العالم يدرك صعوبة الحديث عن الاستقرار مع أنظمة فاشلة
القيادي البارز في جماعة الإخوان الأردنية الشيخ زكي بني ارشيد لـ«القدس العربي»:
عمان ـ «القدس العربي»: بسام البدارين: أجاب الرجل الثاني في تنظيم الإخوان المسلمين الأردني الشيخ زكي بني ارشيد بعمق وصراحة عن العديد من الأسئلة المهمة المطروحة خصوصاً تلك المتعلقة ليس فقط بمستجدات الإقليم ولا التحديات السياسية أمام جماعة الإخوان، ولكن بتفاصيل المراجعة الموضوعية التي جرت بعد انحسار موجة الربيع العربي.
لا تكشف «القدس العربي» سراً وهي تؤكد أن الشيخ بني ارشيد القيادي الشاب المثقف من رموز هذه المراجعة طوال السنوات الثلاث الماضية قد شارك في حوارات ولقاءات معمقة جرت لقراءة المشهد وإعادة انتاج تصور إسلامي داخلي معتدل وعميق لما بعد انحسار الربيع العربي. وسعة اطّلاع الشيخ بني ارشيد وصراحته في الإجابة الجريئة عن أي سؤال محطة واضحة الملامح.
«القدس العربي» التي تحاورت بعمق معه نحو ثلاث ساعات تسجل في الحديث التالي بعض وليس كل فعاليات الحوار، وهو حديث خصصته «القدس العربي» تحديدًا للتأمل في ثلاث محطات هي الموقف السعودي والمشهد السوري ومشروعات شيطنة الإخوان المسلمين التي تخفق حتى اللحظة في ربطهم بالإرهاب:
■ نبدأ من المستجد السعودي، نعلم أنكم شعرتم بقدر من الاسترخاء عندما تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، ما الذي حصل بالسياق ويحصل الآن؟
■ نعم برز قدر من التفاؤل عندما تولى الملك سلمان بن عبد العزيز، هذا التفاؤل لم يأت من فراغ، فقد حصلت التفاتة في الموقف الاستراتيجي للسعودية وصدرت مبادرات من بينها مثلًا لقاءات مباشرة مع يوسف القرضاوي وراشد الغنوشي وغيرهما، وتخفيف من حدة النظام المصري في ملف المحاكمات وجزء من المشاورات مع إخوة لنا في اليمن. كانت الأجواء مواتية أكثر للتفاؤل.
■ تغيرت الأمور لاحقاً بسرعة أليس كذلك؟
■ هذه المعطيات تغيرت بمجرد انتقال أو بداية عهد الأمير الشاب محمد بن سلمان. حصل تحول ملموس في الموقف السعودي هنا واختلفت البوصلة عن تلك التي توقعناها في عهد والده.
■ لِمَ بتقديركم؟
■ الأمير الشاب كانت له أولويات مختلفة، وبدا مستعجلاً، زار واشنطن ثلاث مرات، وفتح على جهات إسرائيلية، ومحمد بن زايد ضدَّ الإخوان المسلمين، وقطر وتركيا ومنطق أبو ظبي وجد ضالته بمشاركة مع محمد بن سلمان. هنا حصرياً تغيرت المعطيات، لكن بقيت السعودية في حالة تكتيكية، دعني أقول إنها عدائية لنا، ولكنها غير منشغلة بهذه العدائية، ولديها أولويات أخرى، وهذا وضع إن لم يكن مريحاً فهو أقل صعوبة علينا.
أوروبا وأمريكا و«الإرهاب»
■ في تقديركم ما هي العناصر والعوامل التي تؤثر في المشروع العدائي ضدَّ الإخوان المسلمين اليوم، خصوصًا عندما يرتبط التصعيد بمحاولة التشبيك مع ملف الإرهاب؟
■ قد لا تصمد رؤية تصعيدية من هذا الطراز، سواء كانت في أبو ظبي أو الرياض أو حتى غيرهما من العواصم ضدَّ الإخوان المسلمين لعدة أسباب، أهمها تطرح تساؤلات أساسية من وزن، كيف نواجه الإرهاب من دون تيار جماهيري عميق من وزن الإخوان المسلمين؟ وما هو الفارق في الصورة النمطية؟ يبدو لي أن أوروبا مثلا مفتوحة على النقاش بهذه النقطة، وكذلك بعض الدوائر والنقاشات الأمريكية.
وعليه فالمشروعات المريبة التي تحاول «شيطنة» التيارات الإسلامية المعتدلة تنتقل من استراتيجية عدائية للإخوان المسلمين إلى تيارات ووجهات نظر هنا وهناك في بعض أجهزة الحكم العربية والخليجية ضدَّ الإخوان المسلمين، هذا أيضاً وضع ليس مريحاً، لكنه أقل خشونة، وتقل خشونته بسبب تعقيدات الموقف في اليمن وسوريا.
الأمريكيون والأوروبيون لديهم تجربة مرة مع التعبيرات المتطرفة في العراق، وهنا تقفز المقاربات التي تقول ضمنيًا إن تصنيف الإخوان المسلمين بالإرهاب ليس متعقلًا ولا موضوعياً بقدر ما هو «أجنداتي» وسياسي.
