تغييرات في هيكلية طبقات المجتمع
أخيرا جاءت دراسة الطبقة الوسطى التي أعدها مركز الدراسات لتقول بالتحليل والأرقام أن أهم نتائج السياسات الاقتصادية المطبقة منذ بداية التسعينيات والمبنية على الاقتصاد الحر تتمثل بإفراز طبقة وسطى لم يعد عمادها القطاع العام.
القراءة المستفيضة لهذه الدراسة تنبه أيضا إلى أنها تربط مباشرة بمسألة طالما دار الحديث حولها فحواها أن النمو المتحقق لم ينعكس بعدالة على جميع شرائح المجتمع.
كذلك يتضح أن الحكومات المتعاقبة فشلت في تخصيص جزء من ثمار النمو أو التنمية للعاملين تحت مظلتها من مدنيين وعسكريين، الذين تراجع مستوى معيشتهم في السنوات الماضية لدرجة انزلاقهم من مصاف الطبقة الوسطى.
معدل نمو الاقتصاد بلغ بالمتوسط في الفترة 2001-2007 ما نسبته 6.2 بالمائة، إذ بلغ في حده الأدنى 4.2 بالمائة عام 2003، وحده الأقصى بنسبة 8.6 بالمائة لعام 2004، ومن ثم تباطأ هذا المعدل عام 2005 ليصل إلى 7.1 بالمائة، واستمر بالتباطؤ إلى أن استقر عند معدل 6.0 بالمائة عام 2007.
هذه النتيجة أيضا تعكس تناقض أرقام النمو الاقتصادي مع الواقع. فبينما شهد متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 58.8 بالمائة بين عامي 2000 و2007، بقيت معدلات الفقر والبطالة تراوح مكانها بل تتآكل مداخيل الأفراد نتيجة عوامل داخلية وخارجية، إذ بقيت نسب الفقر عند مستوى 5ر14 بالمائة، فيما حافظت البطالة على معدل 1ر13 بالمائة.
كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي تدريجياً من 1235 دينارا سنوياً عام 2000 ليصل إلى 1961 دينارا للفرد عام 2007.
يبدو من تراجع المستوى المعيشي للمواطنين أن الزيادة التي تتحدث عنها الحكومة غير حقيقية لا سيما إذا ما تم التدقيق في القطاعات التي استفادت من النمو وهي تتسم بضعف ومحدودية تشغيلها للأردنيين وبالتالي انخفاض قيمتها المضافة للاقتصاد.
قطاعيا شهدت غالبية الأنشطة الاقتصادية نمواً بنسب متفاوتة. أكثر الأنشطة نمواً قطاع الخدمات الشخصية، من ثم قطاع الخدمات المالية، التأمين، خدمات الأعمال والإنشاءات.
تلا ذلك قطاع صافي الضرائب، تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم، فقطاع النقل والاتصالات، قطاع الماء والكهرباء والصناعات التحويلية. أما سائر القطاعات وهي الصناعات الاستخراجية ونشاط منتجي الخدمات الخاصة التي لا تهدف إلى الربح وتخدم الأسر والزراعة فقد سجلت تراجعا في نموها خلال عام 2007.
ليس المهم قيمة الزيادة في متوسط دخل الفرد السنوي، لكن الأهم أن القطاعات المستفيدة من النمو الحاصل هي العقار، الإنشاءات والاتصالات. هذا يعني أن الزيادة المعلنة في دخل الفرد السنوي، لا تعكس الخلل الحاصل في توزيع الناتج المحلي الإجمالي، ولا تعبر عن الارتفاع الحقيقي في دخل المواطن الذي زاد بالقيمة المطلقة، وانخفض بالقيمة الحقيقية بنسبة لا تقل عن 40 بالمائة.
لكن الأرقام تؤكد أن الزيادة "شكلية" ولم تلمس مستويات دخول شريحة واسعة من الأردنيين لا سيما وأن الإحصاءات الرسمية تؤكد أن مداخيل 75 بالمائة من القوى العاملة أقل من 300 دينار شهرياً. بمعنى أن الزيادة تذهب إلى المشتغلين في القطاعات التي نمت والذين لا يزيد عددهم عن 3 بالمائة من السكان. هذا التوزيع غير العادل لمكتسبات النمو والتباين الحاصل بين مداخيل الأردنيين سبب اهتزازات واضحة في البنية الاقتصادية وبخاصة أن الزيادة الكبيرة في موارد شريحة محدودة ساهمت برفع معدلات التضخم التي فاقت 13% خلال النصف الأول من العام الحالي.
لذلك فإن غالبية المستفيدين من النمو هم غير الأردنيين لا سيما أن 80 بالمائة من عوائد الاستثمار تذهب لمستثمرين غير أردنيين يحولون هذه الأموال إلى الخارج وبذلك تكون استفادة الاقتصاد الوطني منها محدودة.
العديد من المؤشرات مثل ارتفاع نسبة الفقر، تباطؤ نمو الصادرات، وارتفاع عجز الميزان التجاري بنسبة 23.4 بالمئة وغيرها، كلها تشير إلى تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وتآكل دخولهم خلال العام الماضي. وعليه ليس بالضرورة أن يعني ارتفاع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تحسناً في مستوى الدخل لغالبية المواطنين وسط تآكل متسارع في المداخيل.