منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Empty
مُساهمةموضوع: حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي   حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Emptyالسبت 13 فبراير 2016, 12:45 pm

حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي

مصادرة حركة الردة
يعتبر تاريخ الطبري أهم مصادر حركة الردة، فمجموع الروايات التي أوردها عن حركة الردة يبلغ (104) رواية، معظمها من طريق سيف بن عمر التميمي (73 رواية)، ويليه ابن اسحق (14 رواية)، ثم أبو مخنف (5 روايات)، ثم هشام الكلبي (4 روايات)، ثم المدائني (3 روايات) [1].

وهذه الأرقام قد تؤدي إلى لبس حول حقيقة اهتمام الأخباريين المذكورين بأحداث الردة، فقد تكون رواية الطبري عنهم بصورة محدودة ترجع إلى فقدان مؤلفاتهم مبكرًا، أو عدم وقوفه عليها، أو عدم وثوقه بها، وقد سمت المصادر لأبي مخنف كتاب الردة، ولهشام الكلبي كتاب مسيلمة الكذاب وسجاح، وللواقدي كتاب الردة، وللمدائني كتاب الردة [2].

وعلى أية حال فإن المصادر اللاحقة أمدتنا بمعلومات واسعة مصدرها هؤلاء الإخباريون أنفسهم. حيث خصص الكلاعي (ت 634هـ) [3] قسمًا كبيرًا من كتابه "الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا" لحروب الردة [4]، وهو ينقل عن ابن اسحق وله تاريخ الخلفاء والواقدي وله كتاب الردة وهما مفقودان، ويحتمل أن نقله عنهما بواسطة شيخه ابن حبيش (ت 584هـ) [5] الذي اعتمد عليهما كثيرًا في كتابه "الغزوات الضامنة الكاملة".

وتزداد أهمية كتابي ابن حبيش والكلاعي بسبب إيرادهما روايات يعقوب الزهري ووثيمة، والأخير عرف بكتابه عن الردة وهو مفقود [6]. ويورد خليفة بن خياط (ت 240 هـ) 42 رواية تتعلق بالردة معظمها من طريق ابن اسحق (19 رواية) والمدائني (16 رواية)، ومعظم الروايات تتعلق بردة بني حنيفة. ولابد من ذكر مصدر آخر مبكر هو فتوح البلدان للبلاذري (ت 275هـ) حيث نقل عن الإخباريين (8 روايات) واستعمل عبارة "قالوا" في بقية الروايات (11 رواية).

أماكن المرتدين في الجزيرة العربية
إن الردة عن الإسلام في عصر الرسالة حركة واسعة جرت في أوساط القبائل العربية الكبيرة، وهي قبيلة أسد وتزعمهم طليحة بن خويلد الأسدي، وبنو حنيفة وتزعمهم مسيلمة بن حبيب، وقبائل عنس ومراد وسعد العشيرة -وكلهم من مذحج- وتزعمهم الأسود العنسي.

وتنفرد ردة بني أسد بقربها الجغرافي من عاصمة الإسلام "المدينة" مما يشكل خطرًا كبيرًا على الدولة الناشئة. أما ردة بني حنيفة في اليمامة وردة مذحج وديارها منتشرة في شمال شرق وجنوب شرق ووسط وغرب اليمن فتبدو خطورتهما بسبب الكثافة السكانية حيث يمكن تقديم الألوف العديدة من المقاتلين بالإضافة إلى الإمكانيات الاقتصادية في المنطقتين بسبب النتاج الزراعي الواسع فضلا عن النشاط التجاري والصناعي.

أسباب ظهور حركات الردة
وترجع عوامل الردة إلى: عدم تغلغل الإيمان في القلوب لتأخر إسلامهم، وبسبب قصر الزمن الذي تم فيه تبلغ الدعوة، وطبيعة الأعراب المتسمة بالجفاء، مع ضعف المستوى الثقافي، مما جر إلى ضعف فقه تعاليم الدين وخاصة بالنسبة للزكاة التي اعتبرها البعض ضريبة مهينة، واستثقلوا الصلاة والعبادات الأخرى، كما أن العصبية القبلية لا زالت عميقة في تلك البلاد النائية ووسط نجد، حيث ترى القبائل أنها أضخم عددا وعُددا من قريش وبالتالي فهي أولى بالزعامة، وعلى الأقل لم تكن ترضى بالخضوع لحكم قريش. وقد ظهر زعماء طموحون تطلعوا إلى القيادة مقلدين الرسول صل الله عليه وسلم في أسلوب العمل والدعوة، ولم ينتبهوا إلى الفروق الكبيرة بين النبوة الصادقة وانتحالها لأغراض شخصية. ومن هنا كان ادعاء النبوة من قبل زعماء الحركات الانشقاقية.