■ ما الذي حصل مع بريطانيا في رأيكم بالخصوص؟
■ المملكة المتحدة حسمت موقفها بشكل واضح، تُجاه ليس عدم تصنيف الإخوان جماعة إرهابية فقط، وإنما أيضاً باعتبار دورها في مواجهة الإرهاب من جهة وعدم تجاهل دورها التمثيلي لتيار الإسلام السياسي المعتدل. وقريباً من هذا الموقف ذهبت الإدارة الأمريكية عندما امتنعت عن تصنيف الإخوان جماعة إرهابية.
■ إلى ماذا يؤشر ذلك في رأيكم؟
■ الإشارة الواضحة هنا أن النظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه بالتشكيل، ويتميز بديمقراطية المعرفة وغزارة الإنتاج المتوقع، يسعى نحو تأمين شبكات لتحقيق الاستقرار والأمن والسلم العالميين، ويحرص على مشاركة قوى وتيارات للحد من /أو مواجهة التحديات أو التهديدات التي قد تنشأ عن اتساع الفجوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، أو ما اصطلح على تسميته سابقاً «الشمال والجنوب».
وأمام المعادلة الأكثر تعقيدا المتمثلة بتعمق أزمات المنطقة وعدم نجاح المقاربات القديمة، بدعم الأنظمة القمعية وصعوبة أو فشل إعادة تأهيلها، ما يعني أن المنطقة بأمس الحاجة إلى مناخ الاستقرار والانتهاء من مرحلة الفوضى المدمرة.
في المنطقة دول وكيانات من الصعب أن تعبر بصيغتها الحالية نحو المستقبل، فهي بحاجة إلى إعادة تأهيل، وفي المقدمة الأنظمة التي قادت الشعوب إلى نموذج الدولة الفاشلة.
ينبغي أن لا يسقط العنصر التركي هنا، فبصرف النظر عن التفاصيل يقر العالم بشكله الجديد في المنطقة اليوم أن مكافحة الإرهاب في أوروبا والمنطقة غير ممكنة من دون تركيا، وهذا عنصر لا بد من التعاطي معه في التحليل.
قراءة في الملف السوري
■ يبدو الوضع في المشهد السوري أيضا مفتوحاً على الاحتمالات، نحتاج لقراءتكم هنا لأهم المستجدات؟
■ في سوريا الوضع كالتالي: حتى الآن اتجاه الحسم واضح والمحور الذي يزعم أنه حسم الأمور أيضاً واضح. لكن ذلك لا يعني أن الملف أغلق ليس فقط لأن كل شيء في المنطقة اليوم مفتوح على كل الاحتمالات والسيناريوهات، ولكن أيضاً لأن بعض المتغيرات في مناخ التسوية والفوضى الإقليمية يمكن أن تؤدي إلى تغيير في النتاج.
هل خطر في الذهن مثلاً احتمالية أن يقفز فجأة معطى من نوع «أمن إسرائيل» في الواجهة فيخلط الأوراق مجدداً؟ طبعاً إسرائيل في أزمة لكن أوراقها الاستراتيجية مخفية عنا، وليس سراً أنها تستطيع العبث في المنطقة كما تفعل دوماً، وبصورة توحي بأننا سنجد صعوبة حقيقية في الثقة المطلقة بأن المعطيات حسمت والمعركة انتهت في الملف السوري.
العالم متغير والمنطق في المنطقة حمال أوجه، وكل شيء في الربع الأخير من الساعة يمكن أن يحصل لأن الأجندات متزاحمة والبوصلات غير مستقرة. طبعا روسيا لها دور كبير اليوم لكن إيران طرف أساسي في المعادلة السورية أيضاً.
■ هل حصل أي نوع من التواصل مع اللاعب الروسي؟
■ لم يتصل أو يتواصل الروس معنا بعد، لكن تحليلي أنهم سيفعلون قريبًا آجلاً أم عاجلاً، ونحن مستعدون لأي حوار له علاقة بمصلحة شعوب المنطقة مع موسكو، وليس سراً بخصوصنا بأن توجيه الدعوة من جهتنا للسفير الروسي في عمان لحضور أحد فعالياتنا كانت تحمل المغزى السياسي المقصود. دعونا نقول إن السيناريوهات المفتوحة تعني أو قد تعني في النهاية كل شيء أو أي شيء وفي بعض الأحيان لا شيء محددًا.
الثورة السورية… أخطاء
■ ألا تتصورون اليوم أن الحاجة ملحة لمراجعة وتقويم الوضع السوري بما يتطلبه ذلك من علم وموضوعية وإقرار بالأخطاء؟
■ نعم الثورة السورية وما يسمى أصدقاؤها أو حلفاؤها ونحن منهم، ارتكبوا بعض الأخطاء. لا شكوك في ذلك، حيث تزاحمت الأجندات ولم تكن أطراف المعارضة المسلحة مرتبطة بقرار حقيقي مستقل. كان المناخ في بداية الثورة السورية يستعجل سقوط النظام، وهنا كان التقدير خطأ بالتأكيد، وثبت اليوم أنه خطأ ثم كانت الخلافات وداعش وقسوة وخشونة النظام ضد شعبه، وكلها عناصر دفعت للتعقيد ولا يوجد ما يمنعني من القول بأننا كنا جزءا ممن قرأوا تلك القراءة الخطأ للموقف، وهذا درس تاريخي.
