ما هو مصير الاقتصاد الإسرائيلي بعد الحرب على غزة (1)
عانى الاقتصاد الإسرائيلي على مدى السنوات من ازمات اقتصادية عديدة، ومن أوائل تلك الأزمات الأزمة الاقتصادية الخانقة بعد حرب 1948 والتي سميت بحرب النكبة والتي اعقبت انتهاء الانتداب البريطاني واعلان قيام دولة اسرائيل بعد احتلالها جزء كبير من ارض فلسطين ، ففي بداية الخمسينات اتخذ رئيس الوزراء بن غوريون ووزير ماليته ليفي اشكول قرارات مصيرية وصعبة لمنع الانهيار ، وتم ايقاف الهجرة اليهودية إلى إسرائيل وكان من المتوقع انهيار المشروع الصهيوني في فلسطين ، لكن تم انقاضه من الانهيار بسبب:
1-اتفاقيات التعويضات مع المانيا ،حيث التزمت المانيا بدفع المليارات كتعويضات لليهود الناجين من الهولوكوست مع العلم ان حجم التعويضات بحدود 90 مليار دولار خلال 70 عاما.
2-الدعم من عدة دول غربية والولايات المتحدة ، والاثرياء اليهود في العالم .
3-السيطرة على الممتلكات والاصول الفلسطينية بعد الحرب .
وقد مر الاقتصاد الإسرائيلي بمراحل عديدة، حيث كان الاهتمام في بداية الخمسينات بالقطاع الزراعي ، ونتيجة الدعم الغربي زاد النمو الاقتصادي بداية السبعينات ولغاية عام 1985 حيث تم خصخصة العديد من القطاعات والشركات مثل : شركة العال ( الخطوط الجوية الإسرائيلية ) وبعض المصارف الكبرى وقدرت الايرادات ب3 مليار دولار ولم يشمل الخصخصة القطاعات الاستراتيجية مثل: صناعة الأسلحة واستمرت عملية الخصخصة لغاية 2010، ويلاحظ بعد ذلك زيادة القيمة المضافة للقطاعات الاقتصادية والتي انعكست على زيادة الناتج المحلي ليصل إلى 150 مليار دولار في عام 2009 ، ووصول متوسط دخل الفرد إلى 21 الف دولار سنويا ،وكانت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي 3% ، وقطاع الصناعة 19% ، وقطاع الخدمات 78% ووصل معدل التعليم بين الكبار إلى 95% حسب احصائيات 2009 .
إن الاقتصاد الإسرائيلي يعتبر من الاقتصاديات الاكثر ازدهاراً في العالم حيث بلغ الناتج المحلي الاجمالي لعام 2022 ما يزيد على 500 مليار دولار وذلك بفضل نقاط القوة في قطاع التكنولوجيا الفائقة التي تشكل 18% من الناتج المحلي الاجمالي ونصف الصادرات وكذلك قطاع السياحة ،وتعتبر إسرائيل رائدة في مجال الابتكار في التكنولوجيا الحيوية والزراعة مثل شركة نيتا فيم التي طورت تقنيات الري في صحراء النقب في الستينات ولها حضور دولي، وفي صناعة الاسلحة ولديها ثلاث شركات ضخمة :البيت سيستمز ، رافائيل ، الصناعات الجوية الإسرائيلية ، فضل عن وجود خبرات اسرائيلية متعددة لدى شركات متعددة الجنسيات مثل: إنتل ، غوغل وغيرها، وفي عام 2021 بلغ معدل النمو الاقتصادي 8.6%، وانخفض في عام 2022 إلى 6.6% .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو مصير الاقتصاد الإسرائيلي بعد الحرب على غزه خصوصا أن البنك المركزي الإسرائيلي قد عدل توقعاته للنمو الاقتصادي لعام 2023 إلى 2.3% بدلا من 3% ولعام 2024 إلى 2.8% وذلك على فرض احتواء الحرب على غزة ؟
[rtl]
تخفيض التصنيف الائتماني ضربة موجعة للاقتصاد الإسرائيلي (2)[/rtl]
يحدد التصنيف الائتماني درجة ثقة المؤسسات المالية الدولية بالدولة عندما تقوم تلك الدولة بالاقتراض ، فمؤسسات التصنيف هي مؤسسات تعمل على تقييم القوة المالية للشركات والهيئات الحكومية، وخاصة قدرتها على الوفاء بمدفوعات رأس المال والفوائد على ديونها، بالتالي تعبر عن مستوى ثقة وكالات التصنيف الدولية في إن المقترض سوف يفي بالتزاماته بالديون وقدرته على خدمة الدين ، وعالميا يبرز ثلاث وكالات
) هي: Global Ratingsتصنيف عالمية أمريكية (
Standard & Poor's , Moody's , Fitch Ratings.
