في أجواء هدوءٍ يسبق العاصفة: ماذا يريد هؤلاء الصغار؟
م. زهير الشاعر
كنت سأكتب مقالتي اليوم في سياق غير هذا السياق ، سياق مهني يتعلق بتقاطعات تطورات الوضع السياسي والميداني الفلسطيني العام ، خاصة فيما يتعلق بالتصعيد الحاصل في الأراضي الفلسطينية وبتقييم زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة الفرنسية باريس، ومحادثات القاهرة بين المخابرات العامة المصرية والوفد الأمني لحركة حماس الفلسطينية ، والحراك المصري المرتقب والتحديات القائمة أمام انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، والانفراجة القادمة على قطاع غزة التي يبدو بأن البعض يحلو له بأن يرهنها بإنهاء الإنقسام الذي لا يوجد هناك مؤشرات تدل على أنه سيتم في الأجل القريب ما لم يقرر الله سبحانه وتعالى أمراً كان مفعولا!.
لكن كون أن كرامة الإنسان لا تحتمل الصمت طويلاً، لذلك يبدو لي أن أبناء قطاع غزة المكلوم لا زال مكتوب عليهم في قاموس رعاة الهمجية، أن يستمروا في تحمل مصائب بعض المجانين والمعاتيه الذين ظنوا أنهم كبارا، لذلك يتحملون الآلام والأوجاع ، لأن أمرهم لا زال معلقاً في أيدِ رزايا مترابطي المصالح، جلبتهم صدفة الأيام لتصنع منهم أصحاب قرار، حتى أصبحوا بين عشية وضحاها يتمتعون بالسلطة والنفوذ بعد الحرمان، أو على الأقل أصبحوا أدوات قادرة على التخريب، ليغيروا الحقائق فيصبح الحق باطلاً والباطل حقا، وكأنهم يعيشون في غابةٍ بلا سقفٍ قانوني أو أخلاقي أو وطني أو عشائري!.
لذلك لابد من التنويه في بداية مقالتي هذه من باب النصيحة لهؤلاء الصغار، وهي أن التاريخ لا يرحم أحد ، وأن الأيام قد أثبتت بأن طارق الباب كائن من كان هو في حاجة ماسة لا يجوز إحتقار طلبه أو التقليل من شأنه، أو محاولة الالتفاف على حقوقه، لأن الإنسان يبقى إنسان مهما علا شأنه، سيحتاج يوما ما وفي مكان ما لطرق بابٍ ما لطالما بقي قلبه ينبض بالحياة، لذلك لم أكن أتعود إغلاق بابي في وجه أحدٍ ، وكنت أتخوف دائماً ولا زلت من أن يأتي دوري لأطرق باب غيري لأنها هكذا الحياة وهذه هي سننها، وكوني مطلع على حاجة الكثيرين حرصت على أن أكون دائماً ناصحٌ أمين، ولا أغالي في القطيعة حتى مع الجهلة الشياطين الذين يتلذذون بالحقد ويعتاشون لحظات حياتهم الآنية على الحقد والحسد ، وهم يدفعون الأخرين ليكونوا في حاجةٍ ماسة بعد أن يهدموا مستقبل أبنائهم وبيوتهم التي عمروها، متناسين يوم تنقلب فيه الأمور وتصبح الحاجة في غير مكانها مع تغير عناوينها، والتي أصبحت على ما يبدو بأنها قريبة جداً ، فيصبحوا حينئذٍ في طلب حاجتهم أكثر إنكساراً وذلة ليذوقوا شراباً علقماً من نفس الكأس اللعين الذي حرصوا على أن يذيقوه للآخرين!.
لذلك لا أدري إن كانت هي غفوة من الزمن عند هؤلاء المجانين من المهووسين بالمال والسلطة والنفوذ الذين يتناسون فيها حماقات يرتكبونها عن عمد يوماً بعد يوم، تُرَاكِم لهم كراهية فوق طاقتهم وطاقة اسرهم وبغضاء في قلوب الناس، لربما تصل حد الرغبة بالإنتقام منهم ومن ذويهم، ولكن الكيفية تبقى غامضة مع غياب العقل، ويومها يكون الندم لهم شديد!.
