
وإنك إن سنيت عقد أمري تيسر ومتى أعذرت في فك أسري لم يتعذر وعلمك محيط بأن المعروف ثمرة النعمة والشفاعة زكاة المروءة وفضل الجاه يعوذ به صدقه.
وإذا امرؤٌ أهدى إليك صنيعةً
 
من جاهله فكأنّهامن ماله
لعلي ألقي العصا بذارك وتستقر بي النوى في ظلك وأستأنف التأديب بأدبك والاحتمال على مذهبك فلا أوجد للحاسد مجال لحظة ولا أدع للقادح مساغ لفظه.
والله ميسرك من إطلابي بهذه الطلبة وإشكائي من هذه الشكوى بصنيعة تصيب منها مكان المصنع وتستودعها أحفظ مستودع حسبما أنت خليق له وأنا منك حري به وذلك بيده وهين عليه.
?مكاتبات متفرقة
"كتب الدولة العلية العثمانية إلى إحدى الدول الأوروبية"
أيها الوزير الأفخم: إن لفظة (تقسيم تركيا) إفك لا يفوه به عاقل ولا يتصوره إنسان تكاد تنفطر له السماء دهشة وترتج له الأرض وحشة بل تخر دونه الجبال وتنفك عنده الآمال كأن أوروبا تستطيعه ولكنها لم تفعله: ولن تفعله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً فقل: (اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26] تقسم تركيا كلمة ليست اكبر من أوروبا فقط بل هي أكبر من منظومة هذا العالم الشمسي الذي تراه أو تسمع به إن كنت لا تراه فلا يليق أن يفوه به إلا فم القدرة الإلهية (قَآئِمٌ عَلَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ) [الرعد: 33] (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21] تقسيم تركيا ربما يكون ولكن متى يكون؟ يكون حينما يتحلى وجه البسيطة بدمائنا الطاهرة الزكية يوم ترى الأرض لابسة تلك الحلة الأرجوانية الثمينة حيث تتمشى الدماء على فيروزج الفضاء محاطة كواكب الوجود بكتائب جنود العدم المطلق: لا أرض لمن تقل ولا سماء لمن تظل ولا قائم موجود ولا دائم مقصود، هنالك تتحدث شياطين الخيال في أندية المحال بحديث ذلك التقسيم المشؤوم ولا من سميع ولا من مجيب فالويل ثم الويل يوم ذلك التقسيم الموهوم والثبور ثم الثبور إذا تنزلت السماء بقضاء ذلك الهول المقسوم: إن في
ذلك لبلاغاً يتفكرون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

    اللغة العربية - الماضي والحاضر Empty
مُساهمةموضوع: رد:     اللغة العربية - الماضي والحاضر       اللغة العربية - الماضي والحاضر Emptyالإثنين 15 فبراير 2016, 8:51 am

