كتاب "نهج الاعتدال العربي"،
نهج الاعتدال العربي ؛ مذكرات سياسية 1991 - 2005
لـ مروان المعشر
https://ealam-alkitab-pdf-odf-mp3.site/jamie_alfiaat_tahmil_pdf-nhj_l_tdl_l_rby_mdhkrt_sysy_1991_2005_2259.html قراءة في كتاب “النهضة العربية الثانية”
د. مروان المعشر
يوسف عبدالله محمود
بين يدي كتاب فريد من نوعه وعمقه وفلسفته يقرأ قراءة تحليلية ناقدة لثورات “الربيع العربي” صدر حديثاً باللغة الانجليزية تحت عنوان “The Second Arab Awakening” 2014م. الكتاب للباحث والدبلوماسي الاردني المعروف الدكتور مروان المعشر. غلب على الكتاب التحليل النقدي التاريخي لواقع العالم العربي بعد ثورات الربيع العربي.
في كتابه يبحث المؤلف عن الاسباب التي فجّرت ثورات الربيع العربي فيما سماه “النهضة العربية الثانية”. في البداية تطرق الى اسباب فشل “النهضة العربية الأولى” مُحذرا من المحاولات والتحديات التي تهدد نجاح “النهضة الثانية”، وهي كما ارى بدأت جاهدة لاجهاضها!.
مروان المعشر يشير في كتابه الى ان اندلاع ثورات الربيع العربي في عدد من البلدان العربية كان امراً محتوماً لكن –والكلام له- تحقيق اهداف “الثوار” والمتظاهرين لم يتحقق بعد! But achieving Protester’s goals is not.
وفيا يتعلق بالقوى الخارجية الغربية فهو يرى ان تقييمها لهذه الثورات كان خاطئاً. ثورات الشعوب لا تستشير احداً حين تندلع! لا تأخذ اذناً من اعدائها!
وفيما يخص نهوض الجماعات الإسلامية فهو يرى ان ذلك كان متوقعاً، فهم من حين التنظيم يتفوقون على غيرهم، الا انهم لا يعيرون “التعددية” و”الديمقراطية” ما تستحقانه من اهتمام. المؤلف يدعو من يريدون لهذه الثورات ان تنتصر حقيقة الى ان يلبوا احتياجات الجماهير الاقتصادية والاجتماعية، فهذه في سلم الاولويات. يدعوهم الى محاربة الفساد، يدعوهم الى ان يكونوا “براجماتيين” في الحلول التي يلجأون اليها وأن ينأوا عن الخطط الايديولوجية التي عانت الجماهير العربية منها على مدى عقود طويلة دون فائدة. To be more fluent in pragmatic solutions than in dated ideological platforms.
وفي ابراز منه لقيمة السياسة التربوية والتعليمية في البلدان العربية يقول د. المعشر: “كما ان هذه البلدان بحاجة الى اقتصاد متين وبرامج اجتماعية، وكذلك فهي بحاجة ايضاً الى سياسة تربوية/ تعليمية تخدم “التعددية” وتحترم ثقافة الاختلاف، وتشجع “التفكير النقدي”. ان جيل هذه الثورات عليه مسؤولية تنمية المجتمع المدني وخلق “المواطنة الصالحة” يجب ان يبني القواعد الاساسية للتقدم والازدهار. عليه تطوير الموارد المالية وصولاً الى هذا الهدف.
ينتقد المؤلف الجماعات الاسلامية التي تتمسك بمقولة “الاسلام هو الحل” غير مراعية لمفهوم التعددية والديمقراطية ومطالب هذا العصر التي تختلف عن مطالب العصور الماضية.
يركز د. المعشر على “البرامج” لا على صيت الافراد الذين يتصدون للعمل السياسي دون برامج مقنعة. وهنا يضرب مثلاً بأسماء لمعت خلال الانتخابات الرئاسية المصرية 2012م مثل حمدين صباحي وعمر موسى وابو الفتوح ممن حصدوا ملايين الاصوات اعتماداً على شهرتهم وصيتهم اكثر منه على البرامج المفصلة. دون اعتماد مثل هذه البرامج فانهم لن يكونوا مقنعين للجماهير في المدة الطويل! البرامج اولاً لا الاسماء والشعارات.
ان البرامج المقنعة للجماهير هي ذات المصداقية التي تلبي احتياجاتها، اما تلك التي تعتمد الشعارت الرنانة فلن تصمد ابداً. “الشعارات” ولى زمنها!
ويمضي المؤلف قائلاً: ان جيل هذه الثورات عليه ان يتغلب على الصعوبات التي تواجهه حتى يتمكن من بناء مؤسسات سياسية وثقافية تتطلبها مشاريع التقدم على ان تكون “التعددية” واحترام “التنوع” اولوية هذه المؤسسات التي يتم بناؤها.
