فايننشال تايمز: هؤلاء هم أثرياء الحرب الأهلية الذين حلوا محل رامي مخلوف في سوريا
كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير مطول لها أعدته تشولي كورنيش عن “الوجوه الجديدة” التي باتت تملك
الثروة في سوريا وتقدم الدعم المالي للنظام وتسهم في بقائه في الحكم. وحل هؤلاء محل الحرس القديم الذي هاجر من
البلاد أو سيطرت الدولة على ممتلكاتهم.
وقالت إن الحرب في سوريا تركت فقط الأغنياء والفقراء، وبات الأغنياء قلة تتربح من الحرب وتدير اقتصاده الذي لم
يعد سوى هيكلا عظميا عما كان قبل الحرب. وتشير الصحيفة إلى رحلة شقيقين سوريين سافرا هذا الصيف إلى منتجع
كان الفرنسي، واستمتعا على خلاف المهاجرين السوريين الذين ركبوا بالقوارب المطاطية وغامروا بحياتهم في البحر.
فقد سافرا بطائرة خاصة ثم ركبا سيارات فيراري وانتهت رحلتهما في جزيرة ماكونوس، وتم توثيق الرحلة على منابر
التواصل الإجتماعي. وعنت الكاتبة بالشقيقين، محمد وعلي نجلا رجل الأعمال السوري وابن خال ورفيق طفولة الرئيس
بشار الأسد، رامي مخلوف. وقبل الحرب كان مخلوف يملك نصف اقتصاد سوريا تقريبا رغم العقوبات الدولية عليه منذ
عام 2008. وظل مخلوف البالغ من العمر، 50 عاما الممول للنظام المنبوذ قبل أن يسقط مما فتح المجال أمام تجار
الحرب الجدد لتحدي هيمنته. وأدت الحرب الأهلية لتمزيق النسيج الإجتماعي وقادت إلى أكبر عملية تشريد منذ الحرب
العالمية الثانية، وأصبح 12 مليون من سكانها لاجئين أو نازحين في وطنهم. فيما قضت عائلة الأسد التي تحكم سوريا
منذ خمسة عقود على المعارضة العلمانية مخلفة فقط الجهاديين. ويتهم النظام باعتقال وتعذيب مئات الألاف من المواطنين
ولكنه استعاد السيطرة على معظم سوريا بدعم من إيران وروسيا فيما لم يتوقف بعد القتال في شمال غرب البلاد. وفي
خلال هذا يزداد الفقير فقرا والغني غنى. وعندما زارت الصحيفة دمشق هذا العام شاهدت الناس وهم يصطفون بالطوابير
للحصول على زيت الطعام والخبز وسط انقطاع مستمر للتيار الكهربائي. وقال بعضهم إنهم يأكلون اللحم مرة واحدة في
الشهر. وقال صاحب محل “انتظر معجزة” و “الوضع عام على الجميع”. وقضت الحرب على الطبقة المتوسطة.
وفي الوقت الذي قضى فيه نجلا مخلوف وقتهما في مونت كارلو وسانت تروبي توسعت الثغرة بين الفقير والغني داخل
سوريا. وتعيش نسبة 80% من سكان مصر تحت خط الفقر. ولم يعد باستطاعة أحد الحصول على المال، فقد تراجعت
ميزانية سوريا من 60 مليار دولار قبل الحرب إلى 15 مليار في عام 2016. فقد قضت الحرب والتجنيد والجراح
والموت على القوة العاملة مما أجبرت الشركات للبحث عن عمالة. ويواجه أصحاب الأعمال مشاكل في انقطاع الطاقة
ومحاولات الدولة الحصول على أموال منها. وتوقفت التجارة الدولية بسبب العقوبات على النظام، فيما فاقم الفساد من
الأزمة. وتعتبر منظمة الشفافية العالمية سوريا ثاني أكبر دولة فاسدة في العالم.
وفي كل حرب هناك رابحون جدد أو ما يسميهم مازن، رجل الأعمال من حلب “الطبقة الجديدة من تجار الحرب
وأثريائها” و “لا نعرف كيف يصنع أفرادها المال” و”أحيانا نسأل أنفسنا بأننا على الجانب الخطأ من العمل”.