ويعبر التصنيف المعتمد في تلك الوكالات عن مخاطرة السندات الصادرة عن تلك الدولة ويتم التعبير عن المخاطرة المتعلقة بالسداد من خلال الحروف ، حيث يعد أعلى تصنيف لـ Standard & Poor هو AAA، ولا يتمتع السند بجدارة ائتمانية إذا انخفض إلى BB +، بينما يشير أدنى تصنيف "D" ، إلى إن السند في حالة تخلف عن السداد، أي بمعنى إن الدولة مصدر السند لديها مخاطرة عالية في سداد رأس المال والفوائد.
أما وكالة Moody's فإن تصنيفاتها هي Aaa و Aa و A و Baa و Ba و B و Caa و Ca و C بالإضافة إلى WR و NR التي تعني عدم تصنيفها ، بينما وكالة Fitch، فهي تقوم بتعيين تصنيفات ائتمانية للسندات AAA و AA و A و BBB و BB و B و CCC و CC و C و D.
وتقوم الوكالات بتقييم السندات في وقت إصدارها، حيث يقومون بشكل دوري بإعادة تقييم السندات ومصدريها لمعرفة ما إذا كان ينبغي عليهم تغيير التصنيفات، وتعتبر تصنيفات السندات مهمة لأنها تؤثر على أسعار الفائدة التي تدفعها الشركات والهيئات الحكومية على سنداتها الصادرة ، ويعتمد عليها المستثمرون في السوق المالي .
إن خفض التصنيف الائتماني سوف يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض بالنسبة لإسرائيل لا سيما بأن الحرب على غزة وباعتراف الساسة والعسكريين الإسرائيليين هي حرب طويلة ،بالإضافة إلى زيادة اسعار الفائدة على القروض العقارية والاستهلاكية وبطاقات الائتمان ، وانخفاض حجم الاستثمارات الاجنبية التي تقلصت حسب نشرة وزارة المالية الاسرائيلية في الربع الاول من عام 2023 بنسبة 60%.
إن اسواق الاسهم والسندات ايضا سوف تتأثر حيث سيتوجه المستثمرين نحو الاستثمار في الودائع الادخارية والسندات، بالتالي استعادة الثقة بالأسواق يتطلب اصلاحات حكومية كبيرة لزيادة ثقة رؤوس الاموال في أدوات الدين .
أن كل الحروب السابقة التي خاضتها اسرائيل لم يتم تخفيض التصنيف الائتماني لها و تصنف إسرائيل كدولة ناشئة حققت نهضة اقتصادية كبيرة ، وهذا التخفيض يحدث لأول مرة بالتالي يتطلب دفع فوائد اعلى للمشترين للسندات الحكومية ، و زيادة حجم الدين العام الذي بلغ 294مليار دولا ر في عام 2022 ، ونسبة الدين إلى الناتج المحلي كانت 60.5%،وهذه الارقام متوقع إن ترتفع كثيرا في ظل استمرار الحرب على غزة.
فهل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود في ظل زيادة الإنفاق على الحرب وانخفاض الايرادات ؟!
خسائر فادحة للاقتصاد الإسرائيلي نتيجة الحرب على غزة (3)
دخلت الحرب على غزة يومها الواحد والاربعين دون تحقيق اية اهداف استراتيجية بالمقابل تتوالى الخسائر للاقتصاد الإسرائيلي ، فحسب وكالة بلومبيرغ الدولية قدرت الحكومة الإسرائيلية التكلفة اليومية للحرب بنحو 260مليون دولار أو 600 مليون دولار أسبوعيا ، والتكلفة الاولية للخسائر حسب وزارة المالية الإسرائيلية بلغت 8 مليارات دولار .