"وكتب ابن العميد المتوفى سنة 360ه? في شكر صديق له على مراسلته إياه"
وصل ما وصلتني به جعلني الله فداك من كتابك بل نعمتك التامة ومنتك العامة فقرت عيني بوروده وشفيت نفسي بوفوده ونشرته فحكى نسيم الرياض غب المطر وتنفس الأنوار في السحر وتأملت مفتتحه وما اشتمل عليه من لطائف كلمم وبدائعه حكمك فوجدته قد تحمل من فنون البر عنك و ضروب الفضل منك جداً وهزلاً ملأ عيني وغمر قلبي وغلب فكري وبهر لبي فبقيت ا أدري أسموط در خصصتني بها أم عقود جوهر منحتنيها ولا أدري أجدك أبلغ وألطف أم هزلك أرفع وأظرف وأنا أوكل بتتبع ما انطوى عليه نفساً لا ترى الحظ إلا ما اقتنته منه ولا تعد الفضل إلا فيما أخذته وأمتع بتأمله عيناً لا تقر إلا بمثله مما يصدر عن بدك ويرد من عندك وأعطيه نظراً لا يمله وطرفاً لا يطردونه، وأجعله مثالاً أرتسمه وأحتذيه وأمتع خلقي برونقه وأعذي نفسي ببهجته وأمزج قريحتي برقته وأشرح صدري بقراءته ولئن كنت عن تحصيل ما قلته عاجزاً وفي تعديد ما ذكرته متخلفاً لقد عرفت أن ما سمعت به منه السحر الحلال.
"وكتب السيد توفيق البكري في سفراه إلى الآستانة العلية"
كتابي إلى السيد الأجل وأنا أحمد الله إليه وأدعوه أن يديم النعمة والسلامة عليه، وبعد: فلما اعتزمت عى الرحلة هذا العام إلى قبة السلام ودا خلافة الإسلام وفارقت مصر وساكنها وأرباضها ومواطنها ركبت سفينة عدولية إلى الثغور الفرنجية فجرت في خضم عجاج ملتطم الأمواج لع دوي من جرجرة الآذي أخضر الجلد كأنه إفرند تصطخب فيه النينان وتجري لفي جوفه الدعاميص، والحيتان إذا ما زحه الأصيل وبالعشي خلته كسرت، عليه الحلي أو مزج بالرحيق القطربلي وإن لاحت به نجوم السماء خلته صفائح من فضة بيضاء سمرت بمسامير صغار من نشضار وأخذت السفينة تشق عبابه وتفلق حبابه بين ريح رخاء أو زعزع هوجاء فهي تارة في طريق معبد ورةميث مسرد وطوراً فو حزن وردد أو على صرح ممرد وطان معنا في الفلك رهط من العرب والترك فكنا نتوار د معهم جوائب الأخبار وطرف الأحاديث والأسمار ما يزري بالمنهل العذب واللؤلؤ الرطب إلى أن يميل ميزان وتغرق ذكاء في البحار ويمسي الكون من السواد في لبوس حديد أو لباس حداد وتبرق ونجوم السماء في أكناف الظلماء كأنها سكاك دلاص أو فلق رصاص أو عيون جراد أو جمر في خلال رماد أو در في بحر أو ثقوب في قبة الديجور يلوح منها النور ويبدو الهلال كأنه خنجر من ضياء يشق طياليس الظلماء أو قلادة أو دنملج غادة أو سنان لواه الضراب أو الليل فيل وهو ناب فنأخذ مجلساً نسمه الكافور وأرضه عنبر مذور رقمت فيه زرابي مثبوتات ومنابذ وحسبانات وأنماط مفروشة وأبسط منقوشة.
بسط أجادَ الرسمَ صانعها
 
وزها عليه النقشُ والشكلُ
فيكاد يقطف من أزهارها
 
ويكاد يسقط فوقها النحلُ
وحوله شموع تزهر وأضواء تبهر وقد دارت عليه سقاة جماع الثريا بأقداح الحميا وأكواب الفانيذ المروق وقوارير الجلاب المصفق ثم تجيء قينة في يدها ناي كأنه صور إسرافيل يحيي الرفات وينشر الأموات حتى إذا بدا الضياء كابتسام الشفة اللمياء دخلنا المضجع لنهجع وهلّم جراً في أيامنا الأخرى إلى أن وطئنا أرض القوم بعد ثلاثة أيام وبعض يوم فلما أضحت مرأى عين كبرنا تكبر ابن الحسين.
كبرتُ حول ديارهم لما بدت
 