مراكز المرتدين في الجزيرة العربية
اليمن وردة الأسود العنسي
كانت اليمن تابعة اسميا للإمبراطورية الساسانية، وكان قد أصبح للساسانيين نفوذ في اليمن منذ أن استعان بهم سيف بن ذي يزن لطرد الأحباش، فلما توفي سيف أصبح قائد الحامية الفارسية أميرا على اليمن، وتزوج الفرس من أهل اليمن وسمي أولادهم بالأبناء. ولكن نفوذ الحاكم الفارسي كان محصورًا بصنعاء وما حولها. في حين يتقسم بقية البلاد الأذواء والأمراء المحليون ورؤساء العشائر وهم في نزاع مستمر وخاصة القبائل الكبيرة أزد شنوءة (بنو الحارث والنخع وبجيلة وخثعم وعك والأشاعرة) وتسكن عند الساحل، ومذحج وهمدان وتسكن الهضبة في الداخل.

وكان خروج الأسود العنسي -على الصحيح- قبل حجة الوداع في العام العاشر، وكانت أول ردة في الإسلام، ودامت أربعة أشهر. وقد فصل سيف بن عمر أخبارها معتمدًا على شهود عيان مثل فيروز الديلمي وجشيش الديلمي.

وينتسب الأسود إلى عنس من مذحج التي تعد أكبر القبائل اليمانية، وكان من كهف خبان قرب نجران، وعرف بذي الخمار وبرحمن اليمن، وكان كاهنًا، وادعى النبوة، وأيدته بعض قبائل مذحج، واحتل نجران ثم صنعاء حيث قتل واليها شهر بن باذام، وتظاهر زعماء الأبناء بالانضمام إليه.

وتكمن قوة الأسود في ضخامة جسمه وقوته وشجاعته، واستخدم الكهانة والسحر، والخطابة البليغة "كان الأسود كاهنًا شعباذا، وكان يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من سمع منطقه، كما استخدم الأموال للتأثير على الناس"، ومثل هذه الصفات تجعله مشهورًا في قومه، ويبدو أن انتشار الإسلام كان يضعف مركزه؛ لأن الإسلام يحرم الكهانة، ويمنع الناس من استشارة الكهان.

وقد أثار الأسود موضوع أخذ الزكاة من اليمن، فكتب إلى العمال المسلمين في مناطق اليمن"أيها المستوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه". وقد طلب النبي صل الله عليه وسلم من المسلمين المجتمعين في نجران وحضرموت أن يقاوموا الأسود، وقد أفاد معاذ بن جبل من الانشقاق في حركة الأسود حيث أن الأبناء لم يكونوا مخلصين له وكذلك قيس بن المكشوح فتمكنوا من قتله في قصره، وإعلان العودة إلى الإسلام [7].

اليمامة وردة مسيلمة الكذاب
تقع اليمامة في شرقي الجزيرة العربية، وهي واد خصب تتوفر فيه المياه الغزيرة، وتزرع فيه الحنطة والشعير والذرة والنخيل وتقوم فيه القرى حيث يستقر فيها بعض السكان الذين ينتمي معظمهم إلى بني حنيفة وبعضهم ينتمي إلى بني بكر أو إلى بني تميم وخاصة شمال اليمامة، وقد قامت فيها صناعة السيوف والنصال.

وكان في قطر مركز مطرنة للمبشرين النصارى النساطرة، الذين أقصاهم البيزنطيون فاحتموا بالساسانيين ومن فارس مدوا دعايتهم إلى اليمامة [8]. وقد دخلت بنو حنيفة في الإسلام وقدم وفدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في العام التاسع للهجرة ومنهم مسيلمة بن حبيب، وقد أعلن مسيلمة نبوته في حياة الرسول صل الله عليه وسلم، ولعله فعل ذلك بعد عودته من الوفد، وكان قد تعاظم نفوذه بعد وفاة هوذة بن علي زعيم اليمامة عقب فتح مكة، وادعى أنه يوحى إليه، واتخذ له محرابا ومؤذنا اسمه حجير، وجعل الصلاة ثلاثة أوقات في اليوم، في الصبح والظهر والعشاء، وحدد النسل بابن واحد.

ويروي الجاحظ أن مسيلمة كان قبل ادعاء النبوة يدور في أسواق العرب يتعلم الحيل والنيرنجات واختيارات النجوم والمتنبئين، حتى أحكم حيل السدنة والحواة وأصحاب الزجر والحظ ومذهب الكاهن العياف والساحر وصاحب الجن الذي يزعم أن معه تابعه. وقد نقلت المصادر عن مسيلمة ما ادعاه من آيات عارض بها القرآن، وأسلوبها ينم عن ركاكة، ولعلها من وضع الأخباريين لذلك من الصعب اعتمادها لمعرفة مبادئه العقدية.

