حازم عياد
القدس رهانات مقلقة
التاريخ:1/10/2015 - الوقت: 12:19ص
أصبح مشهدا مألوفا اقتحام المستوطنين المسجد الاقصى، وباتت الإدانات العربية والتصريحات باهتة وغير مؤثرة في المشهد اليومي، اذ لم تنجح كل الدعوات والتصريحات في وقف الهجمة التي يقوم بها الكيان الاستيطاني في القدس، الصورة ذاتها تم تأكيدها في خطابات الزعماء والرؤساء في الامم المتحدة بل في لقاءاتهم الجانبية، فالقدس لم تكن على سلم الأولويات، فاهتمام وسائل الاعلام انصب على مؤتمر مكافحة الارهاب الذي ترأس جلساته الرئيس الامريكي اوباما، وكان لافتا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا «كاميرون» حول الارهاب، في تعليقه على قول «بارك» ظاهرة لا تخص المسلمين وهي موجودة في كل الثقافات»، فكاميرون صحح اوباما وقال هذا صحيح، ولكن الارهاب الممثل بداعش والمرتبط بالمسلمين هو الاخطر وهو ما يجب التركيز عليه، وبذلك هو لا يستدرك على اوباما وحده بل على امير قطر في خطابه أمام الجمعية العامة عندما تساءل عن الارهاب الصهيوني والتطرف الديني.
جدل يمثل امتدادا لما يحدث في بريطانيا وامريكا والعالم العربي، ففي اميركا استقال زعيم الاغلبية الجمهورية في الكونغرس «بونر» ليحل محله المرشح «مكارثي» المتشدد والمتحمس للكيان الاسرائيلي، والداعي الى اعطائها الاولوية في السياسة الخارجية الامريكية خصوصا المتعلق بالعزلة التي تهدد الكيان متهما «اوباما» بانه لم يفعل الكثير لمواجهة هذا التهديد، تصريحات نقلتها عنه الكاتبة اليمينة المحافظة «جنيفر روبين» في الواشنطن بوست في مقالتها «كيفن مكارثي جدل السياسة الخارجية»، مسألة تقع ضمن جدل اوسع يتعلق بالتحضيرات للانتخابات الرئاسية الامريكية والصراع داخل الحزب الجمهوري ذاته، اصبح الكيان الاسرائيلي فيها بمثابة قبة الميزان.
الحال ذاته لدى كاميرون الذي يريد ان يستثمر ذات الملف لإبعاد الانظار عما يحدث في القدس في مواجهة منافسة من حزب العمال الذي وصف بأنه متعاطف مع الفلسطينين، الصورة قد تكون مبهمة هنا او مبالغ بها غير ان العالم لم يعد يعطي اولوية لما يحدث في فلسطين المحتلة وسعيد بالعدو الجديد المتخيل الذي يعطيهم مساحة اوسع للمناورة.
في مقابل الهجمة الصهيونية والجدل والتنافس الداخلي في امريكا وبريطانيا وغيرها، نجد دعوات في العالم العربي لتوسيع عملية السلام لتشمل كافة الدول العربية بشكل لا يتناسب مع طبيعة التهديد والخطر الذي تواجهه القدس ومسجدها، بل يشدد الحصار على القطاع وتزداد المعاناة وتحفر الخنادق المائية، وهي حسابات لا تبتعد كثيرا عن حسابات الحزب الجمهوري وكاميرون بل امتداد لذات الفلسفة السياسية، مسألة باتت تقليدا معديا انتقلت عدواه الى العالم العربي المضطرب وغير المستقر والباحث عن شرعيات وقيم يمكن تشاركها مع القوى الغربية، لا تخدم مصالح الشعوب او استقرار المنطقة من ناحية واقعية.
ذلك أن الاوضاع في فلسطين على الارض تزداد تدهورا والمواجهات تزداد حدة، فالمواجهات يومية مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية، والغارات الجوية الصهيونية اصبحت شبه اسبوعية، في حين ان جهد الرباعية ورئيسها الجديد ينصب على فصل المسارات الفلسطينية مستفيدا من معاناة قطاع غزة، تكتيك قديم اما ان تقبله او تدفع ثمن رفضه، ما يعني ان السياسة العامة للقوى الدولية والاقليمية لا ترغب في التعامل الجدي مع الانتهاكات الصهيونية بل تبحث عن وسيلة لتكريس الواقع الذي يرغب الكيان الاسرائيلي في صياغته وتعمل على دعمه بتكتيكات قديمة تقوم على فصل المسارات كالعادة كما تم فصل مسار الارهاب الصهيوني واستثنائه من النقاش في مؤتمر مكافحة الارهاب في نيويورك.
ما حدث في الامم المتحدة وما جرى من لقاءات ومؤتمرات على هامشها دليل قاطع على ان السياسة الدولية لا تذهب نحو البحث عن حل جدي للقضية الفلسطينية او دعم الامن والاستقرار في العالم العربي، فما تبحث عنه مكاسب آنية تكتيكية تخدم في اجزاء منها الصراع السياسي والتنافس الانتخابي في الدول الغربية، واقع سيقود بشكل شبه حتمي الى مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة رغم الاحتياطات المتخذة والاستعدادات الاقليمية والدولية لتشويه اي تحرك فلسطيني للمواجهة، هو رهان ومقامرة مقلقة ستقود الى مزيد من التعقيدات في المشهد الاقليمي والدولي، رهانات لا تختلف عما حدث في كثير من الملفات في المنطقة العربية خلال الخمس سنوات الماضية لتنتهي بمزيد من الفوضى والتعقيد للمشهد الاقليمي بل الدولي.
(السبيل)