[rtl]التصوف: ما مدى صلاحيته كبديل عن حركات "الإسلام السياسي"؟[/rtl]تلجأ بعض الأنظمة السياسية في سياق احتوائها للمد الديني في دولها، إلى تبني اتجاهات دينية معينة ودعمها، ومنحها حرية العمل والحركة، ومحاولة إحلالها كبديل عن حركات الإسلام السياسي، لما تسببه من قلق وإزعاج لها بحسب باحثين في الحركات الإسلامية.
ويُعد التصوف أحد تلك الاتجاهات التي وقع عليها اختيار الأنظمة، وهو ما أوصت به مؤسسات ومراكز بحثية غربية، كما جاء في تقرير مؤسسة راند الأمريكية الصادر سنة 2007، الذي أوصى بالترويج للتصوف في مواجهة "الحركات الأصولية" ومحاصرتها، وفقا لـ "الباحث بسام ناصر"، في تقرير أعده لصحيفة "عربي21".
ووفقا للداعية الإسلامي معاذ سعيد حوى، فإن توظيف الأنظمة السياسية ليس قاصرا على التصوف، بل ثمة أنظمة معروفة اختارت توظيف اتجاهات إسلامية أخرى، كالسلفية مثلا، لكونها التدين الشائع في بلادها، وقد وجدت فيها ما يمنحها الشرعية الدينية في أوساط العامة.
التوظيف أوسع من حصره في التصوف
ورأى حوّى المتبع لإحدى الطرق الصوفية، أن القضية أوسع من حصرها في استغلال الطرق الصوفية وتوظيفها، واضعا لها في سياق وجود مجرمين يريدون استغلال الاتجاهات الدينية وتوظيفها لأغراضهم، ووجود منافقين يسعون للاستزادة من الدنيا وشهواتها، وهي حالة عامة تشمل كل من كان هذا حاله.
واعتبر حوّى في حديثه لـ"عربي21" ترشيح مراكز البحوث الغربية التصوف والطرق الصوفية كبديل عن الحركات الإسلامية السياسية، إمعانا في تأليب المسلمين بعضهم ضد بعض، وتوسيع دوائر التناحر والاختلاف في المجتمعات الإسلامية لأسباب دينية.
وأبدى حوّى أسفه لقبول بعض الاتجاهات الإسلامية القيام بتلك الأدوار، التي يغريها الدعم المالي، وتزهو بما يمنح لها من حرية الحركة والعمل، وهي في المحصلة لا تعدو أن تكون خادمة لأغراض وأهداف سياسية رخيصة.
وجوابا عن سؤال "هل التصوف هو أكثر الاتجاهات الدينية قابلية للتوظيف السياسي لما يوصف به من الاعتدال والمسالمة، واعتزاله للسياسة والهموم العامة؟"، قال حوّى: "كما يقال هذا عن التصوف يقال عن بعض اتجاهات السلفية، وجماعة الدعوة والتبليغ، فليس هذا الأمر خاصا بالتصوف ولا قاصرا عليه".
من جانبه أوضح المفكر السوداني، والشيخ الصوفي، النيل عبد القادر أبو قرون أن "منهج التصوف قائم على اتباع النهج المحمدي، المتمثل في التحلي والتحقق بالأخلاق الفاضلة بعيدا عن التسلط (لست عليهم بمسيطر)، و (ما على الرسول إلا البلاغ)، فمن خرج عن نهج التصوف فليس منه".
وجوابا عن سؤال "عربي21"، "لماذا يقبل بعض شيوخ طرق الصوفية القيام بدور وظيفي كأداة خادمة لأغراض سياسية مع رفعهم شعار التجرد والزهد في الدنيا؟"، قال أبو قرون: "إما أن يكون طمعا في السلطة، أو حرصا على الجاه وحطام الدنيا، وقد يكون لدى بعضهم نوايا حسنة، بسبب قبول بعض الساسة للتصوف القائم على عظيم الأخلاق ومكارمها".
التصوف علم أصيل وليس خيارا بديلا
كيف ينظر شيوخ الطرق الصوفية إلى تلك الدعوات والتوصيات التي ترشح التصوف لإحلاله كبديل مسالم مقبول عن الحركات الإسلامية التي توصف بالأصولية؟
أبدى الشيخ إسماعيل الكردي، شيخ إحدى الطرق الصوفية في مدينة إربد، الواقعة شمال المملكة الأردنية، تحفظه الشديد على تلك الدعوات والتوصيات، لأن التصوف كما يراه ليس حركة ولا تنظيما، حتى يكون بديلا لحركات أخرى، أو ليحل محلها.
وبين الشيخ الكردي، أن التصوف علم إسلامي أصيل، يُعنى بالتزكية والتربية والإحسان، تحتاجه جميع اتجاهات الأمة بلا استثناء، فكما أن الفقه يُعنى بإقامة الشعائر التعبدية الظاهرة على وجهها الصحيح، فإن التصوف يشتغل على إصلاح باطن العابد، ويحثه على التخلق بأخلاق الصلاح والاستقامة، والإقبال على الله بإخلاص وتجرد بعيدا عن كل مطامع الدنيا وأغراضها.
لكن الشيخ الكردي لم ينفِ لـ"عربي21" إمكانية توظيف بعض الطرق الصوفية من قبل جهات وقوى داخلية وخارجية، وتسخيرها لمواجهة حركات إسلامية أخرى، وهو راجع لضعف النفوس وانجذابها إلى بريق الدنيا وشهواتها.
ونفى شيخ الطريقة الشاذلية، إسماعيل الكردي تلك الفكرة المتداولة، التي تنظر إلى التصوف باعتباره تكاسلا وتواكلا واعتزالا لهموم الأمة وقضاياها، داعيا إلى التوقف عند تجارب اتجاهات صوفية كانت لها مساهمات رائدة في الحياة العامة، ومجاهدة العدو الخارجي، كالمهدوية في السودان، وعمر المختار في ليبيا، وجماعة أحمد عرفان الشهيد في الهند، ما ينفي بيقين ما يقال عن التصوف والمتصوفة في هذا الباب.
وصفة إحلال التصوف فاشلة
في السياق ذاته أرجع الكاتب المصري، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية والطرق الصوفية، مصطفى زهران فكرة الإحلال والإبدال إلى تقرير مؤسسة راند الشهير، الذي حث الأنظمة السياسية على توظيف الطرق الصوفية لتكون بديلا عن حركات الإسلام السياسي، والتيارات الأخرى التي تمثل إزعاجا للسلطة السياسية في كثير من الدول العربية والإسلامية.
ولفت زهران إلى أن الربيع العربي خلخل ذلك التصور، ودفع برؤى مغايرة تدعو لكي يكون للحركات الإسلامية دور رئيسي ومؤثر في الحياة السياسية في الوقت الذي تراجع فيه دور التصوف، وإن شئت قلت انعدام الوجود الصوفي في الحراك الشعبي إبان الربيع العربي.
وأضاف زهران لـ"عربي21" أن "الربيع العربي ما لبث أن تحول إلى خريف، وتم محاصرة حركات الإسلام السياسي في عدد من الدول العربية من قبل أنظمتها الجديدة، ما أعاد فكرة إحلال الطرق الصوفية إلى صدارة المشهد من جديد، لتوظيفها في مسارين، مواجهة الحركات الإسلامية التي أصبحت خصما رئيسا للسلطة، وبديل لها في المشهد السياسي برمته".
واعتبر زهران في جوابه عن إمكانية نجاح فكرة إحلال التصوف محل الحركات الإسلامية السياسية، أنها تحمل عوامل فشلها في ذاتها، معللا ذلك بافتقار التصوف وطرقه ـ حتى هذه اللحظة ـ إلى المنهجية الكاملة التي تتيح له افتراش المحيط المجتمعي والسياسي، وملأ المكان في حالة شغوره وفراغه.
وتابع زهران بأنه "ما زالت الطرق الصوفية تنأى بنفسها عن الاشتباك في القضايا السياسية والمجتمعية التي تتيح لها الاشتغال بقضايا الشارع العربي، والانخراط اليومي بهمومه، وهذا بخلاف ما تقوم به الحركات الإسلامية السياسية الأخرى من التصاقها بهموم الناس، وانخراطها في القضايا العامة".
يضاف إلى ذلك بحسب زهران تلك الصورة البائسة التي كرستها الأنظمة السياسية في أذهان عامة الناس من كون الطرق الصوفية جماعات وظيفية، تتحكم السلطات السياسية في أدائها، وتوجه بوصلتها كما تشاء.
وأشار زهران إلى أن صورة الصوفية تلك لم تعد مستساغة في أوساط مجتمعية عربية عريضة، وهو ما يفسر قلة تأثير الطرق الصوفية في مصر على سبيل المثال على مجريات المشهد السياسي وقراراته، وتحولهم فقط إلى كتل تصويتية تُحرك شمالا ويمينا حسب العرض والطلب.
وختم زهران حديثه بما اعتبره عاملا مهما في إفشال فكرة الإحلال، ألا وهو دور التيار السلفي، في مهاجمة التصوف وطرقه، واعتباره لها مثالا للبدع والجهل والخرافات، ما ساهم بشكل كبير في نفور عامة المسلمين من التصوف وطرقه، خاصة بعد تفشي الجهل والخرافة في أوساط كثير من تلك الطرق، على حد قوله.