منها الشموس وليس فيها المشرق
وراقنا ما رأينا من عمران وحضارة ورفهينة وشارة وزراعة وصناعة وتجارة وضخامة وسلكان بنيان وجواد كالأودية بين الأطواد وكأنما الناس في المدينة احتفلوا ليوم الزينة أو هم لكثرة الحركة منهزموا معركة ىفيهم غادون ورائحون زرافات ووحداناً إناثاً وذكراناً وقد لبثنا في تيك البلدان هنيهة من الزمان نتقلب في جنباتها ونتنقل في أنحائها وجهاتها إلى أن قدمنا القسطنطينية إيوان الخلافة الإسلامية وعش الدعوة المحمدية فإذا النعيم والملك الكبير والجنةوالحرير وإذا بقعة أطيب الأرضين رقعة وأمرعها نجعة وقد اعتلت منائرها في الفضاء وحلقت قصورها بالسماء فلبست أردية الغيوم وتقلدت عقود النجوم ولاحت مقاصيرها البيضاء في أكنافها الخضراء وجرى بينها خليج الماء فكأنها النجوم والمجرة والسماء واكتظت نواحيها بالآثار وحشدت بالجوامع الكبار ناهيك "بأيا صوفية" وما أدراك ما "أيا صوفية" هو بنية تعلوها شرافات علية وقبة ضخمة جوفاء كأنها قبة السماء وأرض تلك البنية كالماوية من مرمر ألاق ذي بصيص براق وافيها دعائم كل دعامة كالحق واستقامة وبها محاريب وحنايا وأقبية زوايا ومنبر كأنه أريكة سلطان في الخورنق أو غمدان هذا وقد نزلت من كنف أمير المؤمنين وخليقة رب العالمين ىفي دار السعادة ومرع الفضل والمجاد ومطلع الجود وفل السعود وحظيرة لنع ومشعر الهمم وأقمت ضيفاً تعند السيد السند الهزبري النضد تاج آل محمد السيد فلان في عصابة من الصوابة لاعيب فيهم غير أنهم ينسون الغريب وطنه وحامته وسكنه لهم أعراق عربية وأخلاق هاشمية وحماس وسماح كالماء والراح ولم أكد ألقي العصا وتستقر بين النوى حتى جاءني سلام من أمير المؤمنين خلته السلام الذي ذكره في قوله تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ) [الحجر: 46].
"كتبت السيدة وردة اليازجية إلى السيدة عائشة تيمور المتوفاة سنة 1300ه?"
سيدتي ومولاتي: أعرض أنني بينما أنا ألهج بذكر ألطافكم السنية أتنسم شذا أنفاسكم العبقرية وأترقب لقاء أثر من لدنكم يتعللل به الخاطر ويكتحل بإثمد مداد الناظر.
وصلتني مكاتبكم فجلت العين أقذاءها وردت إلى النفس صفاءها فتناولتها بالقلب لا بالبنان وتصفحت ما في طيها من سحر البيان، فقلت:
هذا الكتابُ الذي هامَ الفؤاد به
 
يا ليتني قلمٌ لفي كفّ كاتبه
 
ولعمري إنه كتاب حوى بدائع المنثور والمنظوم وتحلى من درر الفصاحة فأخجلت لديه دراي النجوم وقد تطفلت على مقالكم العالي بهذا الجواب ناطقاً بتقصيري وضمنته من مدح سجاياكم الغراء وما يشفع لدى مكارمكم في قبو معازيري لا زلتم للفضل معهدناً وذخر اً وللأدب كنزاً وفخراً.
?"وكتبت السيدة عائشة تيمور إلى السيدة وردة اليازجية المتوفاة سنة 1313ه?"
استهل براعة سلام مل الشوق وتقلد الشقق ما نشقت ناشقة عف الوداد كفالته ورضيت المجال في صدق المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه وأقام بأداء التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد توجته أزهار الثناء بلآلئ غراء كللته زواهر الوفاء من خالص الوداد إلى حضرة من لا تزال تستروح الأسماع بنسيم أنبائها صباح مساء، وتتشوق الأرواح إلى استطلاع بدر إنسانها الكامل أطرافاً وآناء، ومما زادني شوقاً إلى شوق حتى لقد شبّ فيه طفل الشفق تعن الطوق اجتلائي حديقة "الورد" القدسية ونافجة الأدب المكية فيالها من حديقة رقمتها أحداق الأذهان فاقتبست نوراً وانشقتها مسام الآذان فثملت طرباً وسروراً ومنذ سرحت في أرجاء تلك اليانعة إنان العيون وشرحت بأفكار البصيرة أسرار ذلك الدر المصون لم أزل بين طرب أتوشح وأدب أتعجب من حسن اختتامه وافتتاحه وجعلت أغازل من نرجس تلك الروضة تعيوناً ملكت مني الحواس وهصرت من غصون ألفاتها كل ممشوق أهيف مياس وأتأدب في حضرة وردها خوفً من شوكة سلطانها وأن حياتي بجميل الالتفات ضاحكة عن نفس جماثة وإذا بالياسمين الغض قد ألقى نفسه على الثرى ونادى بلسان الإفصاح هل لهذه النضرة نظيرة يا ترى فأشار المنثور بكفه الخضيب أن لا نظير لتك الغادة ونطق الزنبق بلسان البيان لا تكتموا الشهادة فعد ذلك صفق الطير بأكف الأجنحة وبشر وجرى الماء لإذاعة نبأ السرور فعثر بذيل النسيم وتكسر وتمايل أغصانها المورقة لسماع هذا الحديث وأخذت نسماتها العاطرة في السير الحثيث إذاعة لتلك البشائر في العشائر ونشراً لهذه الفضائل التي سارت مسير المثل السائر فقلت بلسان الصادق الأمين بعد تحقق هذا النبأ اليقين هكذا وهكذا تكون الحديقة وإلا وكذلك كذلك لتكتب الفضائل وتملي.
وحدثني يا سعد عنهم فزدتني
 