في ظل تراجع التصنيف الائتماني للاقتصاد الإسرائيلي من مستقر إلى سلبي حسب وكالة ( ستاندر اند بور) ، وتضاعف عجز الميزانية خلال شهر 10 سبعة اضعاف مقارنة بالعام السابق سترتفع كلفة الاقتراض بالنسبة لإسرائيل ، وتقترض الدول عادة أما بطرح سندات بعملتها المحلية ، وتكون تلك السندات موجه للمستثمرين المحليين ويسمى دينا حكوميا أو دينا داخليا ،او ان تقوم بإصدار سندات موجهه للمستثمرين في الخارج بغير العملة المحلية بالتالي قد يكون بعملة دولية مثل: الدولار الامريكي ،او اليورو الاوروبي ، وفي هذه الحالة يطلق على الدين دينا سياديا أو دينا خارجيا ، مع الاشارة إلى ان الدين العام لإسرائيل بلغ في عام 2022 بحدود 335.7 مليار دولار، ونسبته إلى الناتج المحلي 60.5%.
وفي تقرير لصحيفة (كالكاليست) الاقتصادية الإسرائيلية نقلا عن وزارة المالية بداية شهر 11 بخصوص تكلفة الحرب على غزة من المتوقع ان تصل إلى 200 مليار شيكل (151 مليار دولار )، وهذه التقديرات تعادل 10% من الناتج المحلي الاجمالي الذي بلغ بحدود 500 مليار دولار امريكي في عام 2022( تحتل إسرائيل رقم 47 على مستوى العالم من حيث الناتج المحلي الاجمالي، ومتوسط دخل الفرد السنوي يزيد عن 42الف دولار امريكي )، وهذا التقديرات تعتمد على :
-احتمال استمرار الحرب من 8-10 شهور على غزة فقط دون توسعها في مناطق أخرى .
-عودة سريعة لقوات الاحتياط وعددهم 350 الف إسرائيلي .
- نصف التكاليف هي للأنفاق الحربي حيث ان التكلفة اليومية للحرب بحدود 260 مليون دولار يوميا.
-خسائر انخفاض الايرادات بحدود 10-15مليار دولار امريكي.
-اعادة تأهيل للاقتصاد الإسرائيلي بحدود 5 مليار دولار امريكي.
-تعويضات للشركات المتضررة بحدود 5 مليار دولار امريكي، وتشير الدراسات أن شركة من كل ثلاث شركات إسرائيلية اغلقت او تعمل ب20% من الطاقة الانتاجية .
أضف إلى ذلك وجود خطط لتعديل الميزانية لما تبقى من العام الجاري وهذا يزيد من حجم الأنفاق ب35مليار شيكل ( 8.8 مليار دولار ) سيتم توجيه القسم الاكبر للإنفاق الحربي ،ونتيجة الوضع الاقتصادي وجه جوشوا انغريست (إسرائيلي أمريكي حاز على جائزة نوبل في الاقتصاد) في بداية شهر 11 مع مجموعة من الاقتصاديين الإسرائيليين داخل وخارج إسرائيل وعددهم (300 اقتصادي ) رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرورة عدم تمويل اي شيء غير ضروري للحرب .
أثار الحرب الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني (4)
حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في نهاية 2022 يبلغ عدد الفلسطينيين في العالم 14.3مليون فلسطيني منهم 5.4مليون في فلسطين اي نسبة 37.8% من اجمالي عدد الفلسطينيين في العالم.
أما عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية نهاية 2022 فقد بلغ 7.1 مليون وهو يتساوى مع عدد اليهود في فلسطين التاريخية ،ويتوزع الفلسطينيين في دولة فلسطين بواقع 3.2مليون في الضفة الغربية (59.5%) و 2.2مليون فرد (40.5%) في غزة ، ويبلغ متوسط العمر 21.1سنة في عام 2022، ومعدل النمو السكاني في دولة فلسطين 2.4% بواقع 2.1% في الضفة الغربية و 2.8% في قطاع غزة.
خلال عام 2022 سجل الناتج المحلي ارتفاع نسبته 3.9% ( الضفة :3.6%، غزة :5.6%)، وانخفض العجز الجاري للحكومة الفلسطينية بنسبة 74.8% خلال عام 2022 مقارنة مع العام السابق ، بسبب ارتفاع حجم الايرادات العامة بنسبة 14%وانخفاض النفقات الجارية والاقتراض بنسبة 3.2% ، حيث وصل العجز الجاري الى 256.2 مليون دولار امريكي عام 2022 مقارنة مع 1015.7 مليون دولار امريكي في عام 2021.
فيما يتعلق بالدين العام فقد سجل انخفاض بنسبة 7.9% نهاية 2022، ليصل الى 3542.7 مليون دينار بالمقابل كان في عام 2021 فقد بلغ 3848.1 مليون دولار امريكي ، ويشكل مجموع الدين العام 18.5% من الناتج المحلي (بالأسعار الجارية ) عام 2022، بينما بلغ 21.2% في العام 2021 ، وبلغت حجم التسهيلات الائتمانية الممنوحة من قبل الجهاز المصرفي خلال عام 2022 بحدود 11045.0 مليون دولار امريكي .
أما معدل البطالة في عام 2022 فقد بلغ المتوسط 25.5%(45.3% في قطاع غزة و 14% في الضفة )، والتضخم 3.74%، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي 3.1الف دولار ، والناتج المحلي 15.6مليار دولار .
إن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاداً خدماتيا ، حيث ان مساهمته في الناتج المحلي 36.9%،اما النشاط الصناعي ، وهو دعامة اساسية من دعائم التنمية الاقتصادية لأي دولة ، من حيث توفير جزء من السلع التي يتم استخدامها في العمليات الانتاجية ، وتوفير سلع الاستهلاك النهائي ، بالإضافة الى مساهمته في الصادرات الفلسطينية ،فقد بلغت مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي 12%، ويمثل النشاط الزرعي نشاطا مهما للاقتصاد الفلسطيني فهو يساهم في توفير السلع والمواد الاولية التي تستخدم كمدخلات في العديد من الصناعات التحويلية ، بالإضافة الى كونه مصدر مهما للصادرات الفلسطينية ، ويعتمد النشاط الزراعي بشكل رئيس على الامطار ، واعتماد محدود على الاساليب الزراعية الحديثة ، ويساهم في الناتج المحلي بنسبة 6%، اما قطاع الانشاءات فقد كانت مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي 4.5%.
وقد تأثر الاقتصاد الفلسطيني بدرجة كبيرة نتيجة الحرب على غزة ،فحسب الاحصائيات الفلسطينية يوجد بحدود 140الف عامل فلسطيني يعملون في اسرائيل بالإضافة الى 18 الف عامل من قطاع غزة ، وانخفض العدد بدرجة كبيرة بسبب الحرب وتعليق اغلب الانشطة الاقتصادية باستثناء قطاع الزراعة والاغذية ، واجور هؤلاء العمال بحدود 1.5مليار شيكل ( 397مليون دولار)يتم ضخه في الضفة الغربية على شكل قوة استهلاكية وشرائية وخلال الحرب خسرت اسواق الضفة الغربية هذه القوة الشرائية وخصوصا المطاعم .
اما بخصوص القطاع المصرفي فقد اصدرت سلطة النقد الفلسطينية ( البنك المركزي ) في 25 اكتوبر تعليمات للمصارف العاملة في الضفة للتعامل مع اثار الحرب على غزة حيث تم تأجيل اقساط القروض الى نهاية كانون الثاني /2024،مع وجود خطورة تتعلق بالقروض المقدمة للأفراد والشركات في قطاع غزة وتبلغ لغاية نهاية شهر ايلول 923مليون دينار .
وتقدر منظمة العمل الدولية خسائر الاقتصاد الفلسطيني بما يعادل 16مليون دولار يوميا ،وفي حال استمرار الحرب ثلاثة شهور يتوقع ان ينكمش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 12% ، وارتفاع الخسارة الى 5 مليار دولار امريكي ، هذا الى جانب وجود تدمير شبه تام للبنية التحتية في غزة ، ونزوح عدد كبير من السكان الى جنوب غزة .
أما بورصة فلسطين فقد سجل مؤشر القدس تراجعا كبيرا ، وبدأ بالارتفاع مع اتخاذ مجلس ادارة هيئة سوق راس المال الفلسطينية قرار لمدة 3 شهور يسمح للشركات المساهمة العامة المدرجة شراء اسهمها دون اشتراط موافقة الهيئة العامة غير العادية ، بهدف زيادة وتعزيز استقرار اسعار الاوراق المالية في بورصة فلسطين ، ولغاية يوم 5/11/2023 تراجع المؤشر بنسبة 8.5%.