وهذه الطبقة الجديدة تقوم بتنظيف جثة الإقتصاد السوري من تذويب الفولاذ في المدن المدمرة إلى صفقات النفط
الممنوعة بناء على العقوبات الدولية إلى بيع غرف الفنادق لعمال الإغاثة. وساعد ظهورهم النظام على النجاة واستمرار
التجارة وتدفق النفط ومساعدته في تمويل الميليشيات. وتقول الكاتبة إن حافظ الأسد الذي وصل إلى السلطة عام
1971 جعل أنصاره من العسكريين في طائفته العلوية وتبنى النموذج الإشتراكي. وعندما جاء ابنه بشار، الذي أصبح
رئيسا بالصدفة بعد مقتل شقيقه باسل، حاول تقديم نموذج نيوليبرالي ومرر ما بين 2000-2011 أكثر من
1.000 قانون ومرسوم جمهوري مما أدى لتدفق الإستثمارات في قطاع العقارات والخدمات بشكل همش الصناعات
التقليدية وضاعف في الوقت نفسه من الناتج القومي العام. ولم يتم توزيع الفرص الجديدة بطريقة متساوية، فمع زيادة
النمو زادت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر. وفي برقية سربتها ويكيليكس قال دبلوماسي أمريكي عام 2006 إن “آل
الاسد يحكمون سوريا وكأنها تجارة عائلية” و”الطبقات الفاسدة هي التي تشغل التجارة”. ووصف الدبلوماسي
رامي مخلوف بوجه الفساد في سوريا، وفرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في عام 2008. ولم تؤد العقوبات التي
فرضتها الدول الغربية الخائفة من دخول حرب جديدة إلى تأثر ثروة مخلوف. ويرى جوزيف ضاهر، المحلل السياسي
الإقتصادي السوري- السويسري “من المحتمل زيادة رامي مخلوف ثروته أثناء الحرب” وذلك من خلال فتح طرق
تهريب جديدة واستثمارات أخرى. ومن الصعب تقدير ثروة مخلوف فله مصالح في العقارات والغاز والنفط والإتصالات
ومحلات السوق الحرة، ولكن أهمها سيرياتل”. ويقال إن لديه حصة في شركة طيران وأسهم في شام القابضة التي
قدرت قيمتها عام 2011 بـ 2 مليار دولار. وفي مقال ترويجي على الإنترنت نسب إلى ابنه محمد، الذي يملك طائرة
خاصة مصممة حسب طلبه وقيمتها 43 مليون، فإن ثروة آل مخلوف تصل إلى ملياري دولار. ولم يكن لدى النظام
السوري في السنوات الماضية أي سبب يدعوه للحد من فساد مخلوف. فيما كان رجال الأعمال الخائفين من سيطرته على
أعمالهم يضحون بالنمو وزيادة أرباحهم حتى لا يخسروا تجارتهم. وقال نيقولاس من حلب “لو بدأ رامي يشعر بالحسد
من تجارتك فإنه يدمرك”.
ولم يعد مخلوف اليوم محصنا كما في الماضي، فقد نشرت تقارير تتحدث عن إجباره التخلي عن أجزاء من إمبراطوريته
في الوقت الذي بدأ فيه بشار الأسد توطيد سلطته على البلد. وتضم امبراطورية مخلوف شركة “سيرياتل” ومؤسسة
البستان التي بات مديرها شخص مقرب من أسماء الأسد. وقال رئيس الوزراء السوري عماد خميس في جلسة برلمانية
معلقا على تحقيقات الفساد إن الأسابيع الأولى ستكشف مفاجآت جديدة و “لا أحد فوق القانون”. ويعلق جهاد يازجي
من “سيريا ريبورت” إن ما حدث لمخلوف هو تحذير واضح من بشار و”بالتأكيد هي نهاية للعلاقة الخاصة بينه
والرئيس”.
وما حدث لمخلوف هو تحول باتجاه إعادة ترتيب الإقتصاد لمنفعة الطبقة الجديدة التي ساعدت النظام أثناء الحرب. ومن
هؤلاء سامر فوز الذي لم يكن يسمع به أحد قبل الحرب، واشترى فندق فورزيزونس، الذي كان مقرا لبعثات الأمم المتحدة
أثناء الحرب. وقصة فوز مهمة، فهو من الطبقة الجديدة التي استثمرت غياب المنافسة وزيادة الطلب بعد انهيار الإنتاج
وزيادة التهريب من الخارج. وفي بداية الحرب كانت الميزة الوحيدة لفوز، القادمة عائلته من الساحل هو جواز سفر
تركي وصلات مع الإمارات وشركة شحن بحري للعائلة أنشأتها عام 1988 كانت متخصصة بنقل المواد الغذائية.
واستطاع فوز لعب أوراقه لمنفعة النظام الذي وجد نفسه محاصرا بالعقوبات الدولية. ويقول جوزيف ضاهر “أهم ميزات
لهذه الأسماء هو دور الوسيط الذي لعبته لصالح النظام”. فقدرة فوز على السفر إلى الخارج جعلته مقربا من النظام.
وبسبب غياب المنافس وسع من تجارته إلى النفط وصناعات أخرى. ويدير فوز مجموعة أمان القابضة والتي تصف نفسها
بأنه “أكبر شركة تبادل تجاري متنوعة في البلد ولديها شبكة إمدادات استراتيجية في عدة دول” وتشمل شركة تكرير
السكر ومصنع طحين وشركة تجميع سيارات ومصنع للفولاذ وشركة لصناعة الكوابل والأدوية. ولديه طائرة خاصة عليها
اسمه بالإنكليزية ربطتها أوراق بنما المسربة لشخص اسمه سامر فوز وسافر فيها إلى لبنان وأوروبا مثل لندن وباريس
وستوكهولم. ويملك شركة إعلامية ونقلت عن مجلة “أربيسك” إنه يملك منجم ذهب جنوبي أنقرة وفندق خمسة نجوم
ببودرم. وقد يكون فوز مقربا من الأسد إلا أن أفرادا في عائلة الأسد ليسوا راضين عنه خاصة صحيفة “الوطن” التي
يملكها رامي مخلوف التي نشرت سلسلة من التقارير الناقدة لصفقاته.
