إساءة واحدة.. "تنسف" علاقات "متينة"
“أحسنت له دهرا وأسأت له في يوم فنسي الدهر وتذكر اليوم” بهذا المثل ارتأت الأربعينية أم بشير وصف إحدى صديقاتها المقربات لنفسها جدا، بحيث لم تتردد الأخيرة بمقاطعتها.. بل والحديث عنها بالسوء أمام الآخرين.
تقول أم بشير، “عرفت صديقتي هذه قبيل 10 سنوات.. اعتدنا على بعضنا البعض، بل وأصبح من يرانا يعتقد بأننا أختان، تقضي أغلب وقتها مع أبنائها الصغار في منزلي نتناول الطعام معا.. نتنزه معا.. كنت لها سندا في مواقف صعبة عدة”.
تضيف، “تناست صديقتي جميع هذه المواقف، واعترف أنني أخطأت بحقها عندما اقتحمت خصوصيتها في معرفة (سر قاس) سعت لإخفائه طوال الأيام الماضية... لكن ردة فعلها كانت قاسية جدا.. وكأننا لم يكن بيننا ود ومحبة من قبل”.
يشعر العديد من الأشخاص بالإستياء جراء مقاطعة أحد الأصدقاء أو الأقارب والمعارف، خصوصا إذا صدرت هذه (المقاطعة) من شخص عزيز، يضرب بعرض الحائط أفعال الخير التي قدمها له، أو وقوفه بجواره في الأزمات.. متناسين أن الإنسان غير معصوم عن الخطأ.
ويشكو الخمسيني أبو سالم من شقيقه الأصغر بقوله، “لم أشعر يوما بأنه أخي بل أراه ولدي، أحن عليه.. تابعت دراسته في المدرسة والجامعة.. وتمكنت من تدبير عمل مناسب له.. والله أعلم كم أنفقت عليه طوال تلك السنوات.. ومن العيب ذكرها أساسا”.
ويضيف بحرقة، “فاجأني أخي بتصرفه غير المبرر في أحد الأيام، عندما خرجنا في رحلة ترفيهية اصطحب بها خطيبته، وصدر منه موقف غير لائق قمت على إثره بتوبيخه عليه بطريقة محرجة وعنيفة... لكنه لم يتقبل خطئي هذا بل غضب وغادر المكان.. متجنبا رؤيتي عند الأهل منذ أكثر من ثلاثة أشهر”.
وتشير الطالبة الجامعية روان السيد أنها تواجه في حياتها العديد من الأشخاص الذين يقفون على خطأ ما وإن كان بغير قصد، متناسين (الإيجابيات) أو أعمال الخير التي قدمتها لهم.
تقول، “نحن بشر نخطئ أحيانا.. ونتعلم من أخطائنا.. ونسامح الآخرين إن أخطأوا.. فلماذا لا نلتمس لأخينا عذرا.. ونتذكر مواقفه وحسناته في السابق؟؟”.
وتذكر روان أحد المواقف الذي أحزنها كثيرا عندما عادتها إحدى زميلاتها العزيزات في الجامعة لمجرد أنها لم تنتخب ابن عمها (المرشح) في الانتخابات الطلابية الجامعية، مبينة أنها على قناعة بانتخاب طالب آخر لديه قدرة على تلبية احتياجات ومطالب الطلبة.
وعبر الموظف وائل سلام (34 عاما) عن استيائه من أحد زملائه في العمل جراء سلوكياته تجاه الآخرين بقوله، “نعيش كأسرة واحدة في العمل منذ سنوات مضت، نقضي أوقاتا طويلة مع بعضنا البعض.. نتبادل الأحاديث.. نضحك ونمرح.. نختلف ونتفق فيما بعد، بينما زميلنا هذا لا يتعامل بذات الطباع، فمجرد هفوة من أحد الزملاء يقاطع ويتجنب الحوار ويرفض الصلح وكأن مصيبة وقعت لا يمكن حلها”.
يضيف، حاورت زميلنا أكثر من مرة حول هذا الأمر، وبأننا أشقاء في العمل، ويجب أن لا تسود الخلافات بيننا وتمحو الأيام الجميلة، لكنه يتشبث برأيه ويؤكد بأن من يخطئ عليه تحمل خطئه حتى وإن كان بغير قصد”.
يلفت استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان إلى أن الإنسان بطبعه اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين فهو بحاجة لهم وهم بحاجة له، بغض النظر عن مستوى الشخص الاجتماعي أو الاقتصادي أو درجته العلمية، والتعامل مع الآخرين فن يحتاج إلى خبرة ومراس، وجانب من هذه الأمور يكون موجودا في شخصية الإنسان وجانب آخر يمكن للشخص أن يكتسبه ويتعلمه من خلال الإطلاع والثقافة وتجارب الحياة وتجارب الآخرين والتقييم المستمر لعلاقته مع الناس.
يقول، “التعامل مع النفوس البشرية يحتاج إلى قدر كبير من التحمل والصبر لأن النفس البشرية بطبيعتها متنوعة، وقد لا نجد شخصين متطابقين تماما في كل شيء، ولذلك لا بد من الصبر والتحمل وإدراك أن لا شخص معصوما من الخطأ، وأن محاسبة كل شخص على جميع اخطائه وهفواته سيفقدنا جميع أصدقائنا ومحبينا وزملائنا فنحن جميعا نخطئ وهنا لا بد أن نفرق بين الخطأ الصغير (الزلات والهفوات غير المقصودة) وبين الأخطاء الكبيرة التي تسبب ضررا ماديا أو معنويا للآخرين”.
يضيف، وأيضا أن نفرق بين خطأ يحدث لمرة أو أخطاء تحدث باستمرار، ولا بد للشخص أن يراجع نفسه ابتداء قبل أن يراجعه الآخرون وأن يكون لديه الاستعداد لتحمل النقد والمراجعة وعدم الاصرار على الخطأ وأن يكون لديه الاستعداد للآخرين إذا ما بدر منه خطأ معين للآخرين، وعلى الطرف الآخر أن يكون لديه الاستعداد لقبول العذر شريطة عدم استمرار الأخطاء أو تمادي المخطئ في خطئه.
وكلما كانت العلاقات أكثر تواصلا بين الأشخاص سواء داخل الأسرة أو بين الزملاء في العمل فإن الأمر يحتاج إلى قدر من التحمل وفق سرحان، والتجاوز عن الأخطاء، لأن العلاقة في هذه الحالة مستمرة ومتواصلة، ولا يمكن القبول بانقطاعها وإمكانية الخطأ فيها واردة أكثر من العلاقات التي تكون بين أشخاص لا يلتقون إلا في أوقات متباعدة أو محددة.