وقد التف حوله أكثر بني حنيفة فمنهم من تبعه جهلا وتصديقا، وهم العوام، ومنهم من تبعه عصبية، وهم الخاصة "ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر". وتعاظم أمره بعد قدوم الرجال بن عنفوه من المدينة إلى اليمامة، وكان الرجَّال قد تعلم القرآن وتفقه بالدين، فلما رأى بني حنيفة يتابعون مسيلمة انسلخ من الإسلام وأظهر تصديقه لمسيلمة، فكانت فتنته للناس أعظم من فتنة مسيلمة.

وراسل مسيلمة النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر العام العاشر بعد حجة الوداع قائلا: "إني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض (أي نصف خراج اليمامة)"، ولما توفي الرسول صل الله عليه وسلم زاد نفوذ مسيلمة وتحالف مع سجاح التميمية، وقيل أنه تزوجها، لكن هذا التحالف لم يدم طويلًا حيث انسحبت سجاح بقواتها من اليمامة بعد أخذ نصف خراجها. وقد أدرك أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطر ردة بني حنيفة لقوتهم وكثرتهم ورخائهم واجتماعهم على مسيلمة [9].

غطفان وردة طليحة الأسدي
كانت قبيلة غطفان التي تسكن شرقي خيبر تسيطر على شمال الحجاز بتحالفها مع قبيلة طيء ويهود خيبر، فلما سقطت خيبر سنة 7هـ بيد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يوجه الحملات إلى الشمال، ضعف نفوذ غطفان، وحاول طلحة بن خويلد الأسدي أن يسيطر على شمال شبه الجزيرة عن طريق المحالفات بين قبيلة أسد وطيء وفزارة (وهي أهم فروع غطفان)، ثم ادعى النبوة في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن مَلَكا يدعى ذو النون يأتيه بالوحي، وروت التاريخ بعض الآيات ذات الأسلوب الركيك التي كان يقرأها. وقد سعى إلى مفاوضة الرسول صل الله عليه وسلم.

وكان انشغال الرسول صل الله عليه وسلم عنه سببًا في تعاظم نفوذه، فلما كانت خلافة الصديق رضي الله عنه اجتمعت أسد وغطفان وطيء على طليحة، وأرسلت وفدا إلى المدينة بطلب من الصديق أن يعفيهم من الزكاة، لكنه رفض وقال: "لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه"، ولعله أدرك أن مطاليب الأعراب لن تقف عند حد، كما أنه ليس بوسعه إعفاؤهم من أحد أركان الإسلام. وقد اطلع الوفد على ضعف القوة العسكرية في المدينة عقب خروج بعث أسامة، لذلك تجرأت هذه القبائل على غزو المدينة.

[1] عبد العزيز محمد نور ولي: حركة الردة في اليمن وحضرموت وعمان في خلافة أبي بكر الصديق ص 10.
[2] عبد العزيز نور ولي: حركة الردة 116 - 119.
[3] أبو الربيع سليمان بن موصى من أئمة الحديث في عصره (الذهبي: سير أعلام النبلاء23: 134).
[4] نشره د. أحمد غنيم.
[5] عبد الرحمن بن محمد بن حبش الأندلسي، له كتاب المغازي (الذهبي: سير أعلام النبلاء118:21).
[6] جمع المستشرق الألماني ولهلم هونرباخ ونشرت، مينصة- 1951م.
[7] البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب 70، ومسلم: الصحيح حديث رقم 2272. الطبري: تأريخ 3: 185، 221، 239 - 240. ابن حبيش: المغازي 40، والكلاعي: حروب الردة 213. عبد العزيز نور ولي: حركة الردة 182 - 207.
[8] إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي ص 31 - 32 (بحث في حوليات كلية الآداب، جامعة الكويت، الحولية العاشرة- 1409 هـ (1988م).
[9] البلاذري: فتوح البلدان 1: 105، 118. الطبري: تأريخ 3: 272.أبو الفرج الأصفهاني: الأغاني 21: 37، وابن طباطبا: الفخري في الآداب السلطانية 74. الجاحظ: كتاب الحيوان 4: 369، 370. إحسان صدقي العمد: حركة مسيلمة الحنفي 36 - 40. ابن هشام: السيرة النبوية 600، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1: 273.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي   حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Emptyالسبت 13 فبراير 2016, 12:46 pm

انتشار ظاهرة الردة والتنبؤ في الجزيرة العربية

أدت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تهديد وحدة الدولة الإسلامية الناشئة، حيث توسعت حركة الردة في أنحاء الدولة ماعدا الحجاز، وكان أخطرها حركة مسيلمة الكذاب الحنفي، لكن بعدها عن المدينة وقرب حركات الردة الأخرى التي ابتدأت بوصول خبر وفاة النبي صل الله عليه وسلم إلى البوادي، فارتدت جموع غفيرة من بني أسد وغطفان وتميم والبحرين وعمان وحضرموت كما تجددت الردة في اليمن.

