بيان وزير الخارجية البريطانية
عن لجنة التحقيق الإنجليزية - الأمريكية لفلسطين في 13 نوفمبر
سنة 1945
ما فتئت حكومة جلالته تعنى عناية متواصلة بمشكلة الشعب اليهودي من جميع نواحيها تلك المشكلة. التي كان مبعثها الاضطهاد النازي في ألمانيا والاحوال التي نجمت عنها.
وانه لمن سوء الحظ حقا ألا يستطاع البت نهائيا في مصير عدد كبير من الناس من شتى العناصر ممن كانوا هدفا لهذا الاضطهاد الا بعد أن تستقر الأحوال في أوروبا. ان مصيبة ضحايا الاضطهاد النازي الذين كان بينهم عدد كبير من اليهود ليس لها نظير في تاريخ العالم. وتتخذ حكومة جلالته كافة التدابير التي يتسنى لها اتخاذها محاولة في ذلك تحسين حالة هؤلاء الناس السىء الحظ المنكودى الطالع. فالمشكلة اليهوديه مشكلة انسانية عظمى ولا يسعنا أن نقبل النظرية القائلة بوجوب اجلاء اليهود عن أوروبا وعدم السماح لهم بالعيش ثانية في تلك البلدان دون ما تمييز وتمكينهم من المساهمة بما يملكونه من قدرة ومواهب في سبيل استعادة رفاه أوروبا وازدهارها. حتى اننا بعد أن نكون قد قمنا بكل ما في وسعنا في هذا الصدد لن نكون قد أتينا بحل للمشكلة برمتها.
لقد تقدمت الينا في الآونة الاخيرة طلبات للسماح بهجرة واسعة النطاق الى فلسطين . ففلسطين وان كانت تستطيع المساهمة في ذلك ليس بوسعها بحد ذاتها أن تهيئ الفرصة الوافية لمجابهة المشكلة بكاملها. وحكومة جلالته شديدة الرغبة في استجلاء جميع الممكنات التي تؤدى الى تهيئة فرصة مواتية لليهود يستطيعون معها النهوض والانتعاش.
ان مشكلة فلسطين لمشكلة شاقة عسيرة في صميمها. فصك الانتداب على فلسطين يتطلب من الدولة المنتدبة تسهيل الهجرة اليهودية وتشجيع اليهود على الاحتشاد في الأرض مع ضمان عدم الحاق ضرر بحقوق ووضع الطوائف الأخرى من جراء ذلك وعلى هذا فان حكومة جلالته تضطلع بالتزام مزدوج ازاء اليهود من الناحية الواحدة وازاء العرب من الناحية الأخرى.
ولقد كان الافتقار الى تفسير جلى سوغ لهذا الالتزام المزدوج السبب الرئيسي لما قاسته فلسطين من عناء خلال الست والعشرين سنة الماضية. فقد بذلت حكومة جلالته كل جهد للتوصل الى تدبير يتمكن العرب واليهود معه من العيش معا بسلام ووئام والتعاون على ما فيه خير البلاد ورفاهها، بيد ان جميع هذه الجهود باءت بالفشل. فكل تدابير قبل به فريق رفضه الفريق الآخر. وتاريخ فلسطين حافل منذ الانتداب بالاختلاف المتواصل بين العنصرين وقد انتهى هذا الاختلاف بين فترة وأخرى باضطرابات خطيرة.
ولا مندوحة من مواجهة الأمر الواقع وهو أنه منذ ان عمل بنظام الانتداب استحال ايجاد أسس مشتركة للتفاهم بين العرب واليهود ذلك انه كان من الصعب التوفيق بين الفروق القائمة بين الفئتين من ناحية الدين واللغة والمناحي الثقافية والاجتماعية وطرق التفكير والسلوك. ومن الناحية الاخرى فان كلا من الشعبين يدعى بفلسطين فأحدهما يبنى دعواه على احتلالها حقبة من الزمن تبلغ ألف عام بينما يستند الآخر في دعواه الى صلات تاريخية مقرونة بتعهد لتأسيس وطن يهودي أعطى في الحرب العالمية الأولى. والواجب الذى ينبغي الاضطلاع به الآن هو ايجاد وسيلة للتوفيق بين وجوه هذا التباين.
ولقد تجاوبت اصداء هذا النزاع خارج حدود البلاد الصغيرة التى نشب فيها، فللقضية الصهيونية أنصار أقوياء في الولايات المتحدة وفي بريطانيا العظمى وفي الممتلكات المستقلة وغيرها وقد راع العالم المتمدين تلك الآلام التي تعرض لها في السنوات الاخيرة يهود أوروبا المضطهدون. ثم اننا اذا نظرنا الى الناحية الاخرى من الصورة نجد أن قضية عرب فلسطين قد احتضنها العالم العربي بأسره كما انها أصبحت في الآونة الأخيرة مثار اهتمام تسعين مليونا من اخوانهم في الدين في الهند. وفي فلسطين ذاتها يجثم على الدوام خطر نشوب اضطرابات من قبل هذا الشعب أو ذاك. ومثل هذه الاضطرابات لابد وأن يتردد صداها في أفق أوسع مدى. فاعتبارات العدل والانصاف والانسانية ليست الاعتبارات الوحيدة التى تكتنف الاستقصاء عن حل لهذه المشكلة بل إن مثل هذا الاستقصاء ينطوي أيضا على اعتبارات الوئام الدولي والسلام العالمي.
وقد ارتبطت جميع الأحزاب بالتزامات في معالجتها قضية فلسطين فهناك الالتزامات التى فرضها صك الانتداب ذاته أضف اليها التصريحات السياسية العديدة التى صدرت عن حكومة جلالته خلال الخمس والعشرين سنة الماضية. تم إن حكومة الولايات المتحدة ذاتها قد تعهدت بأن لا يتخذ قرار من شأنه في رأيها أن يؤثر في الحالة الاساسية بفلسطين الا بعد التشاور التام مع العرب واليهود.
ويعد النظر بعين الاعتبار الى الحالة من جميع نواحيها والى ما أثارته من هذا الاهتمام العالمي الذى يمس كلا من العرب واليهود قرر أى حكومة جلالته أن تدعو حكومات الولايات المتحدة للتعاون معها في تأليف لجنة تحقيق انجليزية - أمريكية مشتركة تكون الرياسة فيها دورية لبحث مسألة يهود أوروبا والقيام باستعراض آخر لمشكلة فلسطين على ضوء ذلك البحث ويسرني أن يكون في وسعي أن أنهى الى المجلس أن حكومة الولايات المتحدة قد لبت هذه الدعوة.
أما شروط اختصاص لجنة التحقيق هذه التى اتفق عليها بين حكومة الولايات المتحدة وحكومة جلالته فهى كما يلى:
1 -
فحص الاحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية بفلسطين بالنسبة لتأثيرها في مشكلة هجرة اليهود اليها واستيطانها وفي رفاهية الاهالى المقيمين فيها الآن.
2 -
فحص حالة اليهود في الاقطار الاوروبية حيث كانوا ضحية للاضطهاد النازى والفاشستي والتدابير العملية التي اتخذت أو التى ينوى اتخاذها في تلك الاقطار لتمكينهم من العيش في نجوة من التمييز والعسف وتقدير عدد أولئك الذين
يودون أو الذين تضطرهم أحوالهم أن يهاجروا إلى فلسطين أو الى بلدان أخرى خارج أوروبا.
3 -
سماع آراء شهود من ذوى اللياقة والاستنارة بآراء ممثلى العرب واليهود بشأن مشاكل فلسطين بالنسبة لما تتأثر فيه تلك المشاكل بالاحوال التي يشملها التحقيق بمقتضى البندين (1) ، (2) أعلاه وبغيرها من الأمور الواقعية والظروف التى لها صلة بالموضوع وتقديم التواصي الى حكومة جلالته وحكومة الولايات المتحدة لمعالجة هذه المشاكل معالجة مؤقتة وايجاد حل دائمي لها.
4 -
تقديم أيه تواص أخرى لحكومة جلالته وحكومة الولايات المتحدة قد تكون ضرورية لتلاقي الاحتياجات العاجلة الناجمة عن الاحوال المشار اليها أو تسهيل الهجرة الى البلاد خارج أوروبا واستيطانها.
هذه هى شروط اختصاص اللجنة وستقرر اللجنة نفسها الأصول التي ستتبعها في سياق اضطلاعها بمهامها ويباح لها اذا راق لها أن تعالج في آن واحد مختلف المهام المنوطة بها. بموجب شروط اختصاصها بواسطة لجان فرعية.
وستدعى اللجنة الى معالجة المسائل الواردة في شروط اختصاصها بمنتهى السرعة. ولا ريب أن اللجنة ستتخذ التدابير التي تراها ضرورية في سياق مراعاتها للبندين الثاني والثالث من شروط اختصاصها كي تحتاط علما وتكون على بينة من صفة واتساع نطاق المشكلة التى نجمت عن الحرب كما انها ستنظر بعين الاعتبار الى مشكلة الاستيطان في أوربا وفي أية بلاد قابلة للاستيعاب وستقدم اللجنة تواصيها على ضوء هذه التحقيقات الى الحكومتين لمعالجة المشكلة معالجة مؤقتة الى أن يصبح بالامكان عرض الحل الدائم على الهيئة المختصة للامم المتحدة.
مشروع التقسيم الذي
قدمته اللجنة الانجلو - أمريكية
سنة 1945
المشروع الذي قدمته الوكالة
اليهودية رداً على المشروع الانجلو - أمريكي
سنة 1945
ان التواصى التى تقدمها أية لجنة للتحقيق كاللجنة التي تؤلف الآن ستكون أيضا ذات عون عظيم في سبيل التوصل الى حل لمشكلة فلسطين.. وستقوم اللجنة وفقا للبند الاول والثالث من شروط اختصاصها بتحقيق موضعى في الاحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى يعتقد الآن انها تحد من الهجرة الى فلسطين وبعد الاستنارة بآراء ممثلى العرب واليهود تتقدم باقتراحاتها لمعالجة هذه المشاكل. وسيكون لزاما على حكومة جلالته أن، تتخذ الاجراءات بغية تأمين وضع نوع من الترتيب المؤقت المرضى واستنباط سياسة لتطبيقها بصورة دائمة فيما بعد.
وسيسهل هذا التحقيق ايجاد حل ييسر بدوره اتخاذ الترتيبات لوضع فلسطين تحت الوصايا.
أما ما يتعلق بفلسطين فان من الواضح ان حكومة جلالته لا يمكنها أن تتخلى عن الواجب والالتزامات المترتبة عليها بمقتضى صك الانتداب ما دام الانتداب قائما وهي تنوى وفقا لتعهداتها أن تعالج المشكلة على ثلاث مراحل:
1 -
ستستشير العرب بغية وضع ترتيب يؤمن عدم تعطيل الهجرة اليهودية حسب المعدل الشهري الحالي ريثما تقدم لجنة التحقيق تواصيها المؤقتة في هذا الشأن.
2 -
وبعد النظر في التواصي المؤقتة التى ستتقدم بها لجنة التحقيق ستستقضى مع الفرقاء ذوى الشأن امكان استنباط ترتيبات مؤقتة أخرى لمعالجة مشكلة فلسطين الى أن يتسنى الوصول الى حل دائم لها.
3 -
ستعد حلا دائما لعرضه على الأمم المتحدة وسيكون هذا الحل متفقا عليه ان أمكن.
إن المجلس ليدرك اننا قد ورثنا في فلسطين تراثا شاقا عسيرا ومما يزيد الواجبات الملقاة على عواتقنا تعقيدا التعهدات التى أعطيت في مختلف الأوقات الى سائر الفرقاء. تلك التعهدات التى نشعر اننا مرتبطون بشرفنا لتنفيذها. فأى انحراف عنيف دون التشاور المنطوى على الحكمة وسداد الرأى لا يمهد السبيل الى اتهام حكومة جلالته بنقض العقود والمواثيق فحسب بل يحتمل أن يؤدى الى رد فعل خطير في جميع أنحاء الشرق الاوسط وأن يثير قلقا واسع المدى في الهند.
ان حكومة جلالته مقتنعة بأن السبيل الذي تنوى انتهاجه في القريب العاجل لا ينطبق على التزاماتها فحسب بل سيكون في نهايه الامر أفضل ما يكون لمصلحة كلا الفريقين ولن يضر على أى وجه من الوجوه بالاجراءات التى ستتخذ بناء على تواصى لجنة التحقيق ولا باحكام ميثاق الوصاية التي ستحل محل صك الانتداب الحالي وتسيطر على السياسة النهائية المتعلقة بفلسطين.
ان حكومة جلالتة في انتهاجها هذا المنهح الجديد ترغب في أن توضح بجلاء ان مشكلة فلسطين ليست من المشاكل التي يمكن حلها عن طريق القوة وان كل محاولة يقوم بها أي فريق لحلها على هذا الوجه ستعالج بالحزم فينبغي أن يكون وليد البحث والتوافق ولن يسمح بأى حال من الاحوال بفرض حل قسرا.
واننا لواثقون بانه لو تقدم العرب واليهود من هذه المشكلة بالروح التي ينبغي أن تعالج بها فلن يؤدى ذلك الى ايجاد حل لمشكلة فلسطين يكون عادلا لكلا الفريقين فحسب بل يكون بمثابة مساهمة عظمى في سبيل رفع لواء الاستقرار والسلام في ربوع الشرق الاوسط.
وأخيرا ان أقدام حكومة جلالته وموافقة حكومة الولايات المتحدة على معالجة جميع المشاكل التي ولدها الاضطهاد النازي لدليل قاطع على تصميمها على معالجة المشكلة معالجة انشائية وبروح انسانية بيد انه ينبغى أن أؤكد ان هذه المشكلة لا يمكن معالجتها فيما يتعلق بفلسطين وحدها فحسب بل انها تتطلب توحيد الجهود وتضافر القوى لتفريج كربة هذه الشعوب المتألمة.
وأود في الختام أن أضيف الى ما تقدم انني كنت طيلة هذه المدة في تشاور وثيق مع صديقي النبيل وزير المستعمرات حول هذا الموضوع الذي يهمه أمره إذ أن وضع فلسطين الانتدابي يجعل تلك البلاد ضمن نطاق مسئولية وزارة المستعمرات ولكنه أيضا على جانب كبير من الاهمية الى ذلك ان المشكلة هي كما يظهر بجلاء مشكلة دولية وتنوي حكومة جلالته أن تواصل معالجة هذا الموضوع بالتعاون الوثيق بين وزارتينا كي يتاح التوفيق بين مشكلة فلسطين الخاصة والمسائل الدولية الأوسع مدى التي تنطوي عليها هذه المشكلة ومعالجتها جميعا كمشكلة انسانية عظمى.