التاريخ المنسي لـ "آتلانتس المصرية" يعود للحياة.. هنا اختفى أمير طروادة وأميرة أسبرطة الهاربان
هرقليون ليست مدينة عادية، فقد كُتب عنها في أساطير العصور القديمة، فهي موطئ قدم هرقل لأول مرة في أفريقيا، كما أنها المكان الذي لجأت إليه الأميرة الإسبرطية هيلن مع خاطفها باريس أمير طروادة، بجانب أنها المكان الذي امتزجت فيه الثقافة والمعمار اليوناني مع الفرعوني، مقدمة نموذجاً فريداً قلما تكرر في التاريخ.
وحتى تكتمل أساطير المدينة، فقد اختارت الغرق قرب شواطئ الإسكندرية ولم يعثر على مكانها إلا في العام 2000، ولكنها الآن تبعث فيها الحياة من جديد في معرض خاص بالمتحف البريطاني يستمر حتى نوفمبر.
تم اكتشاف أجزاء من هرقليون في مطلع الألفية، عقب العثور على 6 تماثيل ضخمة لإله النيل ورمز الخصوبة عند الفراعنة "هابي" تحت صخور في قاع البحر، ليكتشف بعد ذلك معابد وكنوز وأجزاء من مكان كان يعد من أبرز المدن على البحر المتوسط، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية.
تمثال الإله هابي
وعلى عكس المدن التاريخية الأسطورية الشهيرة مثل بابل وبومبي وآتلانتس، فإن القليل من الناس سمعوا بهرقليون قبل الاكتشافات الأثرية خلال السنوات الأخيرة.
المدينة الأثرية تعد أحد أبرز الموانئ في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث كانت قبلةً للتجار الأوروبيين الباحثين عن استيراد الحبوب والعطور وورق البردي، بالإضافة إلى الفضة والنحاس والنبيذ والزيت، والمجوهرات والمعادن و والتحف والأحجار النفيسة.
يقول القيم على معرض المدن الغارقة في المتحف البريطاني اورليا ماسون برغوف، لصحيفة The Guardian، "إن اكتشاف مقبرة شخص أمر مثير، فما بالك باكتشف مدينة كانت مستقراً لآلاف الأشخاص لآلاف السنين، هذا شيء مختلف تماماً!".
عروس البحر المتوسط
المدينة التي تقع في منطقة تعرف الآن بـ "أبو قير"، أسست منذ نحو ألفين و700 عاماً على بعد 15 ميلاً شمال شرق الأسكندرية، كانت تسبق منافستها امبوريون - تلك المدينة التجارية الساحلية التي أسسها اليونان في كاتالونيا بإسبانيا -، وأصبحت من أهم المراكز التجارية على البحر المتوسط.
تميزت هرقليون بتصميم مميز، تقاطعت فيه شبكة من القنوات المائية والموانئ والأرصفة والمعابد والمنارات، متصلة بشبكة مواصلات مكونة من العبارات والجسور والطوافات.
صورة تخيلية لهرقليون
وكانت المدينة الأثرية تتحكم في حركة التجارة القادمة من المتوسط إلى مصر، حيث يتم هناك فحص البضائع وإخضاعها للضريبة في مركز إدارة الجمارك، ليتم توزيعها بعد ذلك في جزر أخرى، أو في مدينة ناوكراتيس الواقعة على النيل، والتي تبعد عن هراقليون بحوالي 50 ميلاً.
ورغم أن المدينة ذكرت في كتابات العديد من المؤرخين القدامى مثل هيرودوتس، وسترابو، وديودور، إلا أننا نفتقد لمعلومات تفصيلية عنها.
آثار مميزة
وقبل العام 1933، كان يعتقد أن هرقليون مدينة وثونيس أخرى منفصلة، إلا أنها في الحقيقة مدينة واحدة، ومن أجل اكتشاف المدينة، استخدم علماء الآثار، تقنية تعرف بـ "مسح السونار الجانبي" والذي يمكن من خلاله تحديد الأجسام الضخمة في قاع البحر، ليتم بعد ذلك إرسال الغواصين لإزالة طبقات الرمال من على الأماكن الأثرية.
من ضمن الاكتشافات الهامة في هرقليون، تمثالان ضخمان لكلٍ من ملك وملكة بطلمية، يبلغ ارتفاع الواحد منهما 5 أمتار، ليتم تصويرهما وفهرستهما بعد ذلك، كحال جميع القطع الأثرية المكتشفة في تلك المنطقة، ثم رفعها إلى السطح ليتم معانيتها في قارب سفينة بحرية مخصصة للأبحاث تدعى بـ "الأميرة دودا".
إحدى القطع المميزة التي اكشتفت، هو مرسوم الفرعون "نيكتانيبو" الأول والذي يدعى "سايس"، والمرسوم عبارة عن مسلة سوداء رائعة يبلغ طولها حوالي مترين، نحت عليها بمهارة فائقة باللغة الهيروغلوفية في بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، والتي تم استخراجها من معبد الإله آمون-غريب الموجود بهرقليون.
من أهم معالم المدينة، هو المزج بين المجتمعين الفرعوني واليوناني، فبجانب الخوذات الهيلينية المتواجدة في قاع البحر، تجد بجانبها نظيراتها المصرية، كذلك تجد التماثيل القبرصية والمباخر، وزجاجات العطر الأثينية، والمراسي القديمة للسفن اليونانية.
أحد الآثار الهامة التي تم اكتشافها، هو تمثال حجري قديم للملكة كليوبترا الثالثة، يبلغ من العمر 2000 عاماً، والتي تظهر فيه مجسدة على هيئة الإلهة "إزيس" المصرية، في حين نحت التمثال بأسلوب يمزج بين جماليات الفن المصري والإغريقي.
تمثال كليوبترا الثالثة
كيف انتهت المدينة؟
رغم اكتشاف الكثير من المنحوتات والآثار، يظل 95% من هرقليون لم يكتشف بعد، وبحسب عالم الآثار ومدير البعثة الأثرية فرانك غوديو، فإن القريق مازال في بداية البحث فقط عن المدينة.
بدأ نجم هرقليون في الخفوت مع بزوع شمس الإسكندرية بحلول القرن الثاني قبل الميلاد، والذي كان السبب الرئيسي فيه هو أن هرقليون شعرت بعدم الأمن نتيجة الزلازل والتسونامي وارتفاع منسوب مياه البحر.
ومع نهاية القرن الثاني، تعرضت المدينة لفيضان شديد أدى إلى حالة "تسييل"، والتي تتحول فيها التربة الطينية الصلبة إلى سائل في بضع لحظات، ومن ثمة تنهار المباني سريعاً في المياة، ما أدى إلى نهاية تجارة بعض الأشياء كالعملات والفخار.
ظل بعض السكان في المدينة عقب الكارثة البيئية، خلال العهد الروماني وأوائل الفتح الإسلامي، لكن مع حلول القرن الثامن، غرقت آخر آثار متبقية من المدينة.
معرض "عالم مصر المفقود"
يذكر أن المتحف البريطاني أعلن في مايو/أيار 2016 عن افتتاح معرض لآثارٍ مصرية كانت غارقة تحت المياه لأكثر من 1000 عام، بحسب صحيفة Daily Mail البريطانية.
وتنتمي الآثار لمدينتي كانوبوس وهرقليون الأثريتين الغارقتين، ويحمل المعرض عنوان “مدن غارقة: عالَم مصر المفقود”، والمستمر حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويتضمن المتحف مقتنيات من المتحف البريطاني بجانب مقتنيات مقرضة من السلطات المصرية، التي نادراً ما تعرض آثارها في الخارج.
عدد الآثار المعروضة يصل إلى 300 قطعة، معظمها كان غارقاً في المياه، ويركز المعرض على حضارة مدن وادي النيل، والتفاعل بين الحضارة المصرية واليونانية القديمة على وجه الخصوص.
كما يتضمن المعرض تمثالاً للملكة آرسينوي الثانية، وهي ملكة تنتمي للأسرة البطلمية التي حكمت مصر بعد الإسكندر الأكبر.