المعشر يدعو الى “الحوار” وعدم اغلاقه كما يدعو الجماعات الاسلامية المعتدلة الى نبذ “الاقصاء” او الالتفاف على الديمقراطية والمجتمع المدني! يطالبها بالتخلي عن “الحدية” وان تقارب ايقاع العصر.
في كتابه يؤكد المؤلف انه لم يكتبه انطلاقاً من “مثالية” او “رومانسية” غير قابلة للتحقيق. ما ورد فيه –كما يقول- يدل على ان معركة “الافكار” قد بدأت ولن تنتهي. The Battle of Ideas has Finally Started.
انها معركة هؤلاء المناضلين والمكافحين من اجل الديمقراطية والتعددية وبناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعتمد منطق العصر وروح العدالة اما الدكتاتوريات العربية فمصيرها ان تضعف وتتلاشى لانها لا تستجيب لحاجات وطموحات الجماهير.
ان الوصول الى هذه الطموحات لن يتم في عشية وضحاها بل سيستغرق وقتاً بل عقوداً، الا انه قادم. لقد بدأت بواكير “النهضة الثانية” وقطف ثمارها قد يستغرق وقتاً طويلاً، فالمعركة هي معركة بناء “التعددية” وعدم “الاقصاء”.
وبثقة واطمئنان يؤكد مروان المعشر أن التاريخ سيكشف عما سيحدث خلال هذه “النهضة الثانية” what is transpiring in today’s Arab Awakening.
لن يكون الوئام والسلام والاستقرار سهل المنال للمجتمعات العربية. الكل سيصارع من اجل الهيمنة والسلطة سواء الجماعات الدينية او انصار الديمقراطية والمجتمع المدني من الليبراليين.
لن تأتي “الديمقراطية” على طبق من ذهب، الطريق اليها شاق في ضوء التحديات الداخلية والخارجية. لكنها في النهاية ستنتصر! “ليست هناك طريق مختصرة للوصول الى الديمقراطية والازدهار”. There are no shortcuts to democracy and prosperity. ص 186
وكما ذُكر سابقاً فالمؤلف ركز على دور التربية والتعليم في ابراز “التعددية” Pluralism وتفويقها.
“التربية والتعليم” وفق المعايير الحضارية المعاصر هي التي تؤدي الى احترام “ثقافة الاختلاف”. وعليه ينبغي ان تغرس بذور هذه الثقافة في المدارس والكليات والجامعات. ومع الاسف فان معظم اساليب التربية وفي بلداننا العربية لا تحتفي بالتفكير النقدي Critical Thinking.
تغييب هذا الفكر النقدي لا يخدم الطموحات الوطنية. “ان الهدف الاساسي الذي تتوخاه اساليب ونظم مدارسنا هو ان تربي التلاميذ على الانقياد والطاعة وتعلم ما يملى عليهم فحسب، اما “المسائلة” فغير مسموح بها غالباً. The school systems has been to educate students to be docile and not to question what they are told.
ص 124.
وعليه يؤكد د. المعشر على ان ضعف الاساليب التربوية والتعليمية العربية قد ادى بالضرورة الى فشل الحكومات في توفير الوظائف للشباب والعاطلين عن العمل. من هنا فهو يدعو الى اعادة النظر في المناهج والاساليب التعليمية اذا ما أُريد بناء مؤسسات اقتصادية وسياسية تحتفي بِ”التعددية” . وفي هذا الصدد يدعو الى عدم الاكتفاء بالجانب “الكمي” من حيث عدد المدارس والابنية وكمية المواد بل ايضاً بالجانب “النوعي” الذي ينمي التفكير النقدي ولا يقصي تفكير الآخرين ان خالفوا غيرهم.
وبعد، فإن هذا الكتاب كما وصفه ديفيد اغناتيوس احد كتاب الاعمدة الكبار في الوشنطن بوست يعد وثيقة او “مانفستو” يدعم “التعددية السياسية” في العالم العربي والتي مع الاسف لم يتم الاحتفاء بها كما يجب من قبل ثورات الربيع العربي! فالعقبات كثيرة، لكن فجر الشعوب بدأ يلوح مخترقاً “عتمة” طال امدها.
مروان المعشر في كتابه النفيس هذا لم يكتف بوصف العلل العربية المزمنة، بل تطرق بموضوعية الى كيفية علاجها مولياً “التربية والتعليم” المقام الاول في هذا المجال.
دعا الى احداث ثورة معرفية في “الاذهان” تنأى بها عن “الانغلاق” تحفزها على قبول “ثقافة الاختلاف”. تحررها من “التعصب ” الطائفي والمذهبي والقُطري.
كتاب مروان المعشر وثيقة حضارية بامتياز اتنى على المؤلف ان يسعى الى ترجمتها الى اللغة العربية ليستأنس بمفرداتها الممتلئة اصحاب العقول المستنيرة من سياسيين واكاديميين ومثقفين. وبصدق اقول الحاجة مُلحة الى مثل هذه الترجمة لتسريع “النهضة العربية الثانية” بغية فتح كوة نور في عتمة عربية عاقت اي اصلاح منشود.