غراماً فزدني من حديثك يا سعدُ
فتحمل عني أيها الصديق تحية إلى ربة هاتيك الحديقة واشرح لديها حديث شغفي بفضلها الباهر على الحقيقة وأعتذر عن كتابي هذا فقد جاء يمشي على استحياء وكلما حركة الشوق يبطئه الحياء وكيف وقد حل في منيع الفضائل والمقام الذي لم يدع مقالاً لقائل فكأني إما أهدي الثمر إلى هجر وأمنح البحر الخضم بالمطر أدام الله معالي تلك الحضرة وزادها في كل حال بهجة ونضرة ما لاح جبين وبلغ غاية الكمال.
?"وكتب السيد عبد الله النَّدي المتوفى سنة 1314ه?"
أستاذي وقدوتي وملاذي وعمدتي، ربيت فأحسنت وغذيت فأسمنت مؤدباً ليثا ولنت فسودت وجدت فعودت مهذباً غيثاً وعلمت فأفهمت وأشرت فألهمت غرض سهمك وقد نلت ما أملت فيمن تعليه عولت حسن فهمك.
غلامك الشهيرُ بالنّديم
 
منْ صار في البيان كالنّسيم
وكيف لا يكون لساني قوس البديع وكلامي السهم السريع وأنت باريه وراميه أم كيف لا يكون مقامي الحصن المنيع وقدري العزيز الرفيع وأنت معليه وبانيه وفوجه جمال العلم أنت غرته وإنسان عين العلم أنت قرته وحاليه وجاليه وجبين العقل أنت طرته وكتاب الفضل أنت صورته وطاليه وتاليه.
على بابك العالي من الفضل رايةٌ
 
على رأس أرباب المعارف تخفقُ
 
فعلمك جناتٌ من الفضل رايةٌ
 
وكلك خبراتٌ وغيثك مغدقٌ
 
أرى غصن من يدعو إلى الفضل نفسه
 
من الفضل عرياناً وغصنك مورقٌ
 
إذا رمت إنشاء فعن صدق فكرة
 
تهادى بأبكار وغيرك يسرق
 
"وكتب أيضاً في التوادد"
بينما أنا راكب لجة بحر الفكر مجد في طلب فريدة بكر تارة أغوص ومرة أسبح وآونة أقف وطوراً أصفح لا يقر لي قرارا ولا يمكنني الفرار ولا يقصر عن طرح شباكي ذراعٌ ولا يطوى لسفينتي شراع كلما أدركني الملل هاجت عليّ رياح الأمل حتى دخلت في بحر عجاج متلاطم الأمواج فاقتحمت هذا المركب الصعب وتهت بين الجزائر والشعب فتعلقت أفكاري بالسواري والحبال وبت بليلة نجومها كواحل لا يرى فيها بر ولا سواحل وقلت اشتداد الأمر يستدعي ضده ولا يأتي الفرج إلا بعد الشدة، وعينيك ما سل سيفها على مفرق مساها حتى سمعت (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ) [هود: 41] فكان من تمام حظي وسعودي أن تركت لجنة اليم (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ ) [هود: 44] وتنصرف خوفي وارتباكي وبادرت بطرح شباكي فإذا هي قد ملئت بأصداف الجوهر وعلقت بها شجرة العنبر فتفتح الصدف عن در يستخدم الأقمار وفاح العنبر بما أذهب شذى الأزهار.
وصرت ما بينها كسرى الزمان له
 
شمسٌ تنادمه في مجلس عطر
 
ونلت أقصى أمان كنت آملها
 
الأنس في خلدي والنور في نظري
ولما جلوت الطرف بما فيها من الظرف ووقعت ندي الموقع الحسن أردت أن أسومها بثمن فإذا هي درة يتيمة لا يقدر لها أحد على قيمة فاستهديتها من ربها لشغفي بحبها وجعلت القلب لها كنزاً والفؤاد لها حرزاً ألا وهي محة العزيز الحافظ أبدع مرئي وأبلغ لافظ.
"وكتب إبراهيم بك المويلحي المتوفى سنة 1323 يعزي محمود باشا البارودي"
أنت فوق أن تعزى عن الأحبا
 
ب فوق الذي يعزيك عقلا
 
وبألفاظك اهتدي فإذا عزا
 
ك قال الذي له لت قبلا
 
وقتلت الزمان علماً فما يغ
 
رب قولاً ولا يجدد فعلا
نعم إن يا "محمود" الخصال و"سامي" الفعال لأنت الشهم المجرب لصروف الحدثان والعالم الخبير بأحوال الزمان قد أعددت لنوازل المقدور نزلاً من الصبر المأجور وصرفت ضيف الشجون والهموم إلى قرى الفضائل العلوم وأخذت من المصاب العظيم بسيرة ذاك الفيلسوف الحكيم بين هو جالسٌ يوماً في الدرس بين تلاميذه إذ جاءه من أخبره بأن ابنه الوحيد مات وهو رطب الشباب غض العمر فلم يتوله الفزع ولم يظهر عليه الاضطراب ولم يبد على وجهه الكدر وما زاد على أن استرجع واستمر في قراءة درسه كما كان فلما انتهى منه بادر أحد الحاضرين من أصحابه ممن حيرتهم الدهشة في أمره ويسأله كيف لم يسله الحزن ثوب الثبات برهة مفاجأته بالخبر فقال له: "لو فاجأتني النازلة على غرة مني لجزعت وحزنت ولكني ما وزلت أقدر لابني منذ يوم ولادته حلول أجله كل يوم من أيام حياته ولمثل هذا اليوم كنت أعده من زمان طويل وكان كلما مضى عام من أعوام اعتبرته خلسة اختلسها من الدهر حتى مضى على هذه العارية عشرون عاماً فشكري لله اليوم على أن أبقاها في يدي و لهذه المدة يوم مقام الحزن عند غير لدى استرداها" وعن النبي صل الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول أقبضتم ثمرة قلبه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" وأنت يا محمود صلوات الله عليك ورحمته لقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثّمَرَاتِ وَبَشّرِ الصّابِرِينَ {155} الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولََئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مّن رّبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولََئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155 157] أول من يمثل لحكم القضاء ويسترجع عنه نزول
البلاء ويعمل بأدب الدين في التجلد والتصبر ويأخذ بسيرة الحكماء في التدبر والتبصر.
ومن كان ذا نفس كنفسك حرة
ففيه لها مغنٍ وفيها له مسلْ
لقراءة تتمة الكتاب (الجزء الأول من جواهر الأدب)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
    اللغة العربية - الماضي والحاضر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الإنعاش القلبي الرئوي بالمملكة العربية السعودية - الماضي والحاضر والمستقبل
» عمل المرأة بين الماضي والحاضر
» قانون العشائر.. بين الماضي والحاضر
» الأسرة الفلسطينية بين الماضي والحاضر
» قطوف اقتصادية من الماضي والحاضر (PDF)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: علماء وادباء-
انتقل الى: