هل تنفجر الفقاعة الاقتصادية العالمية وتندلع الأزمة؟
في اليوم الذي انهار فيه بنك "ليمان براذرز" في عام 2009 تفاجأ العالم بحجم الهزة الارتدادية التي سببها سقوط هذا البنك الذي قدرت حجم أزمته بـ680 مليار دولار آن ذاك.
وشكل افلاس "ليمان براذرز" اعلان بداية أزمة مالية عالمية طالت مخالبها الاتحاد الأوروبي حين كادت بنوك تعلن إفلاسها وعجزت عن منح النقود للمودعين.
ولم تتوقف الأزمة عند حدود الاتحاد الأوروبي حيث لم يسلم اقتصاد في العالم من آثارها حتى الدول التي كانت تنعم بنمو متواصل وفوائض مالية كبيرة مثل دول الخليج العربي.
وتشير تقديرات إلى أن حجم خسائر الاقتصاد العالمي الناجمة عن أزمة العام 2008 بلغت 30 ترليون دولار في السنوات الأربع التي تلت الأزمة لكن حجم الخسائر المتوقع حدوثها في حال حدوث أزمة جديدة قد تصل إلى 60 تريليون دولار في غضون أقل من عام.
اليوم ؛ بعد مرور ثماني سنوات على الأزمة السابقة ؛ يطرح خبراء تساؤلات عديدة حول أزمة محتملة تلوح بالأفق فيما تنقسم آراؤهم حول مؤيد ومعارض.
المؤيد لنظرية حدوث الأزمة يبني توقعاته على مؤشرات تتعلق بتضخم أسواق المال في أميركا والتساهل في منح التسهيلات البنكية هناك، إلى جانب استمرار التراجع في الاقتصاد الصيني وسط تباطؤ الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة، وتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بالاضافة إلى عدم تعافي سوق النفط.
في حين يرى المعارض لتلك التوقعات أن العالم قد يكون على عتبة ركود وكساد اقتصادي وليس أزمة مالية كتلك التي شهدها العالم في 2008، بانيا توقعاته على تراجع الطلب في العالم بشكل عام.
وعلى صعيد متصل تشير تقارير عالمية إلى أن مصرف "دويتشه بنك" أبرز البنوك الألمانية والأكثر تشابكا في التجارة العالمية قد يواجه أزمة تشكل خطرا جديا حتى على النظام المالي العالمي، إذ تعرضت مكانته مؤخرا لسلسلة اهتزازات زعزعت الثقة به وأدخلته في عالم المجهول، وقد وصل الأمر بصندوق النقد الدولي إلى اعتباره "البنك الأكثر خطورة على النظام المالي العالمي".
خبير الاستثمار وإدارة المخاطر د.سامر الرجوب يرى أن هناك أزمة مالية تتضح معالمها في القارة الأوروبية والآسيوية يحركها كل من تراجع النمو الاقتصادي وفقاعة الديون والتدفقات النقدية والخوف.
ويبين الرجوب أن من المؤشرات التي يجب متابعتها قبل الحديث عن أزمة أيضا هو حركة رؤوس الأموال في ثلاث اقتصادات هي؛ اليورو والصين وألمانيا.
ويوضح أن اقتصاد اتحاد اليورو قد حقق زيادة في صافي تدفق رؤوس الأموال الى منطقة اليورو مع نهاية شهر حزيران (يونيو) 2016 بنسبة 38 % وهو أمر جيد، كما أن اقتصاد المانيا لوحده حقق أيضا زيادة بنسبة 300 % ، إلا أن اقتصاد الصين في المقابل قد أظهر تراجعاً حاداً في "حساب رأس المال" بنسبة 63 % وذلك يعني ان هناك رحيلا لرؤوس الأموال خارج الصين وهذا بالطبع أمر مقلق للغاية لأنه يعكس تخوف أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين من الأوضاع الاقتصادية العامة في الصين وهي حالة تشبه كثيرا ما قد حدث مع دول النمور الآسيوية في العام 1997 قبيل انهيار أسواقها المالية كم انها حالة تشبه حالة إفلاس روسيا وأزمة السندات في عام 1999.
ويضيف الرجوب أن تراجع النمو الاقتصادي في منطقة اليورو وأزمة ديون أوروبا الخارجية والداخلية قد أثرت على أداء بعض البنوك وأخص بالذكر البنك الألماني "دوتشيه" والذي يعتبر من اهم بنوك اوروبا.
ويؤكد أن بنك "دوتشيه" يعاني من مشاكل مالية قد تعصف به الى حافة إعلان افلاسه، الأمر الذي سيؤثر سلبا على العديد من البنوك الأخرى وشركات التأمين التي تربطها علاقات مالية معه.
وصرح صندوق النقد الدولي في شهر حزيران (يونيو) الماضي أن بنك "دوتشيه" هو الأخطر ضررا في حال إعلان إفلاسه فهو ثالث بنك في حجم عمليات إدارة الأصول في أوروبا.
ويضيف الرجوب أنه في الجانب الآخر تأتي فقاعة ديون الصين كخطر يهدد الاقتصاد الصيني وربما يدفعه للخلف عدة سنوات، فالحكومة الصينية زادت الاقتراض الداخلي والخارجي الى مستويات غير مسبوقة تتجاوز تسعة عشر ترليون دولار، اي اكثر من حجم الاقتصاد الصيني بأكمله وما زالت ترتفع باطراد.
ويرى أنه إذا خرجت الديون الصينية عن السيطرة وإذا أعلن البنك دوتشيه إفلاسه وإذا استمرت رؤوس الأموال بمغادرة الصين فان حتمية حدوث ذعر في الأسواق المالية والسلعية وتكرار ازمة مالية هو أمر وارد وتدق طبوله مع منتصف العام 2017.
بدوره ؛ الخبير والمراقب للأسواق العالمية سامر ارشيدات والذي يرجح حدوث أزمة مالية وانهيار لأسواق المال العالمية وتحديدا الولايات المتحدة يقول إنه "من المتوقع أن تندلع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".
ويبني ارشيدات توقعاته على التضخم الذي يشهده السوق المالي في أميركا إذ أصبحت أسعار الأسهم تشهد مستويات عالية مقارنة مع حجم السوق والناتج المحلي الإجمالي.
ويضيف أن البنوك العالمية عادت للتساهل في اعطاء التسهيلات الائتمانية وخاصة في قطاعات العقار والتعليم والأسهم والسيارات.
ويقول ارشيدات إن "حجم التسهيلات الممنوحة وصل لمستويات غير مسبوقة تتجاوز الحد الطبيعي وسوف تؤدي إلى أزمة مالية"
ويشير إلى أن حجم الدين في البطاقات الائتمانية في الولايات المتحدة أصبح يفوق الـ 1.1 ترليون دولار الأمر الذي يشكل فقاعة كبيرة قد تنفجر قريبا.
وأما بالنسبة لأسعار النفط عالميا فيتوقع ارشيدات أن لا تتعافى الأسعار بل وأن تنخفض في ظل الانهيار المقبل حتى تنزل إلى مستوى 20 دولارا للبرميل.
إلا أن الخبير العراقي والمختص في شؤون النفط لهب عطا عبدالوهاب يرى أن العالم لن يشهد أزمة مالية جديدة أو أصعب من تلك الفائتة التي حدثت في 2008.
بل يقول عبدالوهاب إنه من المتوقع أن يحدث انكماش وركود اقتصادي وتحديدا في دول الاتحاد الأوروبي، مستبعدا أن نشهد أزمة عالمية في أسواق المال أو العقار.
ويتوقع أن يراوح سعر برميل النفط حول معدل 50 إلى 55 دولارا للبرميل حتى نهاية النصف الثاني من العام الحالي.
ويبني عبدالوهاب توقعاته نظرا لثورة الوقود الصخري والتي تساهم في عدم ارتفاع أسعار النفط إلى جانب موقف منظمة دول الأوبك والتي تلعب دور المتفرج وخاصة بعد اعتماد استراتيجية المحافظة على الحصص السوقية بدلا من استراتيجية "المنتج المرجح."
ويضيف أن السبب الآخر لتوقعه باستقرار سعر النفط هو التراكم في المخزونات التجارية لاسيما للبنزين والديزل والتي تصل إلى نحو 3 مليارات برميل في الدول الأعضاء في منظمة الأوبك منها 540 برميلا للولايات المتحدة
ويرى عبدالوهاب أن انكماش الطلب العالمي مع وجود فائض في السوق يقدر ما بين 1 مليار إلى 1.5 مليار برميل يوميا، فإن تخمة المعروض وسط تراجع الطلب لن يزيد الأسعار.
ويشير إلى أن العامل السياسي وخاصة التفجيرات في ليبيا تؤثر على أسعار النفط ولكن لم يعد التأثير كالسابق مع عودة الامدادات الآمنة في الشرق الأوسط.
وأما بالنسبة لتأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيرى عبدالوهاب أنه مازال هناك عامان للخروج النهائي من الاتحاد وفقا لاتفاقية لشبونة والأثر سيكون بانتقال عدوى الكساد إلى باقي دول الاتحاد.