الأهم اليوم ما الذي سيحصل لاحقا؟ في مواجهة هذا السؤال لا بد من التوقف مجدداً عند» المتغير» ومقولة «الحسم» وقطعيتها واحتمالاتها.
■ عن أي أخطاء بصورة محددة نتحدث هنا؟
■ هنا لا بد من تذكير الثورة السورية وحلفائها أو من تبقى منها ومنهم بمراجعة ما حصل ابتداءً من تسليح الانتفاضة والسماح لأجندات التمويل السياسي والعسكري بالتحرك والاستحكام وانتهاءً بالجلوس تحت العباءات التي تغيرت اليوم أو اضطرت لتغيير موقفها.
■ ما الذي سيحصل لاحقا في سوريا في رأيكم؟
■ الجواب على ما سيحصل في سوريا ليس المعارضون معنيين به ولا الثوار، لكن النظام معني وعليه أن يشارك في تأسيس إجابة.
أحد أخطاء الثورة وحلفائها أيضاً هو تفويت الفرصة من البداية للحديث عن تسويات وحلول سياسية وتفاهمات على أساس المشاركة السياسية ليس مع النظام الذي لن يسمع وقد لا يكون مؤهلاً لأن يسمع ولكن مع القوة الفاعلة في المعادلة السورية وهي إيران. نعم؛ فوتنا الفرصة للتحدث مع الإيراني وكان ينبغي أن يحصل ذلك من البداية من دون هذا الاستنزاف.
■ باختصار، هل توافق على مقولة الحسم وأن المسألة انتهت لمصلحة النظام؟
■ هل انتصر أو حسم النظام؟ سؤال حمال أوجه أيضاً ومفتوح على الاحتمالات نفسها، عن أي انتصار نتحدث هنا؟ علينا أن نلاحظ مثلاً أن النظام برغم ما يقال عن الحسم مضطر للجلوس في الأستانة قسراً، وهذا يعني أن الطبخة لم تنته بعد وأن الحسم على الأقل غير مكتمل بالحد الأدنى.
سؤال محوري للنظام
■ من باب التحليل أيضاً، ما الذي يمكن قوله اليوم لنظام بشار الأسد؟
■ إذا قلنا ان أخطاءنا نحن أصدقاء الثورة السورية واضحة ونقر بها، وأوصلتنا اليوم إلى الدعوة لحل سياسي وسلمي للأزمة، علينا أن نعرف بالمقابل كيف يفكر النظام؟ هل يعتبر نفسه جزءاً من المسألة أم طرفاً يشارك في مراجعة وطنية أم يتحمل أخلاقياً ولو جزءاً من مسؤولية المؤامرة التي يتحدث عنها؟
إذا وافقت على ما يقوله النظام بوجود مؤامرة كونية على سوريا يصبح السؤال التالي هو الأساسي: أنت أيها النظام هل توافق اليوم على فتح صفحة جديدة، وهل قرأت الدرس جيدًا ما دامت سوريا مستهدفة؟ وهل لديك الرغبة أولاً ثم القدرة ثانيًا على الاعتراف بوجود أخطاء من جهتك أيضاً دفعت شرائح من السوريين إلى أحضان المؤامرة المزعومة؟
هذا سؤال محوري اليوم والجواب ليس عندي ولا عند الثورة السورية وأصدقائها بل عند النظام نفسه.
■ نشعر بوجود هدف أعمق للسؤال؟
■ من باب التحليل فقط أقول إذا استمرت عنجهية النظام وأنكر اخطاءه ويريد أن يستمر في برنامجه القديم التسلطي الدكتاتوري العنيف أو الانتقامي الثأري، هل سيعني هذا فتح صفحة جديدة في المجتمع السوري، وهل سيعني أن سوريا ستكفكف دموعها وتبدأ بإعادة الإعمار وفقط على أسس الحسم العسكري من دون إصلاح وتنمية سياسية ومشاركة وديمقراطية.
إذا استمر النظام هنا بعد حسمه المفترض بالإنكار وعاد إلى أصول لعبته في الماضي نقترب من صيغة «كأنك يا بو زيد ما غزيت» وبالتالي عن أية نهاية نتحدث لأن الأزمة ببساطة هنا ستبقى على قيد الحياة، وقد تهبط من مستوى الصراع العسكري العلني إلى عمق المجتمع السوري.
وبالتالي تكون سوريا مرة أخرى بنظامها ومعارضيها وثورتها معرضة لأجندات إضافية لاستنساخ مؤامرة لا أحد يعرف كيف تكون. لدي دليل كبير على هذا الأمر يتمثل في ضرورة أن نقرأ ما حصل في العراق مثلًا.