ومع أنه حاول تجنب مصير النخبة المقربة من النظام وعدم تعرضه للعقوبات إلا أنه دخل النادي هذا العام عندما فاز
بعطاء لبناء عمارات فاخرة حول دمشق بقيمة 312 مليون دولار. والمشكلة أن الأرض التي سيقام المشروع عليها
صادرها النظام. وبدأ وضعه الدولي ينهار، فبعد عقوبات الإتحاد الأوروبي، أعلنت الولايات المتحدة في حزيران عن
عقوبات ضده وأقاربه وتجارته التي استفادت من مذابح النزاع السوري. ويتحدى فوز القرار الأوروبي ضده مع أن
محاميه البلجيكي رفض التعليق. ويقول مقرب إن دمشق أصبحت مركز عمليات له وهو يعيش خارج سوريا وحصل على
جواز سفر من سانت كيتس أند نيفيس. ورغم تقييد العقوبات الأمريكية على سفره لكنه يستطيع زيارة دبي وتركيا.
وتقول الصحيفة إن بعضا من عقوده الصعبة تلك التي قام بها مع شركائه المزعومين وهم حسام وبراء القاطرجي، من
حلب واللذان برزا كرابحين في الحرب الأهلية. فحسام النائب والأبرز من الأخوين عادة ما يظهر بزيه العسكري
ونظاراته السوداء مع الميليشيا المؤيدة للنظام والتي يمولها والتي قربته من نظام الأسد. ومن أجل التجارة خارج خطوط
العدو كان على الأخوين التعامل مع شخصيات خطيرة، مثل تجارة النفط في الشرق الذي وقع في عدد من الأطراف، تنظيم
الدولة إلى الأكراد. وبفي الفترة ما بين 2014- 2016 كان الجهاديون يضخون 40.000 برميل في اليوم
يباع للتجار السوريين والعراقيين. وكان الأخوان قاطرجي من الذي يعتقد أنهم تاجروا في النفط من خلال قافلة الشاحنات
التي يملكونها. وفي الوقت الذي يسيطر فيه الأكراد على آبار النفط إلا أن المصافي في مناطق الحكومة حيث تقوم
شاحنات القاطرجي بنقله من هناك إلى المصافي في حمص وبانياس. وبحسب وزارة المالية الأمريكية فبراء القاطرجي
يملك شركة في لبنان تبيع النفط الإيراني إلى سوريا. وقال رجل الأعمال طاهر في حلب، إن الأخوين اشتريا قمحا وقطنا
من مناطق شرق الفرات. ورغم استعداد الأخوين التجارة خلف خطوط العدو، إلا أن تمويل ميليشيا أظهر ولاءهما لنظام
الأسد.
ومن بين الوجوه الجديدة محمد صابر حشمو الذي شارك ابنه محمد في مسابقات الفروسية بألعاب لندن الأوليمبية عام
2012. واستطاع حشمو الذي يملك شركة فولاذ بناء ثروته من خلال علاقته مع النظام، حسب ديفيد كوهين المسؤول
في الخزانة الأمريكية عام 2011. ووضع ثقله مع بشار وماهر الاسد وبقية المسؤولين عن عنف الحكومة السورية.
ووجد حشمو فرصة للحصول على شيء من داخل الدمار، وهو كما يقول مازن من حلب “لم يكن شريرا بل انتهازيا”.
ويملك مجموعة حشمو الدولية التي تتعامل بالفولاذ وتربية الخيول إلى الأيس كريم. ويرى البعض أن ثروته ونجاحه
مرتبطان بعلاقته مع ماهر الأسد وبدون هذا فهو لا شيء. ويترأس حشمو لجنة التواصل مع الخليج وهو الذي رحب
برجال الأعمال الخليجيين في معرض دمشق الدولي في آب (أغسطس). وتشير الصحيفة إن بلدة داريا التي سقطت بيد
النظام في آب (أغسطس) كانت فرصة “لرجال حشمو” كي يقوموا بتجميع الحديد والفولاذ من البلدة والمدن الأخرى
وصهره، وبعد ثلاثة أعوام لا يزال رجال حشمو يعملون على حديد داريا بسبب صعوبة الوصول إلى بعض مناطقها. وفي
النهاية هذه هي الوجوه الجديدة التي يعتمد عليها النظام، ويمكنه تغييرها كما غير رامي مخلوف من قبل.