هم أولئك الصغار الذين تعودوا على الوقاحة العالية نسبياً في تعميق ألام وأوجاع الأخرين والتعدي على حقوقهم مستغلين صلاحياتهم التي مُنِحَت لهم في غفلة من الزمن مع حالة تقسيم الصلاحيات والنفوذ ، فظنوا أنها أبعدتهم إلى الأبد عن المساءلة القانونية أو الملاحقة الوطنية والعشائرية!، ولكنهم يتناسون بأن جحورهم قذرة مهما حاولوا إظهارها نظيفة، وأن نظافتها كما يقول التاريخ لا يمكن أن تتعدى منطق التداول مع هبوب رياح التغيير عاجلاً أم آجلاً، ليصبح حينها هؤلاء المساكين من فئة النمور الورقية التي كانت تحيط نفسها بهالة من التوحش والإجرام، ولكنها كانت تتناسى بأنها ستصبح كالفئران المستكينة تمكث في إحدى زوايا مزابل التاريخ مع تغير الزمن وتغير الظروف ، لتبدأ حياة ذليلة تستكمل فيها مسيرتها الحياتية وهم يعضون أصابع الندم مع موعظة الحياة الجديدة ودروسها حتى يعوا بأن ما كانوا يفعلونه هو خارج عن نطاق الإنسانية ، هذا هو حال المشهد الفلسطيني من بعض زواياه القائمة التي باتت مظلمة للغاية ، والتي يفرضها سلوك رزايا ومنحطين فرضتهم الصدفة في غفلة من هذا الزمن الرديئ!.
كيف لا ، وهناك من يتبجح من هؤلاء الصغار معروفي الأسماء والألقاب والعناوين والأفعال الذين وضِعُوا في موقع المسؤولية وكأنهم ملكوا الدنيا وما فيها، متناسين غدر الزمن وتداول الأيام، ومسقطين صحوة الضمير ومتجاهلين بأن يوم الحساب قادم مهما طالت الأيام!، وأن اللحظة الحاسمة في يوم الحساب لا تُوقٍف الإنتقام وستضيق بهم الدنيا كما ضيقوها على الآخرين، خاصة إن كان هناك غضبٌ لا يعلم هؤلاء الجهلة فن إحتواءه وكيفية التوقف عن تصعيده مبكراً، وعجزهم عن فهم حقيقة واحدة وهي أن الحقوق لا يتغول عليها إلا الجبناء والمشبوهين!، أما الوطنيون الشرفاء فيكون لديهم ضمانة لتَبْقى هذه الحقوق عندهم مصانة تعود لأصحابها وبزيادة لا نقصان!.
كما لا يفوتني مشهد هؤلاء الصبية العابثين من المنفلتين والمنفلتات وبعض أطفال الأنابيب من المغفلين المنحلين في الشتات الذين يظنون بأنه مع اللعب على عامل الوقت، ستكون صفحاتهم بيضاء وغير مفضوحة ، وأنهم عندما يمنحون هذا وذاك ممن لا يستحقوا وبطريقة تتجاوز القانون ويمنعون عن هذا وذاك ممن يستحقوا وبطائلة القانون، بأنهم يتمتعون بِحُلْم الرجولة أو رقي وأخلاق الأنوثة!.
لا يا أولئك ليس هكذا تسير الأمور، فأنتم أصبحتم عناوين جريمة وتمعنون في الفساد وتغرقون في وحله سواء كنتم تدرون أو لا تدرون أو كنتم ولا زلتم تفعلون ذلك عن جهل أو عن مكابرة، ويوم الحساب قادم لا محالة ويومها لن ينفع الندم!، فكيف لا ، وذلك الذي صبر بعد أن أبدع في عمله ورفض بأن يتواطئ مع فكرة هؤلاء الصغار المجانين، يتم العمل على تحطيمه وتعقيد أموره ليكون ضحية سلوكهم الهمجي، أما ذاك المارق العاشق الولهان الذي يهوى النكاح متعدد الجنسيات يُصْرَف له راتب 2000 يورو إضافة إلى راتبه التقاعدي كمهمة حوارية مزيفة وهو جالس في بيته في بلد يمارس فيها البيزنس في العقارات والأراضي وليس بحاجة لذلك، لا بل هو بعيد كل البعد عن الهم الوطني! ، هذا بعد أن ثبت عليه بالأمر القاطع وفي لجنة تحقيق بأنه تَصَرَفَ بثمن بيتٍ كانت تبرعت به سيدة لأهل غزة أثناء الحرب الأخيرة ، وبدلاً من معاقبته تم مكافئته، وهؤلاء يعلمون بأنه لص كالكثيرين من شركائهم المعلومين لديهم أكثر من غيرهم ، وعليه دلائل بسرقة المال العام، وهناك الكثير ما يقال عن أمثلة كثيرة مشابهة ومخزية يشيب لها الرأس ولكننا نتعفف عن ذكرها في هذا المقام!.
نعم، هؤلاء الصبية من المغفلين والمساكين والمتمردين على الحق ، يمارسون إزدواجية مفضوحة وعنصرية جغرافية بغيضة، ويتناسون بأن للناس كرامة ، وأن لديهم عيون يرون فيها الحق والباطل وأذان يسمعون فيها الطيب والخبيث والله سبحانه وتعالى منح الإنسان القدرة على التمييز بين الغث والسمين وبين الجنون والحكمة ليمنح العاقل فرصة الإختيار بين الخير والشر!.
وهنا لا أريد أن أستطرد في كلماتي هذه أكثر حتى لا أقلب الطاولة على رأس هؤلاء الصغار من الأغبياء الذين يتفذلكون ويظنون بأنهم أذكياء وأنهم من صفوة الشرفاء وأنهم بعيدين عن الحساب، وهم لا يدرون بأنهم مفضوحين وجبناء وبأفعالهم الهمجية هذه باتوا لا يمتون للشرف بصلة!، لا بل، لا تتجاوز رجولتهم سقف حذاء طفل في قاموس الرجولة!، ومن على رأسه بطحة عليه أن يحسس عليها قبل فوات الأوان!، لأنه لربما سيداس قريباً بحذاء قذر يتلاءم مع أفعاله الشريرة القذرة ونفسيته المنحطة، لأن الزمن لم يعد كما يظنونه ذاك الزمان، وأن الحال لم يعد كما يسوقه بعض هؤلاء المنحرفين فكرياً والذين يعانون من لوثة عقلية ناجمة عن تربية تراكمية غير طبيعية، لكي يعلم هؤلاء وهم من أيتام الرجولة، بأنه في هذا الوقت إن لم يعد العقل إلى رشده والتوقف عن المبالغة في هذا السلوك العدواني المنحط، فسيتم فتح كتاب لن يتحملوا ما سيجئ في صفحاته ولهم مع ذلك تجربة، خاصة أن القلم الذي يكتب هو قلم حر لا يعرف خطوطاً حمراء، وجعبته مليئة جداً بالكثير الذي سيجعلهم يخرون وهم اذلاء، وأكثر مما يتخيلون ، وعليهم أن يدركوا يقيناً بأنه لم يعد هناك مجالاً للطبطبة وحساب للخواطر أو حساب لمعطيات واقع قائم، خاصةً إن كان الأمر يتعلق بكرامة الإنسان وبالحق الشخصي والعام وبدورهم المشبوه في التستر على الكثير من سرقة المال العام وغيرها، فإن النهاية ستكون محتومة طال الزمن أم قصر والفضيحة المجلجلة ستلتصق في جبينهم وجبين أسرهم إلى الأبد وستكون هي العنوان !.
لذلك لابد من التأكيد على أن ناصحيهم هم من الصادقين الأوفياء وأن الحق لا يقبل القسمة أو كثرة التفسير والمراوغة أو منطق التسويف والإبتزاز، وأظن أن هؤلاء الصغار لا زالوا تائهين لا يدرون ما تخبئه الأيام، وأن الأمر لم يعد بين يدي فلان أو علان، بل الأمر يحتاج إلى موقف متزن من الكبار وإلى عقل وحكمة وإلى تقدير موقف وبعد نظر ومن ثم إلى قرار صادق نابع من الإيمان بالحق، ويعتمد على أساس أن ما لا يقبلونه على أنفسهم لا يجب أن يقبلونه بوقاحةٍ على غيرهم من أبناء شعبهم، وإلى صحوة ضمير حتى يعرف الكبار ماذا يريد هؤلاء الصغار ويعملوا على لجمهم قبل إشتعال النيران!.