الجزء الأول
مؤتمرون يناقشون مستقبل حركات الإسلام السياسي في المنطقة (صور)
البوصلة – ليث النمرات
نظمت مؤسسة فريدريش إيبرت، اليوم الثلاثاء في العاصمة عمّان، مؤتمراً إقليميا، حول مستبقل حركات الإسلام السياسي، في ظل ما يعانيه الإقليم من اضطرابات، لا سيما عقب أحداث الربيع العربي، التي قلبت المشهد السياسي رأسا على عقب، وما تبعها من إسقاط أنظمة وضرب السلم والاستقرار الأهلي في أنظمة أخرى.
وناقش المشاركون في المؤتمر، الذي حضرت "البوصلة"، جانباً منه، آثار الربيع العربي على واقع ومستقبل الحركات الإسلامية السياسية في الدول العربية التي شهدت ثورات واحتجاجات، لا سيما بعد الثورات المضادة والحروب الأهلية التي شهدتها بعض الدول كمصر وسوريا.
واستعرض الباحث في شؤون الحركات الإسلامية محمد أبو رمان، في ورقته المرجعية أبرز المحاور والقضايا التي أثّرت على عمل الحركات الإسلامية السياسية عقب وأثناء الربيع العربي، لافتا إلى أن الحسابات والمعادلات والشروط المحددة والمؤطرة لعمل الإسلاميين، انقلبت رأساً على عقب بين الأطرف الثلاثة: (الإسلاميين، الأنظمة، العمل المسلح العنيف).
وبين أبو رمان، في ورقته المرجعية التي حصلت "البوصلة" على نسخة منها أن "موقف الإسلاميين أنفسهم من الثورات الشعبية العربية، لم يكن أقل ارتباكاً، من موقف الأنظمة، إذ بدت تلك الثورات لو أنّها داهمت الإسلاميين بالرغم من مشاركة شبابهم بصورة فاعلة في الاحتجاجات في مصر وتونس ودول أخرى، لكن التقليدية التي تكيفت مع عقود التعامل مع الأنظمة، كانت تخشى من انفضاض سامر الاحتجاجات من دون تغييرات عميقة".
وأشار الباحث إلى أن الثورات العربية وما أعقبها كشف عن تحولات عميقة وتغييرات لم تكن في سقف توقعات الإسلاميين أنفسهم، إذ سقطت الأنظمة في كل من مصر وتونس، وتبدّلت الظروف وأصبحت القناعة لدى الغربيين والإسلاميين أن سقوط الانظمة العربية أصبحت مسألة وقت ليس إلا، لكن تلك المقولات لم تكن تقف على أرضية صلبة من قراءة تاريخية وأخرى سياسية.
الإخوان وقراءة المستقبل
بدوره قدّم القيادي في الحركة الإسلامية زكي بني ارشيد، ورقة نقاشية بعنوان "جماعة الاخوان المسلمين تقدير الموقف وقراءة المستقبل"، قال فيها إن "الجماعة تأسست بعد سلسلة من النكبات التي لحقت بالأمة الإسلامية، ونتج عنها خضوع الوطن العربي لهيمنة الاستعمار الأجنبي وللتجزئة والتقسيم، فكان رد الفعل الطبيعي أن تلتهب الحماسة الدينية والدعوة إلى الجامعة الإسلامية ووحدة العالم الإسلامي، ومواجهة الحملات غير المسبوقة ضد هوية الأمة ودينها من جانب المستشرقين وغيرهم".
وأشار بني ارشيد، إلى أنه وفي تلك الظروف نشأت الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية وإقامة المشروع الإسلامي، حيث انطلقت الجماعة لتحقيق أهدافها وخاضت مجموعة من التجارب المختلفة سياسية وتنظيمية ودعوية واجتماعية فحققت نجاحات احيانا واخفقت احياناً أخرى، وصولا إلى اللحظة الراهنة التي نشهدها، والتي يرى فيها البعض أن حركة التاريخ الحتمية في طريقها الى طي صفحة الاخوان المسلمين من التاثير في المشهد السياسي والواقع الاجتماعي".
وأضاف القول في الورقة النقاشية التي حصلت "البوصلة" على نسخة منها: "إنه يحلو للبعض أيضا أن يرى الجماعة في طريقها الى الانكماش والتراجع، ويستند اصحاب هذه القراءة إلى النتيجة التى انتهت اليها الحركات القومية واليسارية، وذهب بعضهم للبحث عن البدائل المتوقعة لملء الفراغ الناشئ عن غياب ليس جماعة الاخوان المسلمين فقط، وانما ايضا للبحث عما بعد (الاسلام السياسي)، متسائلا: "فهل هذه القراءة واقعية ولها ما يبررها؟ أم انها قراءة رغائبية لا تستند إلى قواعد الاجتماع وعلم السياسة؟.
وحول الإجابة على تلك الأسئلة، أشار بني ارشيد، إلى عدة جوانب تسهم في بلورة إجابة واضحة على تلك التساؤلات، أبرزها أن "حركة الربيع العربي كانت نتيجة طبيعة لانسداد الافق السياسي العربي وتفشي حالة الفساد واحتكار السلطة وقمع الراي المخالف وامتهان كرامة المواطنين وانتهاك حقوق الانسان وما رافق هذه الحالة من فشل مشروع النهضة والتنمية الاقتصادية وتوسع حالة الفقر والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية".
وأوضح أنه "إذا كانت البداية التي أطلقت مفاعيل الربيع العربي - اذا كانت البداية مفاجئة - توقيتاً ومكاناً، فان استمرار تجاهل حالة الاحباط المتراكمة تعبر عن عدم قدرة أصحاب القرار على فهم حركة التاريخ، وهي العبارة التي ذكرها اكثر من رئيس عربي قبل ان يواجه مصيره، وقولهم العبارة المشهورة : (الآن فهمتكم)".
والجانب الثاني الذي تحدث عنه بني ارشيد، هو "نجاح الثورات المضادة مرحلياً والعودة الى مرحلة الفساد والاستبداد لا تعني انتهاء الارادة الشعبية لإحداث التغيير أو توقف مسار التحول الديمقراطي، وبخاصة مع الفشل الذريع في ادارة الدول التي انقلبت على خيارات شعوبها، وغياب الامن والاستقرار وبروز الازمات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية، وازدياد الأسباب الموجبة لموجة أخرى من محاولات النهوض والاصلاح".
الجزء الثاني
مؤتمرون يناقشون مستقبل حركات الإسلام السياسي في اقليم مضطرب
نظمت مؤسسة فريدريش إيبرت، أمس الثلاثاء في العاصمة عمّان، مؤتمراً إقليميا، حول مستبقل حركات الإسلام السياسي، في ظل ما يعانيه الإقليم من اضطرابات، لا سيما عقب أحداث الربيع العربي، التي قلبت المشهد السياسي رأسا على عقب، وما تبعها من إسقاط أنظمة وضرب السلم والاستقرار الأهلي في أنظمة أخرى.
وشارك عدد من المفكرين العرب والمسلمين، الذين تحدثوا عن تأثيرات الربيع العربي على واقع ومستقبل حركات الإسلام السياسي في بلدانهم، معرجين إلى مواطن الأخطاء التي وقعت فيها تلك الحركات في علاقتها مع الأنظمة، إضافة للحديث عن المشاركة في الحياة السياسية أو مقاطعتها.
وتعرض "البوصلة" جانباً من الأوراق النقاشية التي قدمت خلال المؤتمر، حيث نعرض ورقة بعنوان، الديناميكيات المحلية للإسلام السياسي، الأردن كدراسة حالة، للباحث غيث القضاة، يستعرض فيها محاولة لفهم وتشخيص واقع الحركة في لحظة الربيع العربي.
وأشار الباحث إلى أنَّ معظمَ المراجعاتِ التي قامتْ بها الحركةُ الإسلاميةُ وإعادةَ التموضعِ التي تمتْ ممارستُها بعدَ الربيعِ العربيِّ "لم تكن ناجمةً عن مراجعاتٍ حقيقيةٍ أو منهجيةٍ واضحةٍ، وإنما كانت استجابةً لضغوطٍ سياسيةٍ محليةٍ وإقليميةٍ مختلفةٍ ومعقدةٍ، دفعت بالجماعةِ إلى إعادةِ التموضعِ القسريِّ لا الاختياريِّ".
وبيّن القضاة أن "خيار المشاركةِ في الانتخاباتِ النيابيةِ الأخيرةِ وعدم استخدامِ شعار (الإسلام هو الحل) خيار لحماية التنظيمِ بالدرجةِ الأولى والحفاظ عليه من التشتت، وهذا لن يؤدي إلى أيِّ تغييرٍ حقيقيٍّ في منهجية ونمطِ التفكيرِ لدى الجماعةِ الأمِّ، وستبقى الجماعةُ أسيرةَ الماضي وأسيرةَ خطابٍ قديمٍ لم يتعرضْ للنقدِ والتطويرِ الحقيقيين، وأسيرةَ الأساليبِ والوسائلِ القديمةِ".
ورأى القضاة أن هنالكَ مستقبلا للأحزابِ التي خرجت من عباءةِ الإخوانِ أو التي ستخرجُ لاحقًا، "حيث استطاعت هذه الأحزابُ التحللَ من كافةِ العقدِ والضغوطِ النفسيةِ المقيدةِ للفكرِ والرأيِ والعملِ، وقامتْ بصياغةِ الرؤى السياسيةِ التي كانت تطالبُ بها أثناءَ وجودِها داخلَ الحركةِ سابقًا، وأجابت بوضوحٍ على جميعٍ الأسئلةِ المصيريةِ والهامةِ المتعلقةِ بالدولةِ الأردنيةِ وكينونتِها".
وأشار الى "أن تلكَ الأحزابِ – حزبا زمزم والشراكةِ والإنقاذِ – قد سمَّت نفسَها بأنَّها أحزابٌ وطنيةٌ أردنيةٌ مدنيةٌ لا أحزابًا إسلاميةً إطلاقًا، متحررة من صيغة (الإسلامية) التي كان يحب الإسلاميون اطلاقها على أي مشروع لإنجاحه".
وأوضح أن "المستقبل سيكشفُ صعودا لتيارات وطنية لا ترفع شعار الإسلام في انتخاباتها أو أدبياتها، غير متناسين أن النتائج التي يحصدُها الإسلاميون في الانتخاباتِ المختلفة هذه الأوقات، ما هي إلَّا حصادُ زرعٍ قديمٍ تمت زراعتُه في سنواتٍ قديمةٍ سابقةٍ ويتم قطف ثماره الآن، وهنالك تياراتٌ وطنية جديدةٌ وصاعدة بدأتْ بالغرسِ هذه الأوقات، وحتما سنرى ثمارَها على الساحةِ قريبًا".
ولفت القضاة إلى أن يشهد الجميعُ "تراجعَ تيارِ الإسلامِ السياسيِّ في العالمِ العربيِّ وفي الأردنِ لصالحِ التياراتِ الوطنيةِ، التي لديها إجابات واضحة حولَ أسئلةِ الهويةِ والدولةِ والمواطنةِ والانتماءِ ومحاربةِ الفسادِ والنهوضِ بالوطنِ، ولديها أيضا خبرات سابقة طويلة حزبية وسياسية وطلابية وشبابية تم اكتسابها في مواقعهم المختلفة".
إلى ذلك، قال مؤسس مبادرة "زمزم" نبيل الكوفحي ان المبادرة التي انطلقت العام 2012 من بعض قيادات التجديد داخل الحركة الاسلامية كانت "محاولة لتجاوز آليات العمل والاصطفافات السابقة، مقدمة رؤية مختلفة في كثير من الأسس عما هو متداول لدى الحركة".
وبين الكوفحي أن زمزم "تبنت الفصل بين السياسي والدعوي، باعتبارهما انشطة بشرية تخضع للصواب والخطأ ليس من المصلحة الدمج بينهما، الى تبني مفهوم الدولة المدنية كشعار وممارسة في شكل الدولة التي نريد، بحيث ضمت المبادرة مواطنين من خلفيات فكرية وسياسية مختلفة بل وحتى من المواطنين المسيحيين".
وأشار إلى أن المبادرة "دعت الى التجمع والعمل على اساس البرامج وليس الخلفيات، ورسمت مقاربة متوازنة بين الموالاة والمعارضة، اذ لم تحسب نفسها في اي من الخندقين، وسعت لخروج العمل السياسي من دائرة التجاذبات الخارجية العربية والدولية".
وتتوقع أن "تتطور الاطر الجديدة كحزب زمزم وحزب الشراكة والانقاذ في احداث حالات تقدم ضمن معادلات التوازنات المحلية القائمة، لا سيما في سياقات عملية لمفاهيم الدولة المدنية والشراكات البرامجية والتعاون على تحقيق المصالح الوطنية العليا، حيث يلاحظ ان حجم النمو الكمي والنوعي متزايد بشمل نسبي لما عليه في الحركة الاسلامية عموما والتيارات السياسية بشكل خاص".
هذا وتنوه "البوصلة" إلى أنها كانت نشرت جانبا من الأوراق النقاشية يوم أمس، فيما تستكمل نشر بقية الأوراق التي تحصل عليها أولا بأول.