أثر حركات الردة على المسلمين
وقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وضع الدولة وبناتها من الصحابة:"كأنهم معزى في حش في ليلة مطيرة بأرض مسبعة"، وهو تصوير دقيق لحالة الخطر القصوى لإحاطة الأعداء بهم من كل جانب، ووصفت أبا بكر رضي الله عنه وهو ممسك بزمام القيادة، واضح الرؤية قوي العزيمة شديد المضاء صائب الرأي "فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وسنانها" [1].

ومن المؤسف أن ينفرد الأخباريون برسم صورة أحداث الردة في أرجاء الجزيرة دون مشاركة مهمة من المحدثين مما يفقدنا القدرة على نقد أسانيد الروايات، وتظهر مصادر المعلومات المحلية والقبلية.

موقف القبائل العربية من حركات الردة
والصورة التي نقدمها تبين أن حركات الردة كانت مختلفة في تصوراتها العقدية، فمنها ما كان استمرارا للحركات التي ظهرت في العام العاشر من العصر النبوي مثل ردة بني حنيفة -أحد فروع بكر بن وائل- في اليمامة بزعامة المتنبئ مسيلمة، ومنها ما كان مرتبطًا بأدعياء نبوة جدد كما هو شأن ردة بني أسد وفزارة المرتبطين بالمتنبئ طليحة بن خويلد الأسدي. وردة بني يربوع من تميم بزعامة المتنبئة سجاح، في حين التف آخرون منهم حول مالك بن نويرة، وكان قد امتنع عن دفع الزكاة لأبي بكر. وتحالف بنو عطارد التميميون مع مسيلمة باليمامة.

وانقسمت على نفسها قبيلة سُليم العدنانية في عالية نجد قرب خيبر، فمنهم من حافظ على إسلامه ومنهم من ارتد، ويبدو أن قرب ديارها من المدينة ومشاركة الكثير من رجالها في فتوح مكة وحنين والطائف أدى إلى ثبات فروع منها أمام المرتدين الآخرين من رجالها.

وتحالفت فزارة -من فروع غطفان العدنانية- بنجد بزعامة عيينة بن حصن الفزاري مع طليحة الأسدي، وارتدت فروع أخرى من بني بكر بن وائل بالبحرين بزعامة الحطم بن ضبيعة، وثبتت قبيلة عبد القيس على الإسلام بزعامة الجارود بن المعلى العبدي، لكن الغلبة في البحرين كانت للمرتدين قبل وصول القوات الإسلامية من المدينة.

وانقسمت الأزد في عمان ودُّبا بين زعماء القبيلة، فمنهم من بقي على الإسلام بقيادة جيفر وعباد ابني الجلندي، ومنهم من اتبع المتنبئ ذي التاج لقيط بن مالك الأزدي، الذي غلب على عمان وطرد جيفر وعباد إلى الجبال والساحل.

وأما قبائل حضرموت وهم قبائل كندة والسكاسك والسكون فقد حافظ بعضها على ولائه للإسلام وبايع الوالي زياد بن لبيد البياضي، في حين التف البعض الآخر منهم حول الأشعث بن قيس الكندي الذي امتنع عن دفع الزكاة. ولم تستقر الاضطرابات في حضرموت إلا بعد قدوم الجيوش الإسلامية إليها.

ورغم أن حركة الأسود العنسي تم القضاء عليها في عصر النبوة إلا أن وفاة الرسول صل الله عليه وسلم أدت إلى انقسام خطير بين قبائلها، فمنهم من التف حول الوالي فيروز -من الأبناء، ومنهم من خرج على سلطة الوالي مثل قيس بن عبد يغوث (المكشوح) الطامح إلى الزعامة الذي استعان بفلول حركة الأسود العنسي.

توسع حركات الردة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه
وهكذا توسعت حركات الردة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في شمال الجزيرة وشرقها وجنوبها حتى كادت أن تقضي على الدولة الإسلامية الفتية.

فتنبأ الأسود العنسي في اليمن، ومسيلمة الكذاب في بني حنيفة في اليمامة، وطليحة في بني أسد، وسجاح التميمية، ولقيط في عمان، وكانت ثورة اليمن أعنف مظاهر الانتفاض على الدين الجديد في الجزيرة العربية في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن قبائل اليمامة وما جاور الخليج العربي، كانت تتهيأ للثورة على الدين الجديد، ومع أن النبي صل الله عليه وسلم لم يغفل هذا التطور السلبي في أواخر حياته، إلا أن اهتمامه السياسي انحصر في الالتفات نحو الشمال من خلال تجهيزه حملة أسامة بن زيد، إذ أمره أن يتوجه إلى تخوم البلقاء (من أعمال دمشق)، والداروم (من أرض فلسطين).

واعتقد النبي صل الله عليه وسلم بأنه إذا استطاع تحقيق الانتصار هناك، فإن ذلك من شأنه تقوية موقفه داخل الجزيرة العربية، وبين قبائلها، وبخاصة أن الدعوة الإسلامية انتشرت آنذاك في مختلف أنحاء الجزيرة العربية من الشمال إلى الجنوب، ثم إن خروج أسامة إلى وجهته يعبر عن الإقلال من شأن هؤلاء الخارجين والمرتدين، وخطرهم، ولا شك بأن هذه السياسة تعطي المسلمين دفعًا معنويًا لمواجهة الخارجين، والمرتدين في اليمن واليمامة، وغيرهما من أنحاء الجزيرة العربية.

كان المتنبئون آنذاك يتهيأون للجهر بدعواتهم آملين بأن تحل بالمسلمين نكبة ما، وأخذوا يبشرون بها، كل في ناحيته بهدوء وأناة، دون أن يطعن أحد منهم بصحة نبوة محمد، وإنما ساووا أنفسهم به، فهو نبي وهم أنبياء مثله بعثوا في أقوامهم، كما بعث هو في قومه، لكن أحدًا منهم لم يقدم خصائص لدعوته تضاهي خصائص الدعوة الإسلامية.

دوافع بروز ظاهرة الردة والتنبؤ
وتستوقفنا في هذا المقام بعض الدوافع التي أدت إلى بروز هذه الظاهرة نذكر منها ما يلي:

1- إن المناطق التي انطلق منها المتنبئون، كانت أكثر مناطق الجزيرة العربية تحضرا وأضخمها ثروة، كما كانت مجاورة لأراضي الفرس، أو كان للفرس فيها نفوذ.
2- اعتمد المتنبئون على الناحية العصبية، وبخاصة ما كان بين اليمنية والمضرية من عداوة راسخة الجذور، بالإضافة إلى التنافس بين ربيعة ومضر، وإذا تغلغلنا في صميم هذه الظاهرة نلمس شواهد واضحة على أثر العصبية القبلية.

ويرتبط بالعصبية القبلية ما ينتج عنها من تحاسد، وتنافس بين القبائل العربية والتسابق في إدعاء النبوة، ذلك أن المظاهر الأساسية لحركة الردة لم تقتصر على رفض بعض أركان الإسلام، أو عدم الاعتراف بسلطة المدينة، وإنما جاءت مصحوبة بإدعاء بعض الأشخاص النبوة، إذ إن النجاح الذي حققه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، والمكانة التي وصلت إليها قريش في الجزيرة العربية عند وفاته، غدت مثار حسد كافة القبائل العربية، ولم تلبث أن أضحت سيرة النبي صل الله عليه وسلم مثلًا يحتذى لتحقيق نوع من الأهمية، والزعامة في مجتمع يمجد الأبطال.

والواضح أن كثيرًا من الأفراد في المجتمع العربي كانوا طلاب زعامة ورئاسة، فأرادوا الاقتداء بالنبي صل الله عليه وسلم لتحقيق تطلعاتهم، فحاولوا التشبه به في ما أوحي إليه من القرآن الكريم، فأتوا بعبارات مسجوعة مفككة المعاني، ركيكة المضمون، لا روح فيها، تتصف معانيها بالسذاجة، وسجعها بالتكلف.

وتمادى المتنبئون حين امتدت أيديهم إلى التشريع، من ذلك أن مسيلمة الكذاب شرع لأصحابه أن من أصاب ولدًا واحدًا عقبًا لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الابن، فيطلب الولد حتى يصيب ابنًا ثم يمسك، فحرم بذلك النساء على من له ولد ذكر، كما ادعوا بأن الوحي ينزل عليهم من السماء.

ومن مظاهر التشبه بالإسلام أن بعض المتنبئين عمد إلى اتخاذ بيت حرام ينافسون به البيت الحرام في مكة، من ذلك أن مسيلمة الكذاب ضرب حرمًا في اليمامة نهى الناس عنه، وأخذ الناس به، فكان محرمًا [2].

3- تفجرت ظاهرة التنبؤ في بلاد وعلى أيدي أفراد عرفوا النصرانية، وسمعوا بها أو اشتهروا بالكهانة، لقد ساد الجزيرة العربية آنذاك باستثناء الحجاز، اضطراب ديني بفعل عدم استقرار العقيدة في النفوس، فالنصرانية واليهودية، والمجوسية والوثنية، تجاورت كلها في ظل نقاش جدلي في أي منها تحقق السعادة لأتباعها، مما مهد الطريق أمام المتنبئين للظهور، واستقطاب الناس بكلام منمق، وبمظاهر يتخذونها آيات صدقهم، واستطاعوا بهذه الوسيلة أن يحققوا نجاحًا مبدئيًّا، ذلك أن النصرانية انتشرت في الجزيرة العربية قبل الإسلام عن طريق الأحباش في الجنوب، والأنباط في الشمال، وكان ملك اليمامة هوذة بن علي نصرانيًا أرسل إليه النبي صل الله عليه وسلم سليط بن عمرو يدعوه إلى الإسلام [3].

ثم إن العرب شأنهم في ذلك شأن معظم الشعوب الوثنية عرفوا الكهانة، وبخاصة عرب الجنوب (حمير)، مثل طريفة الخبر التي تنبأت بأخبار سد مأرب، وسطيح الغساني وغيرهما، فادعى بعض الكهان أن نفوسهم قد صفت، واطلعت على أسرار الطبيعة، وادعى آخرون أن الأرواح المنفردة -وهي الجن- تخبرهم بالأشياء قبل حصولها، وحصل تقارب بين النصرانية والكهانة عند العرب في الجاهلية، هذا على الرغم من أن أدعياء النبوة اختلفوا على الطرفين في أتباعهم أسلوب التي في سيرته، وأقواله وأفعاله، فادعوا أنهم أنبياء، وأن الوحي ينزل عليهم، وشرعوا لأتباعهم، وطالبوا لأنفسهم بسيادة وزعامة عليهم.

4- اعتمد المتنبئون على العامل الإقليمي، فقد استغل الأسود العنسي استياء اليمنيين من الفرس، ونفورهم من الحجازيين.

5- تشكل ظاهرة التنبؤ إحدى الانعكاسات التي أحدثها فتح مكة، وانتشار الإسلام في أجزاء واسعة في الجزيرة العربية، وتوسيع نفوذ الحكومة المركزية في المدينة، ذلك أن هذا التطور الإسلامي أثار عمليات مشابهة، متوازية ومتزامنة في أنحاء متفرقة، حيث بدأت تنشأ تحالفت قبلية واسعة يتزعمها أناس يدعون النبوة، اقتداء بالنجاح الذي حققه النبي محمد صل الله عليه وسلم، أدى فيها التطور الإسلامي دور الباعث والمحرك.

6- شجعت ثورة الأسود العنسي قبائل اليمامة وبني أسد على الاقتداء به إثر وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان كلٌّ من مسيلمة وطليحة يخشى قوة المسلمين المتنامية، ويرى أنه لا قبل له بمقاومتها، لذلك لم يعلن ثورته مبكرًا، ولما تجرأ الأسود العنسي على إعلان دعوته، ورفع راية العصيان، وحاز من النجاح ما أثار مخاوف المسلمين، اقتدت قبائل اليمامة به، وشجعها على ذلك أن النبي صل الله عليه وسلم توفي في ذلك الوقت.

[1] ابن أبي شيبة: المصنف 14/ 572 بإسناد صحيح، وابن كثير: البداية والنهاية 6/ 309 عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وانظر الهيثمي: مجمع الزوائد 9/ 50 عن الطبراني في الأوسط والصغير، وابن حجر: المطالب العالية 4/ 3906، وابن هشام: السيرة النبوية 4/ 665، وخليفة: التأريخ ص102. والألفاظ مختلفة ومؤداها واحد.
[2] الطبري: ج3/ ص283.
[3] ابن الأثير: ج2/ ص95.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Empty
مُساهمةموضوع: رد: حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي   حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي Emptyالأحد 19 يونيو 2016, 1:56 am

أينقص الدين وأنا حي ؟!

أبو بكر الصديق يوم الردة
لما توفي رسول الله صل الله عليه وسلم (يوم الاثنين 12من ربيع الأول 11هـ) ارتجفت قلوب المسلمين وأصابت العرب زلزلة عظيمة، وعظم الخطب واشتد الحال ونجم النفاق وارتد من ارتد من أحياء العرب وظهر مدعو النبوة وامتنع قوم عن أداء الزكاة ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة والطائف وبعض بطون القبائل.
وأصبح وضع الدولة وبناتها من الصحابة وقت الردة -كما قال عروة بن الزبير رضي الله عنه: "كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةِ فِي اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، لِفَقْدِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ"، وكما وصفت عائشة رضي الله عنها:"كَأَنَّهُمْ مِعْزًى مَطِيرَةٌ فِي حِفْشٍ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ بِأَرْضٍ مُسْبِعَة"، وهو تصوير دقيق لحالة الخطر القصوى لإحاطة الأعداء بهم من كل جانب.
عندها وقف ذلك الرجل، نحيف الجسم، معروق الوجه، قليل الشعر في صفحتي خديه، غائر العينين، بارز الجبهة، جعد الشعر، إلا أنه قوي الإيمان، عظيم الإرادة، عالي الهمة، كان ذلك الرجل هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الذي بايعه المسلمون منذ أيام قليلة.
وقف أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يعتره اليأس ولم يستحوذ عليه القنوط، وإنما واجه هذه الأحداث الجسام كلها بإيمان راسخ وعزيمة ثابتة وتفاؤل عظيم، وهو الذي قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جاء يعاتبه على قتال مانعي الزكاة: "رجوت نصرتك وجئتني بخذلانك، جبارًا في الجاهلية، خوارًا في الإسلام ؟! ماذا عسيت أن أتألفهم: بشعر مفتعل أم بسحر مفترى؟! هيهات هيهات !!"، "والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها".
وهو الذي قال للدنيا قولته الخالدة: "إنه قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي؟!"، "أينقص وأنا حي؟ "أي: إن ذلك غير ممكن ولا أقبل به أبدًا مادمت حيًا، ثم أعلنها صريحة وبهمة عالية وبنفسية تحطم صخور اليأس: "والله لأقاتلنهم ما استمسك السيف في يدي، ولو لم يبق في القرى غيري".
هكذا كان حال الصديق -كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها- وهو ممسك بزمام القيادة، واضح الرؤية قوي العزيمة شديد المضاء صائب الرأي: "فَوَاللَّهِ مَا اخْتَلَفُوا فِي نُقْطَةٍ إِلَّا طَارَ أَبِي بِحَظِّهَا وَعَنَائِهَا وَفَضْلِهَا".
ولم يزل أبو بكر رضي الله عنه يخطط ويجاهد ويرسل البعوث ويسهر على مصالح الرعية حتى استطاع أن يعيد للمسلمين عزتهم ولليائسين تفاؤلهم وللإسلام دولته وللخلافة هيبتها، في صورة رائعة يرسمها لنا التابعي المخضرم أبو رجاء العطاردي رضي الله عنه، قال: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين، ورأيت رجلا يقبِّل رأس رجل وهو يقول: "أنا فداؤك، لولا أنت لهلكنا"، فقلت: "من المقبِّل ومن المقبَّل؟"، قالوا: "ذاك عمر يقبل رأس أبي بكر رضي الله عنهما في قتاله أهل الردة، إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين".
كن أبا بكر أمته!
وقد اجتمع للأمة في حاضرها ما لم يجتمع لها فيما مضى من التآمر والمكر من عامة الدول الكبيرة سواء أكانت شرقية أو غربية، وعمل على إفسادها من داخلها أعوانًا ظالمين، فهي "ردة ولا أبا بكر لها"، فكن أنت أبا بكر أمته في علو همته وعظيم تفاؤله.
إن موقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه يعلمنا أن الداعية المجاهد في ميدان المعركة يجب ألا يتملكه القنوط في بناء العزة وأن لا يستحوذ عليه اليأس في تحقيق النصر، ما دام يرى ولو بصيص أمل في نهاية النفق الطويل.
وهو أولي بأن يتحلى بالأمل لانتصار دعوته، هو أحق بأن يتصف بالتفاؤل لإعزاز دينه، لقد حزم القرآن الكريم اليـأس وندد باليائسين، وقد أثبت صفحات التاريخ أن للأمم المغلوبة التي تتوق إلى المجد انتفاضات وانتصارات.
أَيَنقص الدين وأنا حي؟!
"إنه قد انقطع الوحي وتم الدين، أينقص وأنا حي؟" كلمات معدودات غدت من فم أبي بكر الصديق  سنة لأصحاب الدعوات ومن انفطرت -وما زالت تنفطر- قلوبهم كلما ادلهمَّ الأمر بأمتهم وعصفت بها المحن واشتدت بها الخطوب وعظمت بها مكائد الظالمين والمجرمين والمستبدين من داخلها وخارجها.
أَيَنقص الدين وأنا حي؟! حروف بسيطة ترسم منهجًا واضحًا لما يجب أن يكون عليه كل فرد من أفراد هذه الأمة؛ علو في الهمة، قوة في التوكل، ثبات على الحق.
أَيَنقص الدين وأنا حي؟!  كانت وما زالت شعارا لرجال الإسلام يستنهضون بها همم الأحرار في كل عصر يذودون بها عن حياض الإسلام ضد مطامع المستعمرين وظلم الظالمين.
فكانت من قبلُ شعارًا للإمام أحمد بن حنبل يوم محنة خلق القرآن، وقد وقف وحيدا كما كان وقف أبو بكر، حتى قال الحافظ علي بن المديني: "إِن الله عز وجل أعزَّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث؛ أَبو بكر الصديق يوم الردة، وأَحمد بن حنبل يوم المحنة".
وكانت شعارًا للناصر صلاح الدين الأيوبي يوم أن استنفر المسلمين وأكمل عدة من سبقه في جهاد الصليبيين، حتى قال في نفسه يوما: "في نفسي؛ أنه متى يسَّر الله تعالى فتح بقية الساحل (ساحل الشام) قسَّمتُ البلاد، وأوصيت وودَّعتُ، وركبت هذا البحر إلى جزائرهم أتتبَّعهم فيها حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله أو أموت".
ولما قاطعه قاضيه ابن شداد بقوله: "ما هذه إلا نية جميلة، ولكن المولى يُسيَّر في البحر العساكر، وهو سُور الإسلام ومنعته لا ينبغي له أن يخاطر بنفسه". فقال: "أنا أستفتيك: ما أشرف الميتتين؟" قال ابن شداد: "الموت في سبيل الله". فقال صلاح الدين: "غاية ما في الباب أن أموت أشرف الميتتين".
وكانت شعارًا للمظفر سيف الدين قطز، يوم خذل الإسلام أمراء الذل والعار وتخلى عن جهاد التتار عامة المسلمين، فوقف قطز وحده، ونادى: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجِّهٌ، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، وإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين ..، أَنا ألْقى التتار بنفسي"، فلما كانت الملحمة في عين جالوت جعل نداءه: "وا إسلاماه"، "فكان أن رد الله كيد التتار في نحورهم وحفظ الإسلام بموقفه.
وكانت شعارًا لشيخ الإسلام ابن تيمية يوم أن حرض المسلمين على قتال التتار في وقعة شقحب، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: "إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا".
وكانت شعارًا لكبار الأئمة والمصلحين من المتأخرين، يوم أن ضعفت الدولة العثمانية وتآمرت عليها الصليبية مع الصهيونية حتى سقطت الخلافة الإسلامية ، فانبرى للإسلام هؤلاء المصلحون أمثال الإمام محمد بن عبد الوهاب ورشيد رضا وحسن البنا والمودودي والندوي وإقبال وأحمد ياسين ومالك بن نبي وغيرهم من كبار المصلحين والمجاهدين، وما زالت جهودهم مضيئة نحو إعداد جيل النصر المنشود.
وهي شعارٌ لرجال فلسطين الذين حفظوا كرامة الأمة بنضالهم وبصدق جهادهم، حتى كانت حجارتهم لهيب نار من سجيل على أحفاد القردة والخنازير، حتى يأتي وعد الله لهم وهم ظاهرون.
أَيَنقص الدين وأنا حي؟! إنها شعارٌ لا بد أن يحمله كل مسلم غيور على دينه وأمته، ليلحق بالركب ويكون من أهل الفضل، الذين قال فيهم رسول الله صل الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".


- الطبري: تاريخ الرسل والملوك، الناشر: دار التراث- بيروت، الطبعة: الثانية – 1387هـ.
- العصامي المكي: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1998م.
- الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003م.
- ابن كثير: البداية والنهاية، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1407هـ - 1986م.
- ابن شداد: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (سيرة صلاح الدين الأيوبي)، تحقيق: جمال الدين الشيال، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1415هـ - 1994م.
- المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - لبنان/ بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ - 1997م.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
حركات الردة في الجزيرة العربية بعد وفاة النبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» النار تهدد الجزيرة العربية
» أقاليم وظواهر جغرافية شبه الجزيرة العربية
»  مسلسل إسقاط عروش شبه الجزيرة العربية
» مطالبة الإسرائيليين باستعادة “أراضيهم” في الجزيرة العربية
» تاريخ الجزيرة العربية في عصر الشيخ محمد بن عبد الوهاب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة :: الخلفاء الراشدين